الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحتويات
الافتتاحية لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ ....... 7
الفتاوى
من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ....... 63
من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ....... 79
من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ....... 93
من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ....... 111
البحوث
التمذهب دراسة تأصيلية واقعية لفضيلة الدكتور / عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين ....... 125
زكاة الأراضي وقضياها المعاصرة لفضيلة الدكتور / عبد الله بن عمر بن محمد السحيباني ....... 187
ضوابط قيم السلوك مع الله عند ابن قيم الجوزية لفضيلة الدكتور / مفرح بن سليمان بن عبد الله القوسي ....... 261
فضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود لمعالي الدكتور / محمد بن سعد الشويعر ....... 333
صفحة فارغة
الافتتاحية
لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:
فيا أيها الناس، يا من خلقتم لأمر عظيم، وهيئتم لشأن جسيم، أيها المسلمون، يا من شرفكم الله بهذا الدين القويم، وجعلكم خير أمة أخرجت للناس، يا من حملتم رسالة عظمى، رسالة الدين الخالدة، لإسعاد البشرية وهدايتها.
حجاج بيت الله الحرام، يا من وطئت أقدامكم أرض عرفات الطاهرة، تلك الأرض المباركة، يا من أجبتم داعي الله، يا من فارقتم الوطن والأهل والمال، يا من جمعتكم رابطة لا إله إلا الله في مظهر واحد، في مكان واحد، لغاية واحدة، هي عبادة الله وحده لا شريك له.
يا معشر المسلمين، يا من أظهروا فرحا بهذا اليوم المبارك، يا
من صاموه يرجون ما رتب عليه من الفضل العظيم، أوجه وصيتي لكم من هذا المنبر المبارك، فأقول: أوصيكم ونفسي بتقوى الله.
* فتقوى الله وصية الله للأولين والآخرين، {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} (1).
* تقوى الله دعوة الأنبياء، وشعار الأولياء، فكل نبي يقول لقومه:{أَلَا تَتَّقُونَ} (2)، وأولياء الله الذين آمنوا وكانوا يتقون.
* تقوى الله فرقان بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال، عرفان تتجلى به الأمور، والنور الذي تنشرح به الصدور، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (3).
* تقوى الله فيه تيسير الأمور، وتفريج الكروب، وإعظام الأجور، قال تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (4){وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (5)، وقال:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (6)، وقال {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} (7).
* تقوى الله عنوان الكرامة في الدنيا والآخرة {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (8).
* تقوى الله طريق النجاة من النار بعد الورود عليها، قال تعالى:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} (9){ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} (10)،
(1) سورة النساء الآية 131
(2)
سورة الشعراء الآية 106
(3)
سورة الحديد الآية 28
(4)
سورة الطلاق الآية 2
(5)
سورة الطلاق الآية 3
(6)
سورة الطلاق الآية 4
(7)
سورة الطلاق الآية 5
(8)
سورة الحجرات الآية 13
(9)
سورة مريم الآية 71
(10)
سورة مريم الآية 72
وقال: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (1)، وقال:{تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا} (2).
أمة الإسلام، لقد أرسل الله عز وجل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، بعثه والخلق يعيشون في بيداء الكفر والضلال، يعيشون حياة الجاهلية الفوضوية، لا حق يقام، ولا هدى يتبع، ولا قائد يحتذى، ولا إمام دعوة يتأسى بدعوته، فبعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أخرج به الناس من الظلمات إلى النور، هداهم به بعد الضلالة، بصرهم به بعد الغواية، وأصلحهم به بعد الفساد، وعلمهم به بعد الجهالة {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (3).
دعا الناس إلى الله، وإلى إخلاص الدين لله، وأخبرهم أن دين الإسلام بني على أركان خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام.
أخبرهم أن الإنسان لا يتحقق إسلامه إلا بعد الإقرار بهذه الأركان والإتيان بها كاملة بإيمان وإخلاص.
أيها المسلمون، لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن
(1) سورة الزمر الآية 61
(2)
سورة مريم الآية 63
(3)
سورة التوبة الآية 33
مسألتين: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ فجواب الأولى: بتحقيق كلمة التوحيد لا إله إلا الله، علما وإقرارا وعملا، وجواب الثانية: بتحقيق أن محمدا رسول الله، علما وإقرارا وتأسيا وطاعة.
كلمة التوحيد لا إله إلا الله حقيقتها كما دل عليه القرآن: ألا معبود بحق إلا الله، فلا دعاء ولا خضوع ولا خشوع إلا لله وحده، ولا استعانة ولا استغاثة إلا بالله، ولا ذبح ولا نذر إلا لله، ولا تتعلق القلوب خشية وخوفا ورجاء إلا بالله.
هي أساس الملة وأصل الدين، وقاعدة الإسلام، من أجلها خلق الله الخلق، ومن أجلها أرسل الرسل، وأنزلت الكتب، ولأجلها شرع الجهاد، ولأجلها افترق الناس فريقين، فريق في الجنة وهم المؤمنون الموحدون، وفريق في النار، وهم الكافرون الضالون.
كلمة لا إله إلا الله مفتاح الجنة وثمنها، ومن كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة، فهي توجب دخول الجنة والفوز بها وتكفير السيئات برحمة الله، ففي حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله (1)»
(1) أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 164، ح415، ومسلم في صحيحه 1/ 454، ح263.
* وهي أفضل ما ذكر الذاكرون، قال صلى الله عليه وسلم:«خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي يوم عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (1)»
* وأسعد الناس بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه، قال أبو هريرة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة يا رسول الله؟ قال: «أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه (2)»
إن الظفر بهذا الثواب العظيم لقائل لا إله إلا الله لا يكون لمن عرف حقها واستوفى شروطها، فمن شروطها:
العلم بمعناها نفيا وإثباتا {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (3)، واليقين بما دلت عليه، والإخلاص في العمل بها {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (4)، والصدق في قولها، والمحبة لقائلها والعامل بها، والانقياد والقبول لما دلت عليه {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (5)، {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} (6)
(1) أخرجه مالك في الموطأ 2/ 300، ح726، والترمذي في سننه 5/ 572، ح3585.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 49، ح99.
(3)
سورة محمد الآية 19
(4)
سورة البينة الآية 5
(5)
سورة النساء الآية 65
(6)
سورة لقمان الآية 22
أي فقد استمسك بلا إله إلا الله.
ومعنى شهادة أن محمدا رسول الله: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع، قال تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1)، وقال صلى الله عليه وسلم «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى (2)»
معشر المسلمين: الصلوات الخمس ركن الدين العظيم وأساسه المتين، فلا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فهي البرهان الصادق على صحة الإيمان، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (3)» وقال: «بين الرجل والشرك أو قال: الكفر ترك الصلاة (4)»
وهي سبب لانشراح الصدر، وقرة العين، وقوة العقل، وحصول النشاط، وطرد الكسل، والانزجار عن الفحشاء والمنكر، وحصول الترابط بين المسلمين بأدائها جماعة.
(1) سورة الحشر الآية 7
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه 6/ 2655، ح6851.
(3)
أخرجه الترمذي في سننه 5/ 13، ح2621، والنسائي في سننه 1/ 231، وابن ماجه في سننه 1/ 342، 1079.
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه 1/ 88، ح82.
والزكاة ركن الإسلام الثالث: وهي قرينة الصلاة في كثير من آيات القرآن {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} (1).
وقد توعد الله مانعها بأعظم وعيد فقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (2){يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (3).
شرعها الله تطهيرا للنفس من البخل والآثام، وزيادة للمال، وسدا لحاجة المسلمين، وترسيخا للمحبة بين طبقات المجتمع.
وصوم رمضان: شرعه الله رحمة وإحسانا {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (4)، وتكفل الله بثوابه دون بقية العبادات، جاء في الحديث القدسي أن الله تعالى يقول:«كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به (5)»
شرعه لتحقيق التقوى واستحضار مراقبة الله، وتهذيب النفس وترويضها على ترك المشتهيات طلبا لمرضاة الله، والشعور بأحوال الفقراء والمحتاجين.
حج بيت الله الحرام: الركن الخامس من أركان الإسلام، فرضه
(1) سورة التوبة الآية 11
(2)
سورة التوبة الآية 34
(3)
سورة التوبة الآية 35
(4)
سورة البقرة الآية 183
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه 2/ 673، ح1805، ومسلم في صحيحه 2/ 806، ح1151.
الله على المستطيع في العمر مرة واحدة: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (1) وقال صلى الله عليه وسلم «أيها الناس: قد فرض الله عليكم الحج فحجوا (2)»
وقد جمع الله فيه العبادة القلبية والقولية والفعلية والعبادة المالية، فالحج تجتمع فيه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله بتحقيق التوحيد وإخلاص الدين لله وحده، وتجتمع فيه الصلاة وإنفاق المال، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر، والحلم، والشفقة، والرحمة، والتعليم للخير، وجهاد النفس، واجتناب المحرمات.
ومن ثمرات الحج: إخلاص التوحيد لله سبحانه، والاستجابة لأمره وإظهار الخضوع والتذلل له سبحانه، وتذكر الآخرة، وترويض النفس على بذل الجهد المالي والبدني تقربا لله تعالى، وحصول التعارف، والتواد بين المسلمين، وتحقيق المساواة بينهم بظهورهم بمظهر واحد، وفي عبادة واحدة، وفي مكان واحد.
هذه أركان الإسلام إذا قام بها المسلمون صار المجتمع مجتمعا طاهرا نقيا، يدين بدين الحق، ويعامل الخلق بالعدل والصدق، وصلاح بقية الدين بصلاح تلك الأركان، والأمة تصلح
(1) سورة آل عمران الآية 97
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه 2/ 975، ح1337.
بصلاح أمر دينها، ويفوتها من صلاح أحوالها بقدر ما فاتها من صلاح أمور دينها.
أيها المؤمن: إيمانك هو أغلى وأعز ما تملكه في هذه الحياة، إيمانك يميزك عن غيرك من أتباع الكفر والضلال، فإيمانك يصلك بربك، ويعطيك تصورا صحيحا عن حقيقة هذا الكون، وإيمانك يصلك بالماضي، ويربطك بمستقبل مصيرك بعد الموت والنشور.
فأصول هذا الإيمان هي: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، جاء جبريل إلى النبي في صورة رجل، فسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان، فأجابه عن الإيمان بقوله:«الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره (1)»
فالإيمان بالله: أن تؤمن بربوبيته وأنه خالق للكون كله ومتصرف فيه، لا خالق سواه، ولا رب غيره، وتؤمن بألوهيته واستحقاقه للعبادة، وتؤمن بأسمائه وصفاته، قال تعالى:{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (2)، وقال {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (3)، وقال:
(1) أخرجه مسلم في صحيحه 1/ 36، ح8.
(2)
سورة فاطر الآية 13
(3)
سورة البقرة الآية 163
والإيمان بالملائكة: أن تؤمن بوجودهم وبما وكلوا به من أعمال، {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} (2){كِرَامًا كَاتِبِينَ} (3)، {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (4)، وأنهم عباد الله المكرمون الذين {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} (5)، {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} (6)، {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} (7).
الإيمان بالكتب: أن تؤمن بكتب الله السابقة، وأن الله أنزل كتبا وصحائف لهداية البشر، تؤمن بأنها من عند الله، وتؤمن بما صح من أخبارها مما لم يبدل أو يحرف، وأن القرآن آخر الكتب المنزلة، جامع لمعانيها، ناسخ لها ومهيمن عليها {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} (8).
والإيمان بالرسل: أن تؤمن برسل الله السابقين، وأن منهم من أخبر الله بقصصهم، ومنهم لم يقصص علينا قصصهم، وأن تؤمن بهم جميعا، وأنهم رسل من عند الله، أدوا الأمانة وبلغوا دين الله إلى أممهم، وأن الكفر بواحد منهم كفر بهم جميعا، فمن أنكر رسالة موسى أو أنكر رسالة عيسى فقد كفر بجميع الأنبياء، ومن أنكر رسالة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فقد كفر بجميع الأنبياء، قال تعالى:
(1) سورة الأعراف الآية 180
(2)
سورة الانفطار الآية 10
(3)
سورة الانفطار الآية 11
(4)
سورة ق الآية 18
(5)
سورة الأنبياء الآية 27
(6)
سورة الأنبياء الآية 20
(7)
سورة فاطر الآية 1
(8)
سورة المائدة الآية 48
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} (1){أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} (2){وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (3).
والإيمان باليوم الآخر: أن تؤمن بالمبدأ والمعاد، قال تعالى:{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} (4)، وقال:{ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ} (5){ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} (6).
وتؤمن بالجزاء والحساب يوم القيامة {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ} (7){ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} (8).
وتؤمن بالجنة والنار كما بين الله ذلك في كتابه وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} (9){إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} (10){جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} (11).
والإيمان بالقضاء والقدر: أن تؤمن بعلم الله المحيط بكل شيء، فإنه سبحانه عليم بالأمور كلها؛ دقيقها وجليلها، سرها وعلنها، ولا يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء، وأن الله كتب مقادير كل شيء في اللوح المحفوظ إلى قيام الساعة قبل أن يخلق
(1) سورة النساء الآية 150
(2)
سورة النساء الآية 151
(3)
سورة النساء الآية 152
(4)
سورة الأنبياء الآية 104
(5)
سورة المؤمنون الآية 15
(6)
سورة المؤمنون الآية 16
(7)
سورة الغاشية الآية 25
(8)
سورة الغاشية الآية 26
(9)
سورة البينة الآية 6
(10)
سورة البينة الآية 7
(11)
سورة البينة الآية 8
السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه وما لم يكتب عليه لم يكن ليصيبه، جفت الأقلام وطويت الصحف، قال تعالى:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (1){لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} (2). فعلى المؤمن التسليم والرضا بقدر الله وقضائه.
هذه عقيدة المسلمين، عقيدة كاملة لا نقص فيها ولا خلل، عقيدة واضحة لا غموض فيها ولا شائبة من الشوائب، وهى مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على ضوء فهم السلف الصالح، وكل إضافة إليها لم تثبت في الكتاب والسنة، فهي مردودة باطلة، كما أن كل نقص أو حذف منها مردود وباطل، وكل فهم لنصوصها لم ينقل عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان فهو فهم خاطئ غير صحيح.
(1) سورة الحديد الآية 22
(2)
سورة الحديد الآية 23
أمة الإسلام، إن تحقيق أركان الإسلام وأصول الإيمان في نفوس الناس يحقق لهم الأمن لهم في الدنيا والآخرة، قال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (1)، إن الحياة الطيبة الآمنة لا تتحقق إلا لمن آمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، قال تعالى:
(1) سورة الأنعام الآية 82
{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1)، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} (2).
أمة الإسلام، لا شك أن الأمن أهم مطالب الحياة، وهو ضرورة لكل جهد بشري لتحقيق مصالح الأفراد والمجتمعات وآمالها وتطلعاتها، وهو هدف تسعى إليه المجتمعات البشرية، وتتسابق لتحقيقه السلطات الدولية بكل ما أوتيت من إمكانات فكرية ومادية.
ولعظم أهميته امتن الله به على قريش. قال تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} (3){الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} (4)، وقال عن أهل مكة:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} (5)، وامتن على أصحاب الحجر بالأمن فقال:{وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ} (6).
وإن طلب الأمن مقدم على طلب الغذاء والكساء، فلا لذة بطعام ولا هناء بنوم ولا اطمئنان بمكان ولا رغد في عيش إلا بالأمن، ولهذا لما دعا الخليل إبراهيم عليه السلام بمكة قال:{رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (7)، فدعا بتوفير الأمن قبل توفير الرزق، فاستجاب الله دعاءه فقال:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} (8)، ونادى ربه قائلا:
(1) سورة النحل الآية 97
(2)
سورة محمد الآية 2
(3)
سورة قريش الآية 3
(4)
سورة قريش الآية 4
(5)
سورة العنكبوت الآية 67
(6)
سورة الحجر الآية 82
(7)
سورة البقرة الآية 126
(8)
سورة آل عمران الآية 97
{إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} (1). فأجاب الله دعاءه وأحل فيه الأمن، وصار مكانا للحضارات ومهوى لأفئدة الناس يثوبون إليه من كل مكان آمنين {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} (2). بالأمن والإيمان تتوحد كلمة الناس، وتزدهر الحياة، ويقوم العدل، وتغدق الأرزاق، وتقام شعائر الله بطمأنينة.
الأمن من أهم مقومات السعادة في حياة المؤمن، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا (3)»
أمة الإسلام، إن توفير نعمة الأمن والحفاظ عليه يتحقق بعدة أسباب، فمن أهم تلك الأسباب:
* إصلاح العقيدة، وترك عبادة ما سواه، وملازمة العمل الصالح، قال تعالى {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} (4).
* الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن فيه حماية
(1) سورة إبراهيم الآية 37
(2)
سورة البقرة الآية 125
(3)
أخرجه الترمذي في سننه 4/ 574 ح2346، وابن ماجه في سننه 2/ 1387، ح4141.
(4)
سورة النور الآية 55
للمجتمع من الجرائم والآثام، قال تعالى {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (1){الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (2).
* اجتماع الكلمة وطاعة ولي الأمر في معروف، والتحاكم إلى شرع الله قال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (3).
* إقامة الحدود التي شرعها الله زجرا للمجرمين الذين ضعف الإيمان في نفوسهم ولم ينفعهم الوعظ والتذكير والأمر والنهي، فشرع الله القصاص والحدود قطعا لدابر المجرمين الذين يلعبون بأمن الناس وحياتهم وأموالهم وأعراضهم.
* شكر النعم، فبالشكر تدوم النعم، ويشيع الأمن، وبكفرانها ينزل الخوف والجوع في الناس، قال تعالى:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (4).
أمة الإسلام: إن اختلال الأمن في المجتمع يؤدي إلى عواقب وخيمة:
* فإذا اختل الأمن تبدل الحال، ولم يهنأ أحد براحة بال، فتهجر المساجد وتعاق سبل الدعوة، ويخشى الناس الفتنة في دينهم.
(1) سورة الحج الآية 40
(2)
سورة الحج الآية 41
(3)
سورة النساء الآية 59
(4)
سورة النحل الآية 112
* بفقد الأمن تقتل نفوس بريئة، وترمل نساء، وييتم أطفال، وتنتهك أعراض وتسلب أموال وممتلكات.
* إذا زال الأمن فشا الظلم وشاع الجهل، وحل الخوف مكان الأمن، والجوع والفقر مكان رغد العيش، قال تعالى:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (1).
فلأجل الحفاظ على أمن المجتمع جاء الشرع بالنهي الأكيد والزجر الشديد عن كل عدوان وإفساد يخل بالأمن أو يؤثر على الاستقرار، قال تعالى:{وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} (2)، وقال:{وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (3)، ونهى عن ترويع المؤمن فقال صلى الله عليه وسلم:«لا يحل لمسلم أن يروع مسلما (4)» ونهى أن يشهر السلاح في أرض المسلمين فقال صلى الله عليه وسلم: «لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار (5)»
أمة الإسلام: إن مفهوم الأمن في الإسلام لا ينحصر في النواحي الأمنية الظاهرة، بل يشمل جميع جوانب الحياة المادية
(1) سورة النحل الآية 112
(2)
سورة الأعراف الآية 56
(3)
سورة المائدة الآية 64
(4)
أخرجه أحمد في مسنده (5/ 362)، وأبو داود في سننه 4/ 458، ح5006.
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه 6/ 2592، ح6661 ومسلم في صحيحه 4/ 2020، ح2617.
والمعنوية وهو حق لجميع الناس أفرادا وجماعات، مسلمين وغير مسلمين، وذلك لعموم مقاصد الشريعة في حفظ الكليات الخمس: الدين والنفس والعقل والعرض والمال.
فمن أنواع الأمن الذي سعى الإسلام إلى تحقيقه:
(الأمن العقدي): ويكون بالحفاظ على عقيدة المسلم الغراء عن كل ما يخدشها أو يزحزحها أو ينقض عراها، وذلك بالبعد عن الشرك والبدع والخرافات، وإقامة شعائر الدين كما أمر الله تعالى.
(الأمن النفسي): وهو طمأنينة النفس وزوال الخوف والقلق عنها، ويتحقق ذلك بالإيمان بالله سبحانه، والرضا بحكمه، والانقياد لشرعه، والتوبة والإنابة إليه، وذكره سبحانه على الدوام، قال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (1)، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لبلال رضي الله عنه، حينما تحين وقت الصلاة:«أرحنا بالصلاة يا بلال (2)» فالإنسان المؤمن يسير في طريق الله آمنا مطمئنا؛ لأن إيمانه الصادق يمده دائما بالأمل والرجاء في عون الله ورعايته وحمايته، وعفوه وغفرانه، وهو يشعر على الدوام بأن الله عز وجل معه في كل لحظة من لحظات حياته.
(1) سورة الرعد الآية 28
(2)
أخرجه أحمد في مسنده 5/ 364.
(الأمن الأخلاقي): وذلك بتربية أفراد المجتمع المسلم على القيم السامية والأخلاق الفاضلة والطهر والعفاف والحشمة والحياء، ومحاربة كل رذيلة وكل ما يمس أخلاق المسلم بسوء.
(الأمن الاجتماعي والأسري): ويتمثل في إقامة أسرة سعيدة تقوم على قواعد أخلاقية ورابطة شرعية طاهرة نزيهة، والمحافظة عليها من التفكك والضياع، والقيام بمسؤوليتها أتم قيام، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته (1)»
كما أمر الشارع ببر الوالدين وصلة الأرحام، والإحسان إلى الجار والضيف، ورعاية الأيتام والأرامل، ومساعدة المحتاجين لتحقيق التكافل بين أفراد المجتمع المسلم. قال النبي صلى الله عليه وسلم:«اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول (2)» وقال: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى وفرج بينهما (3)»
(1) أخرجه البخاري في صحيحه 2/ 848، ح2278، ومسلم في صحيحه 3/ 1459، ح1829.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه 2/ 518، ح1361، ومسلم في صحيحه 2/ 721، ح1042.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه 5/ 2032، ح4998، ومسلم في صحيحه 4/ 2287، ح2983.
(الأمن السياسي): وذلك بالحفاظ على كيان الأمة وجمع كلمتها ووحدة صفها تحت ولاة أمرها، والوقوف سدا منيعا أمام من يخل بأمنها واستقرارها، لا سيما في هذا الزمن الذي اضطربت فيه الأحوال، وتزعزعت فيه الأوضاع، مما يحتم على الأمة الالتفاف حول قيادتها، والحذر من مكائد أعدائها.
كما أن من المسؤوليات الملقاة على القيادة المسلمة التفكير الدقيق والنظر البعيد في الأمور، والتنبه إلى أنها مستهدفة من قبل أعدائها في دينها وفي كل أحوالها، وأن الأعداء يسعون لزعزعة كيانها من خلال إيجاد صراعات مفتعلة، وإشعال فتيل نزاعات مختلفة، ووضعها موضع تهمة وتقصير لأجل إضعاف شوكتها، والتدخل في شؤونها؛ فالحذر الحذر من مكائد أعدائها.
فلأجل الحفاظ على كيان الأمة أمر الإسلام أتباعه بالسمع والطاعة بل وقرن طاعة ولي الأمر بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم «عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك (1)» وقال: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى
(1) أخرجه النسائي في سننه 7/ 140، 4155، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 155، 17048
الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني (1)»
(الأمن الاقتصادي): حيث وضع الإسلام أسسا عادلة ومتينة لبناء اقتصاد قوي ومتماسك بريء من الربا والظلم.
وإن أهم مميزات نظام الاقتصاد الإسلامي هو ارتباطه التام بدين الإسلام عقيدة وشريعة، وذلك يجسد نظرة الإسلام للمال، حيث أباح التملك وأعطى الحرية في حدودها، فهي ليست مطلقة بل مقيدة بأصول ومبادئ شرعية وأخلاقية، وفرض الزكاة على الأغنياء حقا للفقراء، وشرع النفقات الواجبة والمستحبة، ورغب في الإنفاق في سبل الخير، وشرع الميراث الذي ينتقل من خلاله المال إلى الورثة ويتم توزيعه عليهم حسب نظام دقيق ومحكم.
وحرم الإسلام جميع بيوع الجاهلية والمعاملات التي تشتمل على الربا والغرر والجهالة والغش والضرر والقمار والميسر، وحرم أكل أموال الناس بالباطل، قال تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (2)، وقال صلى الله عليه وسلم «بم يستحل أحدكم مال أخيه؟ (3)» وحرم كذلك كل بيع مجهول العين أو الثمن أو الأجل أو بيع ما لا يملك أو ما
(1) أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 1080، ح2797، ومسلم في صحيحه 3/ 1466، ح1835.
(2)
سورة البقرة الآية 188
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه 3/ 1190، ح1555.
كان غير مقدور على التسليم؛ حماية للمجتمع من أن يأكل بعضهم بعضا.
وما نسمع من الانهيارات الاقتصادية، إنما هي نتيجة إخلالها بتلك الأصول والمبادئ الشرعية العادلة، وعدم تجنب المعاملات المحرمة وأكل أموال الناس بالباطل.
إن الله حرم الربا وأخبر أنه يمحق الربا، حكم شرعي واضح، وبعض الناس إذا قلت له: إن التعامل بالربا حرام، ومدمر للاقتصاد، أنكر عليك ذلك، وها هم اليوم يشاهدون هذا الانهيار الاقتصادي، وإفلاس بعض الشركات العملاقة، والبنوك الكبيرة كل ذلك بسبب مخالفة شرع الله.
فعلى المسلم أن يتمسك بأحكام دينه وأن يعتز بذلك.
إن الأمة بحاجة إلى اقتصاد إسلامي قوي واستثمار ناجح وتعاون بين الدول الإسلامية؛ لكي يكونوا قوة اقتصادية لها وزنها واعتبارها بين الأمم، وأن يقيموا اقتصادهم على أصول شرعية ثابتة، وعلى العدل والرحمة والإحسان.
(الأمن الفكري): إن الأمن على العقول لا يقل أهمية عن أمن النفوس والأموال، فكما أن للبيوت والأموال لصوصا، فكذلك للعقول؛ بل إن لصوص العقول أعظم خطرا وفتكا ومن هنا فقد
سعى الإسلام إلى حماية الفكر المسلم من الانحراف من جهة التقصير والتفريط، والانحراف من جهة الغلو والتطرف وخروجه عن دائرة الاعتدال والوسطية {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (1)، وهذا النوع من الأمن هو الأساس فهو سبب صلاح المجتمع واستقرار الأحوال، ويتمثل الأمن الفكري في الإسلام في نشر العلم الصحيح النافع، والاهتمام بالعلوم الشرعية واتباع منهج السلف الصالح في الاعتقاد والعمل والسلوك.
(الأمن الإعلامي): وهذا من أخطر ما يكون على الأمة في هذا العصر، وذلك:
* أن العالم لم يشهد من قبل مثل هذا التقدم المذهل في وسائل الاتصال وتقنية المعلومات، حتى صار العالم كالقرية الصغيرة، وهذا يفرض على الجميع عبئا كبيرا والتزاما شرعيا وأخلاقيا تجاه هذه الوسائل واستخدامها.
* لقد أصبحت هذه التقنيات بجميع أنواعها وسائل مفتوحة لبث الأفكار ونشر المبادئ والاتجاهات، والتأثير على المتلقي مما يستدعي التعامل معها بحذر.
* إن ما يسمى بالإرهاب الالكتروني أصبح خطرا يهدد الأسر والمجتمعات، ويتمثل هذا الخطر في استخدامه من قبل أصحاب
(1) سورة البقرة الآية 143
الفكر المنحرف بأسماء وهمية مستعارة، الأمر الذي يحتم على الجميع الحفاظ على الشباب المسلم من التأثر بتلك الأفكار الضالة والوقوع في أحضان ذلك الفكر المنحرف.
* كما أدعو إخواني العلماء والدعاة وأصحاب التخصصات في الجامعات ومراكز الأبحاث وأهل الفكر السليم والتوجه الصحيح إلى الإفادة من هذه الوسائل في الدعوة إلى الله وتوجيه الأمة إلى التمسك بالدين والتزام منهج الوسطية والاعتدال.
(الأمن البيئي): فإن الإسلام سعى إلى المحافظة على سلامة البيئة ونظافتها، ودعا إلى المحافظة على مكوناتها، ومصادر المياه، وحرم كل ما فيه إفساد للبيئة، أو إخلال بمرافقها العامة، فنهى عن إتلاف الزروع والأشجار، والبول في الماء الراكد، والتخلي في طرق الناس وظلهم، فقال صلى الله عليه وسلم «لا يبولن أحدكم في الماء الذي لا يجري ثم يغتسل فيه (1)» وقال:«اتقوا اللاعنين، قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طرق الناس وظلهم (2)»
إن ما تقوم به البلدان الصناعية الكبرى من رمي النفايات النووية في البلدان الإسلامية، وغيرها من البلدان الضعيفة التي أفسدت
(1) أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 94، ح236.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه 1/ 226، ح269.
البيئة، وشوهت الأجنة، وقتلت الحيوانات في البر والبحر، كل ذلك يحرمه الإسلام، مما يدلك على حرص الإسلام على حماية البيئات والمجتمعات من كل ما يؤذيها.
(الأمن الصحي والوقائي): فالإسلام اعتنى بصحة الأبدان، وحث على الوقاية من الأمراض قبل وقوعها؛ فأمر أتباعه بالابتعاد عن المصابين بالأمراض المعدية، والبعد عن أماكن الأوبئة والطاعون، قال صلى الله عليه وسلم «فر من المجذوم فرارك من الأسد (1)» وقال:«لا يورد ممرض على مصح (2)» وقال في الطاعون: «إذا سمعتم به في أرض قوم فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه (3)» وأمر بمداواة الأمراض بعد نزولها، قال صلى الله عليه وسلم:«تداووا عباد الله فإن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل معه شفاء إلا الموت والهرم (4)» وقال: «إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء
(1) أخرجه أحمد في مسنده 2/ 443، والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 218، ح14634.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه 5/ 2177، ح5437، ومسلم في صحيحه 4/ 1743، 2221
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه 5/ 2163، 5397، ومسلم في صحيحه 4/ 1737، ح2218.
(4)
أخرجه أحمد في مسنده 4/ 278.
علمه من علمه، وجهله من جهله (1)»
أمة الإسلام، إن الأمن مسؤولية الناس جميعا بلا استثناء، وليس مسؤولية جهة معينة أو أشخاص محدودين؛ بل إن كل فرد من أفراد المجتمع معرض للخسارة إذا فقد المجتمع أمنه وطمأنينته، إن المجتمع مطلوب منه حماية طرق المسلمين وتجاراتهم وبضاعاتهم من قرصنة البحار والجو، ومن المفسدين في الأرض، وإن على المجتمع الدولي أن يجرم هذا الإرهاب ويعلن براءته من كل من يؤوي المجرمين وعصابات الإجرام في أي مكان كانوا، إنهم اللصوص المدمرون للأمة، إن الإسلام حمى المجتمع وأنزل أعنف العقوبة على المجرمين {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (2)، إن الإسلام لا يقبل بالظلم ممن جاء به، ولا يرضاه لأحد من الناس، وإنه حارب الإرهاب والإجرام بكل صوره، فلنكن على حذر من هذا الإرهاب، مهما كان نوعه، ولنحارب عصابة الإجرام، فليقف العالم كله ضد هذه العصابات المجرمة الظالمة المعتدية التي دمرت البلاد والعباد ونشرت الفساد
(1) أخرجه أحمد في مسنده 1/ 443.
(2)
سورة المائدة الآية 33
في الأرض نسأل الله السلامة والعافية من كل بلاء.
أمة الإسلام، إن مبنى دين الإسلام الذي ارتضاه الله تعالى للناس على الاستسلام والخضوع والانقياد، قال تعالى:{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} (1)، وحقيقة الاستسلام: تعظيم أمر الله ونهيه، والوقوف عند حدوده، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (2)، وقال تعالى:{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (3)، وقال:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (4).
إن من تعظيم النصوص الشرعية ألا يعارض أحد القرآن والسنة برأيه، ولا ذوقه ولا عقله ولا قياسه ولا وجده، وأن يعتقد المسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالهدى ودين الحق، وأن القرآن يهدي للتي هي أقوم (5)
إن من أعظم الضلال إهمال النصوص الشرعية وإخضاعها للعقل القاصر، ومعارضتها بآراء الناس وأهوائهم
(1) سورة الزمر الآية 54
(2)
سورة النساء الآية 65
(3)
سورة النور الآية 51
(4)
سورة الأحزاب الآية 36
(5)
من كلام شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 30/ 121
لقد استطاع الغزو الفكري أن يجعل بعض المسلمين الذين يتكلمون بألسنتنا يستحون أو يشمئزون من ذكر بعض شرائع الإسلام، بل وتجاوزوا ذلك فوصفوا حجاب المرأة المسلمة بالرجعية والتخلف، ووصفوا الحدود والقصاص بالتشدد والهمجية، ودعوا إلى قراءة جديدة لنصوص الشريعة يفهمونها كما يشاؤون، على خلاف ما فهمها سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، أما سمع هؤلاء قول الله عز وجل في المنافقين:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} (2)، وقوله:{إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ} (3){ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} (4){فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} (5){ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} (6).
(1) سورة النور الآية 63
(2)
سورة محمد الآية 9
(3)
سورة محمد الآية 25
(4)
سورة محمد الآية 26
(5)
سورة محمد الآية 27
(6)
سورة محمد الآية 28
أمة الإسلام: إن دين الإسلام جمع بين عنصري الثبات والمرونة، وهذا من واقع الإعجاز في هذا الدين، وآية من آيات عمومه وخلوده وصلاحيته لكل زمان ومكان.
فهناك ثوابت في الدين لا تقبل التطوير والتغيير ولا الحذف ولا الإضافة، بل هي أحكام قطعية باقية بإذن الله إلى يوم القيامة، فكل ما
دل عليه الكتاب والسنة الصحيحة دلالة قطعية صريحة فهو مما لا يقبل التغيير والتبديل والتطوير، ولا الاجتهاد فيه.
ومن تلك الثوابت: مسائل الإيمان والعقائد، وأصول العبادات والمحرمات اليقينية، وأمهات الفضائل، وأن الإسلام لا يمكن تجزئته فلا بد أن يؤخذ كله كما أمر الله، عقيدة وعبادة، أخلاقا ومعاملة، تشريعا وتوجيها.
إن الإسلام لا يقف حجر عثرة في وجه التقدم، ولا يمنع الأخذ بما هو صالح ونافع من العلوم والمكتسبات البشرية، بل فيه الدافع الذي يحفز الأمة على السعي والحركة والإنتاج فيما يعود عليها بالنفع مع الحفاظ على مبادئ الدين وثوابته.
أمة الإسلام، احمدوا الله على ما أنعم به عليكم من دين الإسلام الذي هو أفضل الأديان، والذي يمتاز بالكمال والشمول في عقيدته ومبادئه ونظمه وتشريعاته، وهو دين صالح لكل زمان ومكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فمن كمال هذا الدين وشموله أنه:
* حرر العقول من الضلالات والتعلق بالبدع والخرافات، وأخرج الإنسان من عبودية العباد إلى عبودية رب العباد، ونهى عن الشرك وأمر بإخلاص الدين كله لله وحده.
* شرع الفرائض والعبادات وأمر بفعل الخيرات {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1).
* رتب العلاقات الاجتماعية والأسرية من نكاح وطلاق ورضاع وصلة رحم وعطف على المساكين والأرامل.
* نظم العلاقات المالية وتبادل المنافع والمعاملات التجارية والاقتصادية، وأباح البيوع والتجارات، ونهى عن الغش والتدليس والخيانة والقمار والغرر والربا، {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (2){يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (3).
* أباح الطيبات من المآكل والمشارب والمساكن والملابس {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (4).
* شرع الحدود والقصاص وأنواع التعزيرات حفظا للحقوق، وتحقيقا للأمن ودفعا للشرور.
* حث على القضاء بين الناس بالعدل والإنصاف، {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (5).
أمة الإسلام، إن من خصائص هذا الدين أنه اعتنى بالإنسان الذي كرمه الله وشرفه، والذي جعل منهم الأنبياء والرسل، وجعل
(1) سورة الحج الآية 77
(2)
سورة البقرة الآية 275
(3)
سورة النساء الآية 29
(4)
سورة الأعراف الآية 157
(5)
سورة النساء الآية 58
منهم أئمة وقادة يهدون الناس إلى الخير والفلاح، قال تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (1).
ومن مظاهر هذا التكريم:
* أن الله خلقه في أحسن تقويم {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (2).
* ونفخ فيه من روحه {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} (3){ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} (4) * واختاره ليكون خليفة في الأرض {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (5).
* وسخر له الكون كله لمصلحته وسعادته {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} (6) * وكرمه بالعقل، ومتعه بالحواس، وهداه السبيل، وعلمه البيان، وعلمه ما لم يكن يعلم، وكان فضل الله عليه عظيما؛ فجاء الإسلام لينال به الإنسان سعادة الدنيا والآخرة والفوز بالنعيم المقيم في جوار رب العالمين، وجاء الإسلام ليسمو بالإنسان وينقذه من الانحراف والسقوط في الهاوية؛ فالإسلام اهتم بهذا الإنسان بجميع جوانبه؛ الروحية، والعقلية،
(1) سورة الإسراء الآية 70
(2)
سورة التين الآية 4
(3)
سورة السجدة الآية 8
(4)
سورة السجدة الآية 9
(5)
سورة البقرة الآية 30
(6)
سورة لقمان الآية 20
والنفسية، والغريزية، والجسدية المادية، بخلاف المذاهب والفلسفات البشرية، والديانات المحرفة التي ركزت على جانب واحد من حياة الإنسان، وأهملت جوانب أخرى، فجارت على الإنسان باسم الإنسان.
أمة الإسلام، دينكم دين الإسلام دين عدل وسلام، دين رحمة وإحسان، حفظ الحقوق بجميع صورها ورعاها.
* فحافظ على حقوق الإنسان كلها، فأقر حق الإنسان في الحياة، وحرم الاعتداء عليها بجميع صوره، وحافظ على عرضه وكرامته، ودمه وأمواله: قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله حرم عليكم دماءكم وأعراضكم وأموالكم (1)» ولم يكتف الإسلام بحماية الإنسان في حال حياته، بل حماه وأكرمه حتى بعد مماته، فأمر بغسله، وتكفينه، ودفنه، والنهي عن كسر عظمه، والاعتداء على جثته. قال صلى الله عليه وسلم:«كسر عظم الميت ككسره حيا (2)»
(1) أخرجه البخاري في صحيحه 2/ 620، ح1655، ومسلم في صحيحه بمعناه 5/ 107، ح4477.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه 3/ 204، ح3209، وابن ماجه في سننه 1/ 516، ح1616.
* ورعى الإسلام حقوق الفقراء عند الأغنياء: قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن: «فإن أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم (1)»
* ورعى حق الأجراء عند الملاك: قال صلى الله عليه وسلم: «أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه (2)»
* ورعى حقوق كل من الزوجين على الآخر: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} (3).
* ورعى حقوق الوالدين: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} (4){وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (5).
* ورعى حقوق الجيران: قال صلى الله عليه وسلم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه (6)» وقال صلى الله عليه وسلم: «والله لا يؤمن،
(1) أخرجه أبو داود في سننه 2/ 16، ح1586، والنسائي في سننه 5/ 2، ح2435.
(2)
أخرجه ابن ماجه في سننه 2/ 817، ح2443، والبيهقي في السنن الكبرى 6/ 121، ح11439.
(3)
سورة البقرة الآية 228
(4)
سورة الإسراء الآية 23
(5)
سورة الإسراء الآية 24
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه 5/ 2239، ح5668، ومسلم في صحيحه 4/ 2025، ح2625.
والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، من لا يأمن جاره بوائقه (1)»
* ورعى حقوق غير المسلم عند المسلم، فأمر بالإحسان إلى المستأمنين والمعاهدين والعدل معهم:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (2).
* ولم يقتصر هذا الأمر على الإنسان؛ بل تعداه إلى الحيوان والنبات، فحرم الشارع قطع الشجر بلا حق، وحرق الزرع بلا سبب، ودخلت امرأة النار بسبب هرة؛ لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، ودخلت امرأة بغي الجنة؛ لأنها سقت كلبا فشكر الله لها وغفر لها، وغير ذلك من الحقوق، فاعتزوا أيها المسلمون بدينكم، وثقوا بعقيدتكم، وتمسكوا بشريعة الإسلام تكونوا من الفائزين:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (3).
أمة الإسلام، يقول الله تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (4)، فالمؤمن ولي المؤمن يفرح لفرحه، ويحزن لحزنه، ويتألم لألمه؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم:«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا (5)»
(1) أخرجه البخاري في صحيحه 5/ 2240، ح5670، ومسلم في صحيحه 1/ 68، ح46.
(2)
سورة الممتحنة الآية 8
(3)
سورة المنافقون الآية 8
(4)
سورة التوبة الآية 71
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه 5/ 2240، ح5670، ومسلم في صحيحه 1/ 68، ح46.
إن المؤمن الحق لا يكون أنانيا، بل ينبغي أن يحيا لغيره، ويهتم بقضايا أمته، ويعيش هموم إخوانه من المسلمين في كل مكان، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم (1)» ويقول: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى (2)»
إن الموفقين في هذه الدنيا هم أصحاب المواقف العظيمة الذين يسر الله لهم خدمة الناس والسعي في مصالحهم وقضاء حاجاتهم.
إن المسلمين هانوا أفرادا وجماعات حين ضعفت فيهم أواصر المحبة، ووهنت فيه حبال المودة، واستحكمت فيهم الأنانيات، وساد فيهم حب الذات. يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: لا، بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل (3)»
(1) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط 7/ 270، ح7473.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه 5/ 2238، ح5665، ومسلم في صحيحه 4/ 1999، ح2586.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه 4/ 184، ح4299، وأحمد في مسنده 5/ 278.
1 -
يا قادة المسلمين، يا من ولاكم الله أمر شعوبكم، إن مسؤوليتكم عظيمة، وإن الأمانة الملقاة على عاتقكم لجسيمة، إن الله جعل لكم سلطانا لتنفيذ حدوده وإقامة شرعه، يقول عثمان رضي الله عنه:«إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن (1)» فأقيموا شريعة الله فيمن استرعاكم الله عليه، تعيشوا في أمن وأمان وراحة وسلام، وكونوا رحمة على رعاياكم، واسلكوا بهم مسالك الإيمان، وجنبوهم الردى والعصيان، واحرصوا على وحدة كلمة المسلمين، واجتماع صفوفهم، واحذروا من مكائد الأعداء ومؤامراتهم على الإسلام وأهله.
2 -
أيها الآباء وأيتها الأمهات، اتقوا الله فيما اؤتمنتم عليه، واحفظوا وصية الله في أولادكم. قال تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} (2) وقال صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت (3)» وقال: «إن الله سائل كل راع عما استرعاه، حفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته (4)» أدبوا أولادكم،
(1) أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (1/ 118)
(2)
سورة النساء الآية 11
(3)
أخرجه أبو داود في سننه 2/ 59، ح1694، وأحمد في مسنده 2/ 160.
(4)
أخرجه الترمذي في سننه 4/ 208، ح1705، والنسائي في السنن الكبرى 5/ 374، ح9174.
وكونوا لهم قدوة حسنة، ونشئوهم على الاعتقاد الصحيح، واغرسوا فيهم الإيمان وأبعدوهم عن المعاصي والمنكرات، ومروهم بالصلاة والزكاة {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا} (1).
3 -
علماء الإسلام، إن مسؤوليتكم في تبليغ هذا الدين كبيرة وأمانتكم جسيمة، خذوا بيد الناشئة إلى طريق الحق ونهج الهدى وما فيه خيرهم وصلاحهم في دينهم ودنياهم، بينوا للناس محاسن الإسلام، واحفظوا المجتمع من الأخلاق الرذيلة، والدعوات المغرضة الفاسدة، وحذروهم من مكائد الأعداء.
4 -
شباب الإسلام، عليكم بأخذ العلم الشرعي من معدنه الصافي ومصادره المعتمدة، والزموا علماءكم أهل البصيرة والهدى، احذروا الأفكار المنحرفة والمناهج المشبوهة والشعارات البراقة وإن أظهر أهلها الخير والصلاح، حافظوا على دينكم وأوطانكم، وصونوا أنفسكم عن الملهيات والمغريات وكل ما يصدكم عن الخير.
5 -
أيتها الفتاة المسلمة، اتقي الله في نفسك، والزمي أحكام دينك في حياتك الزوجية، واحذري السفور والاختلاط
(1) سورة طه الآية 132
والتبرج، واعلمي أن الله أعزك بدينك، فلا ترضي بغير الإسلام دينا، واحذري التقليد لأعداء الإسلام، والتأثر بأهل الأهواء ودعاة الباطل الذين ينادون بتحرير المرأة وإنصافها وهم يريدون بذلك القضاء على عفافها وإهدار كرامتها وإبعادها عن دينها.
6 -
أيها المربون، اتقوا الله في أولادنا وفلذات أكبادنا، وعلموهم ما يحفظ دينهم ودنياهم، وربوهم على أخلاق الإسلام، وضعوا لهم المناهج الطيبة التي تربطهم بدينهم وربهم ونبيهم، وتغرس فيهم الإيمان الصحيح والوسطية والاعتدال، فعليكم مسؤولية عظيمة وأمانة كبرى، فلتؤدوها حق الأداء، وتذكروا قول الحق سبحانه {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} (1).
7 -
رجال الأعمال، إن طلب الرزق والسعي لتحصيل المال أمر محمود طبعا، ومأمور به شرعا إذا روعي فيه الضوابط الشرعية، فنعم المال الصالح للرجل الصالح، يقول صلى الله عليه وسلم:«إن أطيب ما أكل الرجل من عمل يده، وكل بيع مبرور (2)»
(1) سورة الصافات الآية 24
(2)
أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 12، ح2158، والبيهقي في شعب الإيمان 2/ 85، ح1227.
أخلصوا النية لله وتجنبوا الغش والتدليس والكذب والمعاملات الربوية والاتجار بالمحرمات كالخمور والمخدرات وملاهي الرقص وأماكن التعري والقنوات الفضائية الهابطة، طهروا أموالكم من كل مكسب خبيث وبخاصة المخدرات؛ فإن في الاتجار بها وترويجها تدميرا لكيان الأمة، وإفسادا لأخلاقها، وإلحاق الضرر بها، إنها داء عضال، وإنه البلاء والعياذ بالله، وإن المكاسب العائدة منها وإن كانت أموالا طائلة فإنها مكاسب خبيثة ومحرمة وممحقة للبركة في العمر والعمل، ووبال على صاحبها في الدنيا والآخرة، وإن ما نسمعه من غسيل الأموال معظم ذلك بأسباب تلك المخدرات التي يتجرون بها ويروجونها ويتعاونون مع بعض من لا إيمان عنده، فتسجل تلك الأموال باسمه لكي يضفي عليها صفة الشرعية، وكلها نتيجة لهذه التجارة المحرمة الخبيثة، فاتقوا الله أيها التجار، وطهروا أموالكم من هذه المكاسب المحرمة، فإن الله يجعل في المال الحلال البركة والنماء بإذنه سبحانه وتعالى. أيها التجار، يسروا على المسلمين، واحذروا الاحتكار وإغلاء الأسعار، فإنكم مسؤولون عن هذا المال
الذي بأيديكم هل أخذتموه من حله ووضعتموه في محله؟!
8 -
رجال الإعلام، بأيديكم أمر من أخطر ما يكون على الشعوب، اتقوا الله في أنفسكم، أدوا أمانة الكلمة وتحروا الحقائق، واحرصوا على وحدة كلمة المسلمين، واحذروا التهويل والإثارة، واجعلوا قنواتكم وسائل دعوة إلى الخير والفضيلة، والدفاع عن الإسلام وقضاياه، وإياكم والانسياق مع الحملات المغرضة في التهجم على حرمات الإسلام وشعائره ورموزه، ونوصيكم بأن تكونوا درعا للأمة في صد الحملات الخارجية، وألا يتحول البعض منكم إلى سلاح ضد الأمة بدلا من أن يكون سلاحا لها، وإياكم وبث المشاهد التي تخدش نزاهة أخلاق المسلمين، ونشر الأفكار المنحرفة التي تلوث صفاء عقيدتهم وتكدر نقاء فطرتهم.
9 -
أرباب الطرق والمذاهب، أكمل الله هذا الدين قبل أن ينتقل محمد صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (1)، فقام صلى الله عليه وسلم بتبليغه للناس خير
(1) سورة المائدة الآية 3
قيام، فبلغ الدين كاملا غير منقوص؛ قال صلى الله عليه وسلم:«ما تركت شيئا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به، ولا شيئا مما نهاكم الله عنه إلا وقد نهيتكم عنه (1)» وقال: «تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك (2)»
إن الله ختم الرسالات بسيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (3)، فلا نبي بعده، ولا متبوع سواه، ولا مشرع سيأتي بعده، ولا ولاية لأحد على المسلمين غيره، فمن ادعى أن هناك بشرا سيأتي بعده يكمل رسالة الإسلام فقد كذب على الله وافترى، حتى إن عيسى عليه السلام عندما ينزل في آخر الزمان يكون تابعا لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
إن علاقة الناس بالعلماء والأشخاص في الإسلام هي علاقة اقتداء وتأس وفق الكتاب والسنة، وليس تعلقا بذواتهم، ولا منحهم حق التشريع والتحليل والتحريم، ولا رفعهم فوق مقام البشرية، أو اتخاذهم أربابا من دون الله، سمع عدي بن حاتم رضي الله عنه وكان نصرانيا حينئذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (4)،
(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7/ 76، ح13221.
(2)
أخرجه أحمد في مسنده 4/ 126، وابن ماجه في سننه 1/ 16، ح43.
(3)
سورة الأحزاب الآية 40
(4)
سورة التوبة الآية 31
فقال: إنهم لم يعبدوهم، فقال صلى الله عليه وسلم:«بلى، إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم، فتلك عبادتهم إياهم (1)»
10 -
يا صانعي القرارات في البلاد الإسلامية، لتكن قراراتكم معبرة عن هموم الأمة وآمالها، وعاملا مهما في تقدمها وازدهار حضارتها، حافظوا على عقيدة الأمة وثوابتها، واحذروا المخططات الخبيثة والمؤامرات الماكرة ضد الأمة وقيمها وأخلاقها، واجتهدوا في المحافظة على تنمية الموارد، وترشيد الثروات، وعدم تبديد طاقات الأمة فيما لا ينفع.
11 -
يا قادة العالم، إنه لن ينجي البشرية من شقائها ولن يحافظ على حضارتها وأمنها واستقرارها إلا الالتزام بدين الله تعالى الذي ارتضاه لعباده {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} (2).
(1) أخرجه الترمذي في سننه 5/ 278، ح3095، والبيهقي في السنن الكبرى 10/ 116، ح20137.
(2)
سورة آل عمران الآية 64
تعالوا لنعبد الله وحده دون سواه، تعالوا لنحافظ على الضروريات الخمس التي رعتها الشرائع السماوية كلها: الدين والنفس والعقل والمال والعرض، تعالوا لنحافظ على كيان الأسر والمجتمعات من التفكك والضياع، تعالوا لنتعاهد على مكارم الأخلاق وحفظ الحقوق وعدم الاعتداء، ورفع الظلم عن المظلومين.
إن العالم لن ينعم بالأمن في ظل ازدواجية المعايير، وإرهاب الشعوب والحكومات، واحتلال البلدان، ونهب خيراتها، وتدمير مكتسباتها ومقدراتها.
إن حفظ أمن العالم واستقراره والحفاظ على خيراته لا يكون بممارسة الاستبداد والتهديد باستعمال الأسلحة الفتاكة والمدمرة، والتلويح باجتياح الدول وتغيير أنظمتها، وإصدار القرارات الجائرة والمنحازة بحقها.
إن سياسة الحصار والتجويع والحرمان والخنق والإذلال لن تجدي نفعا، ولن تجلب أمنا، بل تزيد البلاء بلاء، وإن العالم لن ينعم بالأمان إلا بإرجاع الحقوق لأصحابها.
12 -
حكماء العالم ومفكريهم، إن الظلم سبب لسقوط الحضارات وهلاك الأمم {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} (1)، وقال
(1) سورة إبراهيم الآية 42
صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة (1)» وقال: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته (2)»
إن العالم يعاني من ويلات الظلم ونذر الحروب، والشعوب تقاسي الغلاء ونقص المقدرات، فهيا بنا لنحمي المجتمعات من هذه الأخطار وسلامتها من كل هذه المصائب والفتن.
13 -
يا إخواني في فلسطين، أوصيكم بتقوى الله، أوصيكم باجتماع الكلمة، والنظر في واقعكم، ارحموا النساء الرمل، ارحموا الأيتام والمسنين، ارحموا بلادكم وشعوبكم، عودوا إلى رشدكم، اتحدوا فيما بينكم، واحذروا مكائد الأعداء، لا تكن قضيتكم تجارة بعضكم لبعض، كونوا يدا واحدة لتحققوا مصالحكم، كفى ما حصل من قتل وتشريد وبلاء، نسأل الله لكم السلامة والعافية.
14 -
يا إخواني في الصومال الإسلامي، ألا يوجد فيكم رجل
(1) أخرجه البخاري في صحيحه 2/ 864، ح2315، ومسلم في صحيحه 4/ 1996، ح2578.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه 4/ 1726، ح4409، ومسلم في صحيحه 4/ 1997، ح2583.
رشيد!؟ دمرتم بلادكم ومزقتم شملكم فاتقوا الله في أنفسكم.
15 -
يا إخواني في باكستان وأفغانستان وغيرهم من دول الإسلام، ليحرص المسلمون على حماية دينهم وأوطانهم واجتماع الكلمة ومنع كل أمر يلحق بالأمة الأذى، سدد الله الخطا وحفظ الجميع من كل سوء.
حجاج بيت الله الحرام، لقد كان الوصول إلى الحرمين الشريفين منذ القدم صعب المنال، وكان أداء المناسك من أشق العبادات، حتى من الله في هذه العصور المتأخرة على هذه البلاد وعلى المسلمين جميعا بالملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، الذي وفقه الله لتوحيد هذه البلاد بعد تمزقها، وتأمينها بعد خوفها، وجمع القلوب بعد تفرقها، وإقامة الشريعة وتحقيق العدل، وحفظ الحقوق، وتسهيل سبل الحج، وتيسير الوصول إلى الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، واستمر أبناؤه البررة من بعده؛ سعود، وفيصل، وخالد، وفهد رحمهم الله، والآن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وسمو ولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبد العزيز على هذا النهج العظيم، فبذلوا الغالي والنفيس في سبيل خدمة الحجاج وتذليل
الصعاب من توسعات في الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة مما لم يشهد له التاريخ مثيلا: أنفاق أقيمت، وطرق مهدت، ومياه عذبة، وأغذية متوفرة، وخدمات صحية راقية، وأجواء آمنة مطمئنة، فجزاهم الله عما قدموا للمسلمين والحجاج خير الجزاء، وجعل ذلك في ميزان حسناتهم، وجزى الله القائمين على أمور الحجاج من كافة الأجهزة الحكومية على جهودهم العظيمة في خدمة الحجاج ورعايتهم بلا من منهم ولا فضل، بل هو واجب يعتزون به ويتشرفون، ويرجون به الأجر والمثوبة من الله جل وعلا.
حجاج بيت الله الحرام، اشكروا الله عز وجل على ما هيأ لكم ويسر من الوصول إلى هذه البلاد الطاهرة، وأداء مناسككم بهدوء وأمان وطمأنينة وسلام، فاحرصوا على إكمال مناسككم على هدي نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، وأوصيكم بالالتزام بالأنظمة التي وضعتها الجهات المعنية بخدمتكم، لما فيها من الحفاظ على سلامتكم وأداء المناسك بيسر وسهولة، حافظوا على سلامة إخوانكم الحجاج، وعليكم بالسكينة والوقار، والحلم والأناة والصفح والإعراض، واحرصوا على نظافة المشاعر، وعدم إيذاء الحجاج والجلوس في طرقاتهم.
حجاج بيت الله الحرام، إن الله افترض الحج على كل مسلم في عمره مرة واحدة لمن استطاع إليه سبيلا؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس
إن الله فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم (1)»
لقد حج نبيكم صلى الله عليه وسلم حجة واحدة تعرف عند المسلمين بأنها حجة الوداع، هذه الحجة العظيمة أعلمهم فيها مناسك حجهم، فما عمل عملا إلا قال:«خذوا عني مناسككم، لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا (2)»
أتى الموقف فخطب الناس بوادي عرنة، خطبة هدم فيها قواعد الشرك، وأعلن فيها قواعد الإسلام، وبين حرمة الدماء والأموال، وألغى مآثر الجاهلية وأعمالهم السيئة، وبين ما للمرأة من حقوق وما عليها من واجبات، وأوصى الناس بالتمسك بكتاب الله، وأخبر أنهم لن يضلوا إن تمسكوا به، ثم استشهدهم على أن بلغهم فأقروا جميعا بأنه بلغهم، وأنه أدى الأمانة وبلغ الرسالة، واستشهد الله عليهم بذلك، ثم وقف بعرفة، وقال لهم:«كل عرفات موقف، وارفعوا عن بطن عرنة (3)»
(1) أخرجه مسلم في صحيحه 2/ 975، ح1337.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه 2/ 943، ح1297، والنسائي في سننه 5/ 270 ح 3062، واللفظ له.
(3)
أخرجه أحمد في مسنده 4/ 82، ومسلم في صحيحه 2/ 791، ح1123
وفي هذا الموقف أنزل الله عليه قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (1) وقف صلى الله عليه وسلم بعرفة يدعو راكبا على راحلته مفطرا، وشك الناس في فطره، فبعثوا إليه بقدح لبن، فشربه والناس ينظرون إليه.
وهذا اليوم قال صلى الله عليه وسلم فيه «الحج عرفة (2)» فهو ركن أساسي من أركان الحج يبدأ هذا الوقوف من يوم عرفة وينتهي بطلوع فجر يوم النحر، فإنه صلى الله عليه وسلم قال:«من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج (3)» فمن لم يقف بعرفة إلا ساعة من نهار ووقف بها إلى الغروب، أو أتاها بعد المغرب ووقف بها ولو قليلا فإنه قد أدى الركن العظيم من أركان الحج.
وقف صلى الله عليه وسلم حتى غربت الشمس واستحكم غروبها ثم دفع إلى مزدلفة وصلى بها المغرب والعشاء جمعا وقصرا، وبات بها، ورخص للضعفة بالدفع من مزدلفة بعد نصف الليل.
فقفوا بعرفة إلى غروب الشمس ولا تنصرفوا منها إلا بعد غروب الشمس، انصرفوا إلى مزدلفة، وصلوا بها المغرب والعشاء جمعا وقصرا، وللعاجز أن يدفع منها بعد نصف الليل، ومن كان قادرا يبقى فيها إلى ما بعد صلاة الفجر، ثم أفيضوا إلى منى وارموا جمرة العقبة، وانحروا هديكم إن كنتم متمتعين أو قارنين، ثم احلقوا
(1) سورة المائدة الآية 3
(2)
سنن الترمذي الحج (889)، سنن النسائي مناسك الحج (3044)، سنن أبي داود المناسك (1949)، سنن ابن ماجه المناسك (3015)، مسند أحمد (4/ 310)، سنن الدارمي المناسك (1887).
(3)
سنن الترمذي الحج (889)، سنن النسائي مناسك الحج (3044)، سنن أبي داود المناسك (1949)، سنن ابن ماجه المناسك (3015)، مسند أحمد (4/ 310)، سنن الدارمي المناسك (1887).
رؤوسكم أو قصروها والحلق أفضل، ثم أفيضوا إلى البيت وطوفوا طواف الحج واسعوا بين الحج والعمرة إن كنتم متمتعين، فإن كنتم قارنين أو مفردين ولم تسعوا مع طواف القدوم فاسعوا مع طواف الإفاضة، ارموا الجمار في اليوم الحادي عشر واليوم الثاني عشر إن تعجلتم بعد الزوال، وفي اليوم الثالث عشر كذلك لمن تأخر، ثم ودعوا البيت الحرام، ويسقط طواف الوداع عن الحائض والنفساء وقد تم حجكم، وأكمل الله نسككم وأتم عليكم نعمته.
حجاج بيت الله الحرام، هذا يوم عرفة من أفضل أيام الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو فيباهي بهم الملائكة، فيقول ما أراد هؤلاء (1)» ويقول: «إذا كان يوم عرفة ينزل الله إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، ويقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا ضاحين من كل فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم، فتقول الملائكة: إن فيهم فلانا مرائيا وفلانا، قال: فيقول الله عز وجل: قد غفرت لهم (2)»
(1) أخرجه مسلم في صحيحه 2/ 982، ح1348.
(2)
أخرجه ابن خزيمة في صحيحه 4/ 262، ح 2829، وابن حبان 9/ 164، والبيهقي في شعب الإيمان 2/ 460، ح4068، واللفظ له.
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ من يوم عرفة (1)»
أيها الحاج الكريم، إن الحج المبرور جزاؤه الجنة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه (2)» ويقول عليه الصلاة والسلام: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة (3)»
والحج المبرور هو الذي يكون صاحبه أحسن حالا بعد رجوعه طاعة وعملا ومتابعة، وأن يتبع العمل الصالح بعمل صالح آخر، ولا يرجع إلى ما كان عليه قبل حجه من التقصير والتهاون في الطاعات.
أخي الحاج، حافظ على صحيفتك بعد حجك أن تكون بيضاء نقية، حصن نفسك لئلا تزل قدم بعد ثبوتها، {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} (4).
حافظ على الصلوات مع الجماعة، وأد زكاة مالك، واتل كتاب ربك آناء الليل وأطراف النهار، واحذر الظلم، وجنب مالك الربا،
(1) أخرجه مالك في الموطأ 3/ 621، والبيهقي في شعب الإيمان 3/ 461، ح4069.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه 2/ 553، ح1449، ومسلم في صحيحه 2/ 983، 1350.
(3)
أخرجه ابن خزيمة في صحيحه 4/ 131، ح2513، وأحمد في مسنده 2/ 246.
(4)
سورة النحل الآية 92
واجتنب المحرمات، ليكن حجك بداية مرحلة جديدة في تهذيب نفسك والقرب من ربك وإصلاح مجتمعك، وليكن حالك بعد الحج أفضل من قبله.
حجاج بيت الله الحرام، أكثروا من ذكر الله في حجكم؛ فإن الإكثار من ذكر الله في المشاعر مقصد من مقاصد أداء الشعيرة وأرجى لقبولها، وإذا انقضى الحج فأكثروا من الاستغفار فهو ختام الأعمال، والاستغفار يكمل العمل ويسد النقص؛ قال تعالى:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} (1){ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2){فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} (3){وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (4){أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (5)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله (6)»
(1) سورة البقرة الآية 198
(2)
سورة البقرة الآية 199
(3)
سورة البقرة الآية 200
(4)
سورة البقرة الآية 201
(5)
سورة البقرة الآية 202
(6)
أخرجه أبو داود في سننه 2/ 118، ح1890، والترمذي في سننه 3/ 246، ح902.
أمة الإسلام، تذكروا بجمعكم هذا يوم الجمع الأكبر حين تقومون يوم القيامة من قبوركم لرب العالمين، حافية أقدامكم، عارية أجسامكم، شاخصة أبصاركم، في ذلك اليوم العظيم الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين، في يوم مقداره خمسون ألف سنة، تدنو الشمس من العباد، وتكون على قدر أعمالهم، تذكروا ذلك اليوم {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} (1).
تذكروا يوم تفرق الصحف، فآخذ كتابه بيمينه فيقول {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} (2){إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ} (3){فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} (4){فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} (5)، وآخذ كتابه بشماله {فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} (6){وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ} (7).
تذكروا يوم توضع الموازين {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (8){وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} (9){تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} (10){أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} (11).
تذكروا الصراط الموضوع على متن جهنم يسلكه الناس على قدر أعمالهم، فأشد الناس عبورا من كان أسرع في الدنيا في طاعة الله، وأبطأهم من كان بطيئا في الدنيا في طاعة الله ومتثاقلا فيها، جزاء وفاقا.
(1) سورة الحج الآية 2
(2)
سورة الحاقة الآية 19
(3)
سورة الحاقة الآية 20
(4)
سورة الحاقة الآية 21
(5)
سورة الحاقة الآية 22
(6)
سورة الحاقة الآية 25
(7)
سورة الحاقة الآية 26
(8)
سورة المؤمنون الآية 102
(9)
سورة المؤمنون الآية 103
(10)
سورة المؤمنون الآية 104
(11)
سورة المؤمنون الآية 105
تذكروا أيها المسلمون، يوم ينادي مناد «يا أهل الجنة، إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا (1)»
تذكر هذا النداء العظيم، تذكر يوم يقال:«يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت (2)»
تذكر أيها المسلم مفارقتك لهذه الدنيا ساعة نزول ملك الموت بك لقبض روحك، واقتراب أهلك حولك، أهلك وذووك لا يستطيعون أن يدفعوا عنك سوءا ولا يؤخرونك يوما، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (3).
تذكر أن المؤمن في تلك اللحظات يعيش في سعادة وأمان يبشره ملائكة الرحمن {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (4){نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} (5). يمثل له مقعده في الجنة فيراه قبل أن يفارق فراشه، فيحب لقاء الله فيحب الله لقاءه، وأما الكافر فإنه يمثل له مقعده من النار فيكره لقاء الله فيكره الله لقاءه.
(1) أخرجه مسلم في صحيحه 4/ 2182، ح2837.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه 4/ 1760، ح4453، ومسلم في صحيحه 4/ 2188، ح2849.
(3)
سورة ق الآية 16
(4)
سورة فصلت الآية 30
(5)
سورة فصلت الآية 31
تذكر يوم توضع في قبرك وحيدا مرتهنا بأعمالك التي قدمتها.
فتذكروا هذه الأمور عسى أن تكون سببا لصلاح قلوبكم واستقامة أحوالكم.
اللهم إنا نسألك بفضلك وكرمك أن تمن علينا بالقبول، اللهم اجعل حجنا مقبولا، وسعينا مشكورا، وذنبنا مغفورا، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، اللهم وفق إمامنا إمام المسلمين عبد الله بن عبد العزيز لكل خير، اللهم أمده بعونك وتأييدك، اللهم كن له معينا في كل ما أهمه، اللهم وفقه لجمع كلمة المسلمين، اللهم بارك له في عمره وعمله إنك على كل شيء قدير، اللهم وفق ولي عهده لما يرضيك، وسدده في أقواله وأعماله.
والشكر موصول لكل من سعى لأمن الحجيج، وكل العاملين في سبيل راحة الحجاج، أسأل الله لهم التوفيق والسداد، وأن يجعل ذلك في موازين أعمالهم الصالحة.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
أعاده الله علينا وعليكم وعلى المسلمين جميعا باليمن والخير والبركة، وتقبل أعمالنا، وأصلح ذرياتنا، وحفظنا بحفظه في كل أحوالنا، إنه على كل شيء قدير.
وصلى الله على محمد.