الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما يستفيد القارئ والباحث من الحصيلة العلمية المكتوبة زيادة: عن أعماله ومآثره، وتنظيمه للأعمال، واهتمامه بالمساجد، وممتلكات القصر والأيتام والأرامل، والمشروعات الخيرية المتعددة التي مر طرف منها في هذه السيرة، وهي كثيرة تستوجب الاستقصاء والدراسة.
بعض ما قاله عارفوه:
أخذا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذكروا محاسن موتاكم (1)» فالشيخ عبد الله بن زيد آل محمود عالم قطر وقاضيها، قد ترك علما كما تركت سيرته آثارا حميدة، مع صفحات مشرقة في سيرته: كرما وعلما وخدمة للمحتاجين والأيتام، وتيسيرا للناس: في فتاواه وأحكامه ومواعظه وخطبه، فالشيخ علاوة على كونه عالما شرعيا فإنه متمكن من اللغة العربية التي هي وعاء الدين، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في فهم الدلالات، وتبسيط المعاني والتيسير في كل شأن من الشؤون على الناس.
وإن من المناسب التقاط القليل من الكثير الذي ظهر في سيرته، وما تحدث عنه الآخرون وجاء في كتاباتهم عنه: مؤبنا ومترجما.
لأن العلم: لا ينتزع انتزاعا، وإنما يذهب بموت العلماء العارفين المتمكنين، والمدركين لليسر الذي جعله الله غالبا وظاهرا على العسر، كما في سورة الانشراح، حيث قال عنها كثير من علماء السلف: (بأنه لا
(1) سنن الترمذي الجنائز (1019)، سنن أبي داود الأدب (4900).
يغلب عسر يسرين)، ولضيق الحيز كما جاء في المثل العربي: يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق
…
فسوف نورد ما يميز شخصية الشيخ عبد الله رحمه الله، في منهجه التيسيري المستند على الدليل:
1 -
يقول الشيخ عثمان الصالح رحمه الله: والشيخ لوعيه وحفظه وما يختزنه من الأحاديث ومعاني القرآن يخطب مرتجلا، لا يتلكأ ولا يتلعثم، في الجمعة والأعياد، ولقد حضرته، واستمعت إليه في كليهما: يعطي من اللفظ أجوده، ومن المعاني أفضلها ومن اللغة أسمكها، وكان إلى جانب هذا عليما في اللغة بصيرا بها، وفي المفردات في اللغة الفصحى، فلا أجل منه في ذلك، ولا أفصح فيها منه: معنى ولفظا. وكان للغة وآدابها مكان في وعظه وخطبه، ويحفظ من الألفاظ الأدبية، والحكم والمفردات اللغوية، والأشعار المختارة ما يجعل منه ملحا في خطبة العيد والجمعات.
وكان ندي الصوت مع جهورية الإلقاء، وله كتب ورسائل ومقالات، كلها في العقيدة الإسلامية والدين، والأدب، والنصائح، وله رسائل عدة في الأمور المحرمة: كالخمور والربا، والاختلاط والزنى، والزواج من الكتابيات والتلقيح الصناعي. ومن أهم كتبه وأثمنها - وكلها ثمينة - كتاب الإيمان بالقضاء
والقدر، وعقيدة الإسلام والبدع ومحاربتها كالاحتفال بالمولد، ومن أهم رسائله أيضا: الإصلاح والتعديل لما وقع في اليهود والنصارى من التبديل، ووجوب ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن من معجزات الأنبياء. ورسالة واجب المتعلمين والمسؤولين في الحفاظ والمحافظة على أمور الدين.
ثم ذكر نماذج من كرمه ودعوته لمن يعرف ومن لا يعرف ممن يفد إلى قطر ويعاتب من لم يأت إليه ممن يمر بقطر
2 -
ويقول الدكتور وليد الطبطبائي، من كلمة نشرت في صحيفة الوطن الكويتية، نجتزئ منها قوله: وقد ترك الشيخ عبد الله أكثر من خمسين مؤلفا تضمنت حججه واجتهاداته التي جعلت منه علما متميزا متفاعلا مع العصر.
ولم يكن الشيخ ابن محمود قاضيا في قطر فحسب، بل كان فقيها وداعية في ثوب قاض، وقد تميز فقه الشيخ عبد الله باتباع الحق، والتحرر من الالتزام بالمذهب والواقعية والتجديد والميل إلى التيسير على الخلق ورفع الحرج عن الناس.
وكان فوق ذلك يصدع بالحق، ولا يخاف في الله لومة لائم،
فقد وقف في وجه التحرر الزائف، ووقف بقسوة ضد الاختلاط في الجامعات والوزارات، ونصح الأمراء والوزراء والأعيان والمفكرين في هذه المسألة.
وقد حذر من الفساد الاجتماعي فكان من كتبه ورسائله: (المسكرات والخمور، وما يترتب عليها من الأضرار الشرور)، و (حماية الدين والوطن من غزو أفلام الخلاعة والفتن). ودعا الشيخ إلى الاهتمام بالتعليم العالي في بلاد المسلمين، منكرا ابتعاث الشباب للغرب، ومن كتبه:(نهاية المرأة الغربية، بداية المرأة العربية)، كما دعا إلى نبذ القوانين الوضعية، فألف رسالة بعنوان:(الأحكام الشرعية، ومنافاتها للقوانين الوضعية)، و (تحريم الربا بأنواعه وعموم مسائله وأضراره)، وكان يقف بقسوة ضد مظاهر الشرك والبدع والخرافات وغير ذلك.
وقد أثارت بعض آرائه جدلا كبيرا، بين مؤيد ومعارض، رحم الله الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رحمة واسعة (1)
3 -
أما الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي فقد تعرض في كلمته عنه المطولة إلى خصائص فقهه فقال:
منهج الشيخ: في الفقه ووجهته في الاجتهاد، يعرف من خلال عناصر أو خصائص خمسة هي:
(1) من كلمة الدكتور وليد في صحيفة الوطن الكويتية، يوم الأحد 2 مارس
أولا: تحرره من التقليد: فقد تحرر من التقليد والعصبية المذهبية التي ابتلي بها كثير من العلماء في العصور الأخيرة.
ثانيا: النزعة الواقعية: معرفته بالواقع المعاش، وما يعانيه الناس فيه، والفقيه الحق هو من يزاوج بين الواجب والواقع، فلا يجعل كل اهتمامه فيما يجب أن يكون، بل فيما هو كائن أيضا.
ثالثا: النزعة التجديدية: نزعته إلى التجديد، فبالتجديد يحيا الدين وتحيا العلوم الشرعية، وتتجدد الحياة كلها.
ولا غرو أن لمسنا هذه النزعة، في كثير مما كتبه مخالفا المألوف، والسائد مثل ما كتبه عن:(الأضحية عن الميت)، مؤكدا أن الأضحية إنما شرعت للحي لا للميت.
رابعا: ميله إلى التيسير: فميله إلى التيسير على الخلق ورفع الحرج عنهم، مؤمنا بأن هذا هو نهج القرآن الكريم، ونهج النبي عليه الصلاة والسلام.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم، أعظم الناس تيسيرا على أمته، في تعليمه إذا علم، وفي فتواه إذا أفتى، كما قال:«إن الله بعثني معلما ميسرا (1)» رواه مسلم، وقال:«إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين (2)» ، رواه البخاري وغيره، وأمر الأمة بالتيسير، فقال:«يسروا ولا تعسروا (3)» متفق عليه.
والتيسير في الفتوى يحبب الناس في الدين، وهم في حاجة إليه
(1) صحيح مسلم الطلاق (1478)، مسند أحمد (3/ 328).
(2)
صحيح البخاري الوضوء (220)، سنن الترمذي الطهارة (147)، سنن النسائي الطهارة (56)، سنن أبي داود الطهارة (380)، مسند أحمد (2/ 239).
(3)
صحيح البخاري الأدب (6125)، صحيح مسلم الجهاد والسير (1734)، مسند أحمد (3/ 209).
وخصوصا في عصرنا، الذي كثرت في مشاغل الناس، وضعفت هممهم، ووهنت عزائمهم، فما أحوجهم إلى التيسير.
ومن هنا تبنى الشيخ منهج التيسير في فقهه، وفي فتاواه وأحكامه، كما في فتواه بإخراج زكاة الفطر بقيمتها من النقود، لما فيها من منفعة الفقراء في عصرنا.
- ومثل ذلك فتواه في الانتفاع بالمقابر القديمة، إذا أصبحت في وسط البلد، وانتهى الدفن فيها من زمن وغدا الناس في حاجة إليها.
خامسا: الشجاعة الأدبية: فقد يوجد علماء متحررون في فكرهم، مشتغلون في عملهم، يسيرون وراء الدليل، لا وراء فلان أو علان من البشر.
فقد كان رحمه الله: يصدع برأيه، إذا اعتقد أنه الحق الذي وصل إليه بالدليل، لا يخاف لومة لائم فأحسبه من الذين قال الله تعالى فيهم:{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} (1)(2) 4 - أما الشيخ محمد الغزالي رحمه الله، فقد استعرض في كلمة منه، بعد وفاة الشيخ عبد الله رحمه الله، تقع في ست (6) صفحات، بعثها إلي ابن الشيخ عبد الله، معالي الشيخ عبد الرحمن وبخط الشيخ محمد الغزالي، نشرت في كتاب: دستور الوحدة الثقافية، بين المسلمين
(1) سورة الأحزاب الآية 39
(2)
وتراجع كلمة الشيخ يوسف القرضاوي، ضمن كتاب ابن رحمه ص 52 - 58 وعما ذكرنا ص 54 - 56
للشيخ الغزالي، الذي استعرض فتوى الشيخ عبد الله بن محمود في:(جواز الإحرام من جدة، لركاب الطائرات والسفن البحرية). فبعد أن أوردها كاملة قائلا: إن الحكم يدور مع علته، ولكل حادث حديث، ولن يعجز الفقه الإسلامي الصحيح، الواسع الأفق عن إخراج حكم صحيح، في تعيين ميقات يعترف به لحج هؤلاء القادمين على متون الطائرات، لكون شريعة الإسلام كفيلة بحل مشكلات العالم، لما وقع في هذا الزمان، وما سيقع بعد أعوام.
وبعد أن أورد الفتوى وتعليلها قال الغزالي رحمه الله: وفي موسم الحج كان جمهور العلماء يفتي بأنه، لا يجوز رمي الجمرات إلا بعد زوال الشمس، وهم يحتجون لذلك بفعل الرسول، مع أن مجرد الفعل لا يعطي حكم الوجوب، قد يكون دليل الندب أو الإباحة، ومع ذلك فإن المتشددين مضوا في طريقهم، وكثر القتلى في ميدان الرمي لشدة الزحام، وهم لا يبالون. ثم قال الشيخ الغزالي: ويقول الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود،
وهو من الفقهاء المعدودين في عصرنا: (لا أدري ما الذي جعلهم يتشددون في عدم رمي الجمار، قبل الزوال أيام التشريق، وفيه حديث: «إذا رميتم - يعني جمرة العقبة - وحلقتم فقد حل لكم الطيب وكل شيء إلا النساء (1)».
ونقول: إن هذا في التحلل الأول، ومن طاف وسعى فقد تحلل التحلل الثاني بإباحة النساء، ولم يكن هذا الحديث دليلا في بقية أعمال الحج: وهي الرمي في كل يوم والمبيت في منى.
لكن يغلب على الناس حب التسرع في كل شيء .. والتسابق في الانصراف .. ومن جاء قاصدا الحج لا يضيره استكمال واجباته وأركانه في وقتها مثلما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذه عنه أصحابه ثم من بعدهم، والحج حدده الله لمن يريد التعجل، ولمن لا يريده والتيسير فيما لا نص فيه.
5 -
في تعامل العلماء فيما بينهم، يقول الإمام مالك رحمه الله: ما منا إلا راد ومردود عليه، إلا صاحب هذا القبر، وأشار إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، وعلماء بلادنا كافة، أخذوا بهذا المنهج ففي عام 1396هـ، كان الشيخ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في قطر، واحتفى به الشيخ عبد الله بن محمود، احتفاء كبيرا في مكرمة حافلة، دعا إليها وجهاء قطر
(1) سنن أبي داود المناسك (1978)، مسند أحمد (6/ 143).