الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثمارية
إعداد
الدكتور عبد الستار أبو غدة
المستشار الشرعي بمؤسسة دلة البركة
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان.
وبعد، فهذا البحث المتناول لموضوع "الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثمارية " مقدم إلى الدورة التاسعة لمجمع الفقه الإسلامي، وقد جرى التركيز فيه على ما يتعلق بالصناديق الاستثمارية والإصدارات الاستثمارية، لقلة معالجتها من الناحية الفقهية، كما اشتمل في أثنائه على حكم الاستثمار عند الفقهاء لتجلية ما اشتبه أمره في بعض الأبحاث الاقتصادية، وكذلك حكم الإسهام في الشركات ذات الغرض المشروع مع وقوع بعض التصرفات الجانبية الخارجة عن ذلك الغرض
…
في جملة مسائل أخرى ذات صلة بالاستثمار ولا سيما في الأسهم والوحدات بعدما أصبحت أهم الأوعية للأموال النامية،
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
تعريف الاستثمار ومفهومه وتقسيمه
تعريف الاستثمار في اللغة والفقه:
ثمر الشجر يثمر ثموراً أي طلع ثمره، وثمر الرجل: تمول، وأثمر الرجل كثر ماله (1) ومعنى الاستثمار في اللغة طلب الحصول على الثمرة، وثمرة الشيء ما تولد عنه، أو نفعه المقصود منه. وثمر الرجل ماله أي أحسن القيام عليه ونماه.
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي للفقهاء عن المعنى اللغوي، ولا يستعمل الفقهاء لفظ (الاستثمار) بل يستعملون لفظ (التثمير) ويقصدون من التثمير تكثير المال وتنميته بسائر الطرق المشروعة. وأكثر ما يستعمل الفقهاء في هذا المجال كلمة (التنمية) و (الاستنماء) وهو طلب (النماء) وقد تكرر ذلك في باب (المضاربة) و (القراض) . فمن كلام الكاساني الحنفي في ذلك قوله: المقصود من عقد المضاربة هو (استنماء) المال. ويقول الصاوي المالكي في بيان الحكمة من مشروعية القراض: وليس كل واحد يقدر على (التنمية) بنفسه. ويقول الشيرازي الشافعي: الأثمان في المقارضة لا يتوصل إلى (نمائها) إلا بالعمل، فجازت المعاملة عليها ببعض النماء الخارج منها.
وعقد القرطبي في تفسيره فصلاً بعنوان "حفظ الأموال وتنميتها"(2)
تعريف الاستثمار في الاقتصاد:
حيث إن لفظة (الاستثمار) هي من المصطلحات الاقتصادية العالمية، فإن من المناسب الإشارة إلى المقصود من هذا، أي المعنى المصطلح عليه في كتابات الاقتصاديين من شتى الأقطار، بعد الاتفاق على أن كلمة (الاستثمار) في علم الاقتصاد لا تخرج عن المعنى اللغوي السابق؛ لأنها يقصد بها أي زيادة أو إضافة جديدة في ثروة المجتمع، مثل إقامة المصانع والمزارع والمباني والطرق وغيرها من المشروعات التي تعد تكثيراً للرصيد الاقتصادي للمجتمع. والاقتصاديون محترزون بهذا عن التصرفات المتعلقة بانتقال الملكية من شخص إلى آخر فلا يدرجونها في الاستثمار؛ لأن نقل ملكية مبنى أو متجر أو منشأة من شخص إلى آخر لا يترتب عليه إضافة جديدة إلى أصول المجتمع فإنها تظل ثابتة لم يطرأ عليها أي زيادة. ويسمى الاستثمار أيضاً عند الاقتصاديين (التوظيف) .
(1) لسان العرب 6/16؛ والقاموس المحيط مادة ثمر؛ والمعجم الوسيط مادة ثمر؛ وبصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي 2/339 عند كلمة الثمرات؛ والكشاف للزمخشري 1/500 ومعجم مصطلحات الفقهاء للدكتور نزيه حماد/ 49.
(2)
البدائع 6/88؛ والشرح الصغير وحاشية الصاوي 2/227؛ والمهذب للشيرازي 1/159؛ وجامع أحكام القرآن للقرطبي 4/417؛ والموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية 5/192؛ والمجلة مادة 946.
ولا ينكر أن هناك استعمالاً شائعاً لكلمة (الاستثمار) بالمدلول العام في تحقيق المكاسب عن طريق ممارسة أي نشاط تجاري أو صناعي أو خدمي، بهدف الحصول على الأرباح، ولعل لهذا الاستعمال مسوغاته كما سيأتي، بخلاف الاعتقاد السائد بأن الاستثمار لا يكون إلا في رأس مال كبير! والواقع أن كل فرد مهما قل ماله قد يقوم بدور استثماري معين:
1-
إذا كانت لديه فكرة عن الهدف من الاستثمار.
2-
وعن المجال المناسب الذي يمكنه الاستثمار فيه.
ويدل على ذلك أن معظم المستثمرين في أكبر الشركات المساهمة هم من صغار المكتتبين. (1)
وإذا أردنا الغوص في المدلول الاقتصادي التخصصي لكلمة الاستثمار، والفارق الجوهري بينها وبين كلمة (الادخار) من خلال من كتبوا فيه بخصوصه فإن الاستثمار هو العملية الناشئة بوجه العموم عن تدخل إيجابي صادر عن أحد الأفراد بهدف إيجاد تجهيزات دائمة تؤمن خدمات عاجلة. فعملية الاستثمار تقتضي عنصرين:
1-
كلفة مباشرة مؤلفة من ساعات عمل، أو بصورة عامة مؤلفة من نفقات عوامل.
2-
خدمات أو سلع ينتجها رأس المال على مدى الزمن (2) وبعبارة أخرى فإن الاستثمار هو الاستخدام للادخارات.
أما الادخار فهو الفرق بين الدخل والاستهلاك. (3)
الاستخدامات المختلفة لمفهوم الاستثمار:
إن كلمة "استثمار" من الكلمات التي يمكن حملها عندما تستخدم –بين الناس- على معان متعددة، فهي تستخدم بمعنى "أي توظيف للنقود لأي أجل" مطلقاً، أو بالتقييد بكون التوظيف لأجل طويل نسبياً. أو بخصوص توظيف النقود في أوراق مالية، أو في مجال الشركات بمعنى الإنفاق الاستثماري لإنشاء مشروعات جديدة أو استكمال مشروعات قائمة أو إحلال وتحديث أصول متقادمة. أو قصر هذا الاستخدام على التوظيف في أصول آمنة أو على الأقل بمخاطر معقولة ومحسوبة تمييزاً له عن المضاربة (بالمفهوم الغربي) التي تعتمد على توقع ارتفاع الأسعار. وفيما يلي توضيح هذه الاستخدامات:
أ- " الاستثمار " بمعنى أي توظيف للنقود لأي أجل:
يعرف معجم المورد لفظ "الاستثمار" بأنه "تثمير أو توظيف أموال"(4) ويشير معجم اكسفورد المختصر (الإنجليزي) إلى أن الاستثمار هو "أي استثمار للنقود أو لأية نقود مستثمرة" أو "أية ممتلكات تستثمر فيها النقود". ويعرف معجم اكسفورد (الإنجليزي – العربي) الاستثمار بأنه أي توظيف أو استغلال الأموال. ولا تنفرد المعاجم في تعريف الاستثمار بأنه أي توظيف للنقود لأي أجل بل نرى الكثيرين يستخدمون لفظ "الاستثمار" ليعني أي توظيف للأموال سواء كان التوظيف لآجال بعيدة أو لآجال قصيرة أو لآجال متوسطة، فإذا تم الاحتفاظ بالأصل لمدة خمس سنوات فإن ذلك استثمار لأجل طويل وإذا تم الاحتفاظ بالأصل لمدة أكثر من سنة وأقل من خمس سنوات كان الاستثمار متوسط الأجل، وإذا تم الاحتفاظ بالأصل لمدة سنة فأقل فيعد استثماراً أيضاً، لكنه استثمار قصير الأجل.
(1) الاستثمار الناجح في الأسهم للدكتور عيد مسعود الجهني 9،10.
(2)
الادخار والاستثمار، تأليف بيار وماري براديل ص 10، ترجمة نهاد رضا ط. الأنوار 1966.
(3)
منهج الادخار والاستثمار في الاقتصاد الإسلامي، د. رفعت العوضي 66، 67؛ وعمل شركات الاستثمار الإسلامية في السوق المالية د. أحمد محيي الدين 18، 19.
(4)
قاموس المورد إنجليزي – عربي (بيروت: دار العلم للملايين 1970) ص 479.
ب- الاستثمار بمعنى أي توظيف للنقود لأجل طويل نسبياً:
يعرف معجم "الأعمال والاقتصاد" الإنجليزي "الاستثمار" بأنه "شراء أي شكل من أشكال الملكية والاحتفاظ به فترة طويلة نسبياً" والاستثمار بهذا المعنى يكون في شراء سلع رأسمالية أو شراء أسهم أو وضع المدخرات لدى أفراد أو مؤسسات تقوم بتوظيفها. ويتفق هذا التعريف مع مفهوم الاستثمار في الاقتصاد حيث الاستثمار على عكس الادخار. إذ هو فيه استخدام المدخرات للحصول على سلع رأسمالية.
ج- الاستثمار بمعنى "توظيف النقود في أوراق مالية" وهذا المعنى من منظور البنوك التجارية التقليدية.
إن الاستثمار من منظور البنوك التجارية التقليدية يعني شراء أوراق مالية كاحتياطي وقائي (ثانوي) للسيولة أو لمتطلبات تشغيل الأموال المتاحة في أصول سهلة التحويل إلى نقدية نسبيًّا، فالاستثمار هنا يحوي شراء أوراق حكومية وهي أوراق مالية من الدرجة الأولى على اعتبار أنها حكومية وبالتالي فاحتمالات الخسارة فيها غير واردة نسبيًّا، وربما يحوي أيضاً الأوراق المالية المضمونة من الحكومة، كما يحوي أسهم الشركات الناجحة وهي تعتبر أوراقاً مالية من الدرجة الأولى.
فالأصل الممكن بيعه بسهولة يصبح سائلاً تماماً مثل الأصل الذي يتحول بالتصفية إلى نقدية مثل تسديد القرض (قصير الأجل) .
د- الاستثمار بمعنى " الإنفاق الرأسمالي " تمييزاً من "الإنفاق الجاري" من منظور الشركات:
إن مفهوم الاستثمار من وجهة نظر الشركات الصناعية الزراعية والتجارية والخدمات – يعبر عن "ارتباط مالي بهدف تحقيق مكاسب يتوقع الحصول عليها على مدى فترة طويلة في المستقبل، ولذلك فهو نوع من الإنفاق على أصول يتوقع منها تحقيق عائد على فترة من الزمن، وهو ما يدعو البعض إلى أن يطلق عليه اصطلاح "إنفاق رأسمالي" تمييزاً له عن الإنفاق الجاري أو "المصروفات التشغيلية".
والمصروفات التشغيلية –تمييزاً لها عن الإنفاق الرأسمالي- هي المصروفات التي تتم من يوم إلى يوم، مثل الأجور والمرتبات والصيانة وشراء المواد الخام، أما الإنفاق الاستثماري فإنه يشمل كل المفردات الضرورية لتقدم المنشأة (أو الدولة) في الأجل الطويل. و"الإنفاق الاستثماري" يشمل المشروعات الجديدة، أما استكمال المشروعات القائمة، أو إحلال مشروعات أو أجزاء منها للتجديد والتحديث. ومن الواضح أنها كلها ارتباطات مالية لأجل طويل. وبعكس ذلك "الإنفاق الجاري" فإنه يرتبط بفترة صغيرة نسبيًّا، كعدة أسابيع أو عدة شهور (سنة على الأكثر) ويمكن تحديد المكاسب المتوقعة منها بسهولة (1)
هـ- الاستثمار بمعنى "توظيف الأموال في أصول خالية من المخاطرة أو بمخاطرة محسوبة":
يستخدم لفظ "الاستثمار" أحياناً على أنه يعني ارتباطاً خالياً نسبيًّا من الخطر أو الخسارة، ولذلك فإن الأصول الجيدة غالباً ما يطلق عليها أصول " من درجة جودة استثمارية " ومن هذا المنظور فإن لفظ "الاستثمار" يعني المحافظة على الأصل، أو يعني الاستقرار في الدخل حتى لو كان دخلاً متواضعاً ويترتب على ذلك بطبيعة الحال عدم زيادة كبيرة لقيمة الأصل في نهاية المدة. وهذا التعريف للاستثمار يرفض أي استثمار تكون المخاطرة فيه عالية من أجل تحقيق مكاسب كبيرة. فهذا ليس استثماراً ولكنه مجازفة بمعاملات لا يقصد منها المحل الذي تقع عليه وإنما المغامرة في إيقاع تصرفات قائمة على الغرر (المقامرة) . (2)
هذا، وإن مفهوم الاستثمار من هذا البحث هو "المفهوم الواسع للاستثمار" بمعنى أن "الاستثمار" هو أي توظيف للنقود لأي أجل في أي أصل أو حق ملكية أو ممتلكات أو مشاركات محتفظ بها للمحافظة على المال أو تنميته، سواء بأرباح دورية أو بزيادات في قيمة الأموال في نهاية المدة أو بمنافع غير مادية.
وبعبارة أخرى يتناول مفهوم الاستثمار في الأبحاث الشرعية نوعين هما:
- الاستثمار النوعي (أي الذي يتم من خلال المشاريع والأدوات الاستثمارية) .
(1) الاستثمار والتمويل، د. سيد هواري 43.
(2)
من الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية الجزء السادس 16.
- الاستثمار التجاري المباشر أو المتاجرة (1)
أهداف الاستثمار ومعالمه في المنهج الإسلامي:
هناك أهداف مشتركة في الاستثمار يتطلع إليها كل مستثمر مهما كان منهج أو أسلوب الاستثمار، كما أن هناك أهدافاً أخرى يسعى إليها المستثمر المسلم انطلاقاً من أن الاستثمار في الإسلام جزء من نظام شامل يدور في دائرة الحل والمصلحة العامة وطاعة الله عز وجل، وبذلك ينحصر الاستثمار في المجالات التي تقرها الشريعة، وفيما يحقق المصلحة العامة ومصلحة الفرد، فضلاً عن مراعاة حق الله في الأموال المستثمرة.
أهداف الاستثمار:
وفيما يلي بيان أهداف الاستثمار من النوع الأول (العام) فإن ما كان هدفاً دنيويًّا هو مما يتفق مع فطرة الإنسان في حب المال، إذا كانت طريقة جمعه وتنميته لا تتعارض مع نصوص الشريعة وقواعدها ومقاصدها ويندرج ذلك الهدف في المشروع بل المأمور به، لقوله تعالى:{وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 77] .
1-
المحافظة على أصل المال (رأس المال) ، ويندرج هذا في عنصر (حفظ المال) الذي هو أحد الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة برعايتها.
2-
تحقيق الربح، بأكبر نسبة ممكنة، بما يزيد أصل المال، وهو مقتضى لفظ الاستثمار ومعناه، ومن المشروع سؤال البسطة في الرزق والبركة فيه والسعي إلى ذلك بالأسباب المشروعة.
3-
توافر السيولة لإمكان استرداد الأموال واستعمالها عند الحاجة؛ لأن للمال وظيفة بل وظائف وكما قد تهمل تلك الوظائف المتاحة بكنز المال قد تهمل ربطه دائماً بالاستثمار مما يحول دون إنفاقه. (2)
(1) أساسيات العمل المصرفي الإسلامي: الواقع والآفاق، د. عبد الحميد البعلي نشر 1990.
(2)
الاستثمار الناجح 16؛ الموسوعة العلمية للبنوك 6/348 – 347.
وفيما يلي بيان الأهداف الأخرى التي يتميز بها المستثمر المسلم ويسعى إليها ليكون عمله الدنيوي عبادة وسبباً من أسباب الأجر فضلاً عما يحقق للمجتمع الحياة الطيبة المستلزمة للفلاح في الدنيا والفوز في الآخرة:
أ- ربط الاستثمار بالقيم الشرعية والأخلاقيات السلوكية.
ب- حصر الاستثمار في السلع الحلال واجتناب الأنشطة المحرمة، وهذان الهدفان ليسا مأخوذين بالاعتبار أصلاً في المبادئ الاقتصادية الوضعية فهي تستبعد مسألة شرعية الاستثمار وتجعل المعيار في الحكم بنجاحه هو تعظيم الربح واستمراريته وليس الحل أو الحرمة. (1)
ج- مراعاة الأولويات في إدارة النشاط الاقتصادي، وهي الضروريات والحاجيات والتحسينات.
7-
تحقيق فرص العمل، ومنع البطالة بما يباعد بينهم وبين العوز، ويوفر لهم الأمن والطأنينة.
8-
أداء حق الله في المال المستثمر، بالزكاة والصدقات، انطلاقاً من أن المال لله والناس مستخلفون فيه.
ضوابط الاستثمار في المنهج الإسلامي:
اهتم بعض الباحثين في تصوير منهج الاستثمار الإسلامي في عدة ضوابط تأسيساً على أن المنهج الإسلامي للاستثمار لا يرتبط بأشكال أو صور محددة من المعاملات وإنما يرتبط بغايات وبمقاصد.
وهذه الضوابط هي مع مشتقاتها:
1-
أخذ العقيدة الإسلامية بالاعتبار في منهج الاستثمار فهناك التزام عقائدي وسلوك عقائدي.
(1) عمل شركات الاستثمار 28 – 33، 34 – 39. وينظر في النقد المفصل لهدف تعظيم الربح أو تعظيم الثروة كتاب الاستثمار والتمويل للدكتور سيد هواري 12/22؛ وعمل شركات الاستثمار 12، 15، 59.
2-
علاج وضبط الصراع الاجتماعي، انطلاقاً من ارتباط تلك الظاهرة بسوء استخدام الملكية الخاصة، وليس لظاهرة وجود الملكية الخاصة، وكذلك ارتباط المنهج الإسلامي للاستثمار بالتصرفات المعنوية بجانب التصرفات المادية والعناية بالاستثمار في رأس المال الاجتماعي.
3-
تحقيق التنمية عن طريق:
أ- الإلزام بالتشغيل الكامل لرأس المال.
ب- الإلزام بأن يغطي الاستثمار الأنشطة الاقتصادية الضرورية للمجتمع.
ج- الإلزام بأن يكون أسلوب مشاركة رأس المال –كأحد عوامل الإنتاج مع العوامل الأخرى- يستهدف الإنتاج وليس مجرد الحصول على دخل.
د- الإلزام بأن يستهدف استثمار رأس المال تنمية العنصر البشري.
4-
توجيه أو تخطيط الاستثمار وذلك من خلال:
أ- إثبات المسئولية الجماعية في استثمار رأس المال.
ب- إثبات مسئولية ولي الأمر عن الاستثمار بهدف التنمية.
ج- إثبات مسئولية ولي الأمر عن الاستثمار بهدف إعادة توزيع الدخل والثروة.
د- استنتاج التصور الإسلامي العام لتوجيه وتخطيط الاستثمار (1) ومما يسهم في البيان الشافي للمعالم الأساسية للمنهج الإسلامي في الاستثمار الإشارة إلى أهداف النظام الاقتصادي الإسلامي وما يشتق منها من أهداف المسلم وهي (2) :
1-
زيادة معدل النمو ولا سيما متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي مع تحفظات خاصة بهذا الهدف الفرعي، سواء من حيث نوعه أو كيفية حسابه ومدى ملاءمته لتحقيق الحاجات الإنسانية الإسلامية.
2-
تحقيق مستوى عال من التوازن بين تشغيل العمل، باعتبار أن اليد العاطلة بخسة، وبين تحقيق استقرار للأسعار لضمان دخل حقيقي وذلك في الحالات التي يكون فيها تعارض.
3-
تحقيق الكفاءة الاقتصادية في تخصيص موارد المجتمع، وفي تشغيل هذه الموارد مع تحفظات خاصة بالنسبة للطاقات العاطلة.
(1) منهج الادخار والاستثمار في الاقتصاد الإسلامي، د. رفعت العوضي 136، 145، 162، 181.
(2)
لقد جاء سرد هذه الأهداف ثم شرحها في الصفحات 88 – 110 من المجلد السادس المخصص للاستثمار في الموسوعة العلمية العملية للبنوك الإسلامية وقد تناول ذلك المجلد بعد الأهداف الأولويات ثم تحليل أنواع الاستثمار ثم تقويم مشروعاته.
4-
تحقيق العدالة في توزيع الدخل بين أفراد المجتمع وبين المناطق، وبين أجيال الحاضرة والأجيال القادمة.
5-
ضرورة الاستفادة الكاملة من مفهوم الاستقلال الاقتصادي، أو من مبدأ "الميزة النسبية" مع تحفظات خاصة.
6-
تحسين الظروف البيئية مثل القضاء على التلوث والضوضاء والازدحام في المركبات والمرور وتوفير الإحساس بالأمن الاقتصادي، مثل التحرر من الخوف والمرض والعجز، مع تحفظات خاصة بمناخ الأعمال العام، بحيث تتحقق جودة الحياة الروحية والمادية في أشمل صورها.
تقسيم الاستثمار في الاقتصاد:
ينقسم الاستثمار اقتصاديًّا إلى منتج أو غير منتج، تبعاً للنظر إلى مجموع قيمة الخدمات والسلع المنتجة خلال الزمن هل هي أعلى أو أدنى من الكلفة المباشرة. ومن الناحية النظرية فإن كل مستثمر يعتبر استثماره منتجاً قبل أن يتبين له خطأ تنبئه. وبعض الاستثمارات تبدأ منتجة ثم تصبح غير منتجة بسبب التقدم التقني السريع كالكيمياء العضوية والطيران العسكري بحيث تجعل التجهيزات المقامة حديثاً تجهيزات قديمة من الوجهة التقنية أي تفقد فقيمتها الاقتصادية قبل أن تتناقص خصائصها المادية.
وهناك تقسيم باعتبار آخر للاستثمار من حيث مجاله، هل هو السلع الإنتاجية أو السلع الاستهلاكية فبناء سكن شخصي هو استثمار استهلاكي. أما إقامة شبكة ري لمزرعة فإنه استثمار إنتاجي. ويمكن استعمال نفس السلعة في فعاليات منتجة أو غير منتجة. وتسمية السلع الاستهلاكية غير منتجة حسب هذا الاعتبار لا ينفي كونها منتجة بحسب الاعتبار الأول.
ثم هناك توظيفات بديلة تستهدف إبقاء التجهيزات على ما هي عليه وتوظيفات جديدة من التجهيزات الموجودة أو من قدرتها الإنتاجية. وقياس حجم التوظيفات الجديدة يسمى توظيفاً صافياً، في حين أن قياس الحجم الكلي للتوظيفات جديدة أو قديمة هو توظيف خام. ولعل من المفيد هنا المقارنة بين كلمة تتردد كثيراً في الكلام عن الاستثمار، وهو الادخار لبيان الفارق الجوهري بينهما، فقد عرفنا ما هو الاستثمار. أما الادخار فهو الاقتطاع من الاستهلاك بهدف تشكيل احتياطي يمكنه أن يفيد بالتناوب للاستثمار. أو لاستهلاك آجل. (1)
(1) الادخار والاستثمار لي بيار – ماري براديل (ص 15) ترجمة نهاد رضا. طبع دار الأنوار 1966.
أهمية الاستثمار
لقد حَثَّ الإسلام على الاستثمار وتنمية الثروة، وكان ترغيبه في ذلك إما مباشرة من خلال الآيات والأحاديث التي تدعو للكسب والعمل في حفظ المال وتكثيره. أو من خلال الدعوة للإنفاق والبذل فيما يتعدى نفعه للآخرين، فالإنفاق لا يتاح إلا من خلال اقتناء المال وتنميته ويشمل الإنفاق دوام تلبس الشخص به بما ينفقه على نفسه وعياله أو على المحتاجين والمجتمع.
ومن الآيات التي تثني على من ينمي ماله قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] . بل عدَّ القرطبي آية المداينة وما فيها من الأمر بالكتابة والإشهاد والرهن (نصًّا قاطعاً على مراعاة حفظ الأموال وتنميتها)(1)
ومن الأحاديث التي ترغب في الاكتساب ومزاولة ما يكثر المال قوله صلى الله عليه وسلم لمن سألته عن خروجها وهي معتدة لرعاية نخلها: ((لا عليك أن تجذي نخلك فتأكلي وتتصدقي)) .
والجدير بالتنويه أن الحضَّ على الاستثمار يتناول حتى من لا تتوافر لديه الأموال إذ فتحت الشريعة له المجال لاستثمار مال غيره بما ينتفع به مالك المال والعامل الخبير بتثميره، وذلك عن طريق المضاربة (أو القراض) . وهو باب أساسي من أبواب الفقه. ولم يقتصر التأكيد على زيادة المال وتنميته بالمضاربة بل شمل المشاركات كلها والمعاملات المالية الأخرى من البيع والسلم والإجارة. كما شمل –بالإضافة إلى التجارة- قطاعات الاقتصاد المختلفة، وبخاصة الصناعة والزراعة والثروة الحيوانية والنقل والمواصلات وقد رأينا أن (الاستثمار) بالمعنى الأوسع يشمل كل تلك الوجوه. (2)
(1) تفسير القرطبي 3/417.
(2)
النشاط الاقتصادي في ضوء الشريعة، غريب الجمال 27 دار الأمانة؛ والاستثمارات المالية الإسلامية، علي البدري أحمد الشرقاوي 14، 17؛ وضوابط الإنتاج في الإسلام، د. عرفه المتولي سند 10، 11 مجلة الدراسات مركز صالح كامل جامعة الأزهر.
الحكم التكليفي للاستثمار:
(تمهيد) لقد كثرت أقوال الاقتصاديين المسلمين في حكم الاستثمار شرعاً من حيث درجته التكليفية طلباً أو تخييراً، ويكادون يطبقون على أنه واجب بحسب ما فهموه من عمومات بعض النصوص الشرعية في ظل ما يورثه تجميد المال من محاذير، وما يفوته من مقاصد، وتكفي الإشارة إلى بعض المراجع المتناولة لهذا الاتجاه، فهو من الشهرة والتداول بحيث انطلقت به ألسنة بعض الفقهاء وأقلامهم أحياناً، وتهَيَّب بعضهم أن ينازع في هذه القضية التي عدها الاقتصاديون من المسلمات وتابعهم فيها من تابعهم، وما يحق للباحثين في الاقتصاد الإسلامي ذلك التسرع كما لا يقبل ممن هادنهم من الفقهاء هذا الإحجام في موقف يقتضي دوراً إيجابيًّا، وأستحضر هنا ما تقرر في أصول الفقه من أن الفتوى هي صناعة الفقيه ومن شروطها الأساسية
…
وما أكثر ما شوه بعض الناس مبادئ شرعية ناصعة بجعلهم بعض التقاليد أو المفاهيم المرتجلة جزءاً من الدين –تحرياً منهم لما ظنوه ورعاً أو تجميداً للشرع- فأوقعوا غيرهم في الانحراف عن نهج الشريعة المعتدل ورُوِّيَ ذلك الترددُ من بعض المختصين في الفقه في تحديد المشروع دون تزيد أو نقصان، ظناً بأن في القيام بأكثر من المطلوب ضماناً لتوافر المطلوب، وخشية من التغيير بأن يستتبع الميل للتفلت أو التساهل، مع أن دين الله بين الغالي والمقصر، ومما استأمن الله عليه الفقهاء أن ينكروا تحريم الحلال بمثل معارضتهم تحليل الحرام؛ لأن الأول أشد وأعسر في التصحيح، كما يعرف من التنديد في كتاب الله بأهل الجاهلية الذين حرموا ما أحل الله.
ونظراً إلى أن استثمار المال – في الاستعمال الفقهي- يرد تحت اسم الكسب أو الاكتساب، وأن الاستثمار ليس بالضرورة أن يكون محله المال الكثير الوفير، فقد يكون الاستثمار واجباً إذا كان هو الوسيلة لنموه بحيث يفي بحاجة الإنسان نفسه –بدلاً من سؤال الناس وتكففهم باليد السلفى- وإعالة من تجب عليه نفقتهم لان تضييع الشخص من يعولهم هو من حالات الإثم الكافية إدانته في الدنيا والآخرة.
على أن ما نحن بصدده هي حالة (الاستثمار) بمعناه العرفي الشائع، وهو تنمية المال ولو كان كثيراً وفيراً يسد حاجة الإنسان القائمة والمتوقعة على المدى المعتاد للناس أخذه بالاعتبار. فهذا الاستثمار حكمه (الإباحة) التي هي التخيير بين الفعل والترك، أو (الندب) الذي هو الطلب على غير وجه الإلزام، بل لمجرد تحصيل الأجر وتحقيق الرغائب وليس لدرء الوزر (1) وسواء قيل بالإباحة أو الندب فهما درجتان مغايرتان لدرجة (الوجوب) ، وإن كان الحكم بالندب هو الغالب بحسب النصوص الداعية للإنفاق لأن دوامه –كما سبقت الإشارة- لا يحصل إلا باستثمار أصل المال.
وما أوردته هو من المقررات الشرعية الكثيرة الدوران في أكثر من باب من أبواب الفقه، ولا سيما باب النفقات، وباب الزكاة، فضلاً عن أبواب المعاملات المالية التي هي صيغ الاستثمار، ويرتبط حكم مزاولتها بحكم الاستثمار شرعاً، إذا يتفق الفقهاء على أن الحكم الأصلي لكل من البيع والإجارة وأنواع الشركات هو الإباحة، ولم يقل أحد منهم: إنه الوجوب مطلقاً، أو الوجوب التخييري لمن توافرت لديه أسبابها، أي يجب الإقدام على إحدى هذه الصيغ لا على التعيين، كما هو الشأن في الواجبات التخييرية المعروفة عند الكلام عن الواجب من الأحكام التكليفية.
ومن المعهود في التشريع أن ما تتوافر لرعايته دوافع فطرية (كحب المال والحرص على ازدياده) يكون في عداد المباحات، ولا يتعلق به الوجوب إلا في حالات طارئة يخرج فيها الإنسان عن طبعه.
مناقشة القول بالوجوب استدلالاً بتحريم الاكتناز:
وأما احتجاج معظم الاقتصاديين بآية الاكتناز وما أطالوا به في شأنها فإننا لا نجد له أي جذور في مدونات الفقه والتفسير والحديث، لما تواردت عليه الأفهام من أن الوعيد فيها هو للاكتناز الذي لا يتحقق مفهومه إلا بمنع زكاة المال، استناداً بحديث:((ما أديت زكاته فليس بكنز)) كما أن الحض على استثمار مال اليتيم هو من قبيل الطلب الترغيبي المؤدي إلى (الندب) فضلاً عن أن التصرف في حق اليتامى مختلف عن تصرف الإنسان في حر ماله، فالمرء بسبيل من التصرف في ماله بما لا حظر فيه، بخلاف من استؤمن على غيره من ناقصي الأهلية فإن عليه إحسان التصرف، ولذلك ذهب بعض الفقهاء المعاصرين إلى أن من يرى وجوب الزكاة في مال اليتيم يرى في الوقت نفسه وجوب المتاجرة فيه حتى لا تأكله الصدقة" (2)
(1) تفسير القرطبي 3/419؛ والأسهم والسندات من منظور إسلامي د. عبد العزيز الخياط 9 – 12.
(2)
الأنشطة المصرفية وكمالها في السنة النبوية د. حسن العناني 64 ومن مراجعه المحلى 5/ 306 والأموال لأبي عبيد 548 وغيرها.
تعريف السهم والسند والوحدة الاستثمارية
تعريف السهم:
السهم جزء من رأس مال الشركة، ويمثل حق المساهم لتحديد نصيبه من الربح والخسارة وحقه في أموال الشركة عند تصفيتها ومسئوليته تجاه الشركة والامتيازات التي يقرها للمساهم النظام الأساسي للشركة. (1) ولكلمة السهم معنيان: حصة الشريك في الشركة، والصك المعطى للشريك إثباتاً لحقه، وهو سند الحق بتعبير الفقهاء. وتنقسم الأسهم باعتبارات مختلفة:
- فهي تبعاً لنوع الحصة المدفوعة تنقسم إلى:
- سهم نقدي، وهو ما تدفع قيمته نقداً.
- سهم عيني، وهو ما تدفع قيمته عيناً من عقار أو منقول شريطة قبول الشركة.
- سهم –حصة- تأسيس، وهو يعطى لمن أدى عملاً للشركة وهو لا يمثل ملكية في الشركة بل يخول الحق في الربح فقط. وقد ذهب إلى منعه أكثر الباحثين مع أنه يمكن تخريجه على أنه صورة من صور اشتراط نسبة من الربح لغير الشركاء وهو جائز.
- وهي تبعاً للشكل الذي تظهر به تنقسم إلى:
- السهم الاسمي، وهو يحمل اسم صاحبه حسب دفاتر الشركة والبيانات الأخرى المتصلة بالسهم.
- السهم لحامله؛ ولا يذكر فيه اسم المساهم بل يكون لحامله ويملك بالحيازة.
- السهم الإذني أو للأمر، وهو ما يسبق اسم صاحبه بعبارة لإذن/ أو لأمر، فتنتقل ملكيته بالتظهير.
- وهي تبعاً للحقوق المخولة لمالكها تنقسم إلى:
- السهم الممتاز، مما يختص ببعض المزايا، كالأولوية في الأرباح بنسبة معينة من قيمته فإن لم تتوافر اعتبرت ديناً يستوفى من أول توزيع، والأولوية في التصفية، وأحياناً بزيادة أصوات.
- السهم العادي، وهو ما ليس له امتياز، ويوزع على أصحاب هذه الأسهم ما يبقى بعد أرباح الأسهم الممتازة.
(1) عمل شركات الاستثمار د. أحمد محيي الدين 98؛ الأسهم والسندات د. عبد العزيز الخياط 18.
- سهم التمتع، وهو الصك الذي يتسلمه المساهم عند استهلاك قيمة سهمه ويتأخر حق صاحبه في الربح وعند التصفية عن أصحاب الأسهم غير المستهلكة. (1)
تعريف السند:
إن استيفاء موضوع الاستثمار يقتضي أيضاً تعريف السند وتقسيمه حسب المفهوم الوضعي الذي لا يراعي تحريم الفائدة –ولو لم يرد ذلك في الخطة المبدئية للبحث- فالسند صك قابل للتداول تصدره الشركة أو المؤسسة حين الحاجة للتمويل وعدم رغبة الشركة في زيادة رأس ماله ويمثل قرضاً طويل الأجل ويخول مالكه الحصول على فوائد ثابتة تؤدى قبل توزيع الأرباح على المساهمين، فضلاً عن استيفاء قيمة السند عند حلول الأجل أو عند التصفية قبل الأسهم أيضاً. وليس لصاحب السند التصويت. وتعد السندات بمثابة اتفاق للإقراض بفائدة بين جهة الإصدار وبين من يملك السند. وقد يتضمن الاتفاق رهن بعض الأصول الثابتة ضماناً للسداد.
- السند الاسمي.
- السند لحامله على نحو ما سبق في تقسيم الأسهم.
وتنقسم تبعاً للحقوق الناشئة عنها إلى:
- سند العلاوة، وهي السندات التي تخفض عند شرائها عن قيمتها الأصلية للتشجيع مع دفع قيمتها عند الاستهلاك.
- سند النصيب بفائدة، وهذا السند الذي يصدر بقيمة اسمية وتحدد له فائدة ثابتة، مع إجراء القرعة كل عام لإخراج عدد من السندات تدفع لأصحابها مع قيمتها مكافأة جزيلة. وتجرى قرعة لتعيين السندات التي تستهلك بدون فائدة، وهذا النوع من أنواع اليانصيب وقد منعته بعض القوانين.
- سند النصيب بدون فائدة وهو السند الذي يسترد صاحبه قيمته إن لم يفز بالقرعة.
- السند المضمون، وهو السند الذي تقترح الشركة أو المؤسسة المصدرة له ضماناً عينياً للوفاء به.
- السند العادي هو السند ذو الاستحقاق الثابت الصادر الذي ترد قيمته الاسمية عند استهلاكه.
(1) عمل شركات الاستثمار 99 – 101؛ والأسهم والسندات من منظور إسلامي 9 – 21.
- السندات القابلة للتحول إلى أسهم، وتعطي الحق لصاحبها بطلب تحويلها إلى أسهم متى رغب ذلك.
وقد استحدثت في العقدين الأخيرين سندات جديدة تختلف عن السندات التقليدية فهناك سندات بفائدة ولكن لا تحمل كوبوناً بل تباع بخصم على القيمة الاسمية مع استرداد القيمة الاسمية عند الاستحقاق، وسندات ذات معدل بفائدة تتغير بحيث يعاد النظر في المعدل دوريًّا، وسندات ذات دخل وهي سندات الفائدة إلا في السندات التي لا تحقق فيها المؤسسة ربحاً، وقد ينص حينئذ على استحقاقها فائدة من أرباح سنة لاحقة، وقد ينص أيضاً على إمكان تحويلها إلى أسهم وسندات منخفضة الجودة وسندات مشاركة (1)
وهناك سندات مشروعة تمثل حصص مشاركة أو مضاربة أو إجارة، وتسمى في الغالب صكوك لتمييزها عن السندات الربوية السابقة المستخدمة من المؤسسات غير الملتزمة بالأحكام الشرعية.
تعريف الوحدة الاستثمارية:
لا يخرج مفهوم الوحدة الاستثمارية عن المراد بالسهم، فإنها أيضاً تمثل حصة شائعة في الوعاء الاستثماري المقسوم إلى وحدات استثمارية ولكن تختلف الوحدة عن السهم في سهولة التخارج والاسترداد، وفي قيام جهات عديدة لها علاقات تعاقدية مع الصندوق أو الإصدار الذي يقسم إلى وحدات، وسيأتي تفصيل ذلك عند الكلام عن صناديق الاستثمار وإصدارات الاستثمار.
(1) الأسهم والسندات من منظور إسلامي د. عبد العزيز الخياط 50 – 53؛ عمل شركات الاستثمار د. أحمد محيي الدين 102 – 154؛ أدوات الاستثمار، منير هندي 31 – 38.
شراء الأسهم لغرض الاستثمار في المشروع والحصول على الأرباح المتحققة من نشاط الشركة أو لغرض بيع الأسهم والحصول على فرق الأسعار
- شراء الأسهم للحصول على الربح:
إن شراء الأسهم لغرض الحصول على ما يتحقق من الربح من نشاط الشركة هو الهدف المقصود من الشركة أصلاً؛ لأن معنى الشركة خلط الأموال بقصد الاشتراك في الربح المتحقق من التصرفات والأعمال التي تندرج في أغراض الشركة. ولا يلزم من هذا القصد أن يكون شاملاً عمر الشركة أي بحيث يبدأ الاشتراك بالاكتتاب الأول في أسهم الشركة وينتهي مع تصفيتها؛ لأن مؤدى القول بذلك إجبار الشريك على البقاء في الشركة ولا قائل بذلك، فكما أن الدخول في الشركة مشروع فإن الخروج هنا مشروع أيضاً بضوابطه، ولا وقت محدداً لمشروعية ذلك من حيث عدد السنوات أو الشهور أو الأيام التي يظل فيها المساهم منتظماً في الشركة.
ويطلق على هذا الربح اسم "الربح التشغيلي".
شراء الأسهم للحصول على فرق الأسعار:
لا يخفى أن الحصول على فرق الأسعار من شراء أصول دارة للريع ثم بيعها قبل الحصول على ريعها أو بعده هو أيضاً هدف صحيح مشروع؛ لأنه تجارة يستهدف منها الربح الذي يحصل من بيع أصول الشركة بأكثر مما اشتريت بها، وكما يصح هذا التصرف في جميع الأصول يصح في حصة منها يمثلها السهم أو الأسهم المشتراة بقصد البيع، فإن الربح الذي يتحقق من ربح الأصول يسمى " الربح الرأسمالي "؛ لأن فيه تنضيضاً لقسم من رأس المال بأكثر من تكلفته على الشركة. ومن الواضح أنه لا تعتبر أي زيادة حسابية تحصل من بيع شيء من أصول الشركة ربحاً رأسماليًّا إذا لم تؤد حصيلة بيع جميع الأصول إلى الربح؛ لأنه يراعى مبدأ الخلطة في النظر إلى الأجزاء التي يتكون منها رأس المال، بحيث إذا بيع شيء منها بخسارة وشيء منها بربح جبرت الخسارة بالربح ونظر إلى حصيلة بيع جميع الأجزاء بربح حتى تعتبر التصفية رابحة، ولذلك يعتبر الربح الذي يقع من بيع جزء من الأصول بأكثر من تكلفته (ربحاً تحت الحساب) .
مناقشة القول بكراهة –أو منع- شراء الأسهم بقصد البيع:
لقد ذهب بعض الفقهاء المعاصرين إلى أن شراء الأسهم بقصد بيعها والحصول على فرق الأسعار يؤدي إلى التداول في النقود، نظراً لقصر الفترة بين البيع والشراء الذي ينتفي فيه قصد الحصول على بيع السهم وأنه لا قيمة مضافة من تلك المبايعات السريعة التي ينحصر القصد فيها على الحصول على فرق السعر بين شراء السهم وبيعه بمجرد ارتفاع قيمته.
وفي ذلك القول إغفال لطبيعة السهم من حيث إنه يمثل حصة في موجودات يفترض أنها عند البيع والتداول بأكثر من قيمة الشراء مشتملة على أعيان ومنافع من النقود والديون. وقد تناولت قرارات المجمع التصريح بتلك الطبيعة للسهم باعتباره قيميًّا، وإن كان المظهر الخارجي للأسهم أنها مثلية فتلك المثلية في التساوي بين القيم وما تخول حاملها من حقوق إذا كانوا من شريحة واحدة.
والواقع أن هذا الشراء للأسهم بغرض الحصول على فرق الأسعار لا يخلو من فائدة في تحريك الأنشطة المختلفة، سواء كانت تتم بصورة فردية ثنائية، أو بصورة جماعية (في أسهم الشركات) ولا تظهر هذه الفائدة إلا بالنظر إلى مجموع التصرفات السابقة واللاحقة لذلك الشراء، فإن الثمن المعطى ممن يشتري السهم إلى بائعه يتيح له خوض أنواع أخرى من التصرفات الاستثمارية فضلاً عن تمكينه من شراء حصص من أصول شركات أخرى لإتاحة السيولة لآخرين ممن ينتفعون بها بأوجه متعددة، ولولا إمكانية التسييل المتاحة في أسهم الشركات لتردد المتمولون في حبس أموالهم في أسهمها سواء عند بداية الاكتتاب أو في المراحل التالية.. إذ إن هذه الميزة تجعل الباعة والمشترين يراوحون بين ملكية حصص من موجودات الشركة وبين ملكية المال الناض من عمليات البيع، ولكل من الحالتين دواعيها وأهدافها. وينطبق على هذا حديث:((دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)) .
وإن ما يخشى من ضرر –أو ما وقع فعلاً من أضرار التداولات السريعة للأسهم في بعض الظروف والبلاد- كان مبعثه إهمال الضوابط الشرعية لبيع الأسهم، حيث كانت الشركات تباع وتتداول متفاضلة ومؤجلة في بداية التأسيس عقب جمع نقود الاكتتاب أو تباع وهي في طور انحصارها في مديونيات، أو يبيع المساهم أكثر من الأسهم المملوكة له!!
ولمزيد من توضيح وجه المشروعية في شراء الأسهم بغرض بيعها للحصول على فرق الأسعار (الذي أثار الجدل) فإن شراء الأسهم بقصد التداول هو عملية تصفية فردية يقوم بها أحد الشركاء بخصوص مساهمته بدلاً من (التقليب) أي تكرار عمليات المتاجرة في محل المشاركة. وتتضح الصورة من استحضار مظاهر التصفية الجماعية فيما يلي:
- إن ربح المشاركة يحصل من المتاجرة (الشراء للسلع بقصد بيعها بربح) وهناك احتمالان لهذه المتاجرة:
- إما أن تتم لمرة واحدة من جميع المشترين لأسهم الشركة فيما لو أقيمت الشركة لممارسة صفقة واحدة تشتري فيها السلع ثم تباع وتقسم أرباحها. ويحصل هذا في الواقع العملي في عمليات التمويل المصرفي المجمّع.
- وإما أن تتم المتاجرة مرات ومرات طيلة الدورة الزمنية المختارة، وتوزع تبعاً لها الأرباح الدورية التي تسمى الأرباح التشغيلية، وهكذا إلى أن يأتي موعد التصفية الكاملة للشركة وتوزع بقية أرباحها شاملة للأرباح الرأسمالية. وما يحدث على النطاق الجماعي يمكن أن يحدث على النطاق الفردي.
- فقد يتخذ المساهم قراره ويبيع حصته من المشاركة عند أول ارتفاع لقيمة السهم، وهو ارتفاع يفترض أن ينشأ عن ارتفاع قيمة موجوداتها، وبهذا يصفي مشاركته، كما لو دخل مع غيره في مشاركة وحيدة الصفقة ليس فيها تقليب.
- وقد يقرر الاستمرار ليقطف ثمار الصفقات المتتالية داخل المشاركة الممثلة لعملية (تقليب السلع) بعبارة الفقهاء. والتقليب ليس من خصائص الشركة أو لوازمها فهو يحدث في مطلق المتاجرة، وفكرته هي السند في توجيه زيادة ربح البيع الآجل عن البيع الحال.
وأما ما وقع بشأن الربح الناتج من تداول الأسهم بأنه تدخل في تكوينه عوامل غير سوية، كالإشاعات، ونشر معلومات الترويج، والأحوال السياسية، ونشر التوقعات الاقتصادية، ونحوها، فكل ذلك وارد في التعامل التجاري الفردي، ولم يؤثر في حكمه الشرعي.
ثم إن هناك غرضاً ثالثاً لبيع الأسهم، غير الحصول على الريع أو الحصول على فرق السعر.. وهو التخلص من لحوق الخسارة، فيما إذا هبطت أسعار الأسهم المشتراة وتأكدت مخاوف مالكها من الضرر اللاحق به لو بقي متمسكاً بها مع وجود من يشتريها، فما الدليل الشرعي الذي يمنع من إخراجها من ملكه بالقيام ببيعها ضمن الضوابط الشرعية بعيداً عن الغرر والتدليس والنجش؟ كما قد يكون البيع بغرض توفير السيولة عند الحاجة إليها وهو غرض رابع، وليس ذلك قابلاً للحصر.
حكم شراء أسهم الشركات المشروعة الغرض مع اقتراضها أو إيداعها بالربا:
بمناسبة الكلام عن شراء الأسهم لأحد الأغراض المشار إليها يلوح التساؤل عن مشروعية شراء أسهم الشركات التي في موجوداتها ما هو حرام، أو أسهم الشركات التي غرضها الأساسي مشروع لكنها تودع أو تقترض بالربا، وليس ذلك الإيداع المحرم أو الاقتراض المحرم هو نشاط الشركة المستهدف من تأسيسها أو بقائها.
والجواب عن هذا الموضوع –الذي ما زال معلقاً في جدول أعمال المجمع بعد تناوله في أكثر من دورة – يقتضي تقديم نبذة عن ملابساته، وما صدر في شأنه من قرارات وفتاوى في دورات المجمع أو في غيرها من الملتقيات الفقهية.
إن شراء أسهم الشركات يقع في أنواع مختلفة منها، بعضها مما وقع الاتفاق على مشروعيته وهي:
الشركات التي تعلن عن التزامها في التعامل بأحكام الشريعة الإسلامية في وثائق إنشائها، وهي الدرجة العليا المفضلة؛ لأن هذا الالتزام المصرح به رسميًّا يتيح لمن يسهم في الشركة الطمأنينة النفسية والأمن من الإقدام المتعمد على ما فيه خلل شرعاً، كما يأمن من استمرار الخلل إن وقع؛ لأن في وسعه الاعتراض والمطالبة بتصحيح آثار الاختلال غير المقصود، محتجًّا بما التزمت به الشركة قولاً وفعلاً، شعاراً وتطبيقاً.
وكذلك الحال بالنسبة لأسهم الشركات التي حصل التوافق بين تطبيقاتها وبين ما هو مشروع، ولو لم يكن هناك تصريح في وثائق إنشاء الشركة بالالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية؛ لأن مجرد التطبيق الصحيح تنتج عنه تصرفات ذات آثار مشروعة، ولو لم يقترن بالنية والعزم على الالتزام فهما سببان لتحصيل المثوبة والأجر.
ولا بد من استمرار المراقبة لتصرفات مثل هذه الشركات للتحرز مما يقع من خلل، والمعالجة لما يترتب عليها من أثر لأنها –بعدم تصريحها بالالتزام- مظنة الوقوع في مثل ذلك، والاحتجاج عليها قد لا ينجح لعدم المستند له في وثائق تأسيسها.
كما أنه لا جدال في مشروعية شراء أسهم شركات لم يحصل منها الالتزام ولا التوافق ولكن هناك فرصة للتأثير على مسيرة الشركة بحيث يحصل منها التوافق –وربما الالتزام إذا صير إلى تعديل وثائق الشركة- وهذا لا يتحقق إلا من خلال تكاتف عدد كبير من الأفراد، أو بعض المؤسسات المالية الإسلامية، أو بعض كبار رجال الأعمال، لشراء غالبية من الأسهم تتيح لهم التأثير في مسار الشركة.
وقد جاء النص في فتاوى الندوة السادسة للبركة (1989) على مشروعية الإقدام على شراء أسهم الشركات (مهما كان غرضها الأصلي) . بقصد أسلمة معاملاتها، بل اعتبر ذلك مطلوباً، لما فيه من زيادة مجالات الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية.
كما جاء في قرار ندوة مشتركة بين مجمع الفقه الإسلامي، والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب (1993 م) :"إن الإسهام في الشركات المساهمة التي تتعامل بالربا بقصد إصلاح أوضاعها بما يتفق مع الشريعة الإسلامية من القادرين على التغيير أمر مشروع على أن يتم ذلك في أقرب وقت ممكن".
ولا يخفى أهمية تأسيس شركات ملتزمة بالضوابط الشرعية؛ لأنها تمثل النموذج السليم من الشوائب، وقد يصار إلى تجديد الشركة وتصحيحها، بالسيطرة عليها لتحويلها إلى الالتزام بالضوابط الشرعية.
والنوع المحتاج لمزيد من البحث هو تلك الشركات التي غرضها الأساسي مشروع لكن بعض تصرفاتها الجانبية محرمة، وهي محل التفصيل بعد أن تباينت فيها الآراء الفقهية المعاصرة بين المنع المطلق، أو الإباحة المطلقة، أو الإباحة المقيدة بظروف خاصة والمحكومة بقيود وضوابط والتزامات بشأنها.
وأول ما تجب مراعاته هو الغرض الأصلي من الشركة: فإن كان غرض الشركة الأصلي حراماً، مثل البنوك الربوية، وشركات التأمين التقليدية، وشركات إنتاج الخمور ولحم الخنزير ومشتقاتها، وشركات إدارة صالات القمار، ودور الخلاعة، ونحوها. فهذه لا يجوز تملك أسهمها ولا تداولها ببيع أو شراء أو وساطة. وإن كان غرض الشركة الأصلي مباحاً، مثل شركات التجارة في المباحات، أو صناعتها، أو زراعتها، أو تسويقها، أو الخدمات المتعلقة بذلك. فهذه الشركات يختلف حكمها عما كان غرضها الأصلي حراماً، وإن كان يقع من هذه الشركات الاقتراض من البنوك الربوية أو الإيداع لديها بالفائدة. فلا يسوغ التسوية بينها وبين الشركات التي غرضها الأصلي المراباة أو التأمين التجاري أو مزاولة الأنشطة المحرمة؛ لأن محل التصرف في تلك الشركات غير مشروع أصلاً. أما الشركات ذات الغرض المباح التي تودع أو تقترض بالربا فإن محل التصرف فيها معتبر شرعاً وهو التجارة في المباحات لكن وقع منها تصرف جانبي دخيل على غرضها وهو الإيداع والاقتراض بالفائدة، وهو قابل للفصل عن أنشطتها بإلغاء الاتفاق الربوي أو إبطال آثاره وتصحيح نتائجه بالتخلص من عائد تلك الملابسات المحرمة.
وقد صرح بعض الفقهاء بالتفرقة بين المتاجرة بالخمر وبين التعامل بالربا، من حيث آثارهما حيث تعلق الحكم برأس المال والربح في المتاجرة بالخمر، وبالربح (الفائدة) فقط في التعامل بالربا، ندباً أو وجوباً في الحالتين. (1)
إن هذه الشركات التي غرضها الأساسي مشروع والمحل الأصلي للتصرف فيها معتبر شرعاً، ولكن وقعت فيها تصرفات جانبية هي الإيداع أو الاقتراض بالفائدة يجوز الإسهام فيها حسبما انتهى إليه عدد غفير من الفقهاء المعاصرين، وكثير من هيئات الفتوى في المؤسسات المالية وخارجها. وهذا يكشف عن إدراك الطبيعة الخاصة للشركات المساهمة وتمييز الفرق بين ما غرضه الأصلي محرم وبين ما غرضه الأصلي مباح مع التصرف الجانبي المحرم، ولا بد من الإشارة إلى الخلاف الواقع في هذا النوع الأخير إلى درجة إرجاء البت فيه وبقائه معلقاً على جدول دورات مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة.
وقد جاء في توصيات ندوة الأسواق المالية بالرباط، التي أقامها مجمع الفقه الإسلامي بالتعاون مع البنك الإسلامي للتنمية ووزارة الأوقاف المغربية 5-25 ربيع الآخر 1410 هـ (نوفمبر 1989) ما يلي:
"إن تملك أسهم الشركات التي يكون غرضها التعامل والصناعات المحرمة والمتاجرة بالمواد الحرام غير جائز شرعاً، ولو كان ذلك التملك عابراً، ولفترة لا تسمح بتحقيق الأرباح الناتجة عن ذلك النشاط.
أما تملك –أو تداول- أسهم الشركات التي غرضها الأساسي حلال، لكنها تتعامل أحياناً بالربا باقتراض الأموال أو إيداعها بفائدة فإنه جائز، نظراً لمشروعية غرضها مع حرمة الإقراض والاقتراض الربوي ووجوب تغيير ذلك والإنكار والاعتراض على القائم به.
(1) شرح الزرقاني لمختصر خليل: 6/41، ومواهب الجليل 5/118.
ويجب على المساهم عند أخذ ريع السهم التخلص عما يظن أنه يعادل ما نشأ من التعامل بالفائدة، لصرفه في وجوه الخير".
ثم تلا ذلك قرار فيها للمجمع في الدورة السابعة برقم (65/1/7) لم يزد على عبارة أن الأصل حرمة الإسهام في الشركات التي غرضها الأصلي مباح لكنها تودع أو تقترض بالفائدة
…
ومن المقرر في علم أصول الفقه أن عبارة (الأصل كذا) هي أضعف التعابير، لما فيها من الدلالة على أن تطبيقات كثيرة خرجت عما هو الأصل، ولا شك أن الاستثناء أقوى من القاعدة ولذا صح إخراجه منها، ولكن لا بد لكل استثناء من ضوابط وقيود حتى لا يطغى على القاعدة الأصلية، وبعبارة أخرى حتى يندرج في قاعدة أخرى، أو يصبح هو قاعدة مستقلة للحالة الخاصة به.
ثم صدر قرار آخر للمجمع برقم (81/6/8) يدعو لمواصلة البحث، في حكم هذا النوع من الشركات.
وفي ظل قراري المجمع كان لا بد من الاهتمام بالتفصيل وبيان قيود التعامل وإبراز الفروق، لبيان حالة الإباحة المشروطة.
هذا، وإن الأنشطة غير المشروعة قد ينص عليها في وثائق إنشاء الشركات المتعاملة بالمحرمات وقد لا ينص، (وهذا التفصيل لا يحتاج إليه في البنوك الربوية لدلالة الحال المغنية عن النص من جهة؛ ولأن النص يستلزمه الترخيص لها) فإن كان منصوصاً في نظامها على أن لها أن تتعامل في الأنشطة المحرمة التي سبقت الإشارة إليها، أو أن تولد شركات فرعية مخصصة لتلك الأنشطة المحظورة، وقد زاولت ذلك بالفعل (ويعرف هذا من تقاريرها السنوية وميزانياتها المالية) فحينئذ لا يجوز تملك أسهمها ولا تداولها ببيع أو شراء أو وساطة.
وإن لم تكن تلك الشركة زاولت شيئاً من هذه الأنشطة المحظورة، فيجوز تملك أسهمها مع مراقبة تصرفاتها المستقبلية بحيث يتم التخلص مما يمتلك من أسهمها إذا ما أقدمت على مزاولة هذه الأنشطة المحظورة المنصوص عليها في نظامها. وكذلك الحال إذا لم يكن منصوصاً في نظامها على إمكانية التعامل في الأنشطة المحرمة ولكن وقع منها هذا التعامل في حرام كذلك تملك أسهمها. فالعبرة بوقوع التصرف على محل غير معتبر شرعاً سواء سبق القصد إليه أو لم يسبق.
وإذا ظهر ذلك التعامل بالأنشطة المحرمة بعد تملك أسهم الشركة –بأي حال- فإنه يجب التخلص من العائد الناشئ عن الأنشطة المحرمة، مع السعي للخروج من تلك الشركة.
إنشاء صناديق وإصدارات الاستثمار
تعريف صناديق الاستثمار:
المراد من صندوق الاستثمار هو وعاء للاستثمار له ذمة مالية مستقلة يهدف إلى تجميع الأموال واستثمارها في مجالات محددة وتدير الصندوق شركة استثمار تمتلك تشكيلة من الأوراق المالية. وذلك من خلال قيام جهة تسمى (الكفيل Sponsor) بشراء تشكيلة من الأوراق المالية (السندات غالباً) أو العمليات بالنسبة للصناديق الإسلامية (التأجير، المرابحات، الاستصناع الموازي، السلم الموازي..) وتقوم بجانب جهة الإصدار (التي ينتهي دورها ببناء التشكيلة) جهات أخرى لكل منها دور خاص: فهناك (الأمين Trustee) الذي يتولى إصدار الشهادات، مع الجهة التي تتعهد بتغطية الإصدار، وكذلك هناك الجهة التي تقوم بالاسترداد والتعهد بإعادة الشراء. فضلاً عن الجهة التي تقوم بالتسويق.
من أجل هذا التعدد الذي يجعل الشكل القانوني لتلك الجهات المختلفة اتحاداً وليس شركة، سمى ما يباع للمستثمر من حصة في الصندوق (وحدة Unit) وليس سهماً عادياً كما هوا لحال في الشركات. وهذا الاتحاد قد يكون عمره محدوداً، بستة شهور (أجل استحقاق السندات المكونة للتشكيلة) أو طويل الأجل بحيث يصل إلى عشرين عاماً.
والسبب في قيام مفهوم (الوحدات بالإضافة إلى (الأسهم) هو الماهية التي تتميز بها صناديق الاستثمار من حيث مناسبتها –في الأصل الغالب- للمستثمرين الذين يملكون مدخرات محدودة، حيث نصح هؤلاء بألا يستثمروا مدخراته في ورقة مالية واحدة (أسهم أو سندات) تصدرها منشأة معينة، فيفضل لهم التنويع الذي يوفر لهم حماية ضد تقلب القيمة السوقية لمكونات تلك التشكيلة. ومثل هذا التنويع قد يصعب على صغار المستثمرين تحقيقه؛ لأنه يلتزم شراء كميات كسرية (أقل من 100 سهم) مما يؤدي لرفع تكلفة المعاملات إضافة لدفع قيمة لشراء الورقة تفوق القيمة التي تشترى بها داخل كمية غير كسرية.. فإذا أريد تطبيق سياسة التنويع هنا، اقتضى ذلك توفير موارد مالية كبيرة، بل حتى من يملكون تلك الموارد يفضلون (الوحدات) على (التشكيلة) أيضاً لعدم امتلاكهم الخبرة أو المعرفة أو الوقت لإدارة مثل تلك التشكيلة الاستثمارية وتحدد لصناديق الاستثمار في العادة مدة زمنية لتصفيتها إذا لم يتفق المشاركون فيها على تمديد مدتها كما أن نوعية أنشطته في الغالب تتصف بالتخصص –أو على الأقل- بالثبات والنمطية (1)
(1) أدوات الاستثمار في أسواق رأس المال. الأوراق المالية وصناديق الاستثمار د. منير إبراهيم هندي 96-98.
تعريف إصدارات الاستثمار:
انطلاقاً من الخصائص الأخيرة المشار إليها في صناديق الاستثمار، وهي المدة ونوعية الأنشطة الاستثمارية تتميز الإصدارات الاستثمارية عن الصناديق فهي يتم تحديد مددها بحسب نوع الأنشطة التي يشملها الإصدار فقد تكون مدته بضعة شهور وقد يزيد عن السنة قليلاً ويختلف الإصدار عن الآخر، كما أن الأنشطة لا تتصف بالنمطية في الإصدار، بل تتفاوت بين إصدار وآخر. وتقع تصفية الإصدار تلقائياً عند انتهاء المدة المحددة، فإذا تخلفت بعض الأنشطة تباع إلى إصدار آخر جديد أو تشتريها الشركة الراعية للإصدار وفقاً لضوابط الشراء الشرعية بحسب نوع الموجودات عند الشراء (1)
وفي حين ينقضي الإصدار –أو يصفى الصندوق- فإن الشركة أو الجهة التي تنشئهما لا يرتبط وجودها بهما، فلها وضع مستقل لإنشائها وانتهائها، بحسب عقد تأسيسها ونظامها الأساسي وقرارات مالكيها.
الفرق بين الصناديق والإصدارات:
الإصدارات لا تختلف عن الصناديق الاستثمارية من حيث إن كلا منهما يمثل ذمة مالية مستقلة تهدف إلى تجميع الأموال واستثمارها في مجالات محددة، ويقوم على أساس تجزئة رأس المال الإجمالي للإصدار أو للصندوق للاكتتاب فيه من قبل المشاركين.
كما أن صكوك الأسهم أو الوحدات هي وثيقة تمثل ملكية حصة شائعة في الموجودات الكلية للإصدار أو الصندوق، ويكون للمشاركة جميع الحقوق والتصرفات المقررة شرعاً للمالك في الملك الشائع من بيع وهبة ورهن وإرث وغيرها بما لا يمس حقوق بقية المشاركين.
وتعتبر نشرة الإصدار أو لائحة الصندوق هي الوثيقة المنظمة للعلاقة التعاقدية القائمة بين الجهة المصدرة والمشارك من حيث الحد الأدنى للمشاركة وفترة الاكتتاب وشروط التداول والتخارج. ومن حيث طبيعة الصندوق وأهدافه الاستثمارية من جهة ومكونات الإصدار من جهة ثانية، وكذلك من حيث تحديد نصيب مختلف الأطراف من الأرباح وكيفية توزيعها وغير ذلك.
ولعل الاختلاف الأساسي بين الإصدارات والصناديق ينحصر في كون الأولى غالباً ما تكون قصيرة الأجل لا تستغرق مدة عام، أي لا يحول حول كامل عادة على الأموال المكتتب بها. كما أن الإصدارات تشمل دائماً عمليات استثمارية محددة الخصائص المالية في حين تكون الصناديق مفتوحة وطويلة الأجل بحيث يحول عليها أكثر من حول كما يعد لها مركز مالي دوري يوضح حساب الأرباح والخسائر. (2)
إدارة الصناديق والإصدارات على أساس المضاربة:
تدار غالبية صناديق الاستثمار والإصدارات الاستثمارية على أساس عقد المضاربة ويقوم بدور (المضارب) الشركة المنشئة للصندوق أو الجهة المصدرة للإصدار، حيث تتولى جمع رأس مال المضاربة من حصيلة الاكتتاب في الوحدات الاستثمارية المطروحة حسب الشروط المبينة في نشرات الاكتتاب ويقوم المشاركون في الصندوق والإصدار بدور أرباب المال.
(1) دليل زكاة المشاركات في الصناديق والإصدارات 5-6.
(2)
دليل زكاة المشاركات في الصناديق والإصدارات 3-4.
والمتبع في صورة المضاربة لإدارة الصندوق والإصدار هي المضاربة المقيدة حيث تشتمل نشرة الإصدار على القيود والشروط التي تحدد مسار الاستثمار من حيث مجاله وكيفيته، وذلك في النظام واللوائح التي يضعها المدير (المضارب) ويبدي استعداده للتقيد بها، (1) ولا أثر لكون مصدر التقييد هو رب المال مباشرة، أو المضارب بموافقة رب المال لأن إسهام المشاركين في وحدات الصندوق أو الإصدار بحسب شروط النشرة هو احتفاظ منهم بقيودها وكأنها صادرة منهم أصالة، وهذا هو الوضع المناسب لكثرة عدد المشاركين إذ ليس بالإمكان استقطاب قيودهم الفردية بما يتعذر معه إدارة المضاربة بما يحقق رغبات الجميع.
وتنعقد المضاربة بإيجاب وقبول شأن بقية العقود، لكن صورة الإيجاب هي الاكتتاب في الصندوق أو الإصدار، والقبول هو موافقة الجهة المصدرة أو المنشئة للصندوق. (2)
هذا ما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي، وهو ينسجم مع الصورة التي تحتفظ فيها جهة الإصدار بحقها في قبول مشاركة المكتتب ورفضها، أما إذا كانت جهة الإصدار قد أعطت للنشرة صفة الإيجاب الموجه للجمهور الملزم لها طيلة فترة الاكتتاب وتخلت عن حقها في إبداء الرأي في قبول المشاركة أو عدم قبولها فإن النشرة تعتبر في حد ذاتها إيجاباً، ويكون القبول هو تقدم المكتتب للمشاركة من خلال توقيع الاستمارة وحده أو اقترانه بتحويل مبلغ المشاركة. وقد ينشأ حينئذ دور آخر للجهة المصدرة للتخصيص إذا كانت كمية الاكتتابات أكبر من الحجم المطروح للاكتتاب، وهو تصرف واقعي ليس فيه تعبير عن إرادة الجهة، بل يمكن أن يعهد به إلى أي جهة أخرى، وربما تم أداؤه عن طريق الحاسب الآلي وفق برنامج معد من البداية.
(1) صناديق الاستثمار الإسلامية 17.
(2)
قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 5 للدورة الرابعة بشأن سندات المقارضة.
إدارة الصناديق والإصدارات على أساس الوكالة:
ليست المضاربة هي السبيل الوحيد لإدارة الصندوق أو الإصدار، فهي تعتمد حيث تقوم الرغبة لدى المدير والمشاركين في أن يكون مقابل عمل المدير هو حصة شائعة من الربح، وأن تنقطع صلة المشاركين عن الإدارة إلا من خلال ما في اللوائح من تعليمات وقيود في البداية ولكن يمكن أن يصار إلى تحديد مقابل عمل المدير بنسبة من المبالغ يديرها أي بمبلغ مقطوع يستحقه في جميع الأحوال، وهذا ما يتحقق من خلال اعتماد الوكالة بالاستثمار بأجر معلوم. والأصل أن يظل للمشارك (الموكل) دور أكبر من (رب المال) في توجيه عملية الإدارة لكن لا مجال لممارسة هذا الدور بسبب تعلق الوكالة بحقوق الغير وهم بقية المشاركين في الصندوق.
وقد جاء في فتاوى الحلقة الفقهية للبركة النص على إمكانية إدارة الصناديق بكل من المضاربة أو الوكالة فيما يلي:
المسائل المتعلقة بتكوين الصناديق والإصدارات
تنظم العلاقة التعاقدية بين إدارة الصندوق أو الإصدار (سواء كانت على أساس المضاربة أو الوكالة) ما تتضمنه نشرة الاكتتاب فيهما أو نظامها الأساسي أو اللوائح المكملة له. وفي تلك اللوائح تدرج كثير من الأحكام الخاصة بعقد المضاربة (وعقد الوكالة بالاستثمار) إلى جانب الإجراءات الإدارية والتنظيمية والمحاسبية التي تسهم في تحديد تلك العلاقة التعاقدية. وهناك مسائل أساسية تتصل بتكوين الصندوق أو الإصدار، بعيداً عما تتم مزاولته داخلهما من الصيغ الاستثمارية المشروعة، وهي جديرة بالبحث عن مفهومها والتكييف الشرعي لها؛ لأنها تحدد الحقوق والواجبات لكل من المدير والمشاركين. (1)
(1) ينظر كتاب "صناديق الاستثمار الإسلامية" مع مراعاة أن ما جاء فيه اقتصر على الصناديق دون الإصدارات، والفرق بينهما ضئيلة وإجرائية، كما أنه ركز على تأسيسهما على المضاربة دون التعرض لاعتماد الوكالة في إدارتهما لندرة ذلك.
أ- تقسيم رأس مال الصندوق أو الإصدار:
يقسم الصندوق إلى وحدات تمثل حصصاً شائعة في رأس المال، وذلك ليتلاءم وضع المضاربة مع تعدد رب المال فيها، وتتحدد ملكية كل مشارك بحسب الحصة المملوكة له على الشيوع. ويساعد هذا على توزيع الربح وتحميل الخسارة؛ لأنهما حسب نظام الصناديق والإصدارات متماشيان مع مقدار الملكية. (1)
ب- مساهمة المضارب في الصندوق أو الإصدار:
لا مانع كذلك من مساهمة الجهة المنشئة للصندوق أو الإصدار في رأس مال الصندوق أو الإصدار ويكون استحقاقها نصيباً من الربح بصفتها مضارباً ونصيباً آخر بمقدار مساهمتهما في رأس المال. والأصل في هذه المساهمة من الجهة أو المشاركين أن تكون بالنقود لكن ليس هناك ما يمنع من تقديم مساهمات عينية ولا سيما من الجهة لبعض العقارات أو المعدات شريطة تقويمها لتحديد القيمة التي تعاد للمشاركة عند انتهاء المضاربة مع ما يتحقق من ربح أو بعد حسم ما يقع من خسارة. (2)
ج- دفع مبلغ المشاركة على أجزاء:
أحياناً يسمح نظام الصندوق بدفع المساهمة على أقساط وبذلك تتحقق مصلحة المشارك بالتيسير عليه وتمكينه من المتابعة وتقويم الأداء ومصلحة الجهة أيضاً بمواكبة السيولة لإمكانات التوظيف. ومما يستحضر هنا أن العبرة بما يدفع فعلاً من المقدار الذي اكتتب به المشارك فيتحمل المخاطر في حدود ما دفع فعلاً وليس بالمقدار الذي اكتتب به. وهذه التجزئة في رأس المال المكتتب به في المضاربة، متفقة مع اتجاه الحنابلة في عدم اشتراط تسليم جميع رأس المال للمضارب، بل تصح لو بقي مع رب المال أو وضعه عند أمين؛ لأن هذا الشرط لا يحول دون عمل المضارب فكلما احتاج لمبلغ أخذه. (3)
(1) قرار المجمع رقم 5 للدورة الرابعة.
(2)
قرار المجمع رقم 5 للدورة الرابعة البند/2 العنصر الرابع؛ والمغني لابن قدامة 5/ 112.
(3)
المغني لابن قدامة 5/138؛ وشرح منتهى الإرادات للبهوتي 2/446.
د- تداول الوحدات الاستثمارية:
يمثل صك الوحدة الاستثمارية ملكية حصة شائعة في الصندوق أو الإصدار، وتستمر هذا لملكية طيلة مدتهما وتترتب عيها جميع الحقوق والتصرفات المقررة شرعاً للمالك في ملكه، من بيع وهبة ورهن وإرث وغيرها. (1)
فيحق للمشارك التصرف بالوحدة بالبيع ولكن عليه إعلام (مدير الصندوق أو الإصدار) وله أن يبيع بالقيمة المتراضى عليها بينه وبين المشتري سواء كانت مماثلة للقيمة الاسمية أو السوقية أو أكثر منهما أو أقل.
وقد أشار قرار المجمع إلى جواز تداول صكوك المقارضة بالضوابط الشرعية، وذلك وفقاً لظروف العرض والطلب ويخضع لإرادة الطرفين. (2)
ولا بد من مراعاة الأحكام الخاصة بموجودات الصندوق في كل حين:
- فإذا كان التداول قبل المباشرة في العمل والمال لا يزال نقوداً فإنه تطبق عليه أحكام الصرف؛ لأنه مبادلة نقد بنقد. (ولهذا تمنع لوائح الصناديق التداول خلال الفترة التالية للاكتتاب، أو قبيل تاريخ التصفية) .
- وإذا أصبحت الموجودات ديوناً، تطبق على التداول أحكام تداول الديون.
- وإذا صارت الموجودات مختلطة من النقود والديون والأعيان والمنافع فإنه يجوز التداول وفقاً للسعر المتراضى عليه. ولو بالتفاضل بين الثمن وقيمة الحصة أو بتأجيل الثمن.
وقد اشترط قرار المجمع أن تكون الغلبة للأعيان والمنافع. في حين لم تشترطه جهات الفتوى كندوة البركة وغيرها، (3) واكتفت بعدم اقتصار الموجودات على النقود والديون أخذاً بمبدأ التبعية. فتعتبر النقود والديون تابعة للأعيان والمنافع؛ لأن غرض الصندوق منصب عليها.
(1) قرار المجمع رقم 5 للدورة الرابعة، البند/2 العنصر الأول.
(2)
قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 5 للدورة الرابعة، الفقرة الثالثة. والحلقة الفقهية الأولى للبركة الفتوى الخامسة، ونصها: يجوز شرعاً خروج صاحب حصة في صندوق استثماري بالقيمة التي يعرضها الصندوق ويقبلها الخارج، بصرف النظر عن الطريقة المحاسبية التي يصل إليها الصندوق في تقييم هذه الحصة (الفتاوى الشرعية في الاقتصاد 145) .
(3)
ندوة البركة الفتوى الثانية (5) ؛ والأجوبة الشرعية في التطبيقات المصرفية.
هـ- ضمان رأس مال الصناديق والإصدارات:
من أحكام المضاربة –وكذا الوكالة - أن المضارب أو الوكيل لا يضمن ما بيده من الأموال المستثمرة إلا بالتقدير أو التقصير أو مخالفة الشروط التي تقيد بها.
فلا يجوز اشتراط ضمان رأس المال أو ضمان ربح مقطوع أو منسوب إلى رأس المال فإن وقع النص على ذلك صراحة أو ضمناً بطل شرط الضمان، واستحق المضارب ربح مضاربة المثل. (1)
ويجوز أن يتطوع المضارب بالضمان منفصلاً عن عقد المضاربة أي بعد تمام العقد، فلا يبنى دخول المشارك على وجود ذلك الضمان. وبذلك أفتى بعض فقهاء المالكية، (2) كما يجوز أن يتبرع طرف ثالث بالضمان لرأس المال شريطة أن يكون الطرف الثالث منفصلاً في شخصيته مستقلاً في ذمته المالية عن طرفي العقد وبدون مقابل، على أن يكون التزاماً مستقلاً عن عقد المضاربة. بمعنى أن قيامه بالوفاء بالتزامه ليس شرطاً في نفاذ العقد وترتب أحكامه عليه بين أطرافه، ومن ثم فليس لحملة الصكوك أو العامل في المضاربة الدفع ببطلان المضاربة أو الامتناع عن الوفاء بالتزاماتهم بها بسبب عدم قيام المتبرع بالوفاء بما تبرع به بحجة أن هذا الالتزام كان محل اعتبار في العقد. (3)
و كيفية حساب نفقات التأسيس ومن يتحملها:
إن تأسيس صندوق استثماري، أو إصدار استثماري يحتاج إلى تخطيط وتنظيم وهيكلة تمهيداً لطرح وحداته، وهذه المصروفات تسمى مصروفات أو نفقات التأسيس، وهي تصرف لمرة واحدة، وتشمل نفقات الترخيص والاستشارات ونحوها. وهي من التحضيرات اللازمة لقيام الصندوق أو الإصدار وتظهر آثارها الإيجابية في إنشائهما وعملهما وتؤثر في نفعها على جميع الأطراف؛ لأنها تمكن في النهاية من تحديد كيفية التعاقد وإطاره ومكانه وزمانه وموضوع النشاط وتنظيم العلاقات المختلفة بين الأطراف وبينها وبين الغير.
(1) المغني 5/191؛ والمبسوط 12/20؛ وتكملة المجموع 14/383؛ والمدونة 4/58؛ وقرار رقم 5 للدورة الرابعة لمجمع الفقه الإسلامي البند/4؛ وفتاوى ندوة البركة الأولى رقم 2، والخامسة رقم 2.
(2)
إعداد المنهج صـ 161.
(3)
القرار المشار إليه سابقاً
وتحمل هذه المصروفات على الصندوق؛ لأن مآلها لصالحه، ولأجله، فهي إما أن يطالب بها المشاركون عند الاكتتاب، وإما أن تحسم من صافي الأرباح التي تتحقق بعدئذ قبل التوزيع فيتحمل أثرها كل من المضارب وأرباب الأموال؛ لأن حسمها من الأرباح يعود بالنقص على الطرفين بنسبة ربح كل منهما. ويكون تقديرها بما صرف فعلاً سواء كان لتغطية جهود الغير أو جهود المضارب نفسه، أي بأجر المثل. وعلى هذا جاءت إحدى فتاوى الحلقة الفقهية الأولى إذ نصت على أنه " يجوز أن تحمل مصروفات إنشاء وتسويق الصناديق والأوعية الاستثمارية على مال المضاربة إذا تضمنتها نشرة الإصدار وكانت مصاريف فعلية محددة بمبلغ معين أو بحد أقصى يذكر في النشرة، فإذا لم تتضمنها نشرة الإصدار كانت هذه المصروفات على المضارب". (1)
مطالبة المنضمين للصندوق لاحقاً بمعادل نفقة تأسيس أو فرق قيمة الوحدة وأين توضع؟
إن المنضمين للصندوق بعد تأسيسه إن كان انضمامهم بالشراء ممن سبقهم فإنهم بدفع القيمة السوقية للوحدة قد تحملوا نصيباً مما حققته أعمال التأسيس من زيادة تلك القيمة، وشراؤهم بهذا التخارج بمثابة حلول محل المالك السابق للوحدة، فلا مسوغ لتحميلهم ما يعادل نفقة التأسيس. أما من ينضم للصندوق بعد التأسيس بالاكتتاب بالوحدات ابتداء، مما يتم إصداره في طرح جديد، بعد أن تكون نفقات التأسيس قد تم تحميلها للمكتتبين في الطرح الأول للوحدات فإنهم يتحملون معادل نفقة التأسيس، أو فرق قيمة الوحدة ما بين القيمة الاسمية والقيمة السوقية، وذلك للتسوية بين المكتتبين الجدد والمكتتبين القدامى، وتوضع المبالغ المتحصلة من معادل نفقة التأسيس وفرق قيمة الوحدة في احتياطي الصندوق، وبذلك يعود نفعها على جميع المكتتبين في الصندوق. (2)
توزيع المصروفات التشغيلية في الصناديق أو الإصدارات:
المصاريف التي تقتضيها الصناديق والإصدارات منها ما يقع عند التأسيس –وقد سبق الكلام عنها- ومنها ما يصرف خلال قيامها بأنشطتها، وفيما يلي بيانها بإيجاز:
من المقرر شرعاً أنه لا ربح إلا بعد استرداد رأس المال وتغطية المصارف، والأصل أن تحمل مصارف التشغيل على الوعاء الاستثماري (الصندوق أو الإصدار) فيكون عبئها على المشارك والمدير؛ لأنها تخرج من الأرباح فتنقص ما يصل إلى الطرفين من ربح وإذا لم يحصل ربح تحسم من رأس المال وهو شأن الخسارة. على أنه إذا كانت المصروفات متعلقة بالمضارب وذلك في كل عمل يجب عليه أن يقوم به فإنها تحمل حينئذ عليه في مقابل حصته من الربح، وهذه المصروفات هي التي تلزم لوضع الخطط ورسم السياسات واختيار مجالات الاستثمار واتخاذ القرارات الاستثمارية ومتابعة تنفيذها وحساب الأرباح والخسائر وتوزيعها، وتشمل مصروفات إدارات الاستثمار والأجهزة التي تعتمد قراراتها وإدارة المتابعة وإدارة المحاسبة. إلا إذا اقتضت طبيعة المضاربة الاستعانة بخبرات في المجالات السابقة التي تلزم المضارب والتي لم تكن متاحة في هيكله الوظيفي وقت الدخول في المضاربة فإن تكلفة هذه الخبرات تكون من وعاء المضاربة. (3)
(1) الحلقة الفقهية الأولى للبركة، رمضان 1412 هـ/ 1992 م؛ والأجوبة الشرعية في التطبيقات المصرفية.
(2)
الأجوبة الشرعية في التطبيقات المصرفية؛ ومحضر هيئة الفتاوى والرقابة الشرعية لشركة النخبة للاستثمارات الدولية.
(3)
المبسوط للسرخسي 22/64؛ والمغني 5/153؛ والقوانين الفقهية 280؛ وتكملة المجموع 15/152؛ وندوة البركة الرابعة الفتوى/1 والحلقة الفقهية الأولى للبركة الفتوى/2.
ح- اقتطاع الاحتياطي في الصندوق:
الاحتياطي هو جزء من الأرباح، وإذا رضي المضارب والمشاركون في الصندوق بإرجاء توزيع جزء من الربح وتخصيصه لمواجهة مخاطر الاستثمار جاز ذلك. ويتحقق الرضا بالقبول باقتطاعه من خلال الموافقة على لوائح الصندوق، فإذا كان ذلك الاحتياطي لمواجهة حالات الانخفاض في الأرباح عن مستوى معين، جاز أن يقتطع من الربح الإجمالي، لاستفادة المضارب وأرباب المال منه. وإذا كان لحماية رأس المال فإنه يقتطع من حصة أرباب المال في الربح دون حصة المضارب؛ لأنه للوقاية من الخسارة وهي على أرباب المال وحدهم إن وقعت. وقد جاء في ذلك قرار المجمع بشأن سندات المقارضة كما جاء في فتاوى الحلقة الفقهية الثانية للبركة بالتفصيل السابق. (1)
ط- التقويم في الصناديق (التنضيض الحكمي) :
بما أن نشاط الصندوق يستمر سنوات وتمر عليه دورات زمنية متعددة نظراً للطابع الجماعي في المستثمرين والمخارجة بينهم فإن التنضيض الحكمي هو الملائم لهذه الطبيعة وقد اعتبر بديلاً صحيحاً عن التنضيض الفعلي الذي لا يقع إلا عند نهاية مدة الصندوق بالتصفية لموجوداته.
وقد جاء في قرار المجمع بشأن سندات المقارضة أن مقدار الربح يعرف إما بالتنضيض أو بالتقويم للمشروع بالنقد. كما اشترطت فتاوى الحلقة الفقهية الثانية للبركة أن يتم التقويم وفقاً للمعايير المحاسبية المتاحة.
ي- توزيع الأرباح والخسائر في الصناديق أو الإصدارات:
لا بد أن تشتمل لوائح الصندوق أو نشرة الإصدار على كيفية توزيع الأرباح بين المضارب والمشاركين، ويجب أن تكون النسبة معلومة شائعة دون تحديد مبلغ مقطوع لأحد الطرفين أو منسوب إلى مبلغ المشاركة (إلا إذا كانت إدارة الصندوق تتم بطريقة الوكالة فيحدد أجر الوكيل بمبلغ مقطوع أو بنسبة من مبلغ المشاركة) . والربح على ما يتفق عليه الطرفان بأي معادلة كانت ما دام لا يقطع المشاركة في الربح، وأما الخسارة فهي على أرباب المال بمقدار حصصهم في رأس المال.
وتوزيع الربح إما أن يكون نهائيًّا فيشترط له التقويم الحكمي على ما سبق وإما أن يكون تحت الحساب فيعاد النظر فيه، وغالباً ما يكون ذلك في المضارات التي فيها أصول تدر دخلاً. وإذا بِيعَ الأصل بعدئذ بأقل من ثمن شرائه فإن هذا النقصان يجبر من الموزع تحت الحساب، وقد نص على ذلك قرار المجمع في سندات المقارضة وجاء في إحدى فتاوى ندوات البركة والحلقة الفقهية الأولى للبركة. (2)
(1) قرار المجمع رقم 5 للدورة الرابعة البند/8؛ وفتاوى الحلقة الفقهية الثانية للبركة فتوى رقم/2.
(2)
قرار المجمع رقم 5 للدورة الرابعة البند/7؛ وندوة البركة السادسة فتوى/9؛ والحلقة الفقهية الأولى للبركة فتوى/ 4.
ومستند التوزيع طبقاً للتنضيض الحكمي (التقويم) هو أن الرجوع للقيمة هو مبدأ شرعي في كثير من التطبيقات وإن التقويم الدقيق يؤدي إلى معرفة الربح كما لو تمت التصفية. وأما في حالة التوزيع تحت الحساب فهو يستند إلى مبدأ جبر الخسارة بين مراحل المضاربة في حال عدم القسمة النهائية (المفاصلة) . (1)
ك- تسويق الوحدات الاستثمارية في الصناديق أو الإصدارات:
إن الجهة المنشئة للصندوق أو الإصدار لكي توسع من دائرة تداول الوحدات الاستثمارية تستعين ببعض المؤسسات المالية للإسهام معها في تسويق تلك الوحدات، مما يؤدي إلى إبراز ورقة مالية إسلامية فيها إمكانية السيولة، بالإضافة إلى الربح والأمان. حيث تتولى تلك المؤسسات البحث عن الراغبين في استثمار أموالهم في الوحدات المطروحة من خلال عدة مهام تقوم بها في هذا المجال، بصفتها وكيلة عن الجهة المنشئة للصندوق أو الإصدار بعمولة ومتفق عليها هي أجر الوكالة. وهذه العمولة تحمل على الصندوق أو الإصدار باعتبارها من المصاريف المتعلقة بالمضاربة. وقد جاء النص على ذلك في الحلقة الفقهية الأولى للبركة. (2)
ل- إيجاد العمليات للصندوق أو الإصدار:
بالإضافة إلى الفرص الاستثمارية التي تعرض مباشرة على الجهة المنشئة للصندوق أو الإصدار فإنها تشجع بقية المؤسسات المالية على البحث عن عمليات مناسبة لإصدارها في صناديق استثمارية وطرحها للاكتتاب العام. وفي الغالب لا تنشأ العلاقة من تعاقد متزامن، بل من خلال إيجاب موجه إلى المؤسسات المالية للبحث عن عمليات استثمارية تتمثل في رغبات مستثمرين في شراء أو استئجار معدات أو غير ذلك من الصيغ الاستثمارية المشروعة، وتنطبق مواصفاتها مع الشروط المعلنة بشأن المبالغ والمدد والربح المتوقع والضمانات.
هذا، وإن الإيجاب الموجه هو شطر من عقد جعالة يكتمل بإنجاز المؤسسة المالية العمل المستهدف منها وعقد الجعالة هي اتفاق على إنجاز عمل مجهول لكنه مربوط بالنتيجة لقاء أجر معلوم، وهو مما أخذ به جمهور الفقهاء خلافاً للحنفية. (3)
ومن الجدير بالبيان أن تمكين الجهة المنشئة للصندوق أو الإصدار من الانتفاع بالعملية المعروضة مشروط بأن لا يكون محلها ديوناً فقط، كالمرابحات بعد إبرامها، ولكن من قبيل السلم الموازي والاستصناع الموازي، والتأجير (بامتلاك العين المؤجرة) . (4) كما يمكن تسويغ ذلك كله إذا سبق توكيل المؤسسة المالية العارضة للعملية ليكون تصرفها واقعاً منذ البداية لصالح الجهة المعروض عليها.
(1) المغني لابن قدامة 5/169، 176؛ ومغني المحتاج 2/318؛ والمبسوط 22/501.
(2)
الفتوى الأولى من فتاوى الحلقة الفقهية الأولى للبركة.
(3)
المغني 2/656؛ وبداية المجتهد 2/235؛ والفقه الإسلامي وأدلته 4/784.
(4)
الموسوعة الفقهية – الكويت 9/175؛ والفقه الإسلامي وأدلته 4/432؛ وبداية المجتهد 2/146؛ وغاية المنتهى 2/80.
م- التعهد بتغطية كامل رأس المال في الصناديق:
من المتبع عند إنشاء أو إصدار رغبة الجهة المنشئة في تأسيسها في وقت محدد وإدارتهما طبقاً للشروط المبينة في نشرة الاكتتاب، من أجل هذا تسعى إلى تأمين تغطية كاملة لرأس مال الصندوق أو الإصدار من قبل مؤسسة مالية أخرى مستعدة لذلك التعهد الذي يتطلب منها توفير السيولة وتستهدف منه الحصول على نصيب من الربح أو على أجر معين.
وبما أن التعهد الذي هو بمثابة ضمان لا يجوز تقاضي عمولة عنه فإن تنفيذ ذلك يتم من خلال عملية بيع من الجهة المنشئة للصندوق أو الإصدار لمكانتهما المشتملة على أعيان ومنافع وذلك بسعر أقل من القيمة الاسمية لتحقيق ربح للجهة المتعهدة بالتغطية، وبعد التملك من تلك الجهة تقوم توكيل الجهة المنشئة للصندوق أو الإصدار بالبيع والتسويق ولا يقع في هذه العملية أي اشتراط لعقد في عقد، وإنما تجري خطواتها تبعاً لتفاهم وإجراءات معهودة، فهناك عقد بيع تام ثم توكيل مستقل بإصدار سلة العمليات في صندوق استثماري وطرحه للاكتتاب العام وتسويقه بالسعر الاسمي. (1)
ن- أحكام التخارج في الصناديق أو الإصدارات:
التخارج: خروج الشريك عن ملكه إلى صاحبه بالبيع، والأصل فيه تصالح الورثة على إخراج بعضهم بشيء معلوم، أو إخراج الموصى له بشيء من التركة. ويختلف عن الصلح الذي هو أعم لشموله المصالحة في الميراث وغيره، كما يختلف عن القسمة التي يقع فيها أخذ جزء من المال المشترك نفسه في حين أن التخارج يؤخذ في شيء معلوم من التركة أو غيرها.
والتخارج مشروع؛ لأنه من قبيل الصلح، ويعتبر عقد بيع إن كان البدل المصالح عليه شيئاً من غير التركة، ويعتبر عقد قسمة ومبادلة إن كان البدل المصالح عليه من مال التركة، ويعتبر عقد هبة وإسقاطاً للبعض إن كان البدل المصالح عليه أقل من النصيب المستحق. ويصح التخارج لو كان محله مجهولاً عند الحنابلة، وكذلك الحنفية فيما لا يحتاج إلى قبض. لكن لا بد أن يكون البدل متقوماً معلوماً منتفعاً به مقدوراً على تسليمه، ويجب التقابض في المجلس فيما يعتبر صرفاً، كالتخارج عن أحد النقدين بالآخر، كما تراعى أحكام بيع الدين إذا كان للتركة دين على الغير. (2)
(1) لقد جاء في قرارات هيئة الفتوى والرقابة لشركة التوفيق للصناديق الاستثمارية وشركة الأمين للأوراق المالية بيان هذا التكييف الشرعي المبين أعلاه.
(2)
فتح القدير 7/375، 409؛ ابن عابدين 4/472؛ الدسوقي 3/309؛ البدائع ونهاية المحتاج 4/376؛ والمغني 4/542؛ وشرح منتهى الإرادات 2/262 (الموسوعة الفقهية – الكويت 11/3 –16) .
ومن هذه البيانات الأساسية عن التخارج يعرف أن مؤداه بيع المشارك حصته المتمثلة في عدد من الوحدات الاستثمارية إلى آخر سواء كان مشاركاً في الصندوق أو الإصدار أو من غير المشاركين. وقد نظمت أحكام التخارج من الصناديق والإصدارات عدة فتاوى في الحلقات الفقهية للبركة يجزئ الاكتفاء بها بالإضافة إلى ما جاء في قرار المجمع بشأن المقارضة الذي سبقت الإشارة إليه. (1)
ففي الحلقة الأولى، الفتوى (5) : يجوز شرعاً خروج صاحب حصة في صندوق استثماري، بالقيمة التي يعرضها الصندوق ويقبلها الخارج بصرف النظر عن الطريقة المحاسبية التي يصل إليها الصندوق في تقييم هذه الجهة.
وفي الحلقة الثالثة، الفتوى (2) : يجوز تخارج أحد العملاء أو أحد المصارف في التمويل المصرفي المجمع قبل تصفية العمليات بالقيمة التي يتفق عليها، إذا كانت النقود والديون قليلة بحيث تعتبر تابعة للأصول، وأما إذا كانت النقود والديون كثيرة بحيث لا تعتبر تابعة للأصول فلا يجوز التخارج إلا بمراعاة أحكام الصرف وأحكام بيع الديون.
وفي الحلقة الرابعة، الفتوى (8) : التخارج عبارة عن بيع حصة في أعيان مشتركة بالشيوع على سبيل التسامح في تكافؤ المبيع مع الثمن، وهو من قبيل الصلح، ومع أن الأصل تطبيقه في التركات فإن الحاجة تدعو إلى تطبيقه في الشركات، فيجوز التخارج بين الشركاء في الحسابات الاستثمارية أو الصناديق مع مراعاة الضوابط الشرعية المطلوبة في بيع النقود والديون، فإذا كانت الحصة المتخارج عنها تمثل أعياناً مع النقود والديون جاز التخارج عنها بأي بدل ولو بالأجل. (2)
س- أحكام الاسترداد أو التعهد بإعادة الشراء في الصناديق والإصدارات:
تقوم الجهة المنشئة للصندوق أو الإصدار عند طرحها للوحدات الاستثمارية بالتعهد بإعادة شرائها عند الطلب بالسعر الذي تقومها به في مواعيد دورية معينة، ويسمى هذا التعهد (الاسترداد) لما فيه من رد الوحدة إلى مصدرها وقد يحصل التعهد عن طريق مؤسسات مالية أخرى، وفي كلتا الحالتين يتطلب الاسترداد والتعهد بإعادة الشراء توفير السيولة عند الطلب مما يقتضي الحصول على ربح من العملية. كما أن هذا التعهد ملزم لمن صدر عنه طيلة الوقت المحدد له، أي خلال مدة الصندوق، وقد تحفُّ به شروط وضوابط لتحديد الظروف الملائمة له ورسم الأولويات عند زيادة الطلب على الاسترداد.
وقد أقر المجمع قيام الجهة المصدرة في فترات دورية معينة بإعلان أو إيجاب موجه إلى الجمهور تلتزم بمقتضاه خلال مدة محددة بشراء الصكوك بسعر معين مع الاستعانة في تحديد السعر بأهل الخبرة وفقاً لظروف السوق والمركز المالي، كما أقر الالتزام بهذا من غير الجهة المصدرة. وجاء في فتاوى ندوة البركة الثانية نحو هذا.
ولا مانع من وقوع الشراء بالقيمة السوقية وكذا الاسمية من غير أن يلتزم بها إذا كان التعهد من الجهة المصدرة، لئلا يترتب عليه ضمان الأصل مع الحصول على الربح، أما إن كان من جهة أخرى فيسوغ التعهد بالشراء بالقيمة الاسمية؛ لأنه من ضمان الطرف الثالث. (3)
الدكتور عبد الستار أبو غدة
(1) القرار رقم 5 للدورة الرابعة، العنصر الثالث في ضوابط التداول؛ والبند/3 في التداول باسترداد الجهة المصدرة أو إعادة الشراء من جهة أخرى.
(2)
الفتاوى الشرعية في الاقتصاد، ندوات وحلقات البركة.
(3)
قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 5 للدورة الرابعة، العنصر/3؛ والموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية 5/1/420؛ وعمل شركات الاستثمار الإسلامية في السوق العالمية 312؛ ومحضر الاجتماع الثاني لهيئة الفتوى والرقابة الشرعية لشركتي التوفيق والأمين، والأجوبة الشرعية 1/ فتوى 46.
أهم مراجع البحث
أولاً- من المراجع المتخصصة في الموضوع:
- أدوات الاستثمار في أسواق رأس المال، د. منير إبراهيم هندي، نشر المعهد العربي للدراسات المالية والمصرفية 1993.
- صناديق الاستثمار الإسلامية، إعداد عز الدين خوجه، مراجعة د. عبد الستار أبو غدة، نشر مجموعة دلة البركة 1993.
- الادخار والاستثمار، بيار وماري براديل، ترجمة نهاد رضا. ط. الأنوار بدمشق 1966.
- الاستثمار والتمويل، د. سيد الهواري، نشر مكتبة عين شمس 1982.
- الاستثمار الناجح في الأسهم، د. عيد مسعود الجهني.
- منهج الادخار والاستثمار في الاقتصاد الإسلامي د. رفعت السيد العوضي، نشر الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية 1980.
- عمل شركات الاستثمار الإسلامية في السوق العالمية د. أحمد محيي الدين، نشر بنك البركة الإسلامية للاستثمار – البحرين 1986.
- الأسهم والسندات من منظور إسلامي، د. عبد العزيز الخياط، نشر دار السلام بالقاهرة 1989.
- الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية ج 6 (الاستثمار) د. سيد الهواري، نشر الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية 1982.
- دليل المصطلحات الفقهية الاقتصادية، بيت التمويل الكويتي 1992.
- أدوات الاستثمار الإسلامي، إعداد عز الدين خوجة، مراجعة د. عبد الستار أبو غدة نشر مجموعة دلة البركة، 1992.
- الأجوبة الشرعية في التطبيقات المصرفية 1-2، د. عبد الستار أبو غدة، نشر مجموعة دلة البركة 1992- 1993.
- الفتاوى الشرعية في الاقتصاد، لندوات وحلقات البركة، نشر مجموعة دلة البركة 1995.
- دليل زكاة المشاركات في الصناديق والإصدارات، إعداد عز الدين خوجة، مراجعة د. عبد الستار أبو غدة، نشر مجموعة دلة البركة 1995 م.
- النشاط الاقتصادي في ضوء الشريعة. د. غريب الجمال، نشر دار الأمانة.
- الاستثمارات المالية الإسلامية، علي البدري أحمد الشرقاوي.
- أساسيات العمل المصرفي، الواقع والآفاق، د. عبد الحميد البعلي، 1990.
- المدخل لفقه البنوك الإسلامية، د. عبد الحميد البعلي، نشر المعهد الدولي للبنوك والاقتصاد الإسلامي 1983.
- ضوابط الإنتاج في الإسلام، د. عرفة المتولي سند، مجلة الدراسات، مركز صالح كامل بجامعة الأزهر.
- الأنشطة المصرفية وكمالها في السنة النبوية، د. حسن العناني.
- معجم مصطلحات الفقهاء، د. نزيه حماد، نشر المعهد العالمي للفكر الإسلامي 1992.
ثانياً- من المراجع الفقهية العامة:
- الموسوعة الفقهية، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - الكويت.
- موسوعة الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي. نشر دار الفكر.
- حاشية ابن عابدين.
- بداية المجتهد، لابن رشد (الحفيد) .
- بدائع الصنائع، للكاساني.
- المغني، لابن قدامة.
- شرح منتهى الإرادات، للبهوتي.
- مغني المحتاج، للخطيب الشربيني.
- نهاية المحتاج، للرملي.
- المدونة، لسحنون.
- الشرح الصغير للدردير وحاشية الصاوي.
- المهذب، للشيرازي.
- الأموال، لأبي عبيد.
- إعداد المهج شرح المنهج (منظومة الزقاق) .
- المجموع شرح المهذب، وتكملته.
- القوانين الفقهية، لابن جزي.
- المبسوط للسرخسي.
- غاية المنتهى.
- الدسوقي علي الدردير شرح مختصر خليل.
ثالثاً – من المراجع الأخرى:
- تفسير الكشاف، وتفسير القرطبي.
- جمع الفوائد في الجمع بين جامع الأصول ومجمع الزوائد للروداني.
- لسان العرب، والمعجم الوسيط، وقاموس المورد، دار العلم للملايين 1970.
المناقشة
بسم الله الرحمن الرحيم
الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثمارية
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
موضوع هذه الجلسة المسائية المباركة –بإذن الله تعالى- هو الموضوع الرابع (الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثمارية) ، والعارض هو فضيلة الشيخ علي محيي الدين القره داغي، والمقرر هو الأستاذ منذر قحف.
الدكتور علي محيي الدين القره داغي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين. وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه إلى يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم،
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واجعل يومنا هذا خيراً من أمسنا، وغدنا خيراً من يومنا، واقبلنا في عبادك المخلصين يا رب العالمين.
أيها الأستاذة الأجلاء، أحييكم بتحية الإسلام فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
موضوعنا في هذه الجلسة موضوع اقتصادي معاصر حديث، ألا وهو موضوع (الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثمارية)، والبحوث المقدمة ثلاثة بحوث لثلاثة باحثين هم:
فضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة، وسعادة الدكتور منذر قحف، والفقير إلى الله –سبحانه وتعالى علي القره داغي. وأنا ألخص هذه البحوث الثلاثة وما يتضمنها من آراء بكل دقة وأمانة –إن شاء الله- ثم نعرض الأمر على المجمع الموقر ليرى فيه الأصلح والأنسب الذي لا يتعارض مع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
تناولت البحوث الثلاثة تعريف الاستثمار وهو استخدام الأموال في الإنتاج إما مباشرة بشراء الآلات والمواد الأولية، وإما بطريق غير مباشر كشراء الأسهم والسندات.
وقد توسع الأستاذ الدكتور عبد الستار أبو غدة في تعريف الاستثمار فذكر الاستخدامات المختلفة لمفهوم الاستثمار منها: الاستثمار بمعنى توظيف للنقود لأي أجل أو لأجل طويل نسبيًّا، أو في أوراق مالية ومنها الاستثمار بمعنى الإنفاق الرأسمالي وغير ذلك. كما قام الأخ الدكتور منذر قحف بتعريف الادخار –أيضاً- فقال: إن الادخار هو عزل جزء من الدخل عن الاستهلاك، أو هو امتناع عن الاستهلاك.
وقد تطرق بحثي مع بحث فضيلة الدكتور عبد الستار إلى حكم الاستثمار التكليفي ولكنهما اختلفا. فذهب الدكتور عبد الستار إلى أن الاستثمار يكون واجباً إذا كان هو الوسيلة لنمو ماله للوفاء بحاجة الإنسان ومن يعيلهم، وأما الاستثمار بمعناه العرفي الشائع –أي تنمية المال - حكمه الإباحة عنده أو الندب. في حين ذهبت إلى اختيار القول: بأن الاستثمار في مجموعه واجب، أو بعبارة الفقهاء إنه من فروض الكفايات، فقد لاحظت متطلبات الأمة أيضاً مع الفرد كما لاحظ فضيلة الدكتور متطلبات الفرد فقط. ومعنى كلامي: أن وجوب الاستثمار ليس متعيناً في حد ذاته إلا إذا كان هو الوسيلة للوفاء بقضاء حاجياته والتزاماته؛ وذلك لأن النصوص الشرعية من الكتاب والسنة تدل على أهمية المال وتقديمه على الأنفس في أكثر من آية، وجعلت هذه النصوص المال قياماً للمجتمع {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا} [النساء: 5] ، والقيام كما يقول اللغويون أي أن الأمة لا تقوم إلا بالمال ولا تنهض ولا تتحرك إلا بالمال، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كما أن قوله تعالى في هذه الآية:{وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا} [النساء: 5] حيث استعمل لفظ (فيها) ولم يقل (منها) يدل بوضوح –كما قال بعض المفسرين – على وجوب الاستثمار، حيث يدل على أن تكون نفقة هؤلاء في هذه الأموال في الأرباح المحصلة من الاستثمار وليست من رؤوس الأموال نفسها.
قال الإمام الرازي: اعلم أنه تعالى أمر المكلفين في مواضع من كتابه بحفظ الأموال وذكر مجموعة من الآيات، ثم قال: والعقل يؤيد ذلك؛ لأن الإنسان ما لم يكن فارغ البال لا يمكنه القيام بتحصيل مصالح الدنيا والآخرة، ولا يكون فارغ البال إلا بواسطة المال. ثم قال: وإنما قال: (فيها) ولم يقل: (منها) لئلا يكون ذلك أمراً بأن يجعلوا أموالهم رزقاً لهم، بل أمرهم أن يجعلوا أموالهم مكانًا لرزقهم بأن يتحروا فيها ويثمروها فيجعلوا أرزاقهم من الأرباح، لا من أصول الأموال. انتهى كلام الإمام الرازي.
ويدل على ذلك الحديث الثابت الذي رواه الشافعي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ابتغوا في مال اليتيم)) وفي رواية: ((في أموال اليتامى)) – ((لا تذهبها)) - وفي رواية أخرى ((لا تستهلكها الصدقة)) قال البيهقي والنووي: إسناده صحيح ولكنه مرسل معضد بعموم النصوص الأخرى، وكذلك بما صح عن الصحابة من إيجاب الزكاة في مال اليتيم. ورواه الطبراني بسند متصل عن أنس بلفظ:((اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة)) ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: قال شيخي وسندي الحافظ العراقي: إن إسناده صحيح.
إضافة إلى آيات وأحاديث أخرى ذكرتها في البحث. كما يدل على الوجوب الكفائي قوله تعالى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7] . في حين أن فضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة رد على بعض أدلة الوجوب كما هو في البحث.
ثم تناولت البحوث الثلاثة المعالم والضوابط الأساسية للمنهج الإسلامي في الاستثمار. فذكر فضيلة الدكتور قحف المنهج الإسلامي في الاستثمار مبيناً أن الإسلام إذ يشجع على الاستثمار ويؤكد على التربية الروحية والنفسية والأخلاقية التي تزيد في كفاءة الإنسان وقدرته الإنتاجية فلا يكون كلًّا عاجزاً بل يضع ضوابط للاستثمار حيث يحرم الاستثمار في إنتاج الخبائث، كما يحرم استعمال الأساليب المحرمة كالرشوة والكذب والغش، إضافة إلى حرمة الإسراف والإتلاف وإضاعة الموارد، كما أن المنهج الإسلامي في الاستثمار بعيد عن العبث، كما أنه مرتبط بالآثار الجانبية للاستثمار.
وأما بحث فضيلة الدكتور عبد الستار، وكذلك بحثي، فقد ذكرا الضوابط من حيث إن منهج الاستثمار مرتبط بالجانب العقدي، أي أن هنالك التزاماً عقائديًّا لا ينفصل عنه الاستثمار، حيث إن العقيدة الإسلامية هي المهيمنة على الفكر الاقتصادي الإسلامي، وفي منهج الاستثمار وفي أدواته ووسائله وآلياته. فالمسلم يعتقد أن المال مال الله، وأنه مستخلف فيه، ولذلك عليه أن يسير على ضوء منهج الله تعالى في تعمير الكون، فقال تعالى:{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} [هود: 61]، حيث طالبهم بالعبادة لله وتوحيده توحيداً مطلقاً في:
أولاً: بين أن الذي أمرهم بالوحدانية هو الذي أمرهم باستعمار الأرض وتعميرها وهو ذلك الإله الواحد القهار، ثم طلب منهم الاستغفار والتوبة إليه. ولأجل هذا الربط العقائدي يجيب الله –سبحانه وتعالى في مسألة الربا بهذا الجواب فيقول:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ، فربط الله –سبحانه وتعالى المسألة بتحليل الله –سبحانه وتعالى وتحريمه، ولم يبين الفرق بين البيع وبين الربا رغم أن الفرق واضح جدًّا وإنما أسند الأمر إلى الله {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] فمن كان مؤمناً يحل البيع ويحرم الربا مهما كانت الظروف وكيف كانت هناك تظهر مصالح موهومة عند بعض الناس. فربط المسألة إذن ربطاً عقائديًّا محكماً، ولأجل هذه العقيدة يتيقن المؤمن أن الربا الذي في ظاهره الزيادة أنه محق للبركة، وأن الصدقة التي هي نقص أنها زيادة، {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} هذا هو المعلم الأول الأساسي لمنهج الإسلام في الاستثمار.
ثانياً: ومن أهم معالم المنهج الإسلامي في الاستثمار قيامه على القيم والأخلاق والمبادئ من العدالة وعدم الظلم والغش والكذب ونحوها. ومن معالمه أيضاً قيامه على التنافس الشريف وإتاحة الفرصة للجميع لكن مع حماية الضعفاء بإعطائهم حق الخيار، ولذلك كانت حماية السوق منوطة بسلطة شعبية تتمثل في نظام الحسبة والرقابة الذاتية والشعبية. أيضاً، ومن هذه المعالم ضبط الصراع الاجتماعي وكذلك تحقيق التنمية وتوجيه وتخطيط الاستثمار من خلال عدة وسائل معينة.
وبعد هذه المقدمات الممهدات دخلت البحوث الثلاثة في عالم الأسواق المالية، كل بطريقته، حيث إن الاستثمار في الأسواق المالية يتم عن طريق شراء وبيع أوراق وحقوق مالية، ويكون العائد فيها ناشئاً إما عن ارتفاع سعر الورقة أو الحق في السوق، وإما عن ما يترتب على تملكها من إيرادات. وأما الخسارة فهي كذلك بسبب هبوط السعر أو خسارة الشركة نفسها. وأما أنواع الأوراق والحقوق المتداولة فهي كثيرة فمنها: الأسهم والسندات، وحصص صناديق الاستثمار المتخصصة، وصكوك العقارات المؤجرة، إضافة إلى الأوراق التي تمثل حقوقاً مالية محددة مثل شهادة حق شراء السهم، والاختيارات، وأسهم التمتع، وكذلك أوراق تمثل مديونية محضة مثل سندات الحكومة والشركات وسندات الخدمات وغيرها. وقد توسع سعادة الدكتور منذر في هذه المجالات بينما انحصر بحثي وبحث فضيلة الدكتور عبد الستار على موضوع الأسهم والوحدات الاستثمارية. وموضوع البحث هو الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثمارية.
أما الأسهم فهي جمع سهم، وهو صك يمثل جزءاً من رأس مال الشركة يزيد وينقص تبع رواجها، أو هو نصيب المساهم في شركة الأموال. وقد ذكرت البحوث الثلاثة التفاصيل حول مميزات الأسهم، وخصائصها، وأنواعها، من سهم نقدي وسهم عينين، والسهم الممتاز، وغير ذلك لا نذكرها حيث إن أساس البحث ليس في هذه الموضوعات.
كما أن بحث الدكتور علي القره داغي أثار بعض الملاحظات من المانعين لفكرة الأسهم مطلقاً لا داعي لذكرها أيضاً بعد صدور قرار مجمعنا الموقر في دورته السابعة بإباحة الشركات المساهمة من حيث المبدأ؛ لأن موضوع البحث أيضاً في الاستثمار في الأسهم وكيفية الاستثمار فيها، وفي الاستثمار في الوحدات الاستثمارية. وقد ذكر بحث الدكتور منذر قحف –حفظه الله- كيفية الاستثمار في الأوراق المالية والوحدات الاستثمارية، في حين اقتصر بحث فضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة، وعلي القرة داغي على كيفية الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثمارية. وأما كيفية الاستثمار في الأسهم فتتم عن طريق شرائها من خلال الأسواق أو غيرها، ثم التربص انتظاراً للحصول على عوائدها وارتفاع أسعارها لبيعها بالسعر الأعلى. فشراء الأسهم قد يكون لأجل الحصول على الربح الموزع على المساهمين، وقد يكون للحصول على فرق الأسعار، بل الاستثمار في الأسهم يستهدف إلى تحقيق هدفين معاً هما: الزيادة من خلال الدورة الناتجة من نشاط الشركة، وكذلك الارتفاع في قيمة الأسهم السوقية.
ومما أكد عليه بعض البحوث أن الأسهم إذا كانت تمثل النقود أو أن الشركة لم تبدأ بالعمل لا بد أن تطبق عليها قواعد التصرف المعروفة. وذكر الدكتور منذر أنه في أسهم الصناديق التبادلية والصناديق الاستثمارية المغلقة التي يتم تداولها في الأسواق يكون الاسترباح بارتفاع سعر السهم فقط؛ لأن هذه الصناديق لا توزع أرباحاً وإنما ترتفع قيمة السهم لارتفاع قيمة محفظتها، وتنخفض بانخفاضها. وقد ذكر الدكتور منذر في القسم الثالث القضايا الشرعية التي يثيرها الاستثمار فذكر قرارات وفتاوى بهذا الصدد.
ثم الاستثمار في الأسهم كما أنه قد يكون عن طريق الشركات نفسها وقد يكون عن طريق الأسواق بما فيها من بيع آجل وعاجل واختيارات ونحوها، وقد صدرت في ذلك قرارات طيبة من مجمعنا الموقر لذلك نذكر أهم هذه القرارات المتعلقة بموضوع الاستثمار ومتعلقاته للتذكير.
فمن هذه الفتاوى في الزيادة أو الفائدة مقابل تأجيل دين حل –أو على القرض - منذ بداية العقد ربا محرم شرعاً. كذلك ذكرت هذه القرارات وجوب الزكاة في الأسهم على أصحابها، وتحدثت هذه القرارات الصادرة من مجمعنا الموقر أن أسهم المقارضة جائزة بشروطها الشرعية التي ذكرها قرار المجمع قرار رقم 5، دورة المؤتمر الرابع، وهو: يجوز تداول أسهم المقارضة إذا غلبت الأعيان والمنافع على مال القراض فإن غلبت النقود أو الديون كان التداول حسب الأحكام الشرعية التي تراعي الشروط الشرعية لتداول النقود أو الديون.
لا يجوز ضمان المضارب لرأس مال المضاربة أو ربحه.
تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مشروعة وذات مسؤولية محددة أمر جائز، ويحرم الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرم والأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحياناً بالمحرمات كالربا، بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة.
لا مانع شرعاً من إصدار أسهم للحامل وتداولها.
لا يجوز إصدار أسهم ممتازة لها خصائص مالية تؤدي إلى ضمان رأس المال أو ضمان قدر من الربح أو تقديمها عند التصفية أو عند توزيع الأرباح، ويجوز إعطاء بعض الأسهم خصائص تتعلق بالأمور الإجرائية أو الإدارية.
أيضاً قرار آخر: يجوز بيع السهم أو رهنه بشروطه.
قرار آخر: عقود الاختيارات غير جائزة؛ لأن المعقود عليه ليس مالاً ولا منفعة ولا حقًّا ماليًّا يجوز الاعتياض عنه. إن حسم الأوراق التجارية غير جائزة شرعاً؛ لأنه يؤول إلى ربا النسيئة المحرم.
بعض هذه القرارات الصادرة بخصوص الأسهم موضوع بحثناه ثم إن المنهج الإسلامي في الاستثمار هو أن يكون الاستثمار بقصد الاسترباح من إنتاج الطيبات والمنافع، ولذلك لا مكان للمجازفات والمقامرة في الاستثمار الإسلامي كما يحدث في البورصة الحالية من اختيارات وعقود مستقبلية تباع العقود نفسها حتى صار الوهم –كما يقول الدكتور منذر – هو العامل الرئيسي في تغييرات أسعار الأسهم، حيث تربح أو تخسر آلاف الملايين في ساعات قلائل، كما صارت الكميات التي يتم بيعها وشراؤها في سوق الأسهم يوميًّا تفوق في أحيان كثيرة أعداد الأسهم التي تشكل رساميل الشركات المسجلة في البورصة. فلا شك –أيها الإخوة الأجلاء- أن هذه المجازفات على أسعار الأسهم لا تتفق مع المنهج الإسلامي في الاستثمار، وبالتالي لا بد من وضع قيود على أسواق الأسهم إذا أجزنا الاستثمار في الأسهم في الأسواق حيث تقتصر المبايعات على الجدية والمعاملة الحقيقية، وذلك من خلال فرض قيود على البيع مثل اشتراط التسجيل ونحوه وتقليل حجم الائتمان الذي ينصرف لتمويل شراء الأسهم، وعدم السماح بإعطاء أسعار للأسهم في السوق إلا بصورة دورية عقب نشر البيانات المالية الدورية عن الشركة، وغير ذلك من الإجراءات التي تهدف إلى اقتصار التعامل على الراغبين بالدخول في ذلك الميدان من ميادين إنتاج الطيبات والمنافع أو الخروج منها.
وبعد ذلك ننتقل إلى موضوع يعتبر موضوعاً في غاية من الأهمية وهو حكم الاستثمار في أسهم الشركات مع ملاحظة أنشطتها. يكاد يكون من المتفق عليه من الجميع اليوم أنه تجوز المساهمة في الشركات التي يكون نشاطها حلالاً وينص نظامها الأساسي على الالتزام بأحكام الشريعة الغراء كما هو الشأن في البنوك الإسلامية، أو أن هذه الشركات حصل التوافق بين تصرفاتها وبين قواعد الشريعة ولم يصدر منها مخالفات معروفة وإن لم يكن هناك نص في نظامها الأساسي. فالاتجار أو المساهمة أو الاستثمار في أسهم هذه الشركات من المتفق عليه أن الاستثمار فيها جائز. وكذلك من المتفق عليه أنه يحرم الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرم كالبنوك الربوية والشركات التي يكون نشاطها التعامل بالمحرمات كالخنزير والخمر ونحوهما. وبهذين الأمرين صدر قرار من مجمع الفقه الموقر كما تلوته على مسامعكم الكريمة قبل قليل.
ولكن الذي ثار فيه الخلاف الكبير هو المساهمة في الشركات التي غرضها الأساسي حلال، ومعظم موجوداتها حلال، ولكن في موجوداتها ما هو حرام، أو أنها قد تودع أو تقترض بالربا مع أن النشاط الجزئي المحرم ليس هدف الشركة، فما الحكم في الاستثمار في أسهمها بالبيع والراء والمساهمة؟ ففي الواقع أن بحث الدكتور منذر اكتفى بإثارة عدة أسئلة مهمة ثم ألقى بالكرة في مرمى الفقهاء وفي مرمى المجمع ليجيب عنها المجمع الموقر، ولأهمية أسئلته نذكر بعضها وهي: هل لنية المستثمر من تأثير في الحكم الشرعي؟ وهنا يمكن النظر إلى عدد من الحالات منها:
أ- أن يشتري أسهماً في شركة تتعامل بالربا بنية تحويلها إلى مؤسسة إسلامية لا تتعامل بالحرام مطلقاً مع القدرة على ذلك عند المساهمة، أو مع توقع القدرة على ذلك بعد مرور وقت معين، أو بدون توقع القدرة على التحويل مع بقاء نيته.
ب- أن يساهم في شركة نشاطها الأساسي من المباحات، ولكنه يختلط بالحرام لأسباب اجتماعية أو اقتصادية أو قانونية أحياناً، نحو إنشاء مسابح أو دور للرياضة في بلد لا يسمح بفصل النساء عن الرجال، أو أن الفصل يؤدي إلى فشل المشروع من الناحية الاقتصادية. وذلك بقصد التعرف على هذا الفن ومعرفة هذه الصناعة من أجل إقامة مثيل لها يخلو من الحرام، ونحو ذلك أن ينتج أفلاماً سينمائية فيها بعض المناظر والأفكار المحرمة بقصد تعلم هذه المهنة ومعرفة خباياها من أجل إنتاج أفلام سينمائية ليس فيها من المحرمات شيء.
ج- أن يساهم في شركة نشاطها الأساسي مباح ولكنه يختلط بالحرام من أجل مخاطبة جمهور من المستهلكين بقصد دعوتهم إلى الإسلام مثل الإذاعة التي تذيع بعض البرامج الفاسدة بقصد إسماع من يتعشقون هذه البرامج شيئاً من النصح والموعظة الحسنة للتدرج بهم على طريق الخير.
هل لظروف الاستثمار من تأثير في الحكم الشرعي؟ هنا أيضاً يمكن تمييز عدد من الحالات:
أ- استثمار الأموال السائلة لدى الفرد المسلم أو المؤسسة الإسلامية لفترة قصيرة من الزمن دون قصد المساهمة في الشركة أو إدارتها لوقت طويل، فالمسلم لا يستطيع استعمال الأموال السائلة المتوافرة لديه في جميع أنواع السندات لحرمة الربا وعند الاختيار بين الأسهم يحتاج إلى اختيار أسهم الشركات القوية الكبيرة، وهكذا.
ب- في عدد من البلدان الإسلامية يسيطر الأجانب وغيرهم من غير المسلمين على معظم الأنشطة الاقتصادية، وإذا ابتعد المسلمون عن المساهمة في الشركات التي تتعامل أحياناً بالربا ستزداد هذه السيطرة وسيصعب كسر هذه الحلقة حول الاقتصاد الوطني. وإن مساهمة المسلمين في الشركات القائمة هي خطوة مهمة جدًّا في سبيل استعادتهم لملكية وإدارة الاقتصاد وعدم تركه في أيدي غير المسلمين، أو على الأقل في سبيل تحقيق حصة لهم في الاقتصاد الوطني تتناسب مع نسبتهم في مجموع السكان كأكثرية إسلامية.
ج- المسلمون والمؤسسات الإسلامية الموجودون في البلدان غير الإسلامية وبخاصة البلدان الغربية لا يجدون في بيئاتهم سوى الشركات التي تتعامل أحياناً بالربا للاستثمار في أسهمها، فلا تكاد توجد في تلك المجتمعات شركات لا تتعامل بالربا وإن وجدت فيستحيل على جميع المسلمين الراغبين في الاستثمار التعرف عليها والاستثمار فيها، فهل لهم الحق في الاستثمار في مثل هذه الأمور؟
وقد أولى بحث فضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة، وبحث الفقير إلى الله –سبحانه وتعالى هذا الموضوع أهمية كبرى وأوليت بحثي بجوانب تأصيلية وأدلة ربما لم يرد الخوض فيها فضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة. وهذه أيضاً خلاصة البحثين.
ولتشابك هذا الموضوع وخطورته وأهميته –أيها الأساتذة الأجلاء- قد بحث هذا الموضوع في عدة ندوات ومؤتمرات، ويكفي للدلالة على ذلك أن مجمعنا الموقر قد عقد لأجله ندوتين وبحثه في ثلاث دورات، ناهيك عن الندوات الفقهية الأخرى كندوات البركة وهيئات الرقابة الشرعية في أكثر من بنك. فقد جاء في الندوة المشتركة بين مجمع الفقه الإسلامي والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب عام 1993 م، جاء: أن الإسهام في الشركات التي تتعامل بالربا بقصد إصلاح أوضاعها بما يتفق مع الشريعة الإسلامية من القادرين على التغيير أمر مشروع على أن يتم ذلك في أقرب وقت ممكن. جاء مثل ذلك في فتاوى الندوة السادسة للبركة عام 1989 م، حيث نصت فتاوى هذه الندوة على مشروعية الإقدام على شراء أسهم الشركات مهما كان غرضها الأصلي لقصد أسلمة معاملاتها، بل اعتبر ذلك مطلوباً لما فيه من زيادة مجالات الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية الغراء. وقد ذكر فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع –حفظه الله- في بحثه القيم الذي لم يطرح في هذه الدورة ولكني رأيته منذ فترة حول هذا الموضوع أن الشيخ صالح كامل قد استطاع أن يحول أكثر من خمس وخمسين شركة غير إسلامية إلى شركات إسلامية من خلال دخوله في هذه الشركات حيث ذكر كذلك فضيلة الشيخ – حفظه الله- عدة مبادئ وأدلة قيمة حول هذا الموضوع استفدنا منها –للعلم أقول- في بحثنا المعروض على أصحاب الفضيلة.
يقول فضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة: وأول ما تجب مراعاته هو الغرض الأصلي من الشركة، فإن كان غرض الشركة الأصلي حراماً مثل البنوك الربوية وشركات التأمين التقليدية وشركات إنتاج الخمور ولحم الخنزير ومشتقاتها، وشركات إدارات صالات القمار ودور الخلاعة نحوها، فهذه لا يجوز تملك أسهمها ولا تداولها ببيع أو شراء أو وساطة، وإن كان غرض الشركة الأصلي مباحاً مثل شركات التجارة في المباحات أو صناعتها أو زراعتها أو تسويقها أو الخدمات المتعلقة بذلك فهذه الشركات تختلف حكمها عما كان غرضها الأصلي حراماً. وإن كان يقع من هذه الشركات الاقتراض من البنوك الربوية أو الإيداع لديها بالفائدة. ومن هنا فلا ينبغي أن يسوغ بينها وبين الشركات التي غرضها الأصلي المراباة، أو التأمين التجاري، أو مزاولة الأنشطة المحرمة؛ لأن محل تصرف تلك الشركات غير مشروع أصلاً. أما الشركات ذات الغرض المباح التي تودع أو التي تقترض بالربا فإن محل التصرف فيها معتبر شرعاً وهو التجارة في المباحات لكن وقع منها تصرف جانبي دخيل على غرضها وهو الإيداع أو الاقتراض بفائدة، وهو قابل للفصل عن أنشطتها بإلغاء الاتفاق الربوي أو إبطال آثاره، وتصحيح نتائجه بالتخلص من عائد تلك الملابسات المحرمة. وقد صرح بعض الفقهاء بالتفرقة بين المتاجرة بالخمر وبين التعامل بالربا حيث أثارهما، حيث تعلق الحكم برأس المال والربح في المتاجرة بالخمر، وبالربح –الفائدة فقط- في التعامل بالربا، كما ذكر في ذلك مرجعاً وهو شرحا الزرقاني لمختصر خليل.
إن هذه الشركات التي غرضها الأساسي مشروع والمحل الأصلي للتصرف فيها معتبر شرعاً ولكن وقعت فيها تصرفات جانبية هي الإيداع أو الاقتراض بفائدة يجوز الإسهام فيها حسب ما انتهى إليه عدد غفير من الفقهاء المعاصرين وكثير من هيئات الفتوى في المؤسسات المالية وخارجها. وهذا يكشف عن إدراك الطبيعة الخاصة للشركات المساهمة وتمييز الفرق بين ما غرضه الأصلي محرم وبين ما غرضه الأصلي مباح مع التصرف الجانبي المحرم، ولا بد من الإشارة إلى الخلاف الواقع في هذا النوع الأخير إلى درجة إرجاء البت فيه وبقائه معلقاً على جدول دورات مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة فقد جاء في توصيات ندوة الأسواق المالية بالرباط التي أقامها مجمع الفقه الإسلامي بالتعاون مع البنك الإسلامي للتنمية: إن تملك أسهم الشركات التي يكون غرضها التعامل والصناعات المحرمة والمتاجرة بالمواد الحرام غير جائز شرعاً، ولو كان ذلك التملك عابراً ولفترة لا تسمح بتحقيق الأرباح الناتجة عن ذلك النشاط. أما تملك أو تداول أسهم الشركات التي غرضها الأساسي حلال، لكنها تتعامل أحياناً بالربا باقتراض الأموال أو إيداعها بفائدة فإنه جائز نظراً لمشروعية غرضها مع حرمة الإقراض والاقتراض الربوي ووجوب تغيير ذلك والإنكار والاعتراض على القائم به. ويجب على المساهم عند أخذ ريع السهم التخلص عما يظن أنه يعادل ما نشأ من التعامل بالفائدة لصرفه في وجوه الخير.
والمبرر الفقهي لذلك عدة أدلة في نظري قد تكون أدلة، وفي نظر البعض قد لا تكون ذلك، ونحن نعرض هذه المسائل –إن شاء الله- لينكشف الحق –بإذن الله تعالى- أو لينكشف ما هو الظاهر والراجح ولا نريد من ذلك فرض رأي أبداً على شخص ولا على أي جهة. نعتقد أن هناك أدلة عامة منها: رعاية الضرورة، ورعاية الحاجة، ورعاية مقاصد الشريعة في أسلمة هذه الشركات التي هي العمود الفقري ولو ترك المسلمون الطيبون المساهمة فيها لأصبحت هذه الشركات يمتلكها الفسقة والفجرة وغير المسلمين، ولا سيما في وقتنا الحاضر التي لا تخلو هذه الشركات والتي تسمى بالشركات الوطنية القومية التي تمسك بالعمود الفقري لاقتصادنا الوطني هذه الشركات في معظمها لا تخلو من هذه الشبهات أو من بعض المحرمات، فلو تركها المسلمون الطيبون لأصبحت هذه الشركات الأساسية ملكاً لهؤلاء، بل يجب علينا أن نبحث وأن نبذل كل جهدنا لأسلمة هذه الشركات ولكن كيف نحن نؤسلمها ونحن نكون خارجين عن نطاق هذه الشركات؟ ولأجل أيضاً كذلك رعاية العرف والحاجة أجاز فقهاء الحنفية بيع الوفاء، ويقول السيوطي وابن نجيم: إن الحاجة تنزل منزلة الضرورة. وأيضاً من جانب آخر خلاصة هذا الرأي تقوم على التفرقة بين المباشر للحرام المتمثل في مجلس الإدارة، هؤلاء الإداريون ومجلس الإدارة آثمون ولكن هناك فرقاً بين هؤلاء المباشرين للحرام وبين المساهمين الذي هم غير راضين عن ذلك أو بعبارة أخرى أن هؤلاء الوكلاء يرتكبون محرمات دون رضا المساهمين.
وأيضاً من جانب آخر إن هذه الأموال ما هي إلا أموال مختلفة معظمها حلال وبعضها حرام، وشراء سهم من هذه الأموال كأنك تعاملت مع شخص معظم أمواله حلال وبعض أمواله حرام، وهذا جائز عند المذاهب الأربعة وإليكم إذا سمح المجال بعض النقول من المذاهب الأربعة:
أولاً: اختلاط جزء محرم لا يجعل مجموع المال محرماً عن الكثيرين، حيث أجازوا في المال الحلال المختلط بقليل من الحرام التصرفات الشرعية من التملك والأكل والبيع والشراء ونحوها، غير أن الفقهاء فرقوا بين ما هو محرم لذاته وما هو محرم لغيره كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الحرام نوعان، ولا أود أن أذكر النصوص؛ لأنها موجودة في بحثي.
ثانياً: قاعدة فقهية معتبرة (يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً) وقد ذكرنا هذه القاعدة مع دليلها من السنة الصحيحة المتفق عليها في بداية بحثي.
وعلى ضوء ذلك فهذا النوع من الأسهم وإن كان فيه نسبة بسيطة من الحرام لكنها جاءت تبعاً، وليست أصلاً مقصوداً بالتملك، والتصرف، فما دامت أغراض الشركة مباحة وهي أنشئت لأجل مزاولة نشاطات مباحة، غير أنها قد تدفعها السيولة أو نحوها إلى إيداع بعض أموالها في البنوك الربوية أو الاقتراض منها.
فهذا العمل بلا شك عمل محرم يؤثم فاعله – مجلس الإدارة - لكنه لا يجعل بقية الأموال والتصرفات المباحة الأخرى محرمة وهو أيضاً عمل تبعي وليس هو الأصل الغالب الذي لأجله أنشئت الشركة.
ثالثاً: قاعدة (للأكثر حكم الكل) ، وقد ذكرنا فيما سبق نصوص الفقهاء.
أكتفي بهذا القدر بخصوص الاستثمار في الشركات التي قد تتعامل بالحرام.
ننتقل بعد ذلك إلى الموضوع الثاني وهو: (الاستثمار في الصناديق والوحدات الاستثمارية) . بخصوص أحكام الاستثمار في الصناديق والوحدات الاستثمارية كما هناك قاعدة فقهية (الحكم على الشيء فرع من تصوره)، ولذلك لا بد أن نعرف الصناديق الاستثمارية فالمراد بالصناديق الاستثمارية هي: صندوق الاستثمار هو وعاء للاستثمار –كما عرفه فضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة وكذلك الدكتور منذر- له ذمة مالية مستقلة يهدف إلى تجميع الأموال واستثمارها في مجالات محددة. وتدير الصندوق عادة شركة استثمار تمتلك تشكيلة من الأوراق المالية وذلك من خلال قيام جهة تسمى (الكفيل) بشراء تشكيلة من الأوراق المالية 0السندات) غالباً أو العمليات بالنسبة للصناديق الإسلامية: التأجير، المرابحات، الاستصناع، السلم الموازي، وتقوم هذه الشركة بجانب جهة الإصدار التي ينتهي دورها ببناء التشكيلة جهات أخرى لكل منها دور خاص، فهناك الأمين الذي يتولى إصدار الشهادات مع الجهة التي تتعهد بتغطية الإصدار، وكذلك، هناك الجهة التي تقوم بالاسترداد والتعهد بإعادة الشراء فضلاً عن الجهة التي تقوم بالتسويق. ولذلك من أجل هذا التعدد الذي يجعل الشكل القانوني لتلك الجهات المختلفة اتحاداً وليس شركة سمي ما يباع للمستثمر من حصة في الصندوق يسمى (وحدة) ولا يسمى (سهماً)، كما هو الحال في الشركات. وهذا الاتحاد قد يكون عمره محدوداً: ستة أشهر، سنة، سنتان، وهكذا حسب النظام الأساسي الذي ينشأ من خلاله هذا الصندوق.
هناك فرق بين الصناديق والإصدارات. فهناك إصدارات الاستثمار وهناك صناديق الإصدارات، لا تختلف عن الصناديق الاستثمارية من حيث إن كلًّا منهما يمثل ذمة مالية –من هذا متحدين- مستقلة تهدف إلى تجمع الأموال واستثمارها في مجالات محدودة، ويقوم على أساس تجزئة رأس المال الإجمالي للإصدار أو للصندوق للاكتتاب فيه من قبل المشاركين، كما أن صكوك الأسهم أو الوحدات وثيقة تمثل ملكية حصة شائعة في الموجودات الكلية للإصدار أو للصندوق، ويكون للمشارك جميع الحقوق والتصرفات المقررة شرعاً للمالك في الملك الشائع من بيع وهبة ورهن وإرث وغيرها، بما لا يمس بقية المشاركين. ولكن الاختلاف الأساسي بين الإصدارات والصناديق ينحصر في كون الإصدارات غالباً ما تكون قصيرة الأجل لا تستغرق مدة عام، بينما الإصدارات تشمل دائماً عمليات استثمارية محددة الخصائص طويلة الأجل.
هناك جوانب فنية. إدارة الصناديق، وهذه المسائل ذكرت في بحث فضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة لا ندخل في تفاصيلها.
المسائل المتعلقة بتكوين هذه الصناديق والإصدارات:
تقسيم رأس مال الصندوق. يقسم الصندوق إلى وحدات وهذا من الجانب الشرعي لا مانع منه قياساً على الأسهم. كذلك مساهمة المضارب في الصندوق أو الإصدار لا مانع كذلك من مساهمة الجهة المنشئة لصندوق الإصدار في رأس مال الصندوق أو الإصدار، ويكون استحقاقها نصيباً من الربح بصفتها مضارباً ونصيباً آخر. كذلك أيضاً يسمح نظام الصندوق بدفع المساهمة على أقساط، وهذه الأقساط ما دامت متساوية للجميع لا مانع منها من الناحية الشرعية أيضاً.
تبقى قضية، وهي قضية تداول هذه الوحدات الاستثمارية. يمثل صك الوحدة الاستثمارية ملكية حصة شائعة في الصندوق أو الإصدار، وتستمر هذه الملكية طيلة مدتها وتترتب عليها جميع الحقوق والتصرفات المقررة شرعاً للمالك في ملكه كما هو الحال بالنسبة للأسهم فيحق للمشارك التصرف في الوحدة بالبيع، هو حكمه في ذلك حكم الأسهم الاستثمارية دون أي اختلاف فيما بينها من هذا الجانب.
تبقى قضية ضمان رأس مال الصناديق والإصدارات. من القضايا المتفق عليها بين فقهائنا الأجلاء وكذلك أقره مجمعنا الموقف من أنه لا يجوز تضمين المضارب إلا عند التعدي والتقصير. ولذلك يبقى هنا كيف يمكن أن نرتب ضمان رأس المال على الصناديق والاستثمارات؟ المجمع الفقهي الموقر أجاز ضمان طرف ثالث في قرار له بخصوص صكوك المقارضة فلا مانع –أيضاً- إذا وجد مثل هذا الضامن أن يكون هناك ضامن لمثل هذه الصناديق والإصدارات من خلال طرف ثالث ليس هناك أي علاقة –كما قلنا في الجلسة السابقة- لا يدخل في باب قرض جر منفعة وإنما مثل الدولة تضمن ذلك، أو نحو ذلك.
كيفية حساب نفقات التأسيس ومن يتحملها. هذه قضية فنية لا نشرحها ولا ندخل في تفاصيلها وإنما البحوث في متناول الأيدي.
أما الاقتطاع الاحتياطي في الصندوق والتقويم في الصناديق، وبعد ذلك ننتقل إلى مسألة توزيع الأرباح والخسائر في الصناديق أو الإصدارات أيضاً لا بد أن تشتمل لوائح الصندوق –يعني قضايا فنية وإدارية- على كيفية توزيع الأرباح بين المضارب والمشاركين ويجب أن تكون النسبة معلومة شائعة دون تحديد مبلغ معين كما هو الحال بالنسبة للمضاربات وبالنسبة لأحكام المضاربة وأحكام المشاركة.
هذه حقيقة خلاصة ما يدور في قضايا الوحدات الاستثمارية، وهناك بعض القضايا الفنية التي تناولها وفصل فيها فضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة والبحوث أمامكم، ونكتفي بهذا القدر، ونشكر سعادة الرئيس والأمين العام على إتاحة الفرصة لي وصبرهما علي وكذلك أشكركم على حسن الاستماع وجزاكم الله خيراً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
الدكتور سامي حسن حمود:
بسم الله الرحمن الرحيم،
شكراً سيدي الرئيس، في الواقع أود أن أواصل فقط نقطة واحدة، وهذه النقطة لأهميتها أردت بها أن أوضح شيئاً مما أدلى به فضية الدكتور محمد سيد طنطاوي في معرض التعقيب على بحثي في الصباح.
ذكر فضيلته وأعرف عنه دقته في تحديد معاني الألفاظ بأن الوديعة أمانة والاستثمار تفويض مطلق للبنك بأن يوجه المال كيف يشاء، وهذا ظاهريًّا جائز. وقد حرص فضيلته على تحديد مقصوده من الاستثمار المطلق بأنه فيما أحل الله وهذا متفق عليه. وأقول لفضيلته من واقع الخبرة التي أصدق القول فيها إن عمل البنوك العادية له جانبان. جانب ما يعطيه البنك، وجانب ما يأخذه أي أنه يعطي مما يحصل ومما يأخذ.
فإذا كان ما يدفعه البنك للمودعين يمثل جزءاً من الربح
…
دراسات في تحليل ميزانيات البنوك من مواردها نتيجة للإقراض بفائدة وهي تتراوح بين 70? في الحد الأدنى و95? في الحد الأقصى. فإذا كان مصدر الدخل هو فائدة ناتجة عن قرض فإن ما تعطيه هو الجنى من الربا. وإني لأطمع محبة واحتراماً لفضيلة الدكتور محمد سيد طنطاوي الذي عرفته من عشر سنوات تقريباً أن يعيد النظر فيما يراه وما سمعناه اليوم منه بخصوص فوائد البنوك وجوازها، فإذا كان قد اعتمد على الرأي الذي سمعه من بعض العاملين في البنوك فآمل أن يسمع من أخٍ ناصح خبير بأن هذه المصادر والموارد التي تدفع منها البنوك أساسها الإقراض ولا أمل للبنوك العادية إلا الإقراض، وطالما وجد الفن المصرفي الإسلامي وشهادات الاستثمار القابلة للتخصيص بما يتفق والشريعة الإسلامية فالحل موجود وآمل جميعاً أن نكون في طريق واحد يجمعنا الله بالخير والحق، شكراً لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
الموضوع الأول الذي أريد أن أتحدث فيه هو أن مجمعنا الموقر قد اتخذ قرارات، وهذه القرارات هي قرارات التزمناها إثر دراسة معمقة، وأخلصنا فيها لله، ولذلك فإني أرجو من الأمانة العامة أن كل كلام أو مداخلة تتناقض مع القرارات التي اتخذناها في مجمعنا طيلة الدورات التي سبقت هو كلام ملغي يجب ألا يذكر في المجلة ولا أن يدون.
الناحية الثانية وهي تتصل بهذه هو أنني أرجو من سيادة الرئيس أن تقتصر المناقشات حول المواضيع التي نحن بصددها فكل خروج عن الموضوع هو كلام لغو، ورسالته أن يقطع الكلام عن طالبه، فهاتان ملاحظات أود أن سيادة الرئيس ينظر فيهما بما يصل بهما إلى التطبيق الجازم والكامل. وشكراً.
الرئيس:
شكراً. في الواقع بالنسبة للفقرة الأولى هي في غاية من الأهمية وأرجو من معالي الأمين العام أن تؤخذ في الاعتبار من اللجنة التي شكلت لتدقيق النظر فيما يستبعد من طباعة الأبحاث والمداولات وفيما يقر، فأي مداخلة أو إثارة بحث يناقض ما عليه هذا المجمع وما صدرت به قراراته فإنه يتعين استبعاد طباعته في مجلة المجمع.
وأما النقطة الثانية التي أشار إليها سماحة الشيخ المختار فإنني أرجو من أصحاب الفضيلة أن يكونوا خير عون في هذه النقطة فهم الذين يملكون الكلام وهم الذين يملكون السيطرة على أنفسهم، فأرجو أن يحددوا وأن يحرصوا ألا يخرجوا عن الموضوع ذاته المطروح، إضافة إلى نقطة أخرى وهو أن العرض لا يبغي أن يستهلك ساعة أو ساعة إلا ربعاً وما إلى ذلك، فينبغي أن يعتصر ويختصر وأن يكون في حدود ربع ساعة أو عشرين دقيقة على الأكثر، أما أن يستهلك جزءاً كبيراً من الوقت فهذا ليس من المصلحة؛ لأن الأبحاث بين المشائخ موزعة، والمراد إعطاء خلاصة تلقي الضوء على نتائج هذه الأبحاث وما اتفقت فيه وما اختلفت فيه. وبالنسبة للنقطة التي أثيرت حول ما ذكره الشيخ سيد طنطاوي فإنني أرجو أن تكون هذه خاتمة الكلمات نحوها؛ لأن هذا الموضوع سبق وأن صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بالتحريم بالإجماع ولا إشكال في هذا. ولهذا فإنني لا أسمح –وأرجو أن تكونوا خير عون بعد الله في ذلك- بإثارة أي نقطة حول هذا الموضوع، والحق واضح وإن يد الله مع الجماعة.
الدكتور صالح المرزوقي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد،
فقد قسم أخي الدكتور علي محي الدين القره داغي الشركات إلى قسمين،
فقال:
القسم الأول: يقوم غرضه على الحلال المباح وهو جائز ولا خلاف فيه.
والقسم الثاني أسهم لم تتوفر فيها الشروط السابقة، وإنما هي أسهم لشركات قد تودع في بعض الأحيان بعض نقودها في البنوك بفائدة أو تقترض منها بفائدة أو قد تكون نسبة قليلة من معاملاتها تتم من خلال عقود فاسدة كمعظم الشركات في الدول الإسلامية. ويرى جوازها، فهو يقول: ليست في شركات تزاول المحرمات ولا لشركات قائمة على الحلال.
يرى جوازها مع أنه يقر بأنه لا تقوم على الحلال، وقد احتج فضيلته بقاعدة رفع الحرج.
والجواب أنه ليس هناك حرج بمعناه الشرعي؛ لأن وسائل الاستثمار متيسرة في مجال التجارة والصناعة والزراعة والخدمات، ولا سيما في عصرنا هذا مع انتشار البنوك الإسلامية وكثرتها –ولله الحمد- وهذا ليس فيه حرج، وإنما الحرج هو الذي لا مخرج منه كما قال ابن عباس.
واحتج –أيضاً- بالضرورة، ونقول: الضرورة غير موجودة في هذا الوقت للاشتراك في شركات تزاول الربا؛ لأنه يمكن الاشتراك في شركات أخرى، وإلا معنى هذا أننا نعتمد إخضاع الأحكام الشرعية المعلومة من الدين بالضرورة بارتكاب المحرم.
ولا أقول نخضعها للواقع الفاسد؛ لأن الواقع فيه من الصلاح الشيء الكثير، وفي الشركات التي تمارس الحلال والبنوك الإسلامية والتجارية الفردية.
واحتج أيضاً بالقياس على بيع الوفاء وهذا قياس فاسد؛ لأن بيع الوفاء عقد باطل وقد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بعدم جوازه، وما كان باطلاً في نفسه فكيف يصحح عليه غيره؟!
وأيضاً، احتج بالقياس على العرايا، وهذا الاحتجاج لا يصح؛ لأن تجويز العرايا ورد استثناء بنص خاص وهو ما يعبر عنه بما جاء على خلاف القياس، فقد اشترط جمهور الفقهاء والأصوليين في حكم الأصل ألا يكون معدولاً به عن سنن القياس. عن زيد بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أنه رخص بعد ذلك في بيع الرطب أو التمر ولم يرخص في غير ذلك)) متفق عليه. فقوله:(ولم يرخص في غير ذلك) دليل على قصر الرخصة على هذا النوع من البيوع، كما يدل على قصر الرخصة نهيه صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة. وقد استشهد بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية وهو: أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا تعارضت مع مصلحة راجحة أو بمحرم.
أولاً: هل نقدم كلام ابن تيمية أم نقدم كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم؟ فالله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 278-279]، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:((لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين)) ، وفي حديث آخر:((فمن زاد أو ازداد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء)) .
ثانياً: أن ابن تيمية يقول: (المفسدة المقتضية للتحريم) ، ولم يقل (المنصوص على حرمته) ، ولم يقل (الربا)، وإنما قال:(المقتضية التحريم)، ثم قال:(وعارضتها حاجة راجحة أبيح المحرم)، وأين الحاجة الراجحة للشركات الربوية؟! لا توجد. واستشهادكم بقوله:(والشارع لا يحرم ما يحتاج الناس إليه في البيوع لأجل نوع من الغرر) ، لا يصح قياس الربا على الغرر؛ لأن الغرر يغتفر في اليسير منه أما الربا فكله حرام، قليله وكثيره. قال صلى الله عليه وسلم:((درهم ربا يأكله الرجل المسلم وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية)) حديث صحيح. واستشهد بالعرف. ومن شروط الاستدلال بالعرف ألا يصادم نصًّا شرعيًّا، والعرف الذي تذكره عرف فاسد يصادم النصوص الشرعية، فلا يصح الاحتجاج به.
ويقول في بحثه: (لا نعيش عصراً يطبق فيه المنهج الإسلامي وإنما يسوده النظام الرأسمالي والاشتراكي، وحينئذ لا يمكن أن تسير المعاملات على الحلال الطيب الخالص دون وجود الشبهة) ، سبحان الله!! هل نحن مجتمعون لنبحث عن أساليب الاستثمار الشرعية التي تتفق مع الكتاب والسنة أم لنبيح للبنوك الربوية والشركات الربوية أعمالها بدعوى أنه يسودنا النظام الرأسمالي والاشتراكي ونحو ذلك من التعليلات؟!!.
يقول: (ولقد قال الكثيرون بإباحة الأسهم في الدول الإسلامية مطلقاً دون التطرق إلى التفصيل الذي ذكرته) ونسب هذا القول للشيوخ علي الخفيف، وأبو زهرة، وعبد الوهاب خلاف، وعبد الرحمن حسن، وعبد العزيز الخياط، ووهبة الزحيلي، والشيخ عبد الله بن منيع، وغيرهم، ونسب إلى العبد الفقير أيضاً في الحاشية دون أن ينص عليه بالذكر. وقد نبهت إلى خطأ نقل عني وعن المشائخ المذكورين في مجلة (البحوث الفقهية المعاصرة) ، فأود من فضيلته الرجوع إليها؛ لأنني نقلت عنهم بالنص تحريمهم ومنعهم لأي مشاركة في الشركات التي يدخلها الربا أو التي فيها حرام، أقول: نبهت إلى خطأ النقل عن هؤلاء المشائخ، فقد نصوا على وجوب خلو الشركة مما حرم الله. الذين نصوا ووجدت لهم نصوصاً هم: الشيخ علي الخفيف، وأبو زهرة، وعبد العزيز الخياط، وصالح المرزوقي، هؤلاء نصوا على وجوب خلو الشركة مما حرم الله، فإذا كان فيها ربا لا تجوز المشاركة فيها.
والاحتجاج بقاعدة (للأكثر حكم الكل) ، ليست على إطلاقها، فلو أخذ بها لجاز قليل الخمر إذا خلط بقليل من عصير البرتقال مثلاً. ولا قائل به؛ لأنه مردود بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ((ما أسكر كثيره فقليله حرام)) ، ولو أخذ بهذا المقول، قليل الربا مباح وهذا يصادم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ((درهم ربا)) والدرهم هو أول أعداد القلة.
واحتج –أيضاً- باختلاط جزء محرم. يقول: اختلاط جزء محرم لا يجعل مجموع المال محرماً عند الكثيرين، فيجوز التملك والأكل والبيع والشرب. أود أن أذكر بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:((رب أشعث أغبر –هذا في مسألة الأكل- يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، أنى يستجاب له)) ، وقال سعد: يا رسول الله ادع أن أكون مستجاب الدعوة. قال: ((يا سعد، أطب مطعمك تجب دعوتك)) .ورضي الله عن أبي بكر عندما شرب شربة لبن جاء بها أحد عبيده فلما علم أنها من كسب خبيث استفرغها وما زال يدخل يده في حلقه حتى أخرج كل ما في بطنه، ثم قال: اللهم إني أستغفرك مما دخل اللحم والعروق، أو نحوه.
والاحتجاج باختلاط جزء محرم. إن كان الاختلاط عن غير قصد أي وقع الاختلاط فإن المال الحرام باختلاطه مع الحلال لا يجعل المال الحلال حراماً، وإنما تقتصر الحرمة على الحرام، ويبقى الحلال حلالاً، هو معنى كلام شيخ الإسلام، لا أن نحمله على ما لا يحتمل فندخل فيه الشركات التي تمارس الربا قليلاً أم كثيراً ونحتج بكلام شيخ الإسلام، والعز بن عبد السلام، وغيرهم. قول هؤلاء العلماء، أقول: إن هؤلاء العلماء يبرؤون إلى الله مما ننسبه إليهم؛ لأننا نحمل كلامهم شيئاً لا يحتمله.
وأما الاحتجاج بمعاملة من في ماله حلال وحرام فليس فيها دليل على هذه الدعوة؛ لأننا ممكن أن نشتري السيارات من اليابان أو من أمريكا أو من إيطاليا أو من غيرها ونتعامل معهم في بضائع وشراء وبيع وإجارة واستئجار، لكن هذا لا يعني أننا ندخل في شركة فيها ربا. فرق بين البيع والشراء أو الإجارة أو نحوها من المعاملات أو الأخذ والعطاء، وفرق بين أن أشارك في شركة جزء منها فيه شيء من الربا.
والاستثمار في الأسهم أرجو أن ننظر فيه بأنه يجب النظر في نشاط الشركة، وفي رأس مالها، فإن كان رأس مالها نقوداً أو أنها شركة مصرفية فيجب هنا إذا اشتريت أسهمها بالنقود يجب فيه التساوي والتقابض؛ لأن فيها أعمال صرف. إذا كانت الشركة شركة مصرفية تقوم على الأعمال المصرفية غير الربوية أو كان رأس مالها نقوداً كله نقوداً ليس فيه عروض أو لم يتحول جزء منه إلى عروض فحينئذ يجب شراء أسهمها بعروض أو بغير ذلك من الأمور، أما بالنقود فحينئذ يجب التساوي والتقابض، وأما إذا كانت الشركة في رأس مالها عروض أو كانت نقوداً وتحولت إلى عروض فحينئذ لا مانع من شراء أسهمها بالنقود أو بالعروض مطلقاً.
وأما الأسئلة التي طرحها الدكتور منذر قحف، أو بعض هذه الأسئلة كقوله أن يشتري أسهماً في شركة تتعامل بالربا بنية تحويلها، مع توقع القدرة على التحويل.
أرجو ألا نطلق العنان لأنفسنا بإباحة الدخول في هذا النوع من هذه الشركات مطلقاً إلا إذا علمت القدرة غالباً ورأى الإنسان من نفسه وكان هذا أمراً محدوداً، أما أن نطلق العنان لكل إنسان يريد أن يدخل في شركة بحجة أنه يغير وهو لا يستطيع أن يغير فهذا لا أرى جوازه.
الفقرة الثانية: أن يساهم في شركة نشاطها الأساسي من المباحات ولكن يختلط بالحرام. هذا تكلمنا عنه، مثل الأفلام السينمائية أو المسابح أو نحو ذلك من الأمور، هذه كلها لا تجوز. الإذاعة أو البرامج الفاسدة لأجل دعوتهم إلى الإسلام أرى أن هذا غير جائز. كل هذه الأمور لا يجوز أن نبيحها بدعوى أننا ندخلهم في الإسلام.
إذا قدرنا أن ندخلهم في الإسلام بالوسائل المشروعة المعلومة هذا جائز مثل ما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وفعل الصحابة، أما أن نرتكب المحرم على أمل أن يدخلوا في الإسلام نحن نشوه أنفسنا، وبهذه الطريقة نشوه الإسلام والمسلمين. المسلمون والمؤسسات الإسلامية في الغرب لا يجدون أحياناً إلا شركات تتعامل بالربا فهل لهم الحق في الاستثمار؟ لهم أن يكونوا شركات بأنفسهم، لهم أن يستثمروا أمواله بأنفسهم مثل فتح البقالات أو مخابز أو غيرها، أي أنه لم تقتصر وسائل الاستثمار على الشركات الربوية وإنما يمكن بوسائل الاستثمار الفردية ونحو ذلك.
هذا ما أردت أن أقوله وأستغفر الله، وأستميحكم عذراً والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
الشيخ محمد تقي العثماني:
بسم الله الرحم الرحيم
نقطة نظام سيدي الرئيس، الواقع أن مسألة الاستثمار في الأسهم قد طرحت في هذا المجمع عدة مرات ونوقشت وكثرت فيها الأبحاث، وتداول الأعضاء آراءهم ودلائلهم ولا نسمع اليوم إلا تكريراً لما سبق. وقد صدر في ذلك أيضاً قرار من قبل المجمع، وبالرغم من أني أؤيد الرأي بجواز الاستثمار في الأسهم بقيود وضوابط قد بينتها ولكننا قد مشينا على سنة، وهي أن القرار إذا اتخذ من قبل المجمع فلا حاجة لنا إلى الإطالة في مناقشة تلك المسألة بعينها. فهذه الدلائل التي ذكرها الباحثون إما من هذا الجانب أو من ذاك كلها سمعناها، وكلها قد فرغنا منها، فلا حاجة بنا إلى الإطالة في هذا الموضوع.
الموضوع الجديد الذي جاء في هذه الأبحاث ينبغي أن تقتصر على مناقشته فقط، أما موضوع الأسهم وقد صدر قرار من قبل المجمع أن الأصل في ذلك حرام. وإنما جاء ذلك اللفظ من قبل أنه كان هناك خلاف بين الأعضاء والأغلبية كانت تذهب إلى الحرمة، ولذلك اتخذ هذا اللفظ ليستعين به من يشاء، أما القرار فهو قد اتخذ من قبل المجمع فلا نعيد هذه المسألة.
الرئيس:
هو في الواقع تأييداً لما ذكرتم كذلك سبق وإن كان بودي أن العارض الشيخ علي أنه ذكر هذا وهو أحد الحاضرين أن هذا الموضوع عرض على مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في شهر شعبان من هذا العام. وهو قريب، وفيه عدد من أعضائه هم أعضاء في هذا المجمع، وصدر قرار بالتحريم في المساهمة في شركة نظامها حلال لكنها تتعامل من الباطن بالمحرمات كالزنا، أو الربا، أو ما إلى ذلك، فصدر القرار بالتحريم. وتعلمون أنه في شهرين متقابلين يصدر قرار من مجمع بالتحريم وقرار كذا، هذا فيه خطر عظيم على الأمة وتناقض في آرائها الجماعية. ولهذا أثيرت نقطة في مجمع مكة على قضية أنه لا ينبغي ولا يحسن أن يصدر قرارات فيها اضطراب واختلاف بين المجمعين فأخذ الكلمة معالي الشيخ الحبيب ابن الخوجة أمين عام المجمع. وقال: إنه لا يصدر قرار من المجمعين متضادين، وإنه في حال وجود شيء من ذلك يجري التنسيق مسبقاً بين المجمعين قبل الصدور، وهذا في الحقيقة فيه ضمان عظيم حتى لا يقع الناس في بلبلة وخلط عظيم، والحمد لله الأمر فيه سعة،
إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع
ليس الأمر إلزاميًّا على أن نفتي في هذه المسألة أو في تلك المسألة؛ لأن حفظ الذمم وعدم فتح أبواب الشر والفساد على الناس هذا أمر متعين، وليس معنى هذا أن نأخذ بقتاب التشتيت، لا. ولكن نأخذ بركاب الاحتياط لذممنا، وألا تكون ذممنا جسوراً يعبر عليها المتاجرون وغيرهم. والأمر مثل ما تفضلتم طالما أنه صدر في القرار الذي صدر من المجمع أن الأصل في الأسهم والمساهمة الحل، قد يكون في عمومه يغطي كثيراً من هذه الجزئيات. وعلى كل نستأنف المداولة. إن شاء الله تعالى –وينبغي ملاحظة ما ذكره الشيخ تقي ونستأنف المداولة بعد صلاة المغرب، إن شاء الله تعالى وشكراً.
الدكتور محمد علي القري بن عيد:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
إن المسألة التي أريد أن أتحدث عنها تتعلق بالاستثمار في أسهم الشركات التي أصل نشاطها مباح ولكنها ربما تتورط في إيداع أموالها في البنوك أو الاقتراض من البنوك بالربا. فإن كانت هذه المسألة لا زالت مطروحة للنقاش تحدثت فيها وإن كان الباب قد أغلق فأتنازل عن هذه الفرصة لغيري. أنتظر منكم الجواب يا سيادة الرئيس.
الرئيس:
على كل المسألة هذه بحكم المفروغ منها نظراً؛ لأننا بين أمرين إما أن تؤجل إلى وقت لاحق لمزيد من البحث ووضع نقاط رئيسية تتولاها الأمانة فيما بعد، أو أن ترفع من الجدول مرة واحدة (كلية) طالما أنه صدر قرارات متعددة من هذا المجمع أو من مجمع الفقه بمكة، فلذلك يترك البحث فيها.
الدكتور محمد علي القري بن عيد:
ولكني أقترح أن تؤجل لأنها مسألة في غاية الأهمية، فإنه معلوم عند جميع من لهم علاقة بهذه الشركات أنه لا تكاد توجد شركة في وقتنا الحاضر في أي بلد من بلاد المسلمين –فيما عدا السودان ربما، والسودان له وضع خاص- إلا وهي متورطة في هذا الأمر، فإذا قلن بعدم جواز المساهمة في مثل هذه الشركات فمحصلة الأمر وماله أن المسلمين قد حرموا من فرصة استثمار أموالهم لا سيما من كان منهم من ذوي الدخول الصغيرة؛ لأن فرصة الاستثمار عندهم هي إما أسهم الشركات أو الإيداع في البنوك فلذلك هي تحتاج إلى نظر.
الرئيس:
على كلٍّ هو كسباً للوقت وحتى نتفرغ لبقية ما لدينا هل ترون أن نبت على تأجيلها أم لا؟
الدكتور عبد السلام العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم
حقيقة كما ظهر من حديث الشيخ العثماني في موضوع الشركات التي أصل تعاملها مباح ولكنها تودع أموالها في البنوك أو أنها تقترض بالربا، أن هذا الأمر قد بحث بإطالة وتوسع في المجمع وقد أخذ فيه قرار. فواضح أنه إما أن نؤجل الأمر وأنا أميل مع التأجيل؛ لأن القرار محل نقاش والذي انتهينا إليه وفيه وجهات نظر أخرى، وبحيث نستقصي في هذه المسألة بحوثاً مستفيضة ودراسات موسعة أو رفع الموضوع نهائيًّا.
الرئيس:
هل ترون التأجيل؟
إذن انتهى الأمر. هذه الفقرة نرجو رفع المناقشة فيها وهي تكون مؤجلة إلى دورة لاحقة –بإذن الله تعالى- وتستكمل بقية الموضوعات.
الشيخ تقي العثماني:
لو سمحتم سؤال وهو في مسألة ضمان الطرف الثالث الذي قد ذكره الشيخ علي محيي الدين القره داغي فقد صدر في ذلك قرار أيضاً ولكن النقطة التي ينبغي أن نناقشها هي: ما معنى الطرف الثالث؟ هل الطرف الثالث ينبغي أن يكون شخصاً حقيقيًّا أو إذا كان هناك شخصية معنوية ثالثة مع أن الشركاء هم في كلتا الشركتين؟
الرئيس:
أنتم تعلمون يا شيخ –ولا أحب أن أقطع حديثكم- أن البحوث هذه ليس فيها جديدة، هي معادة، هي البحوث التي كانت في الدورة السابقة وفي قبل وفي ندوة البحرين، وهذه النقطة التي أثرتها هي جديدة ولذلك يحسن أن أصحاب الفضيلة إذا كان أحد عنده نقطة تستشكل في هذا الموضوع وفي جزئياته أن يتفضل بكتابتها ويقدمها للأمانة العامة.
إذن بهذا يكون انتهى الأمر، وترفع الجلسة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم: 91/4/د9
بشأن: " الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثمارية "
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1 إلى 6 ذي القعدة 1415 هـ، الموافق 1-6 أبريل 1995 م.
بعد اطلاعه على الأبحاث الثلاثة الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: "الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثمارية" التي تبين منها أن الموضوع تضمن بين عناصره مسألة شراء أسهم الشركات التي غرضها وأنشطتها الأساسية مشروعة لكنها تقترض أو تودع أموالها بالفائدة وهي لم يقع البت في أمرها بالرغم من عقد ندوتين لبحثها، وصدور قرار مبدئي فيها للمجمع في دورته السابعة، ثم قرار لاحق في دورته الثامنة بأن تقوم الأمانة العامة باستكتاب المزيد من البحوث في هذا الموضوع ليتمكن من اتخاذ القرار المناسب في دورة قادمة،
وبعد الشروع في المناقشات التي دارت حوله، تبين أن الموضوع يحتاج إلى الدراسات المتعددة المعمقة، لوضع الضوابط المتعلقة بهذا النوع من الشركات الذي هو الأكثر وقوعاً داخل البلاد الإسلامية وخارجها.
قرر ما يلي:
أولاً: تأجيل النظر في هذا الموضوع على أن يعد فيه مزيد من الدراسات والأبحاث بخصوصه وتستوعب فيه الجوانب الفنية والشرعية. وذلك ليتمكن المجمع من اتخاذ القرار المناسب فيه حسب توصية الدورة الثامنة (قرار 81/8/د9) .
ثانيًا: الاستفادة مما تضمنته الأبحاث الثلاثة عن الصناديق والإصدارات الاستثمارية لإعداد اللائحة الموصى بوضعها في القرار (5) للدورة الرابعة (بند أولاً/ 2 في العنصر الرابع) .