الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرعية ويعرف مذاهبهم). (1)
أما ما ذكره العباسي من أن دراسة المذاهب مرحلة مؤقتة وضربه المثل بسلفيي دمشق، فأرى أن في الأمر مبالغة؛ لأن هذه الكتب فيه الصواب وفيها الخطأ، فلم يترك صوابها مع غلبته لوجود الخطأ.
ثم هل هي إلا ثمرة استنباط واجتهاد على ضوء الكتاب والسنة والإجماع والقياس وأدلة الشريعة الأخرى قام بها علماء لهم مكانتهم وقدرهم، فلم لا يدرسها من يطالب بتركها ويعرف صحيحها فيأخذه، فيكون متبعا على القول بوجود مرتبة الاتباع، إذ إن المذاهب لا تموت بموت أصحابها على الصحيح.
وحينئذ لا حاجة بنا إلى أن نبدأ من حيث بدأ السابقون؛ لأننا حينئذ ندعو إلى ظهور مذاهب جديدة، وهل نشأت المذاهب إلا بإمام مشهور تجمع حوله التلاميذ فأعجبوا بطريقته، ثم التف حولهم العامة حتى سمي مذهب فلان.
ولنعد الآن إلى استعراض الأدلة التي استدل بها أصحاب الأقوال الثلاثة في مسألة التمذهب:
(1) الإنصاف للدهلوي (105)
أدلة القائلين بمنع التمذهب والإجابة عنها:
استدل هذا الفريق لرأيه بعدة أدلة أبرزها ثلاثة هي:
1 -
أن عدم الالتزام بمذهب هو الأصل وهو الأيسر والأقرب للفهم الصحيح لمراد الله تعالى لأن الله سبحانه حين أمر الجاهل بسؤال أهل الذكر لم يحدد واحدا معينا منهم بل أطلق ذلك، ومن المعروف أن المطلق يبقى على إطلاقه حتى يأتي ما يقيده. (1)
والجواب عن هذا الدليل أن الأمر للإطلاق كما ذكر في الدليل والمستدل قد قيد هذا الإطلاق بإلزام المستفتي بعدم تقليد شخص بعينه، إذ الأمر بسؤال أهل الذكر لم يتعرض لكون المسؤول واحدا أو متعددا، فيكون إيجاب تقليد المعين أو إيجاب تقليد أكثر من واحد زائدا على الأصل الذي لم يتعرض لشيء من ذلك، فيكون تقليد المعين جائزا، وتقليد غير المعين جائزا أيضا (2) والأمر في هذا واسع بحمد الله.
2 -
أن من التزم مذهبا معينا يكون قد سوى في واقع الأمر بين اتباع النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم وبين اتباع الفقيه غير المعصوم (3)
(1) المذهبية لعباسي (91)
(2)
اللامذهبية للبوطي (77)، وانظر مجموع الفتاوى (20/ 209)
(3)
المذهبية لعباسي (91)
والجواب عن هذا أن المقلد سواء قلد معينا أو لم يقلد معينا، فهو إنما يتبع غير معصوم، لكن لما دل الدليل على أن المجتهد يجب عليه العمل بما أداه إليه اجتهاده، وإن خالفه غيره، كان على المقلد أن يتبعه ولو كان غير معصوم؛ لأن هذا طريقه لمعرفة الأحكام.
وهل المقلد إذا تنقل بين المفتين ولم يلتزم واحدا منهم يسلم من الخطأ ويجلب له هذا الصنيع العصمة التي لم تثبت إلا للمرسلين عليهم الصلاة والسلام؟.
وقد جبلت النفوس على اتباع وتقليد من تثق به وتطمئن له ولا ريب أن العامي لا يدري هل أصاب هذا العالم الحق في المسألة أو لا؟، لكنه إنما اتبعه لثقته فيه لا لاعتقاد عصمته.
3 -
استدلوا بأن فعل الصحابة والسلف الصالح في القرون المفضلة هو عدم الالتزام، فثبت أن الالتزام غير جائز. (1)
وأجيب عن هذا بأن المروي خلافه، فقد قال ابن القيم رحمه الله في أعلام الموقعين: (والدين والفقه انتشر في الأمة عن أصحاب ابن مسعود وأصحاب زيد بن ثابت وأصحاب عبد الله بن عمر وأصحاب عبد الله بن عباس، فعلم عامة الناس عن أصحاب هؤلاء الأربعة، فأما أهل المدينة فعلمهم عن أصحاب زيد بن ثابت وعبد الله
(1) المذهبية لعباسي (92)
ابن عمر، وأما أهل مكة فعلمهم عن أصحاب عبد الله بن عباس، وأما أهل العراق فعلمهم عن أصحاب عبد الله بن مسعود) اهـ (1)
وأورد ابن القيم رحمه الله أيضا أن عمر بن الخطاب خطب الناس بالجابية فقال: (من أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت، ومن أراد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل، ومن أراد المال فليأتني)(2) وكان منادي بني أمية ينادي على مسمع من الصحابة والتابعين في أيام منى ألا يفتي الناس إلا عطاء بن أبي رباح (3)؛ لأنه كان من أعلم الناس بالمناسك (4)
فهذه النصوص والشواهد تدل على أن القرون المفضلة عرفت شيئا من التعيين، فالحكم بأن فعلهم هو عدم الالتزام هو حكم بعدم الدليل، لا بدليل العدم، وعدم الدليل لا يدل على عدم الوجود، إذ قد يكون موجودا ولم ينقل، وبخاصة بعدما سقنا شيئا من النصوص تدل على بعض ذلك.
(1) أعلام الموقعين (1/ 21).
(2)
المصدر السابق (1/ 21).
(3)
البداية والنهاية (9/ 306).
(4)
تهذيب التهذيب (7/ 201).