الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم ينصرفوا، وذلك لشدة خوفهم وجبنهم، وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب: أي وإن ترجع هذه الأحزاب إليهم للقتال بعد أن ذهبوا يتمنى المنافقون لو كانوا في البادية مع الأعراب جبنا وهلعا وخوفا من القتل، يسألون عن أخباركم هل هلك محمد وأصحابه، يتمنون أن يسمعوا أخبارا بهلاك المؤمنين.
المبحث السابع:
الصفة السابعة: موالاة الكفار:
موالاة الكفار صفة متأصلة في نفوس المنافقين لا تنفك عنهم لحظة، ولو لم يكن من صفات المنافقين إلا هي لكفت لمعرفتهم، وأصل الموالاة: إظهار المودة بالأقوال والأفعال.
وهي عند العلماء: متابعة غير المسلمين، ومحبتهم، والميل إليهم، وما يتبع ذلك من نصرتهم ومصاحبتهم، ومصادقتهم، ومناصحتهم وإسرار المودة إليهم وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم (1).
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله (2)» .
(1) تفسير ابن كثير (1/ 571).
(2)
رواه الطبراني في الكبير (11/ 215) والطيالسي ص (50) والحاكم في المستدرك (2/ 480) وصحح إسناده وخالفه الذهبي، ونحوه عند الإمام أحمد في مسنده (4/ 28) والحديث حسنه الألباني في الصحيحة (2/ 734).
والموالاة محرمة بالإجماع، ومن تولى المشركين فهو مشرك. وقد أوجب الله سبحانه معاداة الكفار وأكد إيجابها، وحرم موالاتهم وشدد فيها، حتى إنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم بعد وجوب التوحيد وتحريم الشرك (1).
ولما كان قلب المنافق مملوءا بحب الكافرين لم نجد فيه أي محبة المؤمنين إذ كيف يجتمع في قلبه حبهم وحب من يخالفهم في كثير من الأمور قال تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (2){الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} (3) فعلم بهذه الآية أن المنافقين هم أشد الناس ولاء للكفار وتشبها بهم.
وشيخ الإسلام ابن تيمية عندما تحدث عن الرافضة وأنهم أكثر الطوائف نفاقا ذكر أن كثيرا منهم يواد الكفار من وسط قلبه أكثر من موادته للمسلمين. ولهذا لما خرج الترك الكفار من جهة المشرق فقاتلوا المسلمين وسفكوا دماءهم، ببلاد خرسان والعراق والشام والجزيرة وغيرها، كانت الرافضة معاونة لهم على قتال المسلمين،
(1) بيان النجاة والفكاك لحمد بن عتيق ص (257 و 260).
(2)
سورة النساء الآية 138
(3)
سورة النساء الآية 139
ووزير بغداد المعروف بالعلقمي هو وأمثاله كانوا من أعظم الناس معاونة لهم على المسلمين، وكذلك الذين كانوا بالشام بحلب وغيرها من الرافضة كانوا من أشد الناس معاونة لهم على قتال المسلمين. وكذلك النصارى الذين قاتلهم المسلمون بالشام كانت الرافضة من أعظم أعوانهم. وكذلك إذا صار لليهود دولة بالعراق وغيره تكون الرافضة من أعظم أعوانهم، فهم دائما يوالون الكفار من المشركين واليهود والنصارى، ويعاونونهم على قتال المسلمين ومعاداتهم (1).
ومن صور موالاة المنافقين أعداء الله الكفار أثناء الحروب:
الاستحواذ على الكفار بترك قتالهم، أو بإفشاء أسرار المؤمنين إليهم.
يتودد المنافقون إلى الكفار، ويمنون عليهم دوما بأنهم ينصرونهم
(1) مختصر منهاج السنة لابن تيمية اختصره عبد الله الغنيمان (1/ 111)
ويشاركونهم الحرب في الباطن ضد المسلمين، ويذكرونهم أنهم إذا جاءت الحرب تركوا القتال فلم يخرجوا مع المسلمين، أو انسحبوا قبل بدء القتال، وأنهم إن خرجوا مع الجند أبقوا علاقتهم وثيقة وطيدة مع الكفار حيث تدوم بينهم المراسلات يخبرونهم فيها بحال المسلمين، وقد ذكر الكلبي أن قوله تعالى:{لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} (1)، نزلت في المنافقين عبد الله بن أبي وأصحابه كانوا يتولون اليهود والمشركين ويأتونهم بالأخبار ويرجون أن يكون لهم الظفر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية.
وقد ذكر الله هذه الصفة عنهم أيضا في قوله سبحانه: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (2)، يصف الله المنافقين الذين ينتظرون بالمسلمين الدوائر فإن كان للمسلمين نصر وغنيمة قالوا: ألم نكن على دينكم فاجعلوا لنا نصيبا من الغنيمة، وإن كان
(1) سورة آل عمران الآية 28
(2)
سورة النساء الآية 141