الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسقط عنه الصداق.
المبحث العاشر: تعجيل الصداق المؤخر في مقابل التنازل عن بعضه:
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في تعجيل الدين المؤجل في مقابل التنازل عن بعضه:
هذه المسألة هي مسألة تعجيل الدين المؤجل في مقابل التنازل عن بعضه، وهي المسألة المعروفة بـ «ضع وتعجل» .
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: جواز تعجيل الدين المؤجل في مقابل التنازل عن بعضه، وبه قال بعض الحنفية (1)، وبعض الشافعية (2) وهو رواية عند الحنابلة (3)، وهو رأي ابن عباس، والنخعي وبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية (4). وابن القيم (5).
(1) رد المحتار على الدر المختار 4/ 248.
(2)
فتاوى ابن السبكي 1/ 379.
(3)
الإنصاف 13/ 131.
(4)
الاختيارات ص 134، الإنصاف 13/ 131
(5)
إغاثة اللهفان 2/ 9، إعلام الموقعين 5/ 331.
أدلة هذا القول:
أولا: حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: «لما أمر بإخراج بني النضير جاء ناس منهم فقالوا: يا نبي الله إنك أمرت بإخراجنا ولنا على الناس ديون لم تحل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعوا وتعجلوا (1)» فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاز لبني النضير أن يعجلوا ديونهم مقابل التنازل عن بعضها وهذا دليل الجواز.
ثانيا: ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما بأنه كان لا يرى بأسا أن يقول أعجل لك وتضع عني.
(1) أخرجه البيهقي في سننه، كتاب البيوع، باب من عجل له أدنى من حقه قبل محله فقبله، ووضع عنه طيبة به أنفسهما 6/ 28، وسكت عنه، والدارقطني في سننه كتاب البيوع 3/ 46، وقال: اضطرب في إسناده مسلم بن خالد، وهو سيئ الحفظ ضعيف، مسلم بن خالد ثقة إلا أنه سيئ الحفظ، وقد اضطرب في هذا الحديث، ورواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين 2/ 61 برقم (2325)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ورواه الطبراني في المعجم الأوسط 2/ 249، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 130: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه مسلم بن خالد الزنجي، وهو ضعيف، وقد وثق، وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان 2/ 11: هو على شرط السنن، وقد ضعفه البيهقي، وإسناده ثقات، وإنما ضعف بمسلم بن خالد الزنجي، وهو ثقة فقيه روى عنه الشافعي، واحتج به.
ثالثا: أنه لا بأس أن يعجل الكاتب لسيده ويضع عنه، فكذلك يجوز في بقية الديون (1).
أجيب عنه: بأن السيد يبيع بعض ماله ببعض فدخلت المسامحة فيه، ولأنه سبب العتق فسومح فيه بخلاف غيره (2) كما أن معاملة السيد مع مكاتبه من باب الإرفاق لا من باب المعاوضة، ولهذا قالوا: لا يجري الربا بين السيد والمكاتب، فإن السيد يضع عن مكاتبه جزءا من البدل تيسيرا عليه، والمكاتب يعجل بما بقي من الدين مسارعة إلى الحصول على شرف الحرية (3).
رابعا: أن الدائن آخذ لبعض حقه تارك لبعضه، فجاز كما لو كان الدين حالا (4).
القول الثاني: لا يجوز تعجيل الدين المؤجل في مقابل التنازل عن
(1) الإنصاف 13/ 131 المبدع 4/ 280.
(2)
المبسوط 13/ 126.
(3)
تبيين الحقائق 5/ 43 المبدع شرح المقنع 4/ 280، كشاف القناع 3/ 392.
(4)
المغني 7/ 21.
بعضه وبه قال جمهور الفقهاء من الحنفية (1) والمالكية والشافعية وهو الصحيح والمذهب عند الحنابلة وإليه ذهب الظاهرية (2).
أدلة هذا القول:
أولا: ما روي «عن المقداد بن الأسود (3) رضي الله عنه قال: أسلفت رجلا مائة دينار، ثم خرج سهمي في بعث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له
(1) المبسوط 13/ 126، البناية شرح الهداية 9/ 33، تبيين الحقائق 5/ 41، البحر الرائق 7/ 259.
(2)
المحلى 8/ 83.
(3)
رواه البيهقي في سننه في كتاب البيوع، باب لا خير في أن يعجله بشرط أن يضع عنه 6/ 28 قال ابن القيم في إغاثة اللهفان 2/ 10: وفي سنده ضعف.
عجل لي تسعين دينارا، وأحط عشرة دنانير، فقال: نعم، فذكر ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم فقال: أكلت ربا يا مقداد وأطعمته».
ثانيا: ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سئل عن الرجل يكون له الدين على الرجل إلى أجل، فيضع عنه صاحب الحق ويعجله الآخر، فكره ذلك.
ثالثا: قياس هذه المسألة على مسألة زيادة الدين مقابل الأجل.
رابعا: أنه بيع الحلول، فلم يجز كما لو زاده الذي له الدين فقال: أعطيك عشرة دراهم وتعجل لي المائة التي عليك (1).
نوقشت هذه الأدلة: بأن حديث المقداد رضي الله عنه في سنده ضعف (2) وبأن هذا عكس الربا، فإن الربا يتضمن الزيادة في أحد العوضين في مقابلة الأجل، وهذا يتضمن براءة ذمته من بعض العوض في مقابلة سقوط بعض الأجل، فسقط بعض العوض في مقابلة سقوط بعض الأجل، فانتفع به كل واحد منهما، ولم يكن هنا ربا لا حقيقة ولا لغة ولا عرفا، والذين حرموا ذلك إنما قاسوه على الربا، ولا يخفى الفرق الواضح بين قوله:(عجل لي) و (أهب لك مائة) فأين أحدهما من الآخر، فلا نص في تحريم ذلك، ولا إجماع ولا قياس صحيح (3).
الراجح ووجه الترجيح:
الراجح - والله أعلم - القول الأول وهو: القول بالجواز، لوجاهة أدلته وبه أخذ مجمع الفقه الإسلامي حيث جاء في القرار رقم 66 2 7 ما يلي (الحطيطة من الدائن أو المدين (ضع وتعجل) جائزة شرعا، لا تدخل في الربا المحرم إذا لم تكن بناء على اتفاق
(1) المغني 7/ 21، الشرح الكبير 13/ 131.
(2)
إغاثة اللهفان 2/ 10.
(3)
إعلام الموقعين 3/ 331 - 332.
مسبق، وما دامت العلاقة بين الدائن والمدين ثنائية، فإذا دخل بينهما طرف ثالث لم تجز، لأنها تأخذ عندئذ حكم حسم الأوراق التجارية. ورجحه الشيخ عبد الرحمن بن سعدي والشيخ ابن باز (1) وابن عثيمين رحمهم الله تعالى ولأنه ليس في المنع دليل صحيح، والأصل في المعاملات الحل.
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ بن باز، فتاوى الفقه، البيوع 19/ 301، سؤال رقم (173).