المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إجراءات الوقاية الزوجية في الفقه الإسلاميمن مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)إعدادالشيخ أحمد موسى الموسى - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد التاسع

- ‌بحث فيالذهب في بعض خصائصه وأحكامهإعداد الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌تجارة الذهبفي أهم صورها وأحكامهاإعدادد. صالح بن زابن المرزوقي

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعدادد. الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعدادد. محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌السلم وتطبيقاته المعاصرةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعداد الشيخ حسن الجواهري

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعداد نزيه كمال حماد

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. سامي حسن حمود

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. حسين كامل فهمي

- ‌الحسابات والودائع المصرفيةإعدادد. محمد علي القري

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. حمد عبيد الكبيسي

- ‌الودائع المصرفية(تكييفها الفقهي وأحكامها)إعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌أحكام الودائع المصرفيةتأليفالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌الحسابات الجاريةوأثرها في تنشيط الحركة الاقتصاديةإعدادد. مسعود بن مسعد الثبيتي

- ‌الاستثمار في الأسهموالوحدات والصناديق الاستثماريةإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌ موضوع الاستثمار في الأسهم

- ‌الاستثمار في الأسهمإعدادد. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثماريةإعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌مناقصات العقود الإداريةعقود التوريد ومقاولات الأشغال العامةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌المناقصات(عقد الاحتياط ودفع التهمة)إعدادالشيخ حسن الجواهري

- ‌انخفاض قيمة العملة الورقية بسبب التضخمالنقدي وأثره بالنسبة للديون السابقةوفي أي حد يعتبر الانخفاض ملحقاً بالكسادإعدادالدكتور مصطفى أحمد الزرقا

- ‌التضخم والكسادفي ميزان الفقه الإسلاميإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌حكم ربط الحقوق والالتزاماتبمستوى الأسعارإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌أثر التضخم والكسادفي الحقوق والالتزامات الآجلةوموقف الفقه الإسلامي منهإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌مفهوم كساد النقود الورقيةوأثره في تعيين الحقوق والالتزامات الآجلةحدود التضخمالتي يمكن أن تعتبر معه النقود الورقية نقودًا كاسدةإعدادالدكتور ناجي بن محمد شفيق عجم

- ‌كساد النقود الورقية وانقطاعها وغلاؤها ورخصهاوأثر ذلك في تعيين الحقوق والالتزاماتإعدادالدكتور محمد علي القري بن عيد

- ‌كساد النقود وانقطاعهابين الفقه والاقتصادإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ خليل محي الدين الميس

- ‌سد الذرائعإعدادأ. د وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ محمد الشيباني بن محمد بن أحمد

- ‌سد الذرائععند الأصوليين والفقهاءإعدادالأستاذ الدكتور خليفة بابكر الحسن

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ مجاهد الإسلام القاسمي

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور علي داود جفال

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌مقارنة بين الذرائع والحيلومدى الوفاق والخلاف بينهماإعدادحمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ الدكتور الطيب سلامة

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور أحمد محمد المقري

- ‌مبدأ التحكيمفي الفقه الإسلاميإعدادالمستشار محمد بدر يوسف المنياوي

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميمبدؤه وفلسفتهإعدادالدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري

- ‌التحكيمإعدادالأستاذ الدكتور عبد العزيز الخياط

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعداد الأستاذ محمود شمام

- ‌نقص المناعة المكتسبة(الإيدز)أحكامه وعلاقة المريض الأسرية والاجتماعيةإعدادالدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌الأسرة ومرض الإيدزإعدادالدكتور جاسم علي سالم

- ‌إجراءات الوقاية الزوجية في الفقه الإسلاميمن مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)إعدادالشيخ أحمد موسى الموسى

- ‌ملخصلأعمال الندوة الفقهية السابعة

- ‌الإيدز ومشاكله الاجتماعية والفقهيةوثيقة مقدمة منالدكتور محمد علي البار

الفصل: ‌إجراءات الوقاية الزوجية في الفقه الإسلاميمن مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)إعدادالشيخ أحمد موسى الموسى

‌إجراءات الوقاية الزوجية في الفقه الإسلامي

من مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)

إعداد

الشيخ أحمد موسى الموسى

وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف

في الإمارات العربية المتحدة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.

استجابة لتوصيات مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثامنة التي عقدت في بروناي – دار السلام – عام 1993 م، وبالنظر إلى الموضوعات التسعة التي يرغب المجمع الموقر إغناءها بالبحث والحوار في دورته التاسعة التي سيعقدها في مدينة أبو ظبي 1995 م، فقد اخترت أن أساهم في ذلك بالموضوع التاسع الذي جعلته تحت عنوان: إجراءات الوقاية الزوجية في الفقه الإسلامي من مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) وسلكته في قسمين.

القسم الأول: تشخيص الأزمة علميًا وأخلاقيًا، وفيه.

1-

مقدمة تاريخية حول الكوارث المرضية في تاريخ الطب.

2-

موقف الأديان السماوية من الشذوذ الجنسي.

3-

وموقفها من جريمة (الزنى) .

4-

تحليل وتفسير آية الزنى في سورة الإسراء

القسم الثاني: إجراءات الوقاية الزوجية من الإيدز، وفيه:

1-

أحكام المصابين بالإيدز في الفقه الإسلامي.

أ- المباحث الأصولية المستخدمة هنا.

ب- القضايا المعاصرة المطروحة.

ج- فتاوى وأقضية.

والله أسال أن يسدد الفكر ويحفظ من الزلل، إذ الموضوع جديد وهو يندرج فيما لا نص فيه من الأحكام ولا بد للفقه الإسلامي أن يقدم رؤيته في تطويق هذا المرض العصري الخطير، وأن يعلن عن الأحكام التي يراها حلولًا مناسبة لجملة من القضايا التي تتعلق بشؤون الأسرة والحياة الزوجية.

ص: 2036

القسم الأول

التشخيص العلمي والأخلاقي

يحدثنا تاريخ القرون الوسطى أن وباء الطاعون كان قد اجتاح أوربا فحصد منها عشرات الملايين ويقول مؤرخو الطب: كان الطاعون يستأصل من البشرية أكثر ما تستأصله الحروب.

ويقال إن أول من طبق الحرب الجرثومية هم التتار في عام 1347 حيث حاصروا قلعة في القرم تحصن فيها قراصنة البندقية وتجارها، فلقد لاحظوا أن الآلاف ماتوا خلال أيام بسبب المرض، فما كان منهم لشدة غيظهم إلا أن حملوا جثث الأموات وقذفوها بالمنجنيق فوق أسوار القلعة فانتشر الطاعون بين الإيطاليين فقضى عليهم، ومن تبقى منهم هرب في السفن إلى إيطاليا، حيث انتشر المرض بكل قوته في أوربا فقضى خلال سنوات قليلة على حوالي 25 مليون، وحتى نعرف معنى الرقم فيجب أن نعلم أن عدد السكان في كل أوربا لم يكن يتجاوز 100 مليون نسمة.

واليوم يطل على الإنسانية وباء مرعب، حتى الآن تشير الإحصائيات المعلنة أنه قد حصد خمسة عشر مليونًا، وإنه سريع الانتشار كسرعة وسائل المواصلات بين البشر ثورة والاتصالات

إنه الإيدز.

وإذا كانت البشرية قد أنفقت أربعمائة عام حتى تمكن الطب من كبح جماح الطاعون بإيجاد الأمصال والأدوية اللازمة للانتصار على الطاعون فكم يلزمها لكبح جماح الإيدز؟!.

إننا رغم النجاحات المذهلة في العلم – خاصة في الطب ومستلزماته – فقد وقف المعنيون اليوم مندهشين أمام اجتياحات هذا الطاعون الجديد، وهم عاجزون أيضًا عن مواجهته باكتشاف الأدوية المضادة وهو الآن يتغلغل في مجامع الناس والمجتمعات، قاصيها ودانيها، وإنه يهدد الحضارة الإنسانية المعاصرة بعذابه الأليم والمهين، إنه يهدد كبرى المدن الأمريكية مثل نيويورك ولوس أنجلوس وغيرهما من كبريات مدن أوروبا والعالم مع انتشار الفوضى الجنسية، والشذوذ الجنسي – اللواط – والمخدرات.

ص: 2037

وكأننا مرة أخرى نقف وجهًا لوجه أمام حقائق التاريخ الغابر بأحداثه الكويتية وكوارثه الضخمة، مستسلمين، وكذلك وكم نحس ونحن نعيد تلاوة سورة النجم في القرآن الكريم:{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56) أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62) } [النجم: 50 –62] .

إن براهين الإسلام ونظامه الأخلاقي ليشع بهما القرآن الكريم وهو يبني المجتمعات الراقية، حيث لا يمكن أن ينتشر هذا الطاعون الجديد في بيئة اعتنى الإسلام بطهارة أذواقها وسمو العلاقات الأخلاقية بين أفرادها، وترشيد التواصل الطبيعي بين الرجال والنساء {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151] .

{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32] .

لقد اكتشف الإيدز عام 1981 م، وعقد له أكبر مؤتمر دولي في لندن في مطلع عام 1988 م، ومثلته معظم دول الأرض، إذ وصل عددها 150 دولة.

وفكر المؤتمرون في جدية المواجهة، وكيفية المكافحة لهذا الوباء المستطير، فكان أن قرروا ودعوا بالدرجة الأولى إلى الطهارة الأخلاقية والحياة الجنسية أي الكفاح عن سلامة الحياة العائلية التي توصل الجنس البشري إلى تشكيلها خلال رحلته الأثربولوجية الطويلة.

وفي أعقاب هذه الدعوة تشكلت في الغرب جبهة أخلاقية تصدر النشرات والدوريات وتعقد الندوات، من نماذجها مجلة (إيما) التي تصدرها إيليس شفارتزر.

ص: 2038

ولأول مرة في العالم الغربي الصناعي نهض من يحرض على نمو الأخلاق العلمية بجدية في مواجهة ثورة الإباحية المجنونة، ولأول مرة بدأت الروح الأخلاقية هناك تحظى بالجلال العلمي، والنظر إلى القيود الجنسية التي جاءت بها الأديان، ومنها الإسلام، بأنها في مصلحة حماية الجنس البشري، وبذلك تصبح العفة والأمانة الزوجية، والإخلاص للعائلة مؤسسة ليس فقط على المواعظ، بل على قوانين صارمة تشبه قوانين الفيزياء والكيمياء، وهذا تطور جديد في علم الأخلاق لم يره إلا جيلنا نحن فقط، وصدق تعالى إذ يقول:{وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: 88] .

إنني أشير هذا إلى جملة من المواقف، منها ما طلع به الفيلسوف الحقوقي جاك فاسي في ميونيخ إذ دعا إلى تطبيق قوانين الأوبئة في ألمانيا لحماية صحة الأمة بمعنى إخبار الدولة بلا سرية واضطلاعها بالمهمة اللازمة حيال كل حالة إيدز – كما فعلت السويد.

وذكرت مجلة الشترن الألمانية (النجمة) أن العلماء بدأوا يوردون أدلة المتدينين ويؤيدونها بقوة العلم.

وهكذا صار بإمكاننا أن نكرر ما قاله الفيلسوف الهولندي (اسبينوزا) في القرن السابع عشر حين طرح عنونًا لكتابه (الأخلاق مؤيدة بالبرهان الهندسي) وإذا كانت أزمة الأخلاق في موجات الإباحية، والفوضى الجنسية والشذوذ والمخدرات، هي مفاتيح البحث حول نقص المناعة، الإيدز، فليكن حديثي اليوم حول المحاور الثلاثة التالية:

1-

موقف الأديان من الشذوذ الجنسي، (عمل قوم لوط) .

2-

موقف الأديان من الزنا.

3-

أحكام المصابين بالمرض في الفقه الإسلامي.

ص: 2039

(قصة لوط في العهد القديم)

جاء في سفر التكوين (1) ما يلي: وقال الرب إن صراخ سدوم وعمورة قد كثر، وخطيتهم قد عظمت جدًا، فجاء الملكان إلى سدوم مساء، وكان لوط جالسًا في باب سدوم، فلما رآهما لوط قام لاستقبالهما وسجد بوجهه إلى الأرض.

ولما اضطجعا أحاط بالبيت رجال المدينة – رجال سدوم من الحدث إلى الشيخ

كل الشعب من أقصاها – فنادوا لوطًا وقالوا له أين الرجلان اللذان دخلًا إليك الليلة أخرجهما إلينا لنعرفهما.. فخرج إليهم لوط إلى الباب، وأغلق الباب وراءه، وقال: لا تفعلوا شرًا يا إخوتي

فألحوا على الرجلِ لوطٍ جدًا، وتقدموا ليكسروا الباب فمد الرجلان أيديهما وأدخلا لوطًا إليهما إلى البيت وأغلقا الباب. وأما الرجال الذين على باب البيت فضرباهم بالعمى من الصغير إلى الكبير، فعجزوا عن أن يجدوا الباب، ولما طلع الفجر كان الملكان يعجلان لوطًا قائلين: قم خذ امرأتك وابنتيك الموجودتين لئلا تهلك بإثم المدينة. ولما توانى أمسك الرجلان بيده وبيد امرأته وبيد ابنتيه لشفقة الرب عليه، وأخرجاه ووضعاه خارج المدينة، وكان لما أخرجاهم إلى خارج أنه قال: اهرب لحياتك، لا تنظر إلى ورائك ولا تقف في كل الدائرة.

وفي سفر التكوين (2) : وإذا أشرقت الشمس على الأرض، دخل لوط إلى صوغر، فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتًا ونارًا من عند الرب من السماء، وقلب تلك المدن، وكل الدائرة وجميع سكان المدن ونبات الأرض. ونظرت امرأته من ورائه فصارت عمود ملح، وبكر إبراهيم في الغد إلى المكان الذي وقف فيه أمام الرب وتطلع نحو سدوم وعمورة ونحو كل الأرض الدائرة، ونظر وإذا دخان الأرض يصعد كدخان الأتون.

(قصة لوط في الإنجيل)

وورد في إنجيل لوقا (3) إشارة موجزة تقول: وكما حدث في عهد لوط، إذ كانوا يأكلون ويشربون ويبيعون ويغرسون ويبنون ولكن يوم خرج لوط من سدوم، أمطر الله نارًا وكبريتًا من السماء فأهلكهم أجمعين.

ولا ذكر لقصة لوط في بقية الأناجيل، وإنما ورد التحذير من الزنا.

(1) الاصحاح 18 –19

(2)

الاصحاح 19 فقرة 23 – 28

(3)

الفصل 17 / 28 / 30

ص: 2040

ففي إنجيل متى (1) قال السيد المسيح: (سمعتم أنه قيل لا تزنِ، أما أنا فأقول لكم إن كل من نظر إلى امرأة حتى يشتهيها فقد زنى بها في قلبه، فإن عثرتك عينك اليمنى فاقلعها وانبذها عنك بعيدًا فإنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ويلقى جسدك كله في جهنم) .

وفي رسالة بولس إلى أهل قورنتس (2) يقول: (اهربوا من الفجور، إن كل خطيئة يفعلها الإنسان هو خارج الجسد) أما الفاجر فإنه يجرم إلى جسده، أولا تعلمون أن أجسادكم هي هيكل الروح القدسي الذي فيكم، الذي نلتموه من الله؟ (3) .

(قصة لوط في القرآن الكريم) .

جاءت قصة لوط في / 14 / موضعًا من القرآن الكريم هي السور التالية:

الأعراف – الأنعام – هود – الحجر – الشعراء – النمل – العنكبوت – الحج – القمر – التحريم – الأنبياء – الصافات – ص – ق

بينما ورد ذكر لفظ الزنا في أربعة مواضع: الإسراء – الفرقان – النور – الممتحنة.

والمرض الحديث (الإيدز) الذي انتشر من خلال الشيوعية الجنسية، والجماع الشرجي (عمل قوم لوط)

فيه معنى كبير لإظهار آية الله في خلقه.

(1) متى 5 / 27

(2)

6 /13

(3)

يقول محمد صلى الله عليه وسلم: (الأنبياء أبناء علات: أبوهم واحد وأمهاتهم شتى، قال تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} )[الشورى: 13]

ص: 2041

ففي سورة هود قال سبحانه وتعالى: {وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ، وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِيِّ هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ، قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ، قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أو آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ، قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَاّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ، فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ، مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 77 – 83] .

هنا ملاحظتان:

الأولى: أنه كان في قوم لوط رجم جماعي قام به جنود ربك وما يعلم جنود ربك إلا هو.

الثانية: لقد ذكرت مجلة ميونيخ الطبية الأسبوعية بعد المؤتمر الطبي الألماني الأول للإيدز في مطلع عام 1988م، أنه مع مزيد من المعلومات والدراسة عن طبيعة الفيروسات يبدو الموضوع أكثر تعقيدًا أو أشد غموضًا، ومن أحدث المعلومات تبين أن الفيروس لا يهاجم فقط نوعًا من الخلايا البيض المناعية، بل له ولع بخلايا الجهاز العصبي المركزي – المخ – فضلًا عن مهاجمة الغشاء المخاطي للجهاز الهضمي – والنقطة الأخيرة ذات أهمية، لأنها ألقت الضوء على السبب في انتقال المرض عن طريق اللواط، فلقد وجد أن للفيروس مسامير خاصة على قشرته الخارجية بإمكانه أن يغطس بواسطتها في جدار الخلايا المخاطية، حتى إذا استقر وتسمر على ظهر الخلية، أمكنه أن يدخل مقذوفه النووي إلى داخل الخلية وبالتالي الإصابة. هذا خلافًا للنظرية القديمة التي كانت ترى أن العمل الجنسي باللواط يؤدي إلى تشققات في جدران المستقيم، وبالتالي انتفاخ مجاري الدم وتسرب الفيروس عبره.

فلا حاجة لشقوق، بل يكفي الدخول إلى هذا الشق الآثم فقط وفيه الكفاية وزيادة.

هذا الكشف الأخير الذي توصل إليه فريق من الأطباء في أمريكا بعد دراسة مطولة على مجموعة من المصابين بواسطة الدكتور ليفي Levy ومجموعته.

ص: 2042

حكم اللواط: قال الأئمة: مالك وأحمد والشافعي في قول: أي قول جمهور الفقهاء (حده القتل سواء كان بكرًا أم ثيبًا، فاعلًا أو مفعولًا به) .

وهذا القول مروي عن أبي بكر وعمر وابن عباس رضوان الله عليهم، وإليه ذهبت طائفة من العلماء، ونقل بعض الحنابلة إجماع الصحابة على أن الحد في اللواط القتل واستدلوا بحديث:((من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)) . رواه الخمسة إلا النسائي عن ابن عباس.

واستدلوا أيضًا بما روي عن أبي بكر أنه جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم عن رجل ينكح كما تنكح النساء فكان أشدهم يومئذ قولًا علي بن أبي طالب، قال: هذا ذنب لم تعص به أمة من الأمم إلا أمة واحدة صنع الله بها ما قد علمتم، نرى أن نحرقه بالنار فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد يأمره أن يحرقه بالنار، أخرجه البيهقي بسند مرسل.

تحليل آية الزنا في سورة الإسراء

قال سبحانه وتعالى: {وَلَا تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئا كَبِيرًا وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا وَلَا تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ} [الإسراء: 31 – 33] .

والسؤال العلمي المطروح: لماذا زج الله جل وعز آية الزنا بين قتلين.

هل هنا دائرة للجريمة محورها آية الزنا؟

كيف نظر المفسرون إلى هذا النسق في الأسلوب القرآني؟

وأي الآيات الثلاث أشد نهيًا وأبلغ في التحذير؟

لماذا لم يسلط النهي على الزنا مباشرة، وإنما سلط على مجرد القرب منه أي مقدماته: من الخلوة والمعاشرة والقبلة ثم الزنا متضمنًا.

ص: 2043

إن بيانات بعض التفاسير تظهر أن الزنا نوع من القتل المعنوي للمرأة، إذ تفقد كرامتها ومكانتها في المجتمع. ولكنني لا أعتقد أن هذا يعد سببًا وجيهًا أو كافيًا وأعتقد كذلك أن أسلوب النهي الخاص بمشكلة الزنا، أبلغ تحذيرًا. علمًا أن هذا النسق من النواهي – ضمن ما يسمى في الديانات السابقة: الوصايا العشر – قد ورد مرة أخرى في سورة الأنعام: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 151] .

هذا ما أجبت به طلاب كلية الطب في جامعة حلب يوم تجمع بعضهم حولي وسألوني عن موقف القرآن الكريم من هذا الوباء الجديد (الإيدز) ....

وهكذا يصور لنا النسق القرآني المعجز في السورتين جريمة الزنا – وبالمنطق الهندسي للأخلاق – محور الدائرة القتل التي نهانا الفكر الديني عن اقترافها.

ومن أجل ذلك يتحدث النبي العظيم صلوات الله عليه وعلى آله، وهو الشارح الأول لكتاب الله فيما يرويه ابن عمر قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا معشر المهاجرين – خمس خصال إذا ابتليتم بهن – وأعوذ بالله أن تدركوهن:

* لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا (في رواية الطبراني: (( ((إلا فشا فيهم الموت)) )) .

* ولم ينقصوا الميزان والمكيال إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم.

* ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا.

* ولم ينقضوا عهد الله ورسوله إلا سلط الله عليهم عدوًا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم.

* وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا فيما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم)) – رواه ابن ماجة، واللفظ له، كما في الترغيب للمنذري (1) .

(1) الترغيب والترهيب 2 / 568

ص: 2044

القسم الثاني

إجراءات الوقاية الزوجية في الفقه الإسلامي

أ- المباحث الأصولية المستخدمة:

يندرج الإيدز فيما لا نص فيه من الأحكام – فيجب فيه الاجتهاد لأن لله في كل حادثة حكمًا معينًا، بيد أن الحوادث قد اقتضت نواميس الحياة أنها لا تظهر على مسرحها دفعة واحدة، فما صادف وجوده عصر التشريع بين الوحي حكمه، وما ظهر على مسرح الوجود بعد انقطاع الوحي، ترك الله أمر حكمه إلى أهل الذكر من المجتهدين ومن أهل الاختصاص – قال تعالى:{فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2] وقال كذلك: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] .

ومن أجل هذا كان الاجتهاد – الذي هو بذل الجهد للتوصل إلى الحكم فيما لا نص فيه بالتفكير واستخدام الوسائل التي هدى الشرع إليها – أمرًا ضروريًا يحتمه علينا واقعنا ومجريات أمورنا، والوقائع التي تجري بين الناس قد يدل على حكمها الكتاب أو السنة، فإن دل الكتاب على الحكم فقد تكون الدلالة قطعية – وهنا لا اجتهاد.

وقد تكون الدلالة ظنية – كتحديد معنى القرء – فهنا محل الاجتهاد وكذلك السنة – فإذا كانت ثابتة على سبيل القطع بأن كانت متواترة – فلا اجتهاد وإنما المجال للاجتهاد فيه من حيث الدلالة إذا كانت الدلالة ظنية.

ص: 2045

وإن كانت السنة ثابتة على سبيل الظن بأن كانت من أخبار الآحاد كان مجال الاجتهاد فيها من حيث السند ومن حيث الدلالة معًا – إن كانت الدلالة ظنية.

الغاية من الاجتهاد:

بعد هذه المقدمة المركزة نقول: إذا حدثت واقعة ليس فيها نص للشارع كان للمجتهد أن يبحث عن الحكم الشرعي لهذه الواقعة على ضوء الأدلة الشرعية الأخرى – وهي هنا القياس والمصلحة المرسلة – والاستحسان والعرف وسد الذرائع – فإذا ما وفقه الله إلى حكم عمل به وأفتى بمقتضاه وحكم على أساسه، وهذا الحكم وإن لم يكن حكم الله نصًا، فإنه مما وفق الله المجتهد للاهتداء إليه، من خلال التعرف عليه بالأمارات التي نصبها الشارع للوصول إلى الأحكام التي لم ينص عليها، فالغاية من الاجتهاد إذن هي وصول المجتهد إلى ما يرجح في رأيه أنه حكم الشارع (1) . وإنما كان الحكم الذي يصل المجتهد بوساطة هذه المصادر حكمًا شرعيًا لأن الحكم يرجع في النهاية إلى نص شرعي وبناء على ما تقدم فإنا في قضايا وباء (الإيدز) لابد أن نتوسل بمباحث:

القياس – أي إلحاق أمر لم يرد نص في حكمه، أو إجماع – بأمر ورد في حكمه نص أو إجماع، لاشتراكهما في المعنى الذي شرع هذا الحكم من أجله، وبذلك تتسع الشريعة بحيث تكون وافية بحاجة العباد ومصالحهم كقياس حالات متعددة من المصابين بالإيدز في نسخ العقد وما يتبع ذلك بالعيوب المنصوص عليها أو طلب الطلاق.

والمصالح: إذ هدف الشارع من الأحكام: تحقيق مصالح الناس ورفع المفاسد عنهم، وعلى هذا الأصل ينبغي أن يتصدر التشريعات الاجتهادية في الأشياء التي لا نص فيها مطلقًا، فيجب أن تكون وفق مصالح الناس ويجب أن تنزه عن أهوائهم وعن رغباتهم.

(1) الفقه الإسلامي أساس التشريع – المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية: بمصر، بحث الشيخ محمد زكريا البرديسي بتصرف، وكذلك: نيل الأوطار للشوكاني ج 4 ص 106

ص: 2046

غير أن هذه المصالح قد يرشدنا الشارع إلى اعتبارها بنص خاص، وقد يرشدنا إلى إلغائها بنص خاص، وقد يسكت، فهي بهذا الاعتبار تتنوع إلى مصالح معتبرة وإلى مصالح ملغاة، وإلى مصالح مرسلة، فالمصالح المعتبرة – كحفظ الكليات الخمس، والملغاة كانتحار المريض الميئوس من شفائه، فإن هذه المصلحة قام الدليل الشرعي على إلغائها – قال تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] فهذه الآية تقطع بحرمة قتل النفس مطلقًا ولو كان مصابًا بالإيدز، والمصالح المرسلة هي كل وصف لم يرد فيه نص شرعي معين بالاعتبار أو الإلغاء إن حقق مصلحة كقوانين السير، وبناء المشافي، واتخاذ السجون

والمصلحة العامة تقدم على الخاصة عند التعارض كإسقاط الحمل للزوجين المصابين بالإيدز وهي مصلحة خاصة خشية ولادات مصابة تنتشر في المجتمع.

وسد الذرائع: من حيث إن موارد الأحكام قسمان:

1-

مقاصد وهي الغايات التي تشتمل على المصالح أو المقاصد.

2-

وسائل وهي التي تفضي إلى هذه المقاصد وتوصل إليها.

وحكم هذه الوسائل حكم ما أفضت إليه من تحريم أو تحليل، غير أن الوسائل أخف رتبة من المقاصد في الحكم.

ومثالها: منع الزوجين المصابين بالإيدز من الإنجاب أصلًا خشية الحمل بمن يحمل هذه العدوى – وكضرورة خضوع الخاطبين للفحص الطبي قبل إجراءات العقد، وتقديمهما تقريرًا طبيًا يثبت عدم إصابتهما بالأمراض الخطرة والمعدية.

الاستحسان: هو العدول في مسألة عن تطبيق حكم نظائرها عليها إلى حكم آخر نظرًا لوجود ما يقتضي هذا العدول من نص أو إجماع أو ضرورة أو عرف أو مصلحة أو قياس، وما يلزمها هنا هو الاستحسان الثابت بالمصلحة والاستحسان الثابت بالقياس.

فمن الاستحسان الثابت بالمصلحة: إلزام الخاطب أو المخطوبة بالتفريق إذا طرأ على أحدهما مرض الإيدز قبل العقد ولو كانا متحابين، إذ يتحقق هذا الاستحسان في كل مسألة عدل فيها عن حكم نظائرها إلى الحكم آخر اقتضته المصلحة، والمثال المذكور من هذا القبيل، إذ القاعدة المقررة: استمرار الإباحة وتعايش الراغبين في الزواج في السراء والضرار، ومراعاة الجوانب الإنسانية، خاصة في التحمل والتضحية، لكن يعدل عن هذه القاعدة المقررة، ويحكم بالتفريق صونًا لحياة الصحيح من العدوى المحققة بالمصاب.

ص: 2047

ومن الاستحسان الثابت بالقياس: وهو كل مسألة يجتمع فيها قياسان أحدهما ظاهر جلي والآخر خفي، ثم يعدل عن الأخذ بمقتضى الجلي ويؤخذ الخفي، من هذا النوع إرادة الزواج بامرأة مصابة بمرض الإيدز – مع العلم مسبقًا بأنها مصابة – القياس الجلي منع هذا الزواج وكفى، لكن يعدل عن ذلك ويؤخذ بالقياس الخفي، وهو تحريم الراغب بهذا الزواج ومعاقبته تعزيرًا – إن أصر – لأنه شروع في الانتحار، يشبه محاولة الانتحار بتجرع السم، أو بالتردي من شاهق، بل يعاقب كل من يحاول المساهمة في تسهيل هذا الزواج.

ب- المشاكل المعاصرة المطروحة

وهكذا – ومن خلال هذه القواعد الأصولية – نجتهد ونقبل اجتهاد الآخرين في المشاكل الإنسانية والاجتماعية، فردية كانت أو عامة، تلك الناجمة عن آثار هذا الوباء العصري المسمى بالإيدز فهو بكل المقاييس الطبية والفقهية مرض خطير ومعد، وإذا حدثنا الفقهاء القدامى عن العيوب الزوجية التي تبيح فسخ العقد أو التفريق أو الطلاق، وذلك بحسب مواطن الاتفاق أو الافتراق فيما بين المذاهب ورجالها، فإنا اليوم أمام عيب عصري لا يرقى إلى خطورته أي من العيوب المذكورة في كتب الفقه القديمة، وأحسب أن فقهاء عصرنا هذا مجمعون إجماعًا مطلقًا على هذا حتى الظاهريين الذين يسقطون الخيار مطلقًا.

وبالنظر إلى توصيات مجلس المجمع في دورته الثامنة في بروناي 1993م الصادرة بالقرار رقم 86 / 13 / د 8 وما يضاف إليه من أسئلة وقضايا أخرى ما تزال تثار وبالنسبة إلى ما يخص الحياة الزوجية منها تحديدا، نقول وبالله التوفيق.

ص: 2048

للحياة الزوجية أهداف أساسية يطلب التشريع الإسلامي توافرها، ولاستقرار النفس البشرية في ظل أسرة متنامية متكاملة: من أهمها سلامة الزوجين من العيوب والأمراض التي تحول دون استقرار النفس في سكنها الروحي والاجتماعي، وسلامة حياة الأطفال من عدوى الوالدين، لكن هذه المسائل الشائكة ستتدخل حتمًا فيها المسألة الإنسانية (التضيحة) الشخصية بالمسائل المتصلة بالحق العام، صونًا للمجتمع كله من الخطر.

فإذا كانت (التضيحة) الشخصية لأحد الزوجين في تحمل زوجه والصبر على شدته مندوبة ومن أشهر الفضائل الإنسانية، فإنها لا بد أن تكون مقيدة بشرط أمن العاقبة أما أن يعرض المرء نفسه للهلكة، أو خطر الموت برضاه – كحالة الإصابة بمرض الإيدز – فإن ذلك لا يجوز شرعًا لما يأتي:

ورد في البخاري وغيره عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وفر من المجذوم فرارك من الأسد)) . . . . .

وورد في صحيح مسلم (2231) عن عمرو عن أبيه قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: ((ارجع فقد بايعناك)) .

وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يوردن ممرض على مصح)) .

وهناك القاعدة الكلية المشهورة الواردة في نص الحديث المروي عن ابن عباس – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ضرر ولا ضرار (1) .

وفي صحيح مسلم 2218 عن أسامة بن زيد رضي الله عنه. قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((الطاعون رجز أو عذاب أرسل على بني إسرائيل أو على من كان قبلكم فإذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه)) .

وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم تزوج فلما رأى بكشحها بياضًا – وهو علامة على إصابتها بالبرص – لم يدخل بها وفارقها.

بعد هذا لا يصح الاغترار بشعار التضحية الإنسانية، مقابل الوقوع في الانتحار البطيء من جراء العدوى بالإيدز.

(1) رواه الإمام أحمد 1 / 313 وابن ماجة

ص: 2049

ولقد اهتمت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف في دولة الإمارات العربية المتحدة مع جهات رسمية أخرى منذ فترة بهذه المسألة، فاستكتبت نخبة من علمائها وباحثيها، فقدموا دراسة نشرت مؤخرًا ضمن كتاب: الزواج في الإسلام نوجزها فيما يلي:

هناك ثلاث حالات يكتشف فيها مرض الإيدز بأحد الزوجين أو بكليهما.

الحالة الأولى: أن يكتشف المرض قبل إجراء العقد، والحكم فيها وقف إجراء العقد وأن يمضي كل طرف إلى سبيله.

الحالة الثانية: اكتشاف المرض بعد العقد، وفيها عشر مسائل:

1-

2 هل اكتشف المرض قبل الدخول أم بعده؟

3-

4 هل كان المريض عالمًا بوجود مرضه قبل العقد أم لا؟

5-

6 هل رضي الطرف الآخر – مع علمه بوجود المرض – بالاستمرار وإمضاء العقد أم لم يرض؟

7-

8 هل المصاب الزوج أم الزوجة؟

9-

10 هل حصل المرض بفعل حرام يستوجب العقوبة أم بفعل جائز وقع فيه بالخطأ أو النسيان أو الإهمال؟

(ففي المسألة الأولى)

نحكم بوجوب التفريق بين الزوجين فورًا قبل أن يقع المحظور.

(وفي المسألة الثانية)

وهي اكتشاف المرض بعد الدخول نفصل:

فإن لم تنتقل العدوى إلى الطرف الآخر فرق بين الزوجين في الحال وإن انتقلت العدوى كان الخيار لمن ابتلى بها بالتفريق أو الاستمرار لكنني أميل إلى ضرورة الاستمرار في الحياة الزوجية ومراعاة الجانب الإنساني حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.

ص: 2050

بيد أن المهم جدًا في هذه الحالة – كما تقول الدراسة – التأكيد على امتناع الزوجين عن الإنجاب بكل الوسائل الممكنة، رحمة بالأولاد الذين سيولدون وهم يحملون المرض نفسه، ومن المهم أن لولي الأمر حرصًا على السلامة العامة وحماية للمجتمع من هذا الوباء الخبيث أن يتخذ كل الإجراءات الكفيلة بمنع الإنجاب من أبوين مصابين بهذا المرض ولو بإجراء فحوص دورية لهما والسعي للإجهاض في الأيام الأولى من الحمل إن وقع ذلك.

(المسألة الثالثة)

وهي أن يكون العاقد المريض عالمًا بوجود المرض فيه، وهذا هو الغش والخداع والمكر والتدليس، فمن حق الطرف الآخر السليم، حماية نفسه واتخاذ كافة الأسباب اللازمة لذلك بما فيها المطالبة بدفع التعويضات المناسبة للأضرار التي لحقت به فعلًا من جراء هذا الغش، ثم هناك حقوق أخرى تخص عصبته وورثته.

(المسألة الرابعة)

وهي التي لا يكون العاقد المريض عالمًا بمرضه قبل العقد، وهذه الحالة وإن كانت تعفيه من العقوبات الخاصة بالضرر والغش، لكنها لا تمنع من مطالبته بالتعويض عن الأضرار الناجمة، ولا تمنع كذلك الطرف الآخر حقه في طلب التفريق إن رغب به.

(المسألة الخامسة)

وهي حالة رضا الطرف الآخر السليم باستمرار العقد رغم اكتشاف المرض – وهنا لا بد من التفصيل.

إن لم يحصل دخول أو عدوى لزم التفريق، وإن رضي السليم بالاستمرار فذلك من حق المجتمع ممثلًا بولي الزوجة أو القاضي، لمنع الأفراد من ممارسة حقوقهم فيما يرجع عليهم وعلى الناس والأجيال بالضرر.

وإن حصل الدخول أو انتقلت العدوى، كان الخيار للآخر بين الاستمرار أو طلب الفسخ مع التعويض عن الأضرار.

وفي حالة اختياره الاستمرار لزم اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع الإنجاب كما أشرنا إلى ذلك في المسألة الثانية.

(المسألة السادسة)

وهي حالة عدم رضا الطرف الآخر بالاستمرار، ومن حقه ذلك فيفرق بينهما ويعوض المتضرر.

ص: 2051

(المسألة السابعة)

وهي ما إذا كانت الإصابة بالزوج، وهنا يتفق جمهور الفقهاء على أن من حق الزوجة طلب التفريق عند القاضي، إلا إذا شرطت عند العقد أن تكون العصمة في يدها فتستطيع عندئذ استعمال حقها في الانفصال، ولا بد أن يكون ذلك بحكم القاضي إن طالبت بالتعويض عن الأضرار الحاصلة من جراء الدخول في هذا العقد.

(المسألة الثامنة)

وهي إذا كانت الإصابة بالزوجة، وهنا يختلف الفقهاء في حق الزوج في طلب التفريق للعيب – فقد ذهب الحنفية إلى أن الزوج لا يملك طلب التفريق لأنه يمكنه دفع الضرر عن نفسه بالطلاق – أما الزوجة فلا يمكنها دفع الضرر عن نفسها إلا بإعطائها الحق في طلب التفريق لأنها لا تملك الطلاق

إلا إذا شرطته لنفسها في العقد (وبمذهب الأحناف أخذ كل من القانون المصري رقم 25 لسنة 1920 في المواد 9 – 10 – 11) .

وكذلك القانون السوري الذي أجاز للمرأة طلب التفريق في المواد (105، 106، 107) .

وذهب الأئمة الثلاثة إلى إعطاء هذا الحق لكل من الزوجين، لأن كلا منهما يتضرر بالعيوب، أما اللجوء إلى الطلاق فيؤدي إلى الإلزام بكل المهر بعد الدخول وبنصفه قبل الدخول، لكن التفريق بسبب العيب يعفي الرجل من نصف المهر قبل الدخول، وبعد الدخول للمرأة المسمى بالاتفاق.

ومن حق الزوج بعد ذلك أن يرجع بالمهر بعد الدخول على ولي الزوجة لتدليسه بكتمان العيب وليس للزوجة في هذه الحالة سكنى ولا نفقة ....

وقد أخذ مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد لدول مجلس التعاون بمذهب الأئمة المالكية والشافعية والحنابلة فأعطى للزوجين حق الطلب بالتفريق للعيب، فنص في المادة (99) الفقرة (أ) على أن لكل من الزوجين التفريق لعلة في الآخر يتعذر معها استمرار الحياة الزوجية ولا يرجى منها برء، أو يرجى البرء بعد مضي أكثر من سنة، سواء أكانت العلة عقلية أو عضوية، وسواء أصيب بها قبل العقد أو بعده.

وفي حالة مرض الإيدز الذي نحن بصدده نرى الأخذ بمذهب الجمهور وبما اتجه إليه مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد لدول مجلس التعاون، فنعطي حق طلب التفريق للطرفين والله تعالى أعلم.

ص: 2052

(المسألة التاسعة والعاشرة)

وهما ما إذا كان المرض الذي أصيب به الزوج ناشئًا عن ارتكاب فعل محرم، أو كان ناشئًا عن فعل جائز بسبب الخطأ والنسيان أو الإهمال.

وللحكم في هاتين المسألتين ينبغي أن نلحظ أمورًا:

الأول: يجب التفريق في التعامل بين المصاب بفعل جائز والآخر المصاب بفعل حرام، والأول مريض معذور يحتاج إلى العناية والرعاية والشفقة وتخفيف الآلام والمتاعب، والثاني مذنب لا يعامل معاملة المريض المعذور إلا بعد التوبة أو أخذ حظه من العقوبة الشرعية.

والثاني: يجب التخفيف ما أمكن عن المصاب المعذور بحيث لا تتعاظم عليه المصيبة وتتضاعف من جهتين أو أكثر، بينما يلزم التشديد على الآخر ما أمكن زجرًا له وردعًا لأمثاله عن ارتكاب المحرم ومواقعة الفواحش.

الثالث: دعوى التفريق للعيب بسبب هذا المرض الخبيث (الإيدز) لا يعتبر قذفًا للطرف المريض ما دامت الدعوى قاصرة على طلب التفريق للعيب.

الرابع: دعوى التفريق بسبب هذا المرض أيضًا لا يعتبر شهادة صالحة لإقامة نصاب الشهادة الشرعي في كل من الزنا واللواط.

الخامس: حالة واحدة يتعين بها على القاضي إقامة الحد الشرعي على المصاب من فعل محرم وهي ما إذا حصل منه إقرار بارتكاب إحدى الفاحشتين: الزنا أو اللواط.

الحالة الثالثة: وهي الحالة التي يطرأ فيها المرض على أحد الزوجين خلال حياتهما الزوجية وهنا صورتان:

الأولى: أن يكون المرض ناشئًا عن ارتكاب الفاحشة.

والحكم هنا أن يلجأ إلى إثبات ذلك بالبينة الشرعية إن كانت لديه، فإن ثبت الحد على المصاب، حكم القاضي عليه بالرجم في حالة الزنا وبالقتل في حالة اللواط (أو الرجم على الخلاف بين العلماء في هذا) وتحصل الفرقة بين الزوجين ضرورة.

وإن لم يكن لدى الطرف الآخر بينة لجأ إلى اللعان.

فإن أقر المصاب بارتكاب الفاحشة لزمه الحد الشرعي وإلا فرق القاضي بين الزوجين فالفرقة في الحالتين حاصلة بالضرورة والحكم.

ص: 2053

ويمكن للطرف الآخر إن لم يختر طريق الخلاص بدعوى إصابة الطرف المصاب للحد، أن يطلب التفريق دون التعرض لمسألة الحد من أساسها، ويرجع تفصيل الحكم إلى ما نذكره في الصورة التالية:

الصورة الثانية: أن يطرأ المرض بفعل جائز بسبب الخطأ أو النسيان أو الإهمال ويتفرع على هذه صور أخرى.

الأولى: أن تحصل المعاشرة بعد حصول الإصابة بالمرض فتنتقل العدوى للآخر، وهنا يجوز طلب التفريق ويلزم لأن المحذور قد وقع بانتقال العدوى، ولكنهما إذا اختارا الاستمرار في الحياة الزوجية لزمهما اتخاذ الإجراءات الكيلة لمنع الحمل كما ذكرنا سابقًا في المسألة الثانية من النقطة الثانية.

الثانية: أن يمتنع الطرف الآخر عن المعاشرة ويبقى معافا من الإصابة، وهنا يجوز له أن يطلب التفريق حماية لنفسه ومستقبله ومستقبل أولاده من العدوى الممكنة في كل وقت بالدم أو المعاشرة أو اللبن.

كما يجوز له الإقامة على عهده مع زوجته بشرط الامتناع عن كل أسباب العدوى وأن يتخذ كل الاحتياطات اللازمة لمنع انتقال العدوى إليه.

ويجوز لولي المرأة كما سبق أن ذكرنا في الأحوال المماثلة حين يرى المصلحة مقتضية للتفريق أن يطلب التفريق عند القاضي ولو كان ذلك بغير رضاها، كما يجوز لولي الأمر التدخل بالتفريق حين تدعوا الحاجة أو الضرورة لذلك.

وقد رأينا كيف أعطى مشروع القانون الموحد للأحوال الشخصية لدول مجلس التعاون الحق لكل من الزوجين طلب التفريق للعلة، سواء أكانت عقلية أم عضوية وسواء أصيب بها الطرف الآخر قبل العقد أم بعده وذلك في المادة (99) من المشروع.

وهل يسقط الحق في طلب التفريق إذا علم به الآخر ورضي به صراحة أو دلالة أم لا؟

يمكن تصوير المسألة في حالتين: الأولى أن يكون العيب موجودًا قبل العقد والثانية: أن يجد بعد العقد.

ص: 2054

فإن كانت الأولى: فالاتجاه العام عند الفقهاء يذهب إلى أن هذا الحق يسقط إذا علم الطرف الآخر بالعيب ورضي به صراحة أو دلالة.

لأن من شروط الفقهاء لطلب التفريق بالعيب السابق على العقد.

1-

ألا يكون طالب التفريق عالمًا بالعيب وقت العقد، فإن علم به في العقد وأتم العقد لم يحق له طلب الفسخ، لأن قبوله التعاقد مع علمه بالعيب رضًا منه به.

2-

أن يرضى بالعيب بعد العقد، فإن علم بوجوده بعده وأظهر رضاه صراحة كأن يقول: رضيت. أو دلالة كأن يمكن الآخر من الاستمتاع سقط حقه أيضًا في الفسخ (1)

وإن كانت الثانية: وهي حالة ما إذا طرأ العيب بعد نفاذ العقد، ورضي به الطرف الآخر هل يسقط حقه في طلب التفريق بعد الرضا أو لا؟

من الظاهر جدًا أن الفقهاء إذا كان اتجاههم العام يقول بسقوط حق المتضرر في الفسخ للعيب الحاصل قبل العقد إذا رضي به فلأن يقولوا بالسقوط هنا أولى، بل قد ذهبوا إلى أبعد من هذا.

فقال الحنفية: بأن المرأة إذا جن زوجها أو أصبح عنينًا بعد الزواج وكان قد دخل بها ولو مرة واحدة لا يحق لها طلب الفسخ لسقوط حقها بالمرة الواحدة قضاء لا ديانة.

وفرق المالكية بين عيب الزوج وعيب الزوجة فقالوا: إن كان العيب بالزوجة فليس للزوج الخيار أو طلب التفريق بهذا العيب، لأنه مصيبة نزلت به وعيب حدث بالمعقود عليه بعد لزوم العقد فأشبه العيب الحادث للمبيع، وإن كان العيب الحادث بالزوج فللزوجة الحق في طلب التفريق إن كان العيب جنونًا أو مرضًا لشدة التأذي به وعدم الصبر عليه، وليس لها الحق في التفريق بالعيوب التناسلية الأخرى من جب وعنة أو خصاء.

(1) وانظر في هذا ابن عابدين رد المحتار 2 / 593 – 594؛ والمحلى على المنهاج؛ وحاشيتي قليوبي وعميرة 4 / 265؛ والشرح الصغير مع حاشية الدردير 2 / 468؛ والمغني لابن قدامة 6 / 653؛ وفي القانون المصري في المادة (9) ؛ وفي القانون السوري المادة (106)

ص: 2055

وأطلق الشافعية والحنابلة القول بجواز التفريق بالعيب الحادث بعد الزواج، كالعيب القائم قبله لحصول الضرر به، وكالعيب المقارن للعقد، ولأنه لا خلاص للمرأة إلا بطلب التفريق بخلاف الرجل الذي يمكنه الخلاص بالطلاق.

لكن الشافعية استثنوا طروء العنة بعد الدخول بالزوجة ولو مرة واحدة، فإنهم لا يجيزون لها طلب الفسخ لحصول مقصود النكاح بمرة واحدة.

فإذا كانت هذه أقوالهم في العيب الحادث بعد العقد فلأن يقولوا بسقوط الحق بعد الرضا بالعيب أولى.

والذي يبدو لنا ما قدمناه في هذه المسألة من أقوال وآراء للعلماء تتعلق بسقوط حق الطرف المتضرر بالعيب بعد رضاه به، سواء أكان ذلك العيب حاصلًا قبل العقد أم حادثًا بعد العقد ومضي الحياة الزوجية مقبول في الجملة في العيوب التي ذكروها.

ولكننا أمام هذا البلاء الخطير المسمى بالإيدز: نرى أن حق الطرف المتضرر باستمرار العقد مع الضرر لا يسقط بحال حتى ولو رضي به، لأن قاعدة (الساقط لا يعود) قد تطبق في كل عيب ولا يكون في تطبيقها أي ضرر عام، أم هنا فإن ضرر المرض العام والخاص يقضي بقبول طلب لفسخ حتى من الذين رضوا بالعيب أو لا؛ كأية قضية من قضايا النظام العام الذي لا يجوز التراضي على خلافه، لأنا نرى أن الاستمرار في مثل هذه الأحوال في الحياة الزوجية كمحاولة الانتحار – قياسًا – كما سبق بيانه.

هذا ويبقى أمام النظر الفقهي جملة من الأسئلة تتعلق بما ذكره المجمع الموقر في الدورة الثامنة – نرجو أن يشبعها الفقهاء والأطباء بحثًا، لنبرز للعالم رحمة الإسلام بالبشرية عامة، حيث يقدم لها الحلول مجانًا كما أشرت إلى ذلك – وقانا الله جميعًا من السوء –والسلام عليكم.

الشيخ أحمد موسى الموسى

ص: 2056

أهم مراجع البحث

- القرآن الكريم.

- صحيح البخاري.

- صحيح مسلم.

- سنن الترمذي

- سنن أبي داوود

- الترغيب والترهيب للمنذري.

- نيل الأوطار للشوكاني.

- فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي

- حاشية ابن عابدين – رد المحتار.

- حاشيتي قليوبي وعميرة

- الشرح الصغير مع حاشية الدردير.

- المغني لابن قدامة.

- روائع البيان في تفسير آيات الأحكام للصابوني.

- قوانين الأحكام الشرعية، ومسائل الفروع الفقهية لابن جزي المالكي.

- قانون الأحوال الشخصية المصري.

- قانون الأحوال الشخصية السوري.

- قانون الأحوال الشخصية لدول مجلس التعاون الخليجي.

- الزواج في الإسلام – إعداد مؤسسة صندوق الزواج – أبو ظبي.

- الإيدز – الطاعون الجديد للدكتور خالص جلي.

- العهد القديم.

- الأناجيل.

- بعض النشريات لوزارة الصحة السورية.

ص: 2057