الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: سقوط الزكاة في حال تعثر المساهمات العقارية:
أصبحت المساهمات العقارية المتعثرة مجالا للحديث والجدل الواسع بين كثير من المستثمرين والمساهمين، جدلا في واقع ومسببات هذا التعثر، وجدلا في طرق الحل والعلاج الممكنة، وجدلا أحيانا حول الواجب في زكاة تلك المساهمات العقارية.
ولعلي هنا أن أعالج ما يخص هذا البحث وهو قضية الزكاة في تلك المساهمات العقارية المتعثرة، وأضرب صفحا عن المسببات وعلاجها، مكتفيا بإحالة القارئ إلى بعض الكتابات المفيدة في هذا الخصوص
وقبل الدخول في صلب المسألة لا بد من تعريف المساهمات العقارية المتعثرة، وذلك بوضع ضابط فقهي يضبط به مفهوم التعثر في تلك المساهمات العقارية، والمدة التي يحكم فيها بالتعثر لهذا العقار.
أما الضابط الفقهي لمفهوم التعثر، ففي نظري أن الأولى أن يرجع فيه إلى أهل الاختصاص من العقاريين الاقتصاديين، وقد ذكر
بعضهم أن التعثر: (هو كل توقف في مساهمة عقارية بسبب لا يعرف متى يزول)
أما ما هي فترة التعثر؟ وهل يقال بوضع مدة محددة يضبط من خلالها الحكم بالتعثر أو التوقف؟
فالحقيقة أنه لا يمكن ضبط المساهمات العقارية المتعثرة بفترة زمنية محددة؛ إلا إذا وجد في نظام الدولة ما ينص على مثل هذا فيلزم الرجوع إليه، أما إذا لم يوجد في النظام ما يبين هذا فإن الذي يتعين هو المصير إلى العرف - خاصة عرف العقاريين - في تحديد مدة التعثر في تلك الشركات التي لم يحدد نظام الدولة مدة للحكم بتعثرها؛ وإنما يلجأ إلى العرف في ذلك لاعتبار الشارع العرف حدا في كل ما لم ينص الشرع على حده.
والناظر في أحوال التعثر في الشركات العقارية يجدها تختلف باختلاف سبب التعثر، فقد يكون سبب التعثر راجعا إلى إدارة الشركة، وقد يكون السبب طرفا خارجيا كالدوائر الحكومية ذات العلاقة، كما يختلف الحال في الشركات العقارية المتعثرة بحسب وقت التعثر أحيانا، فالتعثر قد يكون قبل شراء العقار، وقد يكون بعد شرائه
ولكل حالة من هذه الحالة مشكلاتها وملابساتها المؤثرة في أحكامها.
وإذا كان الحال كذلك فإن حكم زكاة تلك المساهمات العقارية يختلف تبعا لاختلاف الحالة التي نتج عنها التعثر، وحال المال في تلك المساهمة، ويمكن تفصيل حالات التعثر كما يلي:
الحالة الأولى: تعثر المساهمة العقارية بسبب النصب والاحتيال من إدارة الشركة:
يحدث في بعض المجتمعات بين وقت وآخر أن توجد شركات عقارية تسعى لأكل أموال الناس عن طريق الاحتيال عليهم بطرق كثيرة، تلك المساهمات العقارية التي اكتوى بنارها بعض أبناء المجتمع، حيث أودعوا أموالا طائلة، بل قد يكون بعضهم اقترض لأجل الدخول في تلك المساهمات المغرية، ولا يستفيق كثير من الناس إلا بعد فترة، عندها يدرك أن ماله قد ذهب أدراج الرياح، وأنه صار في حكم المفقود.
والمهم هنا هل تجب الزكاة في أموال المساهمين في مثل هذه الشركات العقارية؟
الحقيقة أن هذه المسألة تشبه كثيرا مسألة زكاة المال المغصوب أو المسروق، أو ما يسميه الفقهاء بالمال الضمار خاصة بعد
التيقن من وجود النصب والاحتيال ممن أخذ المال وفتح باب المساهمة، ولذا فهي تخرج عليها وتأخذ حكمها.
وقد أختلف العلماء في وجوب الزكاة في المال المغصوب أو المسروق لكن الصحيح الراجح - إن شاء الله - أن الزكاة لا تجب في مثل هذا المال، حتى يقبضه صاحبه ويستقبل به حولا جديدا
قال ابن حزم: (من تلف ماله، أو غصبه، أو حيل بينه وبينه، فلا زكاة عليه فيه، أي نوع كان من أنواع المال فإن رجع إليه يوما ما استأنف به حولا من حينئذ، ولا زكاة عليه لما خلا) ..... إلى أن قال: (فكان تكليف أداء الزكاة عنه من الحرج الذي قد أسقطه الله تعالى إذ يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (1)(2)
وعلى هذا فمن كان داخلا في مساهمة عقارية قد اتضح أنه قد غش فيها، وأنه وقع ضحية النصب والاحتيال، ولا يدري هل يرجع إليه شيء من ماله أو لا، فلا زكاة عليه في هذه الحالة، بل إذا قبض ماله ورجع إليه كله أو بعضه استقبل به حولا جديدا، كما سبق.
الحالة الثانية: تعثر المساهمة العقارية بسبب الأنظمة الحكومية:
قد يكون السبب في تعثر بعض المساهمات العقارية وتأخرها عوائق في أنظمة الدولة، وهذه الأنظمة أما أن تكون قديمة معروفة، لكن إدارة الشركة المساهمة لم تدرك كل تلك الأنظمة أو تجاوزتها، وإما أن تكون أنظمة جديدة استحدثت أو طرأت على تلك المساهمة في وقت تنفيذها، وقد يحصل ذلك أحيانا بسب وجود خصومات أو استحقاقات على ذلك العقار، وأيا كان الحال فإن المساهمة العقارية
(1) سورة الحج الآية 78
(2)
المحلى 4/ 209
تتوقف وتتعثر لهذا السبب سنوات، قد تزيد على الخمس في بعض الحالات، فهل تجب زكاة على تلك العقارات في مثل هذه الحالة، أو أن حول الزكاة ينقطع بسبب ذلك التعثر؟
الظاهر والله أعلم أن حول الزكاة ينقطع بهذا التعثر؛ وذلك لأن العروض لم تعد تجارية، بل هي أشبه حينئذ بعروض القنية والادخار، ومن المقرر عند أكثر الفقهاء سقوط الزكاة عمن نوى التجارة في العروض ثم تغيرت نيته إلى الاقتناء، وأنه لا يجب عليه في هذا المال شيء. (1)
والواقع أن هذه الأراضي المجمدة من قبل الجهات الحكومية وإن لم تتغير فيها نية المالك إلا أنه لا يستطيع المتاجرة بها، فالنية قد فقدت فيها رغما عنه، والنية غير الممكنة لا تفيد شيئا.
وكما يمكن قياس هذه الحالات على انقطاع حول الزكاة بتحول النية وتغيرها، فيمكن أيضا وهو أقوى في نظري قياسها على انقطاع الحول بسبب عدم القدرة على المتاجرة بالمال بسبب أن يحول أحد بينه وبين ماله، كغصب مال التجارة أو سرقته كما سبق في الحالة الأولى.
ولا شك أن هذه المساهمات المتعثرة من قبل الدولة قد حيل
(1) ينظر ما تقدم ص 215
بينها وبين أصحابها، بحيث لا يستطيع المالك ولا وكيله التصرف في هذا المال ببيع ولا غيره.
الحالة الثالثة: تعثر المساهمة العقارية بسبب مماطلة إدارة الشركة.
قد يكون تعثر بعض المساهمات العقارية ناتجا عن سوء إدارة الشركة أو خسارتها، بحيث لا يستطيع المساهم الحصول على شيء من ماله من إدارة الشركة، وإن كان يستطيع بيع نصيبه منها أحيانا، وفي نظري أن هذه الحالة يختلف فيها حكم الزكاة بحسب إمكانية القدرة على تحصيل قيمة هذه المساهمة ببيع أسهمه منها أولا.
فإن كان يستطيع المساهم البيع، يعنى بيع حصته من المساهمة ولو بخسارة، فيجب عليه في مثل هذه الحالة الزكاة كل حول، بعد معرفة القيمة السوقية لأسهمه في هذه الشركة، ذلك أن هذا التعثر أشبه ما يكون بالكساد في السلعة، وقد سبق بيان أن الراجح وجوب الزكاة فيها كل سنة. (1)
أما إن كان لا يستطيع البيع لأسهمه ولا يستطيع الحصول على النقد من إدارة الشركة بسبب المماطلة فالظاهر في مثل هذه الحالة تخريجها على مماطلة المدين لدائنه.
ووجه ذلك: أن كلا من الشركة العقارية الماطلة، والمدين
(1) راجع ص 238
المماطل قد حبس المال عنده، بحيث إن ربه لا يستطيع التصرف فيه ولا تنميته.
وفي حكم الزكاة للدين عند المدين المماطل خلاف بين أهل العلم والراجح فيه أن الدين عند المماطل لا تجب فيه الزكاة، إلا إذا قبضه صاحبه زكاه لعام واحد فقط.
وعليه فمن كانت عنده مساهمة من هذا النوع ولم يستطع بيعها، ولا الحصول على قيمتها من الشركة، عليه أن يزكي قيمة ذلك المال إذا قبضه لعام واحد فقط.
وبذلك يعلم أنه لا نستطيع أن نحكم بانقطاع حول الزكاة