الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتاريخها، واسم الناشر، ومكان النشر.
وبعد: فهذا جهد بشر فما كان فيه من حق وصواب فمن الله وحده، وله الحمد والثناء على توفيقه، وما كان فيه من خطأ وزلل وتقصير فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله وأتوب إليه من ذلك.
والله أسأل أن يلهمني الرشد والصواب، وأن يرزقني إخلاص النية وصلاح العمل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
التمهيد
أولا: ترجمة موجزة لابن قيم الجوزية
هو الإمام الرباني والعالم والفقيه الجليل أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر أيوب بن سعد بن حريز الزرعي (1) الدمشقي الحنبلي، ولد بدمشق في اليوم السابع من شهر صفر سنة 691 هـ، ونشأ في بيت علم ودين وفضل:
فوالده أبو بكر بن أيوب، عالم جليل ورجل تقي صالح، كان قيما على المدرسة الجوزية بدمشق ولذا اشتهر بلقب (قيم الجوزية)، كما اشتهر بها أبناؤه وذريته من بعده فيقال للواحد منهم ولا سيما إمامنا شمس الدين محمد بن أبي بكر (ابن قيم الجوزية).
وأخوه زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي بكر إمام عالم، تتلمذ على يديه كثير من العلماء منهم الحافظ ابن رجب الحنبلي.
ولزين الدين عبد الرحمن هذا ابن فاضل هو أبو الفداء عماد الدين إسماعيل، اقتنى أكثر مكتبة عمه شمس الدين ابن القيم بعد وفاته.
وقد امتد هذا التوجه العلمي في أبناء الإمام شمس الدين بن
(1) الزرعي: نسبة إلى (زرع)، وهي قرية صغيرة من بلاد حوران، وتسمى اليوم (أزرع)، وتقع جنوبي دمشق
القيم، فابنه شرف الدين عبد الله، كان مفرط الذكاء ومن العلم والصلاح بمكان، تتلمذ على والده وتولى التدريس في مكانه بعد وفاته. وابنه برهان الدين إبراهيم علامة نحوي فقيه متقن، أخذ العلم عن أبيه وغيره، وأفتى ودرس وألف وناظر.
توجه ابن القيم لطلب العلم وتحصيله منذ صغره، فقد بدأ السماع من شيوخه وهو في السابعة من عمره ثم لم يزل يثابر في طلب العلم ويترقى في درجاته حتى حاز علما جما وبلغ فيه منزلة رفيعة، حيث درس علوم الشريعة وعلوم الآلة على كبار العلماء المتبحرين في العلم، أمثال: شمس الدين محمد بن أبي الفتح البعلبكي، وصفي الدين محمد بن عبد الرحيم الأربوي، وتقي الدين سليمان بن قدامة المقدسي، وتقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، ومجد الدين إسماعيل بن محمد الفراء الحراني، وزين الدين أيوب بن نعمة النابلسي الدمشقي.
وقد سلك ابن القيم رحمه الله مسالك علماء السلف في عقيدته، فقررها في عامة كتبه أحسن تقرير، ودعا إليها ورد على المخالفين لها، وبين ذلك أحسن بيان في قصيدته النونية المشهورة
المعروفة بـ (الكافية في الانتصار للفرقة الناجية)، ولقد كانت كتبه وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية - ولم تزل - مرجعا معتمدا في تقرير عقيدة السلف في مسائل التوحيد والغيب والنبوات وأركان الإيمان وأفعال العباد وغيرها من قضايا الاعتقاد.
وأما مذهبه الفقهي فهو مذهب الحنابلة كأسلافه وعقبه من العلماء، ووصفه بعض من ترجم له من العلماء بالمجتهد المطلق وقد امتاز رحمه الله في دراساته واختياراته الفقهية باتباعه للدليل وترك ما خالفه كائنا من كان قائله ومحاربته للتقليد وتشنيعه على المقلدة (1) واحترام الأئمة ومعرفة فضلهم ونصحهم لله ورسوله، واجتناب تنقصهم أو الوقيعة فيهم، مع ترك ما جانب الصواب - في نظره - من أقوالهم (2)
اشتغل بالتأليف حيث أولاه جل عنايته فجاءت مؤلفاته وافرة
(1) وقد بسط الكلام في ذلك في كتابه (أعلام الموقعين)، راجع على سبيل المثال: ج2/ص187 وما بعدها
(2)
راجع: المصدر السابق، ج3/ص283، والبدر الطالع، ج2/ص143 - 145
العدد كثيرة النفع قيمة المحتوى، وعلى درجة عالية من التحرير والإتقان والتأصيل.
ومن أشهر هذه المؤلفات: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، وروضة المحبين ونزهة المشتاقين، وطريق الهجرتين وباب السعادتين، وعدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، ومفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، وإغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، والفوائد، والروح، وأحكام أهل الذمة، واجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية، وغيرها كثير.
أوذي رحمه الله وسجن لصدعه بالحق وإنكاره بعض ما كان شائعا في عصره من مخالفات، وتوفي ليلة الخميس في الثالث عشر من رجب سنه 751هـ، وقت أذان العشاء، وصلي عليه من الغد بعد صلاة الظهر بالجامع الأموي ثم بجامع الجراح، وقد كانت جنازته حافلة شهدها القضاة والأعيان والصالحون، وتزاحم الناس على حمل نعشه، ودفن بمقبرة الباب الصغير بدمشق عند والدته رحمهما الله تعالى.