المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: الالتزام بالكتاب والسنة والتحاكم إليهما: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٨٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌ نصاب العنب الذي لا يزبب بالكيلو)

- ‌ الخضروات لا زكاة فيها)

- ‌ والبندورة والفواكه كذلك)

- ‌ ولو صبرت)

- ‌ إذا لم تبلغ الحنطة نصابا فهل يضم إليها الشعير والذرة)

- ‌ العمال في هذه العصور يضمون الشعير إلى البر)

- ‌ إذا حصد زرعه وباعه علفا)

- ‌ الثمار التي تأتي على فترات متقطعة)

- ‌ الربعي والصيفي)

- ‌ ولا على ما يأخذه بحصاده)

- ‌ مقدار زكاة الحبوب بالصاع)

- ‌ ما يسقى بالنباعات، والارتوازات)

- ‌ الزكاة على زراع الأرض)

- ‌إذا شرط المستأجر على المؤجر أنه ليس عليه زكاة فلا يسقطها)

- ‌ إذا كانا شريكين فهل يخرجانها قبل القسمة أو بعدها)

- ‌ إذا احترقت الثمرة في الجرين بغير تعد)

- ‌ إذا أصابتها جائحة بعد الخرص وكان موسرا)

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌الواجب البدار بإخراج الزكاة وسؤال الثقات عن مستحقيها

- ‌حكم تأخير إخراج الزكاة

- ‌حكم تأخير زكاة العروض في حق من لم يملك النقود

- ‌حكم تارك الزكاة جحودا أو بخلا أو تهاونا

- ‌نصح وتذكير لمن لم يخرج الزكاة على الوجه المشروع

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ هل العاملون بالكمائن والخفارات السرية يعدون كالمرابطين في سبيل الله

- ‌ صلاة الجماعة على العاملين في الدوريات والحراسات والكمائن

- ‌يمنحون بعض منسوبيهم رخصا إدارية وإجازات غير منصوص عليها في النظام بقصد مساعدتهم

- ‌ موظف في إجازة رسمية تنتهي إجازته مع بداية شهر ذي الحجة ولم يكن لديه مناوبات أو مهام عمل خلال فترة الحج ويرغب في أداء الحج

- ‌ احتلم ولم يكن قريبا منه ماء، وحان وقت الصلاة

- ‌ دخول المسجد المفروش أو المصلى بالبسطار العسكري

- ‌ تأخير جندي الحراسة للصلاة عن وقتها

- ‌ هل تسقط صلاة الجمعة عن المناوبين

- ‌ أخذ انتدابا إلى عمل ولم يذهب؟ وإن ذهب ولم يكمل مدة انتدابه المقررة

- ‌ صلاة التراويح بالمراكز الحدودية

- ‌ صلاة الجمعة في المراكز الحدودية

- ‌ القصر والجمع لمن كانت له مسافة في مجال عمله تساوي مسافة القصر

- ‌ تعذر استعمال الماء

- ‌ السفر الذي يشرع فيه الترخيص

- ‌ المصلي إذا أراد مشاركة الجماعة في صلاتهم على ظهر الزورق

- ‌ التهاون في أوقات الدوام الرسمي

- ‌من فتاوىاللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌آداب الصلاة:

- ‌الرجل الذي يأتي بعد الأذان فإنه رجل سوء

- ‌ المسارعة إلى الصف الأول

- ‌البحوث

- ‌المقدمة الثانية: في التقليد:

- ‌مسألة التمذهب:

- ‌نشأة التقليد والتمذهب وتطورهما

- ‌واقعنا الذي نعيشه

- ‌أدلة القائلين بمنع التمذهب والإجابة عنها:

- ‌أدلة القول بوجوب التمذهب والإجابة عنها:

- ‌أدلة القائلين بجواز التمذهب:

- ‌معالم رئيسة في مسألة التمذهب:

- ‌مسائل تكميلية

- ‌زكاة الأراضي وقضاياها المعاصرة

- ‌المبحث الثاني: الأرض المعدة للاستثمار

- ‌المطلب الأول: زكاة عين الأرض المعدة للاستثمار

- ‌المطلب الثاني: زكاة الأرض المستثمرة بالبناء ثم البيع

- ‌المبحث الثالث: الأرض المعدة للبيع:

- ‌المطلب الأول: شرط النية في الأرض المعدة للبيع

- ‌المسألة الأولى: دليل اعتبار نية التجارة في الأراضي

- ‌المسألة الثانية: معنى النية المعتبرة للتجارة في زكاة الأراضي

- ‌ثانيا: إبهام النية أو التردد فيها، وهل يمكن أن يستدل بقرائن الأحوال على تعيين النية

- ‌رابعا: شراء الأرض لحفظ المال، ونية التجارة في المستقبل، والانتظار إلى وقت ارتفاع الأسعار

- ‌خامسا: نية إضمار بيع الأرض والتجارة فيها

- ‌المسألة الثالثة: تغيير النية، ومدى تأثيره على حكم الزكاة

- ‌الفرع الأول: تغيير نية التجارة في الأرض إلى الانتفاع بها

- ‌الفرع الثاني: تغيير نية الانتفاع بالأرض إلى التجارة بها

- ‌الفرع الثالث: تغيير نية التجارة إلى الانتفاع، ثم الرجوع إلى التجارة

- ‌المسألة الرابعة: التحايل لإسقاط الزكاة مع نية التجارة

- ‌المطلب الثاني: اشتراط العمل في الأرض المعدة للبيع:

- ‌المبحث الرابع: أحوال سقوط الزكاة عن الأرض التجارية:

- ‌المطلب الأول: سقوط الزكاة في حال كساد الأرض التجارية

- ‌المطلب الثاني: سقوط الزكاة في حال تعثر المساهمات العقارية:

- ‌الخاتمة:

- ‌ضوابط قيم السلوك مع الله عند ابن قيم الجوزية

- ‌المقدمة:

- ‌خطة البحث:

- ‌ التمهيد:

- ‌منهج البحث:

- ‌التمهيد

- ‌أولا: ترجمة موجزة لابن قيم الجوزية

- ‌ثانيا: التعريف بمصطلحات البحث الأساسية:

- ‌ القيم:

- ‌ السلوك:

- ‌المبحث الأول: الإيمان بالله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: العبودية الخالصة لله تعالى:

- ‌المبحث الثالث: الالتزام بالكتاب والسنة والتحاكم إليهما:

- ‌المبحث الرابع: متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتداء به

- ‌المبحث الخامس: تعلم العلم الشرعي

- ‌المبحث السادس: الالتزام بأداء التكاليف الشرعية:

- ‌المبحث السابع: اجتناب الذنوب والمعاصي:

- ‌الخاتمة

- ‌فضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود

- ‌مولده ونشأته:

- ‌طلبه العلم:

- ‌ثقافته واطلاعه:

- ‌توليه القضاء في قطر:

- ‌إخلاصه وجرأته في الحق:

- ‌نماذج من شجاعته:

- ‌برنامجه لشهر رمضان:

- ‌مؤلفاته:

- ‌بعض ما قاله عارفوه:

- ‌من مآثره:

- ‌وفاته:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌المبحث الثالث: الالتزام بالكتاب والسنة والتحاكم إليهما:

بالنية، فليس في حقهم مباح متساوي الطرفين، بل كل أعمالهم راجحة. ومن دونهم يترك المباحات مشتغلا عنها بالعبادات، وهؤلاء يأتونها طاعات وقربات.

ولأهل هاتين المرتبتين درجات لا يحصيها إلا الله. (1)

(1) المصدر السابق، ج1/ص90، بتصرف يسير

ص: 289

‌المبحث الثالث: الالتزام بالكتاب والسنة والتحاكم إليهما:

لا بد للسالك من الالتزام بما جاء في الكتاب والسنة ليصح سيره إلى الله تعالى، وقد أكد ابن القيم على ذلك في العديد من كتبه، وعني أشد العناية، ومن ذلك أنه:

أ) أورد بعض النصوص الشرعية الدالة على وجوب اتباع الكتاب والسنة، وبين وجه دلالة كل منها على هذا الوجوب، فنراه يقول:(قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (1)، فدل هذا على أنه إذا ثبت لله ولرسوله في كل مسألة من المسائل حكم طلبي أو خبري فإنه ليس لأحد أن يتخير لنفسه غير ذلك فيذهب إليه، وأن ذلك ليس لمؤمن ولا لمؤمنة أصلا فدل على أن ذلك مناف للإيمان.

(1) سورة الأحزاب الآية 36

ص: 289

وقال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (1)، فأخبر سبحانه أن الهداية في طاعة الرسول لا في غيرها، فإنه معلق بالشرط فينتفي بانتفائه،

فالآية نص على انتفاء الهداية عند عدم طاعته ....

وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (2)، فأمر سبحانه بطاعته وطاعة رسوله، وافتتح الآية بندائهم باسم الإيمان المشعر بأن المطلوب منهم من موجبات الاسم الذي نودوا وخوطبوا به

، ففي ذلك إشارة إلى أنكم إن كنتم مؤمنين، فالإيمان يقتضي منكم كذا وكذا، فإنه من موجبات الإيمان وتمامه. وتحت قوله سبحانه {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (3) سر لطيف، وهو: دلالته على أن ما يأمر به رسوله تجب طاعته فيه، وإن لم يكن مأمورا به بعينه في القرآن، فتجب طاعة الرسول مفردة ومقرونة. فلا يتوهم متوهم أن ما يأمر به الرسول إن لم يكن في القرآن لا تجب طاعته فيه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته

(1) سورة النور الآية 54

(2)

سورة النساء الآية 59

(3)

سورة النساء الآية 59

ص: 290

يأتيه الأمر من أمري فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله ما وجدنا فيه من شيء اتبعناه، ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه (1)»

ثم قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (2)، وهذا دليل قاطع على أنه يجب رد موارد النزاع في كل ما تنازع فيه الناس من الدين كله إلى الله ورسوله لا إلى أحد غير الله ورسوله، فمن أحال الرد على غيرهما فقد ضاد أمر الله، ومن دعا عند النزاع إلى تحكيم غير الله ورسوله فقد دعا بدعوى الجاهلية، فلا يدخل العبد في الإيمان حتى يرد كل ما تنازع فيه المتنازعون إلى الله ورسوله، ولهذا قال الله تعالى:{إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (3)، وهذا مما ذكرناه آنفا شرط ينتفي المشروط بانتفائه،

(1) رواه أبو داود في سننه في كتاب (السنة)، باب (في لزوم السنة)، الحديث رقم (4604)، ج4/ص200، ط دار إحياء السنة النبوية – القاهرة. ورواه ابن عبد البر في التمهيد، ج1/ص149 - 150، بتحقيق: مصطفى العلوي ومحمد البكري، ط الثانية 1402هـ - 1982م، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية. كما رواه الإمام أحمد في المسند، الحديث رقم (17174)، ج28/ص410، بتحقيق شعيب الأرنؤوط وآخرين، ط مؤسسة الرسالة- بيروت، وقال محققو المسند:(إسناده صحيح ورجاله ثقات)

(2)

سورة النساء الآية 59

(3)

سورة النساء الآية 59

ص: 291

فدل على أن من حكم غير الله ورسوله في موارد مقتضى النزاع كان خارجا من مقتضى الإيمان بالله واليوم الآخر،

وقد اتفق السلف والخلف على أن الرد إلى الله هو: الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول هو: الرد إليه في حياته، والرد إلى سنته بعد وفاته. ثم قال تعالى:{ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (1)، أي: هذا الذي أمرتكم به من طاعتي وطاعة رسولي وأولي الأمر، ورد ما تنازعتم فيه إلي وإلى رسولي خير لكم في معاشكم ومعادكم، وهو سعادتكم في الدارين، فهو خير لكم وأحسن عاقبة. فدل هذا على أن طاعة الله ورسوله، وتحكيم الله ورسوله هو سبب السعادة عاجلا وآجلا)

ب) وأورد أقوال بعض علماء الزهد والسلوك في الالتزام بالكتاب والسنة، فنراه يقول: (قال سيد الطائفة وشيخهم الجنيد بن محمد رحمه الله: (من لم يحفظ القرآن

(1) سورة النساء الآية 59

ص: 292

ويكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر؛ لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة). وقال: (مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة). وقال أبو حفص رحمه الله: (من لم يزن أفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة، ولم يتهم خواطره فلا يعد في ديوان الرجال). وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: (ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياما، فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين: الكتاب والسنة) ....

وقال أبو يزيد لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات إلى

ص: 293

أن يرتفع في الهواء، فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة)

ولذا يقول ابن القيم: (وأهل الاستقامة منهم سلكوا على الجادة، ولم يلتفتوا إلى شيء من الخواطر والهواجس والإلهامات حتى يقوم عليها شاهدان: الكتاب والسنة)(1)

ج) وبين أن رأس الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم: (كمال التسليم له، والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقبول والتصديق، دون أن يحمله السالك معارضة خيال باطل يسميه معقولا، أو يحمله شبهة أو شكا، أو يقدم عليه آراء الرجال وزبالات أذهانهم، فيوحده بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان، كما وحد المرسل سبحانه وتعالى بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل)(2)

وفصل في كيفية الانقياد لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم والاستسلام والإذعان له، حيث ذكر أن ذلك يكون بثلاثة أمور هي:

(1) إغاثة اللهفان، ص 132

(2)

مدارج السالكين، ج2/ص291. وانظر: ص293

ص: 294

الأول: ألا يعارض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء من المعارضات الأربعة السارية في العالم المسماة بالمعقول، والقياس، والذوق، والسياسة.

فالتعويل على المعقول هو منهج المتكلمين الذين يعارضون نصوص الشرع بمعقولاتهم الفاسدة، ويقولون: إذا تعارض العقل والنقل قدمنا العقل وعزلنا النقل.

والأخذ بالقياس هو منهج المنحرفين المنتسبين إلى الفقه الذين يقولون: إذا تعارض القياس والنص قدمنا القياس على النص.

والاعتماد على الذوق هو منهج المنحرفين من الصوفية الذين إذا تعارض عندهم الذوق والأمر قدموا الذوق ولم يعبؤوا بالأمر.

والاعتداد بالسياسة هو منهج المنحرفين الجائرين من ولاة الأمر الذين إذا تعارضت عندهم الشريعة والسياسة قدموا السياسة ولم يلتفتوا إلى حكم الشريعة.

الثاني: ألا يتهم دليلا من أدلة الشرع، بحيث يظنه فاسد الدلالة أو قاصرها، أو أن غيره كان أولى منه. ومتى عرض له شيء من ذلك فليتهم فهمه، وليعلم أن الآفة منه والبلية فيه. وهذا هو واقع الأمر، فإنه ما اتهم أحد دليلا للدين إلا وكان المتهم هو الفاسد الذهن، المأفون في عقله وذهنه، فالآفة في الذهن العليل، لا في نفس الدليل. وإذا رأى السالك من أدلة الدين ما يشكل عليه أمره وينبو عنه فهمه، فليعلم أن

ص: 295

تحته كنزا من كنوز العلم، وأنه لم يؤت مفتاحه بعد لكلال ذهنه.

الثالث: ألا يجد إلى خلاف النص سبيلا ألبتة، لا بباطنه ولا بلسانه ولا بفعله ولا بحاله، بل إذا أحس بشيء من الخلاف فهو كخلاف المقدم على كبيرة كالزنا وشرب الخمر وقتل النفس، بل هذا الخلاف أعظم عند الله من ذلك، وهو الذي خافه الأئمة على أنفسهم. (1)

د) وعزا إلى الإمام الشافعي رحمه الله إجماع السلف على وجوب الالتزام بنصوص الكتاب والسنة، حيث يقول:(حكى الشافعي رضي الله عنه إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد. ولا يستريب أحد من أئمة الإسلام في صحة ما قاله الشافعي رضي الله عنه. فإن الحجة الواجب اتباعها على الخلق كافة إنما هو قول المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وأما أقوال غيره فغايتها أن تكون سائغة الاتباع، فضلا عن أن تعارض بها النصوص وتقدم عليها عياذا بالله من الخذلان (2)

هـ) وأكد على أن اتباع ما جاء في الكتاب والسنة هو الحق

(1) المصدر السابق، ج2/ص254 - 255 بتصرف يسير

(2)

الرسالة التبوكية، ص107 - 108

ص: 296

وصراط الله المستقيم المذكور في سورة الفاتحة، حيث يقول في معرض حديثه عن اشتمال سورة الفاتحة على الرد على جميع المبطلين من أهل الملل والنحل:(الصراط المستقيم متضمن معرفة الحق وإيثاره وتقديمه على غيره ومحبته والانقياد له والدعوة إليه وجهاد أعدائه بحسب الإمكان. والحق هو: ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وما جاء به علما وعملا في باب صفات الرب سبحانه وأسمائه وتوحيده وأمره ونهيه ووعده ووعيده وفي حقائق الإيمان التي هي منازل السائرين إلى الله تعالى، وكل ذلك مسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دون آراء الرجال وأوضاعهم وأفكارهم واصطلاحاتهم. فكل علم أو عمل أو حقيقة أو حال أو مقام خرج من مشكاة نبوته وعليه السكة المحمدية فهو من الصراط المستقيم، وما لم يكن كذلك فهو من صراط أهل الغضب والضلال. (1)

و) وبين حكم من استغنى عن الكتاب والسنة، فقال: (ومن ظن أنه يستغني عما جاء به الرسول بما يلقى في قلبه من الخواطر والهواجس، فهو من أعظم الناس كفرا، وكذلك

(1) مدارج السالكين، ج1/ص55 - 56

ص: 297

من ظن أنه يكتفي بهذا تارة وبهذا تارة، فما يلقى في القلوب لا عبرة به ولا التفات إليه إن لم يعرض على ما جاء به الرسول ويشهد له بالموافقة، وإلا فهو من إلقاء النفس والشيطان (1)

ز) وشدد في النكير على من أعرض عن الكتاب والسنة وأقبل على الآراء والأذواق والأهواء. ومما قاله بهذا الشأن قوله عن هذه الطائفة: (واعجبا لها كيف جعلت غذاءها من هذه الآراء التي لا تسمن ولا تغني من جوع ولم تقبل الاغتذاء بكلام رب العالمين ونصوص حديث نبيه المرفوع، أم كيف اهتدت في ظلم الآراء إلى التمييز بين الخطأ والصواب، وخفي عليها ذلك في مطالع الأنوار من السنة والكتاب؟ واعجبا كيف ميزت بين صحيح الآراء وسقيمها، ومقبولها ومردودها، وراجحها ومرجوحها، وأقرت على أنفسها بالعجز عن تلقي الهدى والعلم من كلام من كلامه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهم الكفيل بإيضاح الحق مع غاية البيان، وكلام من أوتي جوامع الكلم واستولى كلامه على الأقصى من البيان؟

(1) إغاثة اللهفان، ص132

ص: 298

أفيظن المعرض عن كتاب ربه وسنة رسوله أن ينجو من ربه بآراء الرجال؟، أو يتخلص من بأس الله بكثرة البحوث والجدال، وضروب الأقيسة وتنوع الأشكال؟ أو بالإشارات والشطحات وأنواع الخيال؟

ولن ينال الإنسان المطالب العالية ويخلص من الخسران المبين إلا بالإقبال على القرآن وتفهمه وتدبره واستخراج كنوزه وإثارة دفائنه، وصرف العناية إليه، والعكوف بالهمة عليه، فإنه الكفيل بمصالح العباد في المعاش والمعاد، والموصل لهم إلى سبيل الرشاد، فالحقيقة والطريقة، والأذواق والمواجيد الصحيحة كلها لا تقتبس إلا من مشكاته ولا تستثمر إلا من شجراته. (1)

ح) وحذر السالك من التحاكم إلى الأذواق والمواجيد، فقال: (الذوق والحال والوجد منشأ ضلال من ضل من المفسدين لطريق القوم الصحيحة، حيث جعلوه حاكما، فتحاكموا إليه فيما يسوغ ويمتنع، وفيما هو صحيح وفاسد، وجعلوه محكا للحق والباطل، فنبذوا لذلك موجب العلم والنصوص، وحكموا فيها الأذواق والأحوال والمواجيد، فعظم الأمر وتفاقم الفساد والشر، وطمست معالم الإيمان والسلوك المستقيم، وانعكس السير، كان

(1) مدارج السالكين، ج1/ص16 - 18 بتصرف يسير

ص: 299

إلى الله فصيروه إلى النفوس، فالناس المحجوبون عن أذواقهم يعبدون الله، وهؤلاء يعبدون نفوسهم ....

ثم إنه وقع من تحكيم الذوق من الفساد ما لا يعلمه إلا الله، فإن الأذواق مختلفة في أنفسها، كثيرة الألوان متباينة أعظم التباين، فكل طائفة لهم أذواق وأحوال ومواجيد بحسب معتقداتهم وسلوكهم

، وهذا سيد أهل الأذواق والمواجيد والكشوف والأحوال من هذه الأمة المحدث المكاشف عمر رضي الله عنه لا يلتفت إلى ذوقه ووجده ومخاطباته في شيء من أمور الدين حتى ينشد عنه الرجال والنساء والأعراب، فإذا أخبروه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يلتفت إلى ذوقه ولا إلى وجده وخطابه، بل يقول:(لو لم نسمع بهذا لقضينا بغيره)، ويقول:(أيها الناس: رجل أخطأ وامرأة أصابت)، فهذا فعل الناصح لنفسه وللأمة رضي الله عنه، ليس كفعل من غش نفسه والدين والأمة.

وإذا وقع النزاع في حكم فعل من الأفعال أو حال من الأحوال أو ذوق من الأذواق، هل هو صحيح أو فاسد؟ وحق أو باطل؟ وجب الرجوع فيه إلى الحجة المقبولة عند الله وعند عباده المؤمنين، وهي: وحيه الذي تتلقى أحكام النوازل والأحوال والواردات منه، وتعرض عليه وتوزن به، فما زكاه منها وقبله ورجحه وصححه فهو المقبول، وما أبطله ورده فهو الباطل المردود. ومن لم يبن على هذا

ص: 300