الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن طلقها قبل المس ولم يكن فرض لها صداقا وجب لها المتعة بالمعروف. وإن طلقها قبل المس، وكان قد فرض لها صداقا فلها نصف الصداق. قال الله عز وجل:{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} (1){وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (2).
(1) سورة البقرة الآية 236
(2)
سورة البقرة الآية 237
المبحث الثاني: أقسام الصداق بالنسبة للأجل:
ينقسم الصداق بالنسبة للأجل إلى قسمين معجل ومؤجل، وبما أن الصداق حق للمرأة وحدها فإنه يستحب دفعه كله معجلا عند العقد، ويجوز تأخيره كله، ويصح أن يكون بعضه معجلا وبعضه مؤجلا، على حسب ما يتم الاتفاق عليه عند عقد الزواج وهذا باتفاق الفقهاء.
وذلك لأن الصداق عوض في معاوضة فجاز ذلك فيه كالثمن (1)، وهو عقد على منفعة فجاز بما ذكرنا كالإجارة (2). ويرى المالكية استحباب تقديم شيء من المهر المؤجل قبل الدخول بالزوجة ولا يشترطونه (3).
وأما شيخ الإسلام فقد مال إلى كراهة التأجيل (4)، واستنبط ذلك من قصة الرجل الذي قال: لم أجد إلا إزاري، ولم يجد ولو خاتما من حديد، فزوجه النبي صلى الله عليه وسلم بما معه من القرآن، وكان من الممكن أن يؤجل الصداق، ولقوله تعالى:{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} (5) الآية، وقد يستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم:«يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم (6)» ،
(1) المغني: 10/ 115، الكافي: 3/ 91، الشرح الكبير لابن قدامة: 21/ 127.
(2)
المهذب: 4/ 196، تكملة المجموع: 16/ 328.
(3)
المنتقى شرح الموطأ: 3/ 277، الشرح الصغير للدردير: 1/ 410، منح الجليل: 3/ 421، 422.
(4)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام 32/ 194 - 195.
(5)
سورة النور الآية 33
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح، كتاب النكاح، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، 9/ 8 برقم (5065) واللفظ له، ومسلم في صحيحه بشرح النووي، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة: 9/ 172.
وهذا الحديث ليس قوي الدلالة؛ إذ قد يقول قائل: إن قوله: (من استطاع) يعم المعجل والمؤجل، وقال الشيخ ابن عثيمين: لكن لا شك أنه إذا أمكن الزواج بدون تأجيل فهو الأفضل، لا ريب في هذا؛ لأن إلزام الإنسان نفسه بالدين ليس بالأمر الهين (1).
وإذا ذكر الزوج أو المرأة أو وليها الصداق وفرضه وأطلق اللفظ اقتضى الحلول (2)؛ لأن الأصل عدم الأجل (3).
وتأجيل الصداق له ثلاث حالات:
الحالة الأولى: التأجيل إلى وقت محدد. وقد اتفق الفقهاء على صحة الأجل فيما يقبل التأجيل إذا كان الأجل معلوما، لأن عقد
(1) الشرح الممتع 12/ 271.
(2)
منح الجليل: 3/ 419 الشرح الكبير لابن قدامة: 21/ 127، الإنصاف: 21/ 127، كشاف القناع: 5/ 134.
(3)
كشاف القناع: 5/ 134.
النكاح عقد معاوضة فجاز ذلك فيه كالثمن (1).
الحالة الثانية: التأجيل إلى وقت وزمن مجهول:
إذا كانت الجهالة متقاربة كالحصاد والدياس ونحوه فهو كالمعلوم الصحيح، فيصح إلى أجله. وهذا عند الحنفية (2)، والمالكية (3)، والحنابلة (4)، وإن كانت الجهالة متفاحشة كإلى هبوب الريح، ومجيء المطر، ونحوه مما لا يعلم له وقت، لم يصح للجهالة، فيبطل الأجل، ويجب المهر حالا. وهذا عند الحنفية (5)، والمالكية (6)، والحنابلة (7)؛ لأن جهالة الأجل تفضي إلى المنازعة في التسلم والتسليم، فهذا يطالبه في قريب المدة، وذاك في بعيدها، وكل ما
(1) انظر: كشاف القناع: 5/ 134.
(2)
بدائع الصنائع: 2/ 288، رد المحتار على الدر المختار: 4/ 291.
(3)
الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي عليه: 2/ 297.
(4)
المغني لابن قدامة: 10/ 115 الشرح الكبير لابن قدامة: 21/ 128.
(5)
بدائع الصنائع: 2/ 288، رد المحتار على الدر المختار: 4/ 291.
(6)
الشرح الصغير للدردير: 1/ 414، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 2/ 297.
(7)
المغني لابن قدامة: 10/ 115 الشرح الكبير لابن قدامة: 21/ 128 كشاف القناع: 4/ 135.
يفضي إلى المنازعة يجب إغلاق بابه، ولأنه سيؤدي إلى عدم الوفاء بالعقود، وقد أمرنا بالوفاء بها (1).
وعند الشافعية تفسد التسمية في التأجيل إلى زمن مجهول، ويجب لها مهر المثل؛ لأنه عوض مجهول المحل ففسد كالثمن في البيع (2).
وإنما صح الأجل المطلق دون المجهول؛ لأن أجل المطلق الفرقة - طلاق أو فسخ أو موت - بحكم العادة، وقد صرفه هاهنا عن العادة بذكر الأجل ولم يبينه فبقي مجهولا (3).
الحالة الثالثة: التأجيل مطلقا:
إذا اشترط الزوج تأجيل الصداق ولم يذكر وقتا محددا، فقد اختلف الفقهاء رحمهم الله في صحة ذلك، ووقت حلوله، على أقوال:
القول الأول: إنه يصح الأجل، ومحله الفرقة بطلاق أو فسخ أو موت، وإليه ذهب بعض الحنفية، وروي عن أبي يوسف ما يؤيده (4)،
(1) الموسوعة الفقهية: 2/ 33.
(2)
الإشراف على مذاهب أهل العلم 1/ 42، نهاية المحتاج: 6/ 336.
(3)
المغني لابن قدامة: 10/ 115 - 116، الشرح الكبير لابن قدامة: 21/ 128، كشاف القناع: 4/ 135.
(4)
رد المحتار: 4/ 291، بدائع الصنائع: 2/ 288.
وبعض المالكية (1)، وهذا رواية عن أحمد؛ حيث قال: إذا تزوج على العاجل والآجل لا يحل إلا بموت أو فرقة، وقال به القاضي أبو يعلى وعليه أكثر الأصحاب، وبه قال النخعي
(1) بداية المجتهد: 2/ 39، منح الجليل: 3/ 422.
والشعبي (1)، وهو الصحيح (2)، والمذهب (3)، وهو من مفردات المذهب (4) ورجحه الشيخ ابن عثيمين (5).
دليل هذا القول: أن كل لفظ مطلق يحمل على العرف والعادة، والعرف في الصداق المؤجل ترك المطالبة به إلى حين الفرقة فحمل عليه، فيصير حينئذ معلوما بذلك (6).
القول الثاني: يبطل الأجل ويكون حالا، وإليه ذهب بعض الحنفية (7)،
(1) الإشراف على مذاهب أهل العلم: 1/ 41 مصنف ابن أبي شيبة: 4/ 160.
(2)
الإنصاف: 21/ 127.
(3)
الإنصاف: 21/ 129.
(4)
الإنصاف: 21/ 129.
(5)
الشرح الممتع: 12/ 273.
(6)
الشرح الكبير لابن قدامة 21/ 128.
(7)
بدائع الصنائع 2/ 288 شرح فتح القدير 2/ 473.
ورواية عن أحمد وبه قال الحسن وحماد بن أبي سليمان، والثوري
وأبو عبيد. .
ولم أعثر لهم على أدلة تعضد ما ذهبوا إليه.
القول الثالث: يبطل الأجل والمهر فاسد، ولها مهر المثل، وإليه ذهب الشافعي (1)، وراية عن أحمد (2)، وبها قال أبو الخطاب
(1) الإشراف على مذاهب أهل العلم 1/ 38، 42 نهاية المحتاج 6/ 336، مغني المحتاج 4/ 400.
(2)
المغني 10/ 115 الشرح الكبير 21/ 128، الكافي 3/ 92 الفروع 8/ 320 الإنصاف 21/ 128.
من الحنابلة (1).
دليل هذا القول: أن المهر المؤجل دون ذكر وقته عوض مجهول المحل ففسد كالثمن في البيع (2).
ويمكن أن يجاب على هذا الاستدلال: أن عدم إطلاق الأجل لا يقتضي الفساد؛ بل ينصرف اللفظ إلى ما يجري به العرف، والعرف ينصرف إلى الفرقة، والقاعدة الفقهية: أن المعروف عرفا كالمشروط شرطا (3).
القول الرابع: يصح الأجل، ولا يحل حتى يطلق أو يخرج من مصرها، أو يتزوج عليها، وبه قال إياس بن معاوية (4).
(1) المغني 10/ 115 الشرح الكبير 21/ 128، المقنع 21/ 127، الإنصاف 21/ 128.
(2)
المغني 10/ 115، الكافي 3/ 92 الشرح الكبير 21/ 128، كشاف القناع 5/ 134 - 135.
(3)
شرح القواعد الفقهية لأحمد الزرقاء القاعدة الثانية، والأربعون ص 237.
(4)
الإشراف على مذاهب أهل العلم 1/ 42، المغني 10/ 115 الشرح الكبير 21/ 127.
ولم أعثر لهم على أدلة تعضد ما ذهبوا إليه.
القول الخامس: يصح الأجل ويحل بعد سنة من الدخول بها، وبه قال مكحول والأوزاعي (1).
ولم أعثر لهم على أدلة تعضد ما ذهبوا إليه.
الراجح ووجه الترجيح:
بالنظر إلى الأقوال السابقة نجد خلو أكثرها من الأدلة، ولعل الراجح - والله أعلم - القول الأول، وهو صحة الأجل وحلول
(1) الإشراف على مذاهب أهل العلم 1/ 42، المغني 10/ 115 الشرح الكبير 21/ 128.