المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الودائع المصرفية(تكييفها الفقهي وأحكامها)إعدادالشيخ محمد علي التسخيري - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد التاسع

- ‌بحث فيالذهب في بعض خصائصه وأحكامهإعداد الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌تجارة الذهبفي أهم صورها وأحكامهاإعدادد. صالح بن زابن المرزوقي

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعدادد. الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعدادد. محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌السلم وتطبيقاته المعاصرةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعداد الشيخ حسن الجواهري

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعداد نزيه كمال حماد

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. سامي حسن حمود

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. حسين كامل فهمي

- ‌الحسابات والودائع المصرفيةإعدادد. محمد علي القري

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. حمد عبيد الكبيسي

- ‌الودائع المصرفية(تكييفها الفقهي وأحكامها)إعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌أحكام الودائع المصرفيةتأليفالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌الحسابات الجاريةوأثرها في تنشيط الحركة الاقتصاديةإعدادد. مسعود بن مسعد الثبيتي

- ‌الاستثمار في الأسهموالوحدات والصناديق الاستثماريةإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌ موضوع الاستثمار في الأسهم

- ‌الاستثمار في الأسهمإعدادد. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثماريةإعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌مناقصات العقود الإداريةعقود التوريد ومقاولات الأشغال العامةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌المناقصات(عقد الاحتياط ودفع التهمة)إعدادالشيخ حسن الجواهري

- ‌انخفاض قيمة العملة الورقية بسبب التضخمالنقدي وأثره بالنسبة للديون السابقةوفي أي حد يعتبر الانخفاض ملحقاً بالكسادإعدادالدكتور مصطفى أحمد الزرقا

- ‌التضخم والكسادفي ميزان الفقه الإسلاميإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌حكم ربط الحقوق والالتزاماتبمستوى الأسعارإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌أثر التضخم والكسادفي الحقوق والالتزامات الآجلةوموقف الفقه الإسلامي منهإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌مفهوم كساد النقود الورقيةوأثره في تعيين الحقوق والالتزامات الآجلةحدود التضخمالتي يمكن أن تعتبر معه النقود الورقية نقودًا كاسدةإعدادالدكتور ناجي بن محمد شفيق عجم

- ‌كساد النقود الورقية وانقطاعها وغلاؤها ورخصهاوأثر ذلك في تعيين الحقوق والالتزاماتإعدادالدكتور محمد علي القري بن عيد

- ‌كساد النقود وانقطاعهابين الفقه والاقتصادإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ خليل محي الدين الميس

- ‌سد الذرائعإعدادأ. د وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ محمد الشيباني بن محمد بن أحمد

- ‌سد الذرائععند الأصوليين والفقهاءإعدادالأستاذ الدكتور خليفة بابكر الحسن

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ مجاهد الإسلام القاسمي

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور علي داود جفال

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌مقارنة بين الذرائع والحيلومدى الوفاق والخلاف بينهماإعدادحمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ الدكتور الطيب سلامة

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور أحمد محمد المقري

- ‌مبدأ التحكيمفي الفقه الإسلاميإعدادالمستشار محمد بدر يوسف المنياوي

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميمبدؤه وفلسفتهإعدادالدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري

- ‌التحكيمإعدادالأستاذ الدكتور عبد العزيز الخياط

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعداد الأستاذ محمود شمام

- ‌نقص المناعة المكتسبة(الإيدز)أحكامه وعلاقة المريض الأسرية والاجتماعيةإعدادالدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌الأسرة ومرض الإيدزإعدادالدكتور جاسم علي سالم

- ‌إجراءات الوقاية الزوجية في الفقه الإسلاميمن مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)إعدادالشيخ أحمد موسى الموسى

- ‌ملخصلأعمال الندوة الفقهية السابعة

- ‌الإيدز ومشاكله الاجتماعية والفقهيةوثيقة مقدمة منالدكتور محمد علي البار

الفصل: ‌الودائع المصرفية(تكييفها الفقهي وأحكامها)إعدادالشيخ محمد علي التسخيري

‌الودائع المصرفية

(تكييفها الفقهي وأحكامها)

إعداد

الشيخ محمد علي التسخيري

الأمين العام للمجمع العالمي لأهل البيت بإيران

بسم الله الرحمن الرحيم

مفهوم الوديعة المصرفية:

ويقصد بها الوديعة النقدية التي تودع لدى البنوك والتي تتعهد بدورها بإعادة مبلغ معادل لها عند الطلب أو وفق شروط معينة (1) وهذه الوديعة كما يقول الإمام الصدر: (تعتبر بمختلف أشكالها في مفهوم البنوك الربوية عن مبلغ من النقود –يودع لدى البنوك بوسيلة من وسائل الإيداع فينشئ وديعة تحت الطلب أو لأجل محدد اتفاقا ويترتب عليه من ناحية البنك الالتزام بدفع مبلغ معين من وحدات النقد القانونية للمودع أو لأمره لدى الطلب أو بعد أجل، على اختلاف الشكل الذي يتم الاتفاق عليه للوديعة بين البنك والعميل.)

ويطلق على الودائع المصرفية هذه عادة أنها ودائع ناقصة لأن البنك غير ملزم بدفعها عند الطلب بنفس المظهر المادي الذي أودعت به، والعملاء لا يستطيعون رفض ما يقدم إليهم من النقود ما دامت هذه النقود قانونية. (2)

ويقرب من هذا ما ذكره الأستاذ الزرقا في خصائصها. (3)

وواضح أن التعريف الذي طرحه الشهيد الصدر أدق وأشمل من سابقه.

وبهذا نعرف أن الوديعة المصرفية تتمتع بما يلي:

1-

أنها تقتصر على النقود المدفوعة للبنوك.

2-

أنها قد تكون تحت الطلب وقد تكون لأجل.

3-

أنها تمثل عملية لازمة بشروطها.

4-

أن للبنك دفع ما يعادلها من نقود قانونية دون الالتزام بالمظهر المادي الذي دفعت به.

5-

أن للبنك الحق في التصرف بها بما يشاء لأنها ملكه.

6-

أن الأرباح العائدة منها عند الاستثمار تعود للبنك.

7-

أن البنك يضمن ما يعادلها في كل الأحوال.

(1) الدكتور علي جمال الدين عوض: عمليات البنوك من الواجهة القانونية ص17

(2)

البنك اللاربوي ص 84.

(3)

قراءات في الاقتصاد الإسلامي ص 330.

ص: 572

أما أهميتها الاقتصادية لعمل المصارف:

فيمكن تلخيصها أيضا –بما يلي:

1-

أنها وسيلة هامة من وسائل الدفع لما يحيط بها من ضمانات تنتجها الثقة بالبنوك، وإن لم يعترف لها القانون بالصيغة النقدية ومع ذلك فقد اتسع التعامل بها عن طريق استعمال الشيكات.

ومن الواضح أن ازدياد وسائل الدفع في المجال الاقتصادي يبعث في الحياة الاقتصادية روح السرعة والسهولة في التبادل.

2-

أن الودائع المصرفية تمثل غالبا أموالا عاطلة عن التأثير إما لقلتها –أو لأنها لا تعرف سبيلها للدخول في الحياة الاقتصادية بشكل مؤثر في حين تدخل مدد إيداعها في حوض الاستثمار الكبير وهو القادر على تمويل المشاريع الضخمة.

3-

أن الودائع المصرفية تمنح البنك القدرة على خلق الائتمان بدرجة كبيرة أكبر من كمية تلك الودائع، والائتمان يخلق بدوره الوديعة المصرفية أيضا وبهذا تكثر وسائل الدفع التي تعوض عن النقود فتتسع الحركة التجارية، وهكذا نعرف أن الودائع المصرفية تعني بيت القصيد في الدخل المصرفي والمحور الأساسي في نشاطاتها الاقتصادية والتجارية وغيرها. (1)

الوديعة في الفقه الإسلامي:

والحديث هنا مفصل نقتصر منه على موضع الحاجة وبكل إجمال.

ويتم التركيز في البحث الفقهي للوديعة عادة تارة على العقد، وأخرى على موجبات الضمان، وثالثة في توابع المسألة.

أما بالنسبة للعقد فيقال: إنه لفظ- أو ما يقوم مقامه- يقتضي استنابة في الحفظ ولا خلاف في اعتبار إنشائية الربط بين القبول والإيجاب فليست من قبيل الإباحة التي لا يلحظ فيها الربط بين القصدين، وإذا استودع وقبل ذلك وجب عليه الحفظ ولو كان المودع مضطرًا وجب على كل قادر عليها واثق بالحفظ قبولها- كفاية- وإلا فهي من العقود المستحبة في نفسها لما تشتمل عليه من التعاون، ولا يلزمه الدرك لو تلفت العين من غير تعد أو أخذت منه قهراً، لأنه أمين، وعموم (على اليد ما أخذت حتى تؤدى) مخصص بقاعدة عدم ضمان الأمين من غير تعد ولا تفريط وهي عقد جائز من طرفيه –بلا خلاف- كما أنه يبطل بموت كل واحد منهما أو جنونه وحينئذٍ تكون العين في يد الودعي أمانة يجب ردها إلى مالكها أو ولي أمره.

(1) الودائع النقدية للدكتور الأمين –الترجمة الفارسية ص169.

ص: 573

وتحفظ الوديعة بما جرت العادة بحفظها بما في ذلك الإطعام للحيوان والسقي للنبات.

وقد احتاط الفقهاء للوديعة فمنعوا حتى من بعض الأعمال التي يقوم بها الناس بالنسبة لحاجياتهم كحمل الوديعة معه أثناء خروجه من الدار وأمثال ذلك، ولو عين المالك موضعًا وجب الاقتصار عليه بل احتاط البعض بعدم تجويز نقلها حتى إلى الموضع الأكثر حفظاً.

ولا تصح وديعة الطفل ولا المجنون لاعتبار الكمال في طرفي العقد إلا مع إذن الولي.

وإذا ظهر للمودع أمارة الموت وجب الإشهاد بها.

ويجب إعادة الوديعة إلى المودع مع المطالبة في أول أوقات الإمكان.

وبالنسبة لموجبات الضمان ذكروا منها التفريط والتعدي بل ربما عبر عنهما بالتقصير وذلك لصدق الخيانة المقابلة للأمانة والائتمان المجعول في النصوص سببًا أو عنوانًا لعدم الضمان وقد ذكر الفقهاء الكثير من المصاديق لهذا المفهوم.

وفي لواحق المسألة تعرض الفقهاء إلى مسائل منها مسألة جواز السفر بالوديعة إذا خاف تلفها مع الإقامة، ومسألة عدم براءة الذمة إلا بردها إلى المودع أو وكيله وغير ذلك مما لا نرى مجالًا للتعرض له؛ لأنه لا تأثير له في فهم حقيقة الوديعة إلا أنه يجب التعرض لمسألة واحدة وهي ما لو كان البناء منذ الأول على التصرف في الوديعة، وما هو حكم هذه المسألة إذا كان التصرف مهلكًا للعين المودعة؟

أما بالنسبة للتصرفات غير المتلفة للذات فإنه لو كان ذلك برضا المالك فقد اختلفوا في أنه عارية أو أنها إباحة التصرف لا بعوض.

وإن نوى التصرف في الوديعة منذ البدء دونما اتفاق مسبق فقد ذكر الفقيه الكبير النجفي في جواهر الكلام أن صاحب المسالك قال هنا:

(أن لو نوى التصرف في الوديعة عند أخذها بحيث أخذها على هذا القصد كانت مضمونة عليه مطلقاً؛ لأنه لا يقبضها على وجه الأمانة بل على سبيل الخيانة، وفي تأثير استدامة النية في استدامة الأخذ كما تؤثر في ابتدائه وجهان: من ثبوت اليد في الموضعين مقرونًا بالنية الموجب للضمان، ومن أنه لم يحدث فعلًا مع قصد الخيانة والشك في مجرد القصد في الضمان) .

وعلق عليه بوضوح الفرق بين العزم على الانتفاع مع بقاء القبض عن المالك وبينه مع نية كون القبض له ضرورة تحقق الغصب في الثاني دون الأول (1) .

أما بالنسبة للتصرف المهلك كما في النقود فإنه لو كان متفقًا عليه في العقد تحول العقد إلى عقد قرض؛ لأنه يعني التملك بالضمان وهو حقيقة القرض.

(1) جواهر الكلام في شرح شرائح الإسلام ج 27 طبع بيروت ص 141

ص: 574

الودائع المصرفية وأقسامها:

ونعود إلى الودائع المصرفية لنعرف تكييفها الفقهي على ضوء ما سبق:

وهنا لا بد من معرفة أقسام ما يسمى بالوديعة المصرفية لما لذلك من دخل في معرفة هذا التكييف.

وتنقسم هذه الودائع المصرفية عادة إلى أقسام:

الأول: الوديعة الجارية أو المتحركة

وهي المبالغ النقدية التي تودع لدى المصارف بقصد أن تكون مهيئة للسحب عليها عند الحاجة وهي تمتلك الصفتين التاليتين:

• كونها تحت الطلب دائماً.

• لا تدفع المصاريف عليها فائدة -حسب العادة-.

الثاني: الودائع الاستثمارية (الودائع لأمر)

وهي المبالغ التي يتم إيداعها في المصارف بقصد الحصول على دخل مستمر منها أو ربما يستهدفون الاستثمار الموقت ريثما يتسنى لهم تشغيلها مباشرة.

فهي إذن:

1-

ودائع نقدية مشترط فيها الإبقاء إلى مدة معينة كحد أدنى.

2-

يتم تقاضي مبلغ معين عليها كدخل استثماري.

الثالث: ودائع التوفير:

وهي ودائع فيها وجه شبه بالودائع الجارية من حيث إمكان السحب عليها في كل آن وآخر بالودائع الثابتة من حيث ما تقرضه المصارف من فوائد للموفرين وتمتاز هذه الودائع:

أولاً: بأنها مهيأة للسحب عليها عند الطلب.

ثانياً: بوجود بعض القيود التي تمنع من السحب بأية طريقة كانت: كأن يلزم المودع بتقديم دفتره الخاص في كل مرة يشاء السحب فيها مما يضمن بقاء المبالغ التي يتوقع سحبها من مجموع ودائع التوفير والتي لا تزيد عادة على 10 % (كما يقول الشهيد الصدر)(1) وذلك لصعوبة السحب المشار إليه ويعتبر عشر كل وديعة توفير وديعة جارية ولا يدفع عنها أية فائدة أو ربح بل يحتفظ بها كقرض فهي تمتاز إذن:

ثالثا: بدفع للمودعين من قبل المصارف. فلنلاحظ التكييف الشرعي لهذه الودائع إن كان ممكنا.

(1) البنك اللاربوي ص65.

ص: 575

أولا: تكييف ودائع الحساب الجاري

اعتبر بعض الاقتصاديين الإسلاميين أن ودائع الحساب الجاري هي ودائع كاملة بالمعنى الشرعي.

يقول الدكتور الأمين:

(وإذا كانت الوديعة النقدية تحت الطلب هي مبلغ يوضع لدى البنك ويسحب منه في الوقت الذي يختاره المودع فإن ذلك كل ما يطلب في الوديعة الحقيقية ولا توجد أية شائبة فإذا كان البنك قد اعتاد أن يتصرف فيها – بحسب مجرى العادة - فإن هذا التصرف المنفرد من جانب البنك لا يمكن أن يحسب على المودع وينسحب على إرادته فيفسرها على هذا الاتجاه من الإيداع إلى الإقراض فإرادة المودع لم تتجه أبدا في هذا النوع من الإيداع نحو القرض. كما أن البنك لم يتسلم هذه الوديعة على أنها قرض بدليل أنه يتقاضى أجرة (عمولة) على حفظ الوديعة عند الطلب بعكس الوديعة لأجل، وبدليل الحذر الشديد من استعمالها والتصرف فيها من جانبه ثم المبادرة الفورية بردها عند الطلب مما يدل على أن البنك حينما يتصرف فيها إنما يفعل ذلك من موقف انتهازي لا يستند إلى مركز قانوني كمركز المقترض) .

ويؤكد إضافة على ذلك بأننا حتى لو لاحظنا مسألة الإجازة الضمنية والعرفية للمودع بتصرف بأموال الحساب الجاري فإن هذا لا يغير من إرادته في الوديعة ويؤيد اختياره هذا بما أثر عن المالكية من تجويز التصرف بالمثليات للقادر على ردها وإن اعتبروا ذلك مكروها بل إن (أشهب) لم يقل حتى بهذه الكراهة. (1)

والملاحظ أنه يعتبر أموال الحساب الجاري ودائع بمفهومها الشرعي تماما مستدلا..

أولا: بقصد المودع فالمودعون لم يقصدوا القرض.

ثانيا: يأخذ البنك العمولة على حفظها كما في البنوك السودانية.

ثالثا: حذر البنك من استعمالها فموقفه انتهازي كما يعبر.

(1) الودائع النقدية للدكتور حسن عبد الله الأمين –الترجمة الفارسية ص 207-208.

ص: 576

إلا أن الظاهر أن المورد مورد قرض ذلك أن من خصائص الوديعة أن تبقى كما هي بعينها ولا يمكن التصرف فيها خصوصا بما يفوت ذاتها –بإجماع المذاهب الإسلامية- إلا ما ينقله عن المالكية حيث اعتبروا ذلك مكروها، وخاصا إذا كانت الوديعة من الدنانير والدراهم أي من النقود. هذا في حين نجد البناء منذ البدء على أن يقوم البنك بالتصرف المطلق في أموال الحساب الجاري تماما دونما حرج أو استثناء، وإنما هو أمر طبيعي جدا ولا يتخذ البنك فيه حالة انتهازية –كما يعبر- أما احتياطه في التصرف في أموال الحساب الجاري فهو تابع لطبيعتها الجارية ولزوم توفير سيولة نقدية في كل آن للاستجابة لاحتمالات السحب في كل آن وإلا تعرضت سمعة البنك للخطر لا بل أمكنت المطالبة القانونية له فحتى على مذهب المالكية لا يمكن تكييف وديعة الحساب الجاري على أساس أنها وديعة وإنما تجب الصيرورة إلى أنها قرض كامل لأن التصرف ليس استثنائيا.

أما مسألة النية (نية الإيداع) فهي في الحقيقة ناشئة من عاملين:

الأول: كونها كذلك في البنوك الربوية.

الثاني: أنها تقرب من الوديعة باعتبار إمكان استيفائها كاملة في كل آن، وبما يصاحب ذلك من الحفظ والصيانة فهي تؤدي إلى نفس النتيجة التي يؤدي إليها الاستيداع تماما إلا أن هذه النية لا تنسجم مطلقا –عندما يراد تكييف العقد شرعا- مع علم الطرفين بأن هذه العين المالية بمجرد تسليمها سوف تقع تحت التصرف الكامل للبنك، وهذا إنما ينسجم مع القرض لا الإيداع، حتى لو وضع عليه عنوان الإيداع ذلك نظير الإيداعات الثابتة التي لا سبيل فيها في البنوك الربوية إلا إلى القرض حتى ولو تمت تحت عنوان الإيداع.

فالعبرة في العقود للمقصود والمعاني لا للألفاظ والمباني.

ولو قبلنا أنها ودائع كان علينا أن نقول: إن التصرف الذي يقوم به المصرف إما أن يكون ناقلا بذمته وإما أن يبقى مجرد تصرف في مال المودع، فإذا كان ناقلا بذمته فمعنى ذلك الاستقراض، وهذا ينسحب على مجمل الوديعة من الأول؛ لأن البنك يقصد من الأول ذلك وفق العقد الأول باعتباره يتصرف من أموال الحسابات الجارية كمالك كامل – بل إن المصارف إنما تقدم على فتح الحسابات الجارية وتقديم خدماتها- وهي لا تتقاضى على ذلك أجرا عادة، ويعتبر ما تتقاضاه بعض البنوك علامة على ضعفها بلا ريب –إنما تقدم لتستفيد من السيولة النقدية التي توفرها الحسابات الجارية.

ص: 577

وحتى لو كانت هذه البنوك لا ربوية فهي تقوم بالمساهمة في عمليات المضاربات الكبرى أو أي من العقود المشروعة مما تأخذه من رأس مالها أولا وما تدخله في المضاربات وغيرها ما استقرضته عبر الحسابات الجارية، وهي بالتالي تنال حصتها المشروعة من الأرباح على ما دفعته إلى ساحة المضاربة من أسهم.

أما إذا لم يقصد المصرف نقلها إلى ذمته فهذا يعني أن هذه الأموال يجب أن ترجع هي وأرباحها (المشروعة طبعا) إلى المودع؛ لأنه مالك الأصل -حسب قاعدة الثبات في الملكية- يقول الكيذري- وهو من فقهاء الإمامية القدامى- (إذا اتجر بمال الوديعة فالربح لصاحبها والخسران على المودع) . (1)

يقول الإمام الخميني بهذا الصدد في المسألة السادسة من (أعمال البنوك) –لو كان ما يدفعه إلى البنك بعنوان الوديعة والأمانة فإن لم يأذن بالتصرف فيها لا يجوز للبنك ذلك، ولو تصرف كان ضامنا، ولو أذن جاز، وكذا لو رضي به وما يدفعه البنك إليه حلال على الصورتين إلا أن يرجع الإذن في التصرف الناقل إلى التملك بالضمان، فإن الزيادة المأخوذة مع قرار النفع حرام وإن كان القرض صحيحا، والظاهر أن الودائع في البنك من هذا القبيل، فما يسمى وديعة وأمانة قرض واقعا ومع قرار النفع تحرم الفائدة. (2)

والظاهر أنه ينظر لكلا النوعين من أجناس الوديعة أي الوديعة العينية والوديعة النقدية، ويجيز أن يتصرف البنك بالوديعة العينية بإذن المالك لقاء عوض – أما إذا رجع التصرف في الوديعة إلى التملك – كما في النقود- فقد عاد استقراضا ولا تجوز أخذ الفائدة فيه وبالتالي يفتى بأن الودائع المصرفية بكلا نوعيها الجارية والثابتة هي قرض واقعا.

(1) الينابيع الفقهية 17/132 طبعة بيروت.

(2)

تحرير الوسيلة 2/616.

ص: 578

ويعلق مؤلف مستند تحرير الوسيلة (والظاهر أنه تقرير لدرس الإمام نفسه) على هذه العبارة بقوله:

(وذلك لأن وضع النقود في البنك على ما هو المتداول في الخارج، مقارن مع الرضا بالتصرف فيه بأنحاء التصرفات حتى التصرفات الناقلة، وهذه التصرفات الناقلة التي تصدر عن البنك لا تكون بعنوان المبادلة على أموال صاحب هذه النقود، ولو كان كذلك كان لازمه أن ربح التجارات يعود إلى صاحب هذه النقود؛ لأن العوض يدخل في ملك من خرج منه المعوض مع أن صاحب البنك يأخذ الأرباح لنفسه فلا يكون ذلك صحيحا شرعا إلا مع التمليك بالضمان، لكن إذا تصرف البنك فيه بالتصرفات الناقلة يخرج عن كونه أمانة ووديعة، ويصير قرضا واقعا، فتسمية ذلك بالوديعة إما لأنه يكون في بداية الأمر كذلك، وإما لأن التسليم إلى البنك ليس لمصلحة المستقرض وهو البنك فقط بل يكون لمصلحة المقرض المودع –أيضا- لأن البنك يحافظ بهذا الإيداع على المال من السرقة والتلف، ولأجل هذه الجهة يسمى إيداعا وأن يكون قرضا غالبا أو دائما واقعا)(1)

أما السيد الشهيد الصدر رحمه الله فيقول:

(فليست المبالغ التي توضع في البنوك الربوية ودائع لا تامة –كما يقال في الحساب الجاري – ولا ناقصة - كما يقال في الودائع الثابتة- وإنما هي قروض مستحقة الوفاء دائما أو لأجل محدد؛ لأن ملكية العميل تزول نهائيا عن المبلغ الذي وضعه لدى البنك، ويصبح للبنك السلطة على التصرف فيه

وهذا ما لا يتفق مع طبيعة الوديعة، وإنما أطلق اسم الودائع على تلك المبالغ التي تتقاضاها البنوك؛ لأنها تاريخيا بدأت بشكل ودائع وتطورت خلال تجارب البنوك واتساع أعمالها إلى قروض فظلت تحتفظ من الناحية اللفظية باسم الودائع، وإن فقدت المضمون الفقهي لهذا المصطلح. وموقف البنك اللاربوي من الودائع التي تتقاضاها البنوك الربوية يقوم على أساس التمييز بين الودائع المتحركة، والودائع الثابتة –كما سبق- فالودائع المتحركة يقبلها بوصفها قروضا دون أن يدفع فيها فائدة والودائع الثابتة يقبلها كودائع بالمعنى الفقهي للكلمة، ولكنها ليست مجرد ودائع مسلمة إلى البنك لاستنابته في حفظها فحسب. بل هناك إلى جانب الإيداع توكيل من المودع للبنك في التصرف بالمال بإجراء عقد المضاربة عليه) .

(1) مستند تحرير الوسيلة ص 116قسم المسائل المستحدثة.

ص: 579

وهكذا يختلف لدى البنك اللاربوي المحتوى الفقهي لقبوله الودائع من عملائه باختلاف حركتها وثباتها.

أما بالنسبة لاستيفاء هذا القرض أو السحب عليه وتكييفه فيرى أن الحساب الجاري لدى البنوك القائمة تعبر عن ديون متقابلة فالودائع تمثل رصيد العميل الدائن ويمثل ما يسحبه العميل الرصيد المدين، ويعتبر الحساب الجاري – من وجهة النظر الغربية معبرا عن عقد قائم بذاته تفقد الحقوق النقدية معه خصائصها الفردية وتستحيل إلى عناصر حسابية ينتج عنها في النهاية رصيد دائن مستحق الأداء. وذلك لأن الفقه الغربي ما زال يرى أن المقاصة بين الحسابين الدائن والمدين تحتاج إلى قرار متفق عليه في حين أن الفقه الإسلامي يرى قهرية المقاصة (على رأي الإمامية والحنفية) بل لا يمكن التنازل عنها؛ لأنها ليست حقا قابلا للإسقاط، ويمكن أن تفسر عملية السحب بأنها استيفاء للدين وهو الذي يرجحه فإن تم على المكشوف فذلك يعني إنشاء دين جديد للبنك على العميل. (1)

ويبدو أن هذا الاتجاه –أي اتجاه جعل الوديعة في مثل هذه الظروف قرضا- هو الاتجاه السائد لدى الفقهاء في شتى المذاهب.

فقد جاء في كتاب كشاف القناع المؤلف على المذهب الحنبلي أن الوديعة مع الإذن بالاستعمال عارية مضمونة. (2)

كما جاء في المغني لابن قدامة أنه لو استعار الرجل الدراهم والدنانير لينفقها فهذا قرض. (3)

(1) البنك اللاربوي في الإسلام ص84إلي88.

(2)

البهوتي 4/141 المطبوع في مصر 1947.

(3)

المغني ط 3 القاهرة 5/207-208

ص: 580

ومن الفقه الحنفي نجد السمرقندي يقول: (كل ما لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاكه فهو قرض حقيقة، ولكن يسمى عارية مجازا)(1)

وكذلك نجد شمس الأئمة السرخسي يقول: (إن عارية الدراهم والدنانير والفلوس قرض؛ لأن الإعارة إذن في الانتفاع، ولا يتأتى الانتفاع بالنقود إلا باستهلاكها عينا فيصير مأذونا في ذلك)(2)

هذا

والذي يبدو أن الفقه الوضعي نفسه مر بتطور في مسألة الودائع هذه.

فقد نقل عن الأستاذ (ربير) الفقيه الفرنسي أنه رغم تغليبه فكرة تفسير الوديعة بأنها أمانة محفوظة لكنه يرى أن هذا مجرد تصور نظري لأنه يتعارض مع إمكان تصرف البنك بالنقود ولذلك اتجه إلى فكرة القول بأن الوديعة المصرفية هي وديعة ناقصة أو شاذة، بينما اقترح البعض إعطاء عقد الوديعة صفة جديدة، وهو ما يؤيده الأستاذ على البارودي في كتاب (القانون التجاري اللبناني) ص288 حيث يرى أن المودع إنما يقدم على الإيداع لحفظ أمواله، ولكنه لا يحرم البنك من استعمال تلك الأموال.

وهنا نجد الأستاذ سامي حمود يرد عليه بأن اللجوء إلى هذا الحل إنما يكون بعد عدم إمكان تفسيره بحل آخر وهو الإقراض وهذا التفسير –كما يقول الأستاذ علي جمال الدين- يستهوي غالبية الفقه الفرنسي مراعاة منه للوضع الغالب من العمل وهو ما أخذ به القانون المصري حيث نصت المادة 726 منه على ما يلي:

(إذا كانت الوديعة مبلغا من النقود أو أي شيء آخر مما يهلك بالاستعمال وكان المودع عنده مأذونا في استعماله اعتبر العقد قرضا)(3)

(1) تحفة الفقهاء الطبعة الأولى –دمشق 3/284

(2)

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع طبعة القاهرة 8/3899.

(3)

راجع تطور الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية للدكتور سامي حسن أحمد حمود ص 264.

ص: 581

ضمان الحسابات الجارية:

تلخص مما ذكرنا أن البنوك الربوية في الحقيقة تستلم الودائع الجارية والثابتة كقروض حقيقة وتدفع عليها فوائد ربوية.

أما بالنسبة للبنوك اللاربوية فهي تتسلم الودائع الجارية كقروض أو الودائع الثابتة (لأمد) فهي لا تتسلمها كقروض وإنما يمكن أن تتسلمها كودائع مع توكيل للبنك بإمكان إدخالها في عقود مشروعة كالمضاربة والمشاركة وغيرها فيكون البنك هنا أمينا وسيطا له أحكامه الخاصة به.

وعليه: فمن الطبيعي أن يضمن البنك وهو يعبر عن الأسهم المشتركة فيه أموال الحسابات الجارية؛ لأنها قروض عليه ولا معنى لتصور ضمان الحسابات الجارية من قبل المودعين لا المودعين لهذه الحسابات ولا المودعين للودائع الثابتة فلا دخل لهم في الموضوع.

وهل يمكن استخدام الأموال المودعة في حساب جارى كرهن أو كضمان؟

بعد أن رأينا أنها قروض لم يعد هناك مجال لهذا التساؤل بالنسبة للرهن وحتى لو تصورناها ودائع كما في الودائع لأجل، فالظاهر أيضا أنه لا مجال لذلك؛ لأن الرهن يشترط فيه أن يكون عينا كما يشترط فيه القبض من قبل المرتهن هذا وقد ذكر المرحوم الشهيد الثاني أنه على القول بعدم اشتراط القبض لا مانع من صحة رهنه، وإن العامة في التذكرة بنى الحكم على القول باشتراط القبض وعدمه فقال: لا يصح رهن الدين إن شرطنا في الرهن القبض؛ لأنه لا يمكن قبضه (1)

(1) اللمعة الدمشقية 4/66.

ص: 582

هذا وهناك مجال لتصور الرهن هنا إذا لم نشترط العينية والقبض، أما إذا كان المرتهن هو البنك نفسه فيمكن القول بأن القبض حاصل والإشكال في هذه الحالة أقل من حالة كون المرتهن شخصا ثالثا.

أما استخدامها كضمان: فهو أيضا غير واضح المقصود فإن أريد من ذلك أن يقوم البنك –باعتبار ما لديه من ودائع نقدية- بضمان المودع بدين في ذمته أو عمل أو ما إلى ذلك فلا مانع في ذلك كيفما فسرنا الضمان أهو نقل الحق من ذمة إلى أخرى كما يقول الإمامية أو ضم ذمة إلى أخرى كما يقول غيرهم وعلى أي حال فإن الضمان إذا كان بإذن المضمون عنه فللبنك الرجوع عليه بكل ما يتكبده معتمدا على ما لديه من ودائع جارية أو ثابتة وإلا لم يكن له التصرف في أي من هذه الودائع.

فالحكم في الودائع الجارية والودائع الثابتة واحد ظاهرا.

وهل يمكن حجز أموال العميل في حساب جار لتصفية حقوق عليه ناشئة للبنك من عمليات أخرى؟ وبتعبير آخر هل يمكن للبنك أن يجمد الحسابات ويجري المقاصة؟

قلنا بهذا الصدد عند عرض تكييف الحساب الجاري أنه سواء كان بمعنى الحسابين الجاريين المدين والدائن أو بمعنى استيفاء حساب جار واحد أنه دين على البنك المودع، فإذا استحق للبنك على المودع مبلغ من المال تحققت المقاصة على الرأي الراجح لدى الإمامية والحنفية بشكل طبيعي وقهري ودون حاجة إلى أي عقد أو اتفاق مسبق على ذلك بين البنك والعميل أو الرجوع إلى القضاء.

فالحساب إذن يتجمد بمقدار الحق الناشئ وتتم المقاصة بشكل طبيعي إن تمت المشابهة بين الحقين.

ص: 583

التكييف الشرعي للوديعة المصرفية الاستثمارية وهل يمكن تصورها كحصة في المشاركة؟

والوديعة الصافية الثابتة إذا أريد تفسيرها كقرض كان ذلك يعني أنها قرض ربوي محرم ولا سبيل لنا إلى تصحيحها ولذلك فهناك سبيل آخر يتلخص في الاحتفاظ بها كوديعة بالمعنى الفقهي وأوكل إلى البنك أن يتصرف بها ويستثمرها لصاحبها، وحينئذ يقوم البنك في إدخالها في حوض الاستثمار الكبير والذي يعمل من خلاله على الدخول في العقود الإسلامية نيابة عن المودعين، فيعود كل مبلغ مودع شريكا في كل نشاطات الحوض الكبير بمقداره وبمستوى المدة التي يبقى فيها لدى البنك.

وهكذا يشترك أطراف ثلاثة في العملية الاستثمارية المودعون والمستثمرون، البنك بوصفه وسيطا بين الطرفين ووكيلا عن أصحاب الأموال.

ومن الطبيعي أنه يدخل أيضا كصاحب رأس مال بالنسبة لحصة من رأس ماله وما لديه من سيولة نقدية توفرها الحسابات الجارية؛ لأنها ملكه بعد أن تصورناها كعمليات قرض.

وقد اشترط المرحوم الشهيد الصدر للبنك في توكيله عن المودعين:

1-

أن يلتزم المودع بملزم شرعي بإبقاء وديعته مدة لا تقل عن أشهر تحت تصرف البنك وهو ممكن في عقد الوكالة وإن لم يمكن الإلزام في عقد الوديعة باعتباره عقدا جائزا.

2-

أن يقر المودع ويوافق على الصيغة التي يقترحها البنك للعمليات الاستثمارية.

3-

أن يفتح المودع وديعة ثابتة حسابا جاريا لدى البنك واعتبر هذا شرطا قابلا للحذف.

كل ذلك لكي يضمن البنك النتائج المرجوة له.

كما تحدث رحمه الله عن قدرة البنك على ضمان الدوافع التي تدفع المودعين للأقدام على الوديعة الاستثمارية وهي:

أ - كون الوديعة مضمونة

ب - الدخل

ج-القدرة على الاسترجاع في نهاية الأجل

فقرر إمكان توفير الضمان لرأس المال من قبل البنك نفسه لا العاملين المستثمرين فقد لا يمكن تضمينهم كما في عملية المضاربة وحول هذا الموضوع قدم بحثا فقهيا ملحقا للكتاب وقال في نهايته:

ص: 584

(وبناء على أن قرض الضمان على عامل المضاربة لا ينسجم مع مشاركته في الربح من قبل المالك قلنا في الأطروحة: إن الضمان يتحمله شخص ثالث غير العامل والمالك وهو البنك وتحمله له إما بإنشائه بعقد خاص أو باشتراطه بنحو شرط النتيجة في عقد آخر، والبنك بنفسه وإن كان أمينا بالمعنى الأعم على الودائع التي يأخذها من أصحابها ويتوكل عنهم في المضاربة عليها مع التجار، ولكنا قد بينا أن فرض الضمان بالمعنى الذي حققناه على الأمين صحيح على مقتضى القاعدة. (1) واشتراطه بنحو شرط النتيجة نافذ

كما يمكن تصوير الاشتراط على البنك بنحو شرط الفعل في ضمن عقد وذلك بأن يشترط عليه المودع في ضمن عقد أن يدفع إليه مقدارا من المال مساويا للخسارة التي تقع في وديعته عند المضاربة عليها) .

أما الدخل فقد اقترح أسلوبا شرعيا بدلا عن الدخل المضمون (الفائدة) يتمثل في وضع نسبة مئوية معينة من الربح ورفعها –على الحساب- بوصفهم أصحاب المال، ولما كان دخل المودعين يرتبط بنتائج المشاريع وخلافا للفائدة الربوية فقد أكد أن هذه الودائع إذ تمتزج في حوض الودائع الكبير يدخل أصحابها كمضاربين مثلا في جميع المضاربات التي يعقدها البنك على مجاميع مختلفة، فتكون احتمالات عدم الربح ضئيلة جدا ومن الطبيعي أن النسبة المئوية المقررة من الأرباح يجب أن تكون بحيث تعوض عن هذا الاحتمال وتبقي على إغراء جذب أموال المودعين في قبال إغراءات البنوك الربوية، وكذلك اقترح بعض الأمور التي تبقي على قدرة البنك على الاستجابة لطلبات السحب عند حلول الآجال. (2)

هذا ويجب التنبيه إلى أن ودائع التوفير يمكن أن تدخل من جهة في الودائع الثابتة باعتبار احتمالات ثباتها لوجود صعوبة ما في سحبها بعكس السهولة الموجودة في الحسابات الجارية مما يوفر لها بعض المبالغ باعتبار دخولها كمساهمة في عمليات الاستثمار كما يمكن اعتبارها قروضا كالحسابات الجارية وحينئذ فلا يمكن أن تجر إلى دخل.

وقد عمدت الأطروحة الإيرانية إلى الإعلان عنها باعتبارها قرضا حسنا لا يجر إلى فائدة ولكنها في قبال ذلك فسحت المجال للبنوك عن الإعلان عن جوائز تمنحها لأصحاب حسابات التوفير، وترتفع أحيانا فرص الجوائز بارتفاع المبالغ والمدد المتبقية مما يشجع على مثل هذا الادخار.

ولا بأس في هذا الأسلوب بعد إن لم يتضمن وعدا إلزاميا للمودعين فيها بأية فائدة.

(1) البنك اللاربوي في الإسلام ص204.

(2)

نفس المصدر من ص32-40.

ص: 585

هل يمكن للعميل أن يسحب جزءا من أمواله من حساب استثماري قبل نهاية المدة؟

والحقيقة هي أنها كلما أمكن إبقاء الودائع مددا أكبر أمكن تفعيل المشاريع الاستثمارية بشكل أكثر أثرا إلا على البنك أن يؤمن للمودعين فرص السحب خلال مدد معينة فليس كل المودعين ممن يفضلون الاستثمار باستمرار على استحصال مبالغهم خلال مدد أقرب ومن هنا

فإن للبنك أن يحدد مدة أدنى لإبقاء الودائع بحيث طلب المودع المبلغ أو جزءا منه فقد أهليته للحصول على جزء من الأرباح باعتبار أن هذه المدة الأدنى هي المدة المعدل التي يرى خبراء البنك أنها المدة التي توفر دخول الوديعة إلى مجال الاستثمار فكأن الوديعة مازالت غير مشغلة خلال هذه المدة وحينئذ فحتى لو فرضنا واقعا أن هذه الوديعة قد ساهمت إلى حد ما في عملية الاستثمار إلا أن ما يوجبه سحبها من خلل يتطلب اشتراط تنازل مالكها عن مثل هذه الآثار –لو كانت- لقاء إقدامه على السحب المبكر.

وتعيين هذه المدة يضمن الحد الأدنى المطلوب أما بعد ذلك فيمكن أن يتحمل البنك اللاربوي حصول أنماط من السحب باعتبار أن هذه المدد بطبيعة الحال لن تحل في آن واحد، وأن الكثير من المودعين سوف يلتزمون بالإبقاء مددا أكبر انتظارا لأرباح أكبر كما أن عبء هذا السحب سوف يتوزع على مشاريع كثيرة.

ثم إنه يمكن الإقدام على مشاريع وشروط على المستثمرين للالتزام بتوفير سيولة نقدية من أوقات محددة لمواجهة الحالات الطارئة.

وعلى أي حال

فإن البنك نفسه سوف يحل برأس ماله وبما لديه من سيولة متوفرة من الحساب الجاري محل المودعين الساحبين ليحصل على حصصهم من الأرباح لنفسه.

نسأل الله جل وعلا أن يوفق أمتنا الإسلامية لبناء حياتها الاجتماعية والاقتصادية على أساس من تعاليم الإسلام السامية إنه السميع المجيب.

الشيخ محمد علي التسخيري

ص: 586