المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعدادد. محمد عطا السيد سيد أحمد - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد التاسع

- ‌بحث فيالذهب في بعض خصائصه وأحكامهإعداد الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌تجارة الذهبفي أهم صورها وأحكامهاإعدادد. صالح بن زابن المرزوقي

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعدادد. الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعدادد. محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌السلم وتطبيقاته المعاصرةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعداد الشيخ حسن الجواهري

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعداد نزيه كمال حماد

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. سامي حسن حمود

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. حسين كامل فهمي

- ‌الحسابات والودائع المصرفيةإعدادد. محمد علي القري

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. حمد عبيد الكبيسي

- ‌الودائع المصرفية(تكييفها الفقهي وأحكامها)إعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌أحكام الودائع المصرفيةتأليفالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌الحسابات الجاريةوأثرها في تنشيط الحركة الاقتصاديةإعدادد. مسعود بن مسعد الثبيتي

- ‌الاستثمار في الأسهموالوحدات والصناديق الاستثماريةإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌ موضوع الاستثمار في الأسهم

- ‌الاستثمار في الأسهمإعدادد. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثماريةإعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌مناقصات العقود الإداريةعقود التوريد ومقاولات الأشغال العامةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌المناقصات(عقد الاحتياط ودفع التهمة)إعدادالشيخ حسن الجواهري

- ‌انخفاض قيمة العملة الورقية بسبب التضخمالنقدي وأثره بالنسبة للديون السابقةوفي أي حد يعتبر الانخفاض ملحقاً بالكسادإعدادالدكتور مصطفى أحمد الزرقا

- ‌التضخم والكسادفي ميزان الفقه الإسلاميإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌حكم ربط الحقوق والالتزاماتبمستوى الأسعارإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌أثر التضخم والكسادفي الحقوق والالتزامات الآجلةوموقف الفقه الإسلامي منهإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌مفهوم كساد النقود الورقيةوأثره في تعيين الحقوق والالتزامات الآجلةحدود التضخمالتي يمكن أن تعتبر معه النقود الورقية نقودًا كاسدةإعدادالدكتور ناجي بن محمد شفيق عجم

- ‌كساد النقود الورقية وانقطاعها وغلاؤها ورخصهاوأثر ذلك في تعيين الحقوق والالتزاماتإعدادالدكتور محمد علي القري بن عيد

- ‌كساد النقود وانقطاعهابين الفقه والاقتصادإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ خليل محي الدين الميس

- ‌سد الذرائعإعدادأ. د وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ محمد الشيباني بن محمد بن أحمد

- ‌سد الذرائععند الأصوليين والفقهاءإعدادالأستاذ الدكتور خليفة بابكر الحسن

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ مجاهد الإسلام القاسمي

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور علي داود جفال

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌مقارنة بين الذرائع والحيلومدى الوفاق والخلاف بينهماإعدادحمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ الدكتور الطيب سلامة

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور أحمد محمد المقري

- ‌مبدأ التحكيمفي الفقه الإسلاميإعدادالمستشار محمد بدر يوسف المنياوي

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميمبدؤه وفلسفتهإعدادالدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري

- ‌التحكيمإعدادالأستاذ الدكتور عبد العزيز الخياط

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعداد الأستاذ محمود شمام

- ‌نقص المناعة المكتسبة(الإيدز)أحكامه وعلاقة المريض الأسرية والاجتماعيةإعدادالدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌الأسرة ومرض الإيدزإعدادالدكتور جاسم علي سالم

- ‌إجراءات الوقاية الزوجية في الفقه الإسلاميمن مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)إعدادالشيخ أحمد موسى الموسى

- ‌ملخصلأعمال الندوة الفقهية السابعة

- ‌الإيدز ومشاكله الاجتماعية والفقهيةوثيقة مقدمة منالدكتور محمد علي البار

الفصل: ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعدادد. محمد عطا السيد سيد أحمد

‌السلم

وتطبيقاته المعاصرة

إعداد

د. محمد عطا السيد سيد أحمد

ممثل جمهورية السودان

بسم الله الرحمن الرحيم

السلم وتطبيقاته المعاصرة

السلم والسلف عبارتان عن معنى واحد (1) وقد تعددت عبارات الفقهاء في تعريف عقد السلم ولكن جميعها لا تخرج عن تعريف شامل وهو: بيع آجل بعاجل. أما ذكرهم لموصوف في الذمة (2) ، أو ثمن مقبوض بمجلس العقد فيرد في تفصيلهم لشروط صحة عقد السلم.

ويتكون عقد السلم من:

1-

الثمن العاجل وهو رأس مال السلم.

2-

وصاحب الثمن هو المسلم.

3-

المسلم فيه وهو المبيع الآجل.

4-

المسلم إليه وهو الملتزم بالمبيع الآجل.

والأصل في السلم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] قال القرطبي في تفسيره: (قال ابن عباس: هذه الآية نزلت في السلم خاصة. معناه أن سلم أهل المدينة كان سبب الآية، ثم هي تتناول جميع المداينات إجماعا)(3) .

وأما السنة فقد أخرج الأئمة الستة في كتبهم الحديث عن ابن عباس في جواز عقد السلم نصا، وإليك رواية الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:(قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة والناس يسلفون في التمر العام والعامين أو قال: عامين أو ثلاثة شك اسماعيل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم)) (4)، وذكر البخاري الحديث عن ابن عباس أيضا وفيها:((في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم)) (5) .

(1) استحب بعض العلماء إطلاق كلمة سلم على باب خاص به ويفرقون بينه وبين السلف؛ لأن السلف يطلق أيضا على القرض

(2)

راجع بدائع الصنائع 5/201؛ وحاشية رد المحتار 4/212

(3)

تفسير القرطبي 3/377

(4)

صحيح البخاري: 3/43- 44، بيروت: دار الفكر سنة 1981

(5)

صحيح البخاري 3/44

ص: 299

وروى البخاري رضي الله عنه عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه أنه قال: (كنا نسلف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر في الحنطة والشعير والزبيب والتمر (1)) وذكر في رواية بعدها الزيت (2) .

ومع أن السلم بيع معلوم في الذمة غائب إلا أن الفقهاء أجمعوا على جوازه لورود النص الصحيح بذلك واعتبر استثناء من نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عندك.

والسبب في الاستثناء ضرورة كل واحد من المتبايعين (بأن صاحب رأس المال محتاج إلى أن يشتري التمرة، وصاحب التمرة محتاج إلى ثمنها قبل إبانها لينفقه عليه، فظهر أن بيع السلم من المصالح الحاجية، وقد سماه الفقهاء بيع المحاويج)(3) .

وإليك الآن شروط السلم فيما يتعلق بالمسلم فيه:

1-

أن يكون المسلم فيه دينا في الذمة وهذا لا إشكال فيه لأن المسلم أصلا نوع من المداينة. ولكن اختلفوا فيما إذا كان من شروط السلم أن يكون المسلم إليه مالكا للمسلم فيه. اشترط أبو حنيفة وجود المسلم فيه في الأسواق من حين العقد إلى حين الأجل مخافة أن يحين أجل تسليم المسلم فيه فلا يوجد فيكون ذلك غررا. وخالفه سائر الفقهاء وقالوا: المراعى وجوده عند الأجل.

2-

أن يكون المسلم فيه موصوفا وصفا كافيا، والوصف إنما يكون بالمتعارف عليه بين الناس في كل بلد فمثلا التمر إذا أسلم فيه فلا بد من بيان نوعه وإلا كان العقد فاسدا، وكذلك إذا أسلم في بلد فيه أنواع من الحنطة فلا بد من تعيينها. جاء في المدونة الكبرى: قل: أرأيت إن أسلف في تمر ولم يبين صيمانيا من برني ولا جعرورا ولم يذكر جنسا من التمر بعينه، قال: السلف فاسد في قول مالك، قلت: فإن أسلف في تمر برني ولم يقل جيدا ولا رديئا، قال: يكون فاسدا في قول مالك، حتى يصف، قلت: وكذلك الحنطة، قال: ولا تكون إلا على صفة فإن لم يصف فهو فاسد (4) .

(1) صحيح البخاري 3/44

(2)

صحيح البخاري 3/45

(3)

تفسير القرطبي 3/379

(4)

المدونة الكبرى 3/123 (بيروت: دار الفكر 1978م)

ص: 300

3-

أن يكون المسلم فيه مقدرا والتقدير إنما يكون من ثلاثة أوجه إما كيلا أو وزنا أو عدا وذلك ينبني على عرف الناس في كل بلد.

فمثلا التفاح والجوز فإن كانوا يعدونه فيعد وإن كانوا يأخذونه وزنا فيوزن. جاء في المدونة الكبرى وصفا جميلا لهذه المسألة: قلت: كيف يسلف في الجوز في قول مالك، قال: قال مالك يسلف لصفة أي يصف الجوز، قال: ومعنى ما رأيت في قوله أنه يراه عددا، قال ابن القاسم: وإن كان الجوز مما يسلف الناس فيه كيلا فلا بأس به، قلت: ولا بأس بالسلف في الجوز في قول مالك عددا أو كيلا، قال: سمعت مالكا يقول: لا بأس بذلك، قال: وقال مالك: ولا بأس ببيع الجوز جزافا، قال: وقال مالك: لا يسلف في البيض إلا بصفة، قلت: ولا بأس بالسلف في البيض عددا، قال: نعم (1) .

4-

وقريب من الشرط الثالث اختلافهم في ذكر موضع القبض فيما له حمل ومؤونة كالحنطة والشعير والتمر. اشترط أبو حنيفة في جواز السلم بيان مكان الإيفاء. وخالفه صاحباه والمالكية والحنابلة وطائفة من العلماء وقالوا: إن موضع القبض ليس من الشروط للأحاديث الصحيحة التي وردت وليس فيها ذكر المكان الذي يقبض فيه السلم ولو كان من شروطه لبينه النبي صلى الله عليه وسلم كما بين الكيل والوزن والأجل (2) .

(1) المدونة الكبرى 3/123

(2)

تفسير القرطبي 3/381

ص: 301

5-

وقريب من هذا الذي ذكر رأي كثير من الفقهاء أن من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره مستندين على حديث ((من أسلف في شيء فلا يأخذ إلا من أسلف أو رأس ماله)) وفي رواية: ((من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره)) (1) .

ويبدو أن المالكية لا يأخذون بإطلاق هذا الحديث. جاء في المدونة: قلت: أرأيت إن سلف في دجاج أو في أوز فلما حل الأجل أخذ منه مكان ذلك طيرا من طير الماء، قال: لا يجوز، قلت: فإن سلفت في دجاج فلما حل الأجل أخذت مكانها أوزا أو حماما، قال: لا بأس بذلك، قلت: لم جوز مالك إذا سلفت في دجاج أن آخذ مكانها إذا حل الأجل أوزا أو حماما ولم يجوز لي إذا سفلت في دجاج أن آخذ مكانها إذا حل الأجل طيرا من طير الماء؟ قال: لأن طير الماء إنما يراد به الأكل وإنما هو لحم وإنما نهى مالك من وجه أنه لا يباع الحيوان باللحم، قال أشهب: هو جائز

وكذلك العروض كلها ما خلا الطعام والشراب فإن الطعام والشراب إذا أسلفت فيهما لم يصح أن تبيعهما من صاحبهما ومن غير صاحبهما الذي عليه الطعام حتى تستوفي الطعام إلا أن تأخذ من صنفه أو من جنسه من الذي عليه الطعام إذا حل أجله

قال: وأخبرني عن الليث بن سعد عن ربيعة أنه قال في رجل أسلف صيادا دنانيرا على صنف من الطير كل يوم كذا وكذا طائر فجاءه فلم يجد عنده من ذلك الصنف شيئا ووجد عنده عصافير فأعطاه عشرة عصافير بطائر واحد مما اشترط عليه، قال ربيعة: عشرة من الطير بواحد حلال وأنا أرى ذلك حلالا كله السلف للصياد وعشرة بواحد (2) .

(1) سنن أبي داود 2/276 (بيروت: دار الفكر)

(2)

المدونة الكبرى 3/126

ص: 302

6-

أن يكون المسلم فيه مؤجلا. وهذا الشرط اتفق عليه الحنفية والمالكية والحنابلة شرطا لصحة السلم للحديث: ((من أسلف في شيء)) فهذا الحديث أمر بالأجل وهو من طبيعة بيع السلم الذي استثني من القاعدة العامة وأجيز رفقا بالناس ومراعاة لضرورتهم (1) . ثم إنه لو كان حالا ولم يكن المسلم فيه عند المسلم إليه من باب بيع ما ليس عندك. وعلل المالكية ذلك تعليلا جيدا فقالوا في المدونة: وحتى لو كانت العين قائمة موجودة فلا يجوز السلم فيها وإن ضرب لذلك أجلا لأن في ذلك غررا لا يدري أتبلغ السلعة إلى ذلك الأجل أما لا وهو يقدم نقده فينتفع صاحب تلك السلعة بالنقد حتى ولو هلكت العين قبل الأجل ووصولها إلى مشتريها وهذا مخاطرة وغرر (2) . وقال الشافعي: يصح السلم حالا ومؤجلا وهو حال أبعد عن الغرر وأن المراد في الحديث ((إلى أجل معلوم)) هو علم المتعاقدين بالأجل لا اشتراطا لوجود الأجل نفسه (3) . واتفق الفقهاء أن عدم تحديد الأجل يفسد البيع وقال في المدونة: إنه بيع حرام. قلت: أرأيت إن اشتريت دابة أو بعيرا بطعام موصوف ولم أضرب له أجلا أو ثيابا موصوفة ولم أضرب لها أجلا وليس شيء مما اشتريت به البعير أو الدابة عندي، أيجوز ويكون شرائي البعير أو الدابة مضمونا إلى اجل أو يكون نقدا، قال: هذا بيع حرام لا يجوز أن يكون مضمونا إلى غير أجل وهو بيع ما ليس عندك، قلت: أرأيت إن أسلمت إلى رجل في مئة أردب تمر مئة دينار: خمسين أعطيتها إياه وخمسين أجلني بها، قال: قال مالك لا يجوز هذا وينتقض جميع السلم، قلت: فإن سلفت في طعام ولم أضرب لرأس المال أجلا فافترقنا قبل أن أقبض رأس المال، قال: هذا حرام إلا أن يكون على النقد (4) .

واختلف الفقهاء في مدة أجل السلم وسئل مالك رضي الله عنه عن الرجل يبتاع الطعام إلى يوم أو يومين مضمونا عليه يوفيه إياه، فقال: لا يصح إلا إلى أجل أبعد من هذا وحتى لو كان ثيابا لا خير فيه إلا إلى أجل بعيد (5) .

(1) بدائع الصنائع 5/212؛ غاية المنتهى 2/78؛ المبسوط 12/125

(2)

المدونة الكبرى 3/132

(3)

المهذب 1/297؛ مغني المحتاج 2/105

(4)

المدونة الكبرى 3/138

(5)

المدونة الكبرى 3/133

ص: 303

وذكر مالك عن الليث بن سعد يذكر عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن رجل أسلف رجلا في طعام مضمون إلى يوم أو يومين أو ما أشبهه فقال سعيد إلا إلى أجل ترتفع فيه الأسواق وتنخفض، ولم يحدد أجلا لهذا الارتفاع والانخفاض ولكن الرأي في المدونة إلى مناسبة الخمسة عشر يوما والعشرين يوما (1) . وأجاز المالكية اليومين والثلاثة إذا كان المسلم فيه في بلد آخر ويحتاج الوصول إليه وتسليمه من بلد العقد مدة اليومين والثلاثة. وانفرد الإمام مالك دون الفقهاء بجواز السلم في ثمار القرى العظام مثل خيبر ووادي القرى وذي المروة وما أشبهها من القرى فلا بأس أن يسلف قبل إبان الثمر ويشترط أن يأخذ ذلك تمرا في أي الإبان شاء ويشترط أن يأخذ ذلك رطبا في إبان الرطب أو بسرا في إبان البسر (2) .

وأورد القرطبي آراء الفقهاء في هذه المسألة فقال: (لا خلاف بين العلماء أن من باع معلوما من السلع بثمن معلوم إلى أجل معلوم من شهور العرب أو إلى أيام معروفة العدد أن البيع جائز) . وكذلك قالوا في السلم إلى الأجل المعلوم. واختلفوا في من باع إلى الحصاد أو إلى الدياس أو إلى العطاء وشبه ذلك، فقال مالك: ذلك جائز لأنه معروف، وبه قال أبو ثور. وقال أحمد: أرجو ألا يكون به بأس. وكذلك إلى قدوم الغزاة. وعن ابن عمر أنه كان يبتاع إلى العطاء. وقالت طائفة: ذلك غير جائز لأن الله تعالى وقت المواقيت وجعلها علما لآجالهم في بياعاتهم ومصالحهم. كذلك قال ابن عباس، وبه قال الشافعي والنعمان. قال ابن المنذر: قول ابن عباس صحيح (3) . أما عن أقصى الأجل فقد ورد الحديث الصحيح الذي رواه الأئمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون بالثمر السنتين والثلاث فقال: ((من أسلف في شيء ففي كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم)) (4) .

7-

وجود المسلم فيه وانقطاعه عن الأسواق:

أ - يتفق الفقهاء أن السلم جائز فيما لا ينقطع من أيدي الناس (تسلف فيه متى ما شئت في أي إبان شئت، واشتراط أخذ ذلك في أي إبان شئت في قول مالك)(5) .

(1) المدونة الكبرى 3/133

(2)

المدونة الكبرى 3/121

(3)

تفسير القرطبي 2/344

(4)

صحيح البخاري 3/44

(5)

المدونة الكبرى 3/123

ص: 304

ب - أما إذا كان المسلم فيه مما ينقطع عن أيدي الناس في موسم معين كالفواكه مثلا فلا يجوز عقد السلم فيه عند أكثرهم إلا إذا طاب أول ذلك الذي أسلف فيه وذلك معلوم في الفواكه مثل التفاح والرمان والسفرجل والقثاء والبطيخ والشمام وما أشبه ذلك من الفاكهة الرطبة التي تنقطع من أيدي الناس.

ج- وكذلك السلم في الحنطة فلا يصح السلم فيها حتى تشتد في أكمامها أو حتى تيبس، وقال مالك: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تبيعوا الحب حتى يشتد في أكمامه)) وقال: وحدثني عن ابن وهب عن إسماعيل بن عياش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يشترى الحب حتى يبيض. وعن ابن سيرين قال: لا تبيعوا الحب في سنبله حتى يبيض. وعن بعضهم: لا يسلف في زرع حتى ينقطع عنه شرب الماء وييبس. قال ابن وهب: سمعت مالكا يقول: لا يباع الحب حتى ييبس وينقطع عنه شرب الماء حتى لا ينقصه الشرب (1) .

وهذا الذي استندوا عليه من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم صحيح رواه الأئمة ولكن كان ذلك في المبايعة العادية وقد وضحت ذلك في رواية الدارقطني عن زيد بن ثابت كان يقول: كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبايعون الثمار، فإذا جد الناس وحضر تقاضيهم، قال المبتاع: إنه قد أصاب التمر مراق، وأصابه قشام، عاهات كانوا يحتجون بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كثرت عنده المعتومة في ذلك:((أما لا فلا تبتاعوا حتى يبدو صلاح الثمر)) قال: كالمشورة يشير بها لكثرة حقوقهم (2) .

والذي أراه أن هذا الشرط إنما يكون في البيع ويستثنى في السلم كما استثني عقد السلم من القاعدة العامة ويؤيد هذا ما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن محمد بن أبي المجالد قال: بعثني عبد الله بن شداد وأبو بردة إلى عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما فقالا: سله، هل كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يسلفون في الحنطة؟ قال عبد الله: كنا نسلف نبيط أهل الشام في الحنطة والشعير والزيت في كيل معلوم إلى أجل معلوم. قلت: إلى من كان أصله عنده؟ قال: ما كنا نسألهم عن ذلك، ثم بعثاني إلى عبد الرحمن بن أبزى فسألته فقال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسلفون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم نسألهم ألهم حرث أم لا؟ (3) .

(1) المدونة الكبرى 3/122

(2)

سنن الدارقطني 2/37 (الدارقطني 2/37 (القاهرة: دار المحاسن للطباعة 1966)

(3)

صحيح البخاري 3/44 – 45

ص: 305

ولذلك أجاز الإمام مالك السلم في الحنطة الجديدة قبل الحصاد والتمر الجديد قبل الجداد ما لم يكن في زرع بعينه أو حائط بعينه. (1) . وهذا تحديد جميل من الإمام مالك رضي الله عنه. وأجاز أكثرهم السلف في الخضر والبقل قبل الإبان واشترط الأخذ في الإبان وأن يكون هذا بحزم معروفة أو بوزن معروف أو بحسب ما هو متعارف عليه في بلده. ولا يصح السلم عند المالكية بالفدادين أي المساحات المحددة لأن الناتج قد يكون أنواعا وقد يكون جيدا ورديئا (2) .

8-

لا يصح السلم في الحيوان أو ما في بطونها للحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السلف في الحيوان. وأجاز الإمام مالك في السلف في الحيوان مضمونا لا في حيوان بأعيانها ولا في نسلها وإن كانت موصوفة، لا في نسل غنم بأعيانها ولا في نسل بقر بأعيانها ولا في نسل خيل بأعيانها ولا في نسل إبل بأعيانها (3) . أما السلم في اللحم والشحم وأجزاء الحيوان كالرؤوس والأكارع فيجوز بشرط أن يصف أنواعها ضأنا أو معزا أو بقرا وهكذا ومقاديرها (4) . وأجازوا السلم في لحم الحيوان بالوزن والتحري المعروف.

جاء في المدونة:

قلت: فإن سلفت في لحم الحيوان كيف يكون السلم في قول مالك بوزن أم بغير وزن، قال: قال مالك إذا اشترط وزنا معروفا فلا بأس وإن اشترط تحريا معروفا بغير وزن فإن ذلك جائز، قال ابن القاسم:(ألا ترى أن اللحم يباع بعضه ببعض بالتحري والخبز أيضا يباع بعضه ببعض بالتحري فذلك جائز أن يسلف فيه بغير وزن إذا كان ذلك قدرا قد عرفوه)(5) . ومن أن الحديث قد ورد بالنهي عن بيع اللبن في ضروع الأنعام (6) . إلا أن الإمام مالكا أجازه في السلم بشرط أن يكون في إبان لبنها ويشترط الأخذ في إبانه قبل انقطاعه. فإن سلف في ألبانها قبل إبانها واشترط الأخذ في إبانه فلا يجوز، وهذه الغنم بأعيانها ولبنها إذا سلف في لبنها بمنزلة ثمر حائط بعينه إذا سلف فيه (7) .

(1) المدونة الكبرى 3/122

(2)

سنن الدارقطني 3/71

(3)

المدونة الكبرى 3/120

(4)

المدونة الكبرى 3/125

(5)

المدونة الكبرى 3/125

(6)

سنن الدارقطني 3/14

(7)

المدونة الكبرى 3/120

ص: 306

9-

ويجوز السلم في المعادن كالحديد والنحاس والرصاص بوزن معروف إذا كان المعدن لا ينقطع عن أيدي الناس لكثرته في تلك المواضع فالسلف فيه جائز إذا وصفه وإلا فلا. (1) .

10-

ويجوز السلم في العروض كلها كالعطور واللؤلؤ والجوهر والزجاج والحجارة والزرنيخ والحطب والخشب والجلود؛ لأنها عادة ما تكون في أيدي الناس ولا تنقطع كالثمار والفواكه ولكن لا بد من وضعها بما يلزم ويندفع به النزاع. (2) . ولا يجوز السلم في تراب المعادن؛ لأن صفته غير معروفة ولا كمية ونوعية ما فيه من المعادن معروفة ولا بأس أن يشترى يدا بيد.

11-

ويجوز السلم في الحيتان بشرط ألا يكون نوعا معينا ينقطع في زمان معين، وكذلك يجوز السلم في الطير والدجاج والإوز والحمام.

الشروط التي يجب توفرها في رأس مال السلم:

1-

يجب أن يكون رأس مال السلم وهو الثمن معلوم الجنس وهو بيان جنسه نقودا أو مكيلا أو موزونا ونوعيته إذا كانت هنالك أنواع مختلفة من الجنس الواحد في البلد الواحد والسبب هو دفع الجهالة التي تفسد البيع (3) .

2-

وعند المالكية وأبي حنيفة وسفيان الثوري أن الثمن إذا كان دراهما فيجب أن يعلم وزنها وإلا لم يصح. وقال الصاحبان والشافعية والحنابلة في الأصح عندهم أن رؤية رأس المال تكفي عن معرفة قدره؛ لأنه عوض مشاهد كالثمن والمبيع المعين (4) . ودقق المالكية فاشترطوا أن يكون الكيل بالمكيال الذي جعله الوالي للناس في الأسواق وهو الجاري بينهم يوم أسلف ويوم اشترى، فأما الرجل يسلف ويشتري ويشترط مكيالا قد ترك وأقيم للناس غيره ولا يعرف قدره ولا معياره من هذا المكيال الجاري بين الناس فإن ذلك لا يجوز وهو مفسوخ (5) .وعليه فكما أوجبنا في المسلم فيه أن يكون معلوم الكيل والوزن والعدد وما إلى ذلك فيجب أن يكون الثمن كذلك بما يحدد قدره بما هو متعارف عليه بين الناس في كل بلد.

(1) المدونة الكبرى 3/120

(2)

المدونة الكبرى 3/127

(3)

حاشية رد المحتار 4/215

(4)

مغني المحتاج 2/104؛ المهذب 1/300؛ البهوتي: كشاف القناع 3/276

(5)

المدونة الكبرى 3/139

ص: 307

3-

ويرى الأئمة أن رأس مال السلم يجب أن يكون على النقد واشترط الحنفية والشافعية والحنابلة القبض في مجلس العقد وإلا بطل السلم وفسخ وحتى لو كان الثمن دينا في الذمة فلا بد من تسليمه أيضا في مجلس العقد ويعللون ذلك بأن القرض من عقد السلم أساسا هو الاستعانة برأس المال على الإنتاج والتحصيل فلا بد من تسليمه فورا، وثانيا لو لم يسلم رأس مال السلم لكان العقد كله دينا في دين وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ. (1) . وعند الإمام مالك لا بأس إن افترقا قبل أن يقبض رأس المال إذا قبضه بعد يوم أو يومين أو نحو ذلك. (2) . وعنده لا يصح العقد إذا لم يذكرا أجلا أو ضربا أجلا بعيدا أو كان بعضه حاضرا وبعضه دينا (3) .

4-

ويجوز أن يكون رأس مال السلم نقودا أو طعاما أو حيوانا وما إلى ذلك ولكن المالكية لا يجيزون عقد السلم إذا كان رأس المال والمسلم فيه من جنس واحد تماما ولذلك لم يجيزوا الثوب بالثوبين إلا إذا اختلفت الثياب كفسطاطية معجلة في مروية مؤجلة فهذا يجوز (4) . وقالوا: لا بأس الجمل بالجمل مثله وزيادة دراهم: الجمل بالجمل يدا بيد والدراهم إلى أجل، أما إذا كان أحد الجمال نسيئة فهو ربا وإن أقرت الجمل والدراهم فلا خير في ذلك وذلك أن هذا يكون ربا؛ لأن كل شيء أعطيته إلى أجل فرد إليك مثله وزيادة فهو ربا ونسبوا هذا الرأي لعطاء بن أبي رباح. (5) .

ولا يجيز المالكية تسليف الحنطة في الحنطة مثلها ولا الجيدة في الحنطة الرديئة ولا حنطة في شعير في حنطة إلى أجل. قال مالك: ذلك حرام لا يحل للحديث ((البر بالبر ربا إلا هاء وهاء)) (6) . وأجاز مالك ذلك على وجه المعرفة فالسلف جائز إلى أجله وليس له أن يأخذ منه قبل محل الأجل وهذا عند مالك رضي الله عنه قرض إلى أجل أما على وجه المنفعة والمبايعة فلا. (7) . وأجاز الحنطة في الحشيش الذي تأكله البهائم للاختلاف بينهما (8) . وهذا الذي ذهب إليه المالكية ووافقهم فيه الحنفية (9) .

(1) الحديث رواه الدارقطني 3/71 وصححه الحاكم والإجماع على عدم جواز بيع الدين بالدين

(2)

المدونة الكبرى 3/138

(3)

المدونة 3/138

(4)

المدونة الكبرى 3/129- 130

(5)

المدونة الكبرى 3/129- 130

(6)

المدونة الكبرى 3/131

(7)

المدونة 3/131

(8)

المدونة الكبرى 3/131

(9)

بدائع الصنائع 5/214. وحاشية رد المحتار 4/217

ص: 308

وأثبت الفقهاء خيار العيب وخيار الرؤية في رأس مال السلم إذا كان عينا مشخصة ولا يثبتون خيار الرؤية في المبيع وهو المسلم فيه لأن الأصل فيه أنه غائب ويثبتون خيار العيب وهو من الخيارات التي أثبتها الشارع ضمنا إلا إذا رضي المشتري بالعيب مقدما أو قبل أخذ العين كما هي أو على ما تكون عليه بنسبة اختلاف الطقس.

وبما أن خيار الشرط على خلاف الأصل والقياس وإنما أثبته الشارع استثناء لفائدة في البيوع الناجزة المعجلة فلا يقاس عليها غيرها ولذلك ذهبوا إلى أن يكون عقد السلم باتا ليس فيه خيار شرط لأحد العاقدين أو غيرهما.

الاستفادة من عقد السلم في وقتنا الحاضر:

أولا: اشتهر عالمنا اليوم بالصناعات والتطور الهائل في التكنولوجيا، فمعظم الشركات تصنع أشياء وتعرضها للبيع في الأسواق ولكن في كثير من الأحيان تطلب بعض الدول أو بعض المؤسسات الكبيرة أشياء معينة بمواصفات معينة لأغراض معينة وكثير من الشركات قد تطلب الثمن مقدما لتستعين به في إتمام ما طلب عمله فيدفع الثمن على أن يصنع الشيء كما وصف تماما وهذا هو السلف في الصناعات ويصح ويلزم إذا انطبقت عليه الشروط التي ذكرناها آنفا.

ومما ذكره المالكية على وجه الخصوص هنا هو أن لا يشترط أن يصنع المسلم فيه رجل بعينه فلا يصح لأنه قدم نقده وهو لا يضمن أيسلم الرجل إلى ذلك الأجل، أم لا، فهذا من الغرر لأن الرجل إذا مات قبل ما اتفق على صناعته يكون المسلم إليه قد انتفع بالثمن باطلا (1) .ولا أن يشترط عليه أن يصنع المسلم فيه من مادة قد أراه إياها لأنه لا يدري أتسلم تلك المادة إلى ذلك الأجل أم لا وهو من الغرر أيضا (2) .

وفائدة عقد السلم في الصناعات إذا خلا من الشروط الفاسدة تعظم جدا إذا علمنا أن الخلاف بين الفقهاء كبير في لزوم عقد الاستصناع أو عدم لزومه، وعقد السلف في الصناعات لازم بغير خلاف.

(1) المدونة الكبرى 3/127

(2)

المدونة الكبرى 3/127

ص: 309

ثانيا: تظل فائدة عقد السلم التي ارتأتها حكمة الشارع يوم أن أجازه استثناء باقية أبد الدهر وهي احتياج البائع للثمن ليستعين به على إخراج المسلم فيه أو ليسد به حاجات معيشته إلى وقت التسليم. وكذلك حاجة المسلم للمسلم فيه. والاحتياط لازم في عقود السلم حتى لا تدخلها شوائب الربا والغرر والمخاطرة التي حظرها الشارع.

1-

قد بينا فيما سبق والحمد لله تعريف بيع السلم وبيان مشروعيته وكونها أصيلة أو على خلاف القياس وكذلك الشروط المطلوبة في المسلم فيه ورأس مال السلم.

2-

وكذلك بينا المعاملات والسلع التي يجوز فيها السلم بشروطه، وهي:

أ - يجوز السلم في جميع المحصولات الزراعية كالتمر والحبوب المختلفة والحنطة والفاكهة والبقول والخضروات.

ب - يجوز السلم في الحيتان والطير والدجاج والبيض.

ج- أجاز المالكية وغيرهم السلف في لبن حيوانات بأعيانها ويجب أن يشترط الأخذ في إبانه وقبل انقطاعه.

د- يجوز السلم في لحوم الحيوانات وأجزاء الحيوان كالأكارع والرؤوس وغيرها بما ذكرناه من الشروط.

هـ- يجوز السلم في الحطب والخشب وما شابههما في المواد.

و يجوز السلم في المعادن كالحديد والنحاس والصفر والرصاص وغيرها ولا يجوز في الذهب والفضة لأمر الشارع أن تكون المعاملة فيهما يدا بيد.

ز- يجوز السلم في العطور بأنواعها.

ح- يجوز السلم في اللؤلؤ والجوهر والزجاج والحجارة والزرنيخ وما شابهها.

ط- يجوز السلم في الثياب والمواد التي تصنع منها كالكتان والقطن وما إلى ذلك.

ي- يجوز السلم في الصناعات بأنواعها بالشروط التي ذكرناها.

ص: 310

المواد التي لا يجوز السلم فيها:

أ - لا يجوز السلم في نسل الحيوانات وإن كانت موصوفة، وقال المالكية: وإنما يكون التسليف في الحيوان مضمونا لا في حيوان بأعيانها ولا في نسلها (1) .

ب - وعند المالكية وغيرهم لا يصح السلم في تراب المعادن ولا بأس أن يشتري يدا بيد وذلك لأن صفته غير معروفة (2) .

ج- ولا يصح عندهم السلم في تراب الصواغين لأنه رماد لا يدري ما فيه (3) .

د- ولا يجيزون سلم دراهم في فلوس وكذلك الدنانير إذا أسلمها في الفلوس وكذلك لو باع فلوسا بدراهم إلى أجل أو بدنانير إلى أجل لا يصح ذلك عند الإمام مالك رضي الله عنه ولا في الفلوس جميعها قال: لأن الفلوس عين ولأن هذا صرف. وسئل عن إسلام فلوس من نحاس في نحاس فقال: لا خير في ذلك ولا يدا بيد لأنه من المزابنة (4) .

3-

هل تعد السلعة الواحدة ذات العلامة التجارية (الماركات) المتعددة صنفا واحد أم أصنافا متعددة؟ وما هو أثر اختلاف العلامات التجارية (الماركات المسجلة) في تعدد أصناف السلع المسلم بها؟

بينا عند كلامنا في شروط المسلم فيه أن من أهم شروطه التي نص عليها الشارع أن يكون موصوفا وصفا كافيا يمنع النزاع. والوصف إنما يكون بالمتعارف عليه بين الناس في كل بلد أو بيئة تجارية معينة، وضرب الفقهاء أمثلة من أنواع التمر المختلفة وأنه لا بد من بيان نوع التمر المراد باسمه وإلا فسد السلم. وعليه أرى أنه إذا اشترط رب السلم ماركة تجارية معينة فلا بد من الوفاء بها خاصة إذا كانت الماركات التجارية ذات شهرة تجارية متفاوتة فالإعلانات التجارية المكلفة وتجارب الناس تجعل الإقبال على ماركة تجارية معينة أكبر بكثير من ماركة أخرى لنفس السلعة.

(1) المدونة الكبرى 3/120

(2)

المدونة الكبرى 3/127

(3)

المدونة الكبرى 3/127

(4)

المدونة الكبرى 3/128

ص: 311

ولكن يجوز أن يشترط في عقد السلم تسليم سلعة معينة موصوفة من أي ماركة تجارية يجدها المسلم إليه، ففي هذه الحالة لا حرج أن يدفع السلعة بأوصافها المذكورة من أي ماركة تجارية يجدها طالما أن رب السلم قد أعطاه الحق في ذلك وطالما أن السلعة نفسها قد وصفت وصفا يعين نوعها واسمها وفرقها من مثيلاتها.

اشتراط قبض بضاعة المسلم قبل بيعها والحكمة في ذلك، وهل يغني عن القبض التحقق من قدرة المسلم على توفير السلعة عند حلول الأجل، أو التأمين على السلعة المسلم فيها، أو وجودها في مخازن عمومية؟؟

يكاد الفقهاء يجمعون أن المسلم فيه يجب أن يكون دينا في الذمة لأن السلم أصلا نوع من المداينة. ولكن اختلفوا فيما إذا كان من شروط السلم أن يكون المسلم إليه مالكا للمسلم فيه. اشترط أبو حنيفة وجود المسلم فيه في الأسواق من حين العقد إلى حين الأجل مخافة أن يحين أجل تسليم المسلم فيه فلا يوجد فيكون ذلك غررا. وخالفه سائر الفقهاء، وقالوا: المرعي وجوده عند الأجل.

وقد أوردنا في نقاش شروط المسلم فيه أقوالا لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسلفون في الحنطة والشعير والزيت دون أن يسألوا المسلم إليهم ألهم حرث أم لا؟ أو يتحرون أن يكون المسلم إليه عنده أصل السلعة المسلم فيها. (1) . وقد ترك الشارع الكريم الأمر إلى رب السلم وثقته في المسلم إليه وتعامله معه ولم يشترط قدرة المسلم إليه على التسليم أو أن يكون مالكا لأصل العين أو لوسيلة إنتاجها.

وبما أن المسلم فيه دين في الذمة فلا أرى جواز بيعه قبل القبض وأرى في ذلك تجاوزا للاستثناء الخاص في عقد السلم وهو بيع المسلم إليه ما ليس عنده خلافا للنص ((لا تبع ما ليس عندك)) فلا يجوز أن يتعداه إلى بيع رب السلم السلعة المسلم فيها قبل قبضها وذلك يضاعف المخاطرة ويتجاوز مقدار المخاطرة الذي استثني للضرورة. وكذلك لا يحل هذا البيع من وجه آخر وهو نص الشارع الكريم في الحديث عن حكيم بن حزام بن خويلد أنه قال: يا رسول الله إني رجل أشتري هذه البيوع فما تحل لي منها، وما تحرم علي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((يا ابن أخي إذا اشتريت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه)) (2) .

وفي رواية أخرى: ((إذا بعت بيعا فلا تبعه حتى تستوفيه)) (3) وخاصة في الطعام فلا يجوز بيعه قبل أن يستوفى لما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(1) صحيح البخاري 3/44- 45

(2)

سنن الدارقطني 3/9

(3)

سنن الدارقطني 3/9

ص: 312

وعليه لا أرى إصدار سندات سلم قابلة للتداول وأرى فيه تجاوزا لحد الضرورة التي استثنى لها الشارع عقد السلم مع ما فيه من مخالفة للأصل.

عجز البائع عن تسلم البضاعة عند حلول الأجل في السلم ومشروعية الشرط الجزائي عن تأخير تسليم البضاعة:

ذكرنا في هذا المجال حديثا لأبي داود وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أسلم في شيء فلا يصرفه لغيره)) (1) . والحديث: ((من أسلف في شيء فلا يأخذ إلا ما أسلف أو رأس ماله)) مفهوم هذه الأحاديث إن صحت أنه إذا عجز المسلم إليه عن تسليم السلعة المتفق عليها فلا يأخذ المسلم إلا رأس ماله فقط. ولكن الإشكال أن المسلم إليه قد انتفع بالثمن طيلة المدة المتفق عليها فهل يسكت على ذلك؟؟

أجاز المالكية جواز استبدال السلعة المسلم فيها بغيرها إذا حان الأجل ولم يستطع المسلم إليه تسليم ما اتفق عليه. جاء في المدونة الكبرى: أن مالكا رضي الله عنه أجاز استبدال حنطة مسلم فيها بشعير وكذلك إذا أسلف في شعير فلما حل الأجل أخذ سمراء مكان الشعير. وكذلك يصح في قول مالك إذا أسلم الرجل في لحم فلما حل الأجل أراد أن يأخذ شحما أو أسلف في لحم المعز فلما حل الأجل أراد أن يأخذ لحم الضأن أو لحم إبل أو لحم بقر (2) .

وجاء في مكان آخر في المدونة عن الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد أنه قال: إذا أسلفت في ريطة فأعطاك قميصا أو قميصين أو قطيفة أو قطيفتين فلا بأس إن وجد تلك الريطة التي أسلمت فيها أو لم يجدها لأنك لو أسلفت الريطة بعينها فيما أخذت منه لم يكن بذلك بأس (3) . وكذلك ذكر عن الليث بن سعد عن ربيعة أنه قال في رجل أسلف صيادا دنانير على صنف من الطير كل يوم كذا وكذا طائر فجاءه فلم يجد عنده من ذلك الصنف شيئا أو وجد عنده عصافير فأعطاه عشرة عصافير بطائر واحد مما اشترط عليه، قال ربيعة: عشرة من الطير بواحد حلال وأنا أرى ذلك حلالا كله السلف للصياد وعشرة بواحدة. (4) .

وأنا أرى أن هذا الذي ذهب إليه المالكية مخرجا وجيها إذا حل الأجل ولم يستطع المسلم إليه تسليم السلعة ويمكن أن يشترطا ذلك ابتداء أو يتفقا عليه عند عدم القدرة على تسليم المسلم فيه.

ومن المعلوم جيدا أنه لا يمكن أن يكون شرط جزائي بتعويض مالي لأن ذلك يكون ربا لا شك فيه.

د. محمد عطا السيد سيد أحمد

(1) سنن أبي داود 3/276 (بيروت: دار الفكر)

(2)

المدونة الكبرى 3/136

(3)

المدونة الكبرى 3/126

(4)

المدونة الكبرى 3/126

ص: 313