الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتزداد فرحة هؤلاء المنافقين إن كان النصر للكفار، لما لله في هذا من حكمة الابتلاء، يفرحون بالنجاة وبما نال المسلمين من المصيبة، قال تعالى:{إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ} (1)، أي إن أصابتك مصيبة من قتل أو هزيمة يقولوا قد أخذنا حذرنا بالتخلف والقعود عن القتال، ويتولوا ويدبروا وهم فرحون مسرورون بهذا التخلف (2).
(1) سورة التوبة الآية 50
(2)
انظر: تفسير الطبري (10/ 150) المجلد السادس وتفسير البغوي (2/ 299).
المبحث الثالث:
الصفة الثالثة: عدم المشاركة في القتال مع خروجهم مع الجيش، أو القتال قليلا:
المنافقون الذين يظهرون الإيمان، ويبطنون الكفر، يريدون أن يستروا كفرهم بالخروج مع المسلمين للقتال، فقد يخرجون مع جيوشهم، كما أنهم يصلون معهم مع كسلهم وتخلفهم عن بعض الصلوات، ويصومون معهم، لكنهم بهذا الخروج لا يزيدون المؤمنين قوة لجبنهم وإفسادهم، قال تعالى:{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} (1)، أي لو خرج فيكم أيها المؤمنون هؤلاء المنافقون لم
(1) سورة التوبة الآية 47
يزيدوكم بهذا الخروج إلا فسادا وضرا (1).
وفي موضع آخر يقول سبحانه: {يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا} (2)، أي أن المنافقين من خوفهم وهلعهم يظنون الأحزاب لم ينصرفوا عن القتال، وإن كانوا قد انصرفوا، وإن يرجع الأحزاب للقتال بعد ذهابهم يتمنى المنافقون أنهم كانوا في البادية مع الأعراب، لشدة خوفهم يسألون عن أخباركم وما آل إليه أمركم، ولو كانوا فيكم أي: لو كان هؤلاء المنافقون معكم ما نفعوكم وما قاتلوا المشركين إلا تعذيرا، فيقولون: قد قاتلنا، وربما لا يكون هذا القتال إلا شيئا يسيرا كرميهم الكفار بالحجارة.
وقد ذكر ابن هشام وغيره أن رسول الله في غزوة الأحزاب ضرب الخندق على المدينة، فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمل المسلمون معه، فدأب فيه ودأبوا، وأبطأ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن المسلمين في عملهم ذلك رجال من المنافقين، وجعلوا يورون - أي يستترون - بالضعيف من العمل (3).
(1) انظر: تفسير الطبري (10/ 144) المجلد السادس.
(2)
سورة الأحزاب الآية 20
(3)
السيرة النبوية لابن هشام (3/ 266) ودلائل النبوة للبيهقي (3/ 409).