الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد التاسع
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
يسعدني أيما سعادة أن أقدم هذا العدد التاسع من مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة إلى قادة دولنا الإسلامية وإلى القراء في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
وقد جاء هذا العدد زاخرا، على غرار الأعداد السابقة، بمادة علمية وفيرة، متضمنا دراسات قيمة لقضايا كثيرة وجديدة، يجد فيها الدارسون والباحثون على اختلاف مشاربهم ضالتهم المنشودة ورغبتهم في الاستزادة من العلم والمعرفة، وكيف لا! ؟ وهذا العدد قد احتوى على أغلب العلوم من فقه واقتصاد وطب واجتماع.
ومن ناحية أخرى، فإن أبحاث هذا العدد وردت في مسائل تتعلق بحياة المسلم اليومية، ولا أدل على ذلك من أن الموضوعات الاقتصادية التي دُرِسَتْ فيه هي كلها في قضايا مستجَدة يحتاج المسلم لأن يعرف حكم الله فيها أولا بأول.
وكما هو معلوم، فإن الاقتصاد الذي يمثل عصب الحياة، خاصة في عصرنا هذا، يشهد تطورات وتقلبات مستمرة وسريعة ومتعددة الجوانب، لذا فهو يستدعي عناية خاصة ومتابعة ودراسة جادة.
ولا شك أن ذلك هو السبب في أنه لم يخل مؤتمر من مؤتمرات المجمع من موضوع أو عدة موضوعات اقتصادية.
أما العدد التاسع من مجلتنا فيمكن أن يطلق عليه دونما تردد العدد الاقتصادي، حيث إن ستة من الموضوعات التسعة المطروحة على بساط البحث هي اقتصادية، ابتداء من تجارة الذهب والسلم، ومرورًا بالاستثمار في الأسهم والودائع المصرفية، وانتهاءً بالمناقصات وكساد النقود الورقية.
ومع صدور العدد التاسع من مجلة المجمع يصل عدد مجلدات مجلة المجمع إلى سبعة وعشرين مجلدا، مما يشكل ثروة علمية ضخمة تضاف إلى المكتبة الإسلامية الكبيرة لتساهم في إنارة الطريق للمسلمين في حاضرهم ومستقبلهم.
ولا عجب، فلقد جاءت فكرة إنشاء مجمع الفقه الإسلامي الدولي أساسا من أجل تبصير المسلمين بأمورهم الدينية والدنيوية، وذلك عن طريق اجتهاد جماعي متأصل من علماء الأمة وفقهائها الذين هم ورثة الأنبياء، كما ورد في الحديث الشريف.
وإلى جانب الدورات، فإن المجمع يعقد مع عدد من المؤسسات الإسلامية ندوات متخصصة في قضايا فقهية واقتصادية وطبية واجتماعية، بهدف التمهيد والتوطئة لمؤتمرات مجلس المجمع، أو لإجراء مزيد من التمحيص والدراسة لبعض الموضوعات التي سبق عرضها على دورة من الدورات، ولكنها لم يكتمل جميع جوانبها من الدراسة، فيوصى ببحثها في ندوة متخصصة استعدادا لعرضها مرة أخرى على دورة لاحقة يتم فيها اتخاذ قرارات بشأنها.
وفي نهاية هذه الكلمة أرى لزاما على أن أُنَوِّهَ بجهود أعضاء مجلس المجمع من فقهاء وباحثين وخبراء، وأخص بالذكر رئيس المجلس، في هذه المؤسسة الأصيلة، سائلا المولى عز وجل أن يجازيهم عن الإسلام والمسلمين أحسن الجزاء وأجزله.
كما لا يفوتني أن أُعرب عن فائق الشكر والثناء إلى العاملين بالأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي، وعلى رأسهم الأمين العام الذي لم يدخر أي وسع في سبيل الرقي بالمجمع.
وأخيرا، أنتهز هذه الفرصة لتوجيه نداء حار إلى جميع قادة الدول الإسلامية لكي يمدوا لهذه المؤسسة الإسلامية الدولية يد العون المادي والمعنوي حتى تتمكن من أداء رسالتها النبيلة على الوجه الأكمل.
والله أسأل أن يكلل جهودنا، ويسدد خطانا، ويوفقنا لخدمة الإسلام والمسلمين، إنه تعالى سميع مجيب الدعوات.
والله ولي التوفيق، وهو من وراء القصد.
د. حامد الغابد
الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة المجمع
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام الأتمَّان الأكملان الدائمان على خيرة الصفوة من خلقه، محمد، المبعوث من قبل رب العالمين بالحنيفية السمحاء، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن تبع هداه واقتفى أثره إلى يوم الدين، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم، وبعد:
يسعد مجمع الفقه الإسلامي بجدة أن يقدم العدد التاسع من مجلته السنوية، الذي جاء زاخرا بحلول لعدد من القضايا التي لم يسبق حلها بقرارات جماعية، مثل السلم وتطبيقاته المعاصرة، والتي تعطي توسعة للعمل في المصارف الإسلامية، ومرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) في تفاصيله وقضاياه الدقيقة، والتي تهم، بالدرجة الأولى، رجال الطب والقضاء في العالم الإسلامي.
هذا ومن المعلوم أن مجمع الفقه الإسلامي بجدة ما انفك ساعيا إلى تحقيق مجموعة من الأهداف السامية منها:
أداء واجب الاجتهاد الجماعي، والنظر في قضايا الأمة الإسلامية المعاصرة بما يحقق مصالح المسلمين وآمالهم وحل مشاكلهم.
شرح مبادئ هذا الدين الحنيف، ودحض الشبهات عنه، والتصدي للافتراءات التي يريد بها أعداء الإسلام فتنة المسلمين عن دينهم، وزعزعة عقيدتهم، وبلبلة أفكارهم، وتمزيق وحدتهم.
واستطاع المجمع أن يواصل مسيرته الخيرة المباركة، بفضل من الله تبارك وتعالى، ثم بجهود نخبة طيبة من علماء الأمة الإسلامية وخبرائها المتخصصين في مختلف المجالات الفقهية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والطبية وغيرها.
وقد انعقدت الدورة التاسعة، لمجلس المجمع بمدينة أبو ظبي في الفترة ما بين 1- 6 ذي القعدة 1415هـ (1- 6 إبريل/ نيسان 1995م) برحاب المجمع الثقافي، وتميزت بمشاركة عدد غفير من أصحاب الفضيلة العلماء وجمع كبير من الباحثين والمفكرين المقتدرين والخبراء المتخصصين، بجانب أعضاء المجمع المنتدبين وكبار الشخصيات الإسلامية الذين تشرف بعضهم بإلقاء كلمات في حفل الافتتاح.
وحظيت هذه الدورة بإشراف صاحب السمو الشيخ آل زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة عليها، أجزل الله مثوبته، وبارك في عمره، فقد تكرم، حفظه الله، بإنابة سمو الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التعليم العالي، لتمثيله في افتتاح هذه الدورة وإلقاء خطابه السامي، الذي نوه فيه بدور المجمع الرائد وبرسالته النبيلة، مُرَحِّبًا بالمشاركين في هذه الدورة من علماء المسلمين، الذين اجتمعوا على الهدى والخير، للتدوال في القضايا والمسائل المستجدة التي تمس الجوانب الدينية والاجتماعية والاقتصادية والمالية في حياة المسلمين، على نحو ينبع من مبادئ الشريعة الإسلامية الغراء، ويؤكد في الوقت ذاته على دعم النواحي الروحية والاجتماعية في الإنسان، بما يحقق له السعادة في الدنيا والآخرة.
وقد اعتبر المؤتمر خطاب صاحب السمو رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، حفظه الله، وثيقة رسمية لأعمال الدورة.
هذا، وقد بلغت جلسات العرض والمناقشة، بالإضافة إلى جلستي الافتتاح والختام (12) اثنتي عشرة جلسة، وجاوز مجموع الأبحاث التي شملها العرض (70) سبعين بحثا، إضافة إلى توصيات الندوة الفقهية الطبية للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت، والوثيقة التي ضمت إليها.
وتناولت هذه الأبحاث والدراسات معالجة القضايا والموضوعات التالية:
1-
تجارة الذهب والحلول الشرعية لاجتماع الصرف والحوالة.
2-
السَّلَم وتطبيقاته المعاصرة.
3-
الودائع المصرفية (حسابات المصارف) .
4-
الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثمارية.
5-
المناقصات.
6-
قضايا العملة.
7-
مبدأ التحكيم في الفقه الإسلامي.
8-
سد الذرائع.
9-
مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) .
وبعد المناقشات والمداولات بين أصحاب الفضيلة الأعضاء والخبراء والباحثين، توصل مجلس المجمع – بحمد الله وتوفيقه – إلى اتخاذ قرارات وتوصيات بالإجماع بشأن المسائل المطروحة.
وإنا لنرجو أن يجد القراء في هذه المسائل، وغيرها من موضوعات هذا العدد، ما يروي ظمأهم، ويشبع نهمهم، ونسأله سبحانه أن يمد - بتوفيق منه - القائمين على شؤون هذا المجمع للنهوض بمسؤوليتهم كاملة، نحو الأمة الإسلامية، وبيان حكم الله تعالى في كل ما يطرأ من مشكلات العصر. إنه تعالى بالإجابة جدير وعليها قدير.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛؛
الأمين العام للمجمع رئيس مجلس المجمع
الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة بكر بن عبد الله أبو زيد
كلمة صاحب السمو
الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان
رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة
وقد ألقاها نيابة عنه سمو الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان
وزير التعليم العالي
بسم الله الرحمن الرحيم (1) .
الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،
أصحاب الفضيلة العلماء،
أصحاب المعالي والسعادة،
ضيوفنا الكرام،
أيها السادة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أحييكم أطيب تحية، وأرحب بكم أجمل ترحيب، ويسعدني ويشرفني في بداية هذا الحفل، أن أنقل إليكم تحيات راعي المؤتمر: صاحب السمو الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة –حفظه الله- والذي يؤكد دائما على دور الشريعة الإسلامية وأثرها الكبير كمحرك للنظام الاجتماعي العام، ويوجه بصفة خاصة إلى أهميتها وسيلة للتواصل وحصنا للأمن والأمان، بل وسبيلا صحيحا لتوجيه مسار المسلمين في عصرنا الحاضر، يتحقق بها ومن خلالها رعاية مصلحة الفرد ومصلحة الأسرة ومصالح المجتمع.
إن سموه يؤكد كذلك أن من واجبنا جميعا، أن ننظر إلى كافة أنشطة المجتمع وفعاليته نظرة إسلامية صميمة، وأن نبحث دائما عن السبل الملائمة لتوجيهها، وكيفية التعامل معها والتفاعل بها، بحثا عن الحلول اللازمة لكل ما يطرأ من أحداث، أو ينشأ من المشكلات، نستلهم في كل ذلك روح التشريع، كما نراعي في الوقت ذاته ضرورات الحياة.
لكل ذلك تأتي أهمية مؤتمركم، ويأتي أيضا اهتمامنا الكبير به.
وبهذه المناسبة الطيبة: مناسبة انعقاد مؤتمركم الموقر، يسعدني أن أعلن لكم، أن صاحب السمو رئيس الدولة، قد بعث إلى هذا المؤتمر الهام بكلمة كريمة، يشرفني أن أوجهها إليكم الآن، باسم سموه.
إن شريعة الله –كما تعلمون أيها السادة الأفاضل- إنما تقوم على عدد من المرتكزات الثابتة والراسخة، أساسها الإيمان بالله، وقوامها كلمة التوحيد، ومن هذا المنطلق تدعو شريعة الإسلام السمحة إلى الوحدة والتآخي والتعاون؛ من أجل تحقيق مصلحة العباد، وتلبية احتياجاتهم، بل وإيجاد الحلول اللازمة، لكل ما يطرأ لهم من قضايا، أو ينشأ أمامهم من مشكلات.
(1) قرر اعتبار خطاب صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وثيقة أساسية ضمن وثائق المؤتمر يرجع إليها وتعتمد في سيره مستقبلا
والشريعة الإسلامية إلى جانب هذا كله، إنما تمد المسلمين بزاد فكري ونظام قانوني، بل وعطاء روحي كبير، يكفل لكل منهم حياة طيبة رشيدة آمنة. إنها بذلك، إنما تستهدف توفير الطمأنينة، وتحقيق الاستقرار في المجتمع، وإنها من جانب آخر، تدعو إلى العلم والنظر، وتحث على الاجتهاد والتفكير، طالما يملك العلماء والمهتمون الأدوات اللازمة لذلك. وهذا كله، يتيح المجال لتحقيق رخاء المجتمع الإسلامي وازدهاره، ويؤدي بدوره، إلى مزيد من العطاء والإنجاز، في ركب الحضارة الإنسانية وتقدمها.
ومن فضل الله، أن شريعة الإسلام والمسلمين، قد جاءت في كل ذلك، عامة وشاملة: لا ترتبط بزمن معين، ولا تتوجه إلى جماعة دون أخرى، كما لا تخاطب مجتمعا دون مجتمع، بل إنها للإنسان – أي إنسان – أينما وجد، وحيثما كان: تجسد دائما أمام كل الناس: أن الدين الإسلامي يسر لا عسر، وأن فقه الشريعة مرن بطبيعته، متطور في تكوينه، يقوم على الاجتهاد وإعمال العقل، والأخذ بأسباب العلم والمعرفة، في إطار من روح الشرع وجوهر الدين.
إنني أنتهز مناسبة انعقاد هذا المؤتمر، لأخاطبكم – أنتم علماء الأمة – قائلا: إنه يقع على أكتافكم إعداد مجتمعاتنا الإسلامية على أسس سليمة في الاعتزاز بالقيم وترجمة الفضائل إلى سلوك، بل وفي توجيه هذه المجتمعات إلى كيفية التعايش مع الحاضر، وطريقة التعامل مع تحديات المستقبل. وفي سبيل ذلك كله تقع على عاتقكم واجبات كثيرة، لعل أهمها البحث والدراسة عن كافة جوانب الحياة في ضوء معطيات الشريعة الإسلامية الشاملة والخالدة، وإن مهمتكم الكبيرة، إنما تكمن في الأخذ بأيدي مجتمعاتنا: ترشدونها، تصوبون مسيرتها، توجهونها الوجه السليمة والصحيحة، وصولا إلى تصورات واضحة، وبرامج عمل يسهل تطبيقها، من أجل تحقيق نظام اجتماعي واقتصادي إسلامي: شامل ومتكامل، يحقق للأمة الإسلامية، القدرة على التعامل والتفاعل، في إطار تحديات كبيرة، يفرضها الواقع، وتحتمها الظروف في ظل النظام العالمي المتغير.
إننا أيها السادة الأفاضل، نضع ثقتنا وتفاؤلنا في هذا المؤتمر: نتوقع منه، أن يخلص إلى عدد من الفتاوى العملية السديدة، وأن يقترح نماذج من طرق العمل الرشيدة والهادفة، وأن يضع من برامج التوجيه، ما يمكننا من مواجهة مشكلات هذا العصر، والتغلب عليها في آن واحد. نريد من مؤتمركم: أن يعمق للجميع، فقه الاجتهاد وأساليبه، وأن يكون هذا الاجتهاد، في إطار الأسس التي أجمع عليها السلف والخلف، قائما على ما جاء بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
نريد صياغة ملائمة، لكثير من النظم والإجراءات، التي تكفل النجاح لإدارة هيئات ومؤسسات المجتمع، تحقق لها الكفاءة والفاعلية، وتبعث في القائمين عليها شعور الفخر والاعتزاز.
نريد لهذه النظم والإجراءات، أن تكون – في ضوء معطياتكم – نموذجا رائدا، يضمن لنا النجاح، في كل ما نأتي وما ندع، وأن تكفل لنا في الوقت ذاته عدم الانعزال عن العالم، بل تظل مرتبطة بالتطورات الجارية والحادثة، ولا تتخلف عن الركب الحضاري، بأي حال من الأحوال.
نريد كذلك توجيه الفرد المسلم، لإعادة صياغة أموره الحياتية، وفق منهج إسلامي رشيد، كما نريد الحلول المناسبة، لعدد من القضايا الفقهية المعاصرة سواء في المجال الاقتصادي أو الطبي أو الاجتماعي بوجه عام.
إنه في هذا الإطار الواضح، تتحدد، رسالة مؤتمركم الفقهي، وتتبلور فعالياته، لما يقدمه للأمة الإسلامية من خدمات جليلة: تثري حياتها، وتجدد واقعها، وترشد إلى مستقبلها، كخير أمة أخرجت للناس.
وإنني إذ أرحب بانعقاد هذا المؤتمر، وأتفاءل بكل ما يصدر عنه من مقترحات أو توصيات، لآمل أن تكون الفتاوى والقرارات التي تتخذونها، في متناول الجميع للإفادة منها، والعمل بها، كي يتحقق الترابط والتواصل الفكري والحقيقي، بينكم أنتم علماء الأمة، وبين جمهرة المسلمين في كل مكان.
أكرر الترحيب بكم مرة أخرى في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي الدولة التي يسعدها كثيرا أن تسهم في إيصال هذه الرسالة، وأن تبادر إلى تفهم حقيقة هذا الدور، والجهد الكبير المناط بكم يدفعها إلى ذلك طموحات متصلة وتاريخ عريق أنجبت خلاله كوكبة فريدة من علماء الأمة الإسلامية وأعلامها، ساهموا في تحديد الطرق ووضع القواعد، وإرساء التقاليد لانطلاقة شاملة تربط بين الدين والدنيا، وتحقيق الخير للفرد.
نرجو لكم أيها السادة الأفاضل طيب الإقامة في بلدكم الثاني:
الإمارات العربية المتحدة، كما نأمل للجميع دوام التوفيق والسداد.
وفقكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة معالي
الشيخ محمد بن أحمد بن حسن الخزرجي
وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف لدولة الإمارات العربية المتحدة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
سمو الشيخ نهيان بن مبارك* نائبا عن صاحب السمو رئيس الدولة* لهذا الحفل الكريم.
أصحاب المعالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
الأعضاء المشاركون
أيها السادة الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ينعقد هذا المؤتمر تحت رعاية صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة – حفظه الله ورعاه – وقد دأب – أكرمه الله – على أن يرعى القضايا الإسلامية بجانبيها العلمي والعملي وأن يهتم اهتماما غيورا بأحوال المسلمين في كافة أنحاء العالم.
فباسم دولة الإمارات رئيسا وحكومة وشعبا نرحب بكم أجمل ترحيب بمناسبة افتتاح الدورة التاسعة لمجمعكم الموقر في مدينة أبو ظبي، وبذلك تسعد دولة الإمارات بحضوركم كما سعدت من قبل طيلة شهر رمضان المبارك فاستضافت نخبة من كبار علماء العالم الإسلامي على نفقة صاحب السمو رئيس الدولة لإحياء ليالي رمضان بالفكر الرصين والموعظة الحسنة، فكانوا يشكلون مؤتمرا إسلاميا مفتوحا – طيلة شهر كامل – وذلك مكرمة سموه في كل عام.
واليوم تستضيفكم دولة الإمارات بكل تقدير واعتزاز، أيها العلماء الأجلاء، من علماء الإسلام فقهاء وخبراء وباحثين؛ لتقولوا كلمتكم وتنيروا دروب الحياة المعاصرة بالفقه والفكر والحوار، كي تقدموا لأمتكم الحلول المناسبة لما جَدَّ من قضايا، وتوضحوا لهم المناهج المطلوبة
لمسيرة حياتهم الإسلامية الكريمة.
وهذا المؤتمر الموقر يؤكد لنا ولكم حرص صاحب السمو رئيس الدولة وحكومته الرشيدة على دعم المجمع الفقهي واحترام الأمين العام وأعضائه الكرام المستنبطين من صفحات الكتب الخالدة أحكاما للنوازل التي يعيشها مجتمعنا الحاضر ووضع الحلول المناسبة لها بعيدا عن تيارات التعصب والغلو مستنيرا بنهج المصطفى، صلوات الله عليه وسلامه، في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وإبراز الرسالة الإسلامية، وقد دأبت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف على الصعيدين الداخلي والخارجي على طباعة كتاب الله، سبحانه وتعالى، وتوزيعه، وطبع ونشر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتب الفقه، وإحياء التراث الإسلامي، ودعم وتنمية المشاريع الإسلامية؛ بغية تقوية الروابط الإيمانية وتحقيق الأخوة الإسلامية.
وفي مجال المشاركة في الندوات والمؤتمرات الدولية فإن الوزارة ما تباطأت في تلبية أي دعوة للمشاركة في أي لقاء أو حوار أو ندوة لتقدم من خلاله البحوث والدراسات والآراء المنشودة وبتوجيهات من صاحب السمو، فللوزارة نشاطاتها الخارجية على مستوى تأسيس المراكز الإسلامية والثقافية في الداخل والخارج وذلك بالتعاون والتنسيق مع الهيئات المتخصصة.
وفي الختام: كل التقدير والاحترام لكم ولآرائكم، وأجمل الترحيب بكم في بلدكم دولة الإمارات العربية المتحدة.
جزاكم الله عن الإسلام والمسلمين كل خير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة معالي
الدكتور حامد الغابد
الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على النبي المبعوث رحمة للعالمين
صاحب السمو،
أصحاب السمو والمعالي والفضيلة،
أيها الأخوة،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
إنه لمن دواعي الشرف والغبطة أن أحضر اليوم افتتاح الدورة التاسعة لمجمع الفقه الإسلامي الذي ينعقد تحت الرعاية السامية والكريمة لصاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي هذه الأرض الإسلامية الطيبة التي كانت على مر الزمان قلعة حصينة للإسلام وملاذا للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
إن انعقاد هذا المؤتمر الذي يجمع نخبة من العلماء والفقهاء والمفكرين ذوي الاختصاص في التشريع الإسلامي ومقاصد الشريعة، في عاصمة الإمارات العربية المتحدة واختيارهم لها لعقد مؤتمرهم هذا ليتمكنوا من مناقشة عدة قضايا فقهيه تمس حياة المسلمين هو تقدير لدور سمو الشيخ زايد الرائد في العمل الإسلامي المشترك واعتراف بإسهامه البارز في خدمة الإسلام الذي استوحى منه الأسس التي بنى عليها هذه الدولة، ووحد بها إماراتها، فأصبحت قوية، وغنية، وعزيزة، وأضحت للأمة الإسلامية معينا لا ينضب، ولشعوبها ذراعا لا تكل، تدافع به عن كرامتها وتواسي به ضعفاءها وتقيهم نوائب العصر.
فباسمي الخاص، وباسم منظمة المؤتمر الإسلامي وباسم المؤتمرِين أتوجه بالشكر الجزيل لصاحب السمو رئيس الدولة على رعايته الكريمة لهذا المؤتمر.
ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أشيد بالدعم الثابت الذي تلقاه منظمة المؤتمر الإسلامي ومؤسساتها وخاصة مجمع الفقه الإسلامي من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، ملك المملكة العربية السعودية الذي ما فتئ يولي المجمع رعاية خاصة منذ تأسيسه، ويقدم له شتى أنواع الرعاية والمساندة، وما طبع كتاب (عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة) لابن شاس على نفقته الخاصة إلا دليل آخر على هذه الرعاية الملكية التي لا تنقطع.
كما لا يفوتني أن أجزل الشكر لمعالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف الشيخ محمد بن أحمد حسن الخزرجي ومعاونيه الأكفاء على تعاونهم المخلص والبناء مع صاحب الفضيلة معالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة، الأمين العام للمجمع ومساعديه، من أجل توفير حظوظ النجاح لهذا اللقاء الإسلامي الهام.
كما أوجه كلمة شكر صادقة إلى فضيلة رئيس مجلس المجمع معالي الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد، على حرصه الأكيد أن يكون المجمع في مصاف المؤسسات الإسلامية الرائدة.
صاحب السمو،
أصحاب السمو والمعالي والفضيلة،
أيها الإخوة،
إن الإسلام يحمل في جوهره رسالة إنسانية شاملة، جامعة تتعدى إطار الزمان والمكان جاء لإيجاد الحلول الملائمة لمشاكل الإنسان، وميزة هذا الدين العظيم هو الاعتدال والوسطية، يساير التطور البشري وسنن الكون، لا يجمد، ولا يتقوقع على نفسه، ولا يعرف التعصب والتفرقة بين الناس، فأينما وجدت مصلحتهم فثم شرع الله، كما عبر عن ذلك أحد أئمتنا الأجلاء، إنه لا يخشى التيارات الفكرية ولا النظريات الفلسفية التي عرفتها الحضارات الإنسانية قبل مجيئه، بل استطاع استيعابها ليخرج بحضارة إسلامية أصيلة تعتبر خلاصة لمسيرة الحضارة الإنسانية منذ الخلق.
وإذا عرف هذا الفكر الإسلامي الوثاب بعض النكسات في مرحلة معينة من تاريخه الطويل، فهذا لا يرجع إلى طبيعته ولكن مرده إلى جملة من الظروف الغريبة عنه وعن روحه السمحاء مما أدى إلى تشتت شمل المسلمين وبداية عهد الانحطاط.
صاحب السمو،
أصحاب السمو والمعالي والفضيلة،
أيها الإخوة،
لقد مضى اليوم أكثر من عقد على إنشاء مجمع الفقه الإسلامي والذي يعقد دورته التاسعة بمشاركة هذه النخبة من فقهائه وعلمائه في جميع الاختصاصات، وكان الهدف من تأسيسه هو دراسة كل مستجدات الحياة وما تفرزه الحضارة المعاصرة من مشاكل تفرض نفسها على المجتمع الإسلامي في جميع الميادين سواء كان ذلك يتعلق بالعبادات أو المعاملات، وكان لا بد لمواكبة العصر أن يعد لها هذا المجمع الجليل الحلول الملائمة، ويعطي الحكم الشرعي فيها، وهكذا كان نشاط هذه المؤسسة الرائدة حافلا منذ تأسيسها، فاستطاع أن يعالج مسائل كثيرة تتصل بحياة المسلم اليومية.
وإذا ألقينا نظر خاطفة على جدول أعمال هذه الدورة نجد أن القضايا التي تثار فيه تمس أكثر نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها المسلم في حياته اليومية، تبدأ من سد الذرائع، ومبدأ التحكيم، مرورا بالودائع المصرفية حتى المفطرات في مجال التداوي، بحيث يمكن أن نقول أن هذه القضايا التي تطرح نفسها الآن على علماء الإسلام وفقهائه لم تكن مطروحة في الأزمنة الماضية، فالتكفل بها وتقويمها والاجتهاد في الحكم فيها ضرورة حتمية إذا أردنا أن نواجه التحدي الذي تفرضه علينا الحضارة المعاصرة.
ومن الجدير بالملاحظة أن دور المجمع لم يقتصر على عقد مؤتمراته السنوية، بل تعدى ذلك إلى إقامة ندوات متخصصة عدة ومجالس علمية كثيرة يصب جميعها في نفس الاتجاه. ثم إلى جانب المؤتمرات والندوات والمجالس العلمية هناك مشاريع المجمع العلمية مثل: الموسوعة الفقهية الاقتصادية، ومعلمة القواعد الفقهية، وإحياء التراث والتي تسير جنبا إلى جنب مع هذه وتلك لتكون في نهاية المطاف معلما ضخما متكامل الأطراف.
ورغم ما بذله المجمع من جهود طيبة، فإن الأمة لا تزال تنتظر منه المزيد، فالتطور لا يتوقف، وتقدم التكنولوجيا مستمر.
ومن ناحية أخرى، فهناك بعض الفئات من أفراد هذه الأمة محرومون من معرفة ما يصدر عن المجمع من نشاط، ذلك أن أغلب نشاطاته باللغة العربية ويستحسن أن يهتم المسؤولون بترجمة بعض المواضيع الهامة إلى اللغات الإسلامية الأخرى تعميما للفائدة.
وبهذا الصدد أناشد الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي بمعاونة هذه المؤسسة الهامة لتتمكن من أداء دورها كاملا، وذلك بتسديد مساهماتها المالية نحوها وتقديم مزيد من الدعم إليها.
صاحب السمو،
أصحاب السمو والمعالي والفضيلة،
أيها الإخوة،
إن العالم الإسلامي يواجه تحديات خطيرة وأزمات تكاد تكون مزمنة، فتكالبت عليه قوى الشر والعدوان، فأين أدرت وجهك في أرجائه تجد نارا مشتعلة، وأزمات داخلية تهدر قواه، وفتنا تنخر عظامه.
فالقدس أول القبلتين وثالث الحرمين الشريفين تواجه اليوم أشرس حملات التهويد، في تحدي إسرائيلي صارخ لقرارات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وهذا الشعب الفلسطيني الذي ما زال يناضل منذ عقود طويلة لاسترجاع أرضه وتكوين دولته والعيش بسلام، لم يحقق إلى الآن حقوقه المشروعة، رغم إمضائه على اتفاقيات السلام التي تماطل إسرائيل في تطبيقها وتنتحل جميع الأعذار لعدم الوفاء بالتزاماتها الدولية.
أما شعب البوسنة والهرسك، فلا يزال تحت رحمة قوات الصرب المعتدية، وكأن جريمة هذا الشعب هو كونه مسلما، وإلا كيف يمكن تفسير موقف المجتمع الدولي وسكوته عن المجازر الرهيبة التي ترتكب في حقه، منذ ثلاث سنوات.
ولا يسعنا إلا أن نتأسف على الوضع الذي آلت إليه أفغانستان من جراء الاقتتال بين الإخوة الأشقاء وتمزيق وحدة هذا البلد المسلم رغم المحاولات الجادة التي قامت بها كل من منظمة المؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة لحل هذا النزاع الذي بات يهدد وجود الشعب الأفغاني نفسه.
كما لا يفوتني أن أشير إلى معاناة الشعب المسلم في كشمير والتأكيد على ضرورة تمكينه من تقرير مصيره تمشيا مع قرارات الأمم المتحدة. وما زلنا نتابع بقلق التطورات الجارية في منطقة القوقاز وفي الشيشان بوجه خاص. ولقد طلبنا من الاتحاد الروسي أن يضع حدا للعمليات العسكرية ويبحث عن حل سلمي للأزمة الشيشانية. إننا نحث المجتمع الدولي على استخدام نفوذه لإجبار الاتحاد الروسي على إيقاف مجزرة المسلمين وقصف مدنهم وقراهم في الشيشان.
صاحب السمو،
أصحاب السمو والمعالي والفضيلة،
أيها الإخوة،
إن الإسلام يتعرض حاليا لهجمة شرسة من طرف بعض الأوساط المناوئة التي باتت تعتقد، بعد انهيار الكتلة الشرقية، أن الخطر المحدق بها هو الإسلام، وقد استغلت هذه الأوساط أعمال التطرف التي ظهرت في بعض بلداننا الإسلامية لتشويه صورة الإسلام وقيمه، متجاهلة أن هذه الأزمات ليست ظاهرة خاصة بالعالم الإسلامي، فهي موجودة في كثير من البلدان، ولهذا يجب التصدي لهذه الحملات المغرضة والعمل على إزالة هذه الازدواجية بين الإسلام والإرهاب التي تروج لها بعض الأوساط لأغراض سياسية.
وفي هذا الإطار، جدد قادة الأمة الإسلامية أثناء القمة السابعة بالدار البيضاء، التأكيد على إدانتهم لكافة أشكال الإرهاب، وتجدر الإشارة هنا إلى أن منظمة المؤتمر الإسلامي كانت أول منظمة دولية اعتمدت مدونة سلوك لمكافحة الإرهاب.
صاحب السمو،
أصحاب السمو والمعالي والفضيلة،
أيها الإخوة،
أعتقد أن إصلاح حال العالم الإسلامي أمر ممكن إذا ما عملنا بإخلاص على تعزيز تضامننا والتزامنا بتعاليم ديننا الحنيف الذي يحثنا على التآخي والتآزر ويحملنا على العمل من أجل غد مشرق لأجيالنا القادمة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلمة الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي
الدكتور أحمد محمد علي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
معالي رئيس المجلس
معالي أمين عام المجمع
أصحاب الفضيلة الأعضاء.. أيها الإخوة الحضور:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإنه من دواعي سروري أن أتشرف بحضور هذه الدورة المباركة لمجمعكم الموقر تلبية لدعوة كريمة تلقيتها من أخي معالي أمين عام المجمع الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة، ويسعدني أن أنقل إليكم تحيات رئيس وأعضاء المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي.
أيها الإخوة:
لقد حفظ الله لهذه الأمة كيانها بحفظ دينها قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [سورة الحجر: 9] وقيض لها أفذاذ العلماء وأساطين المفكرين وجهابذة الفقهاء من سلف هذه الأمة فحملوا مشعل الهداية للعالمين ونوروا عقول الأجيال المتعاقبة بنور العلم والمعرفة بالمؤلفات القيمة النافعة التي تملأ مكتبات العالم اليوم بمختلف العلوم والفنون.
ومن واجب الخلف من علماء الإسلام وفقهاء الأمة أن يحافظوا على هذا التراث العظيم بنشره وتعليمه وصيانته وتطويره ليواكب احتياجات الأمة في العصر الحديث.
ولما كان هذا الواجب الذي تمليه الشريعة الإسلامية على المسلمين وفي مقدمتهم فقهاؤهم تنادى المخلصون منهم فأنشؤوا عددا من المجامع الفقهية والمجالس العلمية التي تهتم بقضايا المسلمين المعاصرة وبدراسة المشكلات التي يواجهها المسلمون في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والدينية والسياسية المعاصرة، وأسهموا في إيجاد الحلول المناسبة لها من الشريعة الإسلامية الخالدة.
أيها الإخوة:
لقد كان من فضل الله، عز وجل، على الأمة الإسلامية أن قيض لها هذه المجامع الفقهية والمجالس العلمية ليرجع الناس إليها عند حدوث أي مشكلة ويفزعوا إليها عندما تجد قضية تشغل حياة المسلمين.
إن مجمعكم الموقر والمجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي لهما مكانة سامية في نفوس المسلمين لأنهما يضمان نخبة ممتازة من فقهاء الأمة وعلمائها الذين يقومون بدراسة القضايا المعاصرة ويبحثون المسائل المستجدة وينزلونها على النصوص ويقدمون بحوثا قيمة من تراثنا الفقهي الإسلامي تكون مرجعا ومستندا للمسلمين في شتى بقاع العالم الإسلامي.
أيها الإخوة:
وبهذه المناسبة يسرني أن أنوه بما بين هذين المجمعين من تنسيق وتعاون ورغبة صادقة في توحيد الجهود لما فيه مصلحة الأمة الإسلامية.
ولقد أصدر المجمعان عددا كبيرا من القرارات والتوصيات كان لها بحمد الله، القبول التام والنفع العام في شتى مجالات الحياة.
ولقد تم نشرها وتوزيعها على أوسع نطاق بين المسلمين وبخاصة لدى المؤسسات والجمعيات الإسلامية في العالم؛ تم ذلك كله بتوفيق الله أولا ثم بتضافر الجهود بين المسؤولين في المجمعين بارك الله جهود الجميع.
وأتطلع إلى المزيد من التعاون بين المجمعين وإلى زيادة التنسيق وتمتين العلاقات بينهما بما يخدم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
ولا يفوتني أن أشيد بالموضوعات المطروحة على جدول هذه الدورة وأهميتها وأثني على حسن اختيارها لأنها موضوعات تهم عامة المسلمين وخاصتهم، وأرجو أن يتوصل علماؤنا الأفاضل إلى الحكم الشرعي فيها ليستروح المسلمون عبير الشريعة، ويطمئنوا إلى أدلتها الناصعة، ويطبقوا أحكام الله في حياتهم الخاصة والعامة، طبقا لمقاصد الشريعة المعتبرة.
كما لا يفوتني أن أشيد بما أنجزه مجمعكم الموقر منذ إنشائه من قرارات وتوصيات فيما تم مناقشته من الموضوعات التي طرحت خلال الدورات السابقة وبما أنجزته الأمانة العامة للمجمع من أعمال خلال هذه الفترة الوجيزة من عمر المجمع.
وختاما أشكر الله تعالى الذي هيأ لنا هذا اللقاء المبارك ثم أخص بالشكر دولة الإمارات العربية التي استضافت هذا اللقاء وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ولجميع المسؤولين والجهات الرسمية في دولة الإمارات العربية المتحدة على حسن التنظيم والترتيب وكرم الضيافة.
كما لا يفوتني أن أعبر عن خالص الشكر وصادق التقدير لحكومة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز حفظه الله على استضافته الكريمة للمجمعين وعلى ما تقدمه من دعم متواصل لكل منهما، وكذلك لجميع المؤسسات الإسلامية وللعمل الإسلامي المشترك.
والشكر موصول لمعالي رئيس المجمع ومعالي الأمين العام وجميع العاملين في المجمع وكذلك لجميع الأعضاء والخبراء الذين أعدوا البحوث القيمة لهذه الدورة.
وفق الله الجميع وسدد الخطا وبارك الجهود.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة معالي الأستاذ
أسامة جعفر فقيه
رئيس البنك الإسلامي للتنمية – جدة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم، القائل في محكم التنزيل:
{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}
والصلاة والسلام على المبعوث بالحنفية السمحة، القائل:((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)) .
معالي ممثل راعي هذا الحفل المبارك؛
أصحاب المعالي والفضيلة والسعادة؛
أيها الأخوة الأكارم؛
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد؛ اسمحوا لي أن أستهل حديثي إليكم بتجديد الشكر لله سبحانه وتعالى على نعمه الجليلة وما امتن به على أمتنا الإسلامية، من قيام هذا المجمع المهيب. وأُثَنِّي بإزجاء التهنئة إليكم على أن حقق الله على أيديكم أملا عظيما طالما راود الأمة الإسلامية في قيام هيئة شرعية تبين حكم الإسلام في كثير من المسائل والأمور المستجدة في عصرنا هذا.
فلئن اشتكت الأمة حينا من الدهر فراغا دفع البعض إلى الأخذ بقوانين وضعية لم تألفها من قبل، فإن محفلكم المبارك هذا لخير دليل على أن الأمة لم تخل قط من نخبة رائدة من الدعاة الصالحين، والعلماء المتمسكين بأهداب العقيدة، العاملين بقوله تعالى:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] .فجزاكم الله خيرا على ما تبذلونه للحفاظ على قيمنا الإسلامية الأصيلة، وما تحثنا عليه من الالتزام بتراثنا الفقهي العظيم، وما تدعون إليه من تمسك بأحكام شريعتنا نبراسا ينير لنا ضروب الخير والفلاح.
فالمجمع هو اللسان الناطق بجمع شمل الأمة على كلمة سواء، والاهتداء بالكتاب والسنة في كل شأن من شؤون الحياة، وهو العقل الذي أَعْتَدَتْهُ الأمة لإعمال النظر والفكر في ما جد ويجد من مسائل ومشكلات. وإليه المرجع في الاهتداء إلى ما وضعته الشريعة من أصول وكليات وقواعد، إذا هي ردت إليها، صلح أمر الناس، بإذن الله تعالى.
والمجمع هو العدة لمواجهة التحديات التي يلاقيها المسلمون اليوم، وليواكبوا – بعقيدة راسخة الجذور وعقلية مستنيرة متفتحة – التطور العالمي السريع والاكتشافات العلمية المتلاحقة والتقدم التقني المذهل. ولقد بعث المجمع الأمل في تجميع الطاقات الفكرية للتغلب على التحديات والحفاظ على الهوية والقيم الإسلامية الخالدة التي أخذ يهددها استشراء الطغيان المادي في هذا الزمان.
ولقد حاز المجمع ثقة الأمة، يوم أعربت الدول الأعضاء لمنظمة المؤتمر الإسلامي عن اقتناعها بمسيس الحاجة إليه، وعبرت عن تقديرها للأهداف العلمية والعملية المنوطة به.
ولقد شفعت هذه الثقة بترشيح نخبة مختارة لعضوية المجمع من العلماء والفقهاء المبرزين، ذوي الشهرة والدراية الواسعة، ومن المفكرين اللامعين.
وقد شُدَّ عضد المجمع – بحمد الله – بكوكبة من الأعيان، فأعان مجلسه أعضاء مراسلون، وخبراء باحثون، وعلماء جامعيون، يساهمون في الاضطلاع بالدراسات والبحوث العلمية، والاجتهاد في حمل ما يعرض للعالم المعاصر من قضايا ومشكلات على هدي الشريعة السمحة، وأصولها المقررة، وما تقتضيه قواعد الدين ويحقق مقاصد التشريع للمسلمين.
أصحاب الفضيلة والسعادة..
تعلمون أن الإقدام على إنشاء بنك إسلامي للتنمية، كان خطوة رائدة وبالغة الأهمية. وكانت لجهود البنك – منذ مستهل أيامه – ولحكمة القائمين عليه وعمق إيمانهم برسالته، آثار حاسمة فيما تلا إنشاءه من إنجازات. فلم يسلم حبور الرعيل الأول بميلاد هذا الصرح من مخالطة خوف شديد من أن تجهضه العوائق، وتئده العراقيل، وأن تعجزه عملية المواءمة بين متطلبات الإنماء الاقتصادي الحديث، ومقتضيات الأحكام الشرعية. ولقد زاد من هذا الخوف لدى الغيورين على المؤسسة، ما ألقي من شكوك لدى هؤلاء وأولئك، كادت تقضي على الأمل الوليد.
وحري بنا اليوم شكر المنعم، جل شأنه، على أن اجتاز البنك هذا الاختبار بنجاح مشهود، إذ اضطلع بعمل رائد غير مسبوق، قام فيه باستنباط صيغ تمويل تتلاءم مع طبيعته المتميزة، والتزامه الراسخ بأحكام الشريعة الإسلامية. فالبنك – يوم ولد – لم يكن أمامه نموذج يقتدي به. فكان لزاما عليه أن يبحث في فقه المعاملات عن العقود الشرعية التي يمكن أن يطور على أساسها أساليب تمويلية تستجيب لمتطلبات العمل المصرفي المعاصر.
ولم يأل البنك جهدا في سبيل تحقيق هذه الغاية، فساهمت مجهوداته البحثية الدؤوبة في بلورة تلك الصيغ التمويلية المستحدثة، وإنها لمناسبة ينبغي اغتنامها للتعبير عن خالص امتنان البنك الإسلامي للتنمية لأولئك العلماء الأفاضل الذين استجابوا لندائه، وبذلوا جهدا غير مكفور لمساعدته في تطوير آليات التمويل الإسلامية، وأناروا له الدرب في مرحلة حاسمة من حياته.
كما أزجي الشكر لصفوة علماء الأمة الذين أسهموا في الندوات المتخصصة التي عقدها البنك للمساهمة في تطوير مناحي العمل المصرفي الإسلامي، وتحسين أدواته وأساليبه. ولم تزل صيغ التمويل الإسلامية، من مضاربة ومشاركة ومرابحة وسَلَم واستصناع وغيرها، تحظى لدى الباحثين والمصرفيين في عالمنا الإسلامي وخارجه، باهتمام شاهد على قيمة المكاسب التي تم تحقيقها في هذا المضمار.
وبعد أن استطاع البنك، بعون الله وتوفيقه، أن يستقطب بعض القدرات العلمية، ويسخر ما تيسر من الإمكانات لتطوير أدوات تميل وأساليب تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء ويرسخ قدمه في ريادة العمل المصرفي الإسلامي، اتجه البنك نحو تشجيع المبادرات الجادة وتقدير الجهود الرائدة والخدمات الجليلة والإنجازات المبدعة في حقلي الاقتصاد والبنوك الإسلامية؛ حيث أنشأ عام 1804هـ جائزة فريدة، دأب على تقديمها سنويا للمبرزين في هذين الحقلين، اعترافا بفضلهم وتقديرا لجهودهم، وحافزا لأمثالهم على البذل والعطاء والإسهام الفاعل في تطوير قواعد الفكر الإسلامي الأصيل، وتفعيل دورها في ميادين النشاط الاقتصادي والمصرفي. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
وسيواصل البنك، بعون الله، السعي الحثيث، وتوظيف الحوافز ووسائل التشجيع بغية تحقيق المزيد من التحسين، وتطوير أدوات تمويلية أخرى تعين على التوسع في تقديم خدماته، وزيادة طاقته في دعم جهود التنمية الاقتصادية لدوله الأعضاء، وتستجيب لحاجة الناس للخدمات المصرفية الحديثة.
حضرات الإخوة الكرام؛
إن البنك الإسلامي للتنمية لن ينسى لهذا المجمع الموقر فضل استجابته الكريمة للنظر في آليات التمويل المستخدمة في أنشطته، وبيان الحكم الشرعي في كل منها. وهو قمن بشكر الجهود التي بذلتموها للاستيثاق من اتساق مسيرته مع الرسالة التي حددتها له اتفاقية تأسيسه:
وهي أن تكون جميع عملياته وأعماله متفقة وأحكام الشريعة الإسلامية السمحة.
ولقد حرص البنك على الاسترشاد بما جاء في القرار الصادر عام 1407هـ، عن المجمع الموقر في هذا الشأن، واتخذه نبراسا في مسيراته نحو بلوغ أهدافه، حيث بادر البنك باتخاذ الإجراءات لتطبيق توجيهاتكم، بدءا بإدخال التعديلات اللازمة على نصوص اتفاقيات تمويل العمليات والمشروعات التي تبرم مع المستفيدين منها. وإن البنك لعاقد العزم، بمشيئة الله، على مواصلة التعاون، إتماما لهذا العمل الجليل والجهد العلمي القيم. وتأكيدا لهذه الرغبة في التعاون مع المجمع، فسيحرص البنك – بإذن الله – على تقديم كل ما يجد أو يطرأ بالنسبة لعملياته على مجلس المجمع لتظل مسيرته ماضية على بصيرة وهدى من الشرع الحنيف.
أصحاب الفضيلة؛
إن البنك الإسلامي الذي لم تزده تجربة التعاون مع المجمع إلا إصرارا على طلب المزيد، وتعلقا بالعمل المشترك من أجل تعميم المنافع، ليدعوكم إلى مواصلة العطاء مما يعود بالنفع بإذن الله على الأمة.
ولقد كادت دورتكم الحالية أن تكون دورة اقتصادية لغلبة الموضوعات المالية والتجارية عليها. وإن ذلك لدليل آخر على مدى تعطش المسلمين لنتاج مجمعكم الموقر وتركيز جانب من جهوده في هذا الميدان المتصل بمصالح المسلمين وشؤون حياتهم، وفي مقدمتها ما حفل به جدول أعمال دورتكم من موضوعات ذات علاقة وثيقة بالاقتصاد والمعاملات المالية، كالحلول الشرعية لاجتماع الصرف والحوالة في تجارة الذهب، والسَّلَم وتطبيقاته المعاصرة، والودائع المصرفية، والاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثمارية، والمناقصات، وقضايا العملة.
وفي ذلك استجابة موفقة لحاجة حقل المعاملات المالية بالذات إلى جهد حثيث من المختصين لتدقيق فقه أئمة المذاهب فيه، واقتباس ما كان أقوى دليلا، وأقرب لملاءمة روح الزمان، وتغليب مصالح العباد؛ ومن ثم جمع ذلك في موسوعة واضحة العبارة أو معلمة دانية القطوف. كما نرجو أن يتناول عمل المجمع المسائل غير المنصوص عليها، فيجتهد لها ويستنبط حكمها، ويذيع في الناس سر حكمة التشريع ومحاسنه فيها.
وإن رأى مجلسكم الموقر في كل مسألة ونازلة سيجعل الأمة على بينة من أمرها، وسيكون خير عون للمؤسسات المصرفية الحريصة على تثمير الأموال بما يتفق وأحكام الشريعة.
وإن مشاركة بعض ذوي الاختصاص في فروع المعرفة في أعمال هذه الدورة لأمر جدير بالثناء والتقدير إذ يعين على وضوح كثير من المشكلات والمسائل المستجدة حتى يأتي الحكم الشرعي إزاءها متفقا مع مقاصد الشرع الحنيف وحكمه البالغة.
أصحاب السماحة والفضيلة؛
لقد كان للبحوث التي قمتم بها أثر جلي في ترسيخ ثقة المسلمين بالمعاملات التي اعتمدتها البنوك الإسلامية. ويتعين الحفاظ على هذه الثقة، بمواصلة العطاء الخير في هذا الميدان الذي يمكن للمجمع أن يتعاون فيه مع مع البنوك الإسلامية لتلبية احتياجاتها المتزايدة.
وإن الحاجة قائمة – بل هي ماسة – إلى مد جسور التعاون بين الفقهاء والاقتصاديين، وتعريف كل من الفريقين بالمنطلقات والمبادئ الأساسية المعينة على تصور القضايا المطروحة، وتفهم أبعادها ومدى ارتباطها بحياة المجتمع ومصالح العباد.
ويسر البنك الإسلامي للتنمية – ممثلا بالمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب – أن يتعاون مع المجمع الموقر، ومع سائر البنوك الإسلامية، في هذا السبيل
وكما تعلمون فإن الفجوة التي ظلت بين الفقهاء والاقتصاديين قد حالت لبعض الوقت دون إيلاء عناية كافية بمسائل أحكام المعاملات المالية المعاصرة في ضوء الأصلين العظيمين الخالدين: كتاب الله الكريم والسنة النبوية المطهرة.
أصحاب السماحة والفضيلة؛
إن استضافة دولة الإمارات العربية المتحدة لهذه الدورة لتؤكد اهتمام هذا البلد المضياف وحكومته الرشيدة – بقيادة صاحب السمو الشيخ/ زايد بن سلطان آل نهيان؛ رئيس الدولة، حفظه الله – بدعم القضايا الإسلامية، وحرصه على تحقيق تضامن شعوب الأمة ولم شملها. وبهذه الاستضافة الكريمة تعزز دولة الإمارات مكانة المجمع وتدعم مظهرا من مظاهر التقاء أبناء الأمة على كلمة سواء، وتسهم في دعم مسيرة هذا الصرح المبارك لمواصلة جهود البحث الأصيل المبدع عن حلول لمشكلات العصر الملحة.
كما يسرني أن أعبر عن أجزل الشكر لمعالي الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد، رئيس مجلس المجمع، ولسماحة الشيخ / محمد الحبيب ابن الخوجة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي، ومعشر الأعوان والزملاء على جهودهم الموفقة، وعلى حرصهم الدائب على تطوير أعمال المجمع. وأتوجه إلى العلي القدير أن يسدد خطا مجلسكم الموقر على طريق الخير والحق، وأن يتحقق لهذا الاجتماع العظيم كل النجاح في بلوغ أهدافه السامية. وما ذلك على الله بعزيز.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة معالي رئيس مجلس المجمع
الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ولي الخلق والأمن والتدبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله رحمة من الله وسراج منير.
اللهم صل وسلم عليه كلما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون، ورضي الله عن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد،
فقد جرت عادة المنصفين بأعواد المنابر والقائمين على درجات النوادي وردهات المجامع، أن يقدموا بين يدي نجواهم بكلمات ممهدات أمام المقاصد التي يعرضونها والأغراض التي يقصدونها. واليوم ونحن نعيش بين أهل وجيرة أمجاد على أرض من جزيرة العرب دار الإسلام الأولى التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم:((لا يجتمع دينان في جزيرة العرب)) .
وفي ضيافة حاكم من حكام العرب صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وتحت مظلة وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف بمعالي وزيرها سماحة الشيخ محمد بن أحمد الخزرجي وأسرة وزارته الكريمة – تعقد الدورة التاسعة، بإذن الله تعالى وفضله وتوفيقه، لمجمع الفقه الإسلامي يفتتحها صاحب السمو رئيس الدولة نيابة عنه سمو الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التعليم العالي والبحث العلمي.
إننا حقا نعيش بين أهل وجيرة أمجاد مقدمين خالص الشكر والتقدير لهذه الدولة المباركة ولأصحاب السمو الأمراء والمعالي الوزراء والعاملين في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف الذين قدموا الترتيبات القيمة لاستضافة هذه الدورة.
سمو الشيخ،
صاحب المعالي وزير الشؤون الإسلامية،
أصحاب المعالي،
الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي،
الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي،
الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي،
رئيس البنك الإسلامي للتنمية،
أصحاب الفضيلة والسماحة، أيها الجمع الكريم، أيها العلماء.
هذه الدورة هي بحق يستحق أن يطلق عليها الدورة الاقتصادية، وقد جاء في بلد الاقتصاد والحركة التجارية النوارة، إذ حوت عشرة موضوعات وقدم لها عدد من رجال هذا المجمع وخبرائه وباحثيه نحو ستين بحثا، أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا جميعا إلى القول الحق والصواب فيما نأتي ونذر من أقوالنا وأعمالنا إنه على كل شيء قدير.
أيها الجمع الكريم،
تأتي هذه الدورة المباركة في أعقاب ثمانية مؤتمرات مضت، خمسة منها عقدت في المملكة العربية السعودية، ومؤتمر في المملكة الأردنية الهاشمية، ومؤتمر في دولة الكويت، ومؤتمر في سلطنة بروناي. ويتخلل ذلك ندوات في عدد من دول العالم الإسلامي للتهيئة بين دورات هذا المجمع، وقد طبعت نتائج هذا المجمع في بحوثه وقرارته في نحو عشرين مجلدا تضم نحو أربعمائة بحث وفيها ما يزيد عن ثمانين قرارا.
وقد كان لمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الشيخ محمد الحبيب بن الخوجة يد موفقة في تسيير أعمال الأمانة وطباعة المجلة.
هذا، وإن من تتابع الإحسان وتوفيق الله سبحانه وتعالى، أن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، أيده الله، قد أمر بطباعة كتاب (عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة) ، فتمت طباعته، ولله الحمد، في ثلاثة مجلدات، وسيقدم هدية لصاحب السمو ولرجال دولته وللعلماء والمفكرين في هذه الدورة بمشيئة الله تعالى. أجزل الله لخادم الحرمين المثوبة، ووفقه لكل عمل صالح مبرور.
أيها الجمع الكريم.
إن هذا المجمع يسير، بحمد لله، على خطوات ثابتة وعلى مناهج بينة، فهو يعتمد الدليل من الكتاب والسنة والإجماع والقياس ومصادر الشريعة التبعية، ولا مجال في هذا المجمع للآراء الشاذة، والأقوال المهجورة، والرخص الغثة. وهذا المجمع يعتمد الاعتدال والوسطية التي تستل من مشكاة النبوة في جميع آرائه، والمعصوم من عصمه الله.
وإن من نعم الله سبحانه وتعالى أن هذا المجمع لم يصدر منه في يوم من الأيام أي قرار ضغط فيه الإسلام للواقع، ولا قرار ضغط فيه النصوص للوقائع؛ بل أخضع الواقع والوقائع لنصوص الشرع المطهر، وهذا من توفيق من الله وعظيم منته علينا وعلى الناس أجمعين.
ولهذا كان لقراراته الأثر الفعال في شريحة كبيرة من العالم الإسلامي: أفرادا ومؤسسات، وشركات وبنوك إسلامية ومصارف، وعلى مستوى عدد من دول العالم الإسلامي.
ولاشك أن تطبيق الشرع المطهر وإعماله وإدخاله في الحياة العملية للمسلمين هو من أجل أعمال العبادة والأخذ بهدي القرآن العظيم والسنة النبوية المطهرة والاقتداء بهذا الدين قولا وعملا، فليتق الله كل امرئ مسلم، وليتبع القول العمل.
سمو الشيخ،
أصحاب المعالي،
أيها العلماء الأجلاء،
أيها الجمع الكريم،
لقد كنت أعددت لهذا المقام موضوعا وجلبت من كلام العرب ينبوعا ولكني الساعة عدلت، لضيق المقام، وسبب رئيسي هو أن كلمة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان كلمة ضافية تمتعت بالروح الإسلامية العظيمة، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الكلمة مفتاح خير لعلم يتبعه العمل، وهذا ما ندعو الله به تعالى في كل حين وآن، وإن هذه الكلمة الثمينة سوف تكون وثيقة من وثائق هذا المؤتمر.
والله يحفظنا وإياكم بالإسلام. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة معالى أمين عام المجمع
الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على آلائه العظيمة ونعمه الجزيلة، حيث جعلنا من خير أمة أخرجت للناس، وأنزل علينا رسوله خاتم النبيين بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين الحق، وأنزل معه الكتاب والفرقان ليكون لنا حجة ومعتصما، وأناط بأحكام شريعته الخاتمة الخالدة التي تعبدنا بها جلب المصالح ودرء المفاسد وتحقيق السعادة للإنسان في الأولى والأخرى، ودعانا سبحانه ودعا الناس جميعا لنقوم بالقسط في حقوق الله وحقوق العباد. وصلى الله علي عبده ورسوله وخيرته من خلقه نبي الهدى سيدنا ومولانا محمد الذي أوصانا بأن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، ووضح لنا بسنته الشريفة وحكمته البالغة المنهج الإسلامي السديد الذي يقينا العثرات وترتفع به الدرجات، وعلى آله وصحبه وسلم.
حضرة صاحب السمو الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، نائب صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وزير التعليم العالي، حضرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد بن سلطان ولي العهد،
حضرة صاحب المعالي الأستاذ أحمد خليفة السويدي الوزير الممثل لصاحب السمو رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة.
حضرة صاحب المعالي الشيخ محمد بن أحمد بن حسن الخزرجي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف،
حضرة صاحب المعالي الدكتور حامد الغابد الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي،
حضرة صاحب المعالي الدكتور أحمد محمد علي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي،
حضرة صاحب المعالي الدكتور أسامة جعفر فقيه رئيس البنك الإسلامي للتنمية،
حضرة صاحب المعالي الدكتور الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رئيس مجلس المجمع،
أصحاب السماحة والفضيلة، أصحاب المعالي والسعادة،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد
بدعوة كريمة من حضرة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة حفظه الله وأبقاه، تحتضن في هذا اليوم الأغر السعيد غرة شهر ذي القعدة 1415هـ هذه المدينة الجميلة الساحرة مدينة أبو ظبي، عاصمة الإمارات بلد الخير والنماء، مؤتمركم التاسع لمجمع الفقه الإسلامي الدولي.
وإنها لرعاية سامية وعناية فائقة يشمل بها سموه الكريم مؤسستكم العلمية مجمعكم الموقر، دعما لجهوده، وحثا له على السير قدما في مجال النظر والدرس والتحقيق والاجتهاد، فهو من أكد في هذه البلاد للمسلمين يقينهم بدينهم، وتعلقهم بشريعة ربهم، وحفز الهمم والطاقات لخدمة هذا الواجب وتعزيزه، أمد الله سمو الشيخ بأيده ونصره وأجزل له مثوبته على ما يبذله من جهود لخدمة الإسلام والمسلمين.
وقد وجدنا من سمو ولي عهده ومن رجال كبار دولته كل إيسار وكرم وبر وحفاوة، أمتع الله بهم ورعاهم وحفظهم وآتاهم في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة.
هذا وقد طال نسبيا ما بين الدورة الثامنة ودورتكم هذه، ولكن الله يسر لنا بفضله بجانب صدور العدد السابع من المجلة، وتقديم الثامن منها للطبع، إنجازات ومشاريع مهمة نحمد الله على ما به أنعم وإليه وفق وهدى. وأعلى هذه الإنجازات قدرا وأعظمها نفعا للفقهاء والطلاب المكرمة البارزة في هذه الدورة لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية. وهي من بين مكرماته العديدة على مجمعنا تتمثل في ما أنفقه على تحقيق وطبع كتاب (عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة) لابن شاس، وفي إذنه السامي للمجمع بنشره باعتباره من أمهات كتب الفقه ومن أهم مصادره، حفظ الله خادم الحرمين الشريفين للأمة، وادخره للملة يحمي ذمارها، ويدعم وحدتها، ويرفع لواءها، ويعلي منارها، وينشر مفاخرها وآثارها.
أما المشاريع التي قضينا طوال المدة الماضية في الإعداد لها، والتي نأمل أن تعود بالخير الكثير على الدراسات والبحوث العلمية المجمعية، فهي معلمة القواعد الفقهية، والموسوعة الفقهية الاقتصادية. وقد اتسعت المعلمة في المخطط الذي رسمناه لها لتشمل مع القواعد العامة الفقهية ما يتصل بها من ضوابط وفروق وفوائد وأشباه ونظائر، وليكتمل أثرها البعيد عند المجتهد والفقيه بما تتضمنه تلك المعلمة، بإذن الله، من القواعد الأصولية والقواعد الكلية للمقاصد الشرعية، فيظهر للمتفقِّه كما قال صاحب المدارك (أن أحكام الشريعة - أوامرَ ونواهيَ- تقتضي حثًّا على قُرَب ومحاسنَ، وزجرا عن مناكرَ وفواحشَ، وإباحةً لما به صلاح هذا العالم وعمارة هذه الدار ببني آدم. وأن أبواب الفقه وتراجم كتبه كلها دائرة على كلمات هي كليات هذه القواعد، تبين للواقف عليها والناظر فيها من اتبع معنى الشرع المراد، أو خالفها فتنكب عن السداد وحاد عن سبيل الرشاد. ذلك أن الالتفات إلى قواعد الشريعة ومجامعها، وفهم الحكمة المقصودة بها من شارعها، يعين الفقيه والمكلف جميعا – كما ينبه على ذلك الشاطبي – على أن يكون قصدهم في أعمالهم موافقا لقصد الله من تشريعه، وأن كل من ابتغى في تكاليف الشريعة غير ما شرعت له فقد ناقض الشريعة، وأن كل من ناقضها فعمله في المناقضة باطل. ومن ابتغى في التكاليف ما لم تشرع له فعمله باطل) .
وهذا المنهج هو الذي (دعت إليه الآيات والأخبار، وشد معاقله السلف الأخيار، ورسم معالمه العلماء الأحبار، وشيدت أركانه أنظار النظار) . وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن مضى علي سنتهم واهتدى بهديهم قدوة للمقتدين وأسوة للفقهاء والمجتهدين. (فلقد تعمقوا أسرار الشريعة وتدبروا الآيات والسنن، وتعرفوا على المقاصد فحصلوها، وأسسوا قواعدها وأصَّلوها بما بذلوا من جهد، واعملوا من جد في تحقيق مبادئها وغايتها) .رفع الله ذكرهم واحسن جزاءهم.
أما الموسوعة الفقهية الاقتصادية الواقعة من المعلمة بمنزلة الفرع من الأصل والجانب التطبيقي من الجانب التأصيلي النظري، فقد تم بالفعل تحديد زمر من موضوعاتها، وضبطت مجموعة منها ضبطا دقيقا، كما تم استكتاب ثلة من رجال الاقتصاد الإسلامي وجلة من الفقهاء فيها، تعريفا بالتطورات الجديدة وبما استجد من قضايا ومسائل لم تكن قد بحثت قبل في أزمنة تأسيس النظر الفقهي وازدهاره، ومعالجة لها معالجة شرعية فقهية مصلحية بإخضاع تلك القضايا والمسائل لروح التشريع الإسلامي، وما يتسم به من سماحة وعدل.
وإنا لنأمل من وراء ذلك أن تكون المعلمة الفقهية والموسوعة الاقتصادية التي يقدمها المجمع خير معوان على إبراز الصورة النقية للشريعة الإسلامية، وللنظريات الفقهية التي اعتمدها الأئمة المجتهدون والفقهاء المبرزون فيما أصَّلوه من أحكام، وصدروا عنهم تقريرات وآراء، في النوازل والواقعات والفتاوى والتطبيقات. وإنا في الورقتين الموزعتين على حضراتكم بشأن المشروعين ما يغني عن إفاضة القول فيهما في هذا المحل.
وإذا كان قد تقرر عند الأئمة المجتهدين والفقهاء المحققين إن قصد الشارع من وضع الشريعة ابتداء، أنها وضعت لمصالح العباد في الدارين، فإن طلاب تلك المصالح ومراعاتها يكون بالاعتماد على (نصوص الشريعة وأدلتها واستخدام العقل في استنباط أسرارها وأحكامها، ولا يصح بحال الابتعاد عن النصوص فإن النقل يتقدم متبوعا، ويتأخر العقل تابعا. فلا يسرح في مجال النظر إلا بقد ما يسرحه النقل. ولو جاز للعقل تخطي مأخذ النقل لما كان للحد الذي حده النقل فائدة، ولصار غير مفيد وذلك في الشريعة باطل) . وقد تقرر لدى جهابذة الفقهاء إنه لا يحسن التضييق والتشديد فإن الدين يسر، (وإن العامة إذا توهمت أن الدين الصحيح لا يكون إلا مع المشقة والحرمان أخذها اليأس من الوفاء به على تلك الصورة التي رأتها عند المغالين فتركته) . فلا بد إذا من التوسط. وقد كانت الصحابة رضوان الله عليهم يقدمون أمر الله ونهيه على حظوظ أنفسهم الباطلة على وجه لا يخل بمصالحهم وهو التوسط.
ومن هذا الباب القول بمراعاة الخلاف فلا يحسن التزام مذهب بعينه في تقرير الأحكام، ولا الأخذ بقول أحد أو بفعله مهما بلغ من العلم، فيما يجد من قضايا إلا إذا عرضت أقواله وأفعاله على الشرع فوافقها، خصوصا بعد أن اتضحت الآراء وانكشفت العلل وظهرت المقاصد ووجدت المبررات للأخذ بمذهب آخر. فإذا وقعت مسألة في مذهب ما على خلاف ما في غيره من المذاهب الفقهية، وبعيدا عن قول آخر من أقوال أهل العلم، فإنه من الأجدى والأصلح تصحيح ما وقع وإمضاؤه عملا بالمذهب والقول المخالف إذا بانت صحته وقويت حجته ونهض دليله.
وقد يكون من الضروري أيضا للمجتهد أن ينظر في مآلات الأفعال فإن ذلك معتبر ومقصود للشارع لجواز أن يؤول الأمر إلى خلاف ما قصد به. (فقد يشرع الأمر لمصلحة فيه تستجلب، أو لمفسدة به تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما شرع لأجله، أو يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به، ولكن له مآل على خلاف ذلك) . فالواجب في مثل هذه الصور الاحتياط. وإنه لمجال صعب المورد للفقهاء والمجتهدين غير أنه مهم يتأكد التفطن له والأخذ به، حرصا على تحقيق مقاصد الشريعة، وحماية لمصالح الناس.
فبإتقان لغة القرآن وإدراك أسرارها والوقوف على وجوه تصرفات القول فيها يتأتى النظر والتدبر لنصوص التشريع من الكتاب والسنة، وبمعرفة مواقع الإجماع والناسخ والمنسوخ وشرائط القياس يهتدى إلى استجلاء الأحكام، وبالرجوع إلى القواعد الأصولية والقواعد العامة الفقهية وبالاهتداء إلى ما تعلل به الأحكام من مصالح وما تقتضيه التشريعات من مقاصد يتوصل إلى الحكم فيما لا نص فيه ولا قياس ولا إجماع، وذلك بالاستناد إلى المصالح المرسلة وبمراعاة الكليات الشرعية بأنواعها من ضرورية وحاجية وتحسينية. وهو ما يضطلع به في هذا العصر أهل العلم والدراية من الفقهاء الجلة السادة النجباء الذين يجمعون بين الحفاظ على الدين وعلى شريعة الإسلام، الأمانة التي حملوها وهم عن قريب محاسبون عليها ومسؤولون عنها، وبين النظر في المشاكل المستعصية والقضايا المستغلقة يخضعونها لقواعد الشرع وهديه، ويعالجونها معالجة حكيمة، تحفظ لشريعة الإسلام سماتها البارزة في الشمول والخلود والصلاحية لكل زمان ومكان وحال.
وإن فيما يقول به أعضاء هذا المجمع الأكارم، والمشاركون في جهوده العلمية وبحوثه الفقهية من السادة العلماء وكبار الفقهاء والمتخصصين المبرزين من الخبراء في مختلف الفنون والعلوم الاقتصادية والاجتماعية ونحوها، وفيما أتوه من سعة علم ومعرفة بالثوابت والمتغيرات، وترصد للتطورات وما يناسبها ويناسب الأحوال المختلفات من أحكام شرعية وفتاوى فقهية تضبط، ومصالح معتبرة ترعى وتقصد، وما يجعل منهج عمل هذا المجمع، بإذن الله، راشدا قويما، والصفوة الكريمة من الفقهاء والعلماء المنتسبين إليه مهتدين بهدي الأئمة السابقين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين (كانوا ألين الأئمة قلوبا وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، وأحسنها بيانا، وأصدقها إيمانا، وأعمها نصيحة) جازاهم الله عن الإسلام خيرا، وعن عطاءاتهم وجهودهم العظيمة مثوبة وأجرا.
وإنه ليسعدني في ختام هذه الكلمة أن أجدد الشكر الجزيل والثناء الجميل لسمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ولولي عهده سمو الشيخ خليفة بن زايد بن سلطان ولوزير التعليم العالي سمو الشيخ نهيان بن المبارك آل نهيان، ولمعالي الوزير أحمد خليفة السويدي، ولمعالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف الشيخ محمد بن أحمد بن حسن الخزرجي، ولوكيل الوزارة سعادة الدكتور محمد بن جمعة بن سالم، ولكافة أعضاء الحكومة ورجال الدولة، ولمعالي الدكتور عز الدين إبراهيم مدير مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية بأبو ظبي، على ما لقيناه من كرم الوفادة وحسن الضيافة، ومن تشجيع وتيسير لإقامة هذه الدورة المجمعية بعاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة.
كما يسعدني أن أرحب بضيوفنا الكرام الذين استجابوا لدعوتنا، وتحملوا المشاق من أجل مشاركتنا أعمالنا، على ضيق في أوقاتهم وازدحام في أشغالهم. وأخص منهم بالذكر معالي الدكتور حامد الغابد الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الذي يواصل دعم المجمع ومساندته بحسن رعايته، ودعوته له للمشاركة في كثير من النشاطات مثل ندوة الطفولة بجدة، مؤتمر الإسكان ومؤتمر القدس بالقاهرة، ومؤتمر الدعوة بموسكو وغيرها من النشاطات، وأصحاب المعالي الدكتور أحمد محمد علي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، والدكتور أسامة جعفر فقيه رئيس البنك الإسلامي للتنمية على ما قدما من مساعدة وعون للمجمع من أجل قيامه بدوره النشيط في إنجاز مشاريعه، وأشكر لمعالي الدكتور الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رئيس مجلس المجمع همته العالية ومراجعته الدقيقة لكتاب الجواهر وحرصه البالغ على حسن إخراجه.
وأقف هنا قليلا مترحما على أعضاء المجمع الراحلين: سماحة الشيخ عبد العزيز محمد عيسى ممثل مصر السابق، وفضيلة الشيخ شيت محمد الثاني ممثل بنين، والأستاذ محمد موابا بواتسا ممثل الجابون، والأستاذ محمد الأمين حيدرة ممثل غينيا بيساو، والأستاذ أحمد أزهر بشير ممثل أندونيسيا تغمدهم الله بواسع رحمته، وكريم مغفرته، وأرحب بالأعضاء الجدد الذين تم تعيين دولهم لهم بهذا المجمع وهم نواب أذربيجان وتاجكستان وألبانيا والتركمانستان، وأخص منهم في هذه المناسبة سعادة البروفسور محمد ألييف واسم ممثل أذربيجان الذي أسعدنا بحضوره، وانضم إلى هذه الصفوة الخيرة من أعضاء المجمع ورجال المؤتمر الذين نرحب بهم أجمل ترحيب ونشكرهم عظيم الشكر على ما بذلوا وما يبذلون من جهود كبيرة مستمرة في خدمة الدين وتقرير الأحكام، والكشف عن محاسن هذه الشريعة الغراء الخالدة، وعلى ما يسهمون به ويقدمونه من بحوث فقهية جادة ودراسات اقتصادية وطبية واجتماعية نافعة وأعمال علمية جليلة، ومناقشات مفيدة هادفة، نصيحة لله ولرسوله ولخاصة المسلمين وعامتهم، سدد الله خطانا وخطاهم، ووفقنا جميعا إلى حسن النية وصالح العمل، وكتبنا في المتمسكين بحبله، المحكمين لشرعه، الداعين لدينه، المجاهدين في سبيله، ابتغاء مرضاته وطمعا في رحمته، إنه سميع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كلمة معالي أمين عام المجمع
الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجه
قصيدة بمناسبة انعقاد الدورة التاسعة
للشاعر الدكتور – سامي حسن حمود – البنك الإسلامي للتنمية بجدة
إلى صاحب السمو الشيخ/ زايد بن سلطان آل نهيان
تحية العلم والعلماء
بمناسبة عقد الدورة التاسعة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي في مدينة أبو ظبي من 1- 6 ذي القعدة 1415هـ الموافق 1- 6 إبريل 1995م بضيافة صاحب السمو رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة.
يا شيخ زايد أهل الفقه زوار
جاؤوا إليكم ودرب المجد مختار
ألقوا الرحال وهم بالعلم في سفر
والفقه يشرق حيث البحث كرار
فالعلم يبقى رفيع القدر مؤتزرا
ثوب الكرامة والتقدير إكبار
هذي (أبو ظبي) مزدان منابرها
و (العين) هانئة والخير مدرار
ومن (دبي) إلى (عجمان)(شارقة)
(أم القوين) و (رأس الخيم) أبرار
أما (الفجيرة) إذ نامت شواطئها
على المحيط ففي الأمواج أسرار
تلكم وفود ومن بلدانهم قدموا
من كل قطر لكم بالحب إيثار
جاؤوا إليكم على حرص وفي حدب
ختما لتاسعة الدورات إذ ساروا
أتت أمانة هذا الجمع من بلد
تهفو إليه المنى والشوق خطار
من أرض مملكة أعطت أخوّتنا
معنى اللقاء ونعم الجار والجار
أكرم بجمع تلمُّ الأهل وحدتهم
من مشرق الأرض حتى الغرب أنصار
إذا أسرجوا الخيل إقبالا وقد لمسوا
صدق العزيمة حيث العهد إعمار
وجاء ركب وزير الوقف مبتهجا
حبا لأهل لهم بالعلم آثار
فالخزرجي إذا الأنصار قد ذكروا
يعانق الأوس والتاريخ دوار
حتى المهاجر لم يشعر بغربته
ما أجمل الشرع بالإسلام ديار
والكل حولكمو يا شيخ مغتبط
حيث الشيوخ لهم عزم ومقدار
فبارك الله في عهد به انتظمت
تلك الإمارات سبع هن أقمار
وطوق السعد جمعا في محبتكم
يا شيخ زايد إن الفضل معطار
غرة ذي القعدة 1415هـ
مطلع أبريل 1995م
تقديم الشاعر الدكتور سامي حسن حمود
البنك الإسلامي للتنمية
ص ب/ 9201 جدة (21413) المملكة العربية السعودية