الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هللوا مائة، فيهللون مائة، ثم يقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة، فعاتبهم فاعتذروا بأنهم إنما أرادوا الخير، فقال لهم: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وايم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم.
فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج.
المبحث الرابع: خطورة التكفير وآثاره:
المسائل والقضايا المتعلقة بالإسلام والإيمان والكفر والنفاق مسائل عظيمة جدا؛ فإن الله علق بهذه الأسماء السعادة والشقاوة واستحقاق الجنة والنار، والاختلاف في مسمياتها أول اختلاف وقع في هذه الأمة، وهو خلاف الخوارج للصحابة حيث أخرجوا عصاة الموحدين من الإسلام بالكلية، وأدخلوهم في دائرة الكفر، وعاملوهم معاملة الكفار، واستحلوا بذلك دماء المسلمين وأموالهم، ثم بعد
خلافهم هذا ظهرت بقية الفرق وصارت الأمة شيعا وأحزابا (1).
وكان من الفوائد التي أخذت من قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما (2)» الزجر عن التكفير، والتحذير منه، والوعيد الشديد لمن تلبس به (3).
فالتكفير من الأحكام الشرعية التي مردها إلى الكتاب والسنة، فيجب التثبت فيه غاية التثبت، فلا يكفر ولا يفسق إلا من دل الكتاب والسنة على كفره أو فسقه، والأصل في المسلم الظاهر العدالة بقاء إسلامه وبقاء عدالته حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي.
فلا يصار إلى التكفير بمجرد الظن والهوى، فهو من أعظم القول على الله بلا علم، قال تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (4).
(1) ينظر: جامع العلوم والحكم، ابن رجب 1/ 114.
(2)
سبق تخريجه ص: 12.
(3)
ينظر: شرح النووي: 2/ 49، فتح الباري: ابن حجر: 10/ 466.
(4)
سورة الأعراف الآية 33
فالحكم على إنسان ما بالكفر حكم شرعي، مضبوط بضوابط معلومة من الكتاب والسنة، فلا يصار إليه إلا بأمر تجوز معه الشهادة عليه بالكفر، فإنه من أعظم البغي أن يشهد على معين أن الله لا يغفر له، ولا يرحمه، بل يخلده في النار، فإن هذا حكم الكافر بعد الموت، (1) ولهذا ذكر أبو داود في سننه في كتاب الأدب: باب النهي عن البغي، وذكر فيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين، فكان أحدهما يذنب، والآخر مجتهد في العبادة، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول: أقصر، فوجده يوما على ذنب فقال له: أقصر، فقال: خلني وربي أبعثت علي رقيبا؟ فقال: والله لا يغفر الله لك، أو لا يدخلك الجنة، فقبض أرواحهما فاجتمعا عند رب العالمين، فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالما؟ أو كنت على ما في يدي قادرا؟ وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار (2)» . قال أبو هريرة: والذي
(1) ينظر شرح الطحاوية ابن أبي العز: 2/ 485.
(2)
أخرجه أبو داود (4901).
نفسي بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته.
وقال القاضي عياض في مطلع فصل المكفرات القولية: اعلم أن تحقيق هذا الفصل وكشف اللبس فيه مورده الشرع، ولا مجال للعقل فيه (1).
وقال ابن تيمية مؤكدا على هذا: الكفر حكم شرعي متلقى عن صاحب الشريعة، والعقل قد يعلم به صواب القول وخطؤه، وليس كل ما كان خطأ في العقل يكون كفرا في الشرع.
وقال ابن الوزير: إن التكفير سمعي محض لا مدخل للعقل فيه، وإن الدليل على الكفر لا يكون إلا سمعيا قطعيا، ولا نزاع في ذلك (2).
فلا يتكلم في هذه المسألة إلا بعلم وبرهان من الله، ولا يخرج إنسان من الإسلام بمجرد الفهم واستحسان العقل، فإن إخراج رجل من الإسلام، أو إدخاله فيه، أعظم أمور الدين، وما تنازع العلماء في كونه كفرا؛ فالاحتياط للدين التوقف وعدم الإقدام ما لم يكن في
(1) الشفا، القاضي عياض جـ2 ص:604.
(2)
العواصم والقواصم، ابن الوزير: 4/ 178 - 179.
المسألة نص صريح من الكتاب أو السنة؛ فإن استباحة دماء المصلين الموحدين خطر عظيم، والخطأ في ترك ألف كافر أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم واحد (1).
ولما أن كان التكفير حكما شرعيا فقد كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم، وإن كان ذلك المخالف يكفرهم، فمن عيوب أهل البدع تكفير بعضهم بعضا، ومن ممادح أهل العلم أنهم يخطئون ولا يكفرون، فالكفر حكم شرعي، فليس للإنسان أن يعاقب بمثله، فكما لا يجوز للإنسان أن يكذب على من كذب عليه، أو يزني بأهل من زنى بأهله، لأن الكذب والزنا حرام لحق الله تعالى، فكذلك التكفير حق الله تعالى، فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله (2).
ومن الآثار المترتبة على التكفير والدالة على خطورته: ما ذكره الفقهاء من الأحكام الخاصة بالمرتد مثل: قتله لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس
(1) ينظر الشفا، القاضي عياض 22/ 595.
(2)
ينظر الرد على البكري، ابن تيمية الدار العلمية، دلهي الطبعة الثانية 1405 هـ، ص:257.
، والتارك لدينه المفارق للجماعة (1)».
وكون ماله يصير فيئا لا يرث ولا يورث، وعدم صحة تزويجه لأنه لا ولاية له، وتحريم ذبيحته، وترك الصلاة عليه، وما إلى ذلك من أحكام (2)؛ بل إن عقوبة الكافر المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلي من وجوه، منها: أن المرتد يقتل بكل حال، ولا يضرب عليه جزية، ولا تعتمد له ذمة؛ بخلاف الكافر الأصلي، ومنها أن المرتد يقتل وإن كان عاجزا عن القتال، بخلاف الكافر الأصلي الذي ليس هو من أهل القتال، فإنه لا يقتل عند أكثر العلماء، ومنها أن المرتد لا يزوج ولا تؤكل ذبيحته، خلاف الكافر الأصلي فهو - أي المرتد - شر من اليهود والنصارى (3).
ثم مما يبين خطورة التكفير والحكم على شخص بأنه كافر مستحق للقتل: خطورة القتل؛ روى الترمذي من حديث ابن عباس
(1) أخرجه البخاري (6878) ومسلم (1676) وأبو داود (4352) والترمذي (1402) والنسائي 7/ 90 - 91 وابن ماجه (2534) وأحمد 1/ 382، 428، 444.
(2)
ينظر: المغني ابن قدامة 12/ 264.
(3)
ينظر مجموع الفتاوى ابن تيمية: 28/ 234 مجموعة الرسائل والمسائل: 4/ 43.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة، ورأسه وناصيته بيده، وأوداجه تشخب دما، يقول: يا رب سل هذا فيم قتلني (1)» وقال: حديث حسن.
وفيه أيضا عن نافع قال: نظر عبد الله يوما إلى الكعبة، فقال: ما أعظمك، وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك.
وفي صحيح البخاري: «ومن استطاع أن لا يحول بينه وبين الجنة كف من دم أهراقه فليفعل (2)» .
في صحيحه أيضا عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1) أخرجه الترمذي (3029) وأخرجه أحمد: 1/ 240، 294 والنسائي: 7/ 85، 87 وابن ماجه:2621.
(2)
أخرجه البخاري رقم: 7152.