الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أدلة القول بوجوب التمذهب والإجابة عنها:
عمدة أدلتهم الاستدلال على وجوب الالتزام بالمذهب أنه لو جاز له اتباع أي مذهب شاء لأفضى ذلك إلى أن يلتقط رخص المذاهب متبعا لهواه، وهذا انحلال عن التكليف وسبب للفوضى الدينية.
ويجاب عن هذا بأن التزامه بمذهب واحد لا يتجاوزه مع اشتمال هذا المذهب على الخطأ أمر لا تقره الشريعة، وإنما يسوغ له اتباع المذهب إذا اطمأنت نفسه إليه، ويجب عليه تركه فيما بان له ضعفه، ولا يؤدي هذا الصنيع إلى تتبع الرخص والفوضى، لأن جواز الترك مقيد بظهور الرجحان وتتبع الدليل، أما الانتقال الفاقد لهذا القيد فإنا نمنعه حسما للفوضى، كما بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية فيما نقلنا عنه أولا.
أدلة القائلين بجواز التمذهب:
إن هذا القول هو الذي عليه جماهير العلماء من السلف والخلف، ولقد قررت هذا المذهب من قبل وبينته، وأحب هنا أن أزيد الأمر توضيحا قبل عرض الأدلة، فلقد رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عرض هذا القول في الفتاوى وفي كتبه الأخرى ومال
إليه، ومن أقواله التي تدل على ميله لهذا القول قوله في الفتاوى:(ولا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء في كل ما يقول ...... واتباع شخص لمذهب شخص بعينه لعجزه عن معرفة الشرع من غير جهته إنما هو مما سوغ له، ليس هو مما يجب على كل أحد). اهـ (1)
ومنها قوله: (وأكثر الناس إنما اتبعوا المذاهب بل الأديان بحكم ما تبين لهم، فإن الإنسان ينشأ على دين أبيه أو سيده أو أهل بلده .... ثم إذا بلغ الرجل فعليه أن يقصد طاعة الله ورسوله حيث كانت ..... وأما من كان عاجزا عن معرفة حكم الله ورسوله، وقد اتبع فيها من هو من أهل العلم والدين ولم يتبين له أن قول غيره أرجح من قوله، فهو محمود، يثاب ولا يذم على ذلك ولا يعاقب) اهـ. (2)
ومنها قوله في المسودة نقلا عن ابن هبيرة: (كل من هذه المذاهب إذا أخذ به آخذ ساغ له ذلك) اهـ. (3)
هذه بعض أقوال شيخ الإسلام في هذا المقام، وإنما حرصت على التقديم بها لأدلة هذا الفريق؛ لأن بعض المانعين من التمذهب
(1) مجموع الفتاوى (20/ 209)
(2)
مجموع الفتاوى (20/ 224، 225).
(3)
المصدر السابق (20/ 292).
ومن تقليد المعين ينسبون المنع لشيخ الإسلام، فأحببت ذكر شيء من أقواله ليعلم رأيه في هذه المسألة.
ولنعد الآن إلى ذكر أدلة القائلين بجواز التمذهب وهي كثير وأبرزها ما يأتي:
1 -
أن الأدلة على جواز التقليد جاءت مطلقة، فلم تطلب من المقلد عدم تقليد معين، فتقييدها بهذا القيد تقييد بغير دليل، فلا يقبل. (1)
2 -
أن الأمة منذ عهد الصحابة وعلى مر عصورها الزاهرة لم ينقل عن أحد يعتد بقوله منع المقلدين من استفتاء شيخ بعينه، بل قد عرف كما بينا سابقا عن قوم بأنهم أصحاب ابن عباس، وعن آخرين بأنهم أصحاب ابن مسعود، وكان منادي بني أمية ينادي ألا يفتي الناس إلا عطاء، ولم ينكر ذلك أحد ممن حضر من الصحابة والتابعين، ثم إن علماء الإسلام والأئمة الأعلام على مر العصور لم ينكروا هذا الأمر، ولم يأنفوا منه - أعني الانتساب إلى المذاهب - فهذا الإمام ابن عبد البر رحمه الله يؤلف في فضائل الثلاثة، ولعلك تسأل لم خصهم دون غيرهم من فقهاء الإسلام 1.
(1) المذهبية (77)
مع استواء الجميع في العلم والفضل؟، وألف أيضا الكافي في فقه المالكية جامعا له من كتبهم، وهذا ابن تيمية وتلميذه ابن القيم لا يأنفون من ذكر آراء الأصحاب والاعتناء بأقوالهم والثناء على الحنابلة ومذهبهم.
وأمثال هؤلاء من الأئمة كثير، وإنما أردنا مجرد التمثيل، ولأن ابن عبد البر وابن تيمية وابن القيم ممن شن حملة على التقليد، فظن ظان أنها ضد ما نحن بصدده.
بل قد نقل كثير من العلماء الإجماع على جواز اتباع هذه المذاهب المدونة، فقد نقله شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية في كتاب مسودة بني تيمية عن الوزير ابن هبيرة (1) كما ذكرناه آنفا، كما نقله قبله صاحب البرهان فيه (2) وابن الصلاح (3) وأخيرا الدهلوي في الإنصاف (4)
3 -
أن الأمة قد أجمعت على عدم الإنكار في مسائل الاجتهاد، ولا ريب أن أقل ما يقال في المذاهب أنها من
(1) المسودة (538 - 541)
(2)
البرهان (2/ 1146)
(3)
تيسير التحرير (4/ 256)
(4)
الإنصاف (97، 104)