الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
صفات تظهر بعد الحروب. وأفردت لها بحثا مستقلا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الفصل الثاني: صفات المنافقين أثناء الحرب
وفيه سبعة مباحث:
المبحث الأول:
الصفة الأولى الانسحاب من المعركة والرجوع
.
المبحث الثاني: الصفة الثانية ظهور علامات الفرح عليهم بعد تخلفهم عن الحرب.
المبحث الثالث: الصفة الثالثة عدم المشاركة في القتال مع خروجهم مع الجيش، أو القتال قليلا.
المبحث الرابع: الصفة الرابعة السعي بالفتنة بين جنود المسلمين لا يألونهم خبالا.
المبحث الخامس: الصفة الخامسة تجريح القيادة، ونسبة ما يصيب المسلمين من سيئة لسوء تصرفها.
المبحث السادس: الصفة السادسة الخوف والجبن.
المبحث السابع: الصفة السابعة موالاة الكفار.
المبحث الأول: الصفة الأولى، الانسحاب من المعركة والرجوع:
المؤمن التقي الذي عقد قلبه على حب الله ورسوله إذا كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر جامع يجمعهم من حرب حضرت، أو صلاة
اجتمع لها، أو تشاور في أمر هام، لا ينصرف حتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قائد المسلمين بعده، وفي هذا يقول الله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1)، أما المنافق فيتحين الفرص للتسلل والانسحاب لا يرجوا ثوابا ولا يخاف عقاب الله المطلع على سرائره فهو في شك من دينه، وهذه الصفة وهي الانسحاب من المعركة متأصلة في المنافقين، تظهر واضحة قبل المعركة وأثناءها، وقد ذكر الله عنهم هذه الصفة وهي الانسحاب قبيل بدء المعركة في أكثر من موضع من كتابه، فقال تعالى واصفا حالهم في معركة أحد لما انسحب عبد الله ابن سلول رأس المنافقين ومعه ثلث الجيش من أتباعه قال سبحانه:{وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} (2).
وفي غزوة تبوك تخلف كثير منهم قبل المعركة
(1) سورة النور الآية 62
(2)
سورة آل عمران الآية 167
قال تعالى: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (1){عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} (2){لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} (3){إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} (4){وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} (5){لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} (6){لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ} (7){وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} (8){إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ} (9).
وفي سورة التوبة يقول سبحانه: {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ} (10){رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} (11).
(1) سورة التوبة الآية 42
(2)
سورة التوبة الآية 43
(3)
سورة التوبة الآية 44
(4)
سورة التوبة الآية 45
(5)
سورة التوبة الآية 46
(6)
سورة التوبة الآية 47
(7)
سورة التوبة الآية 48
(8)
سورة التوبة الآية 49
(9)
سورة التوبة الآية 50
(10)
سورة التوبة الآية 86
(11)
سورة التوبة الآية 87
وفي غزوة الخندق انسحب المنافقون ولم يشاركوا المؤمنين.
فإنه لما جاءت الأحزاب قرر رسول الله صلى الله عليه وسلم حفر الخندق حول المدينة وعمل المسلمون معه في هذا العمل الشاق مع الخوف والبرد والجوع، وكان المنافقون يرجعون إلى بيوتهم بغير إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويورون بالضعيف من العمل ويتسللون مختفين يعلمون أن عملهم هذا لا يحبه الله ورسوله، قال تعالى:{لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (1)(2).
يحذر الله عباده من دعاء الرسول عليهم إذا أسخطوه فإن دعاءه موجب لنزول البلاء، فليس دعاءه كدعاء غيره، ومن أسباب سخطه صلى الله عليه وسلم الانصراف عنه في الأمر الذي يجمعهم، والله يعلم حال المنافقين الذين يخرجون في تستر وخفية منه صلى الله عليه وسلم يستر بعضهم بعضا ويروغ لواذا عن نبي الله صلى الله عليه وسلم وعن كتابه، وقيل يلوذ بعضهم ببعض، وقيل لواذا من الصف. وفعلهم هذا وإن خفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يخفى على الله فليتق الله من يفعل ذلك أن تصيبه فتنة فيطبع الله على قلبه فلا يأمن أن يظهر الكفر بلسانه فتضرب عنقه في الدنيا، أو يصيبه
(1) سورة النور الآية 63
(2)
انظر: السيرة لابن هشام (3/ 226) ودلائل النبوة للبيهقي (3/ 409).
عذاب أليم في الآخرة.
وفي سورة الأحزاب يقول الله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} (1){وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} (2)، وقد كان ذلك يوم الأحزاب حين ظهر النفاق، وكان المنافقون يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجوع للمدينة ويتعللون بأعذار واهية، والشاهد هنا قوله تعالى:{إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} (3) أي ما يريدون إلا الفرار والهرب من عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم لا يؤمنون بقضاء الله وقدره، ولا يعلمون أن الفرار لا ينفعهم، فما كتبه الله عليهم سينزل بهم لا محالة، سواء كان موتا أو قتلا، فإن من حضر أجله مات أو قتل، قال تعالى مبينا سوء عقيدتهم واعظا لهم:{قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا} (4)، وباستقراء الآيات من كتاب الله نجد أن أعذار المنافقين حين يتخلفون عن المعركة تتلخص في الأمور الآتية:
(1) سورة الأحزاب الآية 12
(2)
سورة الأحزاب الآية 13
(3)
سورة الأحزاب الآية 13
(4)
سورة الأحزاب الآية 16