الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثقافته واطلاعه:
يقول ابنه الشيخ عبد الرحمن: كانت حياة الشيخ طلبا متصلا للعلم منذ صغره، فقد كان منقطعا لتقلي العلم وحفظ القرآن والأحاديث والمتون المختلفة، وكانت والدته - مع أنه ابنها الوحيد - تدفعه وتدعو له، وتوافقه على السفر في سبيل العلم.
ولم يشغله عمل القضاء عن طلب العلم، لأنه شغوف بالدراسة والمطالعة، حتى يبقى العلم حيا في ذاكرته.
وتحوي أوراقه الكثير من هذه الكتابات، وهي مكتوبة على ما تيسر تناوله: كظهر رسالة أو مظروف، أو قصاصة ورق، بل إنه قد ينهض من نومه، لتسجيل فكرة أو خاطرة قبل أن ينساها.
وكانت له همة عالية وفهم كبير، وإذا اهتم بأمر لا يخلد للراحة حتى ينجزه. وقد درس فضيلته الكثير من الكتب المتعلقة بالعلوم الإسلامية المختلفة، وقد توسع كثيرا في العلوم الدينية، فلم يقتصر على معرفة مذهبه، بل تعداه إلى دراسة جميع المذاهب، واطلع على مواقع الخلاف والاتفاق بينها، ودرس كتب الملل والنحل الأخرى، مع أنه حنبلي المذهب سلفي العقيدة.
أما التفسير فقد أحاط به وبكتبه المختلفة إحاطة واسعة مع كتب الصحاح كما قرأ كثيرا من كتب التاريخ والسير، مع إلمامه
الواسع بأيام العرب وأنسابهم وتاريخ الإسلام ورحلاته، وله إلمام واسع بالأدب والشعر، حفظا ورواية للقصائد، وأبيات الحكمة، والأمثال العربية ويستشهد بها كثيرا في أحاديثه وكتاباته.
قوة الذاكرة: لقد رزق الله الشيخ ذاكرة نادرة، وهي حلية طالب العلم فمع سرعة الحفظ فإن لديه قدرة على استرجاع ما حفظ، ومن ثم الاستشهاد بما مر عليه، أما عندما يناقش موضوعا من الموضوعات، فإنه يشير إلى الدليل والمرجع الذي يسند إليه ويحدد الفصل والصفحة التي بها الدليل، وقد شهد له أقرانه بذلك.
1 -
فمنهم الشيخ: عبد الله المسعري (1) رئيس ديوان المظالم السابق في المملكة العربية السعودية، الذي قال: إنني لم أعرف أحدا من العلماء لديه مثل ذاكرة الشيخ ابن محمود، فقد حفظ منظومة ابن عبد القوي عن ظهر قلب وهي لا تقل عن ستة آلاف بيت، ولم يستطع أحد من طلبة العلم القدامى أو المحدثين حفظها. وكان موسوعة علمية لا يضاهيه أحد من معاصريه، كان كلامه حكمة، سألته مرة: هل تقرأ الشعر يا شيخ؟ فرد علي: جيده لا يواتيني، ورديئه لا أواتيه. وحفظت من كلامه حكمة قال هي:(نكح الكسل التواني فولد بينهما الحرمان).
(1) من بلد الشيخ التي ولد فيها، حوطة بني تميم ومزامل له عند المشايخ
2 -
وقال الشيخ عبد القادر العماري: كان رحمه الله صاحب ذاكرة سيالة، وحافظة نادرة، يحفظ النصوص والأدلة والأشعار وأقوال الأئمة، ويستحضرها بمنتهى اليسر، ومن آيات الله تعالى فيها التي تدل على التوفيق والبركة، كما أنه لما أصابه ضعف الشيخوخة، وبدأ النسيان يقتحم ذاكرته القوية لتهزمه السنون، وتغلبه سنة الله تعالى في كبار السن، أنه في أحد المجالس وكنت موجودا معه مع كثرين يشهدون بذلك: أن أخذ أحد أبنائه المصحف أمسكه ليسمع الشيخ جزءا من القرآن، فبدأ الشيخ يقرأ وهو في مرضه الذي ضعفت معه ذاكرته جدا.
وفي الأثناء دخل عدد من الناس إلى المجلس وانقطعت القراءة وطالت فترة الانقطاع، وبعد انصراف الناس، أراد الشيخ استئناف التسميع وقرأ لابنه من الموضع الذي وقف عنده وكنا نسيناه فتعجبنا من ذلك.
3 -
أما رجل الأعمال: عبد العزيز بن علي بن عزمان، فقد ذكر عن والده حادثة قديمة، عندما كان الشيخ عبد الله يدرس عند الشيخ أبو حبيب (الشثري)، وكان في سن صغيرة، يقول: أخذني الشيخ أبو حبيب لزيارة الشيخ عبد الله فرحب بنا، وبدأ يعد لنا القهوة (يحمسها)، وأعطى أبو حبيب الشيخ عبد الله، ورقة فيها منظومة من ثمانين بيتا، وأثناء ما كانت القهوة على النار استمر الشيخ عبد الله، يطالع في
الورقة وقبل أن تفور الدلة أعاد الورقة للشيخ أبي حبيب، فقال له: (أنا أعطيك إياها لقراءتها علينا، وأنت تعيدها. فاستفتح الشيخ عبد الله بدءا بأول أبيات القصيدة، وسردها إلى أن أتى على نهايتها، يقول علي بن عزمان، فعجبنا غاية العجب، وبعد خروجنا أمسك الشيخ أبو حبيب بيدي، وقال: يا علي والله إن طالت بك الحياة، واستمر عبد الله في العلم، أن يعد له عدود - أي يحسب له حساب -.
وفعلا حدث ما توقعه فيه شيخه أبو حبيب، حتى أنه اعترف له في كثير من المناسبات بأنه سيصبح أعلم منه.
4 -
ويقول عبد العزيز بن عزمان: كنت أقدم القهوة في مجلس والدي لضيوفه، وفي مقدمتهم الشيخ عبد الله بن زيد بن محمود، الذي قدم من قطر، وبدأت بتقديم (الفنجال) للشيخ أبي حبيب باعتباره الأكبر سنا، ولكنه رده للشيخ ابن محمود الذي رفض بدوره أخذه، قائلا: كيف آخذه وأنت شيخي وخالي، فرده أبو حبيب قائلا: أنا شيخك وخالك، ولكن الله فضلك علي بالعلم، ومع ذلك رفض الشيخ ابن محمود أن يتقدم على شيخه في أخذ (الفنجال)(1)
(1) ص 3، 4 عن ترجمة لسيرة الشيخ عبد الله من ابنه الشيخ عبد الرحمن