المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. حمد عبيد الكبيسي - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد التاسع

- ‌بحث فيالذهب في بعض خصائصه وأحكامهإعداد الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌تجارة الذهبفي أهم صورها وأحكامهاإعدادد. صالح بن زابن المرزوقي

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعدادد. الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعدادد. محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌السلم وتطبيقاته المعاصرةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعداد الشيخ حسن الجواهري

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعداد نزيه كمال حماد

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. سامي حسن حمود

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. حسين كامل فهمي

- ‌الحسابات والودائع المصرفيةإعدادد. محمد علي القري

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. حمد عبيد الكبيسي

- ‌الودائع المصرفية(تكييفها الفقهي وأحكامها)إعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌أحكام الودائع المصرفيةتأليفالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌الحسابات الجاريةوأثرها في تنشيط الحركة الاقتصاديةإعدادد. مسعود بن مسعد الثبيتي

- ‌الاستثمار في الأسهموالوحدات والصناديق الاستثماريةإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌ موضوع الاستثمار في الأسهم

- ‌الاستثمار في الأسهمإعدادد. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثماريةإعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌مناقصات العقود الإداريةعقود التوريد ومقاولات الأشغال العامةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌المناقصات(عقد الاحتياط ودفع التهمة)إعدادالشيخ حسن الجواهري

- ‌انخفاض قيمة العملة الورقية بسبب التضخمالنقدي وأثره بالنسبة للديون السابقةوفي أي حد يعتبر الانخفاض ملحقاً بالكسادإعدادالدكتور مصطفى أحمد الزرقا

- ‌التضخم والكسادفي ميزان الفقه الإسلاميإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌حكم ربط الحقوق والالتزاماتبمستوى الأسعارإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌أثر التضخم والكسادفي الحقوق والالتزامات الآجلةوموقف الفقه الإسلامي منهإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌مفهوم كساد النقود الورقيةوأثره في تعيين الحقوق والالتزامات الآجلةحدود التضخمالتي يمكن أن تعتبر معه النقود الورقية نقودًا كاسدةإعدادالدكتور ناجي بن محمد شفيق عجم

- ‌كساد النقود الورقية وانقطاعها وغلاؤها ورخصهاوأثر ذلك في تعيين الحقوق والالتزاماتإعدادالدكتور محمد علي القري بن عيد

- ‌كساد النقود وانقطاعهابين الفقه والاقتصادإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ خليل محي الدين الميس

- ‌سد الذرائعإعدادأ. د وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ محمد الشيباني بن محمد بن أحمد

- ‌سد الذرائععند الأصوليين والفقهاءإعدادالأستاذ الدكتور خليفة بابكر الحسن

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ مجاهد الإسلام القاسمي

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور علي داود جفال

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌مقارنة بين الذرائع والحيلومدى الوفاق والخلاف بينهماإعدادحمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ الدكتور الطيب سلامة

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور أحمد محمد المقري

- ‌مبدأ التحكيمفي الفقه الإسلاميإعدادالمستشار محمد بدر يوسف المنياوي

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميمبدؤه وفلسفتهإعدادالدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري

- ‌التحكيمإعدادالأستاذ الدكتور عبد العزيز الخياط

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعداد الأستاذ محمود شمام

- ‌نقص المناعة المكتسبة(الإيدز)أحكامه وعلاقة المريض الأسرية والاجتماعيةإعدادالدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌الأسرة ومرض الإيدزإعدادالدكتور جاسم علي سالم

- ‌إجراءات الوقاية الزوجية في الفقه الإسلاميمن مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)إعدادالشيخ أحمد موسى الموسى

- ‌ملخصلأعمال الندوة الفقهية السابعة

- ‌الإيدز ومشاكله الاجتماعية والفقهيةوثيقة مقدمة منالدكتور محمد علي البار

الفصل: ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. حمد عبيد الكبيسي

‌الودائع المصرفية

حسابات المصارف

إعداد

د. حمد عبيد الكبيسي

عميد المعهد الإسلامي العالي لإعداد الأئمة بالعراق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هديهم إلى يوم الدين. وبعد:

فهذا بحث موجز عن الودائع المصرفية أعددته ليكون ضمن بحوث الدورة التاسعة لمجمع الفقه الإسلامي. ووفق الخطة التي تلقيتها من فضيلة الأمين العام للمجمع الأستاذ محمد الحبيب ابن الخوجه حفظه الله. مع تقديم أو تأخير لبعض الفقرات اقتضاه النظر في التنسيق والتبويب مع عدم الإخلال بما طلبته الأمانة العامة للمجمع من مسائل.

وقد تضمن البحث الموضوعات التالية:

1-

مفهوم الوديعة المصرفية.

2-

الوديعة في الفقه الإسلامي.

3-

تقسيم الودائع المصرفية.

4-

التصور الشرعي للوديعة الجارية، وضمانها، واستخدامها كرهن أو ضمان. وحجزها (التجميد والمقاصة)

5-

التصور الشرعي للوديعة الاستثمارية، ورهنها وكيفية إدراجها، واستحقاق الربح أو تحمل الخسارة في سحب جزء منها قبل نهاية المدة.

والله أسأل أن يجنبنا الهوى والزلل والضلال، وأن يسدد خطانا إنه نعم المولى ونعم النصير.

ص: 557

1 -

الوديعة المصرفية:

أ- مفهومها:

هي الأموال التي يعهد بها الأفراد أو الهيئات إلى المصرف على أن يتعهد برد مساو لها إليهم أو نفسها لدى الطلب أو بالشروط المتفق عليها. (1)

وقد عدل بعض الكاتبين في الاقتصاد الإسلامي عن مصطلح الوديعة المصرفية إلى عبارة الحسابات المصرفية؛ لأن ما تسميه المصارف ودائع مصرفية لا ينطبق عليها تعريف ولا أحكام الوديعة في الشريعة الإسلامية. (2)

وهذا هو ما لاح لواضعي قائمة الموضوعات المقترح كتابة البحوث فيها في المجمع الفقهي إذ وضع عبارة حسابات المصارف بين قوسين بجنب عنوان الموضوع الرابع (الودائع المصرفية) .

ب- مميزاتها وخصائصها:

تتميز الودائع المصرفية من حيث العموم بأنها توفر حفظ الأموال وصيانتها من السرقة والهلاك. وتوفر تسهيل التعامل التجاري وطريقة الدفع أو السداد، وتيسير المعاملات الأخرى التي تقدمها المصارف لعملائها.

ومن خصائصها أنها لا تستحق أي عائد أو ربح في المصارف الإسلامية، بل أنه يحق لهذه المصارف أن تتقاضى عليها أجرا أو عمولة في مقابل ما يمنحه لأصحابها من امتيازات.

على عكس ما عليه العمل في معظم المصارف الربوية حيث تقوم بعض هذه المصارف بهدف زيادة نسبة هذا النوع من الحسابات في بعض الأحيان بمنح فوائد محددة لأصحاب هذه الحسابات متى ما زاد حجم حسابهم الجاري عن مبلغ معين.

(1) انظر عمليات البنوك للدكتور على جمال الدين عوض: 17.

(2)

انظر المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق للدكتور عبد الرازق الهيتي: 200.

ص: 558

ج- أهمية الودائع لعمل المصارف:

تعتبر الودائع المصدر الرئيسي للأموال التي يعتمد عليها المصرف في أنشطته وفي عملياته المختلفة، بل تعتبر هي عماد موارده وأهم مصادر التمويل له.

وتسعى المصارف سعيا (حثيثا) وتتخذ وسائل متعددة لتوسيع مواردها من الودائع وتتنافس فيما بينها لاحتواء أموالها للاستفادة منها ولتوظيفها فيما يعود عليها بالربح والفائدة العالية إذ هي موارد للمصارف ليس فيها تكلفة وأغلبها ودائع جارية أو تحت الطلب، لا تدفع عليها البنوك فائدة. ولا تغرم من جراء استلامها وحفظها غرما ماليا. وتتفنن في إبقائها لديها أكبر مدة ممكنة.

2-

الوديعة في الفقه الإسلامي:

أ- تعريفها:

عرف الحنفية الوديعة (بمعنى الإيداع) بأنها تسليط الغير على حفظ ماله وبمعنى المال المودع، بأنها: المال الذي يترك عند الأمين. (1)

وعرف المالكية الوديعة بمعنى الإيداع بأنها توكيل على مجرد حفظ المال، أو أنها مجرد حفظ الشيء المملوك الذي يصح نقله إلى الوديع.

وبمعنى الشيء المودع بأنها عبارة عن شيء مملوك ينقل مجرد حفظه إلى الوديع. (2)

وعرفها الشافعية بأنها: العقد المقتضي للاستحفاظ: أو العين المستحفظة به حقيقة فيها. (3) فهي عندهم بمعنى الإيداع: إنابة من المالك أو وكيله لآخر على حفظ مال أو مختص لحفظه لمالكه. وبمعنى الشيء المودع اسم للمال أو المختص المحترم الذي يوضع عند الغير لحفظه لصاحبه.

وإلى مثل هذا التعريف ذهب الإمامية (4) .

وعرفها الحنابلة بمعنى العين المودعة بأنها المال المدفوع إلى من يحفظه بلا عوض وبمعنى الإيداع بأنها توكيل في حفظه تبرعا. (5) .

وبمثل تعريف الحنابلة للوديعة عرفها الزيدية (6) .

(1) انظر ابن عابدين: 4/550؛ والمغني لابن قدامة: 6/382.

(2)

انظر الدسوقي على الشرح الكبير:3/419.

(3)

انظر مغني المحتاج للشربيني:3/79

(4)

انظر شرائع الإسلام للحلي:163

(5)

انظر منتهى الإيرادات: 1/536

(6)

انظر البحر الزخار: 4/167

ص: 559

ب- أركانها:

يقول ابن النجار: وتعتبر للوديعة أركان وكالة (1) . فركنها الإيجاب صريحا أو كناية أو فعلا. والقبول صريحا أو دلالة من أهل معتد بتصرفه.

ج- أحكامها:

هي عقد جائز بين طرفين، ومتى أراد المودع أخذ وديعته لزم المستودع ردها، وليس على المستودع ضمان إذا تلفت إلا لخيانة أو تفريط (2) .

إلا أنه قد يعرض لجواز العقد من الظروف والأسباب ما يجعلها داخلة في نطاق حكم آخر من الأحكام الشرعية.

فقد تكون مندوبة للمستودع مباحة للمودع إذا ما اشتبه عليه قيام عارض يؤدي إلى تلفها.

وقد تكون واجبة عليه إذا تيقن تلفها إذا لم يودعها. ويحرم على المستودع قبولها إذا تيقن العجز عن حفظها.

فالأصل في الوديعة الإباحة والجواز. وقد يعرض لها ما يجعلها واجبة أو مندوبة، أو محرمة أو مكروهة.

د- شروطها:

ذكر الفقهاء شروطا للوديعة هي شروط للمال أو المختص، من قابليته لوضع اليد عليه ومن إثبات اليد عليه عند الاستحفاظ. وتناولوا ما إذا شرط رب الوديعة على المستودع ضمانها فقبله أو قال: أنا ضامن لها. فبين جمهورهم أنه لا يضمن وبهذا قال الثوري والشافعي وإسحاق وابن المنذر وأحمد. وذلك لأنه شرط ضمان ما لم يوجد سبب ضمانه فلم يلزمه كما لو شرط ضمان ما يتلف في يد مالكه. (3) .

وفرق بعض الحنفية بين أن تكون أمانة: فلا تضمن. أو كانت بأجر فمضمونة (4) .

وتناول فقهاؤنا فروعا في إطار بحثهم لأحكام الوديعة وشروطها.

(1) انظر منتهى الإيرادات: 1/536، وابن عابدين 4/550

(2)

انظر الخرشي على خليل:6/125؛ ومجمع الضمانات:68

(3)

انظر: المغني لابن قدامة: 6/422

(4)

انظر مجمع الضمانات:68

ص: 560

الأول: خلط الوديعة.

والثاني: استعمال الوديعة.

والثالث: أخذ الأجرة عليها.

الأول: خلط الوديعة.

الأصل أن تكون الوديعة معزولة عن مال المستودع. محفوظة أمانة بذاتها لصاحبها.

إلا أنه قد يقع الخلط. فإذا كان الخلط بفعل المودع أو بإذنه، أو كان الخلط دون تفريط من المستودع، أو كان منه وتيسير التمييز فلا ضمان إذ لا ضرر ولا نقص يلحق صاحب المال.

أما إذا كان بتفريط من المستودع أو كان خلطا يتعذر معه التمييز كخلط الشيء بجنسه فإنه يضمن الضرر الذي قد ينجم من الخلط. (1)

الثاني: استعمال الوديعة

إذا تعدى المستودع فاستعمل الوديعة ثم ردها إلى موضعها بنية الأمانة فإن الحنفية ذهبوا إلى أنه لا يضمنها لأنه ممسك لها بإذن مالكها فأشبه ما قبل التعدي.

وذهب الجمهور إلى قيام الضمان لأنه تعدى بالاستعمال فبطل الاستئمان. (2)

وإذا تعدى على الوديعة فتاجر بها وربح فقد اختلف الفقهاء فيه. فذهب الجمهور إلى أنه إذا رد المال طاب له الربح. وذهب بعضهم إلى أنه يرد المال وديعة ويتصدق بالربح.

وقال بعضهم: لرب الوديعة الأصل والربح. ويلاحظ أن من اعتبر التصرف قال: الربح للمتصرف. ومن اعتبر الأصل قال: الربح لصاحب المال. (3)

الثالث: أخذ الأجرة على حفظ الوديعة

وقد اختلف الفقهاء فيها:

ومنهم من أجاز أخذ الأجرة على حفظ الوديعة وعلى حرزها (4) . ومنهم من منع أخذ الأجرة على الحفظ والحرز. (5)

ومنهم من فصل فجوز الأخذ على الحرز لا على الحفظ. (6)

والراجح من هذه المذاهب، مذهب من أجاز الأخذ تحقيقا للمصلحة، لأن القول بعدم الجواز يؤدي إلى صرف الناس عن قبول الوديعة، فتتعطل المصالح التي شرعت من أجلها وجازت الوديعة.

3-

تقسيم الودائع المصرفية

تتنوع الودائع المصرفية بحسب طبيعة إيداعها وتاريخ استردادها إلى ثلاثة أنواع:

الأول: ودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) تكييفها الشرعي وضمانها.

ويقصد بها الحسابات التي يقوم أصحابها بفتحها في البنك لإيداع أموالهم بغرض حفظها والتعامل اليومي بها بقصد أن تكون حاضرة للتداول والسحب عليها عند الحاجة لها وبمجرد الطلب، ودون توقف على أخطار سابق.

ويكيف هذا الحساب بأنه يأخذ حكم الوديعة في الشريعة الإسلامية في الرأي الراجح لأن البنك ملتزم بردها كاملة إلى أصحابها عند الطلب ولا يعكر على هذا الرأي أن البنك يستخدم هذه الوديعة، وهذا يعتبر خيانة لها إذا اعتبرت وديعة حقيقية، وأن المخرج من هذا أن تعتبر قرضا.

ذلك أن بعض فقهائنا يعدون التصرف بالوديعة لا يرقى إلى مرتبة الحرمة إذا كان الوديع مليئا. وعلل الدردير عدم حرمة تصرف المودع لديه بالوديعة المثلية كالنقود ونحوه بقوله: (ولم يحرم لأن المليء غير المماطل مظنة الوفاء مع كون مثل المثل كعينه التصرف الواقع فيه كلا تصرف. إلى أن قال: والربح الحاصل من التجارة للمودع – بالفتح - فإن كان الوديعة نقدا - أو مثليا فلربها المثل)(7)

وإن تهمة خيانة الأمانة مندفعة بأن المودع رضي باستخدامها، ومن جهة أنه يعلم أن المصرف سوف يتصرف بهذه الأموال وفق العرف المصرفي. (8)

وهذا التكييف يساعد على تيسير إخضاع بعض المعاملات المصرفية لأحكام الشريعة الإسلامية كما في حالة استعمال الوديعة أداة لوفاء دين.

وكذلك حالة ما لو استعملت وسيلة للدفع فلو اشترى صاحب الحساب بضاعة بما يملكه من ذلك الحساب فإذا اعتبرنا هذا الحساب قرضا فإن هذا العقد يكون صحيحا في حالة استلام البضاعة مباشرة بخلاف ما لو كانت البضاعة مؤجلة فإنه يكون عقدا باطلا شرعا لأنه من باب بيع دين بدين.

وهذا لا يرد مع اعتبار الحساب وديعة حقيقية. إضافة إلى إسهام هذا التكييف في المحافظة على حقوق صاحب الوديعة وإبعاده عن التعرض لمخاطر لم تتجه لها إرادته عند إبرام العقد.

(1) انظر المبسوط للسرخسي 13/110؛ والمغني:6/384؛ والخرشي: 6/126.

(2)

انظر المغني: 6/401؛ والخرشي على خليل: 6/127.

(3)

انظر البداية لابن رشد: 2/312؛ والخرشي على خليل: 6/133.

(4)

انظر حاشية البجيرمي: 3/249؛ وقليوبي وعميرة 3/181

(5)

انظر كشاف القناع: 4/166؛ والبحر الزخار: 4/167.

(6)

انظر الخرشي على خليل: 6/11.

(7)

الدردير على خليل:3/421

(8)

المصارف بين النظرية والتطبيق للدكتور عبد الرازق الهيتي:205.

ص: 561

وزيادة في الاحتياط يذكر بعض الباحثين أنه يراعي تضمين الطلب المقدم من قبل العميل لفتح حساب جار ما يأتي:

أ-الإذن الصريح للمصرف بالتصرف في الأموال التي يودعها لديه.

ب-النص صراحة على عدم استحقاق هذا النوع من الإيداع لأي نصيب من الأرباح. (1)

ولكن ينبغي مراعاة أن هذا الإذن بالتصرف في الوديعة في الحساب الجاري بنقل المال من أمانة المصرف إلى ذمته وتصير دينا من الديون. فتقوم المعوقات الشرعية في بعض الصور إذا أريد استعمال المال وسيلة للدفع أو أداة لوفاء دين.

الضمان

أما ضمان الحسابات الجارية فإنه على المساهمين وحدهم ذلك أن يد المصرف على هذا الحساب يد ضمان عند جمهرة الفقهاء.

وعلة هذا أن المصرف يقوم بخلط هذه الوديعة بغيرها ويستثمر الجزء الأكبر منها. ومن المقرر عند جمهور الفقهاء أنه ليس للوديع أن ينتفع بالوديعة، فإذا انتفع كان متعديا، فإذا تلفت ضمنها، وإذا أذن له المودع بالانتفاع صارت عارية مع بقاء عينها وقرضا إذا لم يبق عينها، والقرض مضمون برد المثل. (2)

والمالكية ذهبوا إلى أن مجرد خلط الوديعة بغيرها خلطا يتعذر معه التمييز يجعل الوديعة مضمونة إذا كان لغير الحفظ والإحراز. (3) . والمصرف يخلط النقود المودعة مع بعضها للتصرف بها. وكذلك الحال إذا كان التصرف غير مأذون به، فقد نص المالكية على أن (من اتجر بالوديعة فذلك مكروه والربح له لأنه ضامن) . (4)

وعلى كل الأحوال فإن هذا التصرف إنما هو من المؤسسين ممثلين بمجلس الإدارة والموظفين المخولين. فالضمان عليهم وحدهم ولا دخل للمودعين الآخرين بهذه التبعة وبهذا الضمان.

(1) انظر فتاوى شرعية في الأعمال المصرفية: 15 بنك دبي الإسلامي.

(2)

انظر بدائع الصنائع: 6/207 و213.

(3)

انظر القوانين الفقهية:321.

(4)

انظر الكواكب الدرية: 3/70؛ والدردير على خليل: 3/420-422.

ص: 562

استخدام الحساب كرهن أو ضمان

ومما يتعلق بهذا النوع من الودائع مسألة استخدام العميل أمواله المودعة في حساب جار كرهن، واستخدامها كضمان. أما عن استخدام الحساب الجاري كرهن: فمعلوم أن الرهن يشترط فيه القبض لقوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283] فلا يتصور أن يشتري الإنسان شيئا من آخر بثمن آجل ويرهن عنده نقودا. ولكن يتصور هذا إذا اعتبرنا المصرف الذي فيه الحساب هو العدل، أي الطرف الثالث الذي يرتضيه المتعاقدان ليكون الرهن بيده.

فإذا اعتبرنا الحساب قرضا في ذمة المصرف فهل يكون هذا الدين رهنا أو ضمانا لما جرى بين العاقدين.

ذهب المالكية إلى جواز أن يكون المرهون دينا. (1) وذهب جمهور الفقهاء إلى أن المرهون ينبغي أن يكون مالا متقوما يجوز بيعه ولا يصح رهن مالا يصلح بيعه لأن المقصود من الرهن الاستيثاق للدين باستيفائه من ثمن المرهون عند تعذر استيفائه من الراهن. (2)

وعلى كل حال: فما دام صاحب الحساب الجاري مخيرا بالسحب من حسابه متى شاء فإنه مليء يشتري بالنقد لا بالدين فلا ترد قضية الرهن والضمان في حقه، ولكن من حق صاحب الحساب أن يضمن غيره في حدود حسابه الجاري.

المقاصة من الحساب:

وهناك مسألة تجميد الحساب الجاري وحق المقاصة منه، فإذا كان على صاحب الحساب الجاري حق مقر به، للمصرف أو لغيره أو كان مماطلا وعلى بينة؛ فإنه لا يجوز الأخذ من حسابه مقاصة إلا ما يبذله هو ويعطيه. أو يصدر بالتجميد أو المقاصة حكم قضائي.

وأما إذا كان جاحدا للحق ظالما لصاحبه ولا قدرة لصاحب الحق على حمله على الإقرار فذهب الشافعية وجمهور المالكية إلى جواز الأخذ بقدر الحق من الوديعة مطلقا أي سواء كانت الوديعة من جنس الحق أو من غيره. على أن يحترس الأخذ من أن يصيبه ضرر بسبب الأخذ. يقول الدردير: (والمذهب أن له (أي المودع) الأخذ منها بقدر حقه إن أمن العقوبة والرذيلة وربها ملد أو منكر أو ظالم) (3)

(1) انظر الدردير على خليل: 3/231؛ والخرشي: 5/236؛ والقوانين: 277.

(2)

انظر العدة على العمدة: 246؛ وتحفة الفقهاء: 3/55؛ والهروي على الكنز: 293؛ والمغني 4/310.

(3)

انظر المهذب:2/317؛ والدردير على خليل: 3/431

ص: 563

ويشهد لهذا المذهب قول الله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194] ويشهد لهذا المذهب من السنة أيضا ما ورد من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة: ((خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف.)) في الحديث الصحيح. (1)

واستند الشافعية إلى هذا الحديث فأجازوا الأخذ وإن كان يقدر على الأخذ بالقضاء لأن عليه في المحاكمة مشقة. (2)

ونقل عن الإمام مالك رحمه الله القول بعدم جواز الأخذ من الوديعة مقاصة مطلقا. (3)

لعموم أدلة وجوب رد الأمانة إلى أهلها، والوديعة أمانة عند المودع. وذهب بعضهم إلى جواز الأخذ مقاصة بقدر الحق إن كانت من جنسه. فإن اختلفا جنسا لا يجوز لأن أخذ غير الجنس من باب المعاوضة وهي لا تجوز إلا برضاء الطرفين. وهو غير موجود فيها. (4)

وأجاز الشافعية الأخذ من غير الجنس ولكن لا يتملكه بل يبيعه ويصرف ثمنه في حقه. (5)

ولا يخفى رجحان ما ذهب إليه الشافعية من جواز المقاصة وأخذ الحق ممن وجب عليه إذا كان ممتنعا وإن كان يقدر صاحبه على أخذه بالقضاء بأن تكون له بينة. لقوة سنده ولأن فيه دفعا لمشقة اللجوء إلى المحاكم. وردعا عن المماطلة في الوفاء بالحقوق ودفعا للظلم والعدوان. وهذا هو ما يمكن أن يكون سندا شرعيا للمصرف وهو بصدد تجميد الحساب الجاري وحجزه على أموال العميل المودعة في حساب جار تصفية لحقوق عليه ناشئة من عمليات أخرى.

(1) انظر نيل الأوطار.

(2)

انظر المهذب: 2/317.

(3)

انظر المدونة: 15/160؛ والدردير: 3/431

(4)

انظر نيل الأوطار: 6/40؛ والودائع المصرفية للدكتور حسن عبد الله الأمين: 158-162

(5)

انظر المهذب: 2/317-318

ص: 564

الثاني حسابات التوفير: (الودائع الادخارية)

وهي الحسابات التي يحتفظ المودعون على أساسها بدفتر توفير تسجل فيه عمليات السحب والإيداع وفق ضوابط المصرف وقواعده.

وتهدف المصارف من خلال هذه الودائع إلى تشجيع الناس على الادخار.

وتصرف البنوك الربوية فائدة على هذه المدخرات مع تمكين المودعين من السحب من هذه الحسابات في ضوء شروط يضعها المصرف ويوافق عليها صاحب الحساب. أما المصارف الإسلامية فإنها لا تدفع فوائد عن هذه المدخرات، ولكن تجيز لصاحب الحساب أن يحوله إلى حساب استثماري في عمليات المضاربة أو غيرها من الأنشطة التجارية التي يجتازها صاحب الحساب. أو يبقى المصرف جزءا منه بمثابة سائل نقدي ليتدارك احتياجات صاحب الحساب. وفي كلا الحالين فإن لصاحب دفتر التوفير أن يسحب حسابه كله متى أراد.

ويمكن تكييف هذه الودائع من الناحية الشرعية من زاويتين.

الأولى: بالنظر لتلك الحصة التي يخصصها المصرف لتسديد سحوبات المودع وفقا لاحتياجاته وهذه بمثابة الحساب الجاري وحكمه الجواز ما دام لا تؤخذ عنه فوائد.

الثانية: بالنظر لتلك التي يختار لها صاحبها أن تدخل في حساب استثماري مشترك، وهذا النوع جائز أيضا ما دام المودع يستحق نسبة من الأرباح الناجمة من الاستثمار ويتحمل ما قد يكون من خسارة وفقا لقواعد المضاربة أو المشاركة الأخرى. (1)

(1) انظر المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق: 212.

ص: 565

الثالث: الحسابات الاستثمارية (الودائع الآجلة)

ويقصد بها: الودائع التي يضعها أصحابها في المصرف بناء على اتفاق بعدم السحب منها إلا بعد انقضاء فترة محددة. (1)

ويهدف أصحاب هذه الودائع إلى الحصول على الكسب المتمثل بالفائدة في المصارف الربوية أو الربح الحلال في المصارف الإسلامية التي تقوم باستثمارها في الأوجه المناسبة وبالطرق التي يراها دون تدخل من المودع.

ويستثمرها المصرف بنفسه أو مع شركاء آخرين، ويقوم المصرف في نهاية كل مدة محددة لعمله بتوزيع الأرباح الناجمة عن نشاطه لأصحاب هذه الحسابات.

وعادة ما يتوقف هذا على إعداد حسابات ختامية للمصرف وتقرير نسبة الأرباح التي ستوزع. (2)

وبالرغم من وجود اتفاق بعدم السحب من هذه الحسابات إلا بعد انقضاء الفترة المحددة، فقد يطلب صاحب الحساب سحب وديعته كلها أو بعضها. قبل انقضاء موعد الاستحقاق.

وللمصرف في هذه الحالة رد الحساب لصاحبه أو الامتناع عن ذلك. وغالبا ما يعيد المصرف الحساب لصاحبه حفاظا على سمعته، وتسير المصارف الربوية على رد الحساب دون أن يكون له فوائد خلال المدة التي انقضت والمال في حوزته أو إقراض المودع بضمان حسابه مبلغا في حدود وديعته وبفائدة أعلى من فائدة الإيداع. (3)

أما في المصارف الإسلامية فإن الأمر يبحث في إدارة النشاط الذي وظف فيه المال، فإن رأت الإدارة أن ظروف المودع تقتضي إجابته إلى طلبه بدون ضرر يلحق الآخرين فإنها تعيد المال لصاحبه إقالة لعثرة قد يكون المودع تعرض لها.

وعادة ما يلتزم المصرف أن يعطيه الربح الذي يستحقه خلال فترة الإيداع إن كان هناك ربح، مقابل أن يتعهد صاحب الحساب بتحمل الخسارة إن تبين من خلال الحساب الختامي أن هناك خسارة. (4)

ويمكن تكييف هذا النوع من الحساب بأنه عقد شركة بين المودع والمصرف، وأن المصرف يتصرف بالحساب كتصرف العامل في المضاربة. (5)

فما يأخذه صاحب الحساب من الأرباح المتحققة هو جزء مما نتج عن هذا العمل الاستثماري يستحقه باعتباره شريكا للمصرف وما يأخذه المصرف من هذه الأرباح باعتباره شريكا لصاحب الحساب وعاملا في ماله.

(1) انظر المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق: 212

(2)

انظر المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق: 214.

(3)

الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية: 5/130

(4)

مجلة الاقتصاد الإسلامي: 10/1982

(5)

الموسوعة العلمية للبنوك الإسلامية:5/149.

ص: 566

وبهذا نصل إلى تحديد يد المصرف على المال. وبالتأمل في تكييف هذا الحساب بأنه مضاربة بين المصرف وصاحب المال: يتضح أن يد المصرف على هذه الودائع يد أمانة، ولا تضمن إلا بالتعدي. فالمودع يستحق جزءا من الربح إن تحقق، وفي حالة الخسارة فإن المصرف لا يتحمل أي شيء منها، بل هي على المودعين فقط. انسجاما مع قواعد المضاربة الشرعية، صحيح أن المصرف عادة لا يقوم باستثمار هذه الودائع بنفسه بل يقوم بإعطائها لمن يعمل فيها مضاربة، وأنه وسيط أو مضارب بمال المضاربة. فهذا لا يغير من طبيعة اليد على المال.

ولقد بحث فقهاؤنا حالة ما إذا كان المضارب وسيطا بين صاحب المال ومضارب آخر. فاتفقوا على أنه لا يملك هذا بمجرد عقد المضاربة؛ لأن صاحب المال رضي خبرته وأمانته لا خبرة وأمانة غيره. (1) لكن العمل في المصارف الإسلامية يجري على اعتماد التفويض العام له من قبل صاحب الحساب لأن يدفع المال لمضارب آخر.

وقد ذهب فريق من الفقهاء من الحنفية والحنابلة وغيرهم إلى أن التفويض العام من قبل رب المال للمضارب يكفي؛ لأن يدفع عامل المضاربة مال المضاربة لمضارب آخر.

ففي ضوء هذا الذي قرره هؤلاء الفقهاء من جواز هذه المضاربة بالتفويض العام فإن يد المصرف تكون يد أمانة وأن ما تقوم به هذه المصارف من استثمار لهذه الحسابات هو استثمار مشروع خاصة وأن إذن صاحب الحساب للمصرف باستثمار المال بهذه الطريقة إنما هو إذن متحقق بديهي لأنه يعلم أن المصرف لا يمكنه استثمار جميع هذه الأموال بنفسه مباشرة بل لا بد له من استخدام عاملين آخرين لاستثمار الأموال المودعة لديه.

وبيانا لوجه استحقاق المضارب الأول الربح يقول الكاساني: (لأن عمل المضارب الثاني وقع له فكأنه عمل بنفسه كما لو استأجر إنسانا على خياطة ثوب بدرهم فاستأجر الأجير من خاطه بنصف درهم طاب له الفضل؛ لأن عمل أجيره وقع له، فكأنه عمل بنفسه) . (2)

(1) انظر بدائع الصنائع: 6/97؛ والمغني لابن قدامة: 5/48؛ والخرشي: 5/214؛ ومغني المحتاج: 2/314.

(2)

انظر البدائع: 6/97.

ص: 567

وبحث فقهاؤنا –رحمهم الله مسألة خلط مال المضاربة بأموال أخرى. والذي ينسجم مع الواقع الاقتصادي لعصرنا وييسر أمر التعامل في المصارف الإسلامية ما ذهب أليه الشافعية، من جوازه بالتفويض العام (1) لأنه ينصرف إلى ما هو متعارف عليه عند التجار وفيه مصلحة للمضاربة خاصة حالة كون رأس المال المودع للمضاربة لا يغطي صفقة يرى المضارب أن فيها ربحا جيدا فيعمد إلى الخلط تحقيقا لمصلحة تعود على الأطراف كلها.

فإذا تحقق الربح فإنه يعطي لكل مال من الأموال المشاركة في هذه المضاربة نسبة تساوي نسبة مشاركته في المضاربة ويعطى المضارب (المصرف) النسبة المتفق عليها في تلك المضاربة.

وإذا وقعت خسارة فإنها تقسم على الأموال المشاركة في هذه المضاربة على نسبة مشاركتها فيها، ويكون الباقي بعد خصم نسبة خسارته هو الذي يستحقه أصحاب رؤوس الأموال، أما المضارب فلا يتحمل شيئا من تلك الخسارة. (2)

نقرر هذا مع علمنا أن هناك من ذهب إلى ضمان مال المضاربة المشتركة على المضارب (البنك) إما بطريق التبرع للمودعين تشجيعا لهم على الإيداع. (3) أو قياسا على الأجير المشترك الذي قال بضمانه المالكية وبعض الحنفية. (4)

وأما ما نقله ابن رشد عن بعض الأئمة من قوله: (إن دفع العامل رأس مال القراض إلى مقارض آخر فإنه ضامن إن كان خسران.)(5) فهذا جاء في سياق تصرف العامل بغير إذن رب المال.

سواء كان الخلط أو بتسليمه إلى مضارب آخر. بدليل أنه ذكر في أول كتاب القراض الإجماع على أنه لا ضمان على العامل فيما تلف من رأس المال إذا لم يتعد. (6)

والذي يساعد على ما ذهبنا إليه ورجحناه اتفاق الفقهاء على أن الوضعية على رأس المال.

والقول بضمان المضارب المشترك يؤدي إلى جعل هذا المضارب مقترضا لا مضاربا ومن ثم يكون ما يدفعه للمستثمرين فيه شبهة الربا، أو هو الربا بعينه.

(1) انظر تكملة المجموع على المهذب: 5/92 و102

(2)

انظر المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق: 385.

(3)

انظر البنك اللاربوي في الإسلام.

(4)

انظر بدائع الصنائع: 4/210؛ ومجمع الضمانات: 27؛ وبداية المجتهد: 2/232.

(5)

انظر بداية المجتهد: 2/242.

(6)

انظر بداية المجتهد: 3/236.

ص: 568

8-

رهن الوديعة الاستثمارية

إن الوديعة الاستثمارية حصة في المشاركة بين صاحبها والمصرف. فلا يتصور رهن هذه الحصة وهي نقود. ومعلوم أن السحب من هذا النوع من الحساب غير مسموح به إلا في نهاية عمل المشروع. غير أنه يمكن لصاحب المال أن يقترض من المصرف الإسلامي بضمان هذه الحسابات وفي هذه الحالة يحسب نصيب الوديعة في الأرباح المتحققة على أساس الفرق بين المبلغ المقترض وأصل الحساب الاستثماري مع مراعاة المدة التي استخدم فيها كل جزء. (1)

وفي هذه الحالة يضع المصرف إشارة على هذا الحساب بقدر ما اقترضه صاحبه منها لسحب ما يوازي القرض. ومعلوم أن هذا القرض في المصارف الإسلامية بلا فائدة وإلا وقع الطرفان في الربا المحرم. وإذا نظرنا إلى هذا الجزء المؤشر في المصرف على أنه دين عليه لصاحب الحساب فيمكن أن يعتبر رهنا وفقا لمن رأى جواز رهن الدين من الفقهاء.

9-

الوديعة الاستثمارية حصة في المشاركة

إن العقد الذي ينطبق على الوديعة الاستثمارية هو عقد شركة بين المودع والمصرف، وإن تصرف المصرف في الحساب إنما تتم على أساس أنه شريك لصاحبه، وتصرفه فيها كالتصرف العامل في المضاربة. والمضاربة مشاركة بين اثنين أحدهما يدفع المال والآخر يدفع بدنه، أي يشارك بالعمل. (2) وهذا التصور هو الذي ينسجم مع ما يجري عليه العمل المصرفي فإن صاحب هذا الحساب – وهو شريك للمصرف- سيحصل على نصيبه في أرباح شراكته وستكون هذه الأرباح هي التي تدفعه إلى التعامل مع هذه المصارف مما يساعد على نمو رأس المال للمصرف الإسلامي وازدهار استثماراته بعيدا عن الربا وإثمه. على عكس ما لو كان صاحب الحساب يعلم أنه لا يصيبه من هذا الحساب سوى صيانة أمواله وحفظها وأنه لا فرق بين هذا الحساب والحساب الجاري فإن ذلك سيضعف إقبال العملاء على هذه المصارف. (3)

(1) انظر تقييم تجربة البنوك الإسلامية: 32لعبد الحليم إبراهيم محيسن.

(2)

انظر المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق: 216.

(3)

انظر المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق: ص 217.

ص: 569

10-

إدراج حسابات الاستثمار:

إذا تقدم صاحب المال إلى المصرف ليودع ماله في حساب استثماري فإن هذا المال يدرج في المطلوبات قبل مباشرة المصرف في استثماره في أحد المشاريع التجارية. ويترتب على هذا أنه يمكن سحب هذا المال كله أو بعضه لأن هذا المال قبل مباشرة العمل يعد أمانة في يد المصرف. أما بعد مباشرة العمل فإنه يكون حصة في المشاركة فينتقل بهذا إلى موجودات المصرف ويمكن أن نلحظ في عبارة الكاساني ما يعين على هذا التكييف حيث يقول: (إن رأس المال قبل أن يشتري المضارب به شيئًا أمانة في يده بمنزلة الوديعة لأنه قبضه بإذن المالك لا على وجه البدل والوثيقة، فإذا اشترى به شيئًا صار بمنزلة الوكيل بالشراء والبيع لأنه تصرف في مال الغير بأمره.. فإذا ظهر في المال ربح صار شريكًا فيه بقدر حصته من الربح)(1) .

وهذا ينطبق على الحساب الجاري فهو مندرج تحت مطلوبات المصرف وليس هناك مانع شرعي من تحويل هذا الحساب إلى حساب استثماري في حالة رغبة أصحابه ويترتب على هذا أن يتحول الحساب إلى موجودات للمصرف تمثل رأس مال المشروع. ولا يحتاج المصرف إلى عملية إعادة الوديعة إلى المودع ثم إيداعها مرة ثانية في الحساب الاستثماري لأنها تتحول وهي في مكانها، ويؤيد هذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من جواز جعل الوديعة رأس مال في المضاربة ، وفي هذا يقول الكاساني:(ولو أضاف المضاربة إلى عين هي أمانة في يد المضارب من الدراهم والدنانير بأن قال للمودع: اعمل بما في يدك مضاربة بالنصف جاز ذلك بلا خلاف) . (2) .

11-

سحب جزء من حساب استثماري قبل نهاية مدته

يمتاز الحساب الاستثماري في المصارف بثبات واستقرار يتمثل في الاتفاق على أن لا يسحب منه قبل مضي مدة متفق عليها بالأشهر أو بالسنة.

غير أن ظروفًا قد تطرأ للمودع تحمله أن يسحب جزءًا من هذا الحساب وأن المصرف حفاظًا على سمعته لا يريد أن يمنع هذا السحب بعد أن دخل الحساب في المشاركة والمضاربة؛ خاصة وأن المصارف عادة تستثمر الجزء الأكبر من الحساب وتبقي جزءا منه على شكل نقد لمواجهة ما قد يطرأ فيدعو إلى السحب منها (3) . لذلك فإنها تستجيب إلى مثل هذا الطلب.

ثم يرد السؤال عن استحقاق هذا المال المسحوب ربحًا أو تحمله خسارة عن الفترة التي بقي المبلغ في حوزة المصرف. وهنا لا بد أن نفرق بين حالين: حال ما إذا كان هناك ربح ظاهر قبل السحب. وحال ما إذا لم يكن.

فإن كان هناك ربح ظاهر فإن المال المسحوب يستحق حصته من الربح في وقت سحبه، كما يتحمل نصيبه من الخسارة إن كانت هناك خسارة لأن الغنم بالغرم.

وإن لم يكن هناك ربح فإن المبلغ الذي يتم استرداده، لا يستحق شيئًا من الربح الذي يتم توزيعه في الأجل المضروب للتوزيع لأن الربح المعلن في هذا الأجل لا يتقرر إلا للمبلغ الذي يكون باقيًا لدى المضارب من بداية المضاربة إلى نهاية الأجل المتفق عليه أو المتعارف على إجراء الحساب فيه.

(1) انظر البدائع: 6/87

(2)

البدائع. 6/83

(3)

تقييم تجربة البنوك الإسلامية31

ص: 570

وفي هذا يقول النووي وشارحه الشربيني: (ولو استرد المالك بعض مال القراض قبل ظهور ربح وخسران فيه رجع رأس المال إلى ذلك الباقي بعد المسترد، لأنه لم يترك في يده غيره فصار كما لو اقتصر في الابتداء على إعطائه له. وإن استرد بعد ظهور الربح فالمسترد منه شائع ربحًا ورأس مال على النسبة الحاصلة من جملة الربح ورأس المال.... وإن استرداد المالك بعضه بعد ظهور الخسران فالخسران موزع على المسترد والباقي)(1) .

أما كيفية حساب ذلك فإنها كما وردت في فتوى أستاذنا الجليل الشيخ بدر المتولي عبد الباسط رعاه الله وهو ينصح بإجابة طلب هذا الذي رغب في الاسترداد.

وقال: (على أن يتعهد البنك عند وضع الميزانية النهائية للعام أن يعطيه الربح الذي يستحقه خلال فترة الإيداع إن كان هناك ربح، ويأخذ منه تعهدًا بالرجوع عليه بالخسارة إن تبين آخر العام أن هناك خسارة ويكون تحمله بنسبة المبلغ الذي تم سحبه، والمدة التي كان فيها المبلغ في ذمة البنك)(2) .

وقد ذكر النووي طريقة لتوزيع الربح والخسارة (3) . وطرائق الحساب المتقدمة وأجهزتها المتطورة المعاصرة لا تعجز عن الوفاء بهذه المهمة. والله أعلم.

أ. د. حمد عبيد الكبيسي

(1) انظر مغني المحتاج: 2/320-321

(2)

انظر مجلة الاقتصاد الإسلامي: 10لسنة 1982

(3)

انظر المغنى على المنهاج:2/321

ص: 571