الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويذكر ابن القيم أضرارا وآثارا سيئة أخرى كثيرة للذنوب والمعاصي (1) ثم يقول: (وبالجملة فآثار المعصية القبيحة أكثر من أن يحيط بها العبد علما، وآثار الطاعة الحسنة أكثر من أن يحيط بها علما، فخير الدنيا والآخرة بحذافيره في طاعة الله، وشر الدنيا والآخرة بحذافيره في معصيته)(2)
(1) راجع في هذه الآثار كلا من: الجواب الكافي، ص51 - 120. وطريق الهجرتين، ص487 - 493
(2)
طريق الهجرتين، ص493
الخاتمة
أحمد الله عز وجل وأشكره وأثني عليه الخير كله على ما يسر وأعان سبحانه على إتمام هذا البحث. وفي ختامه أبين بإيجاز فيما بلي أبرز النتائج العلمية التي توصلت إليها فيه.
1 -
إن السلوك عند ابن القيم هو: سلوك الطريق إلى الله عز وجل، وذلك بتهذيب النفوس وتزكيتها وتطهير القلوب ومعالجة أمراضها، لتسعد بسيرها إلى صحبة الرفيق الأعلى ومعية من تحبه، فإن المرء مع من أحب. وإن المراد بقيم السلوك: الصفات السلوكية الذاتية الخيرة التي يقتضيها الشرع والعقل والفطرة في صلة العبد بربه، وعبادته إياه
وسلوك الطريق إليه سبحانه.
2 -
تتمثل أهم ضوابط قيم السلوك مع الله عند ابن القيم في الضوابط الآتية:
أ) الإيمان بالله تعالى.
ب) العبودية الخالصة لله تعالى.
ج) الالتزام بالكتاب والسنة والتحاكم إليهما.
د) متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتداء به.
هـ) تعلم العلم الشرعي.
و) الالتزام بأداء التكاليف الشرعية.
ز) اجتناب الذنوب والمعاصي.
3 -
ومدار الإيمان بالله على أصلين:
أحدهما: التصديق بخبر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: طاعة أوامرهما.
ويتبع هذين الأصلين أمران هما:
- رد شبهات الباطل التي توحيها شياطين الجن والإنس في معارضة الخبر.
- ومجاهدة النفس في دفع الشهوات التي تحول بين العبد وكمال الطاعة.
4 -
إن العبودية المطلوبة من السائر إلى الله عبودية الطاعة
والمحبة، لا عبودية القهر والملك والغلبة.
5 -
وللعبودية مراتب بحسب العلم والعمل.
أما مراتبها بحسب العلم فمرتبتان هما: العلم بالله، والعلم بدينه.
والعلم بالله خمس مراتب هي: العلم بذاته سبحانه، وصفاته، وأفعاله، وأسمائه، وتنزيهه عما لا يليق به.
والعلم بدينه مرتبتان هما: دينه الأمري الشرعي، وهو الصراط المستقيم الموصل إليه. ودينه الجزائي المتضمن ثوابه وعقابه.
وأما مراتبها بحسب العمل فمرتبتان هما: مرتبة لأصحاب اليمين، ومرتبة للسابقين المقربين.
6 -
إن الانقياد لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم يكون بثلاثة أمور هي:
الأول: ألا يعارض شيئا مما جاء به الرسول بشيء من المعارضات وهي: المعقول، والقياس، والذوق، والسياسة.
الثاني: ألا يتهم دليلا من أدلة الشرع، بحيث يظنه فاسد الدلالة أو قاصرها، أو أن غيره كان أولى منه.
الثالث: ألا يجد إلى خلاف النص سبيلا ألبتة، لا بباطنه ولا بلسانه ولا بفعله ولا بحاله.
7 -
إن الطريق إلى الله مسدود إلا لمن اقتفى آثار الرسول صلى الله عليه وسلم واقتدى به في ظاهره وباطنه.
8 -
إن العلم الشرعي إن لم يصحب السالك من أول قدم
يضعه في الطريق إلى آخر قدم ينتهي إليه فسلوكه على كل طريق، ومسدودة عليه كل سبل الهدى والفلاح. وفقد العلم في السير إلى الله فقد لحياة القلب والروح.
9 -
إن من فوائد العلم الشرعي للسالك: أنه يهذبه ويهيئه لسلوك طريق العبودية لله عز وجل، ويصحح همته، ويهديه إلى الغاية المقصودة له من سيره.
10 -
إن من زعم أنه يصل إلى مقام يسقط عنه فيه التعبد لله؛ فهو زنديق كافر بالله ورسوله.
11 -
إن من أضرار المعاصي وآثارها القبيحة ما يلي:
حرمان العلم، وحرمان الرزق، ووحشة القلب، وظلمته، وهوان العبد العاصي على الله وذلته وفساد عقله وضعف قلبه، وذهاب حيائه.
12 -
ونستنتج من كل ما سبق تميز منهج ابن القيم في قضية (قيم السلوك) عن مناهج أصحاب التصوف البدعي الذين زعموا أن السالك منهم إذا سما في درجة القرب من الله سقطت عنه الشرائع كلها من الصلاة والصيام والزكاة وغيرها، وحلت له المحرمات كلها من الزنا والخمر وغيرها من الفواحش
والذين فرقوا بين الحقيقة والشريعة، حيث سموا علم الشريعة
علم الظواهر، وسموا هواجس أنفسهم وأذواقهم ومواجيدهم علم البواطن أو الحقائق، وادعوا أنهم أرباب الحقائق، وما سواهم من الفقهاء وغيرهم أرباب ظواهر وأنهم يأخذون عن الله مباشرة بدون واسطة وما سواهم يأخذون الظواهر بواسطة هي الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والذين حكموا أذواقهم ومواجيدهم وأعرضوا عن العلم الشرعي معتقدين أنه يشغل السالك ويحول بينه وبين ربه واستجابوا لتلك الأذواق والمواجيد حتى أعطوها سلطة المشرع يأتمرون بأمرها وينتهون بنهيها ويقدمونها على الشرع والعلم إذا وجدوا تعارضا بينهما
والذين يتعبدون الله بغير ما شرعه سبحانه، سواء كان المتعبد به ليس مشروعا في ذاته، كتعبدهم بالرياضات والأوضاع التي رسموها بأذواقهم ومواجيدهم واصطلاحاتهم أم كان المتعبد به مشروعا
في ذاته ولكنه ليس مشروعا في الموضع الذي يؤدونه فيه، كصلاتهم ركعتين بعد التوبة، أو كان المتعبد به مشروعا في ذاته وهم يتركونه زهدا وورعا، كقعودهم عن طلب الرزق والنكاح، اعتقادا منهم أن ذلك زهد وتقرب إلى الله عز وجل، فعطلوا سنة من سن الله في الكون.
والذين زعموا أنه يجب على السالك أن يخلو بنفسه في زاوية من الزوايا، وأن يقتصر على أداء الفرائض، وألا يفرق فكره بقراءة قرآن ولا النظر في حديث ولا التأمل في تفسير، وينقطع عن علائق الدنيا بالكلية ويفرغ قلبه منها ومن كل خاطر، مع تصفية الفكر للذكر وانتظار ما يلقيه الله بعد ذلك في قلبه، وهو ما يسمونه بالكشف، حيث ينكشف له حينئذ - كما يزعمون - أمور كثيرة لا يمكن إحصاؤها ولا استقصاؤها
والله أسأل أن يصلح أمر آخر هذه الأمة كما أصلح أمر أولها، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.