الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذلك لأن المنافقين لا يقاتلون إيمانا واحتسابا، بل رياء وسمعة وبحثا عما يقيمون به عذرهم. وهذا دليل جنبهم وذلتهم وضعف إيمانهم.
المبحث الرابع:
الصفة الرابعة: السعي بالفتنة بين جنود المسلمين، لا يألونهم خبالا والتجسس عليهم
.
الحرب النفسية من أقوى الأسلحة التي تضعف المقاتلين، ولهذا كان خروج المنافقين مع جند المسلمين ليس في صالحهم، بل هم عامل من عوامل إضعافهم، لما يفعلونه بالجند من تخذيل، وإضعاف للعزائم، وسعي بالنميمة، وتهويل للأمور، يقولون: قد جمع لكم عدوكم وفعل وفعل، أو: إنكم مهزومون وسيظهر عليكم عدوكم لا محالة، قال تعالى عنهم:{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} (1){لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ} (2)، وقد كان ذلك في غزوة تبوك، يقول سبحانه: لو خرج المنافقون معكم للغزو لم يزيدوكم
(1) سورة التوبة الآية 47
(2)
سورة التوبة الآية 48
بخروجهم إلا فسادا، وضرا وشرا، واضطرابا بإيقاع الجبن والفشل بين المؤمنين، يخوفونهم بأعدائهم ويعظمون الأمور، فيخذلونهم ويضعفون شجاعتهم، ولأسرع المنافقون في الدخول بينكم بالتفريق والإفساد وإيقاع العداوة والبغضاء بينكم بالنميمة ونقل الحديث يبغونكم الفتنة: أي يطلبون لكم ما تفتتنون به يقولون: إنكم مهزومون وسيظهر عليكم عدوكم ونحو ذلك.
وقيل معنى الفتنة: العنت والشر، وقيل: الكفر. قال تعالى: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} (1) أي مطيعون لهم يستمعون كلامهم ويطيعونهم، لو صحبوكم أفسدوا عليكم بتثبيط الناس عن السير معكم، وقيل معنى سماعون: جواسيس لهم يخبرونهم بما يسمعون منكم، ومن العلماء من رجح القول الأول وهو أن معنى سماعون: مطيعون، بدليل قوله تعالى في الآية الأخرى:{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} (2)، أي قابلون له، وأيد ابن القيم رحمه الله هذا القول فقال: " ولم يكن في المؤمنين جواسيس للمنافقين، فإن المنافقين كانوا مختلطين بالمؤمنين
…
ولم يكونوا متحيزين عنهم قد أرسلوا فيهم العيون ينقلون إليهم أخبارهم، فإن هذا إنما يفعله من انحاز عن طائفة ولم يخالطها " (3).
(1) سورة التوبة الآية 47
(2)
سورة المائدة الآية 41
(3)
تفسير ابن القيم ص (295).
والتأويل الثاني هو ما رجحه الطبري في تفسيره، فعنده أن المطيع يقال له سامع ولا تكاد تقول: هو له سماع مطيع (1)، فيكون عنده معنى سماعون: جواسيس. ثم وصف سبحانه المنافقين بأنهم ابتغوا الفتنة من قبل أي: طلبوا صد أصحابك عن دينهم، وردهم إلى الكفر، وخذلوا الناس عنك قبل هذا اليوم كما فعلوا يوم أحد.
وقلبوا لك الأمور، أي: أجالوا في إبطال الدين الذي جئت به، بتشتيت أمرك وتخذيل الناس عنك، وإنكار ما تأتيهم به، حتى نصرك الله وظهر الإسلام وهم كارهون.
ومن الأمثلة على ما يبثونه من شر وفساد أثناء الحرب:
أ- قولهم في غزوة بدر لما رأوا قلة المسلمين وكثرة الكفار أعدائهم، وظنوا أنهم سيهزمونهم لا يشكون في ذلك، قالوا: غر هؤلاء دينهم قال تعالى: {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (2)، أي غر هؤلاء الذين يقاتلون المشركين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم دينهم، يريدون أن يوهنوا عزائم المقاتلين، ويضعفونهم.
(1) تفسير الطبري (10/ 146) المجلد السادس.
(2)
سورة الأنفال الآية 49
ب- وفي غزوة الأحزاب لما كان المسلمون قلة محاصرين، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرهم بالنصر ويعدهم فتح بلاد فارس والروم، فقال ناس من المنافقين: كان محمد يعدنا فتح فارس والروم وقد حصرنا هاهنا حتى ما يستطيع أحدنا أن يبرز لحاجته، قال تعالى:{وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} (1) ولا يخفى ما في هذا القول من تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم والشك في نبوته وصدقه، وإذا صدر مثل هذا الكلام ممن يظهر الإسلام، ويمشي بين المسلمين الذين خرجوا لقتال أعدائهم أحدث بلبلة وفتنة بينهم.
وقد سمى الله سبحانه وتعالى المنافقين المرجفين في المدينة، قال تعالى:{لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا} (2)، فالذين في قلوبهم مرض: هم أهل النفاق الذين يطلبون النساء فيبتغون الزنا، والمنافقون أصناف فهؤلاء صنف منهم، مرضهم من أمر النساء.
(1) سورة الأحزاب الآية 12
(2)
سورة الأحزاب الآية 60