المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سد الذرائعإعدادالشيخ الدكتور الطيب سلامة - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد التاسع

- ‌بحث فيالذهب في بعض خصائصه وأحكامهإعداد الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌تجارة الذهبفي أهم صورها وأحكامهاإعدادد. صالح بن زابن المرزوقي

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعدادد. الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعدادد. محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌السلم وتطبيقاته المعاصرةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعداد الشيخ حسن الجواهري

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعداد نزيه كمال حماد

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. سامي حسن حمود

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. حسين كامل فهمي

- ‌الحسابات والودائع المصرفيةإعدادد. محمد علي القري

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. حمد عبيد الكبيسي

- ‌الودائع المصرفية(تكييفها الفقهي وأحكامها)إعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌أحكام الودائع المصرفيةتأليفالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌الحسابات الجاريةوأثرها في تنشيط الحركة الاقتصاديةإعدادد. مسعود بن مسعد الثبيتي

- ‌الاستثمار في الأسهموالوحدات والصناديق الاستثماريةإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌ موضوع الاستثمار في الأسهم

- ‌الاستثمار في الأسهمإعدادد. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثماريةإعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌مناقصات العقود الإداريةعقود التوريد ومقاولات الأشغال العامةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌المناقصات(عقد الاحتياط ودفع التهمة)إعدادالشيخ حسن الجواهري

- ‌انخفاض قيمة العملة الورقية بسبب التضخمالنقدي وأثره بالنسبة للديون السابقةوفي أي حد يعتبر الانخفاض ملحقاً بالكسادإعدادالدكتور مصطفى أحمد الزرقا

- ‌التضخم والكسادفي ميزان الفقه الإسلاميإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌حكم ربط الحقوق والالتزاماتبمستوى الأسعارإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌أثر التضخم والكسادفي الحقوق والالتزامات الآجلةوموقف الفقه الإسلامي منهإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌مفهوم كساد النقود الورقيةوأثره في تعيين الحقوق والالتزامات الآجلةحدود التضخمالتي يمكن أن تعتبر معه النقود الورقية نقودًا كاسدةإعدادالدكتور ناجي بن محمد شفيق عجم

- ‌كساد النقود الورقية وانقطاعها وغلاؤها ورخصهاوأثر ذلك في تعيين الحقوق والالتزاماتإعدادالدكتور محمد علي القري بن عيد

- ‌كساد النقود وانقطاعهابين الفقه والاقتصادإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ خليل محي الدين الميس

- ‌سد الذرائعإعدادأ. د وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ محمد الشيباني بن محمد بن أحمد

- ‌سد الذرائععند الأصوليين والفقهاءإعدادالأستاذ الدكتور خليفة بابكر الحسن

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ مجاهد الإسلام القاسمي

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور علي داود جفال

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌مقارنة بين الذرائع والحيلومدى الوفاق والخلاف بينهماإعدادحمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ الدكتور الطيب سلامة

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور أحمد محمد المقري

- ‌مبدأ التحكيمفي الفقه الإسلاميإعدادالمستشار محمد بدر يوسف المنياوي

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميمبدؤه وفلسفتهإعدادالدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري

- ‌التحكيمإعدادالأستاذ الدكتور عبد العزيز الخياط

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعداد الأستاذ محمود شمام

- ‌نقص المناعة المكتسبة(الإيدز)أحكامه وعلاقة المريض الأسرية والاجتماعيةإعدادالدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌الأسرة ومرض الإيدزإعدادالدكتور جاسم علي سالم

- ‌إجراءات الوقاية الزوجية في الفقه الإسلاميمن مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)إعدادالشيخ أحمد موسى الموسى

- ‌ملخصلأعمال الندوة الفقهية السابعة

- ‌الإيدز ومشاكله الاجتماعية والفقهيةوثيقة مقدمة منالدكتور محمد علي البار

الفصل: ‌سد الذرائعإعدادالشيخ الدكتور الطيب سلامة

‌سد الذرائع

إعداد

الشيخ الدكتور الطيب سلامة

عضو المجلس الإسلامي الأعلى بتونس

بسم الله الرحمن الرحيم

تعريف الذرائع

في اللغة:

الذرائع: صيغة للجمع، مفرده: ذريعة.

والذريعة في اللغة: تطلق بإزاء معان عدة، منها الوسيلة إلى الشيء والطريق إليه.

قال في القاموس: تذرع بذريعة توسل بوسيلة، وكذا في مختار الصحاح.

كما أطلق اسم الذريعة على الدابة التي تشد في موضع ليأوي إليها البعير الشارد؛ لأنه كان يألفها قبل شروده، فإذا رآها اقترب منها، فيسهل إمساكه (1) .

المراد من سد الذرائع:

عمد ابن فرحون إلى بيان المراد من سد الذرائع لدى علماء الشريعة فقال: معنى ذلك حسم وسائل الفساد، فمتى كان الفعل السالم عن المفسدة وسيلة إلى المفسدة منعنا من ذلك الفعل" (2) .

أما الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات، فقد عني بسد الذرائع واعتبرها قاعدة شرعية، وأرجعها إلى مقصد من مقاصد الشريعة، وهو الحكم على الأفعال بالنظر إلى ما تؤول إليه من خير أو شر. وعلى النظر في مآلات الأفعال يتوقف حكم المجتهد على الأفعال الصادرة عن المكلفين.

(1) عن شيخ الإسلام: الطاهر ابن عاشور، انظر مقاصد الشريعة الإسلامية: 116، (طبعة الشركة التونسية للتوزيع، 1978)

(2)

تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، لقاضي برهان الدين إبراهيم بن فرحون (المطبعة البهية: مصر 1302 هـ) : 275، 2

ص: 1597

وبعد الاستدلال بأدلة عقلية وأخرى نقلية، عدد الشاطبي جملة من القواعد الشرعية المنضوية تحت هذا المقصد، فكان في مطلعها قاعدة سد الذرائع، ثم اتبعها

بالقواعد التالية:

- قاعدة الحيل الموسومة عند بعضهم بأنها شرعية.

- وقاعدة مراعاة الخلاف، مثل مراعاته في الأنكحة الفاسدة إذ يقضى بتصحيحها بعد الدخول، وترتيب أحكام النكاح الصحيح عليها، لحديث: ((أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها

)) الذي جاء فيه:

((فإن دخل بها فلها المهر بما استحل منها))

- وقاعدة الاستحسان المعروفة عند مالك بأنه: الأخذ بمصلحة جزئية في مقابلة دليل كلي دفعا لمفسدة، أو اتقاء فوت مصلحة، أو تحاشيا من حرج أو من مشقة.

فالاستحسان عند مالك غير خارج عن الأدلة بيد أنه نظر إلى لوازم هذه الأدلة ومآلاتها.

- قاعدة المصالح إذا اكتنفها من خارج بعض المفاسد، فلا تخرجها عن أصلها، وتبقى مشروعية المصلحة مع التحفظ قدر الاستطاعة من العوارض المكتنفة، فلا يترك الإنسان شهود الجنائز أو طلب العلم بدعوى أن في طريقه مناكر يسمعها أو يراها.

ص: 1598

فهذه القواعد راجعة كلها إلى اعتبار مآلات الأعمال باعتبارها مقصدا شرعيا لازما في كل حكم على الإطلاق (1) .

وقد أفاض الشاطبي في بيان مسألة أن النظر في مآلات الأفعال معتبر ومقصود شرعا يشهد لذلك الاستقرار التام للأدلة الشرعية، وكم من عمل مشروع تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نهى عنه لأنه يؤول إلى مفسدة، فقد أشير عليه صلى الله عليه وسلم بقتل من ظهر نفاقه فأبى وقال:((أخاف أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه)) ، كما أشير عليه صلى الله عليه وسلم بإعادة بناء الكعبة على قواعد إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام فقال:((لولا قومك حديث عهدهم بكفر لأسست البيت على قواعد إبراهيم)) وكم من عمل غير مشروع ترك النهي عنه لما في ذلك من المصلحة، ومن أمثلة ذلك حديث الأعرابي الذي بال في المسجد، فقد أمر بتركه حتى يتم بوله، وقال:((لا تزرموه)) ؛ لأنهم لو نهروه وقطعوا عليه بوله لأعطوه صورة سيئة عن الغلظة بالمعاملة، ولحملوه على تلويث ثيابه وجسمه ولتعددت مواضع النجاسة بدل حصرها في موضع واحد.

ويختم الشاطبي المسألة العاشرة من كتاب الاجتهاد بهذه النتيجة فيقول: وكذلك الأدلة الدالة على سد الذرائع كلها، فإن غالبها تذرع بفعل جائز إلى عمل غير جائز، فالأصل على المشروعية لكن مآله غير مشروع، والأدلة الدالة على التوسعة ورفع الحرج كلها، فإن غالبها سماح في عمل غير مشروع في الأصل، لما يؤول إليه من الرفق المشروع، ولا معنى للإطناب بذكرها لكثرتها واشتهارها" (2) .

(1) انظر: الشاطبي، الموافقات: 4، 100-106 (ط. أولى تونسية 1302 هـ) .

(2)

انظر: الشاطبي، الموافقات: 4، 100

ص: 1599

ويختم الشاطبي هذه المسألة العاشرة من كتاب الاجتهاد مستشهدا بكلام ابن العربي –رحمه الله عل أن الخلاف فيها مزعوم، وأنها محل اتفاق بين العلماء فيقول: قال ابن العربي حين أخذ تقرير هذه المسألة: "اختلف الناس –بزعمهم فيها- وهي متفق عليها بين العلماء، فأفهموها وادخروها"(1)

وتعرض القرافي لمعنى سد الذرائع عند حديثه على قاعدة المقاصد وقاعدة الوسائل في الفرق الثامن والخمسين فقال: معنى سد الذرائع هو حسم مادة وسائل الفساد دفعا لها، فمتى كان الفعل السالم عند المفسدة وسيلة للمفسدة منع مالك من ذلك الفعل في كثير من الصور (2) .

وسمى ابن العربي سد الذرائع –في كتاب الأحكام- بقاعدة الذريعة، واعتبراها قاعدة غير مطردة بل هي مقيدة بتنصيص الشرع حيث قال: وقاعدة الذريعة التي يجب سدها شرعا هو ما يؤدي من الأفعال المباحة إلى محظور منصوص عليه لا مطلق محظور (3) .

(1) انظر: الشاطبي، الموافقات4، 100.

(2)

اتفق القرافي في بيان معنى لسد الذرائع مع كلام ابن فرحون المتقدم؛ وخص ذلك بأنه في كثير من الصور لا في جميعها.

(3)

ابن حسين: تهذيب الفروق (على هامش الفروق) ؛ انظر التنبيه الأول من التنبهين في آخر الفرق الثامن والخمسين.

ص: 1600

ويتجلى عدم اطراد القاعدة فيما قال به مالك وأبو حنيفة من جواز شراء الولي من مال يتيمه على أشهر الأقوال، فلم يلتفت الإمام مالك للتهمة، ولم يعمل بقاعدة سد الذرائع، وإنما اشترط أن يكون في شراء الولي مصلحة وإصلاح ليتيمه مصداقا للحكم في قوله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة: 220] فقد أذنت الآية في مخالطة اليتامى حتى لا يتسبب الخوف من مخالطتهم في تركهم وترك التعامل معهم، وبالتالي في عزلهم عن المجتمع الذي يعيشون فيه. لذا رغم قيام التهمة في هذا الشراء لم تطبق القاعدة في سد الذرائع، وأوكلت الشريعة الأولياء والحاضنين لهؤلاء اليتامى إلى أمانتهم وإلى تقوى نفوسهم، وحذرتهم بقوله تعالى:{وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] . وكم من أمر مخوف وكلت الشريعة المطهرة أمره إلى أمانة المكلف، وإلى خوفه من الله في الدنيا ومن لقائه يوم يلقاه، فقد جعل الله تعالى النساء مؤتمنات على فروجهن يصدقن في ذلك، ويؤخذ لقولهن، ولو أنهن لا يسلمن من احتمال التهمة، رغم ما يترتب على قولهن من أحكام خطيرة الشأن ترتبط بالحل والحرمة، وترتبط بالأنساب وبالأعراض. فقد وكل الله لهن أمر ما في أرحامهن باعتبارهن مؤتمنات عليها، وأمرهن أن لا يكتمن ما خلق الله فيها، وذلك في قوله تعالى:{وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} [البقرة: 228] وفي طالع باب بيع الآجال من شرح التلقين، جاء كلام الإمام المازري رحمه الله، في بيان معنى سد الذرائع، إذ قال: سد الذرائع منع ما يجوز لئلا يتطرق به إلى ما لا يجوز.

ص: 1601

هذا وقد دقق الشيخ محمد طاهر ابن عاشور وأفاد في بيان المراد من سد الذرائع في كتابه " مقاصد الشريعة الإسلامية " حيث قال: هذا المركب (يشير إلى العنوان: سد الذرائع) لقب في اصطلاح الفقهاء لإبطال الأعمال التي تؤول إلى فساد معتبر وهي في ذاتها لا مفسدة فيها.

ثم بين أنه ليس من الغريب أن تفضي الأعمال الصالحة إلى مفاسد، بل ذلك شائع في كثير من الأمور الصالحة.

وأقام الدليل على ذلك فقال:

بل كان ذلك الإفضاء إلى الفساد غير حاصل إلا عند كمال الأمور الصالحة. مثل النار فإن حالة كمالها، وهو اشتعالها الذي به صلاح الموقدين، هي حالة أفضاء إلى مفسدة الإحراق.

وليس الإبطال في سد الذرائع لاحقا بجميع الأعمال التي تؤول إلى مطلق فساد، بل لا بد من قيد اعتبار الشرع لهذا الفساد، وفي هذا يقول رحمه الله:

فاعتبار الشريعة بسد الذرائع يحصل عند ظهور غلبة مفسدة المآل على مصلحة الأصل، فهذه هي الذريعة الواجب سدها (1) .

(1) مقاصد الشريعة الإسلامية: 116 (ط. الشركة التونسية للتوزيع. تونس 1978) .

ص: 1602

وليست كل الذرائع يجب سدها واعتبارها والاعتداد بها، وإنما يعتد لما اعتبره الشرع دون سواه، وما اعتبره الشرع يرجع في نظره إلى الموازنة بين ما في الفعل الذي هو ذريعة من المصلحة وما في مآله من المفسدة، وتستند هذه الموازنة إلى قاعدة تعارض المصالح والمفاسد التي هي راجعة إلى مقصد عام للشريعة الإسلامية في الإصلاح وإزالة الفساد.

وأخذ الشيخ على شهاب الدين القرافي أنه لم يبحث عن وجوب الاعتداد ببعض هذه الذرائع دون بعض.

ولئن لم يتحدث القرافي في (الفرق الرابع والتسعون والمائة: بين قاعدة ما يسد من الذرائع وقاعدة ما لا يسد منها) في مسألة الاعتداد ببعض هذه الذرائع دون بعض، وفقا لنظرة الموازنة بين ما في الفعل الذي هو ذريعة من مصلحة وما في مآله من مفسدة، فإنه بحث في المسألة من وجهة أخرى، هي وجود التهمة المتمثلة في إظهار ما يجوز لإخفاء ما لا يجوز، ونقل في ذلك ما جاء في الجواهر حيث قال: وضابط هذا الباب أن المتعاقدين إن كانا يقصدان إظهار ما يجوز ليتوصلا به إلى ما لا يجوز، فيفسخ العقد، إذا كثر القصد إليه اتفاقًا. وختم القرافي الفرق المذكور بهذه الحصيلة التي يراها الشيخ ابن عاشور رحمه الله كافية حيث قال القرافي –رحمه الله:"والأصل أن ينظر: ما خرج من اليد وما خرج إليها، فإن جاز التعامل به صح، وإلا فلا. ولا تعتبر أقوالهما بل أفعالهما فقط. فهذا هو تلخيص الفرق بين الذرائع التي يجب سدها والذرائع التي لا يجب سدها"(1) .

(1) انظر كلام القرافي في آخر الفرق الرابع والتسعين ومائة

ص: 1603

والواقع أن ما قرره الشيخ ابن عاشور في مسألة ما يجب سده من الذرائع وما لا يجب، لم أقف عليه لسواه فيما اطلعت عليه، فكان كلامه جديرا بالتأمل والاعتبار، وذلك لأنه أتى بأمرين: الأول: أنه اصل هذه القاعدة باعتبارها مقصدا تشريعيا عظيما استفيد من استقراء تصرفات الشريعة في مجالات ثلاثة:

- وفي تشريع الأحكام.

- وفي سياسة التصرف مع الأمم.

- وفي تنفيذ المقاصد.

وقد حصل هذا التأصيل بإرجاع قاعدة سد الذرائع إلى المقصد الشرعي العام الذي قام عليه الشرع الإسلامي وهو: الإصلاح، وإزالة الفساد: والذي اقتضى النظر إلى أفعال المكلفين والموازنة بين ما فيها من مصلحة وبين ما تؤول إليه من مفسدة.

الثاني: أنه تأمل الذريعة فوجدها على قسمين:

1-

قسم لا يفارقه كونه ذريعة إلى الفساد بصورة مطردة بحيث يكون الفساد من خاصة ماهيته. وعلى هذا القسم بنت الشريعة أحكاما صريحة مثل حرمة شرب الخمر. وعد الفقهاء هذه الأحكام من الثوابت في الشريعة نظرا إلى كونها ذريعة إلى الفساد بصورة مطردة كما اقترن شرب الخمر بجملة من المفاسد والمضار الجسمية والمالية والاجتماعية. وهذا القسم هو أصل القياس.

2-

قسم قد يتخلف مآله إلى الفساد تخلفا قليلا أو كثيرا. وهذا القسم على

ضربين:

- بعضه قد كان سببا لتشريع منصوص منذ عهد الرسالة مثل بيع الطعام قبل قبضه.

- وبعضه لم يحدث موجبه في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وأوكل أمره إلى الفقهاء يوم حدث فجاء حكمه محل اتفاق بينهم في الأفعال التي اتضح إفضاؤها إلى المفسدة. وجاء الحكم محل خلاف بينهم، فيما دون ذلك من الأفعال التي لم يتضح إفضاؤها إلى المفسدة اتضاحا بينًا.

وكان ذلك الاختلاف تابعا للاعتبارات التالية:

- مقدار اتضاح إفضاء ذلك الفعل إلى المفسدة وخفائه.

- وكثرة ذلك الإفضاء وقلته.

- وجود المعارض الذي يفضي إلى إلغاء المفسدة وعدم وجوده.

- دوام إفضاء ذلك الفعل إلى المفسدة أو توقيته.

- قرب المقيس من الأصل المقيس عليه وبعده باعتبار أن هذا القسم هو الفرع

المقيس، وأن القسم الأول المتقدم هو الأصل المقيس عليه.

- اعتداد مالك بالتهمة في بيوع الآجال حين اعتبر قصد الناس إليها قد أدى

إلى شيوعها وانتشارها، فأفضى ذلك إلى المفسدة التي لأجلها حرم الربا

ص: 1604

ورغم أنه ليس لقصد الناس تأثير في التشريع فإنه إذا فشا صار بمثابة مآل الفعل الذي له اعتبار في الشرع، وخاصة إذا قصد به استحلال الممنوع. فلم يعتد مالك بالتهمة لمجرد كونها تهمة، وإنما من وجهة كونها علامة عل تمالي اناس على إحلال المفسدة الممنوعة.

ولو كان الأمر لمجرد التهمة للزم عليه أن لا يمنع ما صدر من هذه الذرائع عن أهل الدين والاستقامة والفضل، كما جاء في اعتراض القرافي في الفرق الرابع والتسعين والمائة.

الفرق بين الذريعة والسبب وبين الذريعة

والوسيلة المستلزمة للمتوسل إليه

جرى اصطلاح العلماء على تسمية الذرائع بالأسباب والطرق والوسائل، باعتبار أنها أسماء لمسمى واحد مؤداه كل ما يتوصل به أو يفضي إلى مقصد من المقاصد أو غاية من الغايات.

جرى المالكية والحنابلة على هذا:

قال شهاب الدين القرافي في مفتتح الفرق الثامن والخمسين الذي تحدث فيه على قاعدة المقاصد وقاعدة الوسائل: "وربما عبر عن الوسائل بالذرائع وهو اصطلاح أصحابنا وهذا اللفظ المشهور في مذهبنا، ولذلك يقولون سد الذرائع، ومعناه حسم مادة وسائل الفساد دفعا لها

". فدل كلامه هذا على ترادف اللفظين: الوسائل والذرائع عند العلماء المالكية. ويقول في التنبيه الرابع من الفرق الثامن والخمسين نفسه: "

فإن الأسباب

من جملة الوسائل

". فقد أثبت التداخل بين الأسباب والوسائل لأنها مثل الوسائل، فكما أن الوسائل تستلزم متوسلا إليه، فإن الأسباب تفضي إلى مسبباتها وممن سلك مسلك عدم التفريق بين هذه الكلمات: الذرائع، والوسائل، والأسباب، والطرق، شمس الدين ابن القيم الجوزية في كتابه: إعلام الموقعين، حيث عقد فصلا مهما للحديث على الوسائل وكونها تأخذ حكم المقاصد، وعنونه بقوله: "فصل في سد الذرائع".

ص: 1605

ويستنتج من كلامه في هذا الفصل أن هذه الكلمات الأربع ذات مسمى واحد، إذ بها يتوصل إلى المقاصد، ولما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بهذه الذرائع، والأسباب، والطرق والوسائل، أخذت حكم مقاصدها وغاياتها، وعلى ذلك جرت القاعدة التي تقول: للوسائل حكم المقاصد، أو التي تقول: وسيلة المقصود تابعة للمقصود، ومعنى ذلك: أن وسائل المحرمات والمعاصي لها حكم الكراهة والمنع بحسب إفضائها إلى غاياتها، وبحسب ارتباطها بها. كما تكون وسائل الطاعات والقربات، في الترغيب فيها والحث عليها بحسب ارتباطها بها أيضًا. وإذا رمنا التدقيق بين الذريعة والسبب من جهة، وبين الذريعة والوسيلة المستلزمة للمتوسل إليه لتحصيل ما بين هذه الكلمات من أوجه التماثل والتباين نجد:

أن السبب في اللغة هو الحبل، ويطلق أيضا على كل ما يتوصل به إلى غيره.

وأنه –في الاصطلاح- وصف ظاهر منضبط دل الدليل السمعي على كونه علامة على حكم شرعي، بقطع النظر عن وجود علاقة التلازم بينه وبين مسببه عادة، كما هو الشأن بين الحكم وعلته من التلازم الحتمي مثل عقاب الجناة، فإنما وجب لدرء مفسدة الظلم والاعتداء على الغير.

ص: 1606

وحكم السبب أنه متى وجد ترتب على وجوده وجود المسبب إذا توفرت الشروط وارتفعت الموانع، فأشبه العلامة الشرعية والتوقيت للحكم مثل: دلوك الشمس فهو علامة على دخول وقت الظهر وتوقيت لوجوبها، ولا علاقة في العادة بين دلوك الشمس ووجوب صلاة الظهر إلا بما نصبه الشارع فجعل هذا الدلوك سببا وتوقيتا وعلامة على وجوب صلاة الظهر، ويتبين أن المسبب بترتيب الشارع وبصنع الله تعالى وإرادته، لا بترتيب الإنسان.

وقد يكون السبب مناسبا لحكمه الذي هو المسبب كالسفر الطويل المبيح للفطر بعلة كونه مظنة المشقة، وكالإسكار المانع من شرب الخمر بعلة الحفاظ على العقل.

أما الذريعة فهي –كما أسلفنا- الوسيلة المشروعة التي تفضي أو تؤول إلى نتيجة غير مشروعة تحقيقا أو تقديرا كما هو مبين في أقسام الذرائع باعتبار قوة إفضائها إلى النتيجة وضعف ذلك.

وتختلف الذريعة عن السبب في كونها يتوصل بها إلى ما فيه مفسدة –إذا كانت من الذرائع المطلوب سدها- دون أن يتوقف عليها وجود تلك المفسدة، كالسفر المباح في الأصل، فإنه ينقلب إلى معصية إذا صار طريقا وذريعة إلى قطع الطريق مثلًا، فلا يفطر صاحبه ولا يقصر الصلاة؛ لأن المعاصي لا تكون أسبابا للرخص، وليس لازما أن يكون المسافر عاصيا بسفره، فقد يعصي المقيم ولا يعصي المسافر، وقد يحصل قطع الطريق وقتل الغير أو غصب أمواله دون توقف على السفر. وليس الأمر في السبب كالذريعة: إذ لا وجود للمسبب دون وجود سببه، وقد يوجد المتذرع إليه دون وجود الذريعة، مثل غصب أموال الغير، فقد يتذرع إليها بالسفر، وقد يتوصل إليها دون سفر.

ص: 1607

والمدار في هذا الموضوع: أن لا تكون المعاصي أسبابا للرخص، فلا يكون سفر قاطع الطريق مبيحا لقصر الصلاة ولا للفطر بخلاف ما إذا قارنت المعصية سبب الرخصة كمن اضطر لأكل الميتة وهو في سفر معصية، فإنه أكلها بسبب الاضطرار والخوف من تلف النفس وليس هذا بمعصية، وإن قارن هذا السبب معصية وهي السفر لقطع الطريق مثلًا.

وقد عقد القرافي تنبيهه الأخير من الفرق الثامن والخمسين فقال: تفرع على هذا الفرق فرق آخر وهو: الفرق بين كون المعاصي أسبابا للرخص، وبين كون المعاصي مقارنة لأسباب الرخص فإن الأسباب من جملة الوسائل، وقد التبس الأمر هاهنا على كثير من الفقهاء، فأما المعاصي فلا تكون أسبابا للرخص. ولذلك العاصي بسفره لا يقصر ولا يفطر لأن سبب هذين السفر، وهو في هذه الصورة معصية، فلا يناسب الرخصة؛ لأن الأمر يؤول إلى تكثير تلك المعصية بالتوسعة على المكلف بسببها، وأما مقارنة المعاصي لأسباب الرخص فلا تمتنع إجماعًا، كما يجوز لأفسق الناس وأعصاهم التيمم إذا عدم الماء وهو رخصة، وكذلك الفطر إذا أضر به الصوم، والجلوس إذا أضر به القيام في الصلاة، ويقارض ويساقي ونحو ذلك من الرخص، ولا تمنع المعاصي من ذلك؛ لأن أسباب هذه الأمور غير معصية، بل هي عجزه عن الصوم ونحوه، والعجز ليس معصية، فالمعصية ههنا مقارنة للسبب لا سبب، وبهذا الفرق يبطل قول من قال إن العاصي بسفره لا يأكل الميتة إذا اضطر إليها؛ لأن سبب أكله خوفه على نفسه لا سفره، فالمعصية مقارنة لسبب الرخصة، لا أنها هي السبب. اهـ. مع بعض التصرف.

ص: 1608

وأما الوسيلة المستلزمة للمتوسل إليه فالعلاقة فيها بين السبب والمسبب لا تتخلف تحقيقًا، مثل إبرام عقد البيع المستلزم لإثبات جملة من الأحكام المرتبة عليه: من ثبوت التملك وحق التصرف والانتفاع وغيرها من منافع الملكية وحقوقها، ومن حق البائع في الثمن لا تبرأ منه ذمة المشتري إلا بإذنه للبائع. فالمالكية لا يفرقون بين سد الذرائع وتحريم الوسائل بل هما شيء واحد عندهم.

وفرق الشافعية، فقالوا بتحريم الوسائل المستلزمة للمتوسل إليه، والتي تفضي إلى مفسدة أو مضرة بصورة قطعية لا تحتمل التخلف، ولم يقولوا بسد الذرائع كما قال بها المالكية.

وحاول ابن الرفعة أن يسند للشافعي القول بسد الذرائع، وذلك من خلال ما جاء في باب "إحياء الموات" من كتاب الأم حيث ذكر النهي عن منع الماء المفضي إلى منع الكلأ وأنه يحتمل أن ما كان ذريعة إلى منع ما أحل الله لم يحل: وكذا ما كان ذريعة إلى إحلال ما حرم الله.

ورد تقي الدين ابن السبكي كلام ابن الرفعة معتبرا أن ما عده ابن الرفعة من سد الذرائع في مثال منع الماء، إنما أراد الشافعي منه تحريم الوسائل، والوسائل تستلزم المتوسل إليه، وذلك أن منع الماء مستلزم عادة منع الكلإ الذي هو حرام، ويضيف التقي السبكي قائلا: ونحن لا ننازع فيما يستلزم من الوسائل، ولذلك نقول: من حبس شخصا ومنعه الطعام والشراب فهو قاتل له، وما هذا من سد الذرائع في شيء.

ويقول التقي السبكي محددا موقف الشافعي: وكلام الشافعي في نفس الذرائع لا في سدها، والنزاع بيننا وبين المالكية إنما هو في سدها، ذلك أن الذريعة ثلاثة أقسام:

أحدها: ما يقطع بتوصيله إلى الحرام فهو حرام عندنا وعند المالكية.

والثاني: ما يقطع بأنها لا توصل، ولكن اختلطت بما يوصل، فكان من الاحتياط سد الباب، وإلحاق الصورة النادرة التي قطع بأنها لا توصل إلى الحرام بالغالب منها الموصل إليه. يقول ابن السبكي: وهذا غلو في القول بسد الذرائع.

والثالث: ما يحتمل ويحتمل، وفيه مراتب تتفاوت بالقوة والضعف، ويختلف الترجيح عند المالكية بسبب تفاوتها.

ثم قال: ونحن نخالفهم جميعا إلا في القسم الأول، لانضباطه وقيام الدليل عليه.

ثم قال: أما موافقتهم في القسم الأول فواضحة، بل نحن نقول في الواجبات بنظيره، ألا ترانا نقول: ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب، وبطريق الأولى أن نحرم ما يوقع في الحرام.

وأما مخالفتهم في القسم الثاني: فكذلك، وما أظن غير المالكية يذهب إليه، ولا أظنهم يتفقون عليه وأما القسم الثالث: فلعله الذي حاول ابن الرفعة تخريج قول الشافعي فيه بما ذكره من النص، وقد عرف ما فيه (1) . والحاصل أن الشافعية هم الذين يفرقون بين الذريعة والوسيلة المستلزمة للمتوسل إليه، وذلك بناء على ما اختاروه هم ومعهم الحنفية وأصحاب المذهب الظاهري من إنكار أن تكون الذرائع أصلا تشريعيا كما يراه الفريق المقابل الذي يضم المالكية والحنابلة والإمامية.

(1) انظر: التاج السبكي. الأشباه والنظائر: 1، 119-121ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1411هـ، 1991م) .

ص: 1609

المقارنة بين الذرائع والحيل الفقهية ومدى الخلاف أو الوفاق بينها

أسلفنا في مطلع هذا البحث ما يتعلق بتعريف الذرائع. أما الحيل فالمفرد حيلة، والفعل تحيل تحيلا فهو متحيل. والتحيل في العرف واللغة فعل مذموم تأنفه الكرامة لما في تعاطيه من كيد ومكر وخديعة، ولما في مضمر فاعله من خبث.

أما التحيل في العرف الشرعي فهو عبارة عن أعمال يأتيها بعض الناس في خاصة أحواله للتخلص من حق شرعي عليه، بصورة هي أيضا معتبرة شرعا حتى يظن أنه جار على حكم الشرع.

وقيل في التحيل أيضًا: هو عمل يتم به إبراز الممنوع شرعا في صورة عمل جائز، أو يتم به إبراز غير معتد به شرعا في صورة معتد به بقصد التفصي من المؤاخذة.

فالتحيل شرعا هو ما كان المنع فيه شرعيا والمانع الشارع.

والتحيل بناء على هذين التعريفين لا يكون إلا محظورا شرعا بيد أنه: تقديم عمل ظاهر الجواز لإبطال حكم شرعي.

فليس عند المحققين من العلماء شيء من الحيل يوصف بأنه مشروع بحجة أن كل الحيل إنما يقصد منها تعطيل مقصد شرعي أو إبطال حكم أو إسقاط شرط أو غير ذلك من أحكام الشريعة وحدودها.

وما ليس كذلك من الحيل الموصوفة بأنها مباحة فليس فيها في الواقع شيء من التحيل ولا ينطبق عليها اسم التحيل المقرون بالخبث والمكر والخديعة، وإنما هي أشياء أخرى كان الأجدر أن يطلق عليها اسم: حسن التدبير أو الحرص أو الورع، وليس من هذا القبيل التغرير بل خداع ممقوت. مثال حسن التدبير: من أحب امرأة فسعى لتحقيق زواجه منها لتحل له مخالطتها.

ص: 1610

مثال الحرص: ما حصل للصحابي أبي بكرة رضي الله عنه لما دخل المسجد فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم راكعًا، وخشي فوات الركعة وأحب أن يكون في الصف الأول تحصيلا لثوابه، فركع ومشى راكعا حتى أدرك الصف الأول. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:((زادك الله حرصا ولا تعد)) . مثال الورع: اتخاذ الآلة أو أية وسيلة أخرى للتوجه في الصلاة لعين القبلة في حين يكفيه معرفة الجهة على العموم، واتخاذ منبه لئلا يفوت وقت الصبح، وإلزام المريض نفسه بالصوم وهو مرخص له في الإفطار ومثله المسافر.

ومن ورع التخلص من الورطة باستخدام الألفاظ وتطويعها للإيهام كحال الرجل من أهل السنة ضمه مجلس من أهل الشيعة، لما سألوه: من أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أجاب:"الذي كانت ابنته تحته"، فأوهمهم أنه علي في حين يريد أبا بكر رضي الله عنهما، وذلك تبعا لاحتمال معاد الضميرين في الجملة.

وليس التغرير من صنف ما أسلفنا بل هو تحيل على الناس ليوقعهم في الفخ كمن يراود خصمه على الصلح لا بقصد الصلح ولكن بقصد تطمينه والحصول على إقراره.

وقد أشار المحققون من العلماء إلى علاقة التناقض القائمة بين سد الذرائع وتجويز الحيل إذ بسد الذرائع يمنع الجائز خشية الوقوع في المحرم أو في المفاسد، وبتجويز الحيل يفسح الطريق لذلك ومنع الحيل على القول به من طرف الجمهور يؤول إلى سد الذرائع كالذي تقرر شرعا من أن اليمين إذا تعلقت بحق الغير فإنها تكون على نية المستحلف (أي صاحب الحق الطالب لليمين) دفعا لتحيل الحالف، وإبقاء على نجاعة اليمين في فصل النزاعات.

وبهذا الاعتبار يكون بين الذرائع والحيل عموم وخصوص كما أن مجال التطبيق في الحيل: الأحوال الخاصة للتخلص من حق شرعي، أما الذرائع فمجالها الأحوال العامة.

ومن جهة أخرى فإن الحيل تتوقف على قصد المتحيل بخلاف الذرائع فهي تفضي إلى المفسدة سواء قصد الناس أو لم يقصدوا، كما أن الحيل لا تكون إلا مبطلة لمقصد شرعي بخلاف الذرائع فقد لا تكون مبطلة لمقصد شرعي، كما سيأتي بيانه في تقسيم الذرائع.

ص: 1611

فالفروق بين الحيل والذرائع ثلاثة:

الأول: ما بينهما من عموم وخصوص.

الثاني: توقف الحيل على القصد دون الذرائع.

الثالث: حتمية إبطال مقصد شرعي في الحيل ولا يكون ذلك في سد الذرائع.

ويبدوا أن الإجماع حاصل حول القول بمنع الحيل التي تؤول إلى إسقاط حكم أو إبطال مقصد شرعي صراحة وبوضوح، وإن أجاز بعض فقهاء الحنفية وبعض الشافعية هذه الحيل التي لم يقصد بها إبطال الأحكام صراحة.

وقال بمنعها مالك والشافعي وأحمد منعا مطلقا بناء على أن الشريعة قائمة أساسا على مصالح مقصودة، وأن كل الوسائل والذرائع التي تفوت هذه المصالح يجب سدها.

ويستند المجيزون للحيل الشرعية (كما يسمونها) على جملة من الأدلة النقلية من الكتاب والسنة، يقول عنها شيخ الإسلام ابن عاشور في مقاصد الشريعة الإسلامية:"من يجعل المكابرة ظهريا يوقن بأن ما يجلب لصحة التحليل الشرعي من الأدلة، إنما هي أدلة غير متبصر بها، ولا يعسر عليه بعد هذا تنزيلها منازلها وإبداء الفروق بينها". من هذه الأدلة: ما روي في الموطأ وصحيح مسلم أنه لما أبطل التبني، وكان سالم مولى أبي حذيفة متبنيا لأبي حذيفة، فجاءت سهلة بنت سهيل زوج أبي حذيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت:"يا رسول الله إن سالما يدخل علينا وأنا فضل، وليس لنا إلا بيت واحد" فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أرضعيه تحرمي عليه)) فقالت: يا رسول الله كيف أرضعه وهو كبير؟ فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ((قد علمت أنه رجل كبير)) فقالت نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة وامتنعن –رضي الله عنهن أن يدخل عليهن أحد بمثل هذه الرضاعة. وإذا أضفنا إلى ما قاله الزوجات الطاهرات وفعلنه وما قاله لهن صلى الله عليه وسلم بعد ذلك (في الأظهر) : ((انظرن من يدخل عليكن بالرضاعة، فإنما الرضاعة من المجاعة)) لا يبقى لفقيه شك في كون الرضاعة، وفي كون ما حصل لسالم إنما هو رخصة أوجبتها شدة الوقع على نفس المؤمنين من جراء إبطال التبني مع عدم سبق تمهيد له.

فكان التراخيص للرفق مع حصول صورة حكم شرعي ليحصل احترام التشريع الجديد، ولا تقع مخالفته إلا في جزئية خاصة، وقد رخص فيها (1) .

(1) ابن عاشور. المقاصد: 114-115

ص: 1612

ويوالي شيخ الإسلام ابن عاشور –رحمه الله استعراض هذه الأدلة، وينزلها منازلها فيذكر: - الرجل الذي زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة –التي عرضت نفسها عليه والذي ليس معه مهر ولا يجد مهراً- بما معه من القرآن. ويبين أنها خصوصية جعلت لها صورة تشبه الصورة المعروفة إبقاء على حرمة حكم المهر.

- ما ورد في قضية أيوب عليه السلام من قوله تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} [ص: 44] عندما حلف أن يضرب امرأته ضربات، ولما ذهب غضبه أشفق عليها، وحصل له توقف كيف يبر يمينه فأمره تعالى بأن يضربها بضغث من عصي، فقد يكون شرعا شرعه له أو رخصة خاصة لنبيه حتى يعينه على الخروج من الأزمة دون استخفاف بحرمة اسم الله تعالى.

- ما ورد في قضية يوسف عليه السلام وهو قوله تعالى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} [يوسف: 76] . فليس من قبيل التحيل على شريعة إلهية، وإنما هو أمر محبوب لا يمنعه شرع إلهي بدليل قوله:{فِي دِينِ الْمَلِكِ} [يوسف: 76] والملك هو فرعون.

وعلى فرض التسليم بأن هذه حيل هل هي صالحة للقياس عليها والنسج على منوالها؟ أو بعبارة أخرى: هل تصلح أصلا للقياس؟.

الجواب واضح، وهو أن ما يجعل أصلا للقياس عليه لا بد أن يشمل على معنى وحكمة تصحح القياس عليها، وقد سبق تقرير أن الحيلة مخالفة للحكم مفوتة للمقصد! فكيف يمكن القياس عليها وجعلها أصلا لحق به الأشباه والنظائر؟ وفي آخر هذا المبحث يحسن التنبيه إلى أن الحلال –في هذا الموضوع- بين والحرام بين، فمن وهب ماله قبل الحول بيوم ليسقط عن مال واجب الزكاة، ثم رجع في هبته بعد ذلك هو متحيل ماكر.

ص: 1613

ومن حول ماله إلى شراء عروض التجارة قبل الحول فقد انتقل من حالة مشروعة إلى حالة أخرى مشروعة وليس تحيلا بأي وجه ولم يفر من الزكاة ولم يهرب من الواجب كالأول بل انتقل بماله من زكاة العين إلى زكاة العروض والتجارة، وفي كل حكم وفي كل حكمة والشرع لا يمنع من ذلك ولا يسميه تحيلا بالمرة.

أقسام الذرائع بحسب القطع بتوصيلها للحرام وعدم القطع أحكامها وشروطها

اعتبارا لما ذهب إليه جمهور العلماء من أن الوسائل تأخذ حكم المقاصد، وأن وسيلة المقصود تابعة للمقصود، وكلاهما مقصود لكنه مقصود قصد الغايات، وهي مقصودة قصد الوسائل (1) .

وتبعا لما تقرر لدى الحذاق من العلماء من أن سد الذرائع من أدلة الفقه، وأنه مقصد تشريعي عظيم استفيد من استقراء تصرفات الشريعة في تشاريع أحكامها (2) . تأمل هؤلاء العلماء في الذرائع فأصلوها وقسموها إلى أقسامها بحسب ما تفضي إليه على وجه القطع أو على وجه الاحتمال فقسمها ابن القيم إلى أقسام أربعة هي (3) :

الأول: وسيلة موضوعة للإفضاء إلى مفسدة، والمفسدة من ماهيتها.

الثاني: وسيلة موضوعة للمباح قصد بها التوسل إلى المفسدة.

الثالث: وسيلة موضوعة للمباح لم يقصد بها التوسل إلى المفسدة لكنها مفضية إليها غالبا ومفسدتها أرجح من مصلحتها.

الرابع: وسيلة موضوعة للمباح، وقد تفضي إلى المفسدة ومصلحتها أرجح من مفسدتها.

(1) ابن القيم، إعلام الموقعين: 147، 3 (ط. أولى، مطبعة السعادة بمصر، 1374هـ/1995م) .

(2)

ابن عاشور. المقاصد: 117

(3)

ابن القيم. إعلام الموقعين: 148، 3

ص: 1614

مثال القسم الأول: شرب الخمر المفضي إلى مفسدة السكر والضرر بالعقل.

القذف المفضي إلى مفسدة الفرية.

الزنا المفضي إلى مفسدة اختلاط النسل وفساد الفراش.

حكم هذا القسم: المنع المتردد بين الكراهة والحرمة بحسب عظم المفسدة وصغرها.

مثال القسم الثاني: نكاح المحلل للمطلقة ثلاثا لزوجها الأول.

البيع المتخذ صورة لتغطية مفسدة الربا.

حكم هذا القسم: إبطال الوسيلة وسد الذريعة إذا تبين القصد إلى المفسدة سواء بإظهار ذلك في العقد، أو بتمالي الناس على الفعل حتى ظهرت المفسدة.

والمعيار في هذا هو الموازنة بين المصلحة في الغاية المفضي إليها والمآل المتوسل إليه، وفي هذا اختلفت الأنظار لدى العلماء.

مثال القسم الثالث: صلاة التطوع لغير سبب في وقت النهي.

تزين المتوفى عنها في عدتها.

سب أرباب المشركين بمحضرهم.

بيع السلاح في الفتنة.

بيع العنب للخمار

إلخ من الأمثلة.

حكم هذا القسم: حكمه كسابقه المنع إذا رجحت المفسدة، والجواز إذا رجحت المصلحة، واختلاف الأنظار والآراء فيما عدا ذلك.

ص: 1615

مثال القسم الرابع: النظر إلى المخطوبة والمستأمنة (المملوكة عند التقليب) . النظر إلى المشهود عليها والشريكة في المعاملات. فعل ذوات الأسباب (النافلة لسبب) وقت النهي. كلمة حق عند سلطان جائر. حكم هذا القسم: أنه مأذون فيه مأمور به ويتردد حكمه بين الإباحة والندب

والوجوب بحسب درجة المصلحة وأهميتها. وقد عقد ابن القيم –رحمه الله أوجها هي عبارة عن أمثلة من الكتاب والسنة، للتدليل على منع القسمين الثاني والثالث اللذين جرى فيهما خلاف بين العلماء وتباين في المدارك والأنظار، وأوصلها إلى تسعة وتسعين وجها مع الوقوف عند كل وجه وبيان ما فيه (1) . وقسم شيخ الإسلام ابن عاشور الذرائع بحسب القطع بتوصيلها إلى الحرام إلى قسمين رئيسيين متبعا في ذلك –فيما يبدو- منهجه الخاص على النحو التالي: القسم الأول: لا يفارقه كونه ذريعة إلى فساد بحيث يكون مآله إلى الفاسد مطردًا، أي بحيث يكون الفساد من خاصة ماهيته.

حكم هذا القسم: هو من أصول التشريع في الشريعة وعليه بنيت أحكام كثيرة منصوصة ومعروفة مثل تحريم الخمر وغيره من الأحكام المعلومة. وهذا القسم هو الأصل المقيس عليه في هذا الباب.

القسم الثاني: قد يتخلف مآله إلى الفساد تخلفا قليلا أو كثيرًا، وهذا القسم قد كان سببا للتشريع المنصوص مثل: منع بيع الطعام قبل قبضه، وبعضه لم يحدث موجبه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فكانت أنظار الفقهاء فيه من بعده متخالفة، فربما اتفقوا على حكمه وربما اختلفوا، وذلك تابع لمقدار إيضاح الإفضاء إلى المفسدة وخفائه، وكثرته وقلته، ووجود معارض ما يقتضي إلغاء المفسدة وعدم المعارض، وتوقيت ذلك الإفضاء ودوامه (2) .

مثال هذا القسم وحكمه: بيوع الآجال التي لها صور كثيرة والتي اختلفت أنظار أئمة المذاهب إليها:

فقال المالكية والحنابلة بمنعها وتبعهم الإمامية وخالفهم الشافعية والحنفية وتبعهم الظاهرية، ومنعها مالك لتذرع الناس بها كثيرا إلى إحلال معاملات الربا التي هي مفسدة.

وأخذ على مالك أنه يعتد بالتهمة في سد الذرائع، وليست التهمة سوى حكم بالظن أو الوهم.

والواقع أن مالكا لا يعتبر التهمة بذاتها ولا قصد الناس بذاته لولا دلالة ذلك على شيوع الفعل وانتشاره مما حول هذه البيوع إلا الإفضاء إلى مفسدة الربا المحرمة.

فحكم مالك بمنع بيوع الآجال سدا لذريعة الربا لم يستند فيه أساسا لمجرد تهمة أو لقصد الناس، وإنما استند لوجوب درء مفسدة دل عليها دليل من حال الناس وتماليهم على إحلال المفسدة الممنوعة، وليس للمقصد أثر في تغيير الحكم لولا أنه كان دليلا على إقبال الناس على مفسدة وإحلال ممنوع، قالوا: ألا ترى أن من كانت عادته في الجاهلية المعاملة بالربا فأسلم، فحول معاملته إلى السلم وتمعش منه، لم يكن فعله ممنوعا ولو قصد إلى استبدال أرباحه من الربا بأرباحه من السلم، ما دامت قد سلمت معاملاته من مفسدة الربا، واشتملت على المصلحة التي لأجلها أبيح السلم. وليس في الشريعة نكاية بالعباد حتى تحرمهم من ربحهم الجاري على الطريقة المشروعة لأجل مقاصدهم.

ويبدو بجلاء أن في هذا الباب مجالا فسيحا للنظر والتروي وإعمال الفكر لأن لسد الذرائع جانبا آخر لا بد لمن يفتي الناس من مراعاته، زيادة على ما تفضي إليه الذريعة من مصلحة أو مفسدة وهو جانب النفس اللوامة والوازع الديني المعبر عنهما في لغة العامة بالضمير وعلى حسب هذا الوازع ضعفا وقوة يكون التوسع أو التضييق في سد الذرائع.

يقول شيخ الإسلام ابن عاشور 0رحمه الله-: فيظهر لنا أن سد الذرائع قابل للتضييق والتوسع في اعتباره، بحسب ضعف الوازع في الناس وقوته (3) .

(1) ابن القيم. إعلام الموقعين: 3، 149-171

(2)

ابن عاشور. مقاصد الشريعة: 117

(3)

المرجع السابق: 118.

ص: 1616

موقف أئمة الفقه من الاحتجاج بسد الذرائع

سد الذرائع من أدلة الفقه عند المالكية والحنابلة والإمامية، وليس من أدلة الفقه عند الشافعية والأحناف ومثلهم الظاهرية.

أدلة الفريق الأول: يستدل الفريق الأول بجملة من الأدلة منها النقلية ومنها العقلية.

أدلتهم النقلية:

من الكتاب: قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108] . وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا} [البقرة: 104] . نهى تعالى عن كلمة (راعنا) لأنها اسم فاعل من الرعونة سدا لاستعمالها من طرف اليهود للإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

من السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) (1)، وقوله صلى الله عليه وسلم:((الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات، فمن اتقى المشتبهات استبرأ لدينه، ومن وقع في المشتبهات كان كالراتع حول الحمى يوشك أن يرتع فيه. وقال: ألا لكل ملك حمى، وإن حمى الله محارمه)) (2) . وقوله صلى الله عليه

وسلم: ((إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل: يا رسول الله كيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه)) (3) .

قال ابن رشد: "إن أبواب الذرائع في الكتاب والسنة يطول ذكرها ولا يمكن حصرها"(4) .

(1) رواه النسائي والترمذي والحاكم وصححاه عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.

(2)

رواه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه

(3)

رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو، ورواه أيضا أبو داود في سننه.

(4)

ابن رشد. المقدمات: 3، 185 (ط. دار الفكر بيروت، 1398هـ/ 1978م) .

ص: 1617

أما أدلتهم العقلية فيقولون:

أ- لو تتبعنا مواد التحريم في الكتاب والسنة لتبين لنا أن المحرمات على

قسمين:

منها ما هو محرم تحريم المقاصد مثل تحريم الشرك والزنا وشرب الخمر والقتل عدوانًا، ومنها ما هو محرم تحريم الوسائل والذرائع. وللتدليل على ذلك عدد ابن القيم في إعلام الموقعين تسعة وتسعين مثالا انتقاها من الكتاب والسنة.

ب- إن تحريم الشيء ومنعه يتطلب حتما سد الوسائل والطرق المفضية إليه، ويتم ذلك بتحريم هذه الوسائل ومنعها، ولو لم نفعل وأبحنا الطرق والوسائل الموصلة للحرام لوقعنا في التناقض لأننا نكون قد منعنا الشيء وأغرينا النفوس بفعله في الوقت نفسه، وشريعة الله المطهرة منزهة عن هذا.

أرأيت لو عمد أحد حكام الدنيا إلى منع رعيته من شراء واستهلاك البضاعة والمنتوج غير الوطني، ثم يأذن في توريد هذه البضاعة في المحالات والمتاجر، ألا يعد متناقضاً؟ بل ألا يعد مختلاً؟ لأن أفعال العقلاء تصان عن العبث.

ص: 1618

أدلة الفريق الثاني: وتتلخص فيما يلي:

يقولون: الذرائع هي الوسائل، والوسائل على أنواع مختلفة الحكم، فقد تكون حراما ً، أو واجبة، أو مكروهة، أو مندوبة، أو مباحة، كما أنها تختلف باختلاف مقاصدها حسب قوة الغايات (من مصالح ومفاسد) وضعفها، وحسب الخفاء والظهور. فلا يمكن حينئذ اعتبار هذه الوسائل كلية ولا إلغاؤها كلية

وإنما الأمر يتوقف على خصوصية تقتضي اعتبارها أو إلغاءها.

ويقولون: إن الشرع مبني على الحكم بالظاهر والله يتولى السرائر أما رأيت أن الله تعالى قد أطلع رسوله صلى الله عليه وسلم على حقيقة المنافقين، ولم يأمره أن يحكم عليهم في الدنيا بخلاف ما أظهروا.

وجعل الحكم في المتلاعنين بدرء الحد مع وجود علامة الزنى في المولود الذي أتت به المرأة على الوصف المكروه وهذا يدل على ترك العمل بالدلالة.

قال الشافعي: يبطل حكم الدلالة التي هي أقوى من الذرائع، فإذا أبطل الأقوى من الدلائل أبطل الأضعف من الذرائع كلها (1) .

وبناء على أمر الشرع بالحكم بالظاهر، وعلى إبطاله حكم الدلالة التي هي أقوى من الذريعة، وإبطال الذرائع بمفهوم الأولى، دل ذلك على أنه لا يفسد عقد أبدا إلا بالعقد نفسه، ولا يفسد بشيء تقدمه أو تأخر عنه، ولا بتوهم ولا بأغلب ظن، وكذلك كل شيء لا يفسده إلا بعقده، ولا تفسد البيوع بأن نقول هذه ذريعة، وهذه نية سوء (2) .

(1) انظر الأم: 4، 312 (ط. دار الفكر، بيروت، 1403هـ/ 1983م) .

(2)

انظر الأم: 4، 312 (ط. دار الفكر، بيروت، 1403هـ/ 1983م) .

ص: 1619

وإذا تركنا هذا الجدل اللفظي الذي جرى بين الفريقين ونزلنا إلى المجال الفقهي التطبيقي نجد أن الخلاف يكاد ينحصر في مسألة فقهية واحدة ذات صور عديدة وهي مسألة بيع الآجال، ولا تشغل هذه المسألة من أقسام الذرائع الثلاثة (بحسب ما اتفق عليه وما اختلف فيه) إلا حيزا من أحد هذه الأقسام. وقد جاء هذا التقسيم للقرافي –رحمه الله على النحو التالي:

القسم الأول: ما أجمعت الأمة على سده وحسم ضرره مثل: حفر الآبار دون سياج في ممرات المسلمين، وكوضع السم في طعامهم، وكسب الأصنام عند أهلها الذين يعلم من حالهم أنهم يسبون الله تعالى عند سبها.

القسم الثاني: ما أجمعت الأمة على عدم سده تجاوزا عن مضرتها المحتملة والتي يمكن التصدي لها من وجوه أخرى إلى اعتبار مصلحتها المتأكدة، مثل: التجاور في السكنى الذي هو ذريعة للزنى، ومثل: زراعة العنب باعتبار أنه ذريعة لشرب الخمر.

القسم الثالث: ما اختلف فيه العلماء باعتبار أنه ذريعة إلى مفسدة محتملة، مثل: بيوع الآجال تصير ذريعة إلى التعامل بالربا كمن باع سلعة بعشرة إلى أجل ثم اشتراها من مشتريها نقدا بخمسة قبل الأجل.

فالإجماع حاصل بين الفريقين حول القسم الأول والقسم الثاني وتحدد الخلاف بينهما في القسم الثالث وحده، ويكاد لا يتجاوز مسألة بيوع الآجال مع بعض المسائل الأخرى مثل بيع السلاح في زمن الفتنة، أو لقاطع طريق، وبيع العنب للخمار الذي يعصره خمرًا

إلخ.

ص: 1620

تحرير محل النزاع:

لتحرير محل النزاع نقول:

نظر أصحاب الفريق الأول (من مالكية وحنابلة وإمامية) في الصور الممنوعة من بيوع الآجال فرأوا أنها صار البيع فيها صورة لا مصلحة فيه، بحكم أن المشتري لم يدفع ثمنا عاجلا بل مؤجلا وقبض نقدا أقل مما في ذمته، وما سمي بيعا إذا أمعنا فيه النظر سلف بإعطاء خمسة نقدا ليأخذ عشرة مؤجلًا، والقاعدة تقول: العبرة بالأوصاف والمعاني لا بالأسماء والمباني.

وقال أصحاب الفريق الثاني: هما في الظاهر عقدا بيع تامان، ولا يعنينا أمر الباطن، ولا يفسد العقد إلا من نفسه يعني بخلل فيه لا مما أحاط به أو تقدمه أو تأخر عنه، ولا يفسده توهم أو غلبة ظن أو نية سيئة، فالحاصل في الظاهر هو انعقاد بيع صحيح أول مستقل، ثم بيع ثان مستقل أيضا ولا خلل في هيكل العقدين ولا وجه لإبطالهما أو إبطال أحدهما.

ولو تأملنا فيما يؤول إليه موقف الفريقين لوجدنا أن الفريق الأول في محل النزاع هذا، يعتمد الأصل التشريعي القائل كما عبر عنه الشاطبي: النظر في مآلات الأفعال مقصود شرعا (1) .

في حين أن الفريق الثاني لم ينظر إلى مآلات الأفعال في هذا الموضوع، وإن حصل ذلك في مجالات أخرى منها ما يلي: فقد نظر الشافعية إلى مآل عدم قتل من تترس بهم الأعداء في حرب الكفار من أطفال ونساء وأسرى المسلمين، فقالوا: المآل حينئذ: ترك الجهاد والاستسلام للعدو ليستولي على ديار الإسلام، ولهذا قالوا بقتلهم إن لم يكن من ذلك بد باعتبار ذلك أخف الضررين وللإبقاء على حوزة الإسلام وبيضته.

ونظروا في مآل عمل الوكيل فقالوا: لا يبيع ما وكل له أمر بيعه لنفسه خشية اتهامه بالغبن في الثمن.

وكذلك قالوا: بحرمان القاتل من الميراث نظرا لمآل محتمله لعمله وهو ارتكاب القتل من أجل تعجيل الميراث.

وبإبطال البيع للحربي بضاعة اشتراها منا ويستعين بها على قتالنا، أليس في هذا نظر لمآل الأفعال؟

وبعد هذا هل بقي من شك في أن الكفة راجحة لجانب الفريق الأول الذي يقول بالأصول التشريعية، ويراعيها في التطبيقات على الفروع، وأن الكفة مرجوحة لجانب الفريق الثاني الذين لا يقولون ببعض هذه الأصول التشريعية، ولكنهم في أغلب التطبيقات يراعونها بل ويعللون الأحكام الفرعية بها؟

(1) انظر الموافقات: 4، 98 (ط. الدولة التونسية، 1302هـ) .

ص: 1621

هل الأخذ بالذرائع مما اختص به المذهب المالكي أو أخذ بها كل المذاهب وإن لم تصرح؟ شواهد من فقه الأئمة الأربعة

سد الذرائع مقصد تشريعي عظيم استفيد من استقراء تصرفات الشريعة، كما قال شيخ الإسلام ابن عاشور –رحمه الله (1) .

ويرجع هذا المقصد التشريعي العظيم إلى أصل تشريعي عظيم وهو النظر في مآلات الأفعال، وهذا الأصل وصفه الشاطبي بقوله: النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا (2) .

ولأهمية هذا المقصد التشريعي قال القرافي: فليس سد الذرائع خاصا بمالك –رحمه الله بل قال بها هو أكثر من غيره، وأصل سدها مجمع عليه (3) . ونازع التاج السبكي في كلام القرافي حيث قال: وزعم القرافي أن كل أحد يقول بها ولا خصوصية للمالكية إلا من حيث زيادته فيها.

ثم بعد استعراضه لتقسيم القرافي لسد الذرائع باعتبار ما أجمع عليه وما اختلف فيه التاج السبكي: قلت: وقد أطلق هذه القاعدة على أعم منها، ثم زعم أن كل أحد يقول ببعضها وسنوضح لك أن الشافعي لا يقول بشيء منها (4) .

وملخص ما قاله السبكي في معارضة كلام القرافي: أن ما ادعاه الذين نسبوا للشافعي القول بسد الذرائع يقول بها الشافعي كما يقول بها سواه من الأئمة، مثل النهي عن منع فضل الماء ليمنع به الكلأ، ومثل الوصي يبيع شقصا على اليتيم فلا يؤخذ بالشفعة على الأصح عند الرافعي، ومثل المريض يبيع شقصا بدون ثمن المثل، وأن الوارث لا يأخذ بالشفعة كذلك على وجه سد الذرائع، ومثل المسائل المجمع على سد الذرائع فيها والتي ورد التنصيص على المنع فيها من الكتاب والسنة، مثل سب أصنام المشركين –وحفر الآبار دون سياج في طريق المسلمين- ووضع الطعام المسموم لهم. ومثلها مثل حبس الرجل دون إعطائه طعاما ولا شرابًا، وليس هو من سد الذرائع.

(1) انظر المقاصد: 117.

(2)

انظر: الموافقات: 98.

(3)

انظر: الفروق: 2/33 (ط. دار إحياء الكتب العربية. القاهرة 1344هـ) .

(4)

الأشباه والنظائر: 1، 119 (ط. دار الكتب العلمية بيروت 1411هـ/ 1991م) .

ص: 1622

ينقل التاج السبكي في هذه المسائل وسواها –مما قال به الشافعي- عن والده التقي السبكي أنها ليست من سد الذرائع، وإنما أراد الشافعي رحمه الله تحريم الوسائل المستلزمة للمتوسل إليه فيقول في سياق الرد على ابن الرفعة الذي حاول تخريج قول الشافعي بسد الذرائع من كلامه في باب إحياء الموات في كتاب الأم: ونازعه الشيخ الإمام الوالد رحمه الله وقال: إنما أراد الشافعي –رحمه الله تحريم الوسائل لا سد الذرائع، والوسائل تستلزم المتوسل إليه، ومن هذا النوع منع الماء، فإنه مستلزم عادة لمنع الكلأ الذي هو حرام، ونحن لا ننازع فيما يستلزم من الوسائل، ولذلك نقول: من حبس شخصا ومنعه الطعام والشراب فهو قاتل له، وما هذا من سد الذرائع في شيء، قال الشيخ الإمام:(يعني والده دائماً) وكلام الشافعي في نفس الذرائع لا في سدها (1) .

ثم حدد التقي السبكي محل الخلاف بين المالكية والشافعية فيقول: والنزاع بيننا وبين المالكية إنما هو سدها. ثم يقسم الذرائع كما يراها، ويحدد موقف الشافعية من كل قسم فقال:

الذريعة ثلاثة أقسام:

أحدها: ما يقطع بتوصيله إلى الحرام فهو حرام عندنا وعند المالكية. الثاني: ما يقطع بأنها لا توصل، ولكن اختلطت بما يوصل، فكان من الاحتياط سد الباب، وإلحاق الصورة النادرة التي قطع بأنها لا توصل إلى الحرام بالغالب منها الموصل إليه. قال الشيخ الإمام: وهذا غلو في القول بسد الذرائع.

الثالث: ما يحتمل ويحتمل، وفيه مراتب تتفاوت بالقوة والضعف، ويختلف الترجيح عند المالكية بسبب تفاوتها. وقال: ونحن نخالفهم في جميعها إلا في القسم الأول، لانضباطه وقيام الدليل عليه (2) .

ويعقب التاج السبكي على هذا النقل المنسوب لوالده التقي السبكي بقوله: قلت: أما موافقتهم في القسم الأول فواضحة، بل نحن نقول: في الواجبات بنظيره، ألا ترانا نقول: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فبطريق الأولى أن نحرم ما يوقع في الحرام. وأما مخالفتهم في القسم الثاني: فكذلك، وما أظن غير المالكية يذهبون إليه، ولا أظنهم يتفقون عليه. وأما القسم الثالث: فلعله الذي حاول ابن الرفعة تخريج قول الشافعي فيه (3) .

(1) الأشباه والنظائر: 1/ 120 (ط. دار الكتب العلمية بيروت 1411هـ/ 1991م) .

(2)

الأشباه والنظائر: 1/ 120 (ط. دار الكتب العلمية بيروت 1411هـ/ 1991م) .

(3)

الأشباه والنظائر: 1/ 120 (ط. دار الكتب العلمية بيروت 1411هـ/ 1991م) .

ص: 1623

وبعد النظر فيما قاله القرافي: "فليس سد الذرائع خاصا بمالك –رحمه الله بل قال بها هو أكثر من غيره، وأصل سدها مجمع عليه" وقد سبق ذكره في مطلع هذا الفصل. وما قاله التاج السبكي في معارضة كلام القرافي ونصه: قلت: وقد أطلق هذه القاعدة على أعم منها، ثم زعم أن كل أحد يقول ببعضها، وسنوضح لك أن الشافعي لا يقول بشيء منها، وأن ما ذكر أن الأمة أجمعت عليه ليس من مسمى سد الذرائع في شيء.

بعد النظر في هذا كله وفي التقسيم الذي ذكره التقي السبكي للذريعة، يتبين أن الشافعي يقول بالذرائع وبسدها لا كما قال التاج السبكي: إنه لا يقول بشيء منها.

والذرائع هي الذرائع وكذلك سماها التقي السبكي وتسميتها بالوسائل لا يغير من الواقع شيئا وإنما هي اصطلاحات مختلفة لمسمى واحد، ولا مشاحة في الاصطلاح وليس جرما أن يكون ما يسميه البعض وسيلة يسميه آخرون ذريعة، ما دامت اللغة تتسع، والمراد مفهوم. وليس مسمى الوسيلة أو الذريعة –هو واحد- مما يجوز أن ينقلب إلى موضوع اختلاف –وهمي في رأينا- خاصة ومن العلماء من نبه إلى الترادف بين المصطلحين وبين أن الوسائل اصطلح المالكية على تسميتها بالذرائع.

قال القرافي في مطلع كلامه في الفرق الثامن والخمسين بين قاعدة المقاصد وقاعدة الوسائل ما نصه: "وربما عبر عن الوسائل بالذرائع، وهو اصطلاح أصحابنا، وهذا اللفظ المشهور في مذهبنا، ولذلك يقولون سد الذرائع" فكون الشافعي –رحمه الله يقول بالوسائل لا يعني هذا أنه لا يقول بالذرائع إلا إذا أثبتنا الفرق بين هذه وتلك، ولم يحصل شيء من هذا فيما رأينا من تفرقة بالقول دون تحديد ملموس.

أما أن المالكية قد توسعوا في الأخذ بسد الذرائع ما لم يتوسع فيها سواهم، فهذا واقع قامت عليه الشواهد من الفروع الفقهية.

وبناء على كل ما أسلفنا نستطيع القول: بأن الأخذ بالذرائع ليس مما اختص به المذهب المالكي بل مما أخذ به كل المذاهب ومن بينها المذهب الشافعي في أخذه بالوسيلة المستلزمة للمتوسل إليه، وفي أخذه كذلك بغير المستلزمة في بعض الحالات، وإن قلت ولم تبلغ مبلغ ما أخذ به المالكية الذين توسعوا، وإن تمسك بعض الشافعية مثل التقي السبكي وتبعه ابنه التاج السبكي بعدم التصريح مما دعاهما إلى عديد التأويلات.

ص: 1624

وقد ركن شيخ الإسلام ابن عاشور إلى تأصيل سد الذرائع –الذي وصفه بأنه مقصد تشريعي عظيم- وذلك بإرجاعه إلى قاعدة تعارض المصالح والمفاسد في الشريعة، وكأنه بهذا الإرجاع إلى هذه القاعدة المجمع عليها يتجاهل الخلاف الوهمي في سد الذرائع ويوافق القرافي إذ قال: وأصل سدها مجمع عليه. يقول –رحمه الله بعد ذكر التقسيم الذي اعتمده الشهاب القرافي لسد الذرائع: "ولم يبحث عن وجوب الاعتداد ببعض هذه الذرائع دون بعض وما هو عندي إلا التوازن بين ما في الفعل الذي هو ذريعة من المصلحة، وما في مآله من المفسدة. فترجع إلى قاعدة تعارض المصالح والمفاسد

" ثم يقول رحمه الله: "فما وقع منعه من الذرائع هو ما قد عظم فيه فساد مآله على صلاح أصله، مثل: حفر الآبار في الطرقات، وما لم يقع منعه هو ما قد غلب صلاح أصله على فساد مآله كزراعة العنب. على أن لاحتياج الأمة إلى تلك الذريعة بقطع النظر عن مآلها، وفي إمكان حصول مآلها بوسيلة أخرى وعدم إمكانه، أثرا قويا في سد بعض الذرائع وعدم سد بعضها". ولا يظن أن المراد باحتياج الأمة إلى الذريعة اضطرارها إلى وجودها. بل المراد به أنه لو أبطل ذلك الفعل الذي هو ذريعة للحق جمهورا من الناس حرج، فإن العنب تستطيع الأمة أن تستغني عنه، إلا أن في تكليفها ذلك حرمانا لا يناسب سماحة الشريعة، فكانت إباحة زراعة العنب بهذا الاعتبار أرجح مما تؤول إليه من اعتصار نتائجها خمرًا.

بخلاف التجاور في البيوت، فإنه لو منع لكان منعه حرجا عظيما، يقرب مما لا يطاق، فهو حاجي قوي للأمة، على أن ما يؤول إليه من الزنى مآل بعيد: وإن كانت مفسدته أشد من تناول الخمر (1) . هذا ولو رتبنا المذاهب السنية الأربعة بحسب كثرة الأخذ بسد الذرائع وقلته لوجدناها على النحو التالي: أكثرها توسعا في الأخذ بسد الذرائع المذهب المالكي ويليه الحنبلي.

وأقلها توسعا فيه المذهب الشافعي ويليه الحنفي. وعلى نسق هذا الترتيب نسوق فيما يلي جملة من شواهد العمل بسد الذرائع في هذه المذاهب.

(1) ابن عاشور، المقاصد: 116-117.

ص: 1625

شواهد من فقه المذهب المالكي في الأخذ بسد الذرائع:

يقول المالكية بسد الذرائع كلما رجحت مفسدة المآل على مصلحة الذريعة، سواء كان هذا الرجحان مقطوعا به كشرب الخمر المقطوع برجحان مفسدة مآله على مصلحة ذريعته ومآله هو السكر المغيب للعقل، وكلعب الميسر ومآله أخذ أموال الناس بالباطل وفيهما يقول تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219] ، والمراد بالإثم في الآية الفساد الكبير الذي يترتب عليه إثم كبير فهو من التعبير باللازم مع إرادة الملزوم.

أو كان هذا الرجحان مما يغلب به الظن كبيوع الآجال التي تؤول إلى الربا، ومثلها بعض الصور من السلم الممنوعة ومثلها عامة الصور التي تؤول إلى محظور، وما هذا المحظور إلا أكل الربا، أو أكل أموال الناس بالباطل، أو التحيل على الغير أو التغرير به، مما يطول ذكره وهو مفصل مبسوط في كتب الفرع المالكية. إذ لسنا في حاجة إلى التدليل على توسع المذهب المالكي في مضمار سد الذرائع فهو من المسلمات.

ص: 1626

شواهد من فقه المذهب الحنبلي على سد الذرائع:

نحا الحنابلة نحو المالكية تقريبا في مضمار سد الذرائع وربما تفوقوا على المالكية في سد كل ذريعة تفضي إلى بدعة فهم يتفقون مع المالكية في منع الصور التي تفضي إلى الربا في بيوع الآجال. ويمنعون كذلك ضروب الحيل: كمن يقرض آخر مالا ويشترط عليه أن يبيعه سلعة بأرفع من قيمتها أو ثمنها المعتاد، فهي حيلة للتوصل إلى أخذ العوض عن القرض.

ومن مسائلهم في هذا الباب:

- اعتبار طلاق الثلاث بلفظ طلقة واحدة؛ لأنه مخالف للطلاق السني، ولئلا يكون ذريعة لنكاح التحليل.

- منع بيع الثمار قبل بدو صلاحها ولو مع شرط الجذاذ في الحال لأن ذلك قد يكون ذريعة للتحيل وتركها حتى تنضج. وبيع الثمار قبل بدو صلاحها ممنوع للغرر بسبب ما يلحق هذه الثمار من زيادة أو نقصان، وفي تعجيل البيع تبدو رغبة البائع في تحصيل المال قبل أوانه وفي رغبة المشتري في الشراء بثمن بخس.

- منع الوكيل بالبيع من الشراء لنفسه دفعا للتهمة

- الدية على من حرم الجائع من الطعام والشراب ومعه فضل من ذلك حتى مات.

- منع بيع السلاح للمحارب أو لقاطع الطريق وزمن الفتنة.

- منع بيع العنب ممن يعلم أنه يعصره خمرًا.

شواهد من فقه المذهب الحنفي على سد الذرائع:

- قال الحنفية بمنع الآجال التي تؤول إلى الربا مثل المالكية والحنابلة.

- تقدم ديون الصحة على ديون مرض الموت والديون المعلومة السبب على الديون المجهولة السبب سدا لتهمة الإقرار بالدين.

-منع إحداث الغرف والأماكن المعزولة في المساجد دفعا لمفسدة التوسيخ والتلويث.

- منع الاستمتاع بالحائض بما يقرب الفرج منعا من الوقوع في نفس الفرج وهو حرام.

- منع خروج المرأة إلى الجمعة والجماعة سواء في ذلك الصغيرة والكبيرة، وفي الكبيرة يروى عن أبي حنيفة أنه قال: لكل ساقطة لاقطة. (يعني الافتتان بالمرأة حاصل مع الصغيرة للصغار ومع الكبيرة للكبار) .

- كراهة صوم الستة أيام من شوال من غير فصل حتى لا تلحق النافلة بالفريضة.

ص: 1627

شواهد من فقه المذهب الشافعي على سد الذرائع:

أخذ الشافعية بسد الذرائع إذا تحقق إفضاؤها إلى المفسدة، بناء على قاعدة: ما يقطع بتوصيله إلى الحرام فهو حرام، وما كان كذلك جاء التنصيص عليه في الكتاب والسنة.

ويتحاشى الشافعية تسمية ما أخذوا به باسم الذرائع بل يقولون هو: وسيلة مستلزمة للمتوسل إليه، ويزعمون وجود الفارق بين سد الذرائع وهو لا يقولون به، وبين الوسائل المستلزمة للمتوسل إليه التي يقولون بها، ولا مجال لتوضيح هذا الفارق. وإذا دخلنا على مجال التطبيق على الفروع الفقهية في المذهب يعللون ذلك بأصول اجتهادية أخرى سوى سد الذرائع مثل ما يوصل إلى الحرام فهو حرام، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

ومن فروع المذهب الشافعي المبنية على سد الذرائع:

- منع الوكيل عن بيع الشيء من شرائه لنفسه –مثل الحنفية- درءا لتهمة التنقيص من الثمن.

- حرمان القاتل من الميراث، ولو كان غير متهم بتعجيل الميراث حسما لأمر التهمة بسد الذرائع.

- جواز قتل من تترس به الكفار المحاربون من نساء وأطفال وأسرى المسلمين حتى لا يكون ذلك ذريعة لترك الجهاد وترك الكفار يستولون على ديار المسلمين، وفي هذا سد ذريعة عدم القتل بتجويز القتل حتى لا يفضي الأمر إلى هزيمة المسلمين وخضوعهم لأعدائهم.

- عدم لزوم المحجور عليه بإقراره بدين عليه قبل الحجر حتى لا يكون إقراره ذريعة للتصرف في أموال هذا المحجور بحيلة.

- منع المفطر بعذر من التجاهر بالأكل سدا لتهمة العصيان والفسوق.

- استحباب أداء صلاة الظهر خفية لمن تخلف عن الجمعة لعذر، دفعا لتهمة التقصير وضعف الديانة القادحة في العدالة.

- كراهية بيع العنب لمن يعصره خمرًا، والتمر لمن ينقعه نبيذًا، وبيع السلاح لمن يستعمله في العصيان، دفعا لذريعة الوقوع في الإعانة على الإثم والعدوان.

وغير ذلك من الفروع الداخلة كلها تحت مقصد سد الذرائع.

ص: 1628

أثر القول بسد الذرائع، اعتبارها وعدم اعتبارها في الفروع الفقهية

لسنا في حاجة إلى تكرار ما أسلفنا ذكره، بيد أن فيما ألمحنا إليه ما يكفي لتقرير أن القول بسد الذرائع باعتباره مقصدا تشريعيا عظيما قد أخذت به كل المذاهب دون استثناء، وإن اختلفت التسمية لدى هذه المذاهب: فالمصطلح عليه لدى المالكية والحنابلة هو اسم سد الذرائع، وعند الشافعية والأحناف فهو اسم الوسائل المستلزمة للمتوسل إليه أو هو مؤدى القاعدة: ما أدى إلى الحرام فهو حرام وإذا نعتنا سد الذرائع بكونه وصفا تشريعيا عظيما فذلك لأنه لم يكن من استنباط المذاهب المتوسعة فيه، أو المضيقة، وإنما نتيجة لاستقراء تصرفات الشريعة، فكان سد الذرائع في ثلاثة مظاهر من هذه التصرفات: في تشريع الأحكام –وفي سياسة التصرف والتعامل مع الأمم- وفي تنفيذ المقاصد الشرعية.

وفي اعتبار هذا المقصد التشريعي أثر إيجابي لا يغيب على البصيرة إذ أنه في نطاق تعارض المصالح والمفاسد وبعد الموازنة بين ما في الفعل الذي هو ذريعة من المصلحة، وبين ما في مآله من المفسدة نستطيع أن نجتهد لنتوصل إلى الحكم المناسب، وذلك بمنع وسد الذرائع التي عظم فيها فساد مآلها على صلاح الأصل، وبتجويز وفتح الذرائع التي عظم وغلب فيها صلاح الأصل على فساد المآل. وحسبنا بهذه المصلحة التشريعية لكي يقر بلزوم اعتبار هذا المقصد في الفروع الفقهية.

وقد رأينا في مجال التطبيق على مستوى كل المذاهب وما تفرعه من فروع فقهية، اعتبار هذا المقصد التشريعي على اختلاف في الأسماء والمسمى واحد وعلى تفاوت في التوسع في مجال هذا التطبيق. وهذا لا يمنعنا –في النهاية- من الاعتراف بأن لاختلاف الأنظار الاجتهادية التي تفضي باعتبار السد للذرائع في هذه القضية دون تلك أثرا جليا في اختلاف الحكم بالنسبة للقضية الواحدة من مذهب لآخر، كما كان الشأن في بيوع الآجال وقد بينا هذا الاختلاف.

ص: 1629

أمثلة لفتح الذرائع وسدها:

قال شهاب الدين القرافي –رحمه الله: "اعلم أن الذريعة كما يجب سدها، يجب فتحها، وتكره وتندب وتباح، فإن الذريعة هي الوسيلة، فكما أن وسيلة المحرم محرمة، فوسيلة الواجب واجبة (1) جعل سد الذرائع في الشريعة مصطلحا على سد ذرائع الفساد كما أسلفنا تفصيله. وفي مقابل السد لذرائع الشر والفساد، فتحت الشريعة ذرائع المصلحة وأوجبتها وإن كانت في أصل صورتها ممنوعة أو مباحة، وهذه المسألة هي الملقبة في أصول الفقه بأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب مثال الذريعة المفتوحة من المنع إلى الوجوب: الجهاد هو في الأصل ممنوع لما فيه من إتلاف النفس والمال، فينقلب واجبا إذا صار وسيلة وذريعة إلى حماية البيضة، وحفظ سلامة الأمة، والإبقاء على مصالحها وأمنها.

مثال الذريعة المفتوحة من الإباحة إلى الوجوب: السعي في الأرض هو في الأصل مباح، وينقلب إلى واجب إذا صار سعيا لصلاة الجمعة، أو سعيا إلى الحج أو في الحج بين الصفا والمروة.

وهكذا فالوسيلة تأخذ دائما حكمها من المتوسل إليه وكذلك الشأن في وسيلة الوسيلة وهي الاستعداد للوسيلة كما جاء في قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: 120] . فقد أثابهم على الوسيلة للنيل من أعداء الله وهي الجهاد وأثابهم على ما نالهم من ظمأ ونصب ومخمصة بسبب السعي والتوصل إلى الجهاد، أي على ما نالهم بسبب وسيلة الوسيلة.

أما عن الذرائع المطلوب سدها فقد أسلفنا ما فيه الكفاية، ولنا فيما عدده ابن القيم من الأمثلة للتدليل على أن للوسائل حكم المقاصد، والتي بلغ عددها تسعة وتسعين ما فيه غنية للطالبين، والحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على أشرف المرسلين.

(1) انظر الفروق: 2، 33.

ص: 1630

خلاصة البحث

بدأنا هذا البحث بالتعريف اللغوي والاصطلاحي للذريعة وبينا مراد العلماء

من سدها، وأن الذرائع لا يسد منها إلا ما ورد التنصيص عليه من قبل الشريعة أو ما غلبت فيه مفسدة المآل على مصلحة الفعل الذي هو وسيلة وذريعة.

ثم نوهنا بتأصيل هذه القاعدة، وكونها تستند إلى استقراء تصرفات الشريعة الإسلامية السمحة في أهم المجالات وهي: مجال تشريع الأحكام، ومجال سياسة التصرف مع الأمم، وفي مجال تنفيذ المقاصد، ثم كونها ترجع إلى مقصد شرعي عام هو تعارض المصالح والمفاسد والموازتة بينهما للتمكن من جلب المصلحة ودرء المفسدة.

وختمنا المبحث الأول بتقسيم الذرائع على ذرائع لا يتخلف مآلها إلى الفساد، وذرائع أخرى قد يتخلف ويتوقف سدها حينئذ على أمور منها: كثرة الإفضاء إلى المفسدة وعدم المعارض الذي يلغي اعتبار تلك المفسدة.

وفي مبحث، الفرق بين الذريعة والسبب، وبين الذريعة والوسيلة المستلزمة للمتوسل إليه، فبينا أن من العلماء من يقول بترادف الأربع كلمات: الذريعة والوسيلة والطريقة والسبب، وهذا لا يمنع من وجود بعض الفوارق كالتي بين الذريعة باعتبارها فعلا يفضي ويؤول إلى نتيجة وبين السبب الذي نصبه الشارع علامة وتأقيتا للحكم الشرعي مثل دلوك الشمس هو سبب وجوب صلاة الظهر، وقد تكون بين السبب والمسبب علاقة عادية وشرعية وقد تكون شرعية فقط، ويتوقف وجود المسبب على وجود سببه، بخلاف النتيجة التي هي مآل الذريعة فإنها لا تتوقف على الذريعة نفسها إذ قد تكون نتيجة لطريق وذريعة أخرى.

أما فيما يتعلق بالفرق بين الذريعة وبين الوسيلة المستلزمة للمتوسل إليه: فقد بينا أنه لا فرق بينهما عند المالكية والحنابلة، وإنما الفرق عند الشافعية حيث يعرفون الوسيلة المستلزمة للمتوسل إليه بأنها هي التي تفضي إلى المضرة أو المفسدة بصورة قطعية لا تحتمل التخلف وهذه الوسيلة هي التي يقولون بسدها ولا يقولون بسد الذرائع لأنها لا تفضي إلى المفسدة بنفس الدوام واليقين.

وفي مبحث المقارنة بين الذرائع والحيل الفقهية: عرفنا الحيلة بأنها تقديم عمل ظاهر الجواز لإبطال حكم شرعي، وحينئذ لا يخفى ما بين سد الذرائع وتجويز الحيل من تناقض إذ نمنع بسد الذرائع الجائز خشية الوقوع في الحرام أو الفساد، وبتجويز الحيل نفسح الطريق لذلك، ويذهب الجمهور إلى أن منع الحيل في الأمور الشرعية يدخل تحت سد الذرائع، وحددنا الفرق بين الذرائع والحيل في أمور: في العموم والخصوص، عموم الذرائع وخصوص الحيل، في إبطال الحيل لمقصد شرعي دون سد الذرائع، في توقف الحيل على القصد دون الذرائع. وما ورد في الكتاب والسنة من حيل لها تنزيلها وتخريجها ولا مجال بعد ذلك للقياس عليها.

في مبحث أقسام الذرائع بحسب القطع بتوصيلها للحرام وعدم القطع: تعرضنا لتقسيمين:

التقسيم الأول: إلى أربعة أقسام وذكرنا أمثلة لكل قسم، وقام هذا التقسيم بحسب الإفضاء إلى الحرام ودرجته، ومن المتفق عليه والمختلف فيه.

ص: 1631

والتقسيم الثاني إلى قسمين رئيسين.

القسم الأول: لا يفارقه كونه وسيلة للفساد لأن ذلك من ماهيته وهذا القسم من أصول التشريع وعليه بنيت أحكام كثيرة ومثاله: شرب الخمر وقتل النفس.

القسم الثاني: قد يتخلف مآله للفساد قليلا أو كثيرًا، وهذا القسم منه المنصوص على حكمه، ومنه غير ذلك وبقي الحكم فيه إلى اجتهاد العلماء وانظارهم تبعا لمقدار الإفضاء إلى المفسدة، ومن هذا القسم بيوع الآجال وبينا حقيقة موقف الإمام مالك من أمر إناطة الحكم بالتهمة أو بالقصد أو بقصد الفاعل وإنما يتخذ منه دليلا على التمالي، وتوصلنا في آخر المبحث إلى نتيجة وهي أن سد الذرائع قابل للتضييق والتوسع بحسب المصالح والمفاسد وأيضا بحسب الوازع في الناس قوة وضعفًا.

في مبحث موقف الأئمة من الاحتجاج بسد الذرائع: وجدنا هؤلاء الأئمة على فريقين فريق المالكية والحنابلة يعتمد سد الذرائع كمقصد تشريعي، وفريق الشافعية لا يقول به ومعهم الحنفية بل يقول بالوسيلة المستلزمة للمتوسل إليه، وذكرنا أدلة كل من الفريقين ثم بالنظر إلى المجال التطبيقي وجدنا كل المذاهب تأخذ بسد الذرائع ويتفاوتون في القلة والكثرة كما يختلفون في العبارة التي يستعملونها عند التعليل. وانتهينا في آخر هذا المبحث إلى ترجيح ما ذهب إليه أصحاب الفريق الأول من مالكية وحنابلة.

وفي مبحث هل اختص المذهب المالكي بالأخذ بسد الذرائع؟ : زدنا توضيحا وبيانا أن جميع المذاهب أخذت بسد الذرائع وإن لم تصرح، غاية ما في الأمر أن المذهب المالكي أكثر المذاهب أخذا وتصريحا بسد الذرائع، ثم ذكرنا جملة من الشواهد بالنسبة لكل مذهب من المذاهب الأربعة.

وفي مبحث أثر القول بسد الذرائع، أي اعتبارها أو عدم اعتبارها في الفروع الفقهية: بينا أنه أثر يؤدي إلى اختلاف في تقدير الحكم كالذي حدث في قضية بيوع الآجال.

وفي خاتمة هذا البحث أتينا بجملة من الأمثلة لفتح الذرائع، واكتفينا بما أسلفنا من أمثلة في سد الذرائع طيلة فصول البحث، وبالله التوفيق.

الطيب سلامة

ص: 1632

أهم المصادر

- الأشباه والنظائر، للتاج السبكي (ط. دار الكتب العلمية بيروت 1414هـ/1991م)

- إعلام الموقعين، لابن القيم الجوزية (ط. أولى، مطبعة السعادة بمصر، 1374 / 1955)

- الأم للإمام الشافعي (ط. دار الفكر، بيروت 1403 هـ/ 1983م)

- تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، للقاضي برهان الدين إبراهيم ابن فرحون (المطبعة البهية، مصر، 1302هـ)

- مقاصد الشريعة الإسلامية، لشيخ الإسلام محمد الطاهر ابن عاشور (طبعة الدار التونسية للتوزيع، تونس 1978م)

- المقدمات لابن رشد (ط. دار الفكر، بيروت 1398هـ/ 1978م مطبوع مع كتاب المدونة)

- الموافقات لابن إسحاق الشاطبي (مطبعة الدولة التونسية. ط. أولى، تونس 1302هـ)

ص: 1633