المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المناقصات(عقد الاحتياط ودفع التهمة)إعدادالشيخ حسن الجواهري - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد التاسع

- ‌بحث فيالذهب في بعض خصائصه وأحكامهإعداد الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌تجارة الذهبفي أهم صورها وأحكامهاإعدادد. صالح بن زابن المرزوقي

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعدادد. الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعدادد. محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌السلم وتطبيقاته المعاصرةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعداد الشيخ حسن الجواهري

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعداد نزيه كمال حماد

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. سامي حسن حمود

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. حسين كامل فهمي

- ‌الحسابات والودائع المصرفيةإعدادد. محمد علي القري

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. حمد عبيد الكبيسي

- ‌الودائع المصرفية(تكييفها الفقهي وأحكامها)إعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌أحكام الودائع المصرفيةتأليفالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌الحسابات الجاريةوأثرها في تنشيط الحركة الاقتصاديةإعدادد. مسعود بن مسعد الثبيتي

- ‌الاستثمار في الأسهموالوحدات والصناديق الاستثماريةإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌ موضوع الاستثمار في الأسهم

- ‌الاستثمار في الأسهمإعدادد. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثماريةإعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌مناقصات العقود الإداريةعقود التوريد ومقاولات الأشغال العامةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌المناقصات(عقد الاحتياط ودفع التهمة)إعدادالشيخ حسن الجواهري

- ‌انخفاض قيمة العملة الورقية بسبب التضخمالنقدي وأثره بالنسبة للديون السابقةوفي أي حد يعتبر الانخفاض ملحقاً بالكسادإعدادالدكتور مصطفى أحمد الزرقا

- ‌التضخم والكسادفي ميزان الفقه الإسلاميإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌حكم ربط الحقوق والالتزاماتبمستوى الأسعارإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌أثر التضخم والكسادفي الحقوق والالتزامات الآجلةوموقف الفقه الإسلامي منهإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌مفهوم كساد النقود الورقيةوأثره في تعيين الحقوق والالتزامات الآجلةحدود التضخمالتي يمكن أن تعتبر معه النقود الورقية نقودًا كاسدةإعدادالدكتور ناجي بن محمد شفيق عجم

- ‌كساد النقود الورقية وانقطاعها وغلاؤها ورخصهاوأثر ذلك في تعيين الحقوق والالتزاماتإعدادالدكتور محمد علي القري بن عيد

- ‌كساد النقود وانقطاعهابين الفقه والاقتصادإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ خليل محي الدين الميس

- ‌سد الذرائعإعدادأ. د وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ محمد الشيباني بن محمد بن أحمد

- ‌سد الذرائععند الأصوليين والفقهاءإعدادالأستاذ الدكتور خليفة بابكر الحسن

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ مجاهد الإسلام القاسمي

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور علي داود جفال

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌مقارنة بين الذرائع والحيلومدى الوفاق والخلاف بينهماإعدادحمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ الدكتور الطيب سلامة

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور أحمد محمد المقري

- ‌مبدأ التحكيمفي الفقه الإسلاميإعدادالمستشار محمد بدر يوسف المنياوي

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميمبدؤه وفلسفتهإعدادالدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري

- ‌التحكيمإعدادالأستاذ الدكتور عبد العزيز الخياط

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعداد الأستاذ محمود شمام

- ‌نقص المناعة المكتسبة(الإيدز)أحكامه وعلاقة المريض الأسرية والاجتماعيةإعدادالدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌الأسرة ومرض الإيدزإعدادالدكتور جاسم علي سالم

- ‌إجراءات الوقاية الزوجية في الفقه الإسلاميمن مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)إعدادالشيخ أحمد موسى الموسى

- ‌ملخصلأعمال الندوة الفقهية السابعة

- ‌الإيدز ومشاكله الاجتماعية والفقهيةوثيقة مقدمة منالدكتور محمد علي البار

الفصل: ‌المناقصات(عقد الاحتياط ودفع التهمة)إعدادالشيخ حسن الجواهري

‌المناقصات

(عقد الاحتياط ودفع التهمة)

إعداد

الشيخ حسن الجواهري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه الميامين.

المناقصات (عقد الاحتياط ودفع التهمة)

1-

تعريف المناقصة: عرفت المناقصة بأنها: "طريقة بمقتضاها تلتزم الإدارة (أو الشخص) باختيار أفضل من يتقدمون للتعاقد معها شروطاً، سواء من الناحية المالية أو من ناحية الخدمة المطلوب أداؤها". (1)

ونرى أن هذا التعريف شامل للمزايدة أيضاً، باعتبار أن المناقصة والمزايدة معاً من عقود المنافسة النزيهة والتي تساوي بين المتنافسين، وعلى هذا سوف يكون شراء الحاجات وتنفيذ الأعمال من خصوصيات عقد المناقصة، كما أن بيع الحاجات والمباني الحكومية أو التابعة للأشخاص من خصوصيات عقد المزايدة.

وهذا التعريف وإن لم يكن تعريفاً حقيقيًّا للمناقصات، بل هو شرح الاسم، إلا أنه قد تعرض لالتزام أحد الأطراف بالتعاقد، ولم يتعرض لالتزام المتعاقد الآخر، ولكن من مجمل عملية المناقصة الحديثة نفهم أن المناقص ملزم بما تقدم به من عرض لبيع سلعته أو تقديم خدماته لحين رسو عملية المناقصة، ولذا من الأفضل إضافة هذه الجملة إلى التعريف السابق، وهي:"ويلتزم الطرف الآخر بما عرضه لحين رسو العملية". ولذا يمكننا أن نعرف المناقصات بأنها "طريقة بمقتضاها تلتزم الأطراف باختيار أفضل من يتقدم للتعاقد شروطاً".

وقد يقال: إن التزام الداعي إلى المناقصة هو التزام ابتدائي "ليس في ضمن عقد" فيكون وعداً لا يجب الوفاء به وهو معنى عدم كونه ملزماً.

ونجيب على ذلك: بأن الالتزام إذا كان قد وصل إلى حد التعهد إلى الغير بحيث رتب الغير عليه الآثار، فصار عهداً "عقداً" مستقلاً يجب الوفاء به خصوصاً إذا قابله التزام من الطرف الآخر. (2)

وهذا بالإضافة إلى ما سيأتي من إمكان أن يكون إلزام الداعي إلى المناقصة باختيار أحسن العروض وإلزام المتناقصين بالبقاء على التزاماتهم لحين رسو المناقصة، قد شرط في ضمن عقد بيع المعلومات التي تشترط للدخول في المناقصة، فيحصل الالتزام في ضمن عقد فيكون ملزماً بالاتفاق.

وقد يستشكل في صحة التزام الداعي إلى المناقصة باختيار أفضل من يتقدمون للتعاقد معه، سواء قلنا: إن هذا الالتزام قد وصل إلى مرحلة التعهد والعقد أو كان شرطاً في ضمن عقد بيع المعلومات، قد يستشكل بإشكال آخر، وخلاصته تكمن في غررية هذا الالتزام؛ لأن الداعي إلى المناقصة قد التزم باختيار أفضل من يتقدم للتعاقد معه، مع أنه لا يعلم المقدار الذي يقع عليه التعاقد في الخارج الآن، فهو التزام غرري.

(1) مصطلحات قانونية/ اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية/ مطبوعات المجمع العلمي العراقي 1394/1974/ص178.

(2)

هذا الرأي يخالف ما ذهب إليه علماء الإمامية من أن التعهد الابتدائي لا يجب الوفاء به ولكن رأينا أن الأدلة الروائية والقرآنية الدالة على وجوب الوفاء بالعهد حتى الابتدائي كافية، لذا ارتأينا هذا الرأي خلافاً للمعظم من علماء الإمامية

ص: 853

والجواب على ذلك:

1-

إن الغرر الذي منعه الشارع ليس هو الجهالة، بل الغرر عبارة عن عدم معرفة حصول الشيء من عدمه، كالطير في الهواء والسمك في الماء، وهذا يختلف عن المجهول الذي معناه "ما علم حصوله مع جهالة صفته".

2-

ولو قلنا كما قال الفقهاء بأن الغرر يشمل الجهالة أيضاً، فإن الغرر المنهي عنه هو الغرر الذي يؤدي إلى منازعة بين المتبايعين، أما ما كان لا يؤدي إلى المنازعة فهو لا بأس به، وقد ذكرت الروايات الأمثلة الكثيرة الدالة على عدم الضرر في وجود غرر (جهالة) لاتؤدي إلى المنازعة كما في بيع شيء من الحليب في الإسكرجة مع ما في الضرع، وبيع السمك في الأجمة مع القصب الظاهر وأمثال ذلك من البيوع التي فيها جهالة واضحة إلا أنها لا تؤدي إلى منازعة بين المتخاصمين.

3-

ولو تنزلنا وقلنا: إن الغرر يشمل كل جهالة، فهو إنما يضر إذا كانت الجهالة في العقد، أما هنا فإن الجهالة في الشرط وليست في العقد.

ولا حاجة إلى التنبيه إلى أن هذه العقود لا يجوز فيها التغرير والخداع من المتناقصين أو المتزايدين أو واحد منه أو أطراف خارجية، وذلك لأجل تحقق المنافسة النزيهة التي هي أساس المناقصة الحرة. كما هي عقود يطلب فيها المشتري أو البائع الاحتياط لنفسه ودفع التهمة عنه فيما إذا كان وكيلاً أو وليًّا.

العلاقة بين المزايدة والمناقصة:

وبهذا يتضح أن العلاقة بين المزايدة والمناقصة هي علاقة تضاد من الناحية اللغوية والموضوعية، فالزيادة ضد النقص، ولهذا وردت التفرقة بينهما في العقود.

فالمناقصة: تستهدف اختيار من يتقدم بأقل عطاء، ويكون ذلك عادة إذا أرادت القيام بأعمال معينة كالأشغال العامة مثل بناء العمارات أو إقامة الجسور أوتبليط الطرقات وما شابه ذلك.

أما المزايدة: فترمي إلى التعاقد مع الشخص الذي يقدم أعلى عطاء، وذلك إذا أرادت الإدارة أن تبيع أو تؤجر شيئاً من أملاكها مثلاً. (1)

وعلى هذا نتمكن أن نقول: إن العلاقة بين المزايدة والمناقصة هي علاقة تضاد في اللفظ والموضوع كما هو واضح من اختلاف طبيعة كل منهما، ولكن يشتركان في الإجراءات والتنظيمات في الجملة كما هو واضح من اشتراكهما في التعريف (اختيار أفضل من يتقدم للتعاقد) ، فالإجراءات المتبعة في عقد المناقصة هي بنفسها متبعة في عقد المزايدة، فمثلا بعد الإعلان عن المزايدة أو المناقصة في وسائل الإعلام وتتم الإجراءات الكتابية والمناداة العلنية تأتي هذه المراحل الثلاثة:

1-

التقدم بالعطاءات من قبل الأفراد والمؤسسات.

2-

فحص العطاءات وإرساء المزايدة أو المناقصة.

3-

إبرام العقد.

(1) الأسس العامة للعقود الإدارية (دراسة مقارنة) / السيد محمد الطحاوي/ الطبعة الرابعة مصر 1984/ ص 213 مصطلحات قانونية/ ص 178.

ص: 854

النجش: ويأتي في بيع المناقصة النجش الذي يذكر في بيع من يزيد ويعرف "بأنه تواطؤ صاحب السلعة مع مزايد صوري يدفعه للمزايدة في السلعة حتى يعلي ثمنها، ولا يقصد شراءها، وإنما أراد خدمة صاحبها" وذكر الفقهاء حرمته في صورة كون الناجش قد رفع الثمن عن القيمة الحقيقية تضليلاً للمزايدين، يأتي ولكنه معكوس وذلك لوجود العلة التي حرمته وهي الاحتيال والإضرار بالأخ المسلم ظلما، المستنبطة من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن النجش. وعلى هذا فلو تواطأ المريد للسلعة الموصوفة بأوصاف معينة مع أحد الأفراد المشتركين في المناقصة بأن يعرض بثمن أقل من الثمن السوقي ولا يقصد البيع حقيقة خدمة لمن طلبها فيكون هذا حراماً، للعلة التي حرم النبي صلى الله عليه وسلم فيها النجش وهي الاحتيال والخديعة والإضرار بالأخ المسلم ظلماً، ويشتركان في الإثم.

وكذا يحرم فيما إذا اتفق البائع مع من ينافسه في بيع السلعة الكلية على عدم المنافسة له في العرض، أو اتفق معهم على عدم عرض السلعة بثمن أقل من كذا، فهو من الاحتيال والغش "حيث إن اتفاق الأطراف كلها كان قد بني على المنافسة النزيهة فيكون اتفاق البعض على عدمها غشاً واحتيالاً" فإن كان فيه إضرار بالمشتري (كأن اشترى السلعة بأكثر من الثمن السوقي مع عدم علمه بذلك) فالعمل يكون حراماً لوجود علة حرمة النجش ويثبت للمشتري الخيار في إمضاء الصفقة أو فسخها.

وإن حصل التنقيص في الثمن ممن لا يريد شراءها بغير تواطؤ مع المشتري ليضر الغير ويخدعه، فإن الحرمة تختص بالمنقص.

اختلاف الموجب بين المزايدة والمناقصة في البيع:

قالوا (1) : إن الموجب هو من يتقدم بعطاء، إلا أنه في المزايدة يكون الموجب هو المشتري، بينما في المناقصة يكون الموجب هو البائع، كما يكون إرساء المناقصة باختيار أفضل من يتقدم للتعاقد هو القبول.

ولكن يمكن المناقشة في جعل الموجب في المزايدة هو من يتقدم بعطاء، باعتبار أنه يتملك بثمن معين (وإنما يملك ثمنه للغير تبعاً لتمليك الغير سلعته إياه، فهو تمليك تبعي) فيكون قابلاً، وقدم قبوله بلفظ اشتريت أو ابتعت أو تملكت وأشباهها، وأما الموجب فهو الذي يملك السلعة وإن تأخر عن القبول، وعلى هذا لا يشترط تقديم الإيجاب على القبول لظهور كونه عقداً يجب الوفاء به، أما الرضا فهو موجود في تقديم القبول على الإيجاب وتقديم الإيجاب على القبول. نعم يكون المتقدم بالعطاء في المناقصة موجباً؛ لأنه يملك ماله بثمن معين وهو معنى الإيجاب، ثم إننا وإن قبلنا (قياساً على المزايدة) بأن الذي تقدم بعرض سلعته بثمن معين هو الموجب، فإن بذلك آخر عمله أو سلعته بأقل من الأول فقد سقط الإيجاب الأول ووجد إيجاب ثان (وهو البذل الثاني) استناداً إلى التعريف الذي تقدم للمناقصات القائل بأنه باختيار أفضل من يتقدمون للتعاقد، وحينئذ يكون البذل بالأقل هو أفضل من الأول للتعاقد، وقد التزم الداعي إلى المناقصة باختياره فيكون ملزماً به ومعرضاً عن البذل الأول فيسقط البذل الأول، فإننا وإن قبلنا كل ذلك إلا أننا لا نقبل ذلك وفيما إذا كان البذل الثاني قد صدر من القاصر أو المحجور عليه، (2) لأن هذا البذل الأخير ليس ملزماً للداعي إلى المناقصة وإن تصوره ملزماً.

وعلى هذا يمكن القول بعدم وجود بذل ثان أفضل من الأول في هذه الصورة الأخيرة.

(1) مصادر الحق في الفقه الإسلامي/ ج2/ ص 66

(2)

مصادر الحق في الفقه الإسلامي/ ج2/ ص 66

ص: 855

علاقة المناقصة بالمقاولة:

إن علاقة المناقصة بالمقاولة من حيث إن المناقصات هي قسم من المقاولات التي تكون ملزمة للطرفين، فإن المقاولة ربما تكون مع طرف خاص من غير أن تسبق بعرض ذلك المشروع على الآخرين، وبعبارة أوضح إن المناقصة والمقاولة كلاهما تعهد من قبل من يشترك في المناقصة والمقاولة، إلا أن الاختلاف من ناحية أن المقاولات عامة تشمل المناقصات التي هي مقاولات خاصة وتشمل غير المناقصات التي يكون التقاول مع طرف خاص من غير أن تسبق هذه المقاولة بعرض المشروع على الآخرين. فالعلاقة بينهما هي علاقة العموم والخصوص المطلق، إذ كل مناقصة هي مقاولة وليست كل مقاولة هي مناقصة، فالمقاولات أعم من المناقصات التي هي مقاولات خاصة.

توضيح لعقود المناقصات المعاصرة:

إن ما يجري في الخارج لعقود المناقصات قد يحتوي على عمليات متعددة يكون لفهمها الأثر الخاص في تشخيص الحكم الذي نحن بصدده، لذا من المستحسن أن نستعرض سير عملية المناقصة من أول ما يدعى إلى المشاركة فيها وحتى نهاية العقد فنقول:

1-

إن أول ما يصدر منشوراً في الصحف الكثيرة الانتشار هو وجود عزم جهة معينة لتأسيس مشروع معين أو شراء سلع موصوفة، ولكن طريقة تمامية العقد تكون على طريقة المناقصة التي هي (التزام بالتعاقد مع أفضل من يتقدم بالتعاقد معه) ، ويذكر عادة في هذا المنشور الدعوة إلى الاشتراك في المناقصة وذكر آخر موعد لتسلم المظاريف التي فيها الاستعداد الكامل لتقبل الصفقة بسعر معين.

2-

قد يشترط لأجل الاشتراك في عملية المناقصة شراء المعلومات التي أعدتها الجهة الداعية إلى المناقصة حول المشروع وهنا لا بد لأجل الاشتراك في عملية المناقصة لمن يرغب بها من شراء تلك المعلومات، وهذا عقد مستقل قبل الاشتراك في المناقصة ولا ارتباط له بعقد المناقصة الذي لم تبدأ أي مرحلة من مراحله لحد الآن. وقد يشترط في هذا العقد تقديم خطاب ضمان ابتدائي يدفعه البنك إذا رست المعاملة على أحد المتناقصين ولم يلتزم بها.

3-

يبدأ عقد المناقصة من حين تسلم المظاريف وفتحها "وقد يكون من حين كتابة المظاريف"، وبما أن في كل مظروف استعداد صاحبه لتقبل المشروع بسعر معين، فهو يكون إيجاباً من قبل صاحبه للالتزام بما يريده صاحب الطلب "وفي حالة كون المناقصة علنية وعلى وجه المباشرة بين البائع أو المقاولين وبين الراغب في تمامية المشروع له، تكون المناداة بالاستعداد بسعر معين هي الإيجاب ". ولكن بما أن الداعي إلى المناقصة قد التزم بأنه يختار أفضل من يتقدمون للتعاقد معه، فحينئذٍ يكون بذل السلعة أو العمل بسعر أقل من الأول موجباً لسقوط الإيجاب الأول وبقاء الثاني، وهكذا إذا حصل من يبذل أقل من الثاني، إلا أن هذه المرحلة يبتدأ بها العقد ولكنه لم يتم إلا بعد إرساء المناقصة على أحد الأفراد وهو الأقل من غيره.

ص: 856

1-

وإذا رست المعاملة على أحد المتناقصين باعتباره الأفضل للتعاقد، فقد حصل القبول وتم العقد في هذه اللحظة وإن كان قد بدأ قبل ذلك. وفي هذه المرحلة لا يوجد أي إشكال في هذه المعاملة حيث يكون الثمن معلوماً للمشتري، كما لا بأس بالفاصل بين الإيجاب والقبول هنا كما لا نرى بأساً به فيما إذا حصل الإيجاب بواسطة الرسالة التي تستغرق مدة "أكثر من المدة التي تكون بين كتابة المظاريف وفتحها وإرساء المناقصة على أفضلها" غير قليلة حتى يتحقق القبول ويتم العقد.

ولكن قد يكون سبر المناقصة بصورة أخرى: خلاصتها " تقديم القبول على الإيجاب " كأن يقول الداعي إلى المناقصة "كما تقدم في تعريفها" أنا ألتزم باختيار أفضل من يتقدم للتعاقد معي حول هذا المشروع الموصوف بهذه الأوصاف المعينة، ويعتبر هذا قبولاً متقدماً على الإيجاب. وعلى هذا فسوف يكون فتح المظاريف والاطلاع على أقل من تقدم للتعاقد هو الإيجاب المقبول سابقاً.

وفرق هذه الصورة عن سابقتها هو في تحديد بدء العقد وانتهائه، ففي الصورة الأولى كان بدء العقد بكتابة المظاريف أو فتحها وانتهائه بالقبول مع أفضل من تقدم للتعاقد، أما في الصورة الثانية فيكون بدء العقد من حين الدعوة إلى المناقصة وختامها بفتح المظاريف ومعرفة أفضل من تقدم للتعاقد.

ولكن إشكال هذه الطريقة الثانية يكمن في عدم معرفة الثمن حين القبول المتقدم، حيث إن المشتري أو صاحب المشروع قد قبل أفضل من يتقدم للتعاقد معه، وهو لا يعرف الثمن الذي يكون في مقابل المشروع أو السلعة المشتراة، نعم يعرف الثمن حين تمامية العقد ومجيء الإيجاب، فهل هذا يضر بصحة العقد؟

الجواب: قد يقال بأن جهالة الثمن عند القبول المتقدم لا يضر بصحة العقد، حيث إن معلومية الثمن وكذا المثمن هي شرط لصحة العقد، وحينما يتم العقد يتضح الثمن، فلا جهالة بالثمن عند تمامية العقد، نعم هناك جهالة بالثمن قبل تمامية العقد وهي لا تضر.

وبعبارة أخرى: إذا قلنا: إن جهالة الثمن مضرة بحصة العقد؛ لأنها تؤدي إلى الضرر المنهي عنه، فإن الضرر غير موجود بعد تمامية العقد، حيث إن المشتري قد علم بالثمن حين رسو المعاملة.

ثم إننا إذا لم نقبل ما تقدم كتوجيه لصحة الصورة الثانية للمناقصات فنقول: إن القبول المتقدم إن لم يكن مقبولاً، فبعد فتح المظاريف ومعرفة أفضل من تقدم للتعاقد يحصل القبول من المشتري الآن، فيكون ابتداء العقد وانتهائه كالصورة الأولى وقد عرفنا أنه لا إشكال فيها.

2-

أنواع المناقصات: إن المناقصات التي توجد في الخارج يمكن أن تكون على أنواع متعددة:

الأول: مناقصات للبيع والشراء: فإن الجهة الداعية إلى عقد المناقصة تريد الشراء لما ترغب فيه بمواصفات معينة، والذي يبذل ما يريده المشتري يكون بائعاً. وهذا هو بيع الكليّ المضمون حالاً.

الثاني: مناقصات الاستصناع والسلم: حيث تعقد المناقصة لشراء الكلي الموصوف الذي يسلم بعد ستة أشهر مثلاً، فيتعاقد المشتري مع أفضل من يتقدم من الناحية المالية والالتزامية، فهي مناقصة سلم إذا كانت على سلعة لا بد من تحويلها بعد الأجل، ومناقصة استصناع إذا كان المراد تحويله عبارة عن شيء كونه العمل مع المواد الأولية التي يوفرها المستصنع.

ص: 857

الثالث: مناقصات لعقد الإجارة: لإنشاء مشروع معين، على أن تكون مواد المشروع من الجهة الداعية إلى المناقصة.

الرابع: عقد مناقصة لأجل الاستثمار: ولهذا القسم أنواع متعددة تبدو في كل من:

أ- عقد المضاربة.

ب- عقد المزارعة.

ج- عقد المساقاة.

فإن الممول في المضاربة الشرعية، وصاحب الأرض والبذر الذي يريد زراعة أرضه بنسبة من الربح، وصاحب الأصول الذي يرغب في أن يسقي غيره أصوله المغروسة قد يعقدون مناقصة لمن يكون شريكاً لهم في الربح، فيعلن (المضارب والمزارع والمساقي) رغبته للتعاقد مع أفضل من يتقدم للشركة معه.

ونحن لا نحتاج إلى سرد دليل خاص على مشروعية المناقصات حيث إنها كما اتضحت داخلة:

إما في بيع الكلي حالاً.

أو بيع الكلي سلماً.

أو بيع الاستصناع.

أو الإجارة.

أو الاستثمار على طريقة المشاركة.

وبهذا سوف تكون أدلة هذه العقود هي الأدلة على صحتها.

ثم إنه كما يكون البيع في الحيوان والصرف والسلف والاستصناع، كذلك تكون المناقصة فيها على حد سواء. وعلى هذا فسوف تكون المناقصات شاملة للبيع وللإجارة وللاستثمار عن طريق المشاركة في الربح فهي عبارة عن عنوان عام يمكن أن نطلق عليه عنوان عقود المناقصات.

وعلى هذا فإن المناقصات لما كانت تختلف عن البيوع العادية في اعتبار أن المشتري ملتزم بالتعاقد مع أفضل من يتقدم بالتعاقد معه، وكذلك البائع قد التزم بذلك كما في التعريف فمعنى ذلك أن العقد الحاصل من تلك المناقصة قد اشترط فيه إسقاط الخيارات، حيث إن الالتزام في العقد بالتعاقد مع أفضل من يتقدم للتعاقد ليس معناه عرفاً هو الالتزام بالتعاقد حتى يتم ثم يفسخ بعد ذلك بخيار مجلس مثلاً، فإن هذا المعنى وإن كان له وجه دقيق إلا أنه ليس عرفيًّا لمن يصرح بأنه ملزم بالعقد مع غيره، كما إذا حلف أن يبيع داره من فلان، فإنه لا يحق له أن يبيعها منه ثم يفسخ البيع بخيار المجلس، وحينئذ يكون التصريح معناه بقاء العقد بدون فسخ، أما إذا وجد فسخ بعد ذلك فلا معنى للالتزام بالعقد.

وعلى هذا فسوف يكون معنى الالتزام بالعقد مع من يتقدم بأحسن الشروط هو عدم جواز الفسخ بخيار المجلس مثلاً، وهو معنى ارتكازية عدم الفسخ في عقد المناقصات. ومما ينبهنا على ذلك أخذ خطاب الضمان الابتدائي الذي يكون لصالح من يلتزم بالعقد ضد من لم يلتزم به رسو المعاملة، وسوف يأتي توجيه ذلك بكونه شرطاً في فسخ المعاملة، ومعنى ذلك عدم جواز الفسخ بدونه، ونستطيع أن نستنتج من كل ذلك: أن الخيار موجود للمتبايعين ولكن لا يحق لكل واحد شرعاً الفسخ إلا في صورة أن يكون خطاب الضمان لصالح الآخر.

ص: 858

بالإضافة إلى أن المشتركين في هذه العقود هم من أهل الخبرة الذين لهم سابقة جيدة في هذه المعاملات السوقية فيكون ادعاء الغبن مثلاً هنا غير مسموع عادة، فلا يثبت خيار الغبن فيها من هذه الناحية أيضاً.

اختلاف المناقصة عن البيع: وإذا نظرنا بمنظار آخر للمناقصات نراها أنها عبارة عن قسم من البيوع، حيث إن البيع قد يكون مع طرف خاص من غير أن يعرض المشروع في شراء السلع للآخرين. كما تكون المناقصات قسماً من بيع السلم أو الاستصناع أو الإجارة أم الاستثمار حيث قد تكون هذه العقود الأخيرة من غير أن يعرض مشروعها للآخرين.. وبهذا اتضح أن المناقصات قد تكون أعم من البيع كما قد تكون أخص منه من ناحية أخرى. فبين المناقصة والبيع عموم وخصوص من وجه فيتفقان ويختلفان، وكذا تكون هذه النسبة بين المناقصة والسلم، والمناقصة والشركة (مضاربة، مساقاة، مزارعة) .

التكييف الشرعي للمناقصات:

إن المناقصات التي قد لا يكون لها أثر شرعي خاص في كتب الحديث، يمكن الاستدلال على صحتها ومشروعيتها بعمومات {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} و {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} و {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} بعد وضوح كونها من مصاديق البيع والتجارة والعقد عرفاً، حيث إن المشتري أراد الوصول إلى مقصوده، وكذا المستأجر، وكذا الطرف الآخر البائع أو مقدم الخدمات إلى الآخرين يريد الحصول على نتيجة عمله متمثلاً في النقد أو أي شيء آخر، وإذا اتضح أن المعاملة الجارية بصورة المناقصة هي بيع أو إجارة أو مزارعة أو مضاربة أو مساقاة أو غير ذلك، فالدليل الذي دل على صحة هذه العقود من الأدلة العامة أو الخاصة هو نفسه الدليل على صحة هذه المناقصة بشرط أن تسلم أصول العقد وتحقق أغراضه. وسوف نرى فيما يأتي أن ما اشترط في عقد المناقصة هل يخل بأصل العقد أو لا؟

ثم إن المناقصات تستهدف في حقيقتها المحافظة على المنافسة الشريفة في خفض الأسعار لصالح طالب السلعة، أو خفض الأجرة لصالح طالب العمل، وهذا العمل قد يتعين في الشريعة الإسلامية إذا كان الغرض منه الشراء للأيتام بواسطة الحكام أو الوصي أو القيم، لما فيه من توقع الشراء بأقل ودفع التهمة.

وكذا قد يتعين هذا العمل في الشراء أو إنجاز العمل لمؤسسات الدولة كالأوقاف والمؤسسات العامة كالمدارس، وإن لم يتعين فلا أقل من استحبابه في مثل الصورة المتقدمة لما فيه من تحقيق المصلحة العامة أو مصلحة المتولى عليه أو دفع التهمة على المباشر في بعض الصور.

هل هناك تعارض بين صحة عقود المناقصات والنهي عن الدخول في سوم الأخ؟

هناك طائفتان من الروايات قد يقال بتعارضها مع عقد المناقصة وهما:

طائفة النهي عن بيع الرجل على بيع أخيه.

طائفة النهي عن سوم الرجل على سوم أخيه.

ص: 859

أما الطائفة الأولى:

1-

فقد ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يبيع بعضكم على بيع أخيه)) . (1)

2-

عن أبي هريرة قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد و

ولا يبيع بعضكم على بيع أخيه)) (2) وقد روى هذا الحديث أيضاً مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ ((لا يبع بعضكم على بيع بعض)) .

وعنه أيضاً: ((لا يبع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبته إلا أن يأذن له)) .

ولما كان البيع حقيقة هو في صورة انعقاده، فيكون البيع على البيع حقيقة في صورة انعقاد البيع الأول، وهذه الحقيقة هنا منتفية، فحمل على أقرب المجازات إليها، وأقرب المجازات هي المراكنة التي يركن فيها المشتري إلى البائع وتنشر السلعة له.

أقول: إن حقيقة البيع على البيع هنا موجودة، فلا حاجة إلى حمل الروايتين على أقرب المجازات، وتوضيح ذلك هو أن البيع الأول عندما يتم يأتي البائع الآخر فيقول للمشتري في زمن خيار المجلس "إذا فسخت بيعك فأنا أبيعك مثله بأقل منه أو يقول مشتر آخر للبائع إذا فسخت بيعك، فأنا أشتري منك بأكثر منه".

وأما ما ذكر من المراكنة فقد وردت فيها روايات الطائفة الثانية.

الطائفة الثانية:

روي عن الحسين بن زيد عن الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه في حديث المناهي أنه قال: "ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل الرجل في سوم أخيه المسلم". (3)

ومعناه: أن يطلب غيره من المسلمين ابتياع الذي يرد أن يشتريه، ويبذل زيادة عنه ليقدمه البائع أو يطلب البائع بيع سلعته بسعر أقل مما اتفق عليه البائع مع المشتري أو يبذل شخص آخر غير المتساومين إلى المشتري متاعاً غير ما اتفق هو والبائع عليه. فنرى أن أحد المتبايعين قد ركن في المعاملة إلى الآخر ولم يبق إلا العقد والصفقة، فإذا أراد أحد أن يدخل في ما بين المتراكنين ليفسد عليهما صفقتهما فيكون مشمولاً لهذا النهي، وهذا النهي دال على الحرمة ظاهراً، فقد يقال بتعارضه مع صحة عقد المناقصة.

ولكن أقول بعد الغض عن ضعف سند الحديث:

إن هذا النهي وإن كان ظاهراً يدل على الحرمة، إلا أن ارتكازية "تسلط الناس على أموالهم" التي ورد فيها النص تدل على أن السلطنة على مال الإنسان تمتد إلى تمامية البيع أو العقد، وما دام هنا في المساومة لا يوجد بيع ولا عقد فتكون قرينة على أن المراد من النهي المتقدم هو الكراهة، ولذا أورد الفقهاء هذه الرواية في باب الآداب، وعلى هذا فلا تكون معارضة لصحة عقد المناقصة بناء على ورودها في مورد عقد المناقصة.

النتيجة: ولكننا نقول: إن المناقصة التي نحن بصدد الكلام عنها تختلف اختلافاً أساسيًّا عن مورد النهي عن بيع الرجل على بيع أخيه، ومورد النهي عن الدخول في سوم الأخ المسلم وذلك:

لأن المناقصات التي توجد في الخارج ويحصل التوارد على المناقصة في العملية الواحدة لا يوجد فيها بيع حتى يكون بيع الرجل على بيع أخيه، ولا يوجد ركون حتى يكون دخول على سوم الأخ المسلم، وإنما هي عروضات تحصل من المتناقصين للمشترى يختار أحدها الموافق له وحينئذ تكون هاتان الطائفتان من الروايات خارجتين عن صحة المناقصات التي نحن بصدد الكلام عنها.

(1) صحيح البخاري بشرح فتح الباري /ج4/ص 352-353 باب 58/ حديث رقم 2139 – 2140.

(2)

صحيح البخاري بشرح فتح الباري /ج4/ص 352 – 353 باب 58/ حديث رقم 2139 – 2140

(3)

وسائل الشيعة /ج12/ باب 49 من أبواب التجارة/ ح3.

ص: 860

على أنه صرح بعض الفقهاء (1) بعدم شمول النهي في الدخول على سوم الأخ المسلم الدلالة التي يتعارف وجودها في المزايدات والمناقصات حيث إنها موضوعة عرفاً لطلب الزيادة أو النقيصة، فما دام الدلال يطلب الزيادة أو النقيصة لا يكون هناك سوم أو ركون حتى يأتي النهي عن الدخول في سوم الأخ المسلم.

ويمكن توجيه عدم التنافي بشكل آخر وهو أن يقال: إن حديث النهي عن الدخول في السوم ناظر إلى المعاملة الخاصة الجارية بين طرفين خاصين ولا يشمل مثل بيع المناقصة التي تكون المعاملة فيه مبنية من الأول على عدم السوم مع شخص واحد بل مع جماعة.

3 -

الدخول في المناقصة لمن لا يمتلك السلعة أهو من المواعدة أو الاستصناع أم بيع ما ليس عند الإنسان؟

لا بد لنا من التفرقة بين الاستصناع أو السلم وبين بيع ما ليس عند الإنسان الذي روي فيه النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم لنرى أن ما نحن فيه (بيع المناقصة) من أي القسمين. ثم لا بد من التفرقة بين ما نحن فيه وبين المواعدة التي تحصل بين اثنين على أمر من بيع أو عمل.

بيع ما ليس عندك:

إن الروايات الواردة في بيع ما ليس عندك على طوائف:

الطائفة الأولى: روايات حاكية لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عندك فقد روى سليمان بن صالح عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سلف وبيع وعن بيعتين في بيع وعن بيع ما ليس عندك وعن ربح ما لم يضمن. (2)

وهذه الروايات مطلقة لبيع ما ليس عند الإنسان سواء كان بيعاً كليًّا أو شخصيًّا.

ولكن يتعين علينا رفع اليد عن الإطلاق وحمله على صورة كون المبيع شخصيًّا، وذلك لورود الروايات المعتبرة الدالة على جوز بيع الكلي على العهدة مع عدم ملك الشخص حال البيع كما سيأتي.

ويتعين علينا أيضاً رفع اليد عن إطلاق بطلان بيع ما ليس عنده بالإضافة إلى مالك المال، لما ورد من الأدلة الدالة على صحة بيع الفضولي بإجازة المالك، وهذا واضح.

فالخلاصة: أن النهي المتقدم هو في (خصوص المبيع الشخصي لغير المالك) ، وهذا النهي يدل على عدم حصول النقل والانتقال شرعاً (أي فساد البيع باعتبار اشتراط الملك في البيع الشخصي إذا باعه لغير المالك) .

الطائفة الثانية: روايات تصحح البيع بعد أن يشتري العين الخارجية وتبطله إذا باعها قبل الشراء، منها:

1-

صحيحة يحيى بن الحجاج قال: سألت الإمام الصادق عليه السلام عن رجل قال لي: "اشتر لي هذا الثوب أو هذه الدابة، وبِعْنِيهَا، أربحك فيها كذا وكذا، قال: لا بأس اشترها ولا توجبه البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها"(3) والاستيجاب عام لمطلق التملك ولو بغير الشراء، بينما الشراء خاص لخصوص التملك بالشراء.

(1) الشهيد الأول/ الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية /ج3/296.

(2)

وسائل الشيعة/ ج12/ باب 7 من أحكام العقود/ح2، وكذا ح د.

(3)

المصدر نفسه/ باب 8 من أحكام العقود /ح13.

ص: 861

2-

روى ثقة الإسلام الكليني (1) في باب (لا تبع ما ليس عندك) عن ابن عمير عن يحيى بن الحجاج عن خالد بن الحجاج قال: قلت للصادق عليه السلام: "الرجل بجيئني ويقول: اشتر هذا الثوب وأربحك كذا وكذا، فقال عليه السلام: أليس إن شاء أخذ وإن شاء ترك؟ قلت: بلى، قال عليه السلام: لا بأس، إنما يحلل الكلام ويحرم الكلام". (2)

فكأن الإمام الصادق عليه السلام لا يرى بأساً بالمواعدة والمقاولة ما لم يوجب بيع المتاع قبل أن يشتريه من صاحبه، وإنما المانع إذا باع الثوب ثم اشتراه من صاحبه، ودفعه إلى المشتري، فإن هذا باطل. أقول: وإذا ناقشنا بكون طائفة الروايات الأولى ضعيفة وطائفة الروايات الثانية غير ظاهرة في المفروض (3) لاحتمال كونها في من أراد الحصول على المال بدون محذور الربا وهو ما يسمى (بيع العينة) فإن كان البيع الثاني مشروطاً في الأول فهو باطل، ولا ربط لها في من باع ثم ملك، فتأتي روايات الطائفة الثالثة.

الطائفة الثالثة: وهي روايات تصحح البيع بعد أن يشتري المتاع، سواء كان كليًّا أو شخصيًّا منها:

1-

صحيحة محمد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السلام: "سألته عن رجل أتاه رجل فقال له: ابتع لي متاعاً لعلي أشتريه منك بنقد أو نسيئة، فابتاعه الرجل من أجله، قال عليه السلام: ليس به بأس، إنما يشتريه منه بعدما يملكه"(4)

2-

صحيحة منصور بن حازم عن الإمام الصادق عليه السلام: "في رجل أمر رجلاً يشتري له متاعاً، فيشتريه منه قال عليه السلام: لا بأس بذلك، إنما البيع بعدما يشتريه". (5)

وهاتان الروايتان تقضيان بأن الجواز بعد أن يشتري الشيء وبعدما يملكه، أما بيع الشيء قبل تملكه فهو باطل. ولكن لا بد من تخصيصهما بصورة العين الخارجية، وذلك: لورود الروايات الصحيحة الدالة على صحة بيع الكلي كما سيأتي.

بيع الكلي (بيع ما في الذمة) : وهو يتصور على قسمين:

1-

بيع السلم.

2-

بيع الكلي.

أما الأول: بيع السلم: فهو عبارة عن ابتياع مال مضمون إلى أجل معلوم بمال حاضر أو ما في حكمه) (6) والدليل على صحته بالإضافة إلى عمومات صحة البيع والتجارة عن تراض هو:

1-

ما رواه زرارة في الصحيح عن الإمام الصادق عليه السلام قال: لا بأس بالسلم في الحيوان إذا وصفت أسنانها. (7)

2-

صحيحة الحلبي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: سئل عن الرجل يسلم في الغنم ثنيان وجذعان وغير ذلك إلى أجل مسمى قال: لا بأس. (8)

3-

موثقة سماعة قال: "سئل الإمام الصادق عليه السلام عن السلم في الحيوان؟ فقال: أسنان معلومة وأسنان معدودة إلى أجل مسمى لا بأس به". (9)

(1) روى هذه الرواية الشيخ الطوسي في باب (النقد والنسيئة) ولعل الذي جعله يرويها في هذا الباب هو احتمال أن الحديث بصدد بيان تحصيل الإنسان مالاً بدون محذور الربا وهو ما يسمى بـ (بيع العينة) وحينئذ فإن لم يكن البيع الثاني مشروطاً في البيع الأول فلا بأس به.

(2)

المصدر نفسه/ باب 8 من أحكام العقود/ح4

(3)

هذا الاحتمال غير وارد في الصحيحة الأولى؛ لأنه يقول: "اشتر لي هذا الثوب أو هذه الدابة وأنا أربحك فيها كذا وكذا" فوجود كلمة (لي) تبعد الاحتمال المذكور وهي ظاهرة في إرادة أن يشتري له ملك الغير.

(4)

وسائل الشيعة/ ج12/ باب 8 من أحكام العقد/ ح8.

(5)

المصدر والباب نفسه/ ح6.

(6)

جواهر الكلام/ ج24/ ص 267.

(7)

وسائل الشيعة / ج13/ باب 1 من السلف/ ح3.

(8)

وسائل الشيعة / ج13/ باب 1 من السلف/ ح4

(9)

وسائل الشيعة / ج13/ باب 1 من السلف/ح7.

ص: 862

وأما الثاني (بيع الكلي حالاً) : فقد ذكر الفقهاء أن بيع الكلي في الذمة حالاً صحيح تشمله الأدلة العاملة لصحة البيع مع خصوص صحيح ابن الحجاج قال: سألت الإمام الصادق عليه السلام عن الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده فيشتري منه حالاً؟

قال: ليس به بأس.

قلت: إنهم يفسدونه عندنا.

قال: فأي شيء يقولون في السلم؟

قلت: لا يرون فيه بأساً، يقولون: هذا إلى أجل فإذا كان غير أجل وليس هو عند صاحبه فلا يصلح.

قال: إذا لم يكن أجل كان أحق به.

ثم قال: لا بأس أن يشتري الرجل الطعام وليس هو عند صاحبه إلى أجل، وحالاً لا يسمى له أجلاً إلا أن يكون بيعاً لا يوجد مثل العنب والبطيخ في غير زمانه، فلا ينبغي شراء لك حالاً" ونحوه آخر (1)

النتيجة: أن المناقصة ليست من بيع ما ليس عندك:

وبعد أن اتضحت هذه الأمور:

1-

إن المراد من (لا تبع ما ليس عندك) هو في خصوص العين الشخصية التي تكون ملكاً للغير، فلا يجوز لغير صاحبها أن يبيعها ثم يشتريها ويسلمها إلى المشتري.

2-

وإن بيع الكلي في الذمة صحيح، سواء كان سلماً (مؤجلاً) أو حالاً، ما دام تسليمه إلى المشتري مقدوراً.

نأتي إلى ما نحن فيه وهو بيع المناقصة فنقول:

1-

إذا كانت المناقصة عبارة عن رغبة المشتري في الحصول على شيء كلي له مواصفاته الخاصة فيكون المناقص بائعاً لهذا الكلي بثمن يعرضه، فإن رست عليه العملية فهو صحيح لصحة بيع الكلي.

أ- فإن كان هذا الكلي سلعة مؤجلة إلى أجل معين فهو بيع سلم.

ب- وإن كان هذا الكلي سلعة حالة فهو بيع الكلي الحال.

ج- وإن كان هذا الكلي عبارة عن صنع شيء معين إلى أجل معين فهو بيع الاستصناع الذي هو قسم من السلم.

د- وإن كان هذا الكلي عملاً في المستقبل كالزرع والسقي والضرب في الأرض بحصة من الربح فهو مزارعة ومساقاة ومضاربة.

هـ- وإذا كان هذا الكلي عملاً له شرائطه كالبناء والخياطة والطباخة بأجرة معينة فهو إجارة. وهكذا.

وعلى هذا تبين أن المناقصة التي يدعو لها فرد أو جهة معينة لا تتصور في الرغبة في شراء شيء معين خارجي له مالك واحد أو متعددون، بل يتصور هنا المساومة والمراوضة معهم للوصول إلى الاتفاق على شيء خاص وهو غير المناقصة.

الفرق بين المواعدة والمناقصة:

بقي أن نعرف الفرق بين المواعدة والمناقصة، فنقول: إذا كانت المناقصة (عبارة عن بذل سلعة كلية أو عمل كلي بمواصفات معينة بثمن معين، وهو معنى الإيجاب وصاحبها يكون هو البائع، وإرساء المناقصة على أي واحد من المتناقصين هو القبول من قبل المشتري فمعنى ذلك: أن العقد يتم ويكون ملزماً بهذه الأمور التي تكون على صورة الجزم والبت)(2) فقد اتضح فرقها عن المواعدة التي لا تكون ملزمة للطرفين، بل يكون صاحباها بالخيار إن شاءا عقدا وإن شاءا تركا كما ذكرت ذلك الروايات كصحيحة معاوية بن عمار قال: "قلت للصادق عليه السلام: يجيئني الرجل يطلب مني بيع الحرير وليس عندي منه شيء، فيقاولني عليه، وأقالوه في الربح والأجل حتى نجتمع على شيء، ثم أذهب فأشتري له الحرير، فأدعوه إليه، فقال عليه السلام: أرأيت إن وجد بيعاً هو أحب إليه مما عندك أيستطيع أن ينصرف إليه ويدعك، أو وجدت أنت ذلك أتستطيع أن تنصرف إليه وتدعه؟ قلت: نعم.

قال: فلا بأس (3)

والمفهوم من هذه الصحيحة هو أن الرجل الذي طلب الحرير من الآخر لم يحصل بينهما البيع الكلي في الذمة وإنما تقاولا، وبما أن التقاول قد يكون ملزماً كالعهد وقد لا يكون ملزماً كالوعد، أراد الإمام عليه السلام أن يفهمه بأن التقاول غير الملزم وهو المواعدة أو الوعد الذي ليس لها صفة إلزام في البيع أو الشراء، بينما الذي له صفة الإلزام هو العهد أو البيع الكلي ولم يصلح أي منهما.

(1) وسائل الشيعة/ ج12/ باب 7 من أحكام العقود /ح1 وح3.

(2)

وإنما يبرم العقد بعد ذلك، بمعنى كتابته كوثيقة.

(3)

وسائل الشيعة / ج12 باب 8 من أحكام العقود/ ح7.

ص: 863

إذن حصل الفرق بين المناقصة والمواعدة بالإلزام وعدمه، فإذا تمت المناقصة مع أحد الأطراف فهي إما بيع، أو بيع خاص (كالسلم) ، أو استصناع، أو إجارة، أو استثمار على أحد الطرق المتقدمة وهذا كله يختلف عن المواعدة التي لا تكون ملزمة وليست هذه من العقود.

4 -

بيع وثائق المناقصة بالتكلفة أو بأي ثمن للحصول على ربح:

أقول: إن المناقصات التي هي عبارة عن قائمة احتياجات (مشاريع أو مقاولات) يحتاجها المعلن بمواصفات معينة تسد حاجته وتشبع رغبته، تستدعي توظيف بعض الخبرات والاستشارات التي يتفق عليها المحتاج مقداراً من المال. ثم يقوم المحتاج بتزويد المتناقصين بهذه المواصفات والدراسات التي يرغب في تنفيذ احتياجاته على وفقها، وهذه الدراسات تفيد المناقص إذا رست عليه المناقصة، إذ ليس عليه بعد ذلك إلا التنفيذ. وهنا قد يقوم المشتري على استعادة هذه التكلفة من الرسوم التي يأخذها من المتقدمين للمناقصة، أو يأخذ أكثر منها للحصول على ربح، فهل هذا العمل جائز؟

أقول: إن هنا معاملتين:

الأولى: يقوم بها المشتري مع الأخصائيين الذين يتصدون لتهيئة المعلومات الكاملة؛ لأن تعرض المشتركين في المناقصة مثل تهيئة خريطة المشروع أو صفة السلعة أو نوع الشركة أو شروط الإجارة أو الاستصناع وما يرتبط هذه المشروعات من أمور، وهذه المعاملة بين المشتري والمعدين لهذه المعلومات يمكن أن تكون على أساس الجعالة، كما يمكن أن تكون من قبيل استئجار المتصدين لتهيئتها وهو عقد صحيح.

ثم هناك معاملة ثانية: هي بين من استحق هذه المعلومات لصالحه وهو المشتري وبين من يريد أن تعرض تلك المعلومات له، فهي معاملة ثانية صحيحة سواء كانت بسعر الكلفة أو أزيد لدخولها تحت عنوان التجارة عن تراض، أو أحل الله البيع، حيث إن هذه المعلومات قد تكون كراساً صغيراً فبيعه على من يريد أن يقتنيه للدخول في المناقصة جائز بلا إشكال.

5-

طلب المشتري ضماناً بنكيًّا من كل المشتركين في المناقصة، وطلبه تأميناً نقديًّا منهم، وهل يحق أخذه كليًّا أو جزئيًّا عند النكول؟

ص: 864

ولإيضاح الحقيقة في هذا الأمر ينبغي لنا أن نتكلم في عدة نقاط:

الأولى: ما هو الضمان البنكي الذي يطلبه المشتري من كل من المشتركين في المناقصة، وما هو التأمين النقدي منهم؟

الثانية: ما هي أقسام هذا الضمان البنكي؟

الثالثة: هل يجوز شرعاً للمشتري أن يأخذ هذا الضمان مطلقاً عند نكول المقاول؟

أما النقطة الأولى: فخلاصة الكلام فيها هو عبارة عن طلب الجهات التي تقوم بالمناقصة من مطالبة:

1-

كل مشترك في هذه العملية.

2-

وكل من ترسو عليه العملية ويبرم معه العقد.

بتقديم تأمينات نقدية تبلغ نسبة معينة من قيمة العملية، بشرط أن تصبح هذه التأمينات من حق الجهة التي قامت بالمناقصة في حالة عدم اتخاذ المشترك الإجراءات اللازمة لرسو العملية عليه أو عدم تنفيذ العقد.

ولكن بدلاً عن تكليف المشترك بتقديم هذه التأمينات النقدية وتجميدها، حصل الاتجاه القائل بأن يتقدم المشترك إلى البنك طالباً منه خطاب الضمان.

ومعنى خطاب الضمان: أن يكون البنك كفيلاً وضامناً بقبول دفع مبلغ معين لدى المستفيد من ذلك الخطاب نيابة عن طالب الضمان عند عدم قيام الطالب بالتزامات معينة قبل المستفيد (1) ولكن لا بمعنى الكفالة الاصطلاحي التي هي عبارة عن إحضار المكفول، ولا بمعنى الضمان الاصطلاحي الشرعي الذي هو عند طائفة ضم ذمة إلى ذمة وعند طائفة النقل من ذمة إلى ذمة، بل بمعنى أداء البنك شرط المشترط في حالة عدم قيام المشترط عليه بأداء الشرط مثل ضمان الأعيان المغصوبة التي لا تكون الذمة مشغولة بها ما دامت العين موجودة، فيكون معنى ضمان الأعيان المغصوبة هو ما نحن فيه من التعهد بأدائها (2)

ويترتب على هذا التعهد بالأداء اشتغال ذمة المتعهد بقيمتها عند تلفها.

ويتحقق تلف الشرط على المشترط: بامتناع المشروط عليه عن أداء الشرط، الذي هو تلف للفعل على مستحقه وبذلك تتحول العهدة الجعلية (التعهد بأداء الشرط) إلى اشتغال ذمة البنك بقيمة ذلك الفعل (أداء الشرط) لأنه من اللوازم العقلانية لدخول ذلك الشرط في العهدة.

وعلى ما تقدم: فإذا تخلف المقاول عن الوفاء، اضطر البنك إلى دفع القيمة المحددة في خطاب الضمان، ويرجع في استيفائها على الشخص الذي صدر خطاب الضمان إجابة لطلبه. وسيأتي زيادة توضيح في تكييف هذا التعهد شرعاً فيما بعد.

(1) راجع البنك اللاربوي في الإسلام/ الشهيد الصدر/ ص 128

(2)

غاية الأمر أن وقوع العين المغصوبة في عهدة الغاصب قهري، أما وقوع أداء الشرط في عهدة البنك فهو بسبب إنشاء البنك لمثل هذا التعهد المفروض كونه نافذاً بحسب الارتكاز العقلاني الممضى شرعاً. وهذا البحث يأتي في صورة ضمان البنك أو الفرد أداء دين شخص معين.

ص: 865

أما النقطة الثانية: فإن خطاب الضمان ينقسم إلى قسمين:

1-

خطاب الضمان الابتدائي.

2-

خطاب الضمان النهائي.

أما خطاب الضمان الابتدائي: فهو تعهد بنكي لضمان دفع مبلغ من النقود من قيمة العملية يطلبه من يتنافس على العملية إلى المستفيد الذي يدعو إلى المناقصة، ويستحق المستفيد الدفع له عند عدم قيام الطالب باتخاذ ما يلزم عند رسو العملية عليه.

وأما خطاب الضمان النهائي: فهو تعهد بنكي لضمان دفع مبلغ من النقود يعادل نسبة من قيمة العملية التي استقرت على عهدة العميل، يطلبه من رست عليه العملية ونفذ معه العقد لصالح المستفيد، ولا يكون دفع المبلغ واجباً على البنك إلا عند تخلف العميل عن الوفاء بالتزاماته المنصوص عليها في العقد النهائي للعملية التي عقدت بين المقاول والمستفيد من خطاب الضمان. (1)

لماذا خطابات الضمان:

ثم إن الفكرة الأساسية في خطابات الضمان تكمن في نقاط، أهمها:

1-

إن الجهة المعلنة عن المناقصة تحتاج إلى التأكد من جدية عرض خدمات كل شخص من المشتركين، وهذا يحصل بفكرة خطابات الضمان الابتدائية.

2-

للتحفظ على عدم التورط في خسائر أو مضاعفات عند الاتفاق مع أحد المشتركين ورسو العملية عليه، فيما إذا تخلف عن الوفاء بالتزاماته، وهذا يحصل بفكرة خطابات الضمان النهائية.

وعلى العموم فإن فكرة خطابات الضمان فيها حماية للمصلحة العامة (التي تقوم بالمناقصات عادة) أو الفرد، وتقطع على المتهاونين سبل الخلل والإهمال، ولكل أحد الحق في سلوكها.

أما النقطة الثالثة: أما حكم خطابات الضمان هذه، فينبغي أن نتكلم في كل من القسمين بصورة مستقلة. أما خطاب الضمان الابتدائي: فقد يقال: إن الطالب للضمان الابتدائي من البنك وهو المقاول أو المشترك في المناقصة لم يرتبط مع الجهة التي تجري المناقصة بأي ارتباط عقدي، وإذا كان كذلك فلا يمكن إلزامه بشرط لكي يتمكن البنك أن يضمن وفاء ذلك الشرط. فلو فرضنا أن هذا المقاول الذي يريد أن يتنافس على الوصول إلى رسو العلمية عليه قد التزم للجهة الداعية للمناقصة بأن يدفع مبلغاً معيناً من المال إذا لم يتخذ الإجراءات اللازمة عند رسو العملية عليه، فهو من الوعد الابتدائي غير الملزم. وعلى هذا فلو تعهد البنك بدفع هذا المبلغ عند عدم دفع المقاول فهو من التعهد غير الملزم أيضاً وإن كان جائزاً. (2)

(1) يمكن أن يكون خطاب الضمان الابتدائي والنهائي لصالح المقاول إذا شعر بأن الجهة المقابلة قد لا تلتزم بالعقد أو قد لا تؤدي ما عليها من مال في الوقت المحدد، كما يمكن أن يكون خطاب الضمان الابتدائي والنهائي من كل منهما لصالح الآخر إذا لم يلتزم أحدهما بالعقد أو بشروطه.

(2)

راجع البنك اللاربوي في الإسلام/ ص 131

ص: 866

ولكن: ألا يمكن أن يقال: إن المقاول إذا التزم بدفع مبلغ معين عند عدم القيام بالإجراءات اللازمة عند رسو العملية عليه يكون متعهداً وملزماً بذلك، استناداً إلى قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] الذي معناه أوفوا بالعهود، ونتيجة ذلك إلزام البنك بتعهده إذا حصل نتيجة طلب المقاول لصالح المستفيد.

على أن هذا الضمان من قبل البنك لمن اشترك في المناقصة يمكن أن يكون عربوناً، وهو لا يحق أخذه في جميع الأحوال، بل يؤخذ في صورة عدم التزام مَنْ رست عليه العملية بالمقررات اللازمة وعلى هذا، فسوف يكون دفع المبلغ المعين عند عدم القيام بالإجراءات اللازمة شرطاً في فسخ المعاملة المذكورة، فالمعاملة إذا رست على أحد فهي لازمة ولا يحق فسخها إلا إذا دفع المقدار المعين من المال المتمثل في خطاب الضمان الابتدائي، وبهذا يكون أخذه من قبل الجهة الداعية إلى المناقصة عند عدم القيام بالإجراءات اللازمة لمن رست عليه العملية جائزاً. كما يمكن أن يشترط الداعي إلى المناقصة في عقد بيع المعلومات إلى من يريد الاشتراك في المناقصة، يشترط عليه أخذ مبلغ معين من المال إذا لم يلتزم بالعقد حين رسو العملية عليه، وهذا شرط في ضمن عقد فيكون ملزماً.

خطاب الضمان النهائي: وهو الخطاب الذي يكون بعد وجود عقد قائم (بين من دعا إلى المناقصة وهي الجهة المستفيدة من الخطاب وبين المقاول الذي طلب إصدار الخطاب من البنك لصالح المستفيد) ، وهذا العقد ينص على شرط على المقاول لصالح من دعا إلى المناقصة، وخلاصة هذا الشرط هو أن يدفع المقاول نسبة معينة من قيمة العملية في حالة تخلفه عن الوفاء بالتزاماته.

فهل هذا الشرط صحيح ولازم؟

الجواب: نعم إنه شرط صحيح ولازم ما دام واقعاً في عقد صحيح كعقد الإيجار مثلاً أو البيع، وحينئذ يصح لمن أعلن عن المناقصة الحق في تملك هذه النسبة من قيمة العملية في حالة التخلف.

ثم إن هذا الحق قابل للتوثيق والتعهد من قبل طرف آخر، وهو نظير تعهد طرف ثالث للدائن بوفاء الدين عند عدم قيام المدين بما هو عليه، وعلى هذا يصح أن يرجع المستفيد على البنك عند تخلف المقاول عن التزاماته وعدم دفع ما شرك عليه.

ولما كان تعهد البنك وضمانه للشرط بطلب من المقاول فيكون المقاول ضامناً لما يخسره البنك نتيجة لتعهده، فيحق للبنك أن يطالب المقاول بقيمة ما دفعه إلى المستفيد.

ص: 867

إذن هنا بحثان نحتاج إلى أدلة شرعية عليهما:

البحث الأول: صحة الشرط على المقاول.

البحث الثاني: صحة تعهد البنك (خطاب الضمان) .

البحث الأول: صحة الشرط بدفع مبلغ من المال عند تخلفه عن التزاماته:

وقد ذكر السيد الشهيد الصدر أن صحة الشرط المتقدم على المقاول يتصور صياغته بأحد أنحاء ثلاثة، يكون الصحيح منها شرعاً هو الثاني والثالث.

الأول: أن يكون (الشرط) بنحو شرط النتيجة بحيث تشترط الجهة الخاصة على المقاول أن تكون مالكة لكذا مقداراً في ذمته إذا تخلف عن تعهداته.

الثاني: أن يكون بنحو شرط الفعل، والفعل المشترط هو أن تملك الجهة الخاصة كذا مقداراً، لا أن تكون مالكة.

الثالث: أن يكون بنحو شرط الفعل، والفعل المشترط هو أن يملك المقاول تلك الجهة كذا مقداراً. والفرق بين هذا النحو وسابقه مع أن الشرط في كل منهما شرط الفعل: هو أن الشرط في هذا النحو فعل خاص وهو تمليك المقاول مالاً للجهة الخاصة، وأما في النحو السابق فالمشترط وإن كان هو عملية التمليك أيضاً ولكن المراد بها جامع التمليك القابل للانطباق على تمليك نفس المقاول وعلى تمليك غيره

وإذا اتضحت هذه الأنحاء الثلاثة للشرط، فنقول: إن النحو الأول (أي شرط النتيجة) غير صحيح في المقام، لأن النتيجة المشترطة في المقام وهي اشتغال ذمة المقاول بكذا درهماً ابتداءً ليس في نفسه من المضامين المعاملية المشروعة، وأدلة نفوذ الشرط ليست مشرعة لأصل المضمون، وإنما هي متكفلة لبيان صلاحية الشرط لأن تنشأ به المضامين المشروعة في نفسها

وأما النحوان الآخران من الشرط فهما معقولان. (1)

ولكن لا يبعد أن يقال: بأن قاعدة " المسلمون عند شروطهم " حيث إنها تشمل الشرط إذا كان فعلاً أو كان الفعل مترتباً على الشرط، كما إذا اشتريت بيتاً بشرط أن تكون الثلاجة المعينة ملكاً لي والملكية لها أسباب مختلفة منها الاشتراط فالمسلمون عند شروطهم يقول: ادفع الثلاجة إلى فلان، وهو معنى صحة شرط النتيجة، وعلى هذا فالمسلمون عند شروطهم يشمل المشروط الذي يكون حصوله وإنشاؤه بغير الشرط صحيحاً وبالشرط لازماً. كما يمكن أن يكون الاستدلال على صحة شرط النتيجة بـ" أوفوا بالعقود" حيث إن البيع الذي شرط فيه ملكية الثلاجة المعينة معناه الالتزام بأصل المعاملة ولالتزام بالأمر الوضعي، وبما أن الشرط قد دخل تحت عنوان العقد، فأوفوا بالعقود يقول بالعقد والشرط، فيكون الشرط صحيحاً. (2)

(1) البنك اللاربوي في الإسلام/ للشهيد السيد الصدر/ ص 236، 237

(2)

لا بأس بالإشارة إلى أن شرط النتيجة الذي يحكم بصحته، هو خصوص تحصيل الغاية التي لا يشترط في إيجادها سبب خاص كالنكاح والطلاق الذي اشترط الشارع فيهما صيغة خاصة. أما هذه الغايات التي اشترط الشارع فيها صيغة خاصة فلا يمكن أن تحصل في الخارج إلا بصيغتها الخاصة ولا ينفع في تحققها شرط النتيجة.

ص: 868

وعلى هذا فيمكن أن يكون شرط دفع مبلغ من المال على المقاول عند تخلفه بصياغاته الثلاثة المتقدمة عن السيد الشهيد صحيحاً، والفرق بين شرط الفعل وشرط النتيجة هو الوجوب التكليفي على المشروط عليه في أن يملك، أما في شرط النتيجة فيكون المشروط عليه ضامناً للشرط وضعاً ويترتب عليه الحكم التكليفي بوجوب الدفع.

البحث الثاني: صحة خطاب الضمان الذي يصدره البنك عند طلب المقاول لصالح المستفيد:

ويمكن أن نصحح خطاب الضمان الذي يصدره البنك بطلب من المقاول لصالح المستفيد:

على أساس الضمان بالمعنى المتقدم، حيث قلنا: إن المراد بالضمان ليس هو المعنى الاصطلاحي عند أهل السنة أو الإمامية، بل هو ما تعارف عند العرف من ضمان أن يفي المقاول بالشرط، وبعبارة أخرى هو التعهد بأداء المقاول الشرط، وهذا الضمان كالضمان (1) المعروف من قبول البنك للكمبيالة بمعنى تحمل البنك مسؤولية أمام المستفيد من تلك الكمبيالة، وهو كما حرر ضمان جائز شرعاً على أساس أنه (تعهد بوفاء المدين بدينه) . ونتيجة هذا التعهد من الناحية الشرعية هو فيما إذا تخلف المدين عن الوفاء، فيمكن أن يرجع المستفيد من الكمبيالة على البنك لقبض قيمتها.

وتوضيح ذلك من الناحية الفنية: أن يقال: إن البنك تعهد تعهداً إنشائيًّا وجعل نفسه مسؤولاً (بأداء المقاول للشرط عند تخلفه عن التزاماته) وهذا التعهد نافذ بحسب ارتكاز العقلاء، وحينئذ يكون ممضى من قبل الشارع.

وقد تقرب هذه المسؤولية من قبل البنك بمسؤولية الغاصب عن العين المغصوبة حيث تكون العين بعهدته ومسؤولاً عنها ما دامت موجودة، فإذا تلفت العين المغصوبة تتحول هذه العهدة إلى اشتغال ذمة الغاصب بقيمة العين المغصوبة، فما نحن فيه أيضاً كذلك حيث إن البنك جعل نفسه مسؤولاً عن أداء الشرط الذي على المقاول عند تخلفه عن التزاماته من عملية الإرساء عليه، ومعنى هذا أن البنك مسؤول عن تسليم الشرط بوصفه فعلاً له مالية، فإذا تلف أداء الشرط على المشترط عند تخلف المقاول عن التزاماته وعن أداء الشرط بسبب امتناع المقاول عن أداء ما شرط عليه نتيجة تخلفه، فقد تلف الفعل الذي له مالية على مستحقه، وعندها تتحول عهدة البنك الجعلية إلى اشتغال ذمة البنك بقيمة ذلك الفعل (أداء الشرط) ، لأن اشتغال الذمة بقيمة المال "سواء كان عيناً أو فعلاً" عند تلفه من اللوازم العقلانية لدخول ذلك المال في العهدة.

(1) يوجد فرق غير فارق بين ضمان البنك للكمبيالة وضمان البنك لخطاب الضمان وهو: أن المضمون في موارد قبول البنك للكمبيالة هو المدين، والمضمون في خطاب الضمان هو المشروط عليه (المقاول) وهذا فرق غير فارق إذ كما يصح للبنك أن يتعهد للدائن بأداء الدين كذلك يصح للبنك أن يتعهد للمشروط له بأداء الشرط، وهذا مقبول ارتكازاً عند العقلاء

ص: 869

ونحن بعد فرضنا إمضاء الشارع لهذا الضمان الجعلي العقلاني، يترتب عليه اشتغال ذمة البنك بقيمة (ضمان أداء الشرط) على تقدير تلف أداء الشرط.

وعلى هذا الأساس يصح خطاب الضمان من البنك في المقام (1)

ويمكن توضيح الضمان بالمعنى المتقدم بصورة عرفية: بأن ندعي بأن معنى الضمان من قبل البنك للمقاول هو تحمل البنك للعمل بالشرط إذا تخلف المقاول عن التزاماته وبالشرط معاً، ولا يفهم العرف إلا هذا التحمل عند ضمان البنك لأداء المقاول الشرط الذي له مالية، عند تخلف المقاول.

ولكنا نلاحظ كما ذكر السيد الشهيد الصدر: وجود فرق دقيق بين توضيح الضمان بالوجه الفني وتوضيح الضمان بالوجه العرفي والفرق هو:

أن صاحب الشرط (الداعي إلى المناقصة) بناء على المعنى العرفي ليس له مطالبة البنك بإقناع المقاول بالأداء وإنما له على تقدير امتناع المقاول أن يغرم البنك قيمة ما تعهد به.

أما بناء على المعنى الفني، فلصاحب الشرط مطالبة البنك بإقناع المقاول بالأداء (2)

ولعل وجه هذا الفرق يكمن في أن المعنى الفني للضمان إنما يتم تلف الشرط على المشروط له ولا يتحقق التلف إلا عند امتناع المقاول عن الأداء رغم الحث على إقناعه بالعمل بالشرط.

ملاحظة: لا حاجة إلى التنبيه إلى عدم صحة خطاب الضمان لو كان بقدر قيمة العملية أو أكثر منها؛ لأنه يؤول إلى حصول الداعي إلى المناقصة إلى العوض والمعوض وهو بمعنى الشراء أو الحصول على الخدمة بدون ثمن.

هل يصح للبنك أن يأخذ عمولة على خطاب الضمان؟

تقدم أن التأمين المالي الذي يأخذه الداعي إلى المناقصة مثلاً قد تطور إلى الضمان البنكي المتمثل في (خطاب الضمان) الذي يصدره البنك ويتحمل فيه مسؤولية ما ينجم من تقصير المناقص تجاه مسؤوليته وواجباته حيال الطرف الآخر.

(1) راجع للتوسع البنك اللاربوي في الإسلام / للشهيد الصدر/ ص 239 مع تعمق أكثر.

(2)

البنك اللاربوي في الإسلام / للشهيد الصدر/ ص 240-241.

ص: 870

ولكن البنك إنما يصدر خطاب الضمان ويتحمل المسؤولية في مقابل نسبة مئوبة يحصل عليها من صاحب الخطاب، وعلى هذا يتولد لهذا الإجراء جانبان:

الجانب الأول: العلاقة بين من يدعو إلى المناقصة ومن يدخل في المناقصة، فالأول الذي يكون هنا هو المشتري للسلعة أو المؤجر للعمل أو المشتري لما يصنعه المقاول، له أن يشترط في العقد ما يضمن حقوقه ومصلحته سواء كان في صورة ضمان أو رهن أو غير ذلك استناداً إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم ((المسلمون عند شروطهم)) . فإذا طالب المقاول بضمان بنكي فهو حق له لا إشكال فيه.

الجانب الثاني: العلاقة بين المناقص (المقاول) والبنك الذي يصدر خطاب الضمان، فإن البنك هنا يأخذ نسبة مئوية من صاحب الخطاب الذي صدر الخطاب بطلبه، فهل لهذه النسبة المأخوذة وجه شرعي؟

الجواب: لقد ذكر الشهيد الصدر رحمه الله جواز ذلك معبراً عنها "عمولة على خطاب الضمان هذا؛ لأن التعهد الذي يشتمل عليه هذا الخطاب يعزز قيمة التزامات الشخص المقاول، وبذلك يكون عملاً محترماً يمكن فرض جعالة عليه أو عمولة من قبل ذلك الشخص"(1)

1-

أقول: إن الارتكاز العرفي والعقلاني يقول بأن عملية الضمان المجردة من قبل البنك للمقاول بأداء شرط المشترط ليست مما تقابل بالمال، وإنما الذي يقابل بالمال هو نفس خسارة البنك عند عدم قيام المقاول بالتزاماته مطلقاً، نتيجة لضمان البنك، فالعملية التي قام بها البنك من ضمان شرط المقاول فيها جانبان، الأول نفس عملية الضمان كألفاظ معينة والثاني تحمل البنك الخسارة على تقدير عدم التزام المقاول بالتزاماته مطلقاً، والذي يكون مهمًّا في تعزيز التزامات المقاول كلا الأمرين الذي يكون الثاني منهما هو لب الأول، والأول يكون كاشفاً عن الثاني، فإذا أخذ البنك على عملية الضمان المجرد مالاً بنحو الإلزام كان من أكل المال بالباطل. أما إذا آل الضمان اللفظي إلى خسارة البنك في حالة معينة (وهي حالة –عدم سداد المقاول ما عليه من الشرط عند التخلف عن أداء التزاماته) فهو مضمون على المقاول بلا إشكال فلا يتمكن أن يأخذ عمولة عليها.

2-

إننا لو تحررنا من الارتكاز العقلاني المتقدم، وصرحنا بأن العمولة يأخذها البنك في مقابل نفس عملية الضمان، فحينئذ نقول:

إن العمولة إنما يصح أخذها شرعاً في خصوص ما قابلها من عمل قابل للضمان (كالخياطة والحلاقة وأشباهها) بخلاف ضمان البنك وحده (من دون دخل الإجراءات الإدارية في ذلك الذي تستوجب أخذ المال عليها) فإن ضمان البنك وحده من قبيل الألفاظ والأعمال التي ليست قابلة للضمان لعدم مالية له إلا نفس مالية المال المعطى من قبل البنك عند تخلف المقاول عن التزاماته وما شرط عليه، وهذا المال مضمون على المقاول، ولا يوجد عمل آخر له مالية حتى يصح ضمانه ليأخذ أجراً عليه.

(1) البنك اللاربوي في الإسلام / للشهيد الصدر/ ص 131

ص: 871

3-

إن عقد الضمان الذي يسمى (خطاب الضمان) هو من العقود الإرفاقية للمقاول كالقرض فإذا كان الضمان يغزز قيمة التزامات المقاول، فإن قيام البنك بالتعهد بإقراض شخص معين عند حاجته أيضاً يغزز قيمة التزاماته فهل يجوز أخذ أجرة على قيام البنك بتعهده لعملية الإقراض؟

وإن ادعي الفرق بين القرض والضمان بحرمة أخذ الزيادة في عملية القرض دون عملية الضمان فإننا نقول ليس الكلام في أخذ الزيادة في مقابل المال المقترض في القرض، وإنما الكلام في تعزيز التزامات الإنسان لقيام البنك بعملية الإقراض، فهي واحدة في إصدار خطاب الضمان أو عملية الإقراض عند الحاجة، وإذا كان يجوز أخذ البنك أجرة على قيامه بعملية الإقراض متى احتاج إلى المال فقد جوزنا الربا بصورة ملتوية.

وعلى ما تقدم نتمكن أن نقول: إن خطاب الضمان الصادر من البنك بطلب من المقاول لصالح المستفيد (سواء كان مغطى من حساب المقاول فيكون حوالة أو غير مغطى فيكون ضماناً) لا يجوز أخذ الأجر عليه.

نعم إذا عممنا جواز أخذ الأجرة على كل خدمة يقدمها شخص لآخر بشرط أن لا يكون منهيًّا عن أخذها، فحينئذ يكون أخذ الأجرة على الضمان جائزاً. وهذا هو الذي ذهب إليه بعض كبار علماء الإمامية المعاصرين.

نعم: إن المصاريف الإدارية التي يسلكها البنك تبعاً لقوانين الدولة لأجل إصدار خطاب الضمان (الابتدائي والنهائي) فهي جائزة شرعاً.

وعلى كل حال: فإن المناقص إذا طلب من البنك إصدار خطاب الضمان لصالح المشتري فإن هذا التعاقد بين المناقص والمشتري يكون صحيحاً ما دام يحصل على ضمان حقوق المشتري بطريقة شرعية ولم يكن للمشتري علاقة فيما حصل بين المناقص والبنك.

6 -

تضمين عقد المناقصة شرطاً جزائيًّا في حالة التأخير:

قد يقال: إن البحث قد تعرضنا له في صورة طلب الجهة الداعية إلى عقد المناقصة خطاب ضمان نهائي لصالح المستفيد منه عند عدم القيام بما يجب على الطرف الآخر من التزامات وشروط شرطت عليه في العقد.

ولكن نقول: يوجد فرق بين هذا البحث وما تقدم من خطاب الضمان النهائي، حيث إن ما تقدم كان في صورة تخلف المقاول عن الالتزامات أو الشروط المشترطة عليه بصورة عامة في العقد، أما هذا البحث فهو في صورة عدم تخلفه عن أي التزام، أو شرط سوى شرط التسليم في الموعد المقرر حيث حصل التأخير الذي فيه ضرر على المستفيد.

ص: 872

وحينئذٍ نقول: إن الشرط الجزائي المتصور في كل عقد على أنحاء ثلاثة ولنأخذ الإجارة مثالاً للعقد:

1 -

التنقيص من الأجرة بمقدار معين: لقد تعرض الفقه الإمامي لهذه الحالة في بحث الإجارة، فقد ذكر العلماء في مسألة " ما لو استأجره ليحمل له متاعاً إلى موضع معين بأجرة معينة واشترط عليه وصوله في وقت معين فإن قصر عنه نقص عن أجرته شيئاً معيناً، جاز وفاقاً للأكثر نقلاً وتحصيلاً، بل المشهور كذلك للأصل، وقاعدة المؤمنون عند شروطهم والصحيح أو الموثق أو الخبر (1) المنجبر بما عرفت عن محمد الحلبي قال: " كنت قاعداً عند قاض من القضاة وعنده أبو جعفر (الإمام الباقر عليه السلام جالس، فأتاه رجلان فقال أحدهما: إني تكاريت إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعاً إلى بعض المعادن، واشترطت عليه أن يدخلني المعدن يوم كذا وكذا؛ لأنها سوق أتخوف أن يفوتني فإن احتبست عن ذلك حططت من الكرى لكل يوم احتبسته كذا وكذا، وأنه حبسني عن ذلك الوقت كذا وكذا يوماً. فقال القاضي هذا شرط فاسد وفيه كراه، فلما قام الرجل أقبل إلى أبو جعفر (الإمام الباقر عليه السلام فقال: شرط هذا جائز ما لم يحطَّ بجميع كراه" (2)(3)(4)

ومقابل قول الأكثر: من أشكل في صحة هذا الشرط الجزائي لكونه يوجب تعليقاً وجهالة وإبهاماً وأنه كالبيع بثمنين نقداً ونسيئة مثلاً، ولذا ذهب المحقق في " جامع المقاصد" وغيره من المتأخرين إلى البطلان في ذلك وطرح الرواية أو حملها على الجعالة أو نحو ذلك.

أقول: إن ما ذهب إليه مخالف الأكثر هو كالاجتهاد في مقابلة النص الذي لا يقبل الحمل على الجعالة.

ثم إننا لا نرى تعليقاً في الإجارة؛ لأنه لم يستأجره بالناقص لو لم يصل في اليوم المعين، بل وصل بعده، بل الأجرة معينة إن وصل في اليوم المعين، فإن تأخر نقص من الأجرة، وهو شرط في متن العقد على نحو شرط النتيجة أو شرط الفعل، والفرق بينهما واضح، إذ على النحو الأول يكون المشروط له (على تقدير مخالفة الشرط) قد ملك مقدار النقصان على ذمة الشروط عليه، بينما على النحو الثاني فلا يوجد اشتغال ذمة المشروط عليه، بل يجب عليه تمليك مقدار النقصان، فإن لم يفعل فعل حراماً فقط.

(1) إنما عبر صاحب الجواهر بهذا التعبير؛ لأن هذه الرواية لها ثلاثة أسناد: الأول: سند الشيخ الكليني وفيه (محمد بن أحمد) وهو مجهول فالرواية تكون ضعيفة فعبر عنها بالخبر: الثاني: سند الشيخ الطوسي وهو سند صحيح. الثالث: سند الشيخ الصدوق وهو سند صحيح أيضاً. أقول: بعد وجود الطريق الصحيح لا معنى للتعبير بالخبر.

(2)

جواهر الكلام/ج27/ص230.

(3)

وسائل الشيعة /ج13/باب13 من الإجارة/ح2..

(4)

لقد ثبتت الروايات المتواترة عن الأئمة عليهم السلام بأن قولهم ليس من الرأي أو الاجتهاد وإنما هو عن آبائهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبرئيل عن الله عز وجل، فيكون قولهم حسب هذه الروايات المتواترة حجة وكاشفاً من السنة النبوية، فيلزمنا العمل بها إذا كان السند صحيحاً. راجع كتاب الحلال والحرام في الإسلام، الأمر الخامس من مقدمة المحقق ص23.

ص: 873

نعم: هناك جهالة في الشرط ولكن لا تضر هذه الجهالة التي ليست راجعة إلى أحد العوضين. كما أن التشبيه بالبيع بثمنين ليس بصحيح؛ لأن المشابهة للبيع بثمنين أن يقول مثلاً، إن خطته روميًّا فلك درهم وفارسيًّا نصفه، أما ما نحن فيه فهو ليس كذلك، ولذا صرح بالصحة هنا ما لم يقل بها في مثال الخياطة بالرومية والفارسية؛ وذلك لأن المستأجر عليه فيما نحن فيه معيناً، ولكن اشترط عليه التنقيص على تقدير المخالفة. وهذا شرط صحيح لعموم " المسلمون عند شروطهم " وإطلاق الرواية المعتضدة بفتوى الأكثر.

2 -

التنقيص من الأجرة بدون تعيين:

نعم، لو كان الشرط الجزائي هو التنقيص بدون ذكر لمقداره ولو أوصله متأخراً، فيكون الشرط هنا باطلاً لجهالة الأجرة على تقدير الإيصال المتأخر، وحينئذٍ تبطل الأجرة، وإذا بطلت الأجرة ننتقل إلى أجره المثل في هذه الصورة.

ويدل عليه:

كونه على مقتضى القواعد القائلة بصحة الإجارة وبطلان الأجرة لجهالتها، فننتقل إلى أجرة المثل.

ويؤيده ما ورد في كتاب دعائم الإسلام عن الإمام الصادق عليه السلام "أنه سئل عن الرجل يكتري الدابة أو السفينة على أن يوصله إلى مكان كذا يوم كذا، فإن لم يوصله يوم كذا كان الكرى دون ما عقده؟ قال عليه السلام: الكرى على هذا فاسد، وعلى المكترى أجر مثل حمله"(1)

3 -

سقوط الأجرة بأكملها:

ثم لو كان الشرط الجزائي هو سقوط الأجرة بأكملها إن لم يوصله في الوقت المعين، فهو شرط باطل لكونه شرطاً منافياً لمقتضى الإجارة؛ لأنه يرجع إلى استحقاق المستأجر العمل بعقد الإجارة بلا أجرة، فهو مثل قوله آجرتك بلا أجرة، وحينئذ فإن فسد الشرط فسد العقد على رأي؛ لأنه شرط أساسي بني عليه العقد، ويدل على بطلان الشرط نفس الرواية المتقدمة عن الحلبي بقول الإمام الباقر عليه السلام:" وشرط هذا جائز ما لم يحط بجميع كراه" وعلى قول آخر إن الشرط إذا كان فاسداً لا يبطل العقد. ولكن لا بأس بالتنبيه إلى أن المؤجر يستحق أجرة مثله على كلا التقديرين (من بطلان عقد الإجارة أو عدم بطلانه) ؛ لأنه عمل عملاً بدون تبرع بطلب من صاحب السلعة، فيستحق أجرة المثل لما عمل، ولقاعدة (ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده) ، والإجارة عقد مضمون لو كان صحيحاً بالأجرة المسماة، فلو كان فاسداً فهو مضمون بأجرة المثل (2)

(1) المتسدرك ج14 باب 7من الإجارة / ح1 طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام.

(2)

هنا أبحاث معمقة آثرنا تركها لأجل أن لا يطول بنا المقام.

ص: 874

أقول: هذا الكلام في الشرط الجزائي قد ورد فيه الحديث المتقدم في الإجارة، فإن لم نر فرقاً بين عقد الإجارة وبقية العقود (غير القرض)(1) فيكون دليل الشرط الجزائي غير منحصر بعقد الإجارة، فيصح الشرط الجزائي على النحو الأول في كل عقد، ومنه عقد المناقصة التي نحن بصددها والتي تكون الإجارة قسماً منها، فيتمكن الداعي إلى المناقصة أن يشترط على من رست عليه المناقصة نقصان أجرته أو ثمنه بمقدار معين إن لم يكمل المشروع الصناعي أو لم يسلم المبيع في مدته المعينة. كما يمكن أن يكون الدليل على صحة الشرط الجزائي هو قاعدة " المسلمون عند شروطهم " التي توجب الوفاء بالشرط إذا كان في ضمن عقد ما لم يكن مخالفاً للكتاب أو السنة.

7 -

مدى حرية الجهة الداعية إلى المناقصة في اختيار أحد من العروض أو التقيد بالأنقص منها:

إن التعريف المتقدم للمناقصات كان يلزم الداعي إلى المناقصة إلى اختيار أحسن من يتقدم للتعاقد معه، وهذا التعريف قد استدل من العرف التجاري لعقد المناقصات، فإذا وصل هذا العرف إلى حد التعهد من قبل المشتري ومن يدخل في المناقصة فلا يبعد أن يلزم المشتري شرعاً باختيار أقل العروض لهذا التعهد الذي يكون ملزماً حسب "أوفوا بالعقود".

ونستطيع أن نتخلص من هذا العرف التجاري في صورة واحدة وهي ما إذا اشترط المشتري على المتناقصين عدم الالتزام باختيار أفضل من يتقدم للتعاقد معه، ففي هذه الصورة يكون المشتري مختاراً في اختيار أحد المتقدمين للمناقصة حسب الشرط.

وأما إذا لم يكن إلزام للداعي إلى المناقصة في اختيار أفضل العروض كما في المناقصات البدائية التي تحصل مشافهة، فحينئذ يكون الحكم هو حرية الجهة الداعية إلى المناقصة في اختيار أحد العروض وإن لم يكن أحسنها ما لم يشترط تقييد الداعي إلى المناقصة بأفضل العروض.

خلاصة البحث:

وخلاصة ما سبق من البحث نذكره على نقاط:

1-

بعد تعريف المناقصات وبيان علاقة الضد بين المزايدة والمناقصة واشتراكهما في الإجراءات تبين أن المناقصات هي قسم من المقاولات التي تكون ملزمة للطرفين.

2-

المناقصات على أنواع (مناقصات البيع، والاستصناع والسلم والإجارة والاستثمار بأقسامه المختلفة من مزارعة ومضاربة ومساقاة) وتبين أن المناقصة كما تكون قسماً من البيع والسلم والاستصناع والإجارة والاستثمار تكون أيضاً أعم من البيع لشمولها لهذا العقود.

3-

لا تعارض بين صحة عقود لمناقصات والنهي عن الدخول في سوم الأخ؛ لأن حديث النهي ناظر إلى المعاملة الخاصة الجارية بين الطرفين خاصين، ولا يشمل بيع المناقصة المبنية على عدم السوم مع شخص واحد بل مع جماعة.

(1) إن الشرط الجزائي في القرض سواء كان الغرض منه حث المقترض على الوفاء بدينه في الميعاد فيكون تهديداً ماليًّا للتنفيذ العيني، أو كان شرطاً جزائيًّا حقيقيًّا وهو خلاف التهديد المالي حيث إنه يتصل بالتعويض لا بالتنفيذ العيني، وعدم صحته في القرض واضح حيث إن كل الزيادة للمقرض جاءت من قبل الشرط في عقد القرض هي ربا.

ص: 875

4-

الدخول في المناقصة قد يكون لمن لا يمتلك السلعة وهو يكون من قبيل بيع السلم أو الاستصناع أو بيع الكلي أو الإجارة أو الاستثمار بأقسامه المختلفة الشرعية، أما بيع ما ليس عند الإنسان الذي ورد فيه النهي فإنه مختص ببيع السلعة الخارجية لمن لا يملكها، وقد تبين أيضاً أن المناقصة ليست من المواعدة التي لا تكون ملزمة للطرفين.

5-

بيع وثائق المناقصة بالتكلفة أو بأي ثمن آخر عقد صحيح لدخول ذلك تحت حلية البيع والتجارة عن تراض.

6-

إن خطاب الضمان الابتدائي الذي يأخذه الداعي إلى المناقصة عند تخلف من رست عليه من القيام بمقررات المناقصة أمر جائز؛ لأنه عبارة عن شرط في حق فسخ المعاملة المذكورة.

7-

إن خطاب الضمان النهائي الذي يكون لصالح الداعي إلى المناقصة الذي يكون عبارة عن دفع نسبة معينة من قيمة العملية في حالة تخلف المقاول عن الوفاء بالتزاماته هو شرط صحيح ولازم ما دام واقعاً في عقد صحيح سواء كان بنحو شرط النتيجة أو شرط الفعل. كما يمكن أن يقوم البنك بضمان هذا الشرط والعمل به عند تخلف المقاول عن التزاماته وبالشرط معاً.

8-

إن العمولة التي يأخذها البنك على خطاب الضمان الذي هو عمل لفظي ليس قابلاً للضمان، غير جائزة؛ لأنها من قبيل أكل المال بالباطل. إلا إذا جوزنا أخذ الأجرة على كل خدمة يقدمها شخص لآخر لم يكن منهيًّا عنها.

9-

إن الشرط الجزائي في حالة التأخير عن وقت التسليم يكون صحيحاً إذا كان معيناً، أما إذا كان غير معين فهو غير صحيح ويؤثر على صحة العقد، وحينئذٍ ننتقل إلى ثمن المثل.

أما إذا كان الشرط الجزائي عبارة عن سقوط الثمن بأكمله فهو شرط باطل لكونه منافياً لمقتضى العقد، وقد كان دليل هذا كله الرواية المعتبر عن الإمام الباقر عليه السلام بالإضافة إلى قاعدة " المسلمون عند شروطهم ".

10-

إن الجهة الداعية إلى المناقصة تكون ملزمة باختيار أقل العطاءات إلا في صورة اشتراط عدم الإلزام في متن شراء وثيقة المناقصة أما في المناقصات البدائية التي ليست فيها التزام باختيار أقل العروض فالعكس هو الصحيح.

نسأل الله تعالى العفو عن الزلل والحمد لله أولاً وآخراً

الشيخ حسن الجواهري

ص: 876

المناقشة

بسم الله الرحمن الرحيم

المناقشات

الرئيس:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

في هذه الجلسة الصباحية المباركة لدينا موضوع (المناقصات) ، والعارض هو فضيلة الشيخ محمد علي التسخيري، والمقرر الأستاذ رفيق يونس المصري.

الشيخ محمد علي التسخيري:

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وآله وصحبه أجمعين.

في بحث المناقصات قدم بحثان للأستاذين: الشيخ الجواهري والدكتور رفيق المصري. وسأحاول عرض البحث مقارناً ومعلقاً أحياناً بما لا يخرجني عن وظيفة العارض عن تعريف المناقصة، الشيخ الجواهري يقول: هي طريقة بمقتضاها تلتزم الأطراف باختيار أفضل من يتقدم إلى التعاقد شروطاً. وهذا الالتزام من الطرفين عقد مستقل ملزم يجب الوفاء به وربما أمكن اشتراطه- كما يقول – ضمن عقد بيع المعلومات الذي هو طريق للدخول في المناقصة. كما عرفها الأستاذ المصري بأنها: طريقة نظامية لشراء سلعة أو خدمة تلتزم فيها جهة بدعوة المناقصين لتقديم عطاءاتهم وفق شروط ومواصفات محددة لأجل الوصول إلى أرخص عطاء بافتراض تساوي العطاءات في سائر المواصفات والشروط. والظاهر أن تعريف الأستاذ المصري يحتاج إلى شيء من الاختصار. كما أنه يحصر التعهد بدعوة المناقصين، في حين أن التعهد هو أوسع من دعوة المناقصين.

ويركز الأستاذ على خصوص المناقصة التي تجريها جهة عامة كالدولة. في حين يطرح الجواهري البحث بشكل عام. الأستاذ المصري يتحدث بشيء من التفصيل عن إجراءات المناقصة من قبيل تقدير القيمة التقريبية للتوريد أو المشروع، والتأكد من وجود الاعتماد اللازم للموازنة، ووضع المواصفات والشروط والإعلان عنها.

ثم مسألة تقديم الضمان الابتدائي الذي يقدم مع العرض وتشكيل لجنة لفحص العروض والبت فيها، فإذا وجدت هذه اللجنة أن العرض الأقل يرتفع عن سعر السوق فاوضت صاحبه، ثم يتم اتخاذ قرار الترسية وإرساء المعاملة، حيث يخطر المناقص بتوقيع العقد وتقديم الضمان النهائي. ويؤكد أن مسألة المساواة ومبدأ المنافسة هما أهم المبادئ التي تقوم عليها هذه العملية.

والمناقصات قد تكون عامة بفتح المجال فيها للجميع، أو محدودة لمصلحة ما. كما قد تكون داخلية- يعني داخل القطر- وقد تكون خارجية. أيضاً قد تكون علنية وقد تكون سرية. وتحدث الأستاذ المصري عن أسباب سرية المناقصة وناقشها. وفي صدد توضيح هوية هذه الطريقة وتكييفها فنيًّا يرى الباحثان أنها تحتوي على عمليات متعددة فهي تتلخص بما يلي:

أولاً: الإعلان عن وجود عزم من جهة معينة أو فرد لتأسيس مشروع معين، أو شراء سلعة موصوفة على طريقة المناقصة.

يشترط لأجل الاشتراك في العملية شراء المعلومات، وهذا عقد مستقل قبل الدخول في المناقصة. كما يشترط في عقد شراء المعلومات تقديم خطاب ضمان ابتدائي يدفعه البنك إذا رست المعاملة على أحدهم ولم يلتزم بها.

ص: 877

يبدأ عقد المناقصة أو عملية المناقصة- باعتبارها مجموعة- من حين النداء أو التحرير- يعني النداء الشفهي أو التحرير الكتابي- حيث الإيجاب وتكون الكتابة بالتقبل هي الإيجاب، إلا أن كل من تقدم بسعر أقل يسقط الإيجاب الأول ولا يتم العقد إلا بعد رسو المعاملة على الأقل من غيره وحصول القبول. كما يطرح سير آخر لهذه المعاملة يجعل التزام الداعي إلى المناقصة- أي الجهة أو الشخص الذي يريد المناقصة – قبولاً متقدماً، وتقديم العروض إيجابات متأخرة، وإذا كانت الطريقة الأولى سليمة- كما يقول الشيخ الجواهري- فإنه يشكل على الثانية بأن قيمة المشروع كانت مجهولة عند القبول المتقدم، ولكنه يرد عليه بأن مثل هذه الجهالة ليست مما يضر بالعقد، وإن أمكن تحقيق قبول أثناء رسو المعاملة للتخلص من هذا الإشكال.

هذا وقد جاء في البحثين تحديد للفرق بين عقد المناقصة وعقد المقاولة لا نجد داعياً كبيراً للتطرق إليه، إذ المهم هو التكييف الفقهي لهذه العملية. إلا أنه ومن باب التقديم وذكر المماثل تم التعرض للمزايدة وهي أن يعرض البائع سلعة على شارين يتزايدون في الثمن حتى يتفق مع أكبرهم ثمناً. وعقد المزايدة جاء الكلام عنه في كتب السنة والفقه، قال عطاء: أدركت الناس لا يرون بأساً ببيع المغانم فيمن يزيد. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم باع حلساً- وهو كساء لظهر البعير- وقدحاً، وقال من يشتري هذا الحلس والقدح؟ فقال رجل: أخذتهما بدرهم. فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: ((من يزيد على درهم؟ من يزيد على درهم؟)) . فأعطاه رجل درهمين، فباعهما منه" رواه أحمد وأصحاب السنن وقد ذكر العلماء أن موضوع سوم المؤمن على أخيه لا يأتي في المزايدة إلا أن النجش يأتي هنا. وللمجمع قرار في المزايدة يجيز طلب الضمان ممن يريد الدخول فيها مع إعادته إلى كل من لم يرس عليه العطاء. ويحتسب الضمان المالي في الثمن لمن فاز بالصفقة، ولا مانع شرعاً من استيفاء رسم الدخول لكونه ثمناً له.

والمناقصة بطبيعة الحال عكس المزايدة إلا أن هناك كلاماً في الموجب الذي قيل عنه إنه المتقدم بالعطاء. فالموجب في عقد المزايدة هو المشتري وتفي المناقصة هو البائع باعتبار أن كلًّا من هذين يتقدمان بالعطاء. إلا أن الشيخ الجواهري ركز على جعل الموجب في المزايدة أيضاً هو البائع؛ لأن المشتري فيها يتملك بثمن معين وهو يملك ثمنه للغير ولكن تبعاً لتمليك الغير سلعته إياه. فتمليكه تبغي فهو قابل قدم قبوله بلفظ (اشتريت) مثلاً. وبالنسبة للمناقصة فإن المقدم بعرض سلعته أو عمله بثمن معين هو الموجب، إلا أن العارض الثاني الأقل عرضاً يسبق الإيجاب الأول ليحل محله بعد أن التزم الداعي إلى المناقصة باختيار الأفضل فيكون ملزماً بالعرض الثاني ومعرضاً عن الأول. هذا وقد ذكرت هناك أنواع المناقصات أذكرها بسرعة، وهي: مناقصات البيع والشراء، وهذا هو بيع كلي المضمون حالاً كما يقول الشيخ، ومناقصات الاستصناع والسلم، ومناقصات عقد الإجارة لإنشاء مشروع معين على أن تكون مواد المشروع من الجهة الداعية للمناقصة. أيضاً مناقصات الاستثمار بشأن عقد المضاربة والمزارعة والمساقاة، إذ يعلن الداعي عن رغبته في التعاقد مع من يتقدم للاشتراك معه في الربح.

ص: 878

ولما كان هناك التزام بالتعاقد مع أفضل من يتقدم فإن ذلك يعني إسقاط الخيارات، ونفس أخذ خطاب الضمان الابتدائي ينبهنا إلى ارتكازية عدم الفسخ ويستنتج من ذلك إن الخيار موجود لدى المتبايعين لكن لا يحق لهم إعماله إلا أن يكون خطاب الضمان لصالح الآخر، ولا يسمع ادعاء الغبن باعتبار أن المشتركين هم من أهل الخبرة إلا إذا ثبت غبن مغفول عنه في البين. فأهم ما يستدل به على صحة عقد المناقصة هو العمومات الشرعية من قبيل قوله تعالى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وقوله تعالى {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} . بعد وضوح أن العرف يرى أن هذه العملية هي مصداق لهذه الأمور ويشبهها الدكتور المصري بعقد المسابقة إلا أنه هناك بعض العقبات والشبهات والإشكالات ذكرها الباحثان ونظمتها بشكل نقاط عشر، وأطرحها بسرعة وهذا التلخيص في الواقع يعرض روح كل ما جاء في البحثين بشكل كامل كما اعتقد.

الأمر الأول: مسألة الغرر المطروح، ربما تصور البعض حصول غرر وجهالة في البين، إما من جهة التأجيل المفترض أو من جهة عدم العلم بالمقدار الذي يقع عليه التعاقد في الخارج الآن، وقد حله الأستاذ المصري بأننا لو نظرنا إلى المتعاقدين لن نجد زيادة في الغرر وحله الشيخ الجواهري بأن الغرر الممنوع ليس هو الجهالة مطلقاً ليس كل جهل غرراً بل عدم معرفة حصول الشيء من عدمه. على أن التحقيق الذي أعتقده ودعوت قبل هذا في حديث سبق إلى لزوم التركيز على تحديد الغرر الممنوع؛ لأننا في حاجة إليه في كثير من استنباطاتنا على أن التحقيق في الغرر الممنوع هو ما يؤدي إلى النزاع المستحكم الذي لا يمكن حله، ولا يوجد مثل هذا الغرر هنا.

الأمر الثاني: إشكال بيع ما ليس عنده باعتبار أن المورد يلتزم بتوريد سلع في آجال معلومة، وهو أمر غير وارد هنا بعد عدم اشتراط موجود، مورد العقد حالياً، ثم إن هذا أمر خارج عن طبيعة المناقصة. يعني المناقصة تنصب على التوريد. الكلام في نفس المناقصة، يحسب له حسابه لوحده على أننا نعتقد أن هذا الحديث يركز على بيع العين الشخصية غير المملوكة ولا يشمل موردنا. طبعاً إذا باعها لصاحبها يصبح عقد فضول، أما إذا باعها لنفسه فهو منهي عنه. طبعاً النهي هنا نهي وضعي وليس تكليفيًّا.

الأمر الثالث: موضوع تغير الأسعار بين تاريخ تقدم العرض إلى تاريخ الرسو، أو إلى تاريخ الانتهاء من تنفيذ مصب العقد، التوريد أو المقاولة. وهذا الأمر يتلافى –كما يقول الدكتور المصري، حفظه الله –إما بالدقة في معرفة الأسعار في المستقبل أو بالتعديل المجاز من قبل القانون، القانون أو السلطة العليا تغير.

ص: 879

الأمر الرابع: مسألة تأجيل البدلين في المناقصة مما يطرح شبهة (بيع الكالئ بالكالئ) أو الدين بالدين) فيما لو كانت المناقصة توريداً مثلاً. وقد ردها الدكتور المصري بعدم ثبوت الحديث وأن الصور التي تدخل فيه ليست موضع اتفاق وصورتنا هذه لا ربا فيها؛ لأنها مبادلة سلعة بنقد، ولا يسلم باشتغال ذمتين بلا فائدة كما يطرح البعض. وعلى أي حال فالاختلاف في تفسير الحديث يجعله مبهم الانطباق على المورد. وطبيعي إذا كان الدليل فيه شيء من الإبهام لا يمكن الاستدلال به، على أنه يرجح في النهاية أن المناقصة أصبحت حاجة عامة فيجب القول بها حتى لو خالفت بعض القواعد، يجب القول بها استحساناً. طبعاً أنا شخصيًّا أرى في هذا الكلام، إشكالاً ولا يمكن الخروج عن القاعدة العامة المسلمة باستحسان من هذا القبيل، لكني أؤيد أن الإبهام الموجود في الدليل يمنع من الاستدلال به.

الأمر الخامس: موضوع النهي عن الدخول في سوم الأخ. أيضاً هذا لا يأتي هنا إذ أنه يركز هنا على موضوع العرض الأفضل، وليس فيه بيع على بيع الأخ ولا ركون للمتبايعين حتى يتصور دخولهما في السوم، والدلال المفروض مستمر في طلب الأخ. هذه المشكلة أيضاً ليست مطروحة.

الأمر السادس: هناك مشكلة شراء دفتر الشروط، فالجهة صاحبة المناقصة تضع شروطاً ومواصفات للأصناف التي ترغب في تنفيذها أو توريدها، وقد تحتاج إلى أمور تتكبد لها نفقات بالإضافة إلى نفقات الإعلان، فمن يتحمل هذه التكاليف والنفقات؟ قد يقال: إن الجهة صاحبة المناقصة تتحملها؛ لأنها المستفيدة أما المناقصون وبالخصوص من لم ترس عليه المناقصة فما هو الوجه في تحميلهم؟ هو قد يحمل المناقصون باعتبارهم يريدون الاستفادة بغض النظر عن النتيجة، وقد يقال ببيع الكراس لهم. والكراس ذو قيمة، ويرى الأستاذ المصري ضرورة بذله بالمجان ولكن لا مانع من أخذ تأمين نقدي يرد إلى المناقص الذي لم ترسو عليه المعاملة. ولا يمانع الشيخ الجواهري في البيع، وأتصور أنه هو الأصح، لا مانع من البيع.

ص: 880

الأمر السابع: موضوع الضمان. هناك نوعان من الضمان، هما: الضمان الابتدائي ويصل إلى حد 1 أو 2? من قيمة العرض، ويقدم مع العرض لغرض التأكد من جدية اشتراك المتعهد في المناقصة والتأكد من التزامه، ومن حق الجهة صاحبة المناقصة مصادرة مبلغ هذا الضمان إذا سحب العرض قبل البت النهائي، ويرد هذا إلى أصحاب العروض الأخرى، أما صاحب العرض الفائز فيرده إليه ليغيره إلى ضمان دائم، إلى ضمان الانتهائي.

الضمان الانتهائي يصل إلى حد 5? مثلاً من قيمة العقد يقدم خلال مدة يرد إلى صاحبه بعد أن ينفذ مصب العقد. والضمان قد يكون نقديًّا، أو بشكل شيك مصرفي، أو بالاقتطاع من مبالغ مستحقة، أو بشكل خطاب ضمان مصرفي، أو بتعهد من شركة تأمين. الإشكال هنا إنما هو في أجرة خطاب الضمان وقد بحث المجمع هذا المعنى، وهي ممنوعة إلا أن هذا المعنى خارج عن مصب هذه المعاملة، يعني هذا أمر آخر جانبي خارج عن المعاملة، وقد أكد الدكتور المصري أن من غير الممكن الحصول على خطاب ضمان في هذا العصر بلا أجر.

ورغم أن المجمع قد رفض الأجر على الضمان إلا أنني شخصيًّا وقد قلت آنذاك: أعتقد أنه لا مانع منه وهناك تخريج فقهي له. والشيخ الجواهري أيضاً يخالف أخذ الأجرة على الضمان، ولا زلت أعتقد أن هذا الخطاب يعزر من قيمة التزامات المقاولين وهو أمر محترم عرفاً ويمكن المقابلة بالمال. على أي حال هذا أمر خارج. ولكن ما هو التكييف الشرعي لمصادرة خطاب الضمان عند التخلف؟ هذا داخل في نفي العمل. يرى الأستاذ المصري أنها تشبه مصادرة العربون عند النكول.

وقد أقر المجمع جواز ذلك بقيد مدة محددة. أما الشيخ الجواهري فيرى أن البنك قد كفل وضمن شرط المشترط في حالة عدم قيام المشترط عليه بأداء الشرط وهو الالتزام بالمناقصة عند الرسو. ولكن هذا الضمان –كما يقول- ليس هو الضمان المصطلح الذي فيه خلاف بين المذاهب، وليست هذه هي كفالة إحضار الطالب بل هو ضمان عرفي يحقق موجبه الشرط المشترط على الطالب عند عدم قيامه بأدائه فهو مثل ضمان الأعيان المغصوبة، الأعيان المغصوبة إذا كانت موجودة لا تدخل في الذمة لكنها إذا تلفت تدخل في الذمة، التي لا تشغل الذمة بها ما دامت العين موجودة والضمان هنا هو التعهد بأدائها ويترتب عليه اشتغال ذمة المتعهد بقيمتها عند تلفها.

قد يقال: إن الطالب للضمان الابتدائي من البنك هو المشترك في المناقصة، وهو بعد لم يرتبط مع الجهة بعقد فلا يمكن إلزامه بشرط ليضمنه البنك ويعود الالتزام وعداً ابتدائيًّا غير ملزم ويعود تعهد البنك أيضاً غير ملزم. ولكن الجواب هو أن تعهد المقاول للجهة مشمولاً نفس تعهد المقاول للجهة بعموم (أوفوا بالعقود) وقد فسر بالعهود. كان يمكن أن يكون عربوناً، ويمكن أيضاً أن تشترط الجهة الداعية للمناقصة في عقد بيع المعلومات أخذ مبلغ من المال ويكون الشرط ملزماً؛ لأنه جاء في عقد سابق ملزم. هذا أيضاً ما ذكره الشيخ الجواهري بشيء من التفصيل، لكني أعتقد أن خطاب الضمان نفسه يمكن أن يتم عليه عقد، وأنه يقدم عند البدء في قبل السماح للعارض بالحصول على هذه الفرصة في إطار عقد آخر يندرج ضمناً في عملية المعاوضة. ويبعد تفسيره للعربون؛ لأن العربون يشكل بالتالي جزء الثمن، أما بالنسبة لخطاب الضمان الانتهائي فهو صحيح مشمول لعموم (المؤمنون عند شروطهم) ضمن عقد ملزم، ولا مشكلة فيه إلا مشكلة أجرة الخطاب، خطاب الضمان، وما قلناه هناك نقوله هنا.

ص: 881

الأمر الثامن: موضوع الشرط الجزائي عند التأخير. ما حكم خضوع المتعاقد مع الجهة لغرامة تأخير، وهذا قد تصل إلى 4? من قيمة عقد التوريد، و10? من قيمة عقد الأشغال العامة؟

المجمع الكريم وافق على بعض صور الشرط الجزائي من قبيل لاتفاق المتداينين على حلول سائر الأقساط عند امتناع المدين عن وفاء أي قسط من الأقساط المستحقة عليه ما لم يكن معسراً، وكذلك وافق على مصادرة العربون. وقد ورد عن ابن سيرين أنه قال لرجل: أرحل ركابك فإن لم أرحل معكم يوم كذا وكذا فلك مائة درهم، فلم يخرج، فقال شريح: من شرط على نفسه طائعاً غير مكره فهو عليه.

وطرح الأستاذ المصري السؤال التالي: هل تشبه غرامات التأخير فوائد التأخير؟ وأجاب بأن فوائد التأخير تتعلق بتأخير وفاء القرض فهي من الربا، أما غرامات التأخير فتتعلق بالبيوع والإجارات، ولكن إذا اعتبرنا المبيع المستحق ضرباً من الدين من الالتزام فإنه تأتي هنا شبهة تقضي أم تربي، ولذلك فيجب التفصيل بين الصور وقد جاء بمثالين من الإجارة والبيع ليؤكد قيمة الزمن في الإسلام، وأن الأجرة تتأثر بزمن العمل، طبعاً على أن يكون العقد غير مردد بين أمرين لكن أن يدخل الزمن في حسابه لمعرفة الأجرة لا مانع من ذلك. نقل عن المدونة: قلت: أرأيت إن رفعت إلى خياط ثوباً يخيطه لي، فقلت له: إن خطته اليوم فبدرهم وإن خطته غداً فبنصف درهم، أتجوز هذه الإجارة في قول مالك أم لا؟ قال: لا تجوز هذه الإجارة عند مالك. قلت: لم؟ قال: لأنه يخيطه على أجر لا يعرفه. فهذا لا يعرفه أجره فإن خاطه فله أجرة مثله. عدم الجواز تابع للترديد الموجود، أما إذا ركز في

بعني عندما

أخد الطرفين يأخذ الزمن بحسابه. ولكن هذا جائز لأن عقد الإجارة على إحدى الأجرتين دون ترديد. وهكذا يرى أن الشرط الجزائي لو كان لعدم التنفيذ يجوز ويأخذ حكم العربون، وإن كان لأجل التأخير في التنفيذ لم يجز؛ لأنه يأخذ حكم ربا النسيئة إلا أن تكون للدولة –كما يقول- أحكام أخرى.

أما بالنسبة للتعزير المالي فيسير إلى موافقة بعض العلماء عليه خلافاً للجمهور، وهو –الدكتور المصري- حفظه الله – يقول بالتفصيل. أما الشيخ الجواهري فيذكر أن للشرط الجزائي ثلاث صور يمثل لها من عقد الإجارة، فتارة يقترح موضوع التنقيص من الأجرة مع تعيين المقدار، هذا المقدار ينقص إن لم تلتزم، وهنا يذكر أن الأكثر – من علماء الإمامية- على جوازه مستدلين بقاعدة (المؤمنون عند شروطهم)، وما رواه الحلبي قال: كنت قاعداً عند قاضٍ من القضاة وعنده الباقر جالس فأتاه رجلان، فقال أحدهما: إني تكاريت إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعاً إلى بعض المعادن واشترطت عليه أن يدخلني المعدن يوم كذا وكذا؛ لأنها سوق أتخوف أن تفوتني فإن احتبست عن ذلك حططت من الكراء لكل يوم احتبسه كذا وكذا، وأنه حبسني عن ذلك الوقت كذا وكذا يوماً؟ فقال القاضي: هذا شرط فاسد وفيه كراه، فلما قام الرجل أقبل إلي أبو جعفر- يعني - الباقر فقال: شرط هذا جائز لم يحط بجميع كراه. هذه حالة، حالة أن يكون التنقيص بمبلغ معين، وأخرى أن يكون التنقيص من الأجرة دون تعيين، هنا يبطل الشرط الجزائي للجهالة وينتقل الأمر إلى أجرة المثل. أما سقوط الأجرة بأكملها فهو باطل –كما يقول الشيخ- لمنافاته لمقتضى العقد ويرجع لأجرة المثل باعتبار أنه عمل عملاً محترماً أولاً، وأيضاً لقاعدة (ما يضمن بصحيحه –يعني إذا كان صحيحه فيه ضمان –يضمن بفاسده) ، فإذا لم نقتصر هنا على الإجارة صححنا هذا الشرط كما يقول، خصوصاً مع انطباق قاعدة (المسلمون عند شروطهم) على كل الموارد.

ص: 882

الأمر التاسع: أخيراً وأعتذر إذا كنت قد أطلت، ما الموقف عند الظروف الطارئة؟ هناك حالات طارئة وربما حرب تحضر وربما كذا

ما الموقف؟ الأستاذ المصري يقول: يتم الرجوع هنا إلى القضاء وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضع الجوائح.

الأمر العاشر: هذا السؤال مطروح، هل الجهة الداعية للمناقصة ملزمة بإرسائها على أنقص عطاء؟ يرى الباحثان أن تعريف العملية يعني الإلزام، فإذا ما تحول إلى عرف عام شكل تعهداً ولا يبعد الإلزام إلا إذا اشترط المشتري أو الجهة الداعية للمناقصة عدم التزامه بذلك. وهناك تفصيلات أخرى لا نرى ضرورة التعرض إليها وأعتذر إذا كنت قد أطلت. والسلام عليكم.

الشيخ عبد الله بن بيه:

بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

هذه المسألة مسألة جديدة حقيقة، ولست كمسائل السلم التي سمعناها، وليست كمسائل التعامل مع الشركات التي تتعامل بالربا. وقد تدعو الحاجة إليها خصوصاً الحكومات أو الجهات المالية الكبيرة. ولذلك فإني أقترح تأجيل النظر فيها للدورة المقبلة حتى تقدم فيها بحوث فقهية كاملة، فإن البحوث التي بين أيدينا لا يمكن البت على أساسها. وشكراً.

الشيخ حسن الجواهري:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين.

لدي بعض الملاحظات لم أدرجها في البحث أعرضها بصورة ملخصة.

بالنسبة لما ذكره الدكتور رفيق ناسباً له إلى الفقهاء عن الموسوعة الفقهية الكويتية ذكر تقسيم البيع من حيث تحديد الثمن إلى ثلاثة أقسام "بيع المساومة، وبيع المزايدة، وبيع الأمانة". وجعل بيع المناقصة عكس بيع المزايدة. أقول: إن هذا التقسيم قد لا يكون صحيحاً لعدم التباين التام بين المساومة والمزايدة والمناقصة، بل إن بيع المساومة يشمل بيع المزايدة والمناقصة؛ لأن المساومة معناها: البيع بما يتفقان عليه من غير تعرض للإخبار بالثمن سواء علمه المشتري أم لا. وهذا التعريف يصدق على المتبايعين سواء كان المشتري واحداً أم متعدداً كما في المزايدة، وسواء كان البائع واحداً أم متعدداً كما في المناقصة. وعلى هذا سوف يكون التقسيم الأوفق للبيع من ناحية تحديد الثمن هو تقسيمه إلى قسمين: بيع المساومة، وبيع الأمانة الذي يقسم بدوره إلى ثلاثة أقسام: مرابحة، وتولية، ووضيعة.

ص: 883

هناك مشكلة لم أتعرض لها في البحث، فيما إذا كان عقد المناقصة توريداً أو استصناعاً. فهل يجوز فيه تقسيط الثمن كما يجوز تقسيط المثمن؟ ذكر أن المانع هو صدق بيع الدين بالدين، الكالئ بالكالئ؛ لأن المثمن مؤجل إلى أجل فهو دين، فإذا كان الثمن مقسطاً فهو مؤجل أيضاً إلى آجال مختلفة فيشمله النهي عن بيع الدين بالدين ولكن يمكن المناقشة في سند هذا الحديث –أنا لم أتعرض في البحث لهذا- وفي دلالته. أما من ناحية السند فقد ذكر جماعة عدم صحة الحديث سنداً، منهم الإمام أحمد. وقد ورد هذا الحديث في كتب الإمامية ولكن في سنده طلحة بن زيد وهو لم يوثق. هنا قد يقال: إن المشهور قد تلقى هذا الحديث بالقبول فيكون معتبراً. طبعاً الجواب بعد تسليم عمل المشهور، لو فرضنا أن المشهور عمل بهذا بعد تسليم عمل المشهور بهذا الخبر تأتي المناقشة الكبروية القائلة بأن الخبر الضعيف لا يكون حجة وإن عمل به المشهور، كما ذهب إلى ذلك الإمام السيد الخوئي –رحمه الله حيث أثبت في الأصول ذلك. وطبعاً هذا –أن الخبر الضعيف لا يكون حجة وإن عمل به المشهور- يختلف عما تقدم بالأمس في حديث ((كل قرض جر نفعاً فهو ربا)) هناك الأمة تلقته بالقبول وليس أنه عمل به المشهور. فرق بين أن يكون الخبر الضعيف تلقته الأمة بالقبول فيكون إجماعاً عليه، وبين أن يكون عمل به المشهور. فالإمام الخوئي لا يرى أن العمل الضعيف إذا عمل به المشهور يكون حجة. وأما إذا تلقته الأمة بالقبول فهو حجة بالإجماع. أما من ناحية الدلالة فقد اختلف الأصحاب في دلالته أيضاً، فقسم ذهب إلى صدقه فيما إذا صار الدينان حين العقد، حين العقد تكون الدينان. وبعضهم ذهب إلى لزوم أن يكون هناك دينان قبل العقد ثم يعقد العقد بين الدينين، قضية للباء، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن "بيع الدين بالدين". على هذا التفسير الثاني فلا يكون النهي شاملاً لما صار ديناً في العقد بل المراد منه ما كان ديناً قبل العقد. مثلاً، كبيع مالي في ذمة زيد لشخص آخر بمال آخر للشخص الآخر في ذمة عمرو مما كان ديناً قبل العقد. كما يحتمل أن يكون معنى الحديث –هذا الاحتمال الثالث- في صورة اتحاد الجنس فيلزم الربا. إذن ما دام الحديث يحتمل اختصاصه بصورة معينة فلا يكون شموله لما إذا حدث الدينان في نفس العقد. إذا بطل هذا الحديث يعني لا يمكن الاستدلال به من ناحية السند ومن ناحية الدلالة أو هما معاً، فالمعاملة التي نحن بصددها –التوريد أو الاستصناع - تشملها عمومات الحل كـ (أوفوا بالعقود) من دون مانع، (وأحل الله البيع) ، و (تجارة عن تراض) ، فإنها من أصدق البيوع –بيوع التوريد- والتجارة في هذا الزمان. وأحسب أن هذا خير دليل يستدل به على صحة المناقصة إذا كانت توريدًا أو استصناعًا، أما المناقصة إذا كانت إجارة في الأشغال العامة والمقاولة فهي مبتنية على أن يكون العمل تدريجيًّا أو تدريجًا، والثمن كللك فلا إشكال فيها. إذن لا مانع من أن تكون المناقصة عقد استصناع أو سلم يؤجل فيه الثمن إلى آجال مختلفة أو من الأشغال العامة.

ص: 884

بالنسبة لمن يقول بأن بيع السلم بيع غرري. بيع السلم، لمن يقول بأن بيع السلم في المناقصة هو بيع غرري قد أجيز بدليل خاص، وأما تأجيل الثمن والمثمن فهو غرر شديد لم يجز بدليل خاص. طبعاً هذا الكلام باطل حيث إن الغرر لم يكن موجوداً في بيع السلم أما من ناحية الثمن فقد قدم مع معلوميته، وأما من ناحية المثمن فهو كلي موصوف معين أجله في زمن يغلب وجود السلعة فيه، فكذا تأجيل الثمن والمثمن في بيع التوريد والاستصناع، لا يوجد غرر لا من ناحية الثمن ولا من ناحية المثمن. المثمن مقسط على آجال معلومة فلا غرر فيه وكذلك الثمن مقسط على آجال معلومة وهو محدد، فأين يكون الغرر؟ هو أن الغرر المنهي عنه حسب تتبع موارده هو الخطر، وهو تردد المبيع بين وجوده وعدمه. يعني لا يعلم أن المبيع موجود حال الأجل أو لا، فكلما كان المبيع مجهول الوجود فهو بيع غرري، وحينئذ لا يكون غرراً في بيع التوريد؛ لأن المبيع ليس مجهول الوجود، ولا غرر في الثمن؛ لأنه معلوم الوجود بحسب الفرض.

بالنسبة للشرط الجزائي في حالة التأخير في المناقصات. ذكرت الأدلة الوافية على صحة الشرط الجزائي في المقاولات والأعمال ومنها أدلة خاصة في خصوص الإجارة على المال والمشاريع والشرط الجزائي فيها، القائلة بأن الشرط الجزائي نافذ ما لم يحط بجميع الأجرة. أما بالنسبة للتوريد وبيع السلم فقد ذكرنا في بحثنا المقدم لهذه الدورة صحة ذلك ولكن نعلن تراجعنا عن هذا عن صحة الشرط الجزائي في حالة التأخير بالنسبة للتوريد وبيع السلم لما ثبت لدينا من كون الشرط الجزائي في خصوص السلم والتوريد مخالف للسنة، إذ لا فرق بين المثمن إذا كان مؤجلاً والثمن إذا كان نسيئة. والزيادة في أجل الثمن في مقابل المال محرمة؛ لأنها ربا فكذا الزيادة في أجل المثمن في السلم والتوريد في مقابل المال تكون محرمة؛ لأنها من مصاديق (أتقضي أم تربي) . نعم يمكن للمشتري لأجل ضبط البائع عن تخلفه في عقود السلم والتوريد عن العمل بالعقد. يعني أن يشترط شرطاً جزائيًّا فيكون كالعربون الذي أجيز في دورة سابقة في حالة عدم التنجيز لا عدم التأخير. لكن هذا لا يكون بديلاً للشرط الجزائي في صورة التأخير عن تسليم البضاعة السلمية والتوريد.

إذن الخلاصة أن الشرط الجزائي في صورة التأخير في تسليم البضاعة مخالف لسنة فهو باطل. والحمد لله رب العالمين.

الدكتور رفيق يونس المصري:

بسم الله الرحمن الرحيم

أولاً: أحب أن أشكر للشيخ التسخيري حسن عرضه وإيجازه في هذا العرض، والزيادات التي ذكرها، كما أشكر له تواضعه الذي بدا لي منه قبل انعقاد الجلسة. وبرغم اختلاف المذهب بيني وبينه –بين سني وإمامي- إلا أنني أقدر إنصافه.

ص: 885

النقطة الأولى: إنني حصرت ورقتي كما هو واضح من عنوانها في العقود الإدارية، ولم أتكلم عن المناقصات بشكل عام؛ ذلك لأن العقود الإدارية لها بعض الخصوصيات عند أهل الفن الذين بحثوا هذه العقود، كما أنه بدا لي أن هذه الخصوصيات قد تكون معتبرة في الحكم الشرعي. لذلك حصرت الكلام في مناقصات العقود الإدارية وهي العقود التي يكون فيها أحد الطرفين مؤسسة عامة (دولة)(إدارة جهة عامة) ؛ لأن للدولة امتيازات ذكرتها في الورقة ولا أحب أن أكررها الآن.

النقطة الثانية: هي نقطة استيضاحية. يرد على لسان إخوتنا من المذهب الإمام لفظ (كلي) ، وأنا لم أفهم ما المقصود به، سمعته بالأمس من الأخ الجواهري كما سمعته هذا اليوم من الشيخ التسخيري، فأرجو أن يعنوا قليلاً بمراعاة الفروق في المذاهب وبيان هذه المصطلحات لنا كتابة أو شفاهة.

النقطة الثالثة: يقول الشيخ الجواهري بأن الضمان ليس هو الضمان المصطلح. أنا أود منه إيضاحاً لهذا الموضوع وإثباتاً؛ لأنه من السهل جدًّا على كل ممن يريد أن يستبيح معاملة ما، فيقول هذه المعاملة مستحدثة أو هذه المعاملة المفهوم فيها مختلف عن المفهوم السائد الموروث في كتب الفقه. ولكنني أشكر الشيخ الجواهري على أنه قد بادرني منذ لقيته بأنه يرجع عن رأيه في الشرط الجزائي المتعلق بالتأخير لا المتعلق بالنقول فهذا من أخلاق العلماء.

النقطة الرابعة: أود أن أعلق قليلاً على ما ذكره شيخنا ابن بيه. نعم هذه البحوث المقدمة في المناقصات هي الأقل عدداً في هذه الدورة، وهي بحثان. وكنت أود أن يشترك عدد أكبر لكي تتعدد الأنظار، وأوافقه، ربما قد يكون هناك حاجة إلى تأجيل الجلسة بعد المناقشات لكن ما يؤخذ على هذا الرأي الكريم أن ورقته هذه قد قدمت إلى المجمع في الموعد المضروب، أرختها والتاريخ موجود على ورقتها الأولى، مقدمة منذ عشرة أشهر، وأنا أعترف بأن المجمع قد وزعها منذ التوزيع الأول بصورة مبكرة، كما وزعها قبل أن نأتي ووزعها بالأمس قبل هذه الجلسة، فلماذا لم تكن هناك تعليقات على الأقل من بعض العلماء الحضور مكتوبة أو شفهية، قد يكون هناك تعليقات سنستمع إليها؟ ولماذا لم يكتب السادة الفقهاء في هذا الموضوع أصلاً موضوع المناقصات؟ لماذا قلت الكتابة فيه على حين أنها زادت وتضخمت في موضوع كسد الذرائع؟

النقطة الخامسة: هذا الموضوع إن أراد السادة أعضاء المجمع ورئيس المجمع مناقشته ولا سيما إذا لم يكن بعض الأعضاء قد تمكنوا من قراءة الورقتين المعروضتين في هذا الموضوع فأنا على استعداد؛ لأن أدخل في النقاش في النقاط العصيبة. وشكراً.

ص: 886

الشيخ عبد الوهاب أبو سليمان:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فقط ملاحظة إن الدكتور رفيق قال: إنه لم يكتب في هذا الموضوع أحد. سبق أن سماحة الشيخ السلامي وأخاكم كتبا في موضوع المزايدة، وتضمن البحث أيضًا المناقصة وأحكام المناقصة هي أحكام المزايدة طبق الحافر بالحافر إلا أنها تختلف في الشكل وهذا ما قاله القانونيون الذين كتبوا في العقود الإدارية. ولهذا امتنعت عن الكتابة عن المناقصة؛ لأن ما سأكتبه سيكون تكراراً أو مجرد إسهاب في موضوعات لا تحتاج إلى إسهاب.

لدي بعض الملاحظات على البحثين إذا نظرت إلى بحث سعادة الدكتور رفيق المصري يقول: لا أرى داعياً لتخصيص هذا البيع بالفقراء، أو أصحاب البضاعة الكاسدة، أو بغير ذلك، لا سيما وأن الحكومات تلجأ إليه في عصرنا هذا. هو سماه الفقهاء أو عنونوه بهذا العنوان؛ لأن أبرز صفات هذا العقد في تلك الأيام إنما هو بيع من يزيد، وكذلك المحدثون. فالفقهاء يعنونوه بأبرز صفاته، واليوم لا يوجد فقيه يسميه بيع الفقراء أو بيع من كسدت بضاعته، ولكن إذا ذكروا هذا فهو يذكر للتوضيح ولسبب أساسي.

كذلك ذكر في بحثه وعلق سعادته على قرار المجمع الماضي ونص هذا القرار:

"إن الإجراءات المتبعة في عقد المزايدات من تحرير كتابي وتنظيم وضوابط وشروط إدارية أو قانونية، يجب أن لا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية".

هذا قرار المجمع في الدورة الماضية بناء على المناقشات والبحوث التي قدمت، فكان التعليق على هذا: توحي هذه العبارة بأن الضمان لا يرد للمشارك الذي لم يرس عليه العطاء. لا أعتقد أن نص القرار لا منطوقاً ولا مفهوماً يؤدي هذا المعنى، مع أن قوانين المزايدة لوائحها كلها تنص في حدود ما اطلعت عليه على رد الضمان، هذا صحيح، وقررنا وقرر فضيلة الشيخ السلامي وفي البحوث على أن رد الضمان إلى دوافعه صحيح شرعًا بخلاف العربون. العربون على مذهب الحنابلة أن البائع يحتفظ بالعربون، فما جرى في القوانين المعاصرة من رد الضمان إلى صاحبه يتفق مع المذاهب الأربعة ولا يمانع فيه الحنابلة، فهو صحيح، فهذا التعليق لم أر له مجالاً.

كذلك ذكر في بحثه بأن المناقصة لم تعرف سابقاً في الفقه إنما عرفت أختها: المزايدة، وهما متشابهتان في كثير من الإجراءات بل وفي الأحكام أيضاً، حتى إن معظم أحكامهما تنظمها لائحة واحدة مشتركة. وهذا هو السبب الرئيسي في أنني لم أكتب في المناقصة.

كذلك ذكر في موضع آخر من بحثه بأن المناقصة فيها شبه بعقد المسابقة من حيث الاسم فكلاهما مفاعلة، ومن حيث المضمون فالمناقصة مسابقة، أنا لا أرى داعياً لهذا الشبه، كونها تشبه المسابقة ما الذي يترتب على هذا إذا كانت هي ألصق وأكثر التحاماً بأختها المزايدة؟ ما هو الحكم الذي يترتب على تشبيهها بالمسابقة؟ كونها تنقسم أو تتجزأ هذا لا يؤثر ففي الحكم.

ص: 887

بعد ذلك –في الحقيقة- الدكتور المصري انتقل إلى موضوع التوريد، وكذلك فضيلة الشيخ الجواهري، وكلاهما نزل عقد التوريد على السلم. وهنا يقول الدكتور رفيق: ومناقصة التوريد تشبه بيع السلم من حيث ضرورة تحديد أوصاف المبيع. هذا الكلام سليم من حيث الشبه لكن فيما بعد وفي الخاتمة نزله على عقد السلم وكلاهما جعله من قبيل

الشيخ الجواهري يقول: الدخول في المناقصة قد يكون لمن لا يمتلك السلعة وهو يكون من قبيل بيع السلم أو الاستصناع أو البيع الكلي أو الإجارة أو الاستثمار. الكلي في مقابل الشخصي. الشخصي يعني العيني الذي أمامي، هذا ما قصد به من كتب الكلي والشخصي. الشخصي: العيني، الكلي بمعناه وليس وهو موجوداً بين يديه. عقد التوريد –في الحقيقة- له مخرج واسع عند المالكية فهو من قبيل بيع الصفة، وبيع الصفة يشترط المالكية ألا يقدم الثمن، كما أن البضاعة مؤجلة فيجب أن يؤجل الثمن. فعقد التوريد لا إشكال فيه ولا ينزل أو يحاول أن يخضع على أي بيع وإنما هو ما يسميه المالكية بيع الصفة.

المآخذ التي تؤخذ على بيع التوريد، بيع الكالئ بالكالئ، هذا حديث. الواقع الدكتور وفق كل التوفيق في شرع معنى هذا الحديث، قال: بيع الكالئ هو دين بدين، هنا لا يوجد دين، هنا شراء سلعة وثمن. فهو قال: هنا مبادلة سلعة بنقد أو خدمة بنقد. فإذن لا يدخل عقد التوريد.... ليس علي دين وعلى الآخر دين فأنا أقاضيك الدين بالدين أي بدين آخر. إذ وفق في هذا التحليل للحديث وهو الذي ذهب إليه ملا علي قاري وبعض علماء الحديث إلا أنه في صفحة أخرى يقول: نخلص من هذا إلى أن حديث النهي عن بيع الكالئ بالكالئ لا يقف حائلا دون جواز مناقصات التوريد والمقاولة. حبذا لو جعل تفسيره للحديث تكأته على هذا الموضوع، ولكن قال بعد ذلك: التي عمت بها البلوى في القوانين والأعراف، ولا بديل لها أفضل منها حتى الآن، وصارت الحاجة إليها عامة، والحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة. وإذا بدا أن فيها مخالفة لبعض القواعد، فإن فيها- والله أعلم - مصلحة يجب تحصيلها ولو خولفت فيها القواعد- أي استحسانا- كما ذكر بعض العلماء المحققين.

أظن لا حاجة لهذا الكلام أبدا ما دام أنك فسرت الحديث بأنه لا يوجد هنا بيع دين بدين، وإنما هنا عملية عقد على سلعة فكأنك تراجعت عن معنى الحديث السابق، وجعلت تكأتك أو تعليلك أو تبريرك لهذا الموضوع بهذه المبررات التي في نظري لا داعي لها أساسا.

بعد ذلك في صفحة أخرى من بحثه قال: جاء في حديث (بيع ما ليس عندك) . الواقع أن تفسير هذا لم يكن واضحا في كلامه، بينما بعض المحدثين وفي مقدمتهم ملا علي قاري والشيخ ابن القيم، فسروا (ما ليس عندك) أي ما لا تقدر على تحصيله، وقالوا: ما ليس عندك، كما ذكر الشيخ الجواهري وهو في ذلك يتفق مع رأي ملا علي قاري والشيخ ابن القيم بأنه ما لم يكن موجودا، ما ليس عندك، إذا كان موجودا أو كان شخصيًّا - كما عبر عنه الشيخ الجواهري حتى تتضح معنى هذه الكلمة- إذا كان عينيا موجودا ولا تملكه، هذا الذي يحظره الحديث، ولكن معنى الحديث بكامله: ما ليس عندك أي ما لا تقدر على تحصيله، والمستورد الذي أبرم عقد التوريد هو لا يبرم هذا العقد إلا بعد أن يكون متأكدا وواثقا بأنه سيحصل على تلك البضاعة. فالاعتراضان وهما حديث (الكالئ بالكالئ) و (ما ليس عندك) وجد لهما تفسيران صحيحان، وعندئذ لا غبار على بيع عقد التوريد على مقتضى أو على صريح مذهب المالكية في بيع الصفة بالصفة.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الرئيس:

توضيحاً لكلمة ابن القيم يا شيخ عبد الوهاب، كلمة ابن القيم يقول هي عندية الحكم والتمكن لا عندية الحس والمشاهدة.

الدكتور علي داود الجفال:

بسم الله الرحمن الرحيم،

سيدي الرئيس، اسمحوا لي بأن هذه الملاحظة لا تمس بحث المناقصة بشكل خاص ولكن الحقيقة بأنها تمس جميع البحوث –في اعتقادي- التي تم بحثها وسيتم بحثها في هذا المجمع. وهذه الكلمة القيمة في كتاب (إعلام الموقعين) لابن القيم فإن له في هذا المقام كلاماً نفيساً يعد من مفاخر الأنظار الفقهية، فإنه بعد أن استعرض في كتابه (إعلام الموقعين) بعض نصوص الشريعة وآثار السنة المروية في قاعدة الشروط والروايات الثابتة عن الإمام أحمد في تعليق العقود وتقييدها بشروط يقول ما نصه:

والمقصود أن للشروط عند الشارع شأناً ليس عند كثير من الفقهاء، فإن بعضهم يلغون شروطاً لم يلغها الشارع ويفسدون بها العقد من غير مفسدة تقتضي فساده، وهم متناقضون فيما يقبل التعليق بالشروط من العقود وما لا يقبله. فليس لهم ضابط مطرد منعكس يقوم عليه دليل، فالصواب الضابط الشرعي الذي دل عليه النص وفيه قضيتان كليتان، أحدهما: أن كل شرط خالف حكم الله وناقض كتابه فهو باطل كائناً ما كان. الثانية: أن كل شرط لا يخالف حكمه ولا يناقض كتابه وهو ما يجوز بذله وتركه بدون اشتراط فهو لازم بالشرط. ولا يستثنى من هاتين القضيتين شيء، وقد دل عليهما كتاب الله وسنة رسوله، واتفاق الصحابة. ولا تعبأ بالنقد بالمسائل المذهبية والأقوال الآرائية فإنها لا تهدم قاعدة من قواعد الشرع.

ص: 888

وبمناسبة كلمة ابن القيم هذه، نذكر الجملة الدستورية العظيمة لأستاذه شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله:

والأصل في العقود رضا المتعاقدين ونتيجتها هو ما أوجباه على أنفسهما بالتعاقد.

فهذه العبارة الجليلة هي التي يجب أن تعتبر بحق دستور الفقه الإسلامي في مبدأ العقود. ويقول في ذلك الأستاذ الجليل الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه (ابن حنبل) بعد عرضه مذهب الإمام أحمد في حرية التعاقد والشروط العقدية ما نصه:

وهكذا ترى ذلك الإمام الذي جعل آثار السلف أستاذه فتخرج عليها واهتدى بهديها انتهى في العقود في كثير من معاملات الناس إلى التوسعة بدل التضييق، والإباحة دون المنع، وبذلك قام الدليل على أن الناس الذي يزعمون أن الرجوع إلى مسالك السلف الصالح فيه تضييق على الناس لم يعرفوا حقيقة هذه الآثار وكيف سلك الصحابة السبيل، وكيف عالجوا المشاكل التي عرضت بروح الدين الذي جاء رحمة للناس ولم يجئ لإعناتهم والتضييق عليهم.

وهذه عقود تقوم عليها الأسواق العالمية اليوم قد كان في فقه أحمد متسع لها، وقد تبين أنه اهتدى في هذا بهدي السلف، رضي الله عنهم، فأرجو أن يكون من هذا الكلام ومن هذه القواعد الأساس الذي يبحث عليه في بحوث هذا المجمع. وشكراً.

الشيخ خليفة:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.

أشكر مقدمي البحثين – الشيخ حسن الجواهري والدكتور رفيق- على جهدهما، كما أشكر العلامة التسخيري على تلخيصه وتقديمه للبحثين، فقد كان بحق تلخيصاً لمس روح البحثين وقدم خلاصتهما مع بعض التعليقات.

وأبدأ حديثي أولاً بتناول قضية التخريج الفقهي لمسائل المعاملات في العصر الحديث. يلاحظ على التخريج الفقهي الآن أنه قائم على الأحكام المباشرة عند الفقهاء، بمعنى محاولة قياس كل مسألة جديدة ترد على آراء الفقهاء السابقين في كل الأحوال، وفي بعض الحالات قد يتنازع المسألة أكثر من حكم نتيجة شبهها بعقد آخر وهكذا. ويا حبذا لو قام المجمع بجهد يبرز فيه روح المعاملات في الشريعة الإسلامية بل ويبرز أيضاً روح المعاملات في كل مذهب من المذاهب. أو الصناعة الفقهية للمعاملات في كل مذهب من المذاهب فإن كل مذهب من المذاهب الفقهية له اتجاه، وله صناعة وله أسلوب فيما يتصل بطريقة التعامل مع قضايا المعاملات. لو كان ذلك مبسوطاً بين يدي الباحث ربما يساعد مع محاولات الإلحاق المباشر على المذاهب الفقهي. هذا لا بأس به، بل هو مطلوب أن نضم الحاضر إلى الماضي لكن لا بد من الإدراك الكلي في مقاصد المعاملات. هذا أمر لا بد أن يكون واضحاً في أذهان الباحثين لكي يساعدهم على التخريج. هذه مسألة.

ص: 889

المسألة الثانية: من الأمس بدأ الحديث عن إبعاد مسألة الحاجة، وأظن أن مسألة الحاجة لا يمكن إبعادها لأن الحاجة تعتبر مبدأ من المبادئ التي يتم الاستثناء على أساسها في المعاملات خاصة ويأتي تأسيساً عليها مبدأ الاستحسان في أصول الفقه. وعلماء الأصول يذكرون أيضاً في باب الرخصة أن الرخصة أنواعها هي: إباحة فعل المحرم، وإباحة ترك الواجب، وإباحة بعض العقود. فالحاجة أمر ثابت؛ لأن مبنى المعاملات في الشريعة الإسلامية على المرونة، ولذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نلغي دور الحاجة في بعض الحالات التي تستدعي اللجوء لهذا الدور. فهنالك حالات استثنائية كثيرة – حقيقة – تمر على الناس، ونحن الآن الوضع الذي فيه المسلمون هو وضع استثنائي؛ لأنه هو محاولة وضع تخلص من النظم غير الإسلامية والخلوص إلى نظام إسلامي. في مثل هذه الحالة يواجه الناس بعض الحالات التي تأخذ أوضاعاً استثنائية فيحتاجون كثيراً إلى استخدام مبدأ الحاجة. فاستبعاد هذه المبدأ بإطلاق أمر غير سليم هو مبدأ ثابت في باب الرخصة والعزيمة، " إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى غرائمه". وهذا القسم مذكور حتى عند الشافعية والحنابلة والحنفية، كلهم يذكرونه وإن كانت تقسيماتهم مختلفة.

فخلاصة القول عندي: أن قضية الاجتهاد والتخريج في المعاملات ينبغي أن يكون النظر إليها فيه شيء من الرحابة أكثر. وأستشهد على ذلك بأنه بالأمس مثلاً في موضوع الحسابات الجارية هل هي قرض أو وديعة؟ بعض الناس لم يرضوا إطلاق وصف القرض عليها وقالوا في ذلك إن البنك غير محتاج والقرض لا يكون إلا لمحتاج. القرض هنا مسألة تكييف أتت انتهاءً ولم تكن ابتداءً، لم يقل أحد: إن الحسابات الجارية قرض ابتداءً ولكن الناس في دور التكييف وجدوا أن أنسب تكييف للحسابات الجارية أنها تكون قرضاً؛ لأن النقود تستهلك، وبناءً على استهلاكها فإنها لابد من أن تحمل عارية على أنها قرض. وهنا جاء القرض فجاء التفسير بالقرض وجاء الحمل على القرض على سبيل التكييف انتهاءً. ولم يكن ابتداءً بأي حال من الأحوال حتى يأتي الاعتراض بأن القرض لا يكون إلا للمحتاج إليه. هذا أمر لو كانت هذه المبادئ والقواعد الحاكمة للمعاملات واضحة في أذهان الباحثين لما كانت مثل هذه الاعتراضات ولما أخذت وقتاً.

ص: 890

أرجع أخيراً إلى مسألة واحدة. الشيخ حسن الجواهري ذكر في بحثه وهو يتناول حديث: (لا يبيع أحدكم على بيع أخيه ولا يسم على سومه)، وذكر أن هذا الحديث لا يتنافى مع المناقصة ومما قال في ذلك:

ويمكن توجيه عدم التنافي بشكل آخر وهو أن يقال: إن حديث النهي عن الدخول في السوم ناظر إلى المعاملة الخاصة الجارية بين طرفين خاصين.

يعني اعتبر أن هذا الحديث في مورد المعاملة الواقعة بين فردين (شخص وشخص) ، لكني أرى أن الحديث لفظ (أحدكم) عام أولاً؛ لأنه مضاف الضمير وبالتالي هو عام، كما وأنه أيضاً إذا كانت المعاملة بين شخصين إذا تم البيع إذا حصل الركون لا يجوز للآخر أن يبيع، فمن باب أولى الجماعة هنا؛ لأنه إذا كان فيه ضرر على الفرد يبقى أيضاً هنالك من باب أولى الضرر أظهر بالنسبة للجماعة، ولكن هذا الحديث ليس في هذا المورد؛ لأن موضوع المناقصة ابتداء هو موضوع مقدمه للمعاملة، والمعاملة لم تتم أبداً ولم يحدث فيها ركون، ولهذا يكون الحديث ليس في مورد هذه القضية وهي قضية المناقصات. على أني أخيراً أرى أن مثل هذه القضايا ومنها قضية المناقصات هي قضية إجرائية أكثر منها قضية عميقة يعني من البحث عن حكمها، قد تكون هنالك قضايا أكثر أهمية من هذا القضية وهي قضية إجرائية لو كانت المسائل الفقهية واضحة في أذهان الناس هنالك مسائل احتفوا بها، تبحث هذه المسائل هل هي صحيحة أم لا؟ لكن أصل المسألة أبداً من الناحية الفقهية ليس هنالك ما يمنعه، فالمسألة إجرائية أكثر مناها مسألة فقهية. وشكراً.

الدكتور سعود الثبيتي:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربن العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. وبعد،

أضم صوتي إلى صوت من يقول: إن المسائل المبحوثة أو التي طلب بحثها في عقد المناقصة هي المسائل أو أغلبها إن لم تكن كلها الموجودة في عقد المزايدة. وعقد المزايدة بحث واتخذ فيه قرار في الدورة الماضية، فأكثر الصور مكررة بين العقدين. وهناك عدة ملاحظات بسيطة.

أولاها: الموضوع المتعلق بالخيار. هل الخيار موجود وهما لا يملكانه؟ يظهر- والله أعلم – أن الخيار قد أسقطه المناقص حين دخوله في المناقصة كما قال: أبيعك على أن لا خيار لي، وهذا يؤيده حديث النبي صلى الله عليه وسلم ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا)) أو يخير أحدهما الآخر فإذا خير أحدهما الآخر سقط خيار المخيِّر وبقي خيار المخيَّر.

المسألة الثانية: التي أريد الكلام فيها فيما يتعلق بتأجيل العوض. في الحقيقة عقد المناقصة أو عقد الزائدة فيه عدة صور متشابهة، وهذه الصور المتشابهة ينبغي التمييز فيما بينها. فمن عقود المزايدة والمناقصة بيع العين الموصوفة الموجودة وهذه لا يشترط فيها تسليم الثمن، ما دامت العين موجودة وموصوفة سواء كانت في بلاد المتعاقدين أو في غير بلادهما. وما دامت عيناً موجودة ويملكها البائع فهو بيع موصوف، والعلم بالمبيع يحصل بأحد أمرين: إما بالرؤية أو بالصفة التي تكفي في السلم وترفع الجهالة عن المعقود عليه. فهذه الصورة الأولى لا يشترط فيها تسليم الثمن بل هي من بيع الدين. الصورة الثانية التي يشترط فيها تسليم الثمن هي بيع الموصوف في الذمة أو السلم أو المسلم فيه. بيع المسلم فيه. بيع المسلم فيه أو الموصوف في الذمة هذه هي الصورة التي ينبغي أن يشترط تسليم الثمن في مجلس العقد؛ لأن السلعة غير موجودة وهي متعلقة بالذمة، والثمن لا يصح أن يكون متعلقاً بالذمة؛ لأن هذا من بيع الدين بالدين. وبيع الدين بالدين نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المعروف المشهور من حيث تلقي الأمة له بالقبول وإن كان في سنده بعض الاعتراضات أو على متنه بعض الاعتراضات إلا أن هذا الحديث قد تلقته الأمة بالقبول مثل حديث ((لا وصية لوارث)) وغيره من الأحاديث التي عليها العمل عند علماء الأمة جميعاً ولا يصح التشكيك فيه بعد أن تلقته الأمة بالقبول.

ص: 891

المسألة الثالثة: التي ينبغي التمييز فيها هي المستصنعات، فالأمور المستصنعة التي تدخلها الصنعة وغير موجودة والموجود في السوق لا يوفي بغرض العاقدين أو المناقصين أو المزايدين، هذه أفتى فيها المجمع سابقاً بأن أمور الاستصناع إذا لم تكن موجودة لا تشترط فيها تسليم الثمن وإنما يجوز تأجيله أو تقسيطه.

المسألة الرابعة: الإجارة، إن المناقصات في الإجارات لا يشترط فيها تسليم الأجرة كما هو معلوم.

هذا فيما يتعلق بالصور المتشابهة والتي ينبغي التمييز فيها بينها وأرجو أن لجنة الصياغة تجعل لكل صورة وضعها الطبيعي.

أما الضمان، ففي الحقيقة الضمان هو العربون. وبيع العربون قد أفتى المجمع فيما سبق وكما هو الراجح من أقوال أهل العلم أنه تصح مصادرته حين تأخر المناقصة والمزايدة عن الوفاء بما التزم به.

أما الموقف عند حصول طوارئ خارجة عن إرادة المتعاقدين فهذا هو الموقف الموجود عند عجز المسلم إليه أو المستصنع عن الوفاء بما التزمه من تسليم المسلم فيه، أو من تسليم المستصنع عن الوفاء بما التزمه من تسليم المسلم فيه، أو من تسليم المستصنع فيه، إذا حصلت طوارئ يقدرها القضاء فيكون الخيار للمستصنع إما أن يصبر وإما أن يفسخ العقد.

أثير مسألة ((لا يبع بعضكم على بيع أخيه)) ، وأن المناقصة أو المزايدة من هذا الجانب. وفي الحقيقة فيه فرق بين بعد حصول البيع وركون كل من العاقدين إلى الآخر هو تمام العقد وبين حالة المساومة وحالة التهيئة للعقد. حالة التهيئة للعقد لم يحصل فيها بيع على بيع، ولا شراء على شراء، ولا صورة من هذه الصور إنما هي مساومة والمساومة قد فعلها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه في الحديث الذي عرضه النبي صلى الله عليه وسلم للمزايدة حينما عرضها ((من يشتري بدرهم؟ من يشتري بدرهم؟)) . وهذا قبل حصول البيع وإنما هو في حالة تهيئة الأمر للبيع.

وأكتفي بهذا القدر. وشكراً.

الشيخ محمد المختار السلامي:

بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

ربنا عليك توكلنا، وإليك أنبنا، وإليك المصير.

في بداية مداخلتي وجدت أن ما جاء في مشروع الموسوعة الفقهية الاقتصادية هو أفضل ما يعبر عن نفسي وعن ما أعتقده في مداخلتي هذه. فقد جاء في المقدمة.

إن المهمة الأساسية التي أنشئ من أجلها مجمع الفقه الإسلامي كما جاء في نظامه الأساسي هي ضرورة حشد طاقات فقهاء الأمة الإسلامية وعلمائها في سبيل مواجهة المعطيات الناجمة عن تطور الحياة المعاصرة ومشكلاتها بالاجتهاد المسترشد بالشريعة الإسلامية السمحة بغية الوصول إلى الإجابة الإسلامية الأصلية عن الأسئلة التي تطرحها الحياة المعاصرة.

ص: 892

فهذا مبدأ أساسي نعمل في نطاقه وعلينا جميعاً أن نحققه. كما جاء في الصفحة الرابعة للموسوعة.

إنها تقدم تلخيصاً محكماً للفقه الإسلامي المتعلق بالقضايا المعاصرة ولا تقوم بتكرار الأعمال الموسوعية الأخرى، ولا ترتكز على الفقه السابق ولكنها تعرض منه ما يساعد فقط على الوصول إلى الاجتهاد المتعلق بالقضايا المعاصرة، وتركز على الأعمال والنقول الفقهية التي تسهل الوصول إلى مثل تلك الاجتهادات.

فهذه قضايا تناقش ولكنها المبدأ أو الإطار أو المنهج الذي نعمل فيه، والعروض علينا هذا اليوم وفي الأيام السابقة قضايا وقعت معالجتها في معظم الأحوال بترداد ما هو موجود في كتب الفقه والتعمق فيه دون الوصول في معظم الأحول إلى المشكلة المعاصرة وطرق حلها، فالموضوع اليوم هو المناقصة. والمناقصة حاجة للدولة الإسلامية، وحاجة الشركات الصناعية، وحاجة حتى للأفراد الذين لهم نشاط واسع. فليست القضية هي قضية أمور بسيطة ولكن الدولة لها جيش وتريد أن تكون مناقصة لتجهيز هذا الجيش باللباس، ولأخذ حاجات هذا الجيش من الطعام والشراب، ومن الدواء. هذه قضايا عامة كبرى. كما أنها في حاجة إلى الاستصناع أيضاً في استصناع ما يلزم الجيش من سلاح وغيره. والمصانع الكبرى لابد لتقوم بنشاطها من أن تكون المواد الأولية- التي تقوم بها التي هي في حاجة إليها- معلومة الثمن حتى تقوم هي أيضاً ببيع ما ستعده خلال السنة بعقود أخرى. فالقضية ليست هي قضية عبث بالأسواق ولا مضاربات التي أخذ فيها الشرع الإسلامي كمال الاحتياطات من هذا العبث والذي يقع الذي هو واقع اليوم في البورصات، ولكنها قضايا حقيقية واقعية، فصاحب معمل الحلوى – لا أريد أن أذكر شيئاً كبيراً – هو لا بد له من السكر ولا بد له من الملونات ولا بد له من عدة أمور ما يدخل صناعته من قرطاس ومن آلات – الخ. هذه لا بد له منها، وهو إذا لم يحقق قبل بدايته في عمله السوق الذي يبيع إليها منتجاته لا يستطيع أن يتحرك، وهو ليس له القوة المالية على أن يكون بين يديه كل السلع اللازمة التي لا بد من توفرها ليقوم بصناعته. فلا علينا ألا ننظر إلى المعاملات التي كانت تقع في الماضي قبل أن تدخل الآلة وتعطي طاقة جديدة في الإنتاج؛ لأنه بدخول الآلة في الإنتاج تطورت الحياة تطوراً كبيراً، ثم زاد اليكترونيات اليوم فإذا بالحياة وبالناتج العالمي تضاعف آلاف المرات وأصبحت المعاملات في هذا المفهوم أو في هذا النطاق الكبير من السعة ومن التضخم. ولذلك لما رأيت في عقود المناقصة وجدت إما هي عقود سلم وإما هي عقود استصناع وإما هي عقود خدمات، ذلك أن الذي ليس من بيع الصفة، ذلك أن بيع الصفة لا بد أن يكون المبيع حاضراً. وبيع الصفة يقع على ضربين: إما أن يكون البرنامج بأن تكون أعداده خارج المدينة ويأتي بنوع البضاعة التي هي موجودة عنده وهي تحت سلطته ويعرض البرنامج الذي هو يمثل تمثيلاً حقيقيًّا السلعة الموجودة.. وإما على الصفة للسلعة الموجودة، فيقول: إنه نوع من نوع القمح كذا وعياره كذا الموجود عند المالك، هذا هو بيع الصفة. أما البيع إذا كان لغير الموجود عند الإنسان فهو بيع سلم، وذلك أن الشريعة قسمت المبيع إما أن يكون حاضراً يراه ويشاهده صاحبه (المشتري) ، وإما أن يكون غائباً عن الأنظار، وهذا إما أن يكون موجوداً حال البيع وهو من بيع الصفة أو من بيع البرنامج، وإما أن يكون غير موجود ويوجد في المستقبل وهو بيع السلم. فبيع السلم إذن اشتراط أن يكون رأس المال مدفوعاً كله عند العقد، هذا أمر لا تستطيع أية دولة أن تكون دولة مطبقة لأحكام الإسلام ولا يستطيع أي معمل صناعي أن يكون معملاً مطبقاً لأحكام الإسلام، وعلينا أن نقول إذا وقفنا عند هذا الحد إن المجمع إنما يفتي للأشخاص الفرادى في أعمالهم الصغيرة فقط. وباعتبار أن هذه العقود بما اشترطه الفقهاء في عصرهم ضماناً للقواعد العامة في التشريع فاشتراطهم أن يكون رأس المال مدفوعاً كاملاً، هذا كان متناسباً مع وضعهم.

وشرط رأس المال أن لا في ذاك دفعه وأن يعجل

هذا الشرط أن يكون معجلاً، وهو كان متناسباً مع أوضاعهم، أما اليوم فالدولة بما لها من إمكانيات كبيرة عاجزة عن دفع رأس مال السلم كله؛ لأن الضرائب أو موارد الدولة تأتيها شيئاً فشيئاً، وتنظيمها يقتضي التزاماً كاملاً في كامل المدة.

ص: 893

فإذن لابد أن تتجاوز الأوضاع الاقتصادية التي كانت موجودة في عصر من العصور والتي تجاوزناها في الواقع إما في نماء الثروة أو في قدرتها أو في طرق التعامل. ويصبح أخذ كل الاحتياطات لتكون المعاملات معاملات إسلامية لا يوجد فيها ضرر ولا ضرار، وليس فيها عبث بالأسواق، ولكن هي تضمن كل المقاصد الشرعية الأساسية التي تتحكم في المعاملات لأقوال الفقهاء الذين قالوا: نظراً إلى أنهم لما أرادوا تطبيق تلك القواعد الشرعية العامة قرروا تلك الشروط. ولهذا أعود إذن على عقود السلم التي تحدثنا فيها وعقد المناقصة الذي نتحدث فيه اليوم لا بد من النظر فيه على أساس هذا الواقع الذي نحياه.

وما جاء من قول: إن الأمة إذا تلقت الحديث بالقبول فإنه حجة، أنا أعتقد أنما يفهم من كلام الفقهاء غير مفهوم. ليس الحجة في الحديث إذا كان ضعيفاً؛ لأنه في إسناد حديث ضعيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجده قوة تلقي الأمة له لا بقبول، لكن أن العلماء فهموا ذلك المعنى فوجدوه معنى تحققه المقاصد الشرعية اليقينية. فما قالوا: إنه حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي هم لا يتيقنون أنه حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن معنى تلقى الأمة له بالقبول أي أنها قررته كقاعدة من قواعد التشريع. وتقريره كقاعدة من قواعد التشريع. هذه القاعدة كل قاعدة ننظر فيها ونطبقها ونفهمها حسب التطبيقات التي يجب أن وكذلك بيع الدين بالدين وتعمير الذمتين، والعبث، هذه كلها داخلة في قضية العبث بالأسواق.

الخيار الذي وقع التعرض إليه لا أعتقد أن الخيار في عقد المناقصة ضرورة، من ضروراته ولا يقول مالك لا بخيار المجلس، وخيار المجلس عند مالك كما قال عندنا هذا حد معلوم، ولا أمر معروف.

لذا أدعو إلى أن الموضوع يجب أن ينظر فيه على هذا الأساس من أن حاجة الأمة إلى هذه العقود يجب أن تكيف تكييفاً يضمن العدالة ويضمن الحق دون أن يكون مقيداً بما ذهب إليه الفقهاء سابقاً في العقود السابقة إذا كانت لا تتلاءم مع الأوضاع الحاضرة.

وشكراً.

ص: 894

الدكتور علي محيي الدين القره داغي:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

بخصوص عقد المناقصة أشكر الباحثين شكراً جزيلاً على بحثيهما القيمين كما أشكر أيضاً الشيخ التسخيري على عرضه الطيب وجزاهم الله خيراً.

وبخصوص تكييف عقد المناقصة على أساس أنه عقد، أنا أرى أن المناقصة نفسها ليست عقداً وإنما هي إجراءات للدخول في العقد. ثم هذا العقد المطلوب إما أن يكون توريداً أو مقاولة أو استصناعاً أو غير ذلك من العقود. والشخص المشارك يتقدم بإيجابه والإيجاب عند المالكية – كما لا يخفى عليكم- إذا كان بصيغة الماضي فهو ملزم أو إذا كان موجهاً للجمهور أو لجهة معينة، فهذا الإيجاب يبقى على حالته الإلزامية إلى أن يتلقى القبول من هذه اللجنة وهو بمثابة الإيجاب الملزم أو الإيجاب الموجه لجهة أو لجماعة، ثم بعد ذلك اللجنة تنظر في هذا الموضوع وبعد ذلك يتم العقد، أما قبل ذلك ليس هناك أي عقد بين الموجب أو بين المشارك أو المتقدم وبين هذه اللجنة، ثم اللجنة عند التوافق يكون هناك قبول على إكمال هذا العقد الذي إما أن يكون توريداً وإما سلماً وإما استصناعاً. الذي لفت نظري في بحث الشيخ الجواهري أنه أيضاً أدخل ضمن عقود المناقصة عقد المناقصة لأجل الاستثمار مثل المضاربة. أولاً: مثل ما تفضل فضيلة الشيخ المختار هذا ليس واقعاً، لا يوجد الآن في عقود المناقصة عقد على الاستثمار للمضاربة. وثانياً: تكييفها الشرعي يحتاج إلى نظر. كيف يمكن أن يكون هناك مناقصة على المضاربة بهذه الصورة التي صورها فضيلة الشيخ جزاه الله خيراً؟

أعود لما ذكره الدكتور رفيق المصري الذي ذكر بعض الحاجات في تكييف عقد المناقصات، ثم لما ننظر إلى تعريف عقد المناقصة باعتباره طريقة بمقتضاها تلتزم الإدارة أو الشخص باختيار أفضل، يعني إذا كان هناك تعاقد فهذا التعاقد بين الدولة وبين لجنة المناقصة بحيث تتضمن لجنة المناقصة باختيار أفضل العروض إذا كان هناك عقد، أما ليس هناك عقد بين الشخص المشارك وبين هذه اللجنة.

حقيقة أريد منهم التوضيح إذا كنت قد أخطأت في ذلك.

ص: 895

ذكر الدكتور رفيق المصري في بحثه في مسألة الكالئ، أنا أضم صوتي إلى صوت فضيلة الشيخ المختار في أن الحديث الضعيف لا يمكن أن يتقوى بأمور أخرى إلا إذا كان يعني. وينهض حجة ربما ولكن الحجية لا تكون من الحديث وإنما من الإجماع، ولذلك نص الإمام الشافعي بقوله: نحن نقول من الحديث الكالئ بالكالئ إجماعاً من إجماع السلف، لا نعلم في ذلك خلافاً. وكذلك يقول الإمام الشافعي في قضية التغير الفاحش بخصوص الماء ورغم أن الحديث ضعيف، فالإجماع حجة سواء كان وجد حديث أو لم يوجد حديث، ويكون هذا الحديث ربما للاستئناس. فالأحاديث الضعيفة خاصة هذا الحديث ضعيف جداً جداً، يعني كما يقول الإمام ابن تيمية، فهذا الحديث نفسه لا يمكن أن ينهض؛ لأنه ضعيف جدًّا، وهناك مناكير في سنده وانقطاع كبير في سنده، فلذلك الحجية في الإجماع وليس في الحديث ولا يمكن – حقيقة – أن نجعل هذه المسألة أيضاً وسيلة أخرى أو باباً آخر للدخول في موضوع تقوية الحديث من خلال أن الأمة تلقته أو لم تتلقه.

بخصوص غرامات التأخير، أنا مع سعادة الدكتور المصري في أن غرامات التأخير إنما تكون جائزة على العمل وليس على الدين؛ لأنه إذا أصبح الشيء ديناً حينئذ ندخل في قضية الفوائد الربوية، ولذلك إذا أجيزت الغرامات فلا بد أن ينص.. يعني مثل عقد الاستصناع الذي أجاز المجمع الموقر الشرط الجزائي، والشرط الجزائي في عقود المقاولات لا مانع منه. ثم بعد ذلك إذا نظرنا إلى عقد المناقصة نرى أن معظم تطبيقاته على عقد الاستصناع، ولذلك اعتبرت مجلة الأحكام العدلية الاستصناع والمقاولة شيئاً واحداً. والآن ربما يعني كل ما تدخل فيه الصنعة ممكن أن يدخل فيه عقد الاستصناع. يبقى قضايا الإيجار أو التأجير أو التوريد ونحو ذلك، فيمكن أن يدخل في هذا المجال، ولا مانع من استحداث عقود جديدة، كما أنه لا مانع كما هو رأي الحنابلة من اجتماع مجموعة من العقود الجائزة وإنما موجود صفقتين في صفقة واحدة وإنما يكون نسيئة ونقداً، أو وجود عقد تبرعي مع عقد معاوضة، أما مجموعة من عقود المعاوضات فلا مانع من جمعها في عقد واحد. فلذلك أيضاً لا بد أن ينظر إلى عقد المناقصة إلى أنه عقد المقاولة من هذا المنظور الواقعي. وليس من تجزئة هذا العقد واعتبار أن هذا العقد يكون عقد استصناع أو يكون عقد إجارة أو ما أشبه ذلك.

هذه أهم الملاحظات التي كنت أريد أن أذكرها، وأنا أرى أنه لا داعي لتأخير هذا الموضوع فلو شكلت لجنة وتلاحظ ما أقره المجمع الموقر في عقد المزايد، وإذا بقيت جزئيات

أو أساساً من بداية الموضوع لا يدخل حتى لا ننشغل به ونشغل به يوماً كاملاً أو نصف يوم. وشكراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 896

الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:

بسم الله الرحمن الرحيم،

أهم مسألة في الموضوع هي عقد التوريد، هل يجوز أو لا يجوز؟ وعقد التوريد الذي سأتحدث عن حكمه هو ما كان فيه عقدان مؤجلان. وهذا هو الشأن فيه كما قرره الدكتور رفيق؛ لأنه إذا كان المبيع هو المؤجل والثمن مقدم فهذا عقد سلم يدخل حكمه في حكم عقد السلم، أما إذا كان العكس وهذا نادر فهو جائز؛ لأنه من قبيل تأجيل الثمن وتقديمه.

وعقد التوريد هذا يدخل في عقد الغرر، فهو عقد غرر. وعقد الغرر هو العقد المستور العاقبة. وما ذهب إليه الأخوان الفاضلان من أنه ما كان مجهول الوجود، هذا تعريف ناقص، تعريف غير جامع، وقد ذكره ابن القيم في بعض كتبه وذكر في بعض آخر تعريفا يشمل المجهول أيضاً. التعريف الذي اقتصر عليه الأخوان لا يشمل المجهول. والواقع أن عقد الغرر قد يكون الغرر فيه في صيغة العقد كالبيع المضاف، هذا عقد غرر لا شك في ذلك. وقد يكون في محل العقد في المبيع أو الثمن، هذا هو الأغلب. الجهالة في المبيع، الجهالة في الثمن، الجهالة في جنس العقد، الجهالة في النوع، كل هذه تدخل في عقود الغرر. وقد يرجع إلى غير ذلك. قد يكون في بيع العين الغائبة فهي عقد غرر خصوصاً عند الشافعية. عدم القدرة على التسليم، تدخل أيضاً في بيع الغرر. وقد حاول الدكتور رفيق أن ينفي وجود الغرر في عقد التوريد فقد ورد في بحثه: هل في المناقصة غرر؟ فبدأ حديثه وقرر أن فيه غرراً. يقول: لا شك أن البيع الذي يعجل بدلاه يدا بيد هو من أبعد البيوع عن الغرر- كلام سليم – وأن البيع الذي يعجل فيه بدل ويؤجل الآخر لا يخلو من غرر. ومن باب أولى إذا كان تأجل البدلان، يعظم الغرر. وهذا ما علل به بعضهم اشتراط تقديم الثمن، قالوا: ليخف الغرر. فالتبرير الذي ذكره الدكتور رفيق لم أجد فيه ما يقنعني يقول: إن الغرر – في آخر كلامه بعد ما – يبدو أن هؤلاء العلماء نظروا إلى البدلين فرأوا زيادة في الغرر لكنهم لم ينظروا إلى المتعاقدين. ما دام وجدنا غرراً في البدلين فالغرر موجود، هل يؤثر أو لا يؤثر؟ هذا موضوع أخر، لكن الغرر موجود. والغرر في هذا البيع يدخل في جزئيتين من جزئيات الغرر، هما: بيع ما ليس عندك وهذا من بيوع الغرر، وبيع الدين بالدين وهو أيضاً من بيوع الغرر. فعلينا أن نبحث هاتين الجزئيتين. هل يدخل عقد التوريد فيهما أو في واحد منهما، أم لا؟ وقبل أن أدخل في هذا أود أن أبين أن الغرر الذي يفسد العقد هو ما توافرت فيه أربعة شروط.

أولاً: أن يكون كثيراً.

ثانياً: أن يكون في عقد – وهذا محل اتفاق بين الفقهاء – من عقود المعاوضات وهذا الشرط استخلصته من مذهب المالكية فقط؛ لأن الجمهور يجعلون الغرر مؤثراً في عقود المعاوضات والتبرعات. والمالكية وحدهم هم الذين لا يجعلون للغرر تأثيرًا في عقود التبرعات، وقد أخذت برأيهم هذا ووضعت هذا الضابط في كتاب (الغرر) . الغرر كثير في عقد من عقود المعاوضات وفي المعقود عليه أصالة ولم تدع إلى العقد حاجة.

ص: 897

ثالثاً: إذا دعت للعقد حاجة فإن الغرر يغتفر، وهذا أيضاً باتفاق الفقهاء.

هذه الشروط الثلاثة محل اتفاق شرط واحد وهو الذي أخذته من مذهب المالكية وعلى هذا الأساس سأطبق الحكم في عقد التوريد هذا. قلت: إن الغرر هنا يدخل في جزئيتين واللتين هما بيع ما ليس عندك، فما هو بيع ما ليس عندك؟ والواقع أن الفقهاء اختلفوا اختلافاً واسعاً في تفسير هذا الحديث. فورد النهي كما نعلم جميعاً – بيع ما ليس في عندك – في حديث حكيم ابن حزام وحديث عمرو بن شعيب، وقد حمل الفقهاء هذا الحديث أكثر من معنى، فاستدل به بعضهم على عدم جواز بيع المعدوم، واستدل به آخرون على عدم جواز بيع العين الغائبة، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون المراد به بيع شيء مباح على أن يستولي عليه فيملكه فيسلمه. وقال بعضهم: المراد به بيع الأعيان، وهذا هو رأي الشافعي. ولعل من المستحسن أن نقرأ عليكم عبارة الشافعي؛ لأنها مهمة في هذا المجال، يقول الإمام الشافعي: والسلف قد يكون بيع ما ليس عند البائع، فلما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم حكيماً عن بيع ما ليس عنده – يريد الشافعي هنا أن يفرق بين جواز السلم والنهي عن بيع ما ليس عند البائع- وأذن في السلم استدللنا على أنه لا ينهى عن ما أمر به، وعلما أنه عندما نهى حكيماً عن بيع ما ليس عنده إذا لم يكن مضموناً عليه وذلك بيع الأعيان. هذه هي وجهة نظر الشافعي يعتبر النهي هو عن بيع الأعيان. وعلى هذا فإن بيع التوريد لا يدخل – حسب تفسير الشافعي لهذا الحديث- في بيع ما ليس عندك؛ لأنه مضمون في الذمة وليس بيع أعيان. وقال بعضهم: المراد به بيع الإنسان ما لا يملك، سواء أكان معيناً أم في الذمة. ويقول ابن القيم: وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام ((لا تبع ما ليس عندك)) فيحمل على معنيين:

أحدهما: أن يبيع عيناً معينة، - وهذا رأي الشافعي – وهذا ليست عنده بل ملك للغير فيبيعها ثم يسعى في تحصيلها وتسليمها إلى المشتري.

والثاني: أن يريد بيع ما لا يقدر على تسليمه وإن كان في الذمة، وهذا أشبه فليس عنده حسًّا ولا معنى فيكون قد باعه شيئاً لا يدري هل يحصل له أم لا.

هذا هو تفسير ابن القيم للغرر وهذا يتناول أموراً- ما زال الكلام لابن القيم – بيع عين معينة ليست عنده.

والثاني: السلم الحال- وهذا عكس رأي الشافعي – في الذمة إذا لم يكن عنده ما يوفيه.

الثالث: السلم المؤجل إذا لم يكن على ثقة من توفيته، وهذا باتفاق الفقهاء. والراجح عندي أن عبارة (ما ليس عندك) تعني ما ليس مملوكاً للبائع سواء أكان معيناً أم في الذمة إذا باعه على أن يسلمه في الحال، بهذا القيد، ولا يدخل فيها المعدوم ولا المملوك الغائب ولا الأشياء المباحة، وهذا هو ما تدل عليه قصة الحديث، فقد روي أن حكيم بن حزام كان يبيع الناس أشياء لا يملكها ويأخذ الثمن منهم ثم يدخل السوق فيشتري الأشياء ويسلمها لهم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:(لا تبع ما ليس عندك) هذا منقول عند البائع.

ففي رأيي أن الحديث يعني إذا حصل البيع على أن يسلم في الحال، أما إذا حصل البيع على أن يسلم المبيع بعد مدة فإنه لا يدخل في هذا النهي.

ص: 898

تعرض أيضاً الدكتور رفيق لهذه المسألة في بحثه- بيع ما ليس عنده – لكنه لم يحركها بهذه الطريقة، وإنما انتهى: إلى أنه يتحصل من هذا أن الماقصة لا تدخل في النهي عن بيع ما لا يملك، أو ما ليس عنده، وإن كنت أختلف معه في بعض التفاصيل التي ذكرها في هذا الموضوع، مثال من ذلك قوله: بيع السلم جائز بالنص – من أدلته – والإجماع، وجمهور الفقهاء خلافاً للحنفية لا يشترطون أن تكون السلعة في السلم مملوكة للبائع. حتى الحنفية لا يشترطون هذا وليس محل خلاف، لا يشترطون أن تكون السلعة مملوكة للبائع. الخلاف بين الحنفية والجمهور هو في وجود السلعة لكنهم كلهم متفقون على أن السلعة لا يشترط أن تكون مملوكة. عند الحنفية هو من بيع ما لا يملك فقط وليس من بيع المعدوم، وعند الجمهور السلم من بيع ما لا يملك ومن بيع المعدوم أيضاً، ومن بيع الغرر عند بعض الفقهاء. المهم النتيجة من هذا أنه في رأيي أن عقد التوريد لا يدخل في بيع ما ليس عندك وهذا الرأي قلته قبل ثلاثين سنة ولكن لم أفت به. عندما قامت البنوك الإسلامية وكنت في بنك فيصل في هيئة الرقابة الشرعية وطلب منا البنك أن يدخل في مناقصة لتوريد تلفونات فقلنا له: لا تدخل، هذا من بيع ما لا تملك. سألناه: هل تملك التلفونات؟ قال: لا أملكها. فأفتيناه برأي الجمهور ولم أفت برأيي. لكن قدمنا له مخرجاً ليدخل في هذه المناقصة فقلنا له: تقدم لشراء هذه التلفونات واشترط لنفسك الخيار مدة أكثر من المدة التي سيعلن فيها نتيجة المناقصة، فإذا أعلنت النتيجة وكانت في صالحك تم البيع وأنت مالك للتلفونات، وإذا لم تأت في صالحك تستعمل خيارك وتفسخ العقد. لكن إلى الآن لم أفت برأيي هذا في مسألة قدمت لنا وعندما توقفنا وفتاوى هيئة الرقابة في هذه المسائل ماشية على رأي الجمهور. هذا هو ما يتعلق ببيع ما ليس عندك.

النوع الثاني هو بيع الدين بالدين. وواضح أن هذه المسألة تدخل أيضاً في بيع الدين بالدين. وبيع الدين بالدين هذا فيه اختلاف وتعرض إليه أيضاً الدكتور رفيق في بحثه في موضوع تأجيل الدين. وانتهى إلى أنه لا يدخل تأجيل البدلين في بيع الدين بالدين. لكن أيضاً لا أوافقه على المقدمات التي ذكرها وإن كنت قد أتفق معه في الحكم. الدكتور رفيق يقول: ذكر بعض العلماء أن كل معاملة وجدت بين اثنين وكانت نسيئة من الطرفين فلا تجوز بإجماع. هذا صحيح؛ لأنها من الدين بالدين. وذكر في النقطة الثانية: غير أن – رد عليها – حديث الكالئ بالكالئ ليس حديثاً ثابتاً. وأشار إلى تضعيف الإمام أحمد، ذكر في الهامش: قال الإمام أحمد: ليس في هذا حديث يصح. هذا كلام سليم لكنه حذف عبارة بعد هذه العبارة. الإمام أحمد يقول: ليس فيه هذا- بالنسبة لبيع الكالئ بالكالئ- حديث صحيح ولكن إجماع الناس على أنه لا يصح بيع الدين بالدين. حتى الإمام أحمد مع تحفظه في الإجماع قال هذه العبارة بالنص: إجماع الناس على أنه لا يجوز بيع الدين بالدين. هو ذكر هنا- أيضاً – دليلاً آخراً، قال بعض العلماء:

إن عقد السلم إذا انعقد بلفظ السلم أو السلف وجب فيه قبض رأس المال في المجلس، وإذا انعقد بلفظ البيع فلا يشترط فيه قبض رأس المال في المجلس.

ص: 899

وهذا الكلام يبدو أنه مأخوذ عن الشافعية لكن لم يقل لنا هل قائل هذا الكلام قال: إن هذا البيع صحيح أم غير صحيح؟ وذكر أيضاً بعد ذلك.

وقال بعضهم: السلم شرعًا بيع موصوف في الذمة.

ووقف عند هذا، ثم قال: من زاد فيه ببدل يعطى عاجلاً، وهؤلاء هم جمهور الفقهاء. وبعض الإخوة في تعليقي على بحثي في السلم قالوا: إن هذا ليس رأي الجمهور. هذا هو رأي الجمهور، في بحثي نقلت ثلاثة نقول عن ثلاثة مذاهب (مذهب الحنفية، والمالكية، والحنابلة) ، كلهم ينصون على التعجيل في عقد السلم كونه داخلاً في حقيقة أو خارجاً هذا لا يهم. نعرف أن الفقهاء قد يذكرون الشروط في التعريفات. فهم ذكروه في الشرط وأدخلوه في حقيقة عقد السلم. الشافعية وحدهم هم الذين لا يذكرونه. لكن مع ذلك إن رأيي أيضاً أن عقد التوريد لا يدخل في بيع الدين بالدين الممنوع. هو بيع دين بدين لا يوجد في ذلك شك. وبعض الإخوة الذي علقوا قالوا ليس هذا بيع دين بدين هذا كلام غير صحيح، هو بيع دين بدين والمالكية يسمونه إبداء الدين بالدين. ثبت في ذمة المشتري الثمن وثبت في ذمة البائع المبيع. فهذا بيع دين بدين له أنواع كثيرة خصوصاً عند المالكية. هذا ابتداء الدين بالدين. وهذا هو الذر- فيما أذكر – منعه ابن القيم. ابن القيم أنه يجيز بيع الدين بالدين، ما عدا ابتداء الدين بالدين وعلله بأنه فيه شغل ذمتين من غير فائدة، هذا تعليله له. ورأيي أنا في هذا –في بيع الدين بالدين- ودونته في (كتاب الغرر) أنه جائز إلا إذا أدى إلى ربا، الصورة الممنوعة هي ما تؤدي إلى ربا، لكن بقية الصورة جائزة حتى الصورة التي منعها ابن القيم؛ لأنه قد يكون للمتعاقدين غرض سليم في تأجيل البدلين كما في هذه المسألة. ولذلك فإن رأيي أيضاً لا يدخل في بيع الدين بالدين.

يبقى بعد ذلك أن أقرر أن هذا رأي فيه مخالفة لرأي الجمهور وهذا سبب توقفي فيه، وإذا أصدر المجمع فيه قراراً فإن هذا قد يقويه خصوصاً ما تكلم عنه الشيخ المختار، وهذا قد يدخل في الغرر غير المؤثر. إذا قلنا: إن هناك حاجة إلى هذا العقد وذكرت لكم أن الضابط وهذا محل اتفاق بين الفقهاء أن العقد الذي فيه غرر ولو كان كثيراً حتى ولو كان في عقد من عقود المعاوضات إذا دعت إليه الحاجة فإنه يغتفر. لكنني لا أستطيع أن أجزم وأقرر الآن إنني أجيز عقد التوريد هذا. الأمر إليكم بعد ما سمعتم رأيي في هذا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 900

الدكتور علي السالوس:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.

وغفر الله تعالى للسيد الرئيس فلم يسمح لنا بالكلام بالأمس، كنت أريد أن أتكلم والحمد لله على كل حال أحب أن أقول هنا بأنني مع فضيلة الشيخ ابن بيه في وجوب تأجيل هذا الموضوع ولكن المناقشة مفيدة يستفيد منها من يكتب بعد ذلك.

ونقطة أخرى هي أن ما انتهى إليه المجمع يجب ألا نعود إليه مرة أخرى مثال: تحدث كثيرون عن بيع دين السلم والمجمع له قرار في هذا. المجمع الموقر عندما بحث الأسواق المالية ذكر أنه لا يجوز بيع دين السلم قبل قبضه، مع ذلك أخذنا وقتاً طويلاً من بعض الإخوة الأجلاء في هل يجوز أم لا يجوز؟ ما دام فيه قرار من المجمع فلا يجوز أبداً أن نعيد المناقشة مرة أخرى. وكذلك ما يتصل بهذا الموضوع أو بأي موضوع آخر يجب أن نستحضر ما قرره المجمع الموقر من قبل وأن تكون المناقشة في غير هذه الموضوعات. المناقصة والمزايدة بينهما شبه لكن فيه خلاف، اختلاف بين المناقصة والمزايدة، فإذا قلنا: المناقصة عندما يعرضها المشتري إذا كان بيع وشراء والمزايدة يعرضها البائع. فإن البائع عادة يتسلم الثمن في المزايدات غالباً يتسلم الثمن ويسلم السلعة، أما المناقصات فقد يكون تعهداً بتوريد سلع معينة لمدة عام، فهذا يختلف عن المزايدة. يعني في مدة العام هل الأسعار ستبقى أم لا تبقى؟ وإذا تغيرت الأسعار فما الحكم؟ وجدت في بعض المناقصات أن من دخل في هذه المناقصات اشترط بأن المبلغ الذي يحدده هو كذا ولكن على أساس أن سعر اليوم بالنسبة للحديد والأسمنت مثلاً يكون سعر اليوم كذا، فأي زيادة تفرضها الدولة تضاف إلى هذه الأسعار، هل يمكن أن نخرج برأي مثل هذا للتقليل من الغرر الفاحش؟ لأنه إذا زادت الأسعار إلى درجة كبيرة ولا دخل لمن دخل في المناقصة فيها ماذا يفعل؟ فإذن الأمر هنا يحتاج إلى نظر بالنسبة لطول المدة وتغير الأسعار.

بالنسبة للحديث الذي تفضل الشيخ الصديق في هذا بأن الإمام أحمد كلامه كان يجب أن ينقل بالكامل؛ لأنه ذكر الحديث ولكن ذكر ما عليه العمل. الدكتور رفيق –جزاه الله خيراً- في بحثه القيم.. وقد تحدثت عن العقود الإدارية فقط وليس على كل المناقصات وهل المجمع سوف يكتفي ببحث نوع من المناقصات أم بحث كل المناقصات؟ هذا أمر لا بد منه.

بالنسبة لتفسير (ما ليس عندك) هذا أيضاً فيه قرار سابق في المجمع. فيجب أن يكون هذا القرار أمامنا عندما نتحدث حتى لا ندخل في أمور نعارض فيها قراراً قد سبق. لذلك أقول مرة أخرى بأن هذا الموضوع يحتاج إلى أبحاث كثيرة، ومناقشات مستفيضة ولذلك أرى أن يؤجل لدورة أخرى. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 901

الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أولاً، أثني وأثلث وأربع كذلك على ما تفضل به الإخوة من الثناء على البحثين القيمين اللذين قدماهما لنا الأستاذان الفاضلان الدكتور رفيق والشيخ حسن الجواهري، وعلى ما تفضل به العارض الشيخ التسخيري من عرض قيم، فجزاه الله خيراً.

ما يتعلق بما جاء في المناقشات وفي البحوث كذلك بمصادرة الضمان وتكييفه بأنه من نوع العربون. هذا في الواقع غير صحيح؛ لأن العربون لا يكون إلا في بيع تام بإيجاب وقبول وفيه خيار الشرط. وعقود المناقصات والمزايدات إنما سميت عقوداً على سبيل التجاوز وإنما هي إجراءات لعقود، فإذا كان كذلك فما قدم من ضمان ليس عربوناً وإنما هو ممكن أن يسمى هامش لجدية العطاء أو الرغبة. وإذا كان النظر أو مصادرة هذا الضمان فممكن أن يكون تكييفه على سبيل مقابلة الضرر الذي يناله من تضرر بعدم الوفاء بالوعد؛ لأنه وعد بإجراء هذه المناقصة وقدم له الضمان فيمكن أن يكون هذا مصادرة الضمان من هذا القبيل ولكن إذا كان ضماناً كبيراً فينبغي أن يؤخذ من قدر الضرر والباقي يرجع إليه إنفاذاً واتباعاً لما قرره المجمع في اعتبار الوعد الملزم قضاء وديانة، وأن يكون نتيجة الخلف في الوفاء به أحد أمرين إما إلزامه بالوفاء أو أن يقدم الضرر الناتج عن التخلف عن الوفاء.

أما ما يتعلق باقتراح الشيخ عبد الله بن بيه –جزاه الله خيراً- بتأجيل البحث فعلى أي حال لا شك أن في التأني السلامة وفي العجلة الندامة، وكل شيء يجري تأجيله لغرض استكمال ما يجب استكماله من بحوث وتصور وإيضاح فهذا شيء في الواقع وارد ولا ضرر على المجمع في اتخاذه وقد اتخذ الكثير من نوع هذا.

أما ما يتعلق بالشرط الجزائي والنظر فيه ففي الواقع الشرط الجزائي صدر فيه قرار من هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية وفيه إجمال، وفي هذا الشرط أو القرار فيه إجمال، وصار محل تفسيرات لهذا الإجمال. كذلك صدر في المجمع قرار شبيه بذلك ولكني أرى أن على المجمع أن يعيد النظر فيما يتعلق بالشروط الجزائية على الديون وعلى كذلك ما يتعلق بالسلم. ففي الواقع وعلى كل حال ظهر لنا من هذه المناقشات مجموعة جزئيات تحتاج إلى نظر في إدخالها في الكليات العامة أو في القرار العام أو عدم ذلك. فأرى من المجمع لو أضافه أو فكر في بحثه مستقبلاً.

ما يتعلق بالقول إن في المناقصات أو المزايدات بيع ما لا يملك. في الواقع أنني أعيد ما قلته بأن ما يسمى بعقود المناقصات أو عقود المزايدات فهو في الواقع تجاوز في التسمية وإلا فهي لم تكن عقوداً وإنما هي إجراءات عقود. وإذا كانت إجراءات عقود فلا يرد عليها القول بأن هناك فيه بيع ما لا يملك. فطالما أنها إجراءات فالقول بأنها من بيوع ما لا يملك قول يحتاج إلى إعادة نظر. كذلك ما يتعلق بالقول بالخيارات، خيار الشرط أو نحوه في هذا الشيء، نفس الشيء يرد على هذا؛ لأن هذا لا يكون إلا في البيوع التامة وهذه في الواقع ليست بيوعاً، وإنما هي إجراءات بيوع تتم بعد إقرار المناقصة أو المزايدة وإرسائها على من يريد، ثم بعد ذلك يجري الإيجاب والقبول وعقد البيع الحقيقي.

ص: 902

ما يتعلق القول بأن معنى النهي عن بيع ما ليس عندك، أنه في الغالب أو أن ابن القيم –رحمه الله يرى أنه ما كان غير موجود في الغالب في الأسواق. أولاً كفاني سماحة الرئيس –جزاه الله خيراً- الإجابة عن ذلك. والأمر الثاني أن قصة حكيم بن حزام ترد على هذا فهو يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أبيع السلعة قبل أن أمتلكها ثم أذهب إلى السوق أشتريها. فهذا يعني أن السلعة موجودة في الأسواق ومع ذلك رسول اله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعها حتى يملكها.

هذه في الواقع هي ما عندي من ملاحظات. وشكراً لكم حسن استماعكم.

والسلام عليكم ورحمة الله.

الدكتور عبد السلام العبادي.

بسم الله الرحمن الرحيم،

حقيقة نحن أمام بحثين جيدين فيهما تحليل واستعراض للموضوع بكافة جوانبه، لكن حقيقة أشعر بأننا وسعنا الموضوع على أنفسنا كثيراً، وأن أخالف التوسع الذي عرضه أخي الدكتور رفيق الذي حصل في هذا الموضوع.

نحن أمام موضوع المناقصة فقط وليس أمام ما يحدث بعد إرساء المناقصة مع عقود والتزامات وتصرفات. نريد أن نبين الحكم في موضوع المناقصة وهذا هو المطروح وبالتالي تثور تحت هذا العنوان جملة من التساؤلات وهي في الواقع إذا ركزنا عليها وسلطنا الأضواء عليها أن نعالجها بقرار مجمعي. المناقصة الهدف منها وحكمتها هو أن الذي يريد أن يحصل على عقد معين سواء كان في إطار البيع أو في إطار الاستصناع أو في إطار السلم أو حتى في إطار الإجارة، إجارة أماكن أو حافلات –وسائط النقل- أو إجارة أشخاص، يريد أن يحصل على أقل الأسعار في هذه العقود. فلذلك هو يعمل المناقصة. السؤال هنا: هل نحن أمام إجراءات الجهة الإدارية حرة فيها تفعل ما تريد، أم أمام عقد تمهيدي لعقود أخرى أو منظومة عقود كما عبر الأخ الدكتور رفيق، بصرف النظر عما سننتهي إليه هل هو عقد ابتدائي أو منظومة عقود؟ نحن حقيقة لسنا أمام إجراءات فقط إنما أمام التزامات متقابلة والعقود الأساس فيها الالتزامات المتقابلة. نعم المناقصة تطلب إيجابات ضمن مواصفات معينة، لكن ضمن أيضا التزامات متقابلة. يعني الجهة الإدارية ليس حرة 100? في هذا العقد الابتدائي ما دام أنها طلبت ضمانات لضمان جدية المشاركة في هذه المناقصة، إذا نحن أمام التزامات متقابلة. صحيح أن بعض الجهات الإدارية تشترط في مناقصتها الحق الكامل بإلغاء المناقصة فيما إذا لم تعجبها العروض لكن قد لا يشترط. إذن يمكن أن تكون المناقصة بدون هذا الشرط وبالتالي لا بد أن نبحث –نحن- هذا الاتفاق الذي فيه تقابل في العرض والقبول ولو في إطار تمهيدي، أن ننظر إليه هو وحده بصرف النظر عما ستؤول إليه الأمور بعد ذلك؛ لأننا إذا أردنا ما ستؤول إليه الأمور بعد ذلك سندخل في عدد كبير من العقود ولا يمكن في الواقع أن نضع أحكاماً في قرار مجمعي تفصيلاً في كل هذه العقود. لذلك موضوع المناقصة هو الذي يحدد طبيعة العد اللاحق؛ لأنه قد أطلب أنا أشياء موجودة في السوق وموجودة عند التجار. فإذن أمامنا عقد بيع وليس هنالك إشكال. قد أطلب عقد توريد وعند ذلك أدخل في قضايا السلم أو الاستصناع أو في مشاكل الجهالة، والجهالة المفضية إلى النزاع والشروط التي تتعلق بضبط هذا الأمر. يمكن لمجمعنا أن يأخذ قراراً في المناقصة ثم يحيل بعد ذلك فيما يتعلق بالأحكام التفصيلة لكل عقد بحسبه، ولا ضرورة أن نخوض فيه تفصيلاً وأن نحدد فيه كل ما يتعلق بعقد مواصفاته الآن في هذه المرحلة، لكن ممكن أن ندرس عقد التوريد وحده يمكن أن ندرس عقد إقامتنا الآن في الفنادق؛ لأنه أيضاً عقد جديد لأن فيه إجارة مكان وفيه بيع لطعام وفيه

فهي إذن عقود جديدة ليس مطلوب منا أن ندرس نحن في مرحلة ما يسمى بمنظومة عقد المناقصة أو عقد ابتدائي وعقد المناقصة، ليس مطلوب منا أن ندخل في التفاصيل الأخرى. هذا جانب.

ص: 903

جانب آخر أهم التفاصيل في هذا الموضوع: تفصيلان في ظني هما: مصادرة الضمان الذي يقدمه الشخص المشارك في المناقصة. هل يمكن أم لا؟ حقيقة قرارنا المجمعي السابق في موضوع العربون لا علاقة له بالموضوع لأنه نحن لسنا أمام عربون؛ لأنه هنا ليس المشتري الذي سيدفع، هذا الذي سوف يبيع ويقدم. فإذن القياس على العربون في الواقع قياس بعيد. السؤال هنا: هل يمكن تخريجه على أساس أنه تعويض عن الضرر؟ لأنه حقيقة الجهة التي تصدر المناقصة تقدر الأضرار التي ستلحق بها فيما إذا كان العارض غير جاد في عرضه فحالت عليه فرفض فحتى تضمن جديته تقدر هذه الأضرار التي ستحلق بها فتضع هذا الجزاء عليه، هل هذا يمكن أن نخرجه على هذا الأساس؟ وبالتالي موضوع العربون لا يدخل هنا في هذا الموضوع.

موضوع آخر يبحث هنا وهو موضوع التواطؤ والذي هو النجش. ما هي انعكاساته على العقد؟ يعني إذا حدث اتفاق لرفع السعر ونحن نريد أن نرسل مناقصتنا من أجل إنزال السعر. ثم أن يقال: إن المناقصة 100? أحكامها كالمزايدة في الواقع فيه تجوز إلى حد ما؛ لأن المزايدة كما أشار أحد الإخوة تتصور في عقود لا تتصور فيها المناقصة، حسب طبيعة العقد وحسب الذي يريد أن يطرح هذا الأمر، وحسب الجهة التعاقدية هل مصلحتها في زيادة البدل أو في إنقاص البدل؟ أين ما يتصور مصلحة في إنقاص البدل تتصور المناقصة، وأين ما يتصور مصلحة في زيادة البدل تتصور المزايدة. وأقترح على المجمع الكريم أن نبحث موضوع المناقصة وحده ولا ندخل في كل المناقشات التي دارت حول طبيعة العقد الذي ينتهي إليه أمر المناقصة بعد إرساء العطاء أو إرساء المناقصة في التعبير المستعمل في مثل هذه العقود.

وهناك تعليق بسيط على القول بأننا تحدثنا فقط عن المناقصة في عقود الإدارة العامة. المناقصة في طبيعتها العامة هي واحدة سواء كانت من جهة الإدارة العامة أو من أي جهة أخرى. فمعالجتنا لهذا العقد وحده في هذا الإطار ليس فيها اجتزاء، ويمكن حقيقة للجنة التي تشكل لهذا الموضوع أن تقدم لنا مشروع قرار يعالج موضوع (عقد المناقصة) دون الدخول في بقية الأمور التي تحتاج إلى بحث طويل مثل موضوع (الشرط الجزائي) وغيره. وشكراً،،

ص: 904

الدكتور عمر جاه:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا وحبيبنا سيد المرسلين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أتقدم بكلمة شرك إلى كل من تقدموا ببحوث قيمة في هذا الاجتماع والاجتماعات التي قبله، وقد يكون تدخلي هذا تعليقاً موجزاً لا على مادة البحوث المقدمة إلى هذا الاجتماع وتفاصيلها؛ لأنها في الحقيقة بحوث قيمة تتضمن مادة علمية غنية ودسمة بتفاصيل، قد تلبي رغبة الباحث الأكاديمي وطالب العلم أكثر مما يلبي طلب وتطلعات الدول الحديثة التي تواجه مشاكل فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية وعلاقاتها مع العالم الخارجي.

أريد أن أعلق بإيجاز على منهجية العمل في اجتماعاتنا هذه، وقد سبقني إليها غيري وأخص بالذكر السيد المفتي محمد مختار السلامي. فالملاحظ أن التركيز أو أن هناك تركيزاً على استنباط الفقه والقياس المنطقي المبني على المصادر الأساسية من القرآن والسنة واجتهاد المجتهدين المقلدين الذين جاءوا من بعدهم. وقد نجح المجمع إلى حد كبير في اختيار موضوعات عملية جيدة واستكتاب الفقهاء لكتابة دراسات مفصلة وطيبة، ولكننا في حاجة إلى تقديم حلول عملية للتعامل مع المشاكل المعاصرة والتي نعيشها وتعاني منها دولنا الشيء الكثير. ولا شك في أننا كلنا يعلم أن الهدف الأساسي في إنشاء هذا المجمع الفقهي الإسلامي هو في الحقيقة إيجاد حلول أو إيجاد جهاز فتوى يقوم بدراسة المشاكل التي تواجه الأمة وهي كثيرة، وتصدر حولها فتاوى عملية تنسجم مع الشريعة الإسلامية ولا تتناقض ولا تتنافى مع متطلبات العصر الحديث.

فطبعاً هذه المسألة أنا على علم بأن كثيراً من الأئمة من الباحثين والفقهاء تناولوها من جانب آخر، لكن الذي يهمني في تدخلي هذا والذي يزعجني إلى حد ما، أننا نلاحظ أننا كثيرا ما نتقدم بإرجاع مسائل سبق وأن اخترنا دراستها. فبالأمس القريب أرجأت موضوعات سبق للمجمع أن أصدر بعض الفتاوى حولها، فمسألة الاستثمار بالأسهم سبق وأن تمت دراسة بعض جوانبه وبالأمس أجلناها؛ لأننا لم نُوَفَّقْ في الوصول إلى حل عملي نستطيع أن نقدمه إلى الأمة. فاليوم أرى أن هناك توجهاً لإرجاء مسألة ممن أهم المسائل وهي المناقصات، أيضاً أجلناها؛ لأننا لم نجعل أنفسنا أمام القضية بأننا لا نستطيع أن نبدي فيها رأياً يمكن أن نطبقه. ويبدو لي وقد أكون مخطئاً في هذا أننا يتوافر لدينا أن العالم الإسلامي غني بالفقهاء ولكننا نحتاج إلى فقهاء اقتصاديين ولعلنا لم نُوَفَّقْ بعدُ؛ لأننا نرى أن هناك بحوثاً جيدة فعلاً واستنباطاً فقهيًّا جيداً وكل المسائل وكل المصادر التي يستشهدون بها لكننا هنا عندما نأتي إلى محل التطبيق نرى أننا نحتاج إلى تأجيلها وإعادة النظر فيها، فهذا قد يكون سببه في أننا في الاستنباط الفقهي نجحنا ولم ننجح في التوفيق بين النظرية الفقهية والنظرية الاقتصادية في التعامل مع هذا، فالدول التي أنشأت هذا المجمع طبعاً ما زالت تنتظر ولها حق في الانتظار أن كل اجتماع اجتمعناه نخرج بحل من الحلول يستطيعون أن يطبقوه لمواجهة الحياة. فالشيخ المفتي محمد المختار السلامي في تدخله اليوم ذكر مسائل حية. مسألة المناقصات والمزايدات أن الدولة في حاجة إلى تزويد جيشها ودولة في حاجة إلى تنمية اقتصادياتها، فمعظم هذه الأشياء تتعلق بمسألة المناقصات والمزايدة، ولكننا مع ذلك وجدنا أنفسنا عاجزين على أن نخرج بشيء نستطيع أن نقدمه لها. فأنا لا أشك أن في الأمة عناصر جيدة تستطيع أن تقوم بهذا العمل.. ولكنني أتوجه مرة ثانية إليكم جميعاً أن نضع نصب أعيننا أن الهدف الأساسي من وجودنا هذا هو تقديم حلول عملية للدول التي أنشأت هذا وقد نكون قد نجحنا في تقديم بعض الحلول لكننا في الحقيقة فيما يتعلق بالتعامل المصرفي فيما يتعلق بالاقتصاد الدولي

الحكومات الأخرى، أعتقد أننا في حاجة إلى مزيد من العمل لتلبية رغباتهم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 905

الدكتور درويش جستنية:

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

في الواقع مسألة العقود أو إجراءات التوريد والمناقصة مسألة حيوية تحتاج إليها كل الدول لا شك، وهي مسألة قديمة لا بد أن هذه البحوث –وهي جيدة والحمد لله- تطلعت إليها لكن حتى تكون هذه البحوث التي بين أيدينا كاملة يبدو لي أنه لا بد من التعرض إلى نقطتين هامتين:

النقطة الأولى: تتعلق بمسألة التواطؤ في عملية دخول المناقصة؛ لأن كثيراً من المناقصات عند الدخول إليها تجد عدداً من التجار اتفقوا بحيث يحافظون على مستوى معين من الأسعار وبعد ذلك عندما تدخل العملية وترسو على أحد منهم وتبدأ عملية التوزيع من الباطن. ولم تتعرض هذه البحوث إلى الناحية الشرعية، فيما يتعلق بالمسؤوليات القانونية والشرعية فيما يتعلق بتفويض العمل من الباطن، فعلى من تقع المسؤولية؟ وكيف يمكن تحديد هذه المسؤوليات التي تتعلق بأنه من الباطن يمكن أن تكون هذه العقود توزع المسؤوليات. فتتعلق أولاً بعمليات التوريد، فعندما نقول عملية التوريد: توريد الأشياء ليست بالضرورة موجودة لدى المناقص، وإنما هي عبارة عن أشياء يمكن تجميعها من السوق هي ليست حاضرة لديه ويمكن من خلال التعاون مع بقية التجار أو المستوردين أن يحصل على هذه السلعة، وبالتالي ستكون هناك عقود داخلية بين المستورد وبين المناقص الأصلي، ولو حصل عدم وفاء بهذه العقود سيكون هناك تأخير في الدفع وستكون هناك مشكلات بين المناقصين في الداخل وأثرها على العلاقة الأساسية بين المتناقص وبين الجهة التي يتم التعاقد معها. فيبدو لي أن مثل هذه الأمور يجب أن تكون داخلة أيضاً في البحوث بحيث تغطى مثل هذه النقاط. وشكراً لكم،،

الشيخ فرج:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد،

فنشكر أولاً سماحة الرئيس وسيادة الأمين العام، ونثني على ما قاله أصحاب الفضيلة العلماء خاصة ما قدمه أصحاب البحوث من إثراء عظيم لهذه المسألة. وكنت أحب أن أشير إلى بعض الإشارات ولكن –الحمد لله- تقدم بها كثير من الباحثين وأشاروا إليها، في مسألة عقد المناقصة وعقد المزايدة وأنه فعلاً يوجد هناك فرق بينهما، وأن الأفضل أن يكون إجراء شكل هذا الإجراء قبل إبرام العقود. يعني أنا أميل إلى أن الفقهاء ينبغي أن يبحثوا في مسألة ما ينبني على هذه المناقصة والضوابط الشرعية التي تحيط بهذه المسألة، ولكن عندما نبحث في كل ما يجِدُّ في الحياة من أشياء ونضع لها التكييف الشرعي ربما تختلف فيها الأمور وربما تؤدي إلى إعمال النصوص في غير مواضعها. فأنا أرى أن عقد الاستصناع، عقد السلم، عقد البيع، عقد الإجارة، وهكذا. أما المناقصة فنضع لها الحدود والضوابط الشرعية التي تضمن عدم المخالفات الشرعية. هناك أمور كثيرة تكلم فيها أصحاب الفضيلة، بقي أمر دقيق وهو بيع كراسة الشروط. تكلم الدكتور رفيق وأشار بأنه يفضل أن تكون مجانا وأشار فضيلة الشيخ حسن الجواهري بأنه لا مانع من بيعها، وسيادة العلامة الشيخ التسخيري مال إلى هذا الرأي. لا بد أن نضع خطة دقيقة في هذا الأمر ربما أصحاب المناقصات يأخذون هذا الأمر ذريعة للكسب الحرام، يضع ثمناً عالياً ويضع مستوى لهذه الكراسة لا تتناسب مع ثمنها ليكتسب أموالاً كثيرة بحجة أن بعض العلماء وأن المجمع الموقر أباحها. فنحن لا بد أن نضع الضوابط، نقول: أبيحت وكان هذا الأمر على سبيل الجواز الشرعي فينبغي أن تكون كراسة بالثمن الذي يتناسب معها أو بثمن التكلفة. أما ما يقوم به أصحاب المناقصة من الدعاية في وسائل الإعلام فهذا على حسابهم، وأما الذي يدخل في المناقصة فيدفع فقط ثمن الكراسة بما يتناسب معها وبما تتكلفه حقيقة.

ص: 906

تبقى مسألة العربون وتكلم فيها الدكتور عبد السلام وغيره كلاماً جيداً لا داعي لإعادته حتى نخلص إلى هذه المسألة.

يبقى أمر أخير وهو أن الفقيه ينبغي عليه أن ينظر إلى الأمور التي ظهرت والأمور التي يقع فيها الناس كثيراً، وهو ما يقال عند الفقهاء بما كثرت به البلوى بأن ينظر إلى الفتوى بالأخف بما يناسب أن يأخذ بيد الناس من ورطتهم حتى لا يقعوا في الحرام، ويبين أن هناك الأحوط وهناك الأروع ولكن يضع دائماً الرأي، يعني إذا كان هناك في الفقهاء من قال برأي ربما يكون فيه مثلاً احتياط أو تشديد ولكن هناك رأي مخفف فنأخذ به في هذه المسألة حتى لا نضيق على الناس من باب التيسير، والفقهاء يقولون بأن المصلحة هي المطلوبة للمؤمن وللفقيه الذي يضع أمام عينيه عندما يجتهد في هذا الأمر وأنا ألاحظ –والحمد لله- أن المجمع الموقر بعلمائه الأجلاء حريصون كل الحرص على أن يكونوا ملتزمين بالنصوص الشرعية وبالاجتهادات الصحيحة المؤيدة من الكتاب والسنة وذلك فضل الله تعالى عليكم، وهذه مسؤولية كبيرة ونحن الآن في أشرف الأعمال وجلستكم من أعظم الجلسات في سبيل الله –سبحانه وتعالى لنا الأجر العظيم. وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الرئيس:

في الواقع من خلال هذه المداولات في موضوع (المناقصات) يتحرر أن هناك بعض من مفرداتها لم تتناوله البحوث ولا المناقشات، لا سيما بعض صور المناقصات المشتهرة مثل: سندات الخزينة، فهذه لم يتعرض لها أحد وهي منتشرة والإعلانات عنها متوالية. وهناك بعض مفرداتها سبق وأن بت فيها المجلس كما في عقد الاستصناع وخطاب الضمان في بعض صوره، وهناك بعض المفردات حصل فيها توقف ولم يحصل فيها بت من عدد من أصحاب الفضيلة الأعضاء، وهناك مفردات أخرى حصل فيها البت إلا أن هذه يرتبط بعضها بعض، ولهذا فإن المأمول من أصحاب الفضيلة الأعضاء والباحثين والخبراء أن يقدم كل واحد ما لديه من قضية أو مفردة تستحق المناقشة وإدخالها في هذا المشروع ليجري إحالتها إلى معالي الأمين. ومعالي الأمين الآن يحب أن يأخذ الكلمة.

ص: 907

معالي الأمين العام للمجمع:

بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،

لقد كانت البحوث المقدمة في هذه الجلسة من جهة والمناقشات الطويلة التي استمعنا إليها ثرية ثراءً كبيراً وواسعة، وهذا بحمد الله أعطى صورة كاملة للموضوع بحيث أصبحنا نشعر بأن طائفة من مسائله ربما كان قد وقع بحثها من قبل واتخذ فيها قرار، والبعض الآخر هو جديد يحتاج إلى النظر، وهناك مسائل أخرى أيضاً تحتاج؛ لأن تبحث لتضم لهذا الموضوع لتتكامل الصورة لدينا في بحوث تقدم في الدورة القادمة –بإذن الله- من أجل ذلك فإني أرجو –تثنية على ما تفضل به سيادة الرئيس- أن يكتب الإخوان إلى الأمانة ما يريدونه من المفردات أو الموضوعات التي تضم إلى هذه القضية حتى تبحث في الدورة القادمة، وبودي أن الذين اقترحوا هذه المسائل هم الذين يتولون الكتابة فيها. فأنا في انتظار ما تريدونه وتقدمونه من ملاحظات مكتوبة تتعلق بتلك المفردات راجياً أن يكون الذين يتقدمون بها هم الذين يتولون إعداد شيء للدورة القادمة، بإذن الله.

وشكراً لحضراتكم.

الدكتور عبد السلام العبادي:

في الحقيقة لا بد أن نبت في مجلس المجمع بأمر في غاية الأهمية. هل نريد المناقصة وما تنتهي إليه من عقود؟ أم نريد المناقصة في ذاتها؟ إذا أردتم ما تنتهي إليه من عقود ستدخل السندات التي أشار إليها وستدخل صور كثيرة.

الرئيس:

يا شيخ عبد السلام، لأنه يخشى من صدور قرار مثلاً

نحن الآن ننبه لكن لو لم أنبه ما نبه؛ لأن البحوث لم تذكرها والمناقشات لم تتداولها، فنحن ما يسعنا على أن من يصدر شيئاً يكون فيه الإجمال ويدخل فيه عشرات القضايا التي هي غائبة عن أذهاننا. إضافة إلى سندات الخزينة بيع الأوراق المالية، فهي أشياء لا تعد. وتعرفون أن الإجمال يدخل تحته أشياء قد تكون تناقض صريح الدليل من الكتاب والسنة، وتناقض ما صدر من هذا المجمع. فالموضوع في الحقيقة في هذه المداولات في هذه الجلسة تجلى تماماً، تجلت جوانبه، وإذا أجل بهذه الصورة بشرط أن في فاتحة الجلسة المسائية يقدم كل واحد من أصحاب الفضيلة الأعضاء والخبراء والباحثين ما لديه للأمانة.

وأرجو أن توافقوا على هذا ويعتبر الموضوع بذلك منتهياً.

وبذلك ترفع الجلسة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 908

القرار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.

قرار رقم: 93/5/د9

بشأن: " المناقصات "

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1 إلى 6 ذي القعدة 1415 هـ، الموافق 1-6 أبريل 1995م.

بعد اطلاعه على البحثين الواردين إلى المجمع بخصوص موضوع: "المناقصات"

وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، وجرياً على خطة المجمع في وجوب إعداد عدد من الدراسات في كل موضوع لاستقصاء التصورات الفنية له، واستيعاب الاتجاهات الفقهية فيه،

قرر ما يلي:

أولاً: تأجيل إصدار القرار الخاص بالنقاط التي درست في هذا الموضوع، نظراً لأهميته، وضرورة استكمال بحث جميع جوانبه وتغطية كل تفصيلاته، والتعرف على جميع الآراء فيه، واستيفاء المجالات التي تجري المناقصات من أجلها، ولا سيما ما هو حرام منها كالأوراق المالية الربوية وسندات الخزانة.

ثانياً: أن يقوم أعضاء المجمع وخبراؤه بموافاة الأمانة العامة –قبل انتهاء الدورة إن أمكن أو خلال فترة قريبة بعدها –بما لديهم من نقاط فنية أو شرعية تتعلق بموضوع "المناقصات" سواء تعلقت بالإجراءات أم بالصيغ والعقود التي تقام المناقصة لإبرامها.

ثالثاً: استكتاب أبحاث أخرى في موضوع (المناقصات) يسهم فيها أهل الخبرات الفنية والفقهية والعملية في هذا الموضوع.

ص: 909