الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يصيبه إلا ما كتب الله له، وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ولا يظلم مثقال ذرة، قال سبحانه وتعالى:{فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (1).
فينبغي للمسلم أن يعقد قلبه على هذا الأصل معتمداً على الأدلة من الكتاب والسنة، ولا يخوض فيما لا علم له به، ويحث الناس على النشاط والقوة، والاستعانة بالله وتفويض المقادير إلى الله عز وجل وأن يتركوا العجز والكسل (2)، قال النبي صلى الله عليه وسلم:((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قَدَرُ الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان)) (3)، ولهذه العقيدة السليمة قال الله تعالى:{قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَاّ مَا كَتَبَ الله لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (4).
4 – الابتعاد والحذر كل الحذر من الاغترار بالأعمال:
إن من الأمور التي ينبغي للمسلم أن يعتني بها ويوجه الناس إلى الحذر منها: الاغترار بالأعمال؛ ولهذا عندما قتل الرجل نفسه أعظم الصحابة رضي الله عنهم ذلك؛ لأنهم نظروا إلى شجاعته، وقتاله العظيم، ولم يعرفوا الباطن، ولا المآل فأعلم الله
(1) سورة الزلزلة، الآيتان: 7، 8.
(2)
انظر: الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية، للإمام ابن بطة، ((كتاب الإيمان))، 1/ 218 - 220، و ((كتاب القدر)) 1/ 267، 273، 323، و2/ 307، وأصول السنة لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الأندلسي، الشهير بابن أبي زمنين، 197 - 206.
(3)
أخرجه مسلم، 4/ 2052، كتاب العلم، باب الإيمان بالقدر والإذعان له، برقم 2664.
(4)
سورة التوبة، الآية:51.
الخبيرُ العليمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعاقبة هذا الرجل؛ لسوء مقصده وخبث نيته (1)، قال الإمام القرطبي – رحمه الله – في فوائد هذا الحديث: ((
…
فيه التنبيه على ترك الاعتماد على الأعمال، والتعويل على فضل ذي العزة والجلال)) (2).
وقال الإمام النووي – رحمه الله –: ((فيه التحذير من الاغترار بالأعمال، وأنه ينبغي للعبد أن لا يتكل عليها، ولا يركن إليها، مخافة انقلاب الحال للقدر السابق، وكذا ينبغي للعاصي أن لا يقنط ولغيره أن لا يُقنِّطه من رحمة الله)) (3)؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((سدِّدوا وقارِبوا، وأبشِروا، فإنه لن يُدخلَ الجنةَ أحداً عملُهُ)) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا، إلا أن يتغمدَّنيَ الله منه برحمة. واعلموا أن أحبَّ العمل إلى الله أدومُه وإن قلَّ)) (4).
وقد مدح الله الخائفين على أعمالهم الصالحة يخشون أن لا تقبل منهم، فقال عز وجل:{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} (5)، قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: أهو الذي يزني ويسرق ويشرب الخمر؟ قال: ((لا يا بنت أبي بكر [أو يا بنت الصِّدِّيق]، ولكنه الرجل يصوم، ويتصدق، ويصلي، ويخاف أن لا يتقبل منه)) (6).
(1) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 1/ 318.
(2)
المرجع السابق، 1/ 318.
(3)
شرح النووي على صحيح مسلم، 2/ 486.
(4)
متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها: البخاري، كتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل، 7/ 233، برقم 6464، ومسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب لن يدخل الجنة أحد بعمله بل برحمة الله، 4/ 2171، برقم 2818.
(5)
سورة المؤمنون، الآية:60.
(6)
ابن ماجه، كتاب الزهد، باب التوقي في العمل، 2/ 1404، برقم 4198، والترمذي كتاب تفسير القرآن، باب ((ومن سورة المؤمنون))، 5/ 327، برقم 3175، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 162، وفي صحيح سنن ابن ماجه، 2/ 409، وصحيح سنن الترمذي، 3/ 80.