الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فينبغي للمسلم أن يعلم أن الاعتماد على الله عز وجل في كل شيء، والطمع في رحمته مع إحسان العمل وإخلاصه لله عز وجل وعدم الغرور والإعجاب بالأعمال. والله المستعان.
5 – الجمع بين الخوف والرجاء:
يظهر من الحديث السابق أنه ينبغي للمسلم أن يجمع بين الخوف والرجاء؛ لأن الإنسان لا يدري هل هو من أهل الجنة أو من أهل النار، وقد ذكر ابن حجر – رحمه الله – عن ابن بطال – رحمه الله – أنه قال:((في تغييب خاتمة العمل عن العبد حكمة بالغة، وتدبير لطيف؛ لأنه لو علم وكان ناجياً أُعجب وكسل، وإن كان هالكاً ازداد عتوّاً، فحُجِب عنه ذلك؛ ليكون بين الخوف والرجاء)) (1).
فالأمن من مكر الله عز وجل ينافي كمال التوحيد؛ ولهذا قال الله عز وجل:
{أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ الله فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلَاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} (2).
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيت الله يعطي العبدَ من الدنيا على معاصيه ما يحبُّ فإنما هو استدراج)) (3). ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 11/ 330.
(2)
سورة الأعراف، الآية:99.
(3)
أحمد في مسنده، 4/ 145، وفي الزهد، ص27 برقم 62، وابن جرير في تفسيره، 11/ 361 برقم 13240، و13241، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 414، وفي تحقيقه لمشكاة المصابيح، 3/ 1436، قال:((إسناده جيد)).
والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله ينافي كمال التوحيد أيضاًًً؛ ولهذا قال الله عز وجل: {وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَاّ الضَّآلُّونَ} (2).
وقال عز وجل: {وَلَا تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ الله إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلَاّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (3).
والقنوط: استبعاد الفرج واليأس منه، وهو يقابل الأمن من مكر الله، وكلاهما ذنب عظيم (4).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الكبائر؟ فقال: ((الشرك بالله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله)) (5).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ((أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله)) (6).
ومعنى الأمن من مكر الله: أي أمن الاستدراج بما أنعم الله به على عباده من صحة الأبدان، ورخاء العيش، وهم على معاصيهم (7).
(1) سورة الأنعام، الآية:44.
(2)
سورة الحجر، الآية:56.
(3)
سورة يوسف، الآية:87.
(4)
انظر: فتح المجيد، لشرح كتاب التوحيد، لعبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب، 2/ 598.
(5)
أخرجه البزار في مسنده، 1/ 106، برقم 55، [مختصر زوائد مسند البزار على الكتب الستة ومسند أحمد] وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 1/ 104: رواه البزار، والطبراني ورجاله موثوقون.
(6)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف، 10/ 459، برقم 19701، والطبراني في المعجم الكبير،
9/ 156، برقم 8783، 8784، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 1/ 104: إسناده حسن.
(7)
انظر: تفسير الطبري [جامع البيان عن تأويل آي القرآن]، 12/ 579، وانظر: 12/ 95 - 97.
واليأس من روح الله: أي قطع الرجاء من رحمة الله ومن تفريجه للكربات (1).
والقنوط من رحمة الله: هو أشدُّ اليأس (2).
وهذا فيه التنبيه على الجمع بين الرجاء والخوف، فإذا خاف فلا يقنط ولا ييأس بل يرجو رحمة الله (3).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال: ((كيف تجدك؟)) قال: أرجو الله يا رسول الله، وأخاف ذنوبي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه مما يخاف)) (4).
فينبغي للمسلم أن يكون بين الرجاء والخوف، وقد ذكر بعض علماء نجد أنه يغلِّب في الصحة جانب الخوف؛ لأنه إذا غلَّب الرجاء على الخوف فسد القلب، أما في حالة المرض فيغلِّب الرجاء، لكن مع الجمع بين الرجاء والخوف في جميع الأحوال (5).
ولابد أن يكون الرجاء والخوف مع المحبة الكاملة؛ قال الحافظ ابن
(1) انظر: المرجع السابق، 16/ 233.
(2)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب القاف مع النون، مادة:((قنط))، 4/ 113.
(3)
انظر: فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد، للعلامة عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، 2/ 601.
(4)
الترمذي، كتاب الجنائز: باب حدثنا عبد الله بن أبي زياد، 3/ 302، برقم 983، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له، 2/ 1423 برقم 4261، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1051.
(5)
انظر: فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد، لعبد الرحمن بن حسن، 2/ 602، وتيسير العزيز الحميد، لسليمان بن محمد بن عبد الله بن عبد الوهاب، ص511.