الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحسابات الجارية
وأثرها في تنشيط الحركة الاقتصادية
إعداد
د. مسعود بن مسعد الثبيتي
عضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى
والمدرس في المسجد الحرام
المقدمة
الحمد لله الذي أكمل دينه وأتم نعمته ورضي لنا الإسلام دينا ومنهج حياة، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد الذي تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وبعد:
فإن مما لا مراء فيه ولا جدال أن الشريعة الإسلامية قد اتسمت بالثبات والشمول فهي ثابتة الأسس واضحة المنهج صالحة لكل زمان ومكان وافية بالحاجات، فما من حادثة تقع إلا ولله فيها حكم، بعضها وردت به النصوص الشرعية الصريحة فلا مجال للاجتهاد فيها، والبعض الآخر لم يرد به نص وإنما أنزل ظواهر وعمومات وترك للمجتهدين مجال إظهار أحكام الله فيها على ضوء ما رسم من أسس يسير على ضوئها المجتهد في اجتهاده. وإن أحكام الأموال مما اعتنت به الشريعة الإسلامية، فنالت من عناية العلماء قديما وحديثا جهدا أبان أحكامها ووضح مشكلها، وكيف لا ينال المال ذلك الاهتمام وقد جعله الله قرين النفس وجعل الاعتداء عليه أحد الاعتداءات التي يجازي عليها المعتدي بقطع يده؟ بل جعل الدفاع عنه والموت دونه ضربا من ضروب الشهادة.
ونظرا لشدة حاجة الناس إلى إيداع أموالهم في المصارف ومعرفة أحكامها وعائداتها وما يترتب عليها من آثار لجأ الناس إلى الإيداع في المصارف خوفا من السرقة والضياع، أو لاستثمارها، وتهيئتها للوفاء بالتزاماتهم المالية التي أصبحت متشابكة متعددة متجددة متشابهة الصور، منها الحلال البين، ومنها الحرام البين، ومنها المتشابهات، ولا إشكال في البين من الأمرين الحلال والحرام، ولكن المشكلة حقا في الأمور المتشابهة التي لا يعلمها كثير من الناس، وهذه الأمور المشكلة قد توجه مجمع الفقه الإسلامي لدراستها وبيان حكم الله فيها بما هيأ الله له من ثلة من العلماء الشرعيين ونخبة من الاقتصاديين والخبراء العاملين في مجالات المال تدريسا وقضاء ومراقبة وبحثا، فأنتجوا بتوفيق الله وعونه أحكاما كثيرة فيما يهم الناس في حياتهم ومعاملاتهم التجارية والاقتصادية، وأعمال البنوك المتنوعة المتجددة المتسمة بالتطور السريع بسبب توسع الأنشطة وتداخل المعاملات وتشابهها في ظاهرها مما يجعل الباحث في حيرة من أمره عند طرح صورة يتجاذبها أكثر من أصل.
وقد اخترت الكتاب في الحسابات وأثرها في تنشيط الحركة الاقتصادية.
وقد أفدت من الرسائل الجامعية والأبحاث المجمعية المتخصصة وكتبت هذا البحث في مقدمة وتمهيد ومبحثين وخاتمة. ذكرت في المقدمة أهمية الموضوع وخطته، وعرفت في التمهيد بالوديعة، والقرض، وأهم خصائصهما.
وذكرت في المبحث الأول: الحسابات الجارية.
وفي المبحث الثاني: أثر الحسابات الجارية في تنشيط الحركة الاقتصادية.
وجعلت الخاتمة في أهم نتائج البحث.
والله أسأل لي ولجميع المسلمين التوفيق والسداد.
تمهيد
تعريف الوديعة والقرض
وقد قسمته إلى ثلاث مطالب:
المطلب الأول
في تعريف الوديعة وأهم خصائصها
قبل البدء وتكيف الصور، لا بد من التعريف بالوديعة الشرعية والقرض حيث إنهما الأساس الذي يرتكز عليه البحث وقد عرفت الوديعة الشرعية أولا ثم الوديعة المصرفية.
تعريف الوديعة الشرعية:
1-
الوديعة لغة فعيلة بمعنى مفعولة من الودع وهو الترك قال ابن القطاع: (ودعت الشيء ودعًا تركته.. وأودعتك الشيء جعلته عندك وديعة؛ وقبلته منك وديعة فهو من الأضداد (1) وقال أبو منصور: المعروف في كلام العرب أودعت الرجل إذا استودعته وديعة لحفظها لك، وأما أودعته قبلت وديعته، فليست بمعروفة (2) وأما الإيداع فهو الاستنابة في الحفظ (3)
2-
الوديعة اصطلاحا: هي المال المدفوع إلى من يحفظه بلا عوض (4)، وزاد في كشاف القناع:(الحق) المختص ككلب الصيد ونحوه) (5) .
وعلى ذلك فالوديعة في الشريعة أمانة دفعت إلى الغير ليكون حافظا لها فإذا تمت الوديعة بالإيجاب والقبول صار حكمها وجوب الحفظ فإن هلكت بدون تعد أو تفريط فلا ضمان على من كانت تحت يده.
(1) البعلي، المطلع على أبواب المقنع279، وابن المبرد، الدر النقي 3/299 ، الفيومي، المصباح المنير: 328
(2)
الأزهري، الزاهر:279
(3)
المناوي، التوقيف على مهمات التعاريف:366
(4)
البهوتي، شرح منتهى الإرادات: 2/445
(5)
البهوتي: 4/166
محترزات التعريف:
خرج بقيد المال، والحق المختص: ما ليس بمال ولا مختص كالكلب الذي لا يحل اتخاذه والخمر والخنزير وآلات اللهو.
وبقيد المدفوع: ما ألقته الريح إلى دار من نحو ثوب، وما أخذ بالتعدي كالمغصوب والمسروق.
وبقيد الحفظ: العارية ونحوها.
وبقيد عدم العوض: الأجير على حفظ المال (1) .
أركان الوديعة:
يعتبر للوديعة أركان الوكالة:
1-
عاقدان: وهما المودع والمستودع.
2-
وصيغة: وهي الإيجاب والقبول.
3-
محل: وهو العين المودعة (2)
ولكل ركن شروط موضحة في كتب الفروع.
وقد دل الكتاب والسنة على مشروعيتها.
قال الله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} [الأحزاب:72] .
وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] .
وقبولها من التعاون على البر والتقوى وقد حث الله عليه بقوله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2] .
وقد حثَّ عليها أيضا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك)) (3)
وقد كان عند النبي صلى الله عليه وسلم ودائع للناس استخلف على أدائها وردها إلى أصحابها علي بن أبي طالب حين هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
(1) البهوتي، كشاف القناع: 4/166
(2)
النووي، روضة الطالبين 6/324؛ البهوتي، شرح منتهى الإرادات 2/ 450، نزيه كمال حماد، الوديعة: 27
(3)
الإمام أحمد ، المسند 3/414
حكم قبول الوديعة:
وحكمها الاستحباب وقد تكون واجبة أو محرمة أو مكروهة حيث يعتري الحكم بعض الأسباب الناقلة له عن حكمه الأصلي إلى حكم آخر (1)
خصائص الوديعة:
1-
الوديعة أمانة في يد المودع لا يضمنها إلا إذا فرط في حفظها أو تعدى فالغرض والمقصد الأصلي لعقد الوديعة: الحفظ والائتمان دون أي غرض آخر بخلاف عقود الأمانات الأخرى، التي قد يكون الغرض منها التوثق كما في عقد الرهن ، أو تمليك المنفعة، كما في العارية ، والائتمان تابع للمقصد الأصلي.
2-
المستودع إذا تعدى على الوديعة ، فركب السيارة أو باع واشترى بالنقود ضمن؛ لأن الاستعمال تعد لا يزول أثره إلا بالرد إلى الغرض الأساسي للوديعة، وذلك يخالف عقد الإعارة والإجارة، فالمستعير والمستأجر ينتفعان بالمعار والمؤجر بدون تعد.
3-
الوديعة يغلب عليها الاعتبار الشخصي للوديعة في الحفظ، فلا يحل أحد بدله بدون إذن المودع إلا في حالات الاضطرار أو الحاجة، في حين أن عقود الأمانات الأخرى كالإجارة والشركة يحل فيها غير المتعاقد محله؛ لأن الغرض الأساسي فيها الانتفاع بخلاف الوديعة فالغرض الأساسي فيها الحفظ (2) .
(1) البهوتي، كشاف القناع4/166
(2)
حسن الأمين، الودائع المصرفية: 45-47
المطلب الثاني
تعريف القرض
القرض لغة: مصدر قرض الشيء يقرضه، بكسر الراء إذا قطعه. أو القرض اسم مصدر بمعنى الإقراض.
قال الجوهري: (هو ما تعطيه من المال لتقضاه)(1)
وأكثر استعمالات القرض في النقود إذا أخذها الشخص ورد بدلها (2) .
والقرض في الاصطلاح: دفع مال لمن ينتفع به، ويرد بدله، وهو نوع من المعاملات على غير قياسها لمصلحة لاحظها الشارع رفقا بالمحاويج. (3) .
وهو عقد لازم في حق المقرض بالقبض؛ لكونه أزال ملكه عن بعض ماله بغير عوض، جائز في حق المقترض في الجملة؛ لأن الحق له فيه.
حكمه: القرض في الأصل حكمه الجواز، لما فيه من الإرفاق وسد حاجة المقترض، وقد يعرض له من الأسباب ما يجعل حكمه يتغير إلى الوجوب أو الكراهة أو الحرمة بحسب الملابسات، وقد دل على مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع.
1-
قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة:245] .
2-
حديث عبد الله بن مسعود ((: ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقة مرة)) (4) .
3-
نقل البهوتي أن المسلمين أجمعوا على جوازه (5) .
الفرق بين القرض والوديعة:
أ - في القرض تنتقل ملكية الشيء المقرض إلى المقترض، ويرد بدله في نهاية المدة، ويغلب استعماله في أخذ النقود، أما الوديعة فلا تنتقل ملكيتها إلى المودع عنده بل تبقى ملكا للمودع يستردها بعينها.
ب - المقترض ينتفع بالمال بعد أن انتقلت ملكيته له أما المودع عنده فلا ينتفع بالشيء المودع بل يلتزم حفظه حتى يرده إلى صاحبه (6) .
ج- القرض عقد إرفاق للمقترض أما الوديعة فهي عقد إرفاق لصاحب الوديعة الذي يحتاج إلى حفظها من الضياع والسرقة.
(1) مصنفك ، الحدود والأحكام: 92
(2)
نزيه حماد، عقد القرض: 8-9 نقلا عن الفروق للعسكري
(3)
البعلي، المطلع: 246، البهوتي، كشاف القناع:3/321، المناوي، التوقيف على مهمات التعاريف: 271؛ أبو جيب، القاموس الفقهي: 300
(4)
ابن ماجه، السنن:2/813
(5)
البهوتي، كشاف القناع3/312
(6)
انظر نزيه كمال حماد، عقد القرض:13
المطلب الثالث
تعريف الوديعة المصرفية وخصائصها
حيث إن الحسابات الجارية (الودائع الجارية) إحدى أقسام الودائع المصرفية فسوف أعرف الوديعة المصرفية.
تعريف الوديعة:
تطلق الوديعة على المال المودع، وعلى العقد المقتضي للحفظ، فهي حقيقة فيهما وقد عرفت بكل منهما وإن كان تعريفها بمعنى العقد أكثر عند القانونيين.
جاء في الأسس القانونية (يقصد بالوديعة المصرفية النقدية: النقود التي يعهد بها الأفراد أو الهيئات إلى البنك على أن يتعهد الأخير بردها أو برد مبلغ مساو لها إليهم عند الطلب أو حسب الشروط المتفق عليها)(1)
وعرفها محمد باقر الصدر بقوله: (تعتبر الوديعة بمختلف أشكالها في مفهوم البنوك الربوية عبارة عن مبلغ من النقود يودع لدى البنوك بوسيلة من وسائل الإيداع فينشئ وديعة تحت الطلب، أو لأجل محدد اتفاقا ويترتب عليه من ناحية البنك الالتزام بدفع مبلغ معين من وحدات النقد القانونية للمودع، أو لأمره لدى الطلب أو بعد أجل، على اختلاف الشكل الذي يتم الاتفاق عليه للوديعة بين البنك والعميل)(2)
تعريف الإيداع:
هو العقد الذي يتم بين العميل المودع من جانب، والبنك المودع لديه من جانب آخر، وفيه يضع العميل مبلغا نقديا لدى البنك. (3)
ويلاحظ على تعريف الإيداع بهذا التعريف، عدم شموله لودائع الصكوك وغيرها مما يندرج في عقد الإيداع في العمل المصرفي، ولذلك عرفها أحمد الحسني في رسالته فقال:(المقصود بالوديعة المصرفية، العقد الذي يتم بين المصرف ومن يعهد إليه بالنقود أو غيرها وبهذا يشمل عقد الإيداع جميع الودائع التي تزاولها المصارف كالحسابات الجارية والوديعة لأجل والوديعة الادخارية –حساب التوفير- وشهادات الاستثمار والمخصصة لنشاط معين وودائع الخزائن الحديدية والوديعة المستندية)(4) ويلاحظ أن هذا التعريف يشمل لإيداع المال وغيره. (5)
(1) سميحة القليوبي: 17؛ وانظر حسن الأمين، الودائع المصرفية: 208؛ حسن عمر، موسوعة المصطلحات الاقتصادية:263.
(2)
البنك اللاربوي: 83-84.
(3)
سميحة القليوبي، الأسس القانونية لعمليات البنوك:331.
(4)
الودائع المصرفية: 57.
(5)
حسن الأمين، الودائع المصرفية:31.
خصائص الوديعة النقدية المصرفية:
الودائع متنوعة، وإذا استثنينا ودائع الخزائن الحديدية والمستندية –التي تعتبر إجارة أو وديعة بأجرة. (1) – نلاحظ أن البنوك تستطيع ملكية هذه النقود وتستغلها في نشاطاتها المختلفة ولو قصرت مدة بقائها لديها.
وسوف أذكر أهم الخصائص العامة للوديعة المصرفية، تاركا ما ينفرد به كل نوع من خصائص إلى أماكنها الخاصة بها.
1-
يخول عقد الوديعة المصرفية البنك ملكية النقود المودعة والتصرف فيها بما يتفق مع نشاطه المهني.
2-
التزام البنك المودع لديه برد مبلغ الوديعة النقدية إلى العميل المودع في الميعاد المحدد حسب الاتفاق الذي قد يكون عند الطلب أو بعد أجل معين أو التي ترد بإخطار سابق.
3-
يكون رد البنك للمبالغ بالعملة التي تم الإيداع بها، ما لم يتفق على خلاف ذلك. (2)
4-
لا يستحق المودع فوائد (3) على هذا النوع من الودائع، إلا أن البنوك تلجأ في سبيل جذب الودائع، إلى تقدير عمولة معينة بأسماء متعددة مثل جوائز الادخار، شهادات البنك ذات الجوائز، شهادات الإيداع، دفاتر التوفير ذات الجوائز
…
إلى آخر قائمة المسميات التي استحدثتها البنوك لإغراء أصحاب الأموال، والتمويه عليهم لجذب أموالهم واستثمارها. (4)
(1) او وديعة حقيقية كما يرى البعض.
(2)
سميحة القليوبي، الأسس القانونية: 331؛ وانظر حسن الأمين، الودائع المصرفية: 244-247.
(3)
غالبا وإن كان يستحق ذلك في حساب التوفير وشهادات الاستثمار. انظر حسن الأمين، الودائع المصرفية: 247-248
(4)
علي السالوس، حكم ودائع البنوك.
المبحث الأول
المطلب الأول
الحسابات الجارية وودائع التوفير والوديعة المشتقة
يرغب المودع في وضع نقوده طرف البنك ليس فقط للمحافظة عليها من الضياع أو السرقة بل ليتمكن بمقتضاه من استعمال أمواله المودعة في معاملاته مع الغير دون حاجة إلى حمل النقود (1) وتعتبر الحسابات الجارية أهم الودائع المصرفية النقدية لدى المصارف والمصدر الأساسي للسيولة في النشاط المصرفي إذ تكون الجزء الأكبر من موارده الخارجية، وهي التي تقصد عادة عند الكلام على نقود الودائع أو النقود الكتابية بوصفها حازت القبول العام في الوفاء بالالتزامات اختيارا عن طريق استخدام الشيكات. وتشكل ودائع الحسابات الجارية الجانب الأكبر من إجمالي الودائع حيث بلغت نسبتها إلى مجموع الودائع في المملكة العربية السعودية 60 % (2) .
ولا بد لمعرفة أحكامها من تعريفها وبيان خصائصها.
تعريفها:
عرفها كثير ممن كتب في الودائع المصرفية (بأنها المبالغ النقدية التي يودعها أصحابها لدى المصارف ويلتزم بدفعها متى طولب بها) .
ويطلق عليها الودائع الجارية (3) .
(1) سميحة القليوبي، الأسس القانونية: 34
(2)
الحسني، الوديعة المصرفية: 75؛ سميحة القليوبي، الأسس القانونية:341.
(3)
الحسيني، الوديعة المصرفية: 68؛ الصدر، البنك اللاربوي: 23؛ سميحة القليوبي؛ الأسس القانونية: 331، حسن الأمين، الودائع المصرفية:209،233.
خصائص الحساب الجاري:
1-
يتميز الحساب الجاري بأنه عام (1) يتضمن جميع العمليات التي تجري بين أطرافه، والمدفوعات التي تقيد في جانب الدائن للدائن، وفي جانب المدين للقابض لا بد أن تكون متماثلة حتى يمكن إدماجها في الحساب الجاري.
2-
أن تكون المدفوعات معينة محددة المقدار محققة الوجود حتى لا يحصل نزاع في تقديرها.
3-
تسلم المدفوعات إلى المصرف على سبيل التمليك حتى يمكن قيدها في الحساب الجاري، والحكمة من ذلك أن المدفوعات لا تعتبر دينا على القابض إلا إذا تملكها، أما إذا كان وكيلا في تحصيلها فلا تعتبر مدفوعات إلا بعد تحصيلها فعلا؛ لأن القابض يتسلم المبلغ لحساب غيره نيابة عنه، فلا يتملكها حتى تصبح دينا عليه، وبناء على ذلك فإن الأوراق التجارية التي تظهر للبنك توكيلا لا تدرج بالحساب الجاري إلا بعد تحصيلها فعلا أما إذا ظهرت إليه تظهيرا تاما ناقلا للملكية فإنها تقيد بمجرد تسليمها للطرف القابض. (2) .
(1) سيتضح تخلخل هذا العموم حين الكلام على الحجز على الحساب الجاري.
(2)
سميحة القليوبي، الأسس القانونية: 489-495.
تكييف الحساب الجاري (الوديعة الجارية)
تعددت الآراء في تكييف عقد الحسابات الجارية واختلفت ويمكن تقسيمها إلى خمسة اتجاهات:
1-
ذهب بعض من كتب في الودائع إلى أن الحساب الجاري وديعة حقيقية بالمعنى الفقهي (1) وممن اتجه إلى هذا حسن الأمين حيث قال:
(الوديعة النقدية تحت الطلب هي مبلغ يوضع لدى البنك ويسحب منه في الوقت الذي يختاره المودع، فإن ذلك كل ما يطلب في الوديعة الحقيقية ولا توجد أي شائبة في ذلك، وإذا كان البنك قد اعتاد أن يتصرف فيها بحسب مجرى العادة، فإن هذا التصرف المنفرد من جانب البنك لا يمكن أن يحسب على المودع وينسحب على إرادته فيفسرها على الاتجاه من الإيداع إلى الإقراض، فإرادة المودع لم تتجه أبدا في هذا النوع من الإيداع نحو القرض كما أن البنك لم يتسلم هذه الوديعة على أنها قرض بدليل أنه يتقاضى أجرة (2) –عمولة- على حفظ الوديعة تحت الطلب، بعكس الوديعة لأجل، التي يدفع هو عليها فائدة (3) ، وبدليل الحذر الشديد في استعمالها والتصرف من جانبه، ثم المبادرة الفورية بردها عند الطلب مما يدل على أن البنك حينما يتصرف فيها إنما يفعل ذلك من موقف انتهازي لا يستند إلى مركز قانوني كمركز المقترض) . (4)
(1) الحسني، الوديعة المصرفية:107.
(2)
تجاوز العمل المصرفي هذه الفترة، وأصبحت المصارف الربوية هي التي تدفع مبالغ نقدية تشجيعا لأصحاب الأموال على الإيداع لديهم إذا استثنيا بعض الودائع البسيطة التي تأخذ عليها.
(3)
أي البنك.
(4)
حسن الأمين، الودائع المصرفية: 233-234، وانظر العمر، النقود الائتمانية:125.
2-
ويرى البعض أن عقد الإيداع المصرفي وديعة شاذة أو ناقصة، وذلك لأنها وديعة لا يلتزم فيها المصرف برد عينها وإنما يرد مثلها وتختلف عن القرض في أن للمودع أن يطلبها في أي وقت مما يجعل المودع لديه يحتفظ دائما بما يساوي الشيء المودع نوعا ومقدارا. (1)
3-
ويرى البعض أن عقد الإيداع عقد ذو طبيعة خاصة أو أنه ليس من العقود المسماة، إذ هو عقد ذو أهداف مختلفة، وهذا هو سبب التردد في إلحاقه بعقد الوديعة أو بعقد القرض، فالعميل يودع النقود بهدف الحفظ أو سداد مطلوباته، والمصرف يقبل هذه الوديعة بهدف استعمالها. (2)
4-
وذهب البعض إلى القول بأن هذه الفوائد التي تعطى تعتبر أجرا لاستعمال النقود وأن الودائع تدخل تحت عقد الإجارة. (3)
5-
وذهب الكثير ممن كتب في الودائع المصرفية والنقود وأعمال البنوك إلى أن الودائع الجارية قرض، المودع فيه بمثابة المقرض، والمصرف هو المقترض، ولذلك لا يلتزم المصرف بحفظ عين الوديعة بل يتملكها ويلتزم برد مبلغ مماثل لما أخذه ويتحمل خطر هلاكه بقوة قاهرة، ويمكنه أن يتمسك بالمقاصة، وعلى هذا أكثر القانونيين، ومن كتب في الودائع من الكتاب الإسلاميين.
جاء في الأسس القانونية لعمليات البنوك (عقد الإيداع هو العقد الذي تم بين العميل والبنك
…
وفيه يضع العميل مبلغا نقديا لدى البنك ويترتب على هذا العقد الذي يخول البنك ملكية النقود المودعة والتصرف فيها بما يتفق مع نشاطه المهني) . (4)
وجاء في الوديعة المصرفية (وتكيف الوديعة تحت الطلب التي تتخذ شكل الحساب الجاري الدائن بأنها قرض غير مشروط بأجل يستقرضه المصرف من المودع؛ لأنها نقود يعلم المودع أن المصرف يتصرف فيها وقد دفعها إليه راضيا بذلك فكان إذنا بالتصرف) . (5)
(1) الحسني، الوديعة المصرفية:102.
(2)
انظر المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق: 212.
(3)
السالوس، حكم ودائع البنوك:51.
(4)
سميحة القليوبي: 331.
(5)
الحسني:105.
مناقشة الأقوال الواردة في تكييف الوديعة:
يظهر أن مصطلح الوديعة الجارية نقل من القانون الغربي، كغيره من المصطلحات المنقولة، واستعمل بنفس اللفظ عند المسلمين، مع وجود الاختلاف البين بين دلالة اللفظ ومعناه وما استعمل فيه، فالوديعة المصرفية لا ينطبق عليها اصطلاح الوديعة الشرعية؛ لأن البنوك والمصارف لا تأخذها كأمانة وتردها إلى أصحابها بعينها، وإنما تتصرف فيها وتلتزم برد المثل، وأحيانا تدفع فوائد على الأموال التي تودع عندها، ومن المعلوم قطعا أن أحدا لن يدفع مبلغا من المال لمن يودع عنده. بل ولو كانت وديعة حقيقية لحصل العكس بأن يدفع صاحب المال أجرا على حفظ ماله. (1)
ومن الواضح أن البنوك ضامنة لما أودع فيها برد مثله ولو كان الهلاك بسبب قهري (2) والوديعة لا تضمن إلا إذا هلكت بسبب تقصير من المودع.
وأما الاتجاه الذي يرى خضوع الوديعة المصرفية لأحكام الوديعة الناقصة حيث يحتفظ البنك بما يماثل المودع قدرا ونوعا، فيناقش بأن هذا يخالف واقع نظام الإيداع المصرفي، حيث إن المصرف لا يحتفظ في خزانته بمقدار من النقود يساوي مجموع الأموال المودعة لديه وإلا تعطلت نشاطاته، وإنما يحتفظ بنسبة معينة منها وهو ما يعرف بالاحتياطي القانوني لمواجهة احتمالات طلبات الرد، والاحتفاظ بنسبة من المبلغ وليس الاحتفاظ بأجزاء من الأموال بأعيانها. (3)
(1) دفع صاحب المال لا وجود له في العمل المصرفي غالبا بل تحرص البنوك على جذب أكبر قدر من الودائع وتحاول جاهدة إغراء المودعين بما تدفعه لهم من فوائد أو تقدمه لهم من تسهيلات.
(2)
السالوس، حكم ودائع البنوك: 52، الحسني؛ الوديعة المصرفية: 103-104.
(3)
الحسني، الوديعة المصرفية:102.
وأما القول بأن الوديعة المصرفية عقد ذو طبيعة خاصة لاختلاف مقاصد العاقدين فيناقش بأن القرض عقد إرفاق في الأصل، وقد يخرج عن هذا المقصد إلى مقصد آخر كحفظ المال والأمن عليه من السرقة، وقد أقر هذا التوجيه فقهاء الإسلام قديما وحاضرا.
جاء في كشاف القناع (قال القاضي: ومعنى الحظ في قرض مال الصبي والمجنون أن يكون للصبي أو المجنون مال في بلد فيريد الولي نقله إلى بلد آخر فيقرضه الولي إلى رجل في ذلك البلد ليقضيه بدله في بلده، يقصد الولي بذلك حفظه
…
من نهب أو غرق أو غيرهما أو يكون المال يتلف بتطاول مدته أو يكون حديثه خيرا من قديمه
…
وإن أراد الولي أن يودع ماله – أي الصغير أو المجنون- فقرضه لثقة أولى من إيداعه؛ لأنه أحفظ له) (1)
ولو قيل: إن الأموال ودائع بالمعنى الحقيقي أو الناقص لعدم استغلالها والعمل بها تعديا يأثم المتصرف في المال بسببه؛ لأنه لا يجوز لأحد انتفاع بمال غيره دون رضا صاحبه.
وأما القول بأن هذه الفوائد التي تعطى تعتبر إجارة، فيرد بأن النقود لا يمكن الانتفاع بها مع بقاء أعيانها وما لا ينتفع به مع بقاء عينه لا يصلح للتأجير.
(1) البهوتي 3/449.
الراجح في تكييف عقد الحسابات الجارية (الوديعة تحت الطلب) :
بالاطلاع على كثير من الكتابات التي عنيت بتكييف الحسابات الجارية للمصارف ظهر اتفاق كثير من القانونيين مع كثير من الشرعيين في اعتبار الودائع المصرفية الجارية قرضا. صاحب المال هو المقرض، والمصرف هو المقترض، وهذا يعني تمليك هذه النقود للمصارف بحيث يحق لها التصرف فيها بشرط أن يكون مستعدا لسدادها حين طلبها. (1)
جاء في الأسس القانونية (تسلم المدفوعات إلى الطرف الآخر القابض على سبيل التمليك وذلك حتى يمكن قيدها بالحساب الجاري) . (2)
وجاء في الوديعة المصرفية (وتكيف الوديعة تحت الطلب التي تتخذ شكل الحساب الجاري الدائن بأنها قرض غير مشروط بأجل يستقرضه المصرف من المودع؛ لأنها نقود يعلم المودع أن المصرف يتصرف فيها وقد دفعها إليه راضيا بذلك فكان إذنا بالتصرف)(3)
ولا فرق في تكييف الودائع بهذا، سواء كانت الإيداعات في بنوك ربوية أو إسلامية، بل الفرق يكون في العائدات ومجال النشاط، فإن حدد قدر العائد من المودع (ك) 5 % كان قرضا ربويا محرما، وإن كان العائد ناشئا عن مضاربة أو مشاركة وحددت نسبة من الربح حسب أصول المشاركات الشرعية كان عملا جائزا.
ويمكن تأييد هذا الاتجاه بعدة أمور:
1-
ورد في صحيح البخاري عن عبد الله بن الزبير قال: لما وقف الزبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه فقال: يا بني لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم وإني لا أراني إلا سأقتل مظلوما وإن همي لديني
…
بع مالنا فاقض ديني وأوصي بالثلث
…
فقتل الزبير ولم يدع دينارا ولا درهما إلا الأرضين
…
قال: وإنما كان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه فيقول الزبير: لا ولكنه سلف فإني أخشى عليه الضيعة
…
قال عبد الله بن الزبير فحسب ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف) (4)
(1) سامي حسن حمود، تطوير الأعمال المصرفية: 291-292؛ محمد باقر الصدر؛ البنك اللاربوي: 88؛ العمر، النقود الائتمانية:122-123؛ جهاد أبو عويمر، الترشيد الشرعي: 217؛ غريب الجمال، المصارف وبيوت التمويل: 77؛ أحمد الحسني، الوديعة المصرفية:102؛ على السالوس، حكم ودائع البنوك: 52؛ سميحة القليوبي، الأسس القانونية:495.
(2)
سميحة القليوبي:495.
(3)
الحسني:105.
(4)
البخاري، الجامع الصحيح مع فتح الباري6/227-228.
2-
من المعلوم أن العرف بين التجار المشروط فيما بينهم،
والعرف في الشرع له اعتبار
لذا عليه الحكم قد يدار
والمعروف عرفا كالمشروط شرطا، والبنك يأخذ هذه الأموال بقصد استغلالها واستعمالها في نشاطاته المختلفة، ونظامه الأساسي ينص على أن ما دخله يكون على سبيل التملك، والمودع يضع ماله وقد علم أن العمل المصرفي لا يحفظ هذه الأموال بعينها وإنما يخلطها مع غيرها من الأموال، ويعمل بها حسب نشاطاته ويلتزم برد مثلها فقط وهذا هو حقيقة القرض حيث إن تعريفه هو دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله.
3-
جاء في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ما يدل دلالة واضحة على أن المال إذا دفع وكان غرض دافعه الحفظ وغرض آخذه الانتفاع به، ورد بدله أن المال المأخوذ يعتبر قرضا حيث قال:(من أخذ السفتجة من المقرض وهو أن يقرضه دراهم يستوفيها منه بلد آخر مثل أن يكون المقرض غرضه حمل دراهم إلى بلد آخر والمقترض له دراهم في ذلك البلد وهو محتاج إلى دراهم في بلد المقرض فيقترض منه في بلد دراهم المقرض ويكتب له سفتجة –أي ورقة- إلى بلد دراهم المقترض، فهذا يجوز في أصح قولي العلماء، وقيل: ينهى عنه؛ لأنه قرض جر منفعة، والقرض إذا جر منفعة كان ربا، والصحيح الجواز، فكلاهما منتفع بهذا الاقتراض، والشارع لا ينهى عما ينفع الناس وبصلحهم ويحتاجون إليه، وإنما ينهى عما يضرهم ويفسدهم) . (1)
فالأمر كان مشتهرا معروفا في عصر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من العصور المختلفة، والمحققون من علماء الإسلام سموه قرضا وإن اختلفت مقاصد العاقدين فالعبرة في كل عقد بمقصده الأعظم وإن وجدت مقاصد أخرى.
والله أعلم.
(1) 29/455-456.
الآثار المترتبة على تكييف الحساب الجاري:
تبين مما سبق أن الودائع المصرفية التي يتملكها المصرف ولها دور في نشاطه الاستثماري تعتبر قروضا، والقرض دين في ذمة المقترض، وعلى هذا المعنى تختلف الأحكام في تكييف تلك الأموال بأنها وديعة حقيقية شرعية أو ناقصة أو شاذة.
وقد تناولت ثلاث مسائل لها أهمية بالغة في هذا البحث.
أولا: الزيادة التي تدفع للمقرضين على ما دفعوه في مقابلة الأجل سواء كانت مشروطة أو جرى بها العرف أو اعتاد المقرض دفعها كلما اقترض مالا من غيره ربا محرم.
وأدلة ذلك في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة منها:
1-
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة:287- 289] .
2-
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه)) . (1)((وكل قرض جر منفعة فهو ربا)) . (2)
وعلى ذلك يكون ضمانها على المقترض بالمثل ولا يتحمل المودع من الخسارة شيئا مهما كانت الأسباب المؤدية إلى التلف. أما البنوك الإسلامية فإن أخذت الودائع بصفة القرض فلا خلاف في الحكم من حيث وجوب رد المثل والضمان وينبغي على البنوك الإسلامية التي توفرت لديها سيولة نقدية، الإقبال على استثمار هذه الأموال بما يؤدي الدور في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والنفسية للمجتمعات الإسلامية، وذلك بالنهوض بالمجتمع لتحقيق التكافل الاجتماعي، وتوزيع العائدات بما يسهم في عدم تركيز الثروة في أيد قليلة من فئات المجتمع، إذ إن شعار البنك الإسلامي هو (التنمية لصالح المجتمع) .
(1) مسلم، الجامع الصحيح مع شرح النووي 11/26، الشوكاني، نيل الأوطار 5/214.
(2)
ابن حجر، تلخيص الحبير 3/395.
وذلك باستثمار الأرصدة التي لديها من الودائع الجارية بعد الاتفاق مع أصحابها على استثمارها ودراسة جدواها وتولية الأمناء لمزاولة أعمالها ويكون الربح على حسب الشروط والخسارة حسب موقفه في المشاركة فإن كان عاملا فقط، فالخسارة على المودعين على قدر أموالهم ما لم يخالف البنك شروط المضاربة أو أصول الإدارة الصحيحة (1) وإن كان البنك شريكا في رأس المال، وعاملا اعتبرناه شريكا مضاربا فيحتمل من الخسارة بنسبة نصيبه في رأس المال.
ولصاحب المال تحديد نوع النشاط ومدته وبلده، فقد كان العباس بن عبد المطلب إذا دفع مالا مضاربة اشترط على صاحبه أن لا يسلك به بحرا ولا ينزل به واديا ولا يشتري به ذات كبد رطبة فإن فعل فهو ضامن، فرفع شرطه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجازه. (2)
ثانيا: حجز أموال العميل المودعة في حساب جار:
معنى الحجز: تجميد الرصيد وعدم قابليته للتصرف فيه، ويتم الحجز تحت يد البنك، ومقتضى ذلك أنه يحظر على العميل بعد توقيع الحجز سحب أي مبلغ من قيمة هذا الرصيد،
…
ويشمل الحجز حسابات العميل داخل البنك الواحد، أما إذا كانت الحسابات في عدة فروع فلا أثر للحجز إلا على حسابات العميل داخل الفرع الذي تم الحجز لديه والذي عينه الحاجز في طلبه. (3)
حكم الحجز: الأصل أن للإنسان حرية التصرف في ماله، ولا تقيد هذه الحرية إلا حينما يؤدي تصرفه إلى الإضرار بغيره أو بنفسه، إما بالمتاجرة في المحرمات المضرة بالمجتمع أو كان التصرف يؤدي إلى ضياع حقوق المتصرف أو حقوق غيره.
ولما كان الحساب الجاري في القوانين الوضعية له صفة خاصة ومزايا معينة فآثاره تختلف عن العقود الأخرى، وقد كان الاتجاه السائد في أول الأمر أن الحساب الجاري غير قابل للتجزئة، حيث إن وحداته متداخلة لا يمكن فصل بعضها عن بعض فلا يمكن خلال عمليات الحساب الجاري تحديد موقف أي من طرفيه دائنا أو مدينا ولذلك لا يمكن توقيع الحجز عليه.
(1) جهاد أبو عويمر، الترشيد الشرعي: 31؛ عمر متولي وشوقي شحاته، اقتصاديات النقود:85.
(2)
البيهقي، السنن الكبرى 6/111.
(3)
سميحة القليوبي، الأسس القانونية: 514؛ جهاد أبو عومير، الترشيد الشرعي:163.
ولكن هذا الاتجاه قد انتقد بأنه يؤدي إلى إلحاق الضرر بالدائنين ويمكن المدينين من الإضرار بهم فأخذ بإمكان الحجز عليه. (1)
حيث إن الأمر يختلف عما تصوروه فلا يحتاج إلى تفسير الحساب الجاري إلى ذوبان الفردية الذاتية للحقوق المتقابلة إلى أن نفترض أنه عقد خاص؛ لأن سحب العميل من حسابه لا يخرج عن أنه استيفاء لبعض حقوقه أو كلها حيث إن إيداعه لدى البنك أعطي حكم القرض غير المؤجل ولا المؤقت ويحق لصاحبه استرجاعه أو جزءا منه في أي وقت شاء. (2)
ومكونات الحساب الجاري من النقود وغيرها من الأشياء المتماثلة في طرفي الحساب وما كان متماثلا، فهو قابل للتجزئة.
وللحجز في الشريعة الإسلامية اصطلاح خاص لا يختلف في تركيب كلمته كثيرا عن الحجز القانوني إذ يسمى في الشريعة الحجر، أما في أحكامه فيختلف حيث إن الحجر الشرعي له أحكام وشروط إذا توفرت منع الإنسان من التصرف في جميع (3) ماله الموجود والمتجمد بعد الحجر بإرث أو هبة أو وصية إذا كان الحجر كليا (4) سواء كان الحجر لحظ نفسه أو لحظ غيره.
ولعل من أهم أحكام الحجر ما يتعلق بالمفلس فمتى لزمه ديون حالة لا يفي ماله بها فسأل غرماؤه الحاكم عليه لزمته إجابتهم، ويستحب أن يظهر الحجر عليه لتجتنب معاملته فإذا حجر عليه بذلك أربعة أحكام:
فتتعلق حقوق الغرماء بعين ماله، ولا يتصرف في عين ماله، فإن تصرف لم يصح تصرفه، ومن وجد من الغرماء عين ماله فهو أحق به، ويبيع الحاكم ماله ويقسمه بين الدائنين بنسبة ديونهم. (5)
(1) سميحة القليوبي، الأسس القانونية: 343،515
(2)
الصدر، البنك اللاربوي: 87؛ الحسني، الوديعة المصرفية:105.
(3)
ومنه الحجر على من اشترى سلعة ولم يسلم الثمن وهو معين قريب فيحجر عليه في المبيع وجميع ماله حتى يسدد الثمن للبائع. البهوتي، كشاف القناع 3/46.
(4)
احتراز عن الحجر الجزئي كالحجر على الراهن. من التصرف في المال المرهون والمريض من التصرف فيما زاد عن ثلث التركة محافظة على حقوق الورثة.
(5)
ابن قدامة، المغني 4/453؛ والبهوتي، شرح منتهى الإرادات 2/273، كشاف القناع 3/432.
أهم الفروق بين الحجز القانوني والحجر الشرعي:
1-
الحجز في البنوك يكون طرف البنك المطلوب الحجز عنده ولا يشمل الفروع الأخرى، كما لا يشمل الأموال غير المودعة ولا الأموال المتجمدة، وأما الحجر في الشريعة فإنه يشمل جميع الأموال الموجودة والمتجددة بإرث أو وصية وما كان مودعا أو غير مودع.
2-
الحجز لا يقع إلا على الرصيد في البنك المطلوب إيقاع الحجز عنده، أما غيره من البنوك فيحتاج إلى إجراء مستقل، ولذلك قد يحجز على غني، أما في الشريعة فإن الحجر إذا توفرت شروطه يقع على جميع المال ولا بد أن يسبق الحجر التأكيد بأن ماله لا يفي بديونه –أي مفلسا- أما الغني المماطل فيأمره الحاكم بالوفاء، فإن أبى حبسه فإن أبى عزره، فإن أصر على عدم القضاء باع من ماله وقضى دينه الحال ولا يحجر عليه. (1)
ثالثا: المقاصة في الحساب الجاري:
تعريف المقاصة: المقاصة لغة: مأخوذة من القص وهو القطع، يقال قصصت الشعر إذا قطعته. (2)
وفي الشرع: إسقاط مالك من دين على غريمك في نظير ماله عليك. (3)
حكم المقاصة: المقاصة في الحساب الجاري تكون نتيجة معرفة صفته وتكييفه، وقد مر معنا القول بأن الحساب الجاري تذوب فيه الناحية الذاتية للحقوق الفردية قد ضعف في وقت متأخر واعتمد تجزئته وأنه لم يعد يتمتع بمبدأ عدم التجزئة ولذلك قيل بجواز الحجز قانونا.
وأما في الشريعة الإسلامية فلا يبني الأمر على ذوبان الفردية الذاتية في الحساب الجاري من عدمه بل يعتبر الأمر مبنيا على أمرين:
(1) البهوتي، شرح منتهى الإرادات 2/276.
(2)
الجوهري، الصحاح 3/1052.
(3)
الدردير، الشرح الكبير3/227.
الأمر الأول: تكييف سحب العميل من حساب جار هل يعتبر قرضا أو استيفاء؟
فإن اعتبر قرضا من البنك، فالعميل فيه مقترض والبنك مقرض له مقابل إقراضه للبنك، فهنا دينان متقابلان تجرى بينهما المقاصة القهرية بمجرد حصولهما دون حاجة إلى عقد أو اتفاق مسبق ولا يبقى إلا ما يمثل الفارق بين الرصيد الدائن والرصيد المدين. (1)
وإن اعتبرنا سحب العميل استيفاء من الحساب الجاري فلا يكون الحساب الجاري متألفا من قائمتين من الديون المتقابلة بل من قائمتين إحداهما تمثل ديون العميل على البنك بقدر ما وضع في الحساب الجاري من أموال، والأخرى تمثل استيفاء العميل لدينه الذي يحدد بمقدار سحبه من رصيده، ولا مقاصة حينئذ (2) وهذا الرأي هو الأقرب لحقيقة ووقائع السحب، إذ لا مانع عند المصارف من سحب العميل أمواله كلها أو بعضها في نفس اليوم الذي تم الإيداع فيه، ولو كان إقراضا من البنك للعميل لخضع لإرادة البنك زمنًا وقدرا، وأيضا فإن الساحب إذا أصدر شيكا أو أمر بسحب أكثر من حسابه قد يقع عليه جزاء مالي أو جسدي، وهذا يدل على أن ما يأخذه يعتبر استيفاء إذ لو كان قرضا لما ترتب على رفضه جزاء فإن المقترض إذا كان يطلب قرضا لا جزاء عليه ولا عقوبة، وإنما يجاب فيقرض أو يرد طلبه.
أما إذا كان السحب على المكشوف فهو دين –قرض- للبنك على العميل ولا يتم إلا في حدود ضيقة غالبا، ويعتبر العميل مدينا بهذا القرض.
(1) الصدر/ البنك اللاربوي: 87
(2)
الصدر، البنك اللاربوي: 87-88
الأمر الثاني: يترتب على تكييف سحب العميل من حساب جار بأنه قرض، وانشغال ذمة البنك بهذا الدين تقابل دينين والنبي صلى الله عليه وسلم قد ((نهى عن بيع الكالئ بالكالئ)) (1) وحكم بيع النسيئة بالنسيئة يعتبر محرما وإذا وقع كان فاسدا لا تترتب عليه آثاره.
والذي يظهر من تقصي صور بيع الدين بالدين وسبب منعها أن هذه الصورة ليست من الصور الممنوعة؛ لأن النهي عن بيع نسيئة بنسيئة، وواقع المقاصة إسقاط لما سبق وليست ببيع جديد.
جاء في نظرية العقد: والإجماع إنما هو في الدين الواجب بالدين الواجب كالسلف المؤجل من الطرفين، وهذه الصورة بيع ما هو ثابت في الذمة ليسقط بما هو ثابت في الذمة ليس في تحريمه نص ولا إجماع ولا قياس فإن كلا منهما اشترى ما في ذمته وهو مقبوض له بما في ذمة الآخر. (2)
وجاء في الفتاوى (النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن بيع الكالئ بالكالئ، وهو المؤخر بالمؤخر ولم ينه عن بيع دين ثابت في الذمة يسقط إذا بيع بدين ثابت في الذمة يسقط فإن هذا الثاني يقتضي تفريغ كل واحدة من الذمتين ولهذا كان جائزا في أظهر قولي العلماء) . (3)
ولعل فيما سبق من بيان لجواز الحجز على الحساب الجاري وقبول المقاصة فيه جواب على جواز جعله رهنا أو ضمانا أو ثمنا لشراء أسهم أو بضائع، فإذا جاز سحبه والمقاصة به وقبل الحساب التجزئه جاز حينئذ جعله سدادا لجميع أعمال المودع.
والله أعلم.
(1) الزيلعي، نصب الراية 4/39-40؛ وابن حجر، تلخيص الحبير3/29-30؛ الشوكاني، نيل الأوطار 5/176.
(2)
ابن تيمية: 235؛ وانظر نزيه حماد، بيع الكالئ بالكالئ: 24-25
(3)
ابن تيمية 29/472.
المطلب الثاني
ودائع التوفير
ومما له صلة بالحساب الجاري ودائع التوفير، وإليك تعريفها أولا ثم تكييفها.
تعريفها:
هي مبالغ نقدية يقتطعها الأفراد من دخولهم ويدفعونها إلى المصرف ليفتح لهم حسابا ادخاريا يحق لهم سحبه أو سحب جزء منه أي وقت. (1)
وهذا النوع يقصد المودع به حفظ ماله من الضياع وتعويد نفسه على التوفير والادخار، وقد يرغب في استثمارها وما يعود من أرباح وفوائد يعطيها المصرف لمثل هذه الودائع إذ إن المودعين غالبا هم ذوو الدخول البسيطة.
ويحق لصاحب التوفير الإضافة على رصيده في أي وقت كما يحق له السحب من هذا المال بنفسه أو بمن ينيبه عنه ولا يصدر لهذه الحسابات شيكات وإنما يعطى أصحاب هذه الودائع دفاتر تقيد فيها دفعات الإيداع والسحب. وحركة السحب من هذه الودائع بسيطة إلا في المواسم والأعياد. (2)
(1) أحمد الحسني، الوديعة المصرفية: 88؛محمود بابللي، المصارف الإسلامية: 174-175.
(2)
المصدران السابقان.
تكييف ودائع التوفير:
يظهر من تعريفها السابق أنها تشابه الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) في إمكان السحب منها متى شاء المودع، وإن كانت بعض المصارف الإسلامية تحدد السحب بمرة واحدة في الشهر.
كما إنها تشبه الودائع لأجل فيما تعطيه المصارف الربوية من فوائد للمدخرين. (1)
واستثمار هذه الودائع لا يخرج عن صنفين:
أحدهما: في البنوك التجارية: حيث تدفع فوائد محددة بنسبة معينة متفق عليها على أساس أدنى رصيد له في حساب التوفير خلال شهر. (2) وهذا ربا قرض محرم شرعا.
والثاني: في البنوك الإسلامية حيث يختلف وضع هذه الودائع، ففي بعضها يحق لصاحب الوديعة أن يسحب وديعته متى شاء ويسحب العائد من الربح وتحسب الخسارة على أقل رصيد شهري في الحساب المودع. (3)
وفي بعضها الآخر ليس للمودع السحب إلا مرة واحدة في الشهر فإن سحب أكثر من مرة سقط نصيبه من الربح في ذلك الشهر، وللمودع أن يسحب وديعته في أي وقت يشاء، وتحتاط البنوك في الاحتفاظ بنسبة محددة لا تدخل في الاستثمار لمواجهة طلبات السحب ولا يدفع عنها ربح، وعلى ذلك تكون الودائع التي لم يفوض أصحاب المال المصرف في استثمارها قرضا حسنا. (4)
وأما الودائع التي فوض البنك في استثمارها سواء عين المشروع الاستثماري أو لم يعينه، فالمودعون هم أرباب المال، والبنك هو العامل إن لم يضف إلى مال المشاركة من حصص المساهمين فإن أضاف شيئا فهو شريك ومضارب في آن واحد إن تولى إدارة المشاريع بنفسه فإن دفعها إلى غيره اعتبر وكيلا للمضاربين، جاء في المغني: (وإن أذن رب المال في دفع المال مضاربة جاز ذلك نص عليه أحمد لا نعلم فيه خلافا ويكون العامل وكيلا لرب المال في ذلك
…
وإن قال: اعمل فيه بما أراك الله جاز دفعه مضاربة نص عليه؛ لأنه قد يرى أن يدفعه إلى أبصر منه) . (5)
(1) الحسني، الوديعة المصرفية: 119؛ حسن الأمين، الودائع المصرفية 10/210؛ البنك اللاربوي:64.
(2)
الحسني، الوديعة المصرفية: 119؛ حسن الأمين، الودائع المصرفية 10/210؛ البنك اللاربوي:64.
(3)
الحسني، الوديعة المصرفية:93؛ الصدر، البنك اللاربوي: 64،65؛ محمود بابللي، المصارف الإسلامية:75.
(4)
الحسني: الوديعة المصرفية: 119؛ عوف الكفراوي، النقود والمصارف:720.
(5)
ابن قدامة 5/50.
المطلب الثالث
الوديعة الائتمانية (المشتقة)
دعت الحاجة إلى استخدام الودائع المشتقة في كثير من المقاولات والمعاملات التجارية وخصوصا الخارجية منها؛ إذ إن المصدر الأجنبي لا يريد أن يتخلى عن بضاعته لمشتر لا يعرفه دون أن يضمن الحصول على ثمن بضاعته، والمشتري لا يريد أن يدفع ثمن بضاعة لم يتحقق مطابقتها لمواصفاته التي اشترطها، ومن هنا جاء دور البنوك في التوسط بين الطرفين المتعاملين فأوجدت ما يسمى بالودائع الائتمانية. (1) ولا بد من تعريفها ثم تكييفها.
تعريفها:
(عقد بين بنك وعميل يضع فيه البنك مبلغا من المال تحت تصرف العميل خلال مدة معينة أو يتعهد بوضعه. ويكون من حق العميل السحب بشيكات كما أو أودع نقودا) . (2)
تكييف الوديعة الائتمانية:
الوديعة الائتمانية الناشئة من البنك لا تخرج عن حالتين:
الحالة الأولى: الإقراض بتسليم المبلغ نقدا للعميل أو قيده في حسابه فهذا قرض تجرى عليه أحكام القرض، إن كان بفائدة فهو ربا محرم شرعا وإن كان بدون فائدة فهو قرض حسن. (3)
(1) محمد حامد التكينة: الخدمات المصرفية: 166.
(2)
حسن الأمين، الودائع المصرفية:256.
(3)
انظر: حسن الأمين، الودائع المصرفية: 256؛ الحسني الوديعة المصرفية: 71.
الحالة الثانية: إذا لم يتسلم المقترض المبلغ أو تسلم بعضه ولم يقيد الباقي في سجلات المصرف، فما تسلمه يعتبر قرضا وما لم يتسلمه يعتبرا وعدا بقرض (1) وأرى أن هذا ضمان للمصدر لسداد ما يلزم العميل عند وصول البضاعة موافقة للشروط. وقد تطلب بعض المصارف تغطية المبلغ أو جزءا منه فإن غطى المبلغ جميعه كان الثمن أمانة عند المصرف حتى يتسلم البضاعة ويتأكد من مطابقتها للشروط ثم يدفع لكل حقه، وإذا لم يغط العميل المبلغ المطلوب جميعه كان ما سلم جزءا من الثمن وما لم يسلم ضمان من البنك يقوم بتسديده للمصدر حين تسلم البضاعة مطابقة للشروط.
جاء في الروض المربع (وإن أبى كل منهما –أي البائع والمشتري- تسليم ما بيده من المبيع والثمن حتى يقبض العوض بأن قال البائع: لا أسلم المبيع حتى أقبض الثمن، وقال المشتري: لا أسلم الثمن حتى أقبض المبيع نصب عدل
…
يقبض منهما المبيع والثمن ويسلم المبيع للمشتري ثم الثمن للبائع؛ لجريان عادة الناس بذلك) . (2)
وما يأخذه المصرف من أجرة إذا كان مرة واحدة بقدر تكلفة العمل ولم يختلف حسب اختلاف المبلغ فهو جائز إذ إنه أجر على عمل لا يلزمه فيستحق الأجرة عليه، وأما ما يستحقه مقابل فحص البضاعة ومعرفة مطابقتها للشروط من عدمه فذلك وكالة بأجر.
والله أعلم.
(1) الحسني، الوديعة المصرفية:112.
(2)
البهوتي 2/177.
المبحث الثاني
أثر الحسابات الجارية في تنشيط الحركة الاقتصادية
يلجأ أصحاب الأموال إلى وضع أموالهم لدى البنوك بقصد حفظها من السرقة أو الغصب أو الضياع، وقد يرغب بعضهم في وضع ماله لغرض معين كالاكتتاب في أسهم شركة معينة أو تنفيذ علاقة تجارية معينة والتي لا تنتهي بمجرد صفقة واحدة أو اثنتين؛ إذ العمليات التجارية متشابكة متداخلة لا تنتهي عند حد معين، والبنوك هي الوسيط غالبا في هذه العمليات. (1)
إذ أنها هي المؤسسات التي يكون من اختصاصها وأغراض تأسيسها قبول الأموال من مالكيها. (2) ، وتنفيذ أوامرهم المتعلقة بحساباتهم، وصرف وتحصيل وإصدار الشيكات، ومنح القروض، وخصم الأوراق التجارية وفتح الحسابات الجارية وقبول الودائع على جميع صورها، وهذه الودائع لها دورها فهي المصدر الأساسي للسيولة في النشاط المصرفي حيث إنها الجزء الأكبر من موارده الخارجية وخصوصا الوديعة الجارية حيث بلغت نسبتها من مجموع الودائع في المملكة العربية السعودية (60.7 %) . (3)
فالبنوك وإن كانت مخزنا للنقود إلا أن هذا أقل أدوارها أهمية، ذلك أن الأهم منه أن تدفع بهذه النقود إلى المنتجين في الصناعة والزراعة والمشتغلين بالتجارة بصفة عامة ثم تستردها منهم لتقديمها من جديد إلى منتجين آخرين، فالنقود تستخدم خارج البنوك في تنشيط الاقتصاد وبث الحياة في المشروعات، ولنا أن ننظر في أهم موارد المصارف حتى تتبين لنا النسبة التي تشكلها الودائع بالنسبة إلى غيرها.
1-
رأس المال المدفوع لا يعتبر موردا مهما للبنك وإنما تكمن أهميته في كونه مصدرا لثقة المودعين ولتدعيم البنك في علاقته مع مراسليه بالخارج.
2-
الاحتياطات وهي مبالغ نقدية تقتطعها البنوك من صافي الربح القابل للتوزيع وتنقسم إلى قانونية (4) واختيارية. (5)
3-
الحسابات الجارية.
4-
الودائع الادخارية (حساب التوفير) .
الودائع الاستثمارية بقسميها ما كان منها مع التفويض أو بدونه. (6)
(1) سميحة القليوبي، الأسس القانونية:330.
(2)
يوجد نوع من الودائع تسمى الودائع العامة تحتفظ بها الحكومة عادة في حساباتها طرف البنك المركزي تسمى الودائع العامة وهي تظهر في جانب الخصوم من الميزانية العمومية للبنك المركزي. حسين عمر، موسوعة المصطلحات:263.
(3)
الحسني، الوديعة المصرفية: 75
(4)
هي التي تفرض بنص القانون. جهاد أبو عويمر، الترشيد الشرعي: 319-320.
(5)
هي التي تقرر بمقتضى النظام الأساسي للبنك والهدف من الاحتياطات دعم المركز المالي للبنك وتقويته في مواجهة التغيرات المختلفة في المستقبل. جهاد أبو عويمر، الترشيد الشرعي: 319-320.
(6)
جهاد أبو عويمر، الترشيد الشرعي:319-320
ومن المعلوم أن موارد البنوك من النقود بمعناها الضيق وهي النقود المصدرة عن طريق السلطات النقدية بالدولة لا تشكل نسبة ذات أهمية بالنسبة لغيرها من النقود المشتقة، فنقود الودائع هي التي تتوفر لديه بمعنى أن النظام المصرفي يستطيع أن يوجد كمية من النقود تفوق أضعاف كمية النقود التي وضعها المودعون لدى البنوك (1) ، ويرجع ذلك إلى أن نسبة السحب من الودائع محدودة بحيث إن ما تحتفظ به البنوك كاحتياطي نقدي لمقابلة السحب لا يتجاوز 30 % من الودائع، ويبقى (70 %) من الودائع وخصوصا الحسابات الجارية تستثمرها هذه البنوك (2) ولا شك أن هذه النقود الحقيقية أو المشتقة لها دور كبير في مجال النشاط المالي والاقتصادي والتجاري في البلاد، إذ تدفع هذه النقود إلى المنتجين في الصناعة والزراعة والتجارة ثم تستردها منهم لتقديمها من جديد إلى منتجين آخرين (3) ، وهذا يؤدي إلى تقليب المال في البنوك واتساع نطاق التعامل بالودائع المصرفية حيث تنتقل ملكيتها من شخص آخر عن طريق الشيكات، وبذلك تزداد وسائل الدفع في المجال التجاري والصناعي والزراعي والعمراني، مما يؤدي بدوره إلى القضاء على البطالة، أو المساهمة في تقليلها ولا سيما إذا كانت هذه الودائع تقدم مشاركة أو مضاربة أو في أعمال زراعية، وهذا اتجاه لا شك في مساهمته في المشاريع التنموية التي يعود نفعها على المجتمع عامة، ويقلل من دور البنوك الربوية التي تدفع ما لديها من ودائع بفوائد ربوية، حيث يكتفي المصرف بفوائد الودائع عن تشغيلها، الأمر الذي أدى إلى زيادة التضخم وانتشار البطالة وخروج الأموال واستغلالها في خارج بلدان الأموال –الودائع- مما يعتبر له أكبر الأثر في اقتصاديات الأمة حيث يجرد المسلمون من أدوات النشاط الاقتصادي ومن القوة القاهرة في المبادلات، فهذه الأموال التي تنعم بها المصارف الأجنبية هي التي تصنع بها الرفاهية في بلادها بينما يعاني العديد من البلدان الإسلامية من نقص الموارد والإمكانات المالية، وتبذل هذه البلدان جهودا مضنية للحصول على احتياجاتها التمويلية من المصارف الأجنبية، وما تفرضه عليها هذه الأخيرة ما هو في الواقع إلا جزء من أموال المسلمين المودعة أصلا لديها وتمن به عليهم بعد دفعه بشروط باهظة وباستغلال بين، ومن هذا يتبين أن مدخرات البلاد الإسلامية التي تودع في مصارف أجنبية تمنح فرصا ذهبية للبلاد الأجنبية لكي تفيد منها فوائد مضاعفة في تحقيق مزيد من التنمية لشعوبها. (4)
(1) أبو بكر عمر متولي، شوقي إسماعيل، اقتصاديات النقود:79.
(2)
جهاد أبو عويمر، الترشيد الشرعي:235.
(3)
سميحة القليوبي، الأسس القانونية:317.
(4)
غريب الجمال، المصارف وبيوت التمويل: 62-63؛ محمد باقر الصدر، البنك اللاربوي:99.
وأيضا فإن الودائع المصرفية تمثل أموالا كانت عاطلة قبل إيداعها فأتيح لها عن طريق الإيداع دخول مجال الإنتاج والاستثمار على شكل قروض أو مشاركة أو مزارعة ومنح البنوك القدرة على الائتمان (1) بدرجة أكبر من تلك الودائع.
والائتمان البنكي يؤدي بدوره إلى الوديعة المصرفية وبالتالي تكثر وسائل الدفع التي تعوض النقود، وكلما كثرت وسائل الدفع اتسعت ونمت الحركة التجارية والصناعية والزراعية وقلت البطالة (2) كما أن من أهم فوائد الإيداع للعمل المصرفي وللمجتمع عامة ما تلجأ إليه المصارف بتوجيه من الحكومات حيث ترغب الدول في الحد من الإنفاق والبعد عن الإسراف، ولذلك يلجأ الأفراد إلى إيداع مدخراتهم في المصارف التي تعمل جاهدة لتجميع هذه المدخرات وتوجيهها الوجهة التي تحقق النفع العام للمجتمع إن استغلت استغلالا تنمويا صحيحا مبنيا على أسس ومبادئ مدروسة أو يؤدي إلى نتائج عكسية إن استغلت في القروض الربوية غير المنتجة.
(1) قرض أو حساب على المكشوف يمنحه البنك لشخص ما. حسن عمر، موسوعة المصطلحات:7.
(2)
محمد باقر الصدر، البنك اللاربوي: 99؛ إبراهيم العمر، النقود الائتمانية: 43-46.
الخاتمة
الحمد لله أولا وآخرا كما يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وبعد.
فقد انتهيت من بحث الحسابات الجارية وأثرها في تنشيط الحركة الاقتصادية وتوصلت إلى عدة نتائج هذه أهمها:
1-
أفرز النظام المصرفي أمرا له خطورته وأهميته في آن واحد ذلك أن البنوك استطاعت إيجاد وخلق نقود لم تكن موجودة وذلك أن الودائع مكنت المصارف من نقود جعلتها تتاجر بها أو تقرضها فيما لا يعود بفائدة اجتماعية إن لم يعد بخسارة حينما تكتفي هذه المصارف بعوائد الودائع الربوية الداخلية التي تؤدي بدورها إلى زيادة نسبة التضخم أو الخارجية التي تؤدي إلى حرمان المجتمعات الإسلامية من ثرواتها وتتعطل المشاريع التنموية من زراعية وتجارية وصناعية لعدم وجود المال في أيدي المستثمرين، ولذلك يجب مراقبة المصارف مراقبة قوية وتوجيهها بما يعود خيره على الأمة.
2-
تعتبر الحسابات الجارية أهم المصادر الأساسية للسيولة النقدية في النشاط المصرفي إذ تكون الجزء الأكبر من موارده حيث بلغت نسبتها من مجموع الودائع في المملكة أكثر من 60 %.
3-
الحسابات الجارية لها دور في زيادة التضخم إذا لم تراقب وتوجه وجهة سليمة تساهم في المشاريع التنموية الزراعية والتجارية والصناعية.
4-
أدى ظهور البنوك الإسلامية إلى الحد من التضخم وتقليل البطالة وذلك عند استثمار الودائع في مشاريع تنموية زراعية وتجارية وصناعية وإن لم يتحقق الدور المطلوب من هذه البنوك لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية مما أدى إلى إضعاف دورها والتقليل من أهميتها.
5-
تعتبر غالب الحسابات الجارية في واقع التعامل المصرفي المعاصر قروضا وعائداتها من الربا المحرم شرعا بنص الكتاب والسنة، ويمكن جعلها قروضا حسنة.
6-
لا عبرة بالاتجاه القانوني في اعتبار الحساب الجاري غير القابل للتجزئة وذوبان الفردية فيه حيث إن مكوناته متماثلة والحجز يقع على المتماثل وغيره مما لا يقبل التجزئة إذا توفرت شروطه.
7-
إمكان المقاصة وجعل الحساب الجاري أو جزءا منه رهنا في دين أو سدادا لقيمة مبيع أو تغطية لخطاب ضمان ما دام أنه يجوز للعميل السحب منه والإضافة إليه.
8-
ليست المقاصة من صور بيع الدين بالدين الممنوعة.
9-
السحب من الحساب الجاري استيفاء للحق أو بعضه وليس قرضا؛ لأن المصارف لا تسمح بسحب أكثر من المبلغ المودع.
10-
يجب توسيع نشاطات البنوك الإسلامية وتوجيهها إلى مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والعلمية مكتفية بالقليل من الأرباح المادية مقابل الأرباح المعنوية الهامة.
والحمد لله على توفيقه وإعانته على إتمام هذا البحث والله أسأل أن يجعله خالصا لوجهه الكريم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
د. مسعود بن مسعد الثبيتي
أهم مراجع البحث
- الأزهري، الزاهر، تحقيق محمد الألفي، الطبعة الأولى 1399هـ، دار الشئون الإسلامية، الكويت.
- الإمام أحمد، الطبعة الثانية 1398هـ، المكتب الإسلامي، بيروت.
- البخاري، الجامع الصحيح مع فتح الباري، المطبعة السلفية 1390هـ.
- البعلي، المطلع على أبواب المقنع، الطبعة الأولى 1385هـ، المكتب الإسلامي.
- البهوتي، شرح منتهى الإرادات، دار الفكر.
- البهوتي، كشاف القناع.
- البيهقي، السنن الكبرى، الطبعة الأولى 1344هـ دائرة المعارف النظامية، الهند.
- بيت التمويل الكويتي، النظام الأساسي، الكويت1411هـ.
- بنك دبي الإسلامي، النظام الأساسي، 1395هـ.
- ابن تيمية، الفتاوى الكبرى، مكتبة المعارف، المغرب.
- جهاد أبو عويمر، الترشيد الشرعي للبنوك، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة، 1986م.
- الجوهري، الصحاح، تحقيق أحمد العطار، الطبعة الثانية 1402هـ.
- حسن الأمين، الودائع المصرفية، الطبعة الأولى 1403هـ، دار الشرق.
- حسين عمر، موسوعة المصطلحات الاقتصادية، الطبعة الثالثة، 1399هـ، دار الشروق.
- ابن حجر، تلخيص الحبير، تحقيق شعبان إسماعيل 1399هـ، مكتبة الكليات الأزهرية.
- الدردير، الشرح الكبير على هامش الدسوقي، المكتبة التجارية الكبرى.
- الزيلعي، نصب الراية، الطبعة الثانية 1393هـ، المكتبة الإسلامية.
- السالوس، حكم ودائع البنوك، الطبعة الأولى 1410هـ، دار الثقافة، الدوحة.
- سامي حسن حمود، تطوير الأعمال المصرفية، الطبعة الأولى 1396هـ، دار الاتحاد العربي للطباعة.
- سعدي أبو جيب، القاموس الفقهي، الطبعة الأولى 1402هـ، دار الفكر، دمشق.
-
- سميحة القليوبي، الأسس القانونية لعمليات البنوك، دار النهضة العربية 1988م.
- الشوكاني، نيل الأوطار، مصطفى البابي الحلبي.
- الصدر/ البنك اللاربوي، دار التعارف للمطبوعات 1410هـ.
- عمر متولي، وشوقي إسماعيل، اقتصاديات النقود، الطبعة الأولى 1403هـ، دار التوفيق النموذجية.
- العمر، النقود الائتمانية، الطبعة الأولى 1414هـ، دار العاصمة الرياض.
- عوف الكفراوي، النقود والمصارف، دار الجامعات المصرية.
- غريب الجمال، المصارف وبيوت التمويل، الطبعة الأولى، دار الشروق.
- الفيومي، المصباح المنير، مصطفى البابي الحلبي.
- ابن قدامة، المغني، مكتبة الجمهورية العربية.
- ابن ماجه، السنن، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، عيسى البابي الحلبي.
- ابن المبرد، الدر النقي، الطبعة الأولى 1411هـ، دار المجتمع.
- محمد التكينة، الخدمات المصرفية، رسالة دكتوراة، جامعة أم القرى.
- محمد عبد الهادي، الربا والقرض، دار النصر للطباعة، مصر.
- محمود بابللي، المصارف الإسلامية، الطبعة الأولى 1409هـ، المكتب الإسلامي.
- مسلم، الجامع الصحيح مع شرح النووي، دار الفكر، بيروت.
- المناوي، التوقيف على مهمات التعاريف، الطبعة الأولى 1410هـ، عالم الكتب، القاهرة.
- نزيه حماد، بيع الكالئ بالكالئ، مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي، جدة، 1986م.
- نزيه حماد، عقد القرض، الطبعة الأولى 1411هـ، دار القلم، دمشق.
- نزيه حماد، عقد الوديعة، الطبعة الأولى 1414هـ، دار القلم، دمشق.
- النووي، روضة الطالبين، المكتب الإسلامي.
المناقشة
بسم الله الرحمن الرحيم
الودائع المصرفية
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
موضوع هذه الجلسة المباركة –إن شاء الله تعالى- هو: الودائع المصرفية (حسابات المصارف) والعارض هو الدكتور سامي حسن حمود، والمقرر هو الدكتور حسين كامل فهمي.
الدكتور سامي حسن حمود:
الحمد لله حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على النبي الأمي، بلغ الرسالة وأدى الأمانة وكان رحمة للعالمين، أما بعد:
فإنه ليسرني أن أقدم عرضا موجزا مع محاولة عدم الإخلال بالمقصود إن شاء الله من بحوث الموضوع الثالث وهو بعنوان (الودائع المصرفية-حسابات المصارف) .
وقد قدمت بهذا الموضوع سبعة بحوث وسأتبع في العرض نفس الترتيب الوارد في جدول الأعمال بالنسبة لأسماء الباحثين، حيث كلهم أخ كريم أفدت من عملهم ورددت بعض الجميل بالتنبيه إلى ما أورده البعض الآخر ممن قد أختلف معه في الرأي دون أن ينقص الكلام مقام الود والاحترام.
وكانت أمانة مجمع الفقه الإسلامي قد حددت بحرص تشكر عليه أهم عناصر الموضوع الخاص بالودائع المصرفية دون إلزام بالاتباع الحرفية.
وسوف أعرض لأهم نقاط البحث على أساس التصنيف الموضوعي لهذه العناصر مع محاولة التركيز على ما هو مطلوب للتطبيق العملي المعاصر وذلك لتسهيل إعطاء الرأي الفقهي من أهل الفقه وهم على بينة من الموضوع المقصود بالبحث.
أولا – مفهوم الوديعة المصرفية وتسميتها وتكييفها.
ثانيا – النتائج المترتبة على تكييف الودائع المصرفية على أنها قرض.
ثالثا – أنواع الودائع المصرفية وموقعها في الميزانية العمومية للبنك.
رابعا – ضمان الحسابات الجارية ومن يتحمله؟ المساهمون والمودعون أم المساهمون وحدهم.
خامسا – رهن الوديعة المصرفية وإجراءات الحجز والمقاصة.
سادسا – استثمار الودائع المصرفية والتصرف بالسحب والإيداع.
أولا – مفهوم الوديعة وتسميتها وتكييفها:
تلاقت آراء الباحثين في الجملة على أن مفهوم الوديعة المصرفية إنما هو مفهوم مغاير لعقد الإيداع بالنظر الفقهي. فالوديعة المصرفية بصورتها الحسابية ليست توكيلا للمصرف على حفظ المال.
وهذا هو الفرق بين الوديعة بالمفهوم الفقهي والتطبيق المصرفي. فالوديعة في الأصل هي: - حسب تعريف مجلة الأحكام العدلية- المال الذي يوضع عند إنسان لأجل الحفظ (مادة762) .
أما الوديعة المصرفية فهي المال الذي يتسلمه المصرف لحساب المودع، ليس على أساس حفظه له بذاته، وإنما على أساس تسجيل قيد يصبح فيه دائنا للمصرف وله حق السحب والاسترداد في الحساب الجاري وقتما شاء أو يجب الشرط المتفق عليه بالنسبة لأنواع الحسابات الأخرى.
لذلك فقد عمد باحثان هما: د. سامي حسن، ود. حمد الكبيسي إلى توضيح التسمية لتكون الوديعة الحسابية حيث إن الإنسان هو القيد الحسابي الذي يثبت انشغال ذمة المصرف المودع لديه حسبما يظهر في كشف الحساب.
وبهذا المفهوم أخذ قانون البنك الإسلامي الأردني رقم 13 لسنة 1978 والمعدل لاحقا برقم 62 لسنة 1985 حيث نصت المادة رقم 11 حسب القانون المعدل على أن (يقبل البنك الودائع النقدية المسجلة في الحسابات المختلفة سواء بصورة حسابات الائتمان ومن هذه التسمية "حسابات الائتمان" كبديل عن مصطلح الحساب الجاري وكذلك حسابات الاستثمار كنقيض لحسابات الودائع الثابتة ذات الفائدة وما يشبهها هي التسمية الجديرة بالشيوع) . وللعلم فإن قانون البنك الإسلامي الأردني خضع بكل مواده لتدقيق شديد من لجنة الفتوى بوزارة الأوقاف الأردنية قبل مسودته إلى رئاسة الوزراء.
أما التكييف الفقهي فإن ما يدعو للاعتزاز بفقه السابقين الذين تظهر في آرائهم أمارات النور الإيماني يتمثل في قولهم المباشر عن الوديعة النقدية المأذون باستعمالها أنها تكون قرضا حقيقة. هذا ما قاله الأئمة السابقون –رحمهم الله جميعا- ومن أبرزهم الإمام السمرقندي صاحب تحفة الفقهاء وشارحه الإمام الكاساني والسرخسي في المبسوط وصاحب كشاف القناع وكتاب المغني لابن قدامة.
وبينما تاه أصحاب القانون المدني في تكييف الوديعة المصرفية قرونا قبل أن يصلوا إلى حقيقة كونها قرضا كما هو معروف الآن، فقد كان فقهاء الإسلام قادرين من بداية الطريق على وضع الأمور في نصابها حتى قبل أن تأتي حفظ الحاجة، حيث لم يعرفوا الشكل التطبيقي للوديعة المصرفية في أرباحهم.
ولكنهم عرفوا أن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني. هذا هو التكييف الفقهي الذي تعتمده البنوك الإسلامية للوديعة في الحسابات الجارية.
وبينما يسلم الباحثون بهذا المفهوم المتفق عليه بالنسبة للتكييف الفقهي في الوديعة المأذون بالتصرف فيها، فإن الباحث الدكتور حسين كامل فهمي يرى من بحثه المقدم لهذه الدورة (ضرورة إعادة النظر في التكييف الفقهي المعمول به حاليا للحسابات الجارية في البنوك الإسلامية لتعود الوديعة إلى المفهوم الفقهي للوديعة، حيث يصطلح لذلك بقوله (الوديعة بمفهومها الشرعي) . وهو يعتبر أن الوديعة المصرفية بهذا المفهوم تصبح وديعة لدى كل من البنك الإسلامي والبنك المركزي في نفس الوقت مع الإذن للبنك المركزي فقط باستخدامها.
ورأي الباحث –مع الاحترام لحق الزمالة في العمل والمجالسة مع أهل العلم- فيه تناقض بين. فإذا كان يريد الوديعة بمفهومها الفقهي على أنها توكيل بالحفظ فليس محلها القيد بالحساب الجاري وإنما يجب حفظ الأوراق النقدية المودعة بذاتها كما كان بفعل أجدادنا وجداتنا بعقد الصرة على دراهم الأمانة لتعاد بذاتها؛ لأن هذا مفهوم الإيداع بمعنى الحفظ الأمين.
كما أن البحث نفسه يمنع البنك الإسلامي من استخدام الوديعة ويلزمه بالاحتفاظ باحتياطي 100 % من أرصدة الحسابات الجارية بينما يسمح للبنك المركزي فقط باستخدام هذه الأموال. وإن مجرد السماح بالاستخدام يفقد الوديعة الوصف الفقهي كتوكيل بحفظ المال وينقلها إلى عقد جديد هو عقد القرض فيكون الباحث بذلك قد رجع إلى نفس الباب الذي أراد أن يخرج منه.
فأرجو أن يراجع هذه المسألة في بحثه على ضوء ما ذكره وجزاه الله خيرا بما حاول في الاجتهاد.
ثانيا- النتائج المترتبة على تكييف الوديعة المصرفية على أنها قرض:
تطرق الباحث الدكتور محمد علي القري إلى نقاط لم يتطرق لها غيره مثل ما فصل به من ناحية النتائج المترتبة على هذا التكييف بينها في ثلاث نقاط هي:
1-
إذا كان القرض في الإسلام هو لغرض الإرفاق فهل يكون البنك فقيرا حتى يجوز عليه القرض الحسن في حالة البنك الإسلامي.
2-
إذا كان الحساب الجاري قرضا فهل يعتبر الحساب الجاري في البنك الربوي أنه معونة له على الإثم.
3-
هل انتفاع صاحب الحساب الجاري بخدمات البنك المقدمة إليه بصفته يتعامل مع البنك الذي أقرضه –هل يعتبر ذلك أنه من باب قرض جر نفعا؟
وكان الجواب الذي تضمنه البحث لهذه النقاط هو:
1-
بان القرض الحسن يجوز للفقير كما يجوز للغني.
2-
أما المعونة على الإثم في حال التعامل مع البنك الربوي فقد نقل رأي البعض بمخالفة ذلك لأصل من أصول الشريعة ولا سيما إذا وجدت البنوك الإسلامية.
3-
وأما النقطة الثالثة فقد انتهي إلى أن الانتفاع هنا متبادل وليس محصورا بطرف المدين وحده وقارن بوجهة نظر لطيفة بين المنافع المتبادلة في الحساب الجاري وكذلك الحال في السفتجة.
وأضيف هنا أن النفع المقصود بالتحريم في القول المتبادل –كل قرض جر نفعا فهو ربا - إنما يراد به النفع المادي المشروط على المدين بما يؤديه للدائن، أما تزويد البنك عميله بكشف الحساب وصرفه الشيكات له وتخويله حق الاستفادة من خدمات الصراف الآلي مثلا فإن هذه ليست نقودا مدفوعة زيادة عن الدين وإنما هي خدمات.
ولعل من المناسب التنويه هنا إلى أن أحد الباحثين قد نقل القول المتداول (كل قرض جر نفعا فهو ربا) على أنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فقد ذكر الإمام العسقلاني في كتاب بلوغ المرام من أدلة الأحكام في علم الحديث أن إسناد هذا الحديث ساقط.
كما أورده البيهقي بلفظ آخر هو: كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا.
وقال عنه: إنه موقوف. ونقل الصنعاني أقوالا من هذا المعنى عن بعض التابعين منهم ابن سيرين في قوله: كل قرض جر منفعة فهو مكروه. وتكلم الإمام الزيلعي في هذا الحديث من حيث رواته، فقال: إن عبد الحق قد ذكر هذا الحديث في أحكامه في البيوع وأعله بسوار بن مصعب وقال: إنه متروك.
أقول هذا للتحذير من استمرار تداول هذا القول والإشارة له بأنه حديث وهو ليس كذلك.
ثالثا: أنواع الودائع المصرفية وموقعها في الميزانية العمومية للبنك.
تتفق الأبحاث المقدمة في الأكثرية على تقسيم الودائع المصرفية إلى حسابات جارية وحسابات استثمارية بحسب نظر البنوك الإسلامية بطبيعة الحال. وقد تطرق عدد من الباحثين لذكر أنواع الودائع المصرفية لدى البنوك الربوية لغايات المقارنة ليس إلا. قسم الباحث الدكتور سامي حمود الودائع المصرفية الحسابية كما يسميها إلى ثلاثة أنواع، هي:
1-
الودائع الحسابية الائتمانية وهي الحساب الجاري بصورة قروض.
2-
الوديعة الحسابية الاستثمارية وهي وديعة الحساب الاستثماري سواء كان بصورة حساب توفير أم لأجل أم بإخطار.
3-
الوديعة الحسابية بالأمانة، وهي صورة ليست معروفة في التعامل ولكنها لازمة في الواقع التطبيقي بالمنظور الإسلامي.
وأحببت تقديمها للمناقشة في هذه الندوة الكريمة، فقد يكون هناك مال نقدي مملوك لمن لا يملك أهلية التصرف فيه بسبب صغر السن أو قبل بلوغ الحلم أو الجنون مثلا.
فالإيداع لدى المصرف لمثل هذا المال يكون من الولي أو الوصي، وقد لا يكون مأذونا لهما بالتصرف بالإقراض، وحيث إن الحساب الجاري هو قرض حقيقة وإن سمي وديعة مصرفية ظاهرا، فإن الحل المتفق مع الضوابط الفقهية يكون بفتح باب الإيداع الأمين حيث تقدر الضرورة بقدرها، فيكون المصرف غير مجبر على حفظ الأوراق النقدية المسلمة إليه وإنما يرد مثلها ولكن لا يكون مفوضا باستعمالها. مقتضى ذلك من الناحية المصرفية التنظيمية أن البنك يفرد له حسابا لهذا النوع من الحسابات بندا خاصا في الإسناد العام، ويكون تحت بند –اسم متميز- حسابات الحفظ الأمين، وفي هذه الحالة يلزم بأن يحتفظ بالاحتياطي النقدي بنسبة 100 % من هذه الوديعة، ويكون واجب مفتشي البنك المركزي عند النظر في مراجعة الميزانية هو التدقيق من صحة التزام البنك بالاحتفاظ بنسبة الاحتياطي النقدي الكامل لهذا النوع من الودائع.
أما الباحث الدكتور حمد عبيد الكبيسي فقد قسم الودائع المصرفية إلى ثلاثة أقسام هي:
1-
ودائع تحت الطلب (حسابات جارية) وتكييفها أنها قرض.
2-
حسابات التوفير (الودائع الادخارية) حيث أورد تبدو أنها مطبقة لدى بنك إسلامي يعرفه، وهي اعتبار هذه الحسابات بالتوفير فترة برزخية يمكن للمودع أن يتحول بعدها إلى الحساب الاستثماري مع حقه في سحب ما يشاء في وقت ما يشاء. وليس هناك ملاحظات على هذا الترتيب ولكن اقتضى الأمر التنويه إلى أن ذلك الأمر ليس عاما لدى البنوك الإسلامية كما قد يفهم من العبارة الواردة في بحثه.
3-
الحسابات الاستثمارية أو الودائع لأجل، وهي ذات المدة الثابتة.
وتكييفه لهذا النوع من الحسابات –عند الباحث الكريم- أنها عقد شركة بين المودع والمصرف. وهو يقصد شركة المضاربة حيث إن المصرف هو عامل مضاربة كما يقول.
كما قسم فضيلة الباحث حجة الإسلام محمد علي التسخيري الودائع المصرفية إلى ثلاثة أقسام –أيضا- مع بعض التخصيص في النظر، فهو يتفق مع النوعين الأول والثاني فيما يسميه بالوديعة أو المتحركة، والودائع الاستثمارية.
أما النوع الثالث فهي وديعة التوفير والتي يرى أنها جامعة بين خصائص الوديعة الجارية لإمكان السحب بين وقت وآخر، وبين الوديعة الاستثمارية. وهذا التمازج في الوديعة بين الحفظ والاستثمار بنسب متفاوتة له وجه معروف في الفقه الإسلامي، حيث ذكر الإمام الكاساني في (بدائع الصنائع) أنه لو قال رجل لآخر: خذ هذه الألف، نصفها وديعة ونصفها مضاربة فإن ذلك يجوز؛ لأن كلا من الوديعة والمضاربة من عقود الأمانة فلا يتنافيان.
ومعلوم أن ما يجوز بالنصف والنصف يجوز بالثلث والثلثين والربع والعشر، وهكذا.
ويتفرد الباحث الدكتور حسين فهمي بين الباحثين بإدخال مفهوم الحسابات الاستثمارية المخصصة ليس إضافة للحسابات الاستثمارية المشتركة وإنما بديلا عنها باعتبار أن ذلك أقرب –في نظره- للفقه الإسلامي، وبذلك تكون كل عملية مضاربة مستقلة عن غيرها ومن دخل فيها يظل حسب شروطها ملزما على أساس عدم السماح بخلط أموال جديدة بالأموال القديمة في وعاء المضاربة بعد بدء النشاط سواء في ذلك بإذن رب المال أو بدون إذنه، وكذلك عدم السماح بالتخارج للعملاء وسحب أرصدة أموالهم المودعة قبل بدء النشاط ونض المال نضا فعليا. وواضح من تصور الباحث بهذا التفصيل أنه يصادر أساسا فكرة المضاربة المشتركة، وهذا هو رأيه نحترمه بالاستماع ولا نوافقه بالاتباع.
أما الباحث الدكتور محمد علي القري فقد أوضح أولا التقسيم المصرفي للودائع في البنوك العادية حيث يتناول الحسابات الجارية تحت الطلب، ونوع من خلالها تنويعا استعماليا للأفراد وللبنوك وحسابات فردية وأخرى مشتركة، كما تناول الحساب الجاري (مدين) وهو ليس من حسابات الودائع ولكن أورده الباحث؛ لأن هذا الحساب قد يصبح رصيده مدينا بعد أن كان دائنا. وعندما انتقل إلى تقسيمات البنوك ذكر الحسابات الجارية والحسابات الاستثمارية وأضاف الودائع التبادلية بين البنوك لحاجة اقتضتها المصلحة حيث تفيض لدى البنوك الإسلامية أحيانا ودائع، فيودعها لدى بنك آخر بالاتفاق على أن يودع لديه في المستقبل ما يعادلها قيمة أو زمنا.
وقد أتى الباحث القاضي محمد تقي العثماني بتقسيم مختلف للودائع حيث اعتبرها أربعة أنواع بدلا من ثلاثة، وهي الحساب الجاري، الودائع الثابتة وودائع التوفير، والودائع التي سماها الخزانات المقفولة، وهي كما عرفها فضيلته: الودائع التي تودع في مخازن معينة ليستأجرها المودع من البنك ويودع فيها أمواله بنفسه. والمقصود بذلك هي صناديق الأمانات بالحفظ الأمين.
ونرى أن هذا النوع لا يدخل البحث؛ لأنه ليس حسابات المصارف وإنما هو من الخدمات وليس له بند ظاهر في أية ميزانية وهو صندوق الأمانات.
أما الباحث الدكتور سعود الثبيتي –ثبتنا الله وإياكم على طريق طاعته- فقد أورد تقسيما ثلاثيا، يبدأ بالحسابات الجارية ثم التوفير ثم الوديعة الائتمانية المشتقة (هكذا سماها) ، وهو تعبير جميل للدلالة على الأموال الائتمانية التي توجدها البنوك ولكن لا يقال عن تلك التسهيلات أنها ودائع بالمفهوم المقصود كأموال يودعها الناس لدى البنوك.
أما الودائع الاستثمارية فقد قسمها إلى ثلاث شهادات الاستثمار والودائع لأجل وتحت إخطار ثم تناول ودائع الخزائن الحديدية والودائع المستندية والمخصصة، وهي كلها خارجة عن الودائع المصرفية بمعنى حسابات المصارف.
وخلاصة القول: أن الودائع المصرفية هي: إما ودائع ائتمان ويندرج تحتها الحساب الجاري بالشيكات، وحساب الودائع تحت الطلب للعملاء الذين لا يستعملون الشيكات كصغار المزارعين والأميين الذين يحتفظون في الدفتر بودائع تحت الطلب، وهذه قروض حقيقية وضمانها على مستخدمها وهو المصرف.
وإما ودائع استثمار مشترك قد تكون بصورة حسابات توفير أو لأجل أو إخطار، حسب المسميات وترتيبات السحب والإيداع. وهناك حسابات الأمانات وحسابات الاستثمار المخصص في حالات معينة. وهذه هي الحسابات التي تدخل في التزامات البنوك وتظهر في ميزانياتها المنشورة في الصحف المحلية.
فأين هو موقعها في تلك الميزانيات المعلنة؟ وهل تندرج في موجودات البنك أو مطلوباته؟
عرض عدد من الباحثين هذه المسألة، وطالما أن التكييف الفقهي للودائع الجارية أنها قروض فإن الواقع المحاسبي يقتضي إظهارها في جانب المطلوبات شأنها شأن سائر القروض. أما الودائع الاستثمارية فهناك من يرى أن الالتزام يدل عليه عنوان المصرح، وطالما أن الميزانية تبين أن هذه الحسابات هي أموال مسلمة للبنك لغايات الاستثمار من قبله كمضارب، هذا يكفي للإيضاح، وهذا هو ما سار عليه البنك الإسلامي الأردني منذ بدء تأسيسه تبعا للتصور الذي قدم عند وضع قانون البنك المذكور حيث اقتصر التغيير في شكل الميزانية المعلنة على ما يتعارض مع الشرع من أسماء للحسابات الربوية ومدلولاتها وحلت محلها التسميات المحاسبية الإسلامية.
ويرى الباحث الدكتور حمد الكبيسي أن المال يدرج في المطلوبات قبل مباشرة المصرف في استثماره. أما بعد مباشرة العمل فإنه يكون حصة في المشاركة فينتقل بهذا إلى موجودات المصرف. وهذا التصور –مع احترامي للباحث الكريم- تصور غريب على علم المحاسبة الحديث فالمحاسبة قيد مزدوج ولا يعني استعمال مال الوديعة الاستثمارية في المضاربة أنها تنقل من مكان إلى مكان، فتبقى الوديعة في جانب المطلوبات ولا يتغير مكانها بالنقل، وإنما يقف في مقابلها الاستعمال الذي خصصت له أو وجهت إليه. وهناك من البنوك الإسلامية من يعتبر أن الودائع الاستثمارية ليست التزاما على البنك من الأساس، وإنما هي أموال تحت يده بالأمانة، وأنها يجب ألا تظهر في المطلوبات وإنما في بند يسمى حسابيا تحت الخط أو على هامش الميزانية.
والمسألة في الوقت الحاضر هي محل بحث في هيئة المعايير المحاسبية وبين هذا الجمع الكريم أصحاب الفضيلة من هم أعضاء في تلك الهيئة.
وما أراه –بحسب فهمي المتواضع للأحكام الفقهية- أن مقاصد الشرع مبنية على الإفصاح والإيضاح وأنه طالما توجد في الأعراف المحاسبية ما يسمى بالإيضاحات المرفقة بالميزانية المعلنة فإن الأولى هو إدراج الالتزامات جميعا في بند المطلوبات لتسهيل المراقبة والمقارنة ولا يرد على هذا التصور اختلاف الطبيعة بين يد الضمان في القرض الحسن ويد الأمانة في الاستثمار بالمضاربة المشتركة طالما أن اسم الحساب المعلن يفسر نفسه.
رابعا: ضمان الحسابات الجارية ومن يتحمله، المساهمون والمودعون أم المساهمون وحدهم؟
طالما أن الحسابات المصرفية هي قروض فإن القرض مضمون على اليد التي أخذته، فالبنك هو الذي يتحمل الضمان فله غنمها وعليه غرمها. وهذا هو ما أورده صراحة كل من الباحث الدكتور الكبيسي وحجة الإسلام التسخيري، والقاضي العثماني وهذا هو ما يفهم ضمنا من اتجاهات بقية الباحثين.
خامسا: رهن الوديعة المصرفية وإجراءات الحجز والمقاصة.
الأصل في الرهن هو أن تتحقق به للراهن اليد أو المكنة التي يستطيع من خلالها منع التصرف بالمرهون حتى يستوفي حقه منه.
وقد تكون المكنة إما بالقبض الحيازي أو بوضع إشارة الرهن على السجل المثبت للحق كما هو الحال في إجراءات الرهن العقاري في البلاد التي لديها سجل عقاري.
ومقتضى تطبيق ذلك هو التفرقة بين الحسابات الجارية والحسابات الاستثمارية.
فالحسابات الجارية يكون رهن الرصيد بنقل المقدار المطلوب وإخراجه فعلا من الحساب بالقبض التام، أما الحساب الاستثماري فقد يكتفي بوضع إشارة إثبات الرهن أو الحجز على صفحة الحساب. وسبب التفريق الذي أراه في هذه المسألة هو أن الحسابات الجارية لها تعلق محتمل بحق الغير ممن يحصلون على شيكات من صاحب الحساب، أما الحسابات الاستثمارية فإن العلاقة تكون محصورة بين البنك والعميل، ولا يتعلق بها حق الطرف الثالث حتى لا يجوز عرفا سحب الشيكات على الحسابات الاستثمارية، وما ينطبق على الرهن يمكن القول به على الحجز والاستيفاء والمقاصة وذلك بحسب الاتفاق عندما تتحقق الشروط القانونية المجيزة لذلك.
أورد الباحث الدكتور الكبيسي قول المالكية حول جواز كون المرهون دينا، وقول الجمهور بكون المرهون مالا متقوما. وكلاهما لا يناقض الواقع المصرفي حيث إن الديون في الحسابات المصرفية الجارية والاستثمارية هي ديون نقدية حالا أو مآلا، وهي حقوق مميزة لكل صاحب حساب صفحة خاصة به أو رقم في الكمبيوتر. والرهن ممكن عمليا في كل الأحوال.
أما الباحث حجة الإسلام التسخيري فإنه يقرر أن الظاهر عدم الجواز، حيث يقول: إن الرهن يشترط فيه أن يكون عينا كما يشترط فيه القبض من المرتهن. ولكن مع هذا التصريح فقد نقل في بحثه ما ذكره المرحوم الشهيد الثاني بأن لا مانع من صحة الرهن على القول بعدم اشتراط القبض. وما ذكره كذلك العلامة في (التذكرة) على هذا التفصيل. ثم عاد وانتهى الباحث الكريم بنتيجة إيجابية مشروطة بقوله: وهناك مجال لتصور الرهن إذا لم تشترط العينية والقبض. وأن الحال أظهر بالنسبة للبنك إذا كان هو المرتهن.
سادسا: استثمار الودائع المصرفية والتصرف والإيداع.
اتفق الباحثون على مبدأ استثمار الودائع المصرفية على أساس الخلط بطريق الاستثمار المشترك، عدا ما يراه
الباحث الدكتور حسين فهمي من ناحية عدم جواز ذلك في نظره. وإن الاستثمار يكون بالصناديق المخصصة حيث يتجمع المستثمرون ليدخلوا معا في عملية استثمارية تبدأ بهم ولا يخرجون منها إلا بالتصفية الكاملة. وهذا الرأي مع احترامه يعني إلغاء فكرة الحساب الاستثماري من الأساس، وليس هذا هو المقصود وإنما المطلوب هو التحقق من خضوع التعامل لمقتضيات الشرع، والناس أحرار بعد هذا الالتزام الشرعي باختيار ما يشاؤون من الحسابات الاستثمارية مخصصة أو مشتركة. وقد بين الباحث القاضي العثماني أن الاستثمار المشترك هو نوع جديد مستقل من أنواع الشركات وهو الشركة الجماعية المستمرة كما سماها، وأنه لا يجب لجواز هذا النوع الجديد من الشركات توافر جميع عناصر شركة العنان أو المفاوضة.
والذي أراه أن وصف المضاربة المشتركة هو أقرب إلى القول بتسمية نوع جديد من الشركات، فكما أن المضاربة كانت في القديم مضاربة فردية بين شخص أو مجموعة أشخاص يتفقون معا مع عامل آخر أو مجموعة عاملين بعقد واحد يبدأ مرة واحدة ويصفى ويتحاسب فيه على الربح كذلك، فإنه يمكن أن يستوعب الفقه الإسلامي تطور هذا العقد وامتداده ليكون عقد مضاربة مشتركة مقصودة واستثمار المال فيها هدف للجميع ولكن في نطاق زخم كبير من الاستثمارات، أعجبتني تسمية الشيخ التسخيري لها بـ (الحوض الاستثماري الكبير) . هكذا تطورت الإجارة من عمل الأجير الفرد إلى عمل الأجير المشترك، وهكذا تطورت خدمات النقليات من المقاولة مع الجمال لينقل المتاع والأهل من بلد إلى بلد لتحل محله الحافلات والقطارات والطائرات في عقود النقل المشترك. ورغم أنه يوجد من يستطيع الآن استئجار طائرة خاصة لنفسه ولحسابه إلا أن ذلك لا يمنع وجود الطائرة الموحدة المسار لتكون تحت تصرف المسافرين معا في مساء واحد إلى بلد أو مقصد واحد حتى مع الترانزيت، وتثور بالنسبة للمضاربة المشتركة كتصور جديد وتكييف جديد مسائل متعددة أهمها الإضافة والسحب. ففي مجال المضاربة الفردية ذكر أنه يجوز السحب وكأنه ابتدئ من الأساس بالمقدار الأقل، لكن لا تجوز الإضافة؛ لأن المضاربة متى بدأت ثبت فيها حق، فإذا أضيف مال جديد فلا تضم المضاربة الجديدة للمضاربة القديمة وهذا فهم سديد وحرص على مراعاة الحقوق بين رب المال والمضارب. لكن في المضاربة المشتركة هي تقوم أساسا على فكرة تدفق الأموال وتسربها، وتبقى هذه البركة أو الحوض الكبير قائمة، فلا بد من قبول فكرة الدخول والانسحاب؛ لأن المقصود ليس استثمار ذات المال وإنما تخصيص جزء من هذا المال الذي يدخل تحت قواعد السيولة العامة للبنك في أن يكون في مجال الاستثمار.
وهذه نقطة يتفق عليها الباحثون، لكن نقطة الخلاف التي تثور وتستجلب الرأي والمناقشة هي نقطة دور المضارب المشترك في الضمان ، هل هو ضامن؟ هل يستطيع أن يحل محل المستثمر المشترك عندما يريد نقوده قبل أن تتحقق الميزانية؟ وهل هناك إمكانية للنض الحقيقي في عمليات المضاربة المشتركة؟
إن من يدخل في تفاصيل العمليات في البنك يعلم أنه في كل لحظة من لحظات النهار تتم عملية إيداع أو عمليات سحب ضمن ساعات العمل المعتبرة وحتى في غياب ساعات العمل هناك شعار يقال هناك في البنوك: نحن نخدمكم ونحن نائمون، بمعنى أن الصراف الآلي هو جاهز للعمل على مدار الساعة فهو يعطيك نقودك ويتسلم منك الودائع أيضا في حافظة خاصة بذلك.
لكن في واقع الأمر أن هذه العمليات الاستثمارية دوارة، ولو قلنا بالتنضيض الكامل فمعنى ذلك أن نوقف عمل البنك في كل يوم عدة مرات، وهذا ليس هو المقصود، والتنضيض بمفهومه ليس هو التنضيض بمعنى التصفية، وإنما التنضيض بمعنى تحقيق ما يتم تصفيته من معاملات، فإذا كنا في خلال السنة المالية الواحدة كوحدة متكاملة نصفي عمليات المضاربة، فما يتحقق من ربح نتيجة تصفية المضاربة، وما يتحقق من ربح في عمليات المشاركة ، وما يتحقق من أرباح في عمليات المرابحة يدخل في حساب واحد وهو حساب إيرادات الاستثمار، ثم توزع من هذه الإيرادات على المودعين بقدر ما يستحقون بحسب نوع الحساب وبحسب المدة والمبلغ الذي قدموه للاستثمار.
هذا الشخص الذي دخل في المضاربة يريد أن يسحب قبل أن تأتي نهاية السنة المالية، فهو لا يعرف النتيجة، أربح أم خسارة؟ قيل بنظرية الضمان – ضمان المضارب المشترك كما خرج الفقه الإسلامي بعد ترددٍ ضمان الأجير المشترك – وقيل بواقع أن البنك يحل بأمواله محل المودع المنسحب، وهو حق يملكه، وقيل بأن المودعين فيما بينهم يتخارجون، فكأن المودع الذي أتى في هذا اليوم هو يحل محل المودع الذي انسحب، ومن ينظر في حقيقة المعاملات المصرفية- يعني يقف في الصندوق- يجد أن الناس يتدفقون على البنك، هؤلاء المجموعة يودعون وهؤلاء المجموعة يسحبون، البنك يتلقى يوميا من الدنانير أو الريالات والدراهم ويدفع مليونا، هو لا يستعمل الرصيد المحفوظ في الاحتياطي وإنما يعطي من الأموال المودعة لديه- التي تأتيه كودائع- للذين يسحبون فهو يداخل الأموال مع بعضها البعض، وهذه هي فكرة الاستثمار المشترك أو المضاربة المشتركة.
لا أستطيع القول بأن المسألة تطرح للنقاش؛ لأن هناك من هددني من الصباح باستعداده لأن يناقش هذه الفكرة وأنه بيت الليل ليقول رأيه ضد المضاربة المشتركة ، إنما المهم أن نبرز جمال الفقه الإسلامي، وأن نرى أن البنوك التي لا تعترف بالمضاربة المشتركة كضمان تمارس الضمان فعلا بدليل أن كل من يقصد البنك الإسلامي في هذا اليوم يسترد وديعته بالكامل، فبأي سبب دفعت الوديعة كاملة إن لم يعتبر البنك نفسه ضامنا؟ ثم هناك تخريج أتينا به نتيجة المناقشة المستفيضة مع لجنة الفتوى عندما وضع مشروع قانون البنك الإسلامي الأردني خشية تردد الناس في الإيداع ، فاتفقنا على الأخذ بالرأي المالكي بأن نجنب قسما أو جانبا من أرباح المضاربة السنوية ليكون مخصصا لتغطية مخاطر الاستثمار ، وقد أصبح رصيد هذا الصندوق الآن ما يقرب من رأس مال البنك بكامله ولم يحدث في سنة من السنوات أن تعدّت الخسائر جميع أرباح البنك ولجئ إليه ليغطى، فهذا ناحية أخرى من نواحي الضمان.
في هذه الخاتمة أقول: هذه الأبحاث ثمرة جيدة لفكر نير وتختلف الآراء ويبقى الود والاحترام وكلنا باحث عن الحقيقة وأقول للذي هددني وهو تهديد حبيب: من إنسان حبيب.
فإن كان في الشرع الجميل مقاتلي
فإن دمي فيما يفيد قليل
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور علي السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله. شكرا للأخ الكريم العارض. الواقع هذا الموضوع وإن لم أقدم فيه بحثا إلا أنني تحدثت عن هذا الموضوع منذ ثلاث عشرة سنة عندما ظهر من ينادي بتحليل فوائد البنوك الربوية فكتبت كتابا عنوانه (حكم أداء البنوك وشهادات الاستثمار في الفقه الإسلامي) وعالجت بعض القضايا التي أثيرت اليوم على سبيل المثال: هل البنك فقير حتى نقرضه؟ يبدو أن الأخ الكريم الذي كتب هذا العنوان أخذه من كتابي؛ لأنه أخذ نفس العنوان ونفس الأدلة، فبينت أن الزبير بن العوام - رضي الله تعالى عنه- عندما كان الناس يذهبون إليه للإيداع كان يقول: لا، بل سلف. فيحوله من الوديعة المضمونة إلى السلف المضمون. ويحوله من الوديعة التي لا تستخدم إلى السلف الذي يستخدم فهو ضامن وينتفع به وفعلا كان ينتفع به.
النقطة الأخرى التي أشار إليها الأخ الكريم الدكتور سامي وهي بالنسبة لأموال الصغار وأن الولي قد يكون غير مأذون له في إقراضه، هذه النقطة بينتها أيضا في كتابي؛ لأن سادتنا الفقهاء تحدثوا عنها، قالوا: مثلا إذا أراد الولي أن يسافر ولا يريد أن يسافر بمال الصغير خشية أن يضيع فماذا يعمل؟ هل يودعه أم يقرضه؟ قالوا هنا: إذا أودعه فالوديعة غير مضمونة، إذن يقرضه لمليء أمين، نصوا هكذا. ويكون الإقراض هنا لمصلحة المقرض وليس لمصلحة المقترض، فيراعى فيه أن من اقترض يكون مليئا وأمينا. إذن التكييف الشرعي للودائع في الحساب الجاري بأنها عقد قرض وهو أيضا –كما بينت في كتابي- التكييف القانوني أيضا كما بين هذا الدكتور السنهوري –رحمه الله في كتابه (الوسيط) وذكر القانون وشرعه وبين أن الوديعة التي يؤذن باستعمالها إذا كانت مما يهلك بالاستعمال كالنقود والطعام فإنها تعتبر قرضا، ولذلك لا يجوز أن نقول وديعة إذا أذن صاحبها بالاستعمال وهي عقد وديعة لأنها تتحول من عقد الوديعة إلى عقد قرض.
نريد أيها الإخوة الكرام ونحن نتحدث عن الودائع المصرفية أن نفرق بين البنوك الإسلامية والبنوك الربوية، فالإيداع في المصرف الإسلامي إنما هو إيداع في غير الحساب الجاري في شركة مضاربة، عندما بحث مجمع البحوث الإسلامية سنة 1385هـ معاملات البنوك انتهى إلى تحريم فوائد البنوك دعا إلى البدل الذي ظهر بعد المؤتمر الثاني هذا بعشر سنوات. ففكرة أن البنك مهمته الاقتراض والإقراض؛ لأن هذه هي الوظيفة الأساسية في البنوك التي نشأت نشأة ربوية يهودية نشرها خمسة من آل روتشل في أوربا منذ قرنين، هذه الفكرة دعا مجمع البحوث إلى الدليل الإسلامي وليس إلى أن يحل هذا الحرام، فعندما دعا إلى الدليل الإسلامي ونظر الاقتصاديون في هذا –جزاهم الله خيرا- انتهوا إلى أن تكون العلاقة بين المودع والمصرف الإسلامي علاقة صاحب رأس المال بعامل المضاربة أو القرض. أما الحساب الجاري فلا يختلف في البنك الربوي عن البنك الإسلامي في أنه عقد قرض غير أنه يختلف أيضا في الهدف، فالبنك الربوي عندما أضع في الحساب الجاري يستخدم هذا المال في الحرام، وبذلك أكون ساعدته في الحرام. من هنا جاء قرار مجمع الفقه برابطة العالم الإسلامي بأنه لا يجوز لمسلم أن يتعامل مع مصرف ربوي متى استطاع أن يتعامل مع مصرف إسلامي.
بعد هذا الودائع تحت الطلب أو الودائع لمدة بالنسبة للبنوك الربوية، الودائع لأجل هذه معروف أنها قروض ربوية بفوائد ربوية، أو الودائع الاستثمارية في المصارف الإسلامية دفتر التوفير لا يختلف بعضها عن بعض فكلها عقد مضاربة ولكن الاختلاف هنا في طريقة المضاربة، فدفتر التوفير أحيانا يوضع عليه قيود في السحب –غير الحساب الجاري- لكنه يستثمر، وبعض البنوك الإسلامية تشترط أنه لا يستثمر فيأخذ نفس حكم الحساب الجاري. إذن عندنا قروض في الحساب الجاري سواء كان الحساب الجاري في بنك إسلامي أو بنك ربوي مع اختلاف الأهداف فيها، عندنا إيداع في البنك الربوي في غير الحساب الجاري وهو قرض بفائدة لأن البنك كما عرفه الاقتصاديون: المنشأة التي تتاجر في الديون عن طريق الاقتراض والإقراض، هذه هي وظيفتها الأساسية. أما البنك الإسلامي فالإيداع للاستثمار، إذن عندنا التكييف الشرعي بالنسبة للبنك الربوي هو أن الإيداع عقد قرض سواء كان في الحساب الجاري أم في الوديعة لأجل، أما الإيداع في البنك فهو يختلف، إذ إن الحساب الجاري عقد قرض والودائع الاستثمارية شركة مضاربة أو قراض.
النقطة التي أثيرت ونرجو أن يصل المجمع فيها إلى حل وأثارها الأستاذ سامي حمود-جزاه الله خيرا- وهي فعلا مشكلة، مسألة الإيداع والسحب والمضاربة تعمل.
يعني المصرف الإسلامي أمواله كلها مختلطة ويستثمرها، الذي انسحب والذي أودع كيف يدخل في المضاربة أو كيف ينسحب من المضاربة؟ لا بد من اجتهاد جديد للوصول إلى حل في هذه المسألة. وشكرا لكم، والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
الدكتور منذر قحف:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
في الحقيقة أنا أريد أن أتكلم في نقطة لا أجد بها حرجا كثيرا لأنني أحب الأخ الدكتور حسين فهمي، وأعتقد أن كثيرا من المعلومات التي قدمها على أنها مسلمات ينبغي أن نتوقف عندها وننظر إلى مدى القبول بتسليمها. سأترك كل النقاط الصغيرة وهي كثيرة وأركز على النقاط المهمة؛ لأنها تؤثر على فهم مسألة الودائع. القول بأن ما شهده التاريخ على مستوى العالم خلال هذا القرن من تعرض كثير من الأسواق المالية سواء نقدية أو سلعية للارتباك عدة مرات مما نتج عنه سقوط عدد كبير من البنوك وإفلاس قطاع كبير من الشركات وتدهور مستوى المعيشة لفئات كثيرة من الناس، يعني هذا القول في الحقيقة فيه تجاوز كثير. وإن واقع الأمر وحقيقة التاريخ أنه قد حصل تقدم كثير جدا وقد حصل ارتفاع في مستوي المعيشة على مستوى العالم كله، فقيره وغنيه، وأنه قد ساهمت البنوك وساهمت الشركات والمؤسسات في صناعة هذا التقدم، إما أن ننظر إلى زاوية ضيقة ضيقة لأنه أفلست بنوك من أصل مائة ألف بنك فصعب في الحقيقة أن نعبر عنها بهذا الشكل فهذا عرض للحقيقة بشكل –في نظري- مذهل.
نقطة أخرى تحتاج إلى تدقيق كثير. كيف نطالب – في جزء من البحث- بعدم تعطيل الأموال التي تودع لدى البنك الإسلامي أو غير الإسلامي ونقول: إن هذا البنك يعطلها أثناء فترة الإيداع وبنفس الوقت نحن –في ورقته- نمنعه من استخدامها إطلاقا بفرضه أنها وديعة. يعني هو بالوقت الذي يستهجن تعطيلها الجزئي هو يريد أن يعطلها كليا بتعريفها على أنها وديعة لا يجوز له أن يتدخل بها.
في موضع آخر يقول: هنالك إسراف في خلق الائتمان في البنوك. إن كان ذلك كذلك فدواء الإسراف أن نمنع الإسراف لا أن نمنع البنوك فنخنقها عن العمل. فليس الدواء بأن نمنعها كلها بل أن نمنع الإسراف الذي ذكر.
يقول الباحث كذلك إن الأخذ في الاعتبار لهذه الأحكام والقواعد الشرعية من شأنه أن يؤثر تأثيرا سلبيا على فاعلية السياسة النقدية والأدوات التي تستخدمها. في الحقيقة هذا الكلام أيضا بعيد جدا عن الواقع، بل إن الأخذ بالقواعد الشرعية على مستوى المصارف الإسلامية ومستوى البنك المركزي في أي دولة إسلامية سيجعل البنك المركزي أقدر على تنفيذ السياسة النقدية مما لو كنا في بنك ربوي أو في نظام ربوي وليس أقل هذه الأهداف التي تحدث عنها، أهداف السياسة النقدية في ثنايا البحث، الحقيقة الكلام يحتاج إلى نقد كثير لهذا التقييد الذي ظنه وهو غير واقع وليست حقيقته.
نأخذ بعض الأمثلة على ذلك. هو أغفل قدرة البنك المركزي الإسلامي في دولة يقوم نظامها كله على القواعد والأحكام الشرعية، أغفل أدوات مهمة كثيرة لم يذكرها وظن أن حرمان البنك المركزي الإسلامي من الأدوات الربوية حرمان له من القدرة على التأثير في السياسة النقدية، فمثلا قدرة البنك الإسلامي على التدخل بتحديد معدل الربح في المرابحة –وهو ما تستعمله باكستان - وقدرة البنك المركزي على توزيع الربح بين البنك وبين المستثمر في المضاربة عندما يعطي البنك الأموال مضاربة، أيضا هذه وسيلة يستعملها البنك المركزي في باكستان، ومسألة السوق المفتوحة أنه يشتري الأسهم المباحة من السوق فيزيد بذلك كمية النقود أو أنه يفعل العكس فينقص كمية النقود، هذه وسيلة متاحة للبنك المركزي الإسلامي.
مسألة نسبة الاحتياطي النقدي والتدخل به، كل البنوك الإسلامية تحجز احتياطيا نقديا حتى من ودائع الاستثمار لديها، هذا الاحتياطي النقدي لمواجهة طلبات السحب المتعددة حتى من الودائع الاستثمارية في الحساب الجاري، من كليهما. فبهذه النسبة يستطيع البنك المركزي الإسلامي أن يستعملها، ويستعملها البنك المركزي في باكستان.
نسبة الاستثمار، كم هي نسبة الاستثمار التي تستثمر من الودائع الاستثمارية يستطيع أن يتدخل بها؟ فهي وسائل لا تقل، بل إنها تزيد عن الوسائل للبنك الربوي، فكيف يقال: إن البنك المركزي الإسلامي ليس لديه من الوسائل ما يكفي للتأثير على السياسة النقدية، خاصة إذا لاحظنا أن طبيعة التمويل الإسلامي بتعريفه سواء كان مرابحة أو سلما أو مضاربة يربط التمويل بالتحرك السلعي، أنه لا تمويل لمجرد التمويل، التمويل مرتبط بسلع تباع وتشترى، تتحرك من مكان لمكان، فبدهي إذن أن حجم الائتمان لن يزيد كثيرا في مثل هذه الظروف عن حجم التداول السلعي الحقيقي. وبالتالي الحاجة للتدخل النقدي أقل رغم أن وسائله أكثر.
نقطة أخرى أيضا في نظري عجيبة في موضوع الودائع الاستثمارية، إن هذه الودائع صعب أن يفهم أن هناك دورات مالية محاسبية قد تكون صغيرة.
بعض المؤسسات المصرفية وشبه المصرفية الإسلامية تقوم بدورات مالية محاسبية مدتها أسبوع، إحدى المؤسسات الموجودة في البحرين مثلا، فخلال أسبوع تخرج مركزا ماليا وتستطيع أن تتلقى الودائع الاستثمارية أو أن تعطي لمن يرغب بالسحب ودائعه الاستثمارية على أن تبدأ من أول الأسبوع التالي. بنوك أخرى كثيرة تستطيع أن تخرج مركزا ماليا لها معقولا خلال كل شهر، فتقول: إنما يودع أو يسحب خلال الشهر لا حق له في الأرباح عن ذلك الشهر. فما هي المشكلة في هذا؟ مع إمكان التنضيض الحكمي وسيأتي الكلام عليه بعد لحظة قليلة. فأنا حقيقة أستغرب هذا التصور كيف ينشأ عن البنك الإسلامي ويعرض على أنه حقيقة وأنه لا مشكلة فيها؟ !
آتي لمسألتين مهمتين أرجو أن ينظر إليهما هذا المجمع الكريم بجدية كبيرة.
المسألة الأولى: توجيه أو التخريج الشرعي للودائع في الحساب الجاري. أنا أقول: إن من المقنع تماما ما صدرت به الآراء وما يتجه إليه جمهور علمائنا وفقهائنا من أن الوديعة بالحساب الجاري هي قرض؛ ولأنها مضمونة فهي بمعنى القرض تماما، هذا كلام مقنع وصحيح ولكن هذا الكلام –في نظري- يغفل مسألة مهمة بل هي في غاية الأهمية، وهي مسألة العدالة في البنك الإسلامي. البنك الإسلامي يتلقى أمواله من ثلاث مصادر رئيسية. المصدر الأول رأس المال من المساهمين. والمصدر الثاني: الودائع الاستثمارية، والمصدر الثالث: الودائع بالحساب الجاري. بالنسبة للودائع بالحساب الجاري لو نظرنا في ورقة الدكتور حسين فهمي نفسها للاحظنا أن الودائع بالحساب الجاري تشكل مبالغ كبيرة في العادة وهي في البنوك الربوية أكثر أيضا، فهي عدة أضعاف رأس المال. فبعض البنوك الإسلامية التي ذكرها في هذا الجدول نسبة الودائع إلى رأس المال –في الحساب الجاري- (16 إلى 1) أو أنها نسبة (12 إلى 1) أو (5 إلى 1) أو (4 إلى 1) هي نسبة عالية جدا في العادة. هذه الودائع لو كانت مضمونة فهي قروض يستعملها أصحاب رأس المال ويكسبون أرباحها. فنحن بهذا أتحنا لأصحاب رأس المال في البنك الإسلامي أن يستثمر مالا هو خمسة أضعاف رأس ماله أو ستة عشر ضعفا لرأس المال أو اثني عشر ضعف رأس ماله ويأخذ أرباح هذه الأموال فقط بحجة أنه ضامن لها، صحيح ضامن لها، لو أفلس هذا البنك لما استطاع أن يفي بهذا الضمان؛ لأن رأس ماله لا يكفي للوفاء بالضمان. دعنا من هذا، هل يرغب الناس بشرط الضمان هذا؟ وهل هم مقتنعون به جدا؟ هل هناك مصلحة عملية من شرط الضمان؟ لنأخذ مثالا، هناك بنك لم يذكره الأخ الدكتور حسين فهمي في هذا الجدول، هناك بنك فيصل الإسلامي المصري الذي كان يعمل فيه، هذا البنك سهل السحب والإيداع في حساب الودائع الاستثمارية وهي مضاربة، جعل السحب والإيداع فيها سهلا، فكان نتيجة ذلك أن أقبل الناس على إيداع أموالهم في ودائع الاستثمار وأحجموا عن وضعها في الحسابات الجارية. إذن الناس يقدرون سهولة السحب والإيداع أكثر من شرط الضمان. الذي أقترحه من منطلق العدالة أن ينظر هذا المجمع الكريم بمصلحة الأمة ومصلحة المودعين ويقول مثلا: إنه ينبغي أن يكون لدى البنوك الإسلامية نوعان من الحسابات الجارية المهم فيهما أن السحب والإيداع ميسر فيهما، نوع يقوم على أساس القرض فهو مضمون لمن يرغب بذلك ونوع آخر يقوم على أساس المضاربة وليس فيه شرط ضمان وهو معرض للخسارة كما هي الودائع الاستثمارية، الفرق بينه وبين الودائع الاستثمارية أن السحب في هذا النوع من الحساب ميسر، وفي ظني وفي نظري وفي تجربة بنك فيصل الإسلامي المصري أننا لو فعلنا ذلك لأقبل الناس على ذلك النوع من الحساب بدلا من الحساب الجاري القائم على أساس القرض ولكانت أرباحه لهم، صحيح أن الفارق المهم والكبير فيه أن نسبة الاحتياطي النقدي ينبغي أن تكون عالية بسبب تيسير السحب والإيداع في هذا الحساب.
المسألة الثانية: مسألة التنضيض الحكمي. حقيقة الأمر أن التنضيض الحكمي هي مسألة لا تتعلق فقط بالبنوك الإسلامية، في كل حال نحتاج فيه إلى توزيع أرباح في كل أنواع الشركات. القوانين في العالم الإسلامي كله فيما يخص الشركات المساهمة تعتبر
…
وقد أباح هذا المجمع الكريم جواز إصدار الأسهم وأرباح المسؤولية المحدودة وأرباح بيع الأسهم وشرائها بين الناس -تداول الأسهم- بفتاوٍ سابقة، فإذا كان ذلك كذلك فكيف يمكن للشركة المساهمة أن توزع أرباحا وأن تباع الأسهم من شخص لآخر دون أن يكون ذلك قائما على مبدأ التنضيض الحكمي؟ لا يوجد طريقة أخرى إلا التنضيض الحكمي. التنضيض الحكمي هو المبدأ الذي تقوم عليه ميزانية الشركة وحساب أرباحها وخسائرها، الشركة المساهمة بشكل خاص بل كل أنواع الشركات في واقع الأمر حيث ما احتجنا إلى توزيع ربح في شركة ما تزال قائمة نحتاج إلى التنضيض الحكمي. قد يقال – وقد قيل هذا فعلا- إنه يمكن أن نقيم شيئا يشبه التنضيض الحقيقي ولكنه في واقع الأمر –لو سمحتم لي أن أستعمل التعبير- هو تزوير للحقيقة قيلت لعلمائنا الأفاضل فظنوها تنضيضا حقيقيا وهي في واقع الأمر تنضيض حكمي.
فقيل مثلا في بعض المؤسسات المالية الإسلامية، قيل: إننا في آخر كل سنة نبيع كل موجوداتنا لشركة جديدة مؤلفة من الأشخاص، يعني اليوم 31 ديسمبر نبيع كل هذه الموجودات بقيمتها الدفترية أو بالقيمة التي يسعرها بها المحاسبون، نبيعها للشركة الجديدة التي تفترض أنها تقوم في اليوم التالي من نفس الأشخاص الذين كانوا معنا في الليلة السابقة. هذا تنضيض وهمي، هذا ليس تنضيضا حقيقيا هذا تنضيض حكمي؛ لأن التسعير فيه هو نفس التسعير الذي يقوم عليه التنضيض الحكمي والذي تقوم عليه الميزانية وهو نفس التسعير ولنفس الأشخاص لم نغير شيئا إلا توهيم أهل العلم بأنه تنضيض حقيقي وأنه قد جرى البيع. وواقع الأمر أنه لم يجر بيع. فأرجو أن ينظر إلى مسألة التنضيض الحكمي بنظر جدي؛ لأنها لا تتعلق فقط بالمصارف الإسلامية أو بالودائع الاستثمارية بل تتعلق بكل الشركات الإسلامية وبنظام العمل في الواقع المعاصر.
والحمد لله رب العالمين.
الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، صلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
نشكر سعادة الدكتور سامي حمود على عرضه الشيق وعلى عرضه الأمين وعلى ملاحظاته التي استمتعنا بها فجزاه الله خيرا. وكذلك استمعنا إلى بعض الملاحظات من الإخوة، وأحب أن أدلي بدلوي، وقبل أن أدلي بدلوي أحب أن أقدم بين يدي ملاحظاتي نقطة أو تمهيدا أو قولا عاما لذلك.
أولا: أؤكد وأؤيد ما ذكره سماحة الرئيس –حفظه الله- في كلمته الافتتاحية من وجوب إخضاع المعاملات المصرفية والمعاملات المدنية على وجه العموم للقواعد الشرعية، ولا يجوز أن يخضع القواعد الشرعية والأدلة الشرعية لهذه المعاملات بغية التيسير فيها مع وجود المخالفة الشرعية. هذه نقطة لا أشك أنها محل إجماع من الإخوة جزى الله الجميع خيرا.
ثانيا: إن المصارف الإسلامية جاءت باستجابة وبفضل من الله –سبحانه وتعالى لوقوفها في جانب محاربة الربا، وفي جانب محاربة الربا ما تقوم به البنوك الربوية من استحلال الربا أخذا وعطاء وغير ذلك. ففي الواقع لقد فرح واستبشر بوجودها مجموعة كبيرة من الحريصين على دينهم وعلى التمسك به وعلى أن يكون المسلمون في خير وفي نجاة من الربا ومن محاربة الله –سبحانه وتعالى ورسوله لأهله، فإذا كان كذلك فينبغي لنا أيها الإخوة أن ننظر إلى هذه المصارف الإسلامية نظرة إشفاق، ونظرة مساعدة، ونظرة معاونة، وأن نيسر لهم ما وسعنا التيسير ما لم يكن ذلك إثما جريا مع قاعدة ومع المسلك السليم الذي وجه إليه صلى الله عليه وسلم وكان يأخذ به حيث قالت عائشة –رضي الله عنها ما خير صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما. هذه مسألة أحب –أن تكون على كل حال- محل نظر، وإذا وجدنا أن هناك قولا وإن كان قولا مرجوحا فيما ذكره علماؤنا الأفاضل السابقون لكنه في الواقع لا يتعارض مع أمر شرعي ومع دليل شرعي ومع قاعدة عامة وفي نفس الأمر يخدم هذه البنوك ويساعدها على أداء مهمتها فلا يجوز لنا أن نقول: هذا قول مرجوح وهذا قول ضعيف. بينما نجده يساعد أو يخدم هذه البنوك وفي نفس الأمر ليس له معارض من الأصول المعتبرة من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومن القياس أو من الإجماع إلا أنه قول لم يقل به جمهور أهل العلم. هذه في الواقع مقدمة.
أدخل بها إلى بعض الملاحظات.
الأول: ما يتعلق بتساؤل الدكتور محمد علي –جزاه الله خيرا- وهو أنه هل يعتبر الحساب الجاري لدى البنوك الربوية تعاونا على الإثم والعدوان؟ أعتقد أن التعامل معهم في الإيداع وفي إيثارهم في المعاملات التي من شأنها أن تقوم به المصارف الإسلامية أعتقد أن هذه نوع من التعاون على الإثم والعدوان؛ لأنها تساعدهم على أداء مهمتهم الرذيلة والخبيثة وهي استحلال الربا أخذا وعطاء، ومن يتعاون على الإثم والعدوان فهو –في الواقع- معرض نفسه لغضب الله، وقد سبق وأن صدر من مجموعة من العلماء فتاوى بجواز الإيداع في البنوك الربوية إذا لم يكن هناك بنوك إسلامية أو عوامل إسلامية من شأنها أن تقوم بمثل هذه الخدمات، أما الآن والحمد لله وقد جاءت المصارف الإسلامية تقوم بنفس الخدمات التي تقوم بها المصارف الربوية، فأعتقد أن أي إنسان يؤثر هذه البنوك الربوية على البنوك الإسلامية وهو مسلم سيحاسب على تصرفه ولا شك أنه يعتبر متعاونا على الإثم والعدوان في ذلك.
الأمر الثاني: الإيرادات على اعتبار الوديعة على الحساب الجاري بأنه قرض جر نفعا. الواقع أولا الحديث –كما سمعنا- ضعيف، ولكن الأمة تلقته بالقبول، وتلقيها بالقبول أشبه بالقبول بحديث:(لا وصية لوارث)(فلا وصية لوارث) نفس الشيء ضعيف لكن الأمة تلقته بالقبول، فتلقي الأمة بالقبول يعني الإجماع. فكل قرض جر نفعا لا شك أنه في الواقع من الربا. والمعنى العام يدل عليه فضلا عن تلقي الأمة إياه بالقبول فلا شك في ذلك ولا يجوز أن نقلل من حكم هذه المسألة بأن الحديث ضعيف، فتلقي الأمة يعتبر إجماعا، والإجماع مصدر من مصادر التشريع.
الأمر الثالث: فيما يتعلق بتكييف هذه الحسابات الجارية لدى البنوك الإسلامية. هي في الواقع قرض، ولا يشترط أن يكون القرض من قوي إلى ضعيف، ولا يشترط أن يكون القرض مرادا به التبرع، بل القرض سواء كان من قوي أو من ضعيف أو أريد به التبرع أو لم يرد به التبرع، والزبير بن العوام –وأنتم تعرفون ذلك- كان يتلقى الودائع ويشترط على أصحابها أنها سلف –يعني قرضا- ولم يكن في حاجة إلى قرض بل هو محسن إلى أن يتلقى وديعته، ومع هذا اعتبره قرضا ولم يعترض على ذلك أحد من أهل العلم.
الأمر الرابع: ما يتعلق بالقول برهن الحساب الجاري أو احتجازه ومحاولة أن يربط من حيث الترادف بين الرهن والحجز. وهذا في الواقع يحتاج إلى نظر. الرهن لا يكون إلا بإرادة الراهن نفسه، فحينما يتولى البنك الحجز على هذا الحساب لا نعتبره رهنا وإنما نعتبره حجزا. فينبغي أن نفرق بين الرهن والحجز لأن الرهن لا يكون إلا إرادة من الراهن نفسه والراهن لم يرد ذلك فإذن لا يجوز أن تعتبره رهنا وإنما هو من قبيل الحجز. فلا بد من التفريق بينهما.
الأمر الخامس: القول بجواز السحب من رأس مال شركة المضاربة قبل التصفية
…
قول كذلك فيه نظر، لماذا؟ لأنه حينما يسحب فهو يسحب شيئا من وديعته على اعتبار عدم إرجاعه، وهذا المال قبل تصفيته وهو مهيأ للمضاربة، هذا المال في الواقع عرضة لا يزال إلى الآن متأرجح بين الربح والخسارة، فلا ينبغي أن يسحب منه شيء إلا بعد التصفية أو التنضيض الحكمي الذي هو حكم التصفية. نعم لو حصل تراض بين المضارب ورب المال على أن يدفع له شيئا فهذا يكون على الحساب بعد المحاسبة لأنه سيرجع عليه، فيمكن أن يرجع عليه بربح أو يرجع عليه بخسارة أو نحو ذلك.
الأمر السادس: التنضيض. هو في الواقع في معنى التصفية وقد كفاني الدكتور منذر –جزاه الله خيرا- الحديث عن ذلك بما فيه الكفاية فلا أحب أن أعيده.
الأمر السابع: أثني على استغراب الدكتور سامي حمود التفريق بين التصرف بين البنوك المركزية وبين البنوك الإسلامية في حال التصرف بالحساب الجاري، فيقول: لا يجوز للمصرف الإسلامي أن يتصرف في هذه الوديعة ويجوز للبنك المركزي. سبحان الله العظيم!! هذا شيء غريب، طالما أنه حساب جار وفي ذمة المصرف نفسه فهو يتصرف فيه، والمال هذا غير متعين وإنما المتعين مقداره في ذمة هذا المصرف.
وشكرا لكم.
الشيخ محمد علي التسخيري:
بسم الله الرحمن الرحيم
أعتقد أن النقطة الأولى التي أردت الحديث عنها قد كفاني عن التفصيل فيها الأستاذ الشيخ ابن منيع –حفظه الله- فمسألة (كل قرض جر نفعا) صحيح أن السند فيها غير تام بالشكل المقبول الذي يجعله حجة إلا أن الإجماع في تلقي هذا المضمون وانسجام هذا المضمون مع باقي المضامين الواردة في هذا المجال إما أن يترك أثره في مجال السند فيقويه ويجبر ضعفه، وحينئذ يمكننا التمسك بإطلاقات هذا المعنى، أو لا يجبر ضعف السند فتبقى القاعدة كقاعدة عامة مقبولة سارية، وحينئذ يمكن الرجوع إليها ولكن في القدر المتيقن من كونه نفعا، أما في موارد الشبهة فلا يمكن الرجوع إلى هذه القاعدة؛ لأنها لم تأت بنص إذا لم ينجبر سندها. على أي حال القاعدة مقبولة وينبغي الاستناد إليها في موارد مختلفة. لكن فليسمح لي الدكتور سامي –حفظه الله- والذي كان عرضه عرضا حسنا وساميا كاسمه ومحمود الواقع، وأنا أشكره على هذا العرض، فليسمح لي أن أقول: إن المنافع التي ذكرت هنا لا تقتصر على الإضافات المادية، فالمنافع الخدماتية أيضا منظورة، إذا كنت أقدم لك قرضا على أن تقدم لي خدمة حتى لو كانت هذه الخدمة صغيرة فهي نفع في الفهم العرفي، وحينئذ يكون هذا المعنى من باب استطراد الربا، إلا أن التسهيلات المعطاة للحسابات الجارية ليست في الواقع هي منافع تعطى لعملية القرض، وإنما هي تسهيلات للاستيفاء مثلا ولا يمكن عدها من المنافع، ومع ذلك فأعتقد أن البنوك الإسلامية يجب أن تقلل من هذه التسهيلات حتى لا تقع في شبهة المنفعة في هذا المجال. نعم أنا شخصيا لا أمانع في أن نضع جوائز غير محددة لمن يفتحون هذه الحسابات، وهذه الجوائز غير مضمونة في أن تصيب أحدا ولا تصيبه.
النقطة الثانية: أنا أعتقد أن وديعة الحساب الجاري تحمل كل خصائص القرض، جواز التصرف تماما من خصائص القرض، وأذكر الأستاذ حسن الأمين وهو غير موجود في هذه القاعة في إحدى كتاباته: صحيح البنك يتصرف لكن تصرف انتهازي، ينتهز الفرصة. لا، هنا تصرف مشروع بشكل كامل وليس انتهازيا. وإذا كان قلقا في تصرفه فهو يخاف من عدم وجود سيولة مالية تستطيع أن توفر السحب. فإذن جواز التصرف تماما عودة النماء للبنك هذه من خصائص القرض بشكل كامل ولو كانت وديعة، فقاعدة الثبات بالملكية تؤدي إلى عودة النماء إلى نفس المال، وبالتالي مسألة الضمان التام للحساب حتى لو تلفت الأموال دونما تفريق. وهذا هو الذي نفهمه، لا أدري المصرفيون هنا (الخبراء) يمكنهم أن يقولوا لنا لو أن البنك سرقت أمواله دونما تفريط فهل تفرغ ذمته؟ ذمته مجبولة بهذا المعنى حتى لو لم يفرط فيها. لا أدري إذا كان هناك نص ينص على أن الذمة لا تنشغل عندما لا يكون هناك تفريط فيجب أن ننظر إلى الأمرين من جانب آخر.
النقطة الثالثة: وددت أن يتعرض لها الأستاذ الدكتور سامي –حفظه الله- وهي مسألة الاستيفاء. هذه المسألة مسألة مهمة جدا. يعني، هناك تصور غربي لمسألة السحب للحساب الجاري، وهناك تصور إسلامي. التصور الإسلامي هل نتصوره على أساس أنه استيفاء تدريجي لقرض بهذه الشيكات، أو أن هناك قائمتين، قائمة دائنة وقائمة مدينة تتم بينهما المقاصة، والمقاصة على رأي الإمامية والحنفية كما أتصور مقاصة قهرية، وحينئذ بشكل طبيعي تتم المقاصة بين القائمتين، أو أنه المقاصة هنا تتم باتفاق أو حسب القانون المطروح هنا؟ على أي حال هذا بحث كان ينبغي أن يشار إليه.
النقطة الرابعة: مسألة ودائع التوفير، أنا اقترحت تقسيمها باعتبار أن هناك مبالغ تعطى على هذه الأمور. هذه المبالغ لا وجه لها إلا إذا تصورنا أن قسطا من أموال ودائع التوفير يتحول إلى وديعة ثابتة تدخل في حوض المضاربة، وهذه الوديعة بمقدار ما لديها من قدرة على العمل والاستثمار تحصل على نتائج في إطار العملية الربحية الجامعة عادة البنوك تأخذ منها 10 % وتعتبرها ثابتة في هذا المجال، وأعتقد أن هذا التخطيط لا بأس به، إلا أن الأطروحة الإيرانية للبنك المركزي التي قبلت ودائع التوفير رفضت أن يكون هناك جزء منها بهذا الشكل، واعتبرت هذه الودائع قرضا حسنا إلا أنها فرقت بين ودائع التوفير وبين الحسابات الجارية بوضع جوائز غير مضمونة لذوي الحسابات، على أساس أن هؤلاء الذين يودعون يساهمون في عملية الإقراض الحسن ولهم على هذا العمل الجميل جوائز تعطى، وقد لا يصيب الفرد أي شيء منها وقد يحصل منها على شيء. يعني استعاضت عن مسألة التوفير بالجوائز التي تطرح.
هذا بالنسبة إلى مسألة ودائع التوفير لا أدري هل بقي هناك شيء.
النقطة الخامسة: بقي مسألة واحدة فقط وهي مسألة الحساب الجاري في البنوك الربوية. لا أشك في أنها يصدق عليها الإعانة وخصوصا إذا لاحظنا الحسابات الجارية الضخمة التي يودعها أصحابها في البنوك الربوية والتي هي تشكل دم الحياة الربوية هناك في تلك البنوك، لا ريب أنها إعانة على الإثم فإذا لم يكن هناك اضطرار في الأمد ينبغي التحرز بالإضافة إلى الفوائد والآثار الشرعية التي تترتب على وضع الأموال في البنوك اللاربوية. وشكرا لكم.
الرئيس:
قبل أن نرفع الجلسة نسأل الأستاذ سامي وهو أنه عندما ذكرت في (كل قرض جر نفعا) أنه في الأمور المادية، من هو الذي ذكر التفسير هذا؟ أهو من عندك؟
الدكتور سامي حمود:
بسم الله الرحمن الرحيم
التحليل المنطقي للكلام، ونعم هو من عندي.
القاضي محمد تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم
…
على المساهمين والمودعين، وإنما نشأ هذا السؤال من التفرقة بين الودائع المصرفية في البنوك التقليدية وبين الودائع في البنوك الإسلامية. فإن ودائع البنوك التقليدية كلها قروض، سواء أكانت ودائع جارية (في الحساب الجاري) ، أو ودائع ثابتة (استثمارية) ، أو ودائع التوفير، فإنها كلها قروض فضمانها ليس إلا على المساهمين.
أما في البنوك الإسلامية فالذي هو قرض إنما هو الحساب الجاري فقط، أما حساب التوفير أو حساب الاستثمار فإنه يقع على طريق الشركة أو المضاربة. وأما الأموال المودعة في هذه المحافظ ليست مضمونة على أحد. أما الحساب الجاري فهو قرض من قبل أصحابه إلى البنك، فهل يضمنه المساهمون فقط، أو يضمنه جميع أصحاب الودائع؟ هذا هو السؤال الذي قد طرح من قبل الأمانة العامة، والجواب الذي توصلت إليه هو أن هناك قاعدة شرعية معروفة وهي (أن الخراج بالضمان والغنم بالغرم) وعلى أساس هذه القاعدة فبما أن المودعين بأجمعهم يستفيدون من هذه الأموال المودعة في الحساب الجاري؛ لأنها تشغل في أعمال استثمارية وتحصل على أرباح وهذه الأرباح توزع عليهم فإن غنم هذه الأموال ترجع إلى المودعين أيضا. فإنهم يتحملون غرمها أيضا. ولذلك ينبغي أن يكون ضمان الحساب الجاري على المساهمين والمودعين جميعا لا على المساهمين فقط. ومعنى هذا أن المصرف إنما يؤدي هذه القروض إلى أصحاب الحساب الجاري أولا ثم يوزع الأرباح على المودعين والمساهمين.
مسألة رهن الحسابات الجارية قد مر عليها سعادة الدكتور سامي مرورا سريعا، وهذا يحتاج إلى شيء من التفصيل الذي ذكرته في بحثي أمامكم والذي توصلت إليه هو أن لرهن الحسابات الجارية صورا مختلفة ويختلف حكمها باختلاف صورها. وهذه المسألة مفصلة في بحثي.
مسألة تجميد الحسابات وهي أن يجمد البنك أموال صاحب الحساب. قد ذكرت أن هذا الموضوع يتعلق بالمسألة المعروفة في الفقه الإسلامي وهي مسألة (الظفر) ، يعني إذا ظفر الدائن بمال المديون هل يجوز له أن يأخذ ذلك المال بدون رضا من ذلك المديون؟ وهذه المسألة مسألة (الظفر) معروفة وفيها آراء مختلفة للفقهاء، ولكن معظم الفقهاء ذهبوا إلى جواز أخذ مال المديون إن ظفر به الدائن حتى الحنفية الذين كانوا في أول الأمر يقولون: إنه إنما يجوز إذا كان المال المظفور به من جنس المال المستحق أما إذا كان من غير الجنس المستحق فلا يجوز أن يأخذه الظافر. ولكن المتأخرين من الحنفية أفتوا في هذا –في مذهب الإمام الشافعي، رحمه الله تعالى- وقالوا بأنه يجوز له أن يأخذ هذه الأموال سواء أكان المظفور من جنس المستحق أو من غيره. على هذا الأساس يمكن أن نقول: إنه يجوز للبنك أن يجمد حساب أحد عملائه لمماطلته في الأداء، وإن كان هناك بعض الفقهاء قد يختلفون في ذلك ولا يعطون للظافر حق هذا الأخذ فإن للخروج من الخلاف يمكن أن يضاف إلى اتفاقية بين العميل والمصرف بند يتفق فيه الطرفان بأنه كلما تأخر العميل في الأداء فإنه يجوز للبنك أن يوفي ديونه من المال الموجود عنده في حسابه الجاري. وهذا هو المخلص من هذه المشكلة. المسألة ذات الأهمية الكبرى في موضوع الودائع المصرفية هي طرق المحاسبة. وطرق المحاسبة أعني منه مسألتين مستقلتين.
المسألة الأولى: هي هل تدرج الودائع المصرفية في بنك إسلامي في الموجودات أو في المطلوبات؟ فإذا أخذنا كلمة الموجودات والمطلوبات بمعناها الدقيق فإنه ينبغي أن يكون الحساب الجاري في المصارف الإسلامية يدرج في المطلوبات، وأما الأموال المودعة في محفظة الاستثمار فينبغي ألا تدرج في المطلوبات؛ لأن المطلوبات بمعناها الدقيق هي الأموال التي يتيقن البنك أنه يحصل عليها في المستقبل، أما حساب الاستثمار في البنوك الإسلامية فإنه لا يضمن البنك للمستثمر أن يعطيه ربحا في كل من الأحوال، ولذلك لا ينبغي أن يدرج في المطلوبات.
المسألة الثانية: في المحاسبة المصرفية وتتعلق بمحاسبة الأرباح، وهي المسألة المهمة جدا من الناحية العملية والشرعية جميعا. المسألة إنما نشأت من حيث إننا نقول: إن البديل الحقيقي للأعمال الربوية المصرفية هي المشاركة والمضاربة، ولكن المضاربة والمشاركة اللتين نقرأهما في كتب الفقه في الواقع كانتا عمليتين بسيطتين ما بين شخص وشخص أو أشخاص معدودين ولم تكن بهذا الحجم الكبير الذي نشاهده اليوم، فلذلك كان الفقهاء قد قيدوا المشاركة والمضاربة بشروط لا تكاد تتحصل في هذه المحفظة الجماعية كما يقع في البنوك والشركات المساهمة، فكان المفروض في الشركات والمضاربة ألا توزع الأرباح إلا بعد تنضيض الأموال، أما إذا لم تكن الأموال ناضة فكيف توزع الأرباح؟ وكذلك اشترط الفقهاء أنه لا يمكن أن تدخل بعض الأموال في المضاربة بعدما أعطى رب المال بعض ماله إلى المضارب. فهذه المشاكل ربما جعلت بعض العلماء المعاصرين يقولون: إن المشاركة والمضاربة لا يمكن أن تنطبق على هذه الأعمال المصرفية، ومنهم من جاء باقتراحات ربما لا تكون عملية. مثلا قال بعض العلماء المعاصرين: إنه يجب ألا توزع الأرباح إلا بعد تنضيض الأموال كلها حقيقة، هذا مما لا يمكن فعلا لا في الشركات المساهمة ولا في البنوك. واقترح بعض العلماء أن تكون لهذه العمليات فترات محددة، ويدخل الناس لفترة معينة وبعد انتهاء تلك الفترة توزع الأرباح على أساس التقويم، وهذا أيضا يشكل من حيث العمل في البنوك الإسلامية؛ لأن عمليات البنوك متتابعة وسريعة وأن سرعة إنجاز العمليات لا يمكن بهذا الطريق.
واقترح بعضهم أن تكون لكل بنك مثلا وحدات استثمارية ويعلن سعرها كل أسبوع –مثلا- وهذا إنما يتمشى في بعض المؤسسات المالية غير المصرفية، أما العمليات المصرفية فإنها أسرع من أن نوجد لها مثل هذه الوحدات. وليس ذلك حلا عمليا حتى الآن إلا المحاسبة المعروفة باسم (حساب النمر) ، وربما يقال له (حساب الإنتاج اليومي) ، وهذه المحاسبة إنما تكون على أساس ما تنتجه كل وحدة نقدية كل يوم، فمن أودع أموالا في مصرف مثلا مائة ريال لأول يناير ثم سحب منها عشرة ثم أدخل فيها عشرين أخرى بعد مدة فإنهم في نهاية السنة يحاسبون كم بقيت من هذه الأموال؟ وماذا حصل من الأرباح على كل وحدة نقدية أي على كل ريال؟ وعلى هذا الأساس يوزعون الأرباح على جميع المودعين وهو الذي يسمى (حساب النمر) . وحساب النمر هذا يحتاج إلى تخريج أو تكييف فقهي، وطالما فتشت في كتب الفقهاء لأجد له تكييفا فلم أفز بتكييف مصرح في كتب الفقهاء الأقدمين.
ولكن الذي يبدو أن هذه المضاربة أو المشاركة التي تكون في الشركات المساهمة أو في البنوك نوع جديد من المشاركة والمضاربة، وهي ظاهرة جديدة لحاجات جديدة. ولذلك لا يمكن وليس من الواجب أن تتوفر فيه جميع الجزئيات الفقهية التي هي موجودة في كتبنا في موضوع المشاركة أو المضاربة، ما دامت هذه المشاركة أو المضاربة تحتفظ بالمبادئ الأساسية التي يقوم عليها مبدأ الشركة والمضاربة. ولو كان المشاركون –مثلا- إنما يشاركون على أساس المشاركة في الربح والخسران جميعا، ولا يحدد لأحدهم مبلغ معين لأن ذلك يفي بالشروط اللازمة والأساسية لصحة المشاركة والمضاربة. فلو أخذنا هذا الحساب –حساب الإنتاج اليومي أو حساب النمر- فلا أرى هناك مانعا في القرآن أو السنة أو في كلام الفقهاء، والمسألة إنما طرحتها في بحثي لتدرس وتناقش ليبت فيها من قبل هذا المجمع الكريم.
هناك بعض المسائل الجزئية أريد أن أشير إليها ولم تكن موجودة في المسائل التي طرحت من قبل الأمانة العامة ولكن تحدث عنها الباحثون وهي مسألة الإيداع في البنوك التقليدية. هل يجوز لمسلم أن يودع أمواله في البنوك التقليدية في غير الحساب الجاري مثل حساب التوفير أو في الودائع الثابتة؟ فقد توصلت إلى أنه يجوز في الحساب الجاري وما قد يثار حوله من شبهة كونه معصية فقد ذكرت المبادئ الفقهية في مسألة الإعانة على المعصية وأن هذا المبدأ لا ينطبق على إيداع الأموال في الحساب الجاري.
مسألة أخرى وهي أن كثير من المسلمين الذين يقيمون ببلاد أجنبية غير مسلمة يودعون أموالهم في البنوك التقليدية الغربية فهل يجوز لهم أن يودعوا أموالهم في حسابات التوفير أو في ودائع ثابتة ويحصلون على فوائد؟ فمن العلماء من أجاز ذلك على أساس أن بعض العلماء كالحنفية أجازوا الربا من الحربي ولكن هذا القول ضعيف لم يأخذ به جماهير العلماء، والربا حرام سواء كان في دار الإسلام أو كان في دار الحرب.
ولكن هناك نقطة أخرى ينبغي أن ينظر فيها أصحاب الفضيلة الأعضاء وهي أن البلاد الغربية اليوم قد سيطرت على البلاد الإسلامية كلها باقتصادها وبأموالها وتقرضها أموالا بفوائد، وكل بلد إسلامي مرهون لديهم بفضل هذه الفوائد الربوية التي تجمعت على القروض التي استفادوها منه. فهل هناك من جواز شرعي بأن يودع المسلمون هذه الأموال في حسابات التوفير أو في الودائع الثابتة في البلاد الغربية فقط. وما يحصلون عليه من فوائد لا ينفقونها على أنفسهم بل يصرفونها لوجوه الخير (للجهات الخيرية) ؟ لو كان جائزا فإن فيه سهولة ويسرا ونفعا للجهات الخيرية للمسلمين. فهذه المسألة طرحتها لكم للمناقشة فقط ولم أبت فيها بشيء.
مسألة أخيرة أثارها الدكتور سامي حمود، وهو قد أثارها في غير مناسبة يعني في مناسبات شتى، وهي مسألة المضارب المشترك وهي أن المضارب المشترك ينبغي أن يكون ضامنا كما أن الفقهاء جعلوا الأجير المشترك ضامنا.
وهذه الفكرة في الواقع مبنية على قياس مع الفارق. الأجير المشترك له أجرة مضمونة، فهو حينما يعمل شيئا فإنه يضمن له أجرته من قبل مستأجريه، أما المضارب فليس له شيئا مضمونا، إذا حصل على ربح فإنه يقاسم رب المال
…
مناقش: وإذا خسر؟
القاضي تقي العثماني:
إذا خَسر خسر جهده ولكن ليس هناك ضمان له للربحية. فإذا كان الأجير المشترك مضمونا له الأجر فمن المعقول أن يجعل ضامنا، أما المضارب فإنه ليس له ناتج مضمون. فلذلك لا يعقل أن يجعل ضامنا ولو جعلناه ضامنا لقلنا: إن جميع الودائع الربوية المعمول بها اليوم كلها –يعني- مباحة، وهذا شيء خطير جدا.
أخيرا أشير إلى نقطة أثارها فضيلة الشيخ محمد علي التسخيري وهي قضية الجوائز على الودائع، وقد ذكر فضيلته أنهم قد أجازوا ذلك إذا كانت هناك جوائز غير مضمونة لأصحاب الودائع فإن ذلك جائز. والذي أراه أن هذه الجوائز إذا كانت معلنة من قبل الحكومة والحكومة ملتزمة بأدائها فإنها ملتزمة تجاه مجموع المقرضين لا اتجاه فرد واحد ولكنها ملتزمة تجاه مجموع المقرضين. فلذلك هذه الجائزة وإن لم تكن مضمونة لفرد واحد ولكنها مضمونة لجميع المودعين، ومن هذه الناحية هي زيادة مشروطة وينبغي أن تكون داخلة في تعريف الربا. وما ذكره سيادة الدكتور سامي حمود في حديث (كل قرض جر نفعا فهو ربا) وأنه ضعيف وما إلى ذلك، فالواقع أن هذا الحديث قد تكلم فيه المحدثون بصناعة حديثية، وهناك جماعة كبيرة من العلماء المحدثين الذين قالوا بأن الحديث حسن، والحسن –كما تعرفون- صالح للاحتجاج به. ثم كما تفضل الشيخ عبد الله بن منيع، هو حديث قد تلقته الأمة بالقبول. ومثل هذا الحديث ينجبر ضعفه بتلقي الأمة بالقبول، ولذا لا ينبغي أن نثير شبهات حول هذا الحديث الذي هو أصل في حرمة الربا. وهذا ما كنت أريد أن أقوله، والله سبحانه أعلم.
الشيخ الصديق الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم
تنصب ملحوظاتي على بحث الدكتور سامي، وأوافقه موافقة كاملة في كل ما كتبه في الصفحات الخمسة الأولى. ما يتعلق بتكييف الحسابات الجارية على أنها قرض.
وأود قبل أن أستمر في بقية الملاحظات أن أقف قليلا عند ما قاله الدكتور منذر والقاضي الثماني والشيخ التسخيري فيما يتعلق بهذه الجزئية، الدكتور منذر تكلم عن أرباح الحسابات الجارية وأن المساهمين يستأثرون بها، وهذا صحيح وهو تابع لتكييف الحسابات الجارية ما دمنا قد كيفناها بأنها قرض فاستثمار القرض وأرباحه للمقترض.
فمن المقترض في البنوك الإسلامية؟ عندنا في البنوك الإسلامية المساهمون والمودعون والمستثمرون، وهذه المسألة قد أثيرت منذ عدة سنوات عندنا في بنك فيصل، كيف توزع الأرباح بين المساهمين والمستثمرين؟ وسبب هذا ناتج من أن البنك يستثمر كل ما لديه من أموال في وعاء واحد.
مصادر استثمار البنك هي: رأس ماله، الحسابات الجارية، الودائع الجارية، ودائع التوفير. كل هذه تستثمر مختلطة مع بعضها وتأتي بأرباح.
بعض البنوك تستثمر ودائع الاستثمار منفصلة عن أموالها، وهذه لا تثير مشكلة. ولكن عندنا في السودان عندما طلبنا من بنك فيصل أن يستثمر هذه الأموال منفصلة وجد صعوبة في هذا، فثارت مشكلة توزيع هذه الأرباح؟ الإشكال سيأتي في الأرباح الناتجة عن الودائع الجارية، هل يستأثر بها المساهمون أم يشاركهم فيها المودعون؟
جواب هيئة الرقابة في ذلك الوقت وأصدرت فتوى في هذا –أظنها موجودة وموزعة في كتاب بنك فيصل- وهو أن هذه الأرباح تتبع المقترض، إذا كان المقترض هو المساهمون وحدهم فإنهم يستأثرون بكل أرباحها ولا يشارك فيها المودعون.
إذا كان المودعون يشاركون في اقتراض هذه الأموال والتي هي الحسابات الجارية وهذا يمكن أن يحصل بشرط أن يأذن رب المال (المودع)
…
لكن على أي حال إذا مشينا على الرأي الذي يجيز وكتب في وثيقة الاستثمار أن المودع (رب المال) يأذن للبنك في الاقتراض على أمواله فإنه يكون شريكا في هذه الحالة في أرباح الحسابات الجارية. وهذه هي الحالة الوحيدة التي يمكن أن تسوغ لأصحاب الودائع أن يشاركوا في الحسابات الجارية، أما إذا لم يوجد هذا فلا وجه للقول بمشاركتهم. في هذا أختلف مع الشيخ العثماني أظنه أراد أن يشركهم بغير هذه الطريقة.
الدكتور منذر تحدث عن السحب والإيداع وأن هذا هو ما ينبغي أن يكون بالنسبة لودائع الاستثمار لكي يحول أصحاب الحسابات الجارية حساباتهم إلى ودائع استثمار.
هذه المسألة أيضا بحثت أكثر من مرة عندنا في السودان ولا تزال محل بحث. طريقة تشجيع أصحاب ودائع الحسابات الجارية على تحويل ودائعهم إلى ودائع استثمار، وقد أخذ بها الاقتراح وحتى تقدم عندنا البنك المركزي بطريقة لتشجيع هذا التحويل، وهو أن يضمن البنك لمن يضع أمواله في ودائع الاستثمار يضمن له فرق التضخم؛ لأنه الآن في السودان لا يرغب الناس في ودائع الاستثمار؛ لأن أرباحها أقل كثيرا من التضخم.
فالبنك لكي يشجع على هذه العملية وضع هذه الطريقة وهي محل بحث لدى هيئة الرقابة الشرعية وهي أنه هل يجوز هذا الضمان أو لا يجوز؟
موضوع تيسير السحب هذا موجود عندنا في السودان ومعمول به، لكن مع ذلك لا يوجد إقبال كثير على هذا؛ لأن الأرباح قليلة.. وعندنا في بنك البركة توجد ودائع استثمار، عرض على الهيئة، الإدارة عرضت على الهيئة أن تطلب ودائع الاستثمار لشهر واحد فسألتها هيئة الرقابة هل تستطيع يا بنك أن تصفي العملية في شهر حيث تعرف الأرباح، وهذا يقودنا إلى موضوع التنضيض الحقيقي والتنضيض الحكمي، فوجدت الهيئة أنه لا يستطيع تنضيضا حقيقيا ولا حكميا، ولذلك رفعوا المدة إلى أربعة أشهر وقالت الإدارة تستطيع أن تصفي العملية في هذه المدة، فأذنت لها الهيئة بأن تسير في هذا وهو محل تجربة، قد لا يستطيعون وقد يستطيعون، لكن لا بد في عمليات المضاربة وودائع الاستثمار من التصفية في نهاية المدة كيفما كانت طويلة أم قصيرة، لا بد من التصفية، إما التصفية الحقيقية أو الحكمية. وما قاله الدكتور منذر من أن الإدارات تخدع هيئات الرقابة، الواقع أن هذا فيه شيء من المبالغة، وهذه التجربة عندنا في السودان في شركة من شركات الاستثمار مدة المضاربة فيها سنة كاملة ونشترط عليهم هذا الشرط بأن تصفى في نهاية المدة. المضاربة التي أخذت في يناير لا بد أن تصفي نهاية ديسمبر. فتأتي مشكلة وهي أنه قد تبقى بعض الموجودات في نهاية العام لم تبع ولا يجدون من يشتريها، فقالت لهم الهيئة: لا مانع من أن تبيعوها للمضاربة التي تليها، والشركة هذه وكيل عن المضاربين فتقوم هي بهذه العملية وتكون بهذا قد صفت العملية تصفية حقيقية وليست تصفية حكمية؛ لأنها باعتها للمضاربة التي تليها، فليس في هذا- فيما أعتقد- مخالفة شرعية وهي أفضل بكثير من نظام النمر. أنا لا أعترف بنظام النمر ولا أعتبره تصفية لا حقيقية ولا حكمية، لكن على أي حال هذا هو الذي تمشي عليه الآن البنوك جميعا في السودان وغيرها وهي غير مقبولة عندي؛ لأنها تعطي أرباحا لغير من اشتركوا فيها، هي مسألة تقريبية ويجب أن يوجد لها حل.
الشيخ التسخيري تكلم عن جوائز المودعين. رأيي مع الشيخ العثماني، هذه الجوائز إذا كانت معروفة تكون كأنها مشروطة فلا تجوز مطلقا. وقد أفتينا في السودان بعدم جوازها.
بعد ذلك أنتقل إلى صديقي الدكتور سامي ولي بعض الملاحظات على ما ورد في بحثه، يقول الدكتور: أما إذا كان الإذن باستعمال الوديعة الحسابية يحمل نوعا من المصلحة للمودع فإن الحكم يختلف باختلاف الحال وذلك لدرجة أن صاحب كتاب (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع) ذهب إلى أنه لو دفع رجل مالا إلى آخر على أن نصفه وديعة في يد المضارب ونصفه مضاربة بأن ذلك جائز، ويكون المال في يد المضارب على ما سميا. كلام صاحب البدائع سليم، لكن الدكتور سامي يقول هذا يعني أن النصف الأول هو وديعة مأذونة بالاستعمال، فهي قرض مضمون، والنصف الثاني هو رأس مال المضاربة فله حكم المضاربة من حيث كون الربح على الشرط. لا أدري من أين جاء الدكتور سامي بهذا الشرح أن النصف الأول الذي قال صاحبه هو وديعة؟ هي وديعة بمفهومها الشرعي. وديعة إلى أن يطلبها صاحبها، فكيف جعلها قرضا؟ لا يمكن أن تكون قرضا.
وقد عرف الوديعة الحسابية بأنها النقود المودعة مع الإذن بالاستعمال لصالح من أودعته إليه. ثم جاء في تقسيم الوديعة فذكر القسم الأول وهو سليم، والقسم الثاني الوديعة بالاستثمار.
الوديعة الحسابية بالاستثمار لا يمكن أن تدخل في الوديعة الحسابية؛ لأنه قيدها بأن تكون لصالح من أودعت لديه. والوديعة بالاستثمار أودعت لصالح المودع، وقد نقول: إنها أودعت لصالح الطرفين، وهذا شأن المضاربة، فلا يمكن أن تكون قسما من الوديعة الحسابية.
وذكر في بحثه موضوع الرهن. هو يبدو لي من كلامه أنه يجيز رهن الوديعة الحسابية لصالح المصرف المودع لديه. وهذا ما جاء في بحثه. ولا أدري كيف تكون الوديعة الحسابية رهنا، ورهن لصالح المصرف نفسه؟! المصرف هو المقترض وصاحب الوديعة أقرضه وخرجت عن ملكه فكيف يودعها؟ الواقع أنني لا أتصور موضوع رهن لوديعة حسابية من صاحب الوديعة؛ لأن هذا مقرض والمقرض يخرج المال عن ملكه ويكون في يد المقترض فلا محل لرهنه.
تكلم أيضا في بحثه عن النمر وقد تكلمت عن هذا.
مسألة ضمان الودائع. هذا الرأي قديم معروف من الدكتور سامي.
القاضي تقي العثماني:
لو سمحتم، لو أعطيتمونا البديل المناسب لحساب النمر عندكم.
الشيخ الصديق الضرير:
لماذا؟ لا، إلى الآن ما يعملون به غير ما ذكرته لكم في هذه الشركة هي شركة مضاربة خاصة عملها المضاربات، هذه وجهناها بأن تعمل بهذه الكيفية ولا تشتغل بحساب النمر، لكن بالنسبة للبنوك التي تأخذ ودائع مستمرة –كما يصورها الدكتور سامي- والتي هي تأخذ في كل وقت ليست محددة بمدة. التي تأخذ ودائع محددة بمدة تعتبر كأنها حساب جار. هذه مقيدة بأن تصفى العملية في آخر السنة. البنوك التي طلبت أن تأخذ ودائع لمدة أقل من سنة، والتي هي أربعة أشهر وثمانية وسنة، وهذه ألزمناها بأن تصفي الوديعة في نهاية كل أربعة أشهر، وقالوا: هذا ممكن وبدءوا في التجربة، وهنا في هذه الحالة أيضا توجد نقطة أثيرت وهي أنه إذا سحب الوديعة في أثناء المدة لا يستحق عليها ربحا فإنه يأخذها كما هي. وهنا أود أن أرد على نقطة ذكرها الدكتور سامي وهو أن هذا يعني أنك قد ضمنت له رأس ماله وأراد أن يأخذه حجة على ضمان البنك، لا، أنا لم أضمن له رأس ماله في نفس الوثيقة التي دخل معها، أنا اشترطت عليه هذا، وهو أن يبقي هذا المال أربعة أشهر كاملة لكي يستحق الربح، فإذا لم يبقه وسحبه في أثناء المدة لا يستحق ربحا. والواقع أن البنك وهذه الودائع التي وضعت عنده لمدة أربعة أشهر، ولنفرض عشرة ملايين سيجنب مليونا منها لهذه المسحوبات ما دام قد أذن بها ويستثمر التسعة ملايين، فالشخص الذي يأتي ويقول لبنك: أريد وديعتي يعطيه من هذا المليون الذي لم يستثمر وهو محفوظ لمقابلة مثل هذه السحوبات فهو ليس ضامنا، وإنما هو في الواقع لم يستثمر هذا المال ودفعه إليه. وقلنا للذين يريدون أن يسحبوا بأنه الذي يضع وديعته لمدة ثمانية أشهر ويسحبها بعد أربعة أشهر فإنه يستحق ربح الأربعة أشهر؛ لأن ماله ربح فعلا وتمت التصفية، والذي يضعها لمدة سنة ويسحبها بعد ثمانية أشهر يستحق ربح الثمانية أشهر؛ لأن هذه لمدة قد عرفت أرباحها، لكن لا يستحق ربح الباقي ويعتبر ماله كأنه مجنب مع هذا المليون الذي يحتفظ به البنك لكي يقابل به السحوبات. فهذه هي الطريقة التي عندنا، لكن بالنسبة لحسابات الودائع التي هي أشبه بالحسابات الجارية والتي من الممكن لصاحبها أن يسحبها في أي وقت هذه هي المشكلة، وهذه هي التي تسير فيها عمل البنوك على حساب النمر، وتوجد بنوك أخرى –وأظن أن الشيخ العثماني على علم بها- لا تسير على حساب النمر وإنما تسير على حساب الوحدات، وهذه في رأيي أقرب من حساب النمر، نظام الوحدات المتبع في دار المال.
نمضي إلى كلام الدكتور سامي والذي هو موضوع الضمان والذي قاسه على الأجير المشترك، والشيخ العثماني قد كفاني بعض الشيء وهو في الواقع أننا قلنا هذا الكلام أكثر من مرة في أن هذا قياس مع الفارق وقد بينه لكم الشيخ العثماني، ولكنني أريد أن أسير قليلا في بحث الدكتور سامي.
وجدت في بحثه أنه يريد أن يعلل لهذا التشبيه: إن رب المال في المضاربة الفردية يختار العامل ويحدد له النشاط ويمكن أن يضع له شرطا، بخلاف البنوك فإن رب المال لا يستطيع أن يفعل هذا. وهذا نقص في الواقع، وقد بحث في أكثر من ندوة ويوجد اقتراح بأن تنشأ هيئة للمشتركين – وأظن الدكتور سامي على علم بها وحضر هذا الاجتماع- لكي ترعى حقوق المشتركين، وهذا عملنا به في السودان. تستطيع أن تضع هذه الشروط وتشترط على البنك، صحيح الآن البنك هو الذي يتصرف كما يشاء ما عدا هذا المكتوب في الاستمارة، فهذا منتف:(وكان مقتضى توازن العقود أن يكون في مقابل الحرمات من حق الاشتراط نوع من الضمان) ، لم هذا؟ لا علاقة بين هذا وهذا. وموضوع الضمان كما تعلمون هذه مسألة مجمع على منعها، لا خلاف بين الفقهاء في أنه لا يجوز أن يضمن المضارب لرب المال رأس ماله، بل لا يجوز له أن يضمن له كذلك أي مقدار من الربح فهذه مخالفة للنصوص. الأجير المشترك ليس فيه مخالفة للنصوص حتى يتم القياس عليه، ثم إن العلة في تضمين الأجير المشترك غير موجودة في المضارب المشترك إذا قبلنا هذه التسمية. فالأجير المشترك ضمن لحفظ أموال أصحاب المتاع الذين يضعونه عنده، لكن البنك ليس بهذه المسافة. فلا وجه لقياسه بتاتا.
ثم يقول في صفحة أخرى من بحثه:
إن عمل المضاربة المشتركة ذو طبيعة مستمرة وذلك لأن العمليات التي يقوم بها المصرف متتابعة ومتداخلة وليس ممكنا الحكم بتاريخ معين على حدوث خسارة محددة.
وكأنه يشكك في عملية المضاربة. وإذا أخذنا بهذا قد نذهب إلى أن البنوك لا يجوز لها أن تضارب.
وقد حدث في أحد المصارف الإسلامية التي لا تأخذ بأصل مبدأ الضمان خسارة كبيرة حيث لم تجد هيئة الرقابة الشرعية مناصا من تضمين المصرف للخسارة الواقعة على أساس الخطأ المفترض.
هو ليس على أساس الخطأ المفترض كما يقول الدكتور سامي، هي رأت أن البنك فعلا مقصر فضمنته وهذا الحكم الشرعي، لكن الدكتور سامي يريد أن يضمنه في جميع الحالات.
أقترح هنا وهي سجية جميلة موضوع صندوق المخاطر، وهذا معمول به أيضا لكن بغير الطريقة التي ذكرها. صندوق المخاطر هذا أشبه بالتأمين التعاوني ولذلك نحن اشترطنا فيه في السودان أن يكون الاستقطاع من نصيب المودعين فقط وليس من الربح الكلي. الذي ذكره الدكتور سامي هو يقتطع من الربح كله واستند فيه إلى كلام للمالكية، لكن نحن لم نأخذ بهذا وهو أسلم.
المودعون يتضامنون فيما بينهم ويقتطعون جزءا من الربح يوضع احتياطيا في حالة الخسارة إذا حصلت خسارة يدفع منه، لا ضرر في هذا، هذا تأمين تعاوني. نقل الدكتور عبارة هنا في بحثه عن بداية المجتهد ليؤيد بها رأيه، وهي:
إن دفع العامل رأس مال القراض إلى مقارض آخر أنه ضامن إن كان خسرانا وإن كان ربح فذلك على شرطه، ثم يكون لذلك عمل شرطه على الذي دفع إليه فيوفيه حقه مما يبقي من المال.
وفهم من هذا الضمان. لا، هذا الضمان، وهذه العبارة من ابن رشد هي في حالة ما إذا لم يأذن رب المال للمضاربة بالمضاربة به، لكن لو أذن له بأن يضارب به فلا يضمن، والموجود في البنوك –المعروف- كلها وبعضها تنص على هذا، أن المال يأذن للبنك بالتصرف فيه بما يرى فيه المصلحة من إعطائه المضاربة للغير، وهذا هو المعمول به، إلى آخر ما يجوز للمضارب في حالة التفويض. النص الذي هنا لا يسنده مطلقا وهو فهم أنه مطلق، لا. وكل ما جاء بعده في هذه الصفحة هو مقيد بعدم
…
ثم يقول في آخر كلامه: ومهما يكن من أمر فإن مسألة الضمان وإن لم يصرح بها فإنها قائمة بالفعل؛ لأن المصرف الإسلامي الذي يسمح لصاحب الوديعة بسحب أمواله المودعة كليا أو جزئيا ضمنا أنه قبل مبدأ
…
وهذه هي الجزئية التي تكلمت عنها من قبل ولا يسمح له بهذا ولا يؤدي إلى هذا المعنى الذي ذهب إليه الدكتور سامي. وأكتفي بهذا، وشكرا.
الدكتور علي محيي الدين القره داغي:
بسم الله الرحمن الرحيم
أولا، نشكر الإخوة الباحثين علي بحوثهم القيمة، ونشكر شكرا خاصا للأستاذ الدكتور العارض حيث كان عرضه طيبا ونافعا وجامعا، فجزاه الله خيرا.
بخصوص مسألة الودائع، تكييف الودائع لا يمكن أن يكون على سند واحد، فإنما التكييف يختلف من حيث هل هذه الودائع حسابات جارية؟ والحسابات الجارية لها أوراق خاصة كما أن الودائع الاستثمارية لها أوراق خاصة، فتوقيع الشخص على هذه الورقة دون الورقة يجعل أن هذه الوديعة في حساب جار والثانية في وديعة استثمارية.
فلذلك لا يأتي الشخص اعتباطا ويضع المبلغ في الحساب الجاري أو في الودائع الاستثمارية. فالودائع الاستثمارية والحسابات الجارية كما هو الواقع في البنوك الإسلامية أو حتى في غيرها فلكل شيء –كما يقولون- فورمة خاصة وبالتالي من خلال هذه الورقة، من هذا البيان تتحدد نية الشخص وقصد الشخص، هل هو يريد الوديعة للحساب الجاري أو يريد أن يكون هذا للودائع الاستثمارية؟ فإذا كان قد أدخل في الودائع الاستثمارية فيكون هناك مضاربة بالتأكيد، وإذا كان في الحساب الجاري فتكييف الحسابات الجارية على أنها قرض. ومن هنا فالتقسيم من ناحية الوصف الشرعي أو من هذه الناحية ثنائي وليس ثلاثيا، وكان الأولى أن يركز على هذا التقسيم ثم بعد ذلك تقسم الودائع الاستثمارية إلى عدة أنواع.
مسألة إقراض ولي القصر، وهي: هل لولي القصر حق الإقراض؟ أجاز الفقهاء الإقراض إذا كان هناك مصلحة، بل نص صاحب (المغني) كما أحفظه وكذلك صاحب (الروضة) للإمام النووي، نصا على أنه في بعض الأحيان قد يتعين إذا خاف ولي الأمر من الاعتداء على هذه الأموال ولم يجد الاستثمار، فحينئذ يعطي قرضا مضمونا لشخص فتكون هذه الأموال مضمونة. ومن هنا بالتأكيد ولي الأمر إنما يقدم على الحساب الجاري للقصر في حالة ما إذا وجد مصلحة، وإلا يدع هذه الأموال في الحسابات الاستثمارية.
مسألة الظفر في الحسابات التي ناقشتها البحوث. وحقيقة المسألة محلولة عندنا في بعض البنوك الإسلامية ولا سيما البنك الإسلامي في قطر، حيث إنه في نفس العقد يشترط أو يذكر فيه أنه للبنك الحق في أن يأخذ هذا المال في حالة عدم التسديد من أي مال يوجد في البنك ويوافق عليه رب المال أو يوافق عليه المقترض، وحينئذ يكون بذلك قد اشترط على نفسه وأذن المدين بذلك ويكون حينئذ القضية محلولة، ومن هنا يمكن النص عليه في العقود ولا نحتاج بعد ذلك إلى هذا الخلاف الفقهي السائد أو القياس على مسألة الزوجة أو غير ذلك؟ أنا في اعتقادي أن قضايا العقود لا بد أن تنظم من خلال العقود والشروط ولا تنظم من خلال مسائل أخرى بعيدة عن واقع المعاملات.
بخصوص المضاربات المشتركة التي أشارت البحوث إليها وبعض البحوث استشكلتها استشكالا كبيرا، في اعتقادي أن الحل العملي لهذه المسألة هو الذمة المشتركة وتسمى هذه بالشخصية المعنوية فهذه الشخصية المعنوية تتلقى هذه الأموال وهي محل لقبول هذه الأموال مع ملاحظة التنضيض الحكمي مع ما أشار إليه فضيلة القاضي العثماني حساب النمر.
هذه القضايا الثلاث الشخصية المعنوية أو ما تسمى بالذمة المشتركة مع وجود التنضيض الحكمي مع ملاحظة حساب النمر أو ما يسمى (دولار يوم أو يوم بدولار) هذا حل عملي لهذه المسألة. ولا مانع كما قال فضيلة الشيخ العثماني من أن المشاركات اليوم أو المضاربات هي تطوير للمشاركات أو المضاربات السابقة، وكما يجوز إحداث عقود جديدة لا تخالف المبادئ كذلك لا مانع من إحداث أنواع جديدة من عقود كانت متناولة. فالآن ما دامت أصول العقود ثابتة فلا مانع من تطوير هذه العقود بما لا يتعارض مع قواعد الشريعة.
أما بالنسبة إلى ما أشار أخونا الكريم الدكتور منذر، حتى للعلم وأنا أيضا عندي اطلاع على كثير من البنوك الإسلامية، أول مرة أسمع بما أشار إليه الدكتور منذر من أن البنوك الإسلامية تقوم ببيع هذه الأموال في آخر السنة وأن هذا تنضيض صوري أو وهمي. الذي تسير عليه معظم البنوك الإسلامية –حسب علمي- أنها تقوم بعملية التنضيض الحكمي ويكتفى بذلك.
مسألة ما أشار إليه الدكتور منذر في القضية أنه لا بد أن تقسم الحسابات الجارية إلى نوعين. هذا طبعا إذا نحن كيفنا الحسابات الجارية إلى القرض، لا بد أننا نحافظ على مثل ما أشار إليه الشيخ ابن بيه على سنن العقد أو –كما أسميه- ميزان العقد، فالقرض له ميزانه الخاص، وحسابات التوفير أو الاستثمار لها ميزانها الخاص، فلذلك تبقى الحسابات الجارية ولكن الآن في كثير من البنوك الإسلامية توجد حسابات توفير يكون للإنسان الحق في السحب في أي وقت ولكن تكون نسبة الأرباح قليلة، فالأفضل بدلا من أن نقسم الحسابات الجارية وهي مكيفة على أساس القرض فالأفضل أننا نتجه إلى الجانب الثاني وهو حسابات توفير ميسورة وتكون نسبة الأرباح للبنك أو للشخص قليلة في مقابل هذه السهولة في عملية السحب.
بعض الباحثين اعتبروا يد المصرف على الحساب الجاري يد أمانة، ثم بالتعدي والتصرف أصبحت يده يد ضمان. هذا التكييف –في اعتقادي- ليس تكييفا صحيحا ما دمنا اعتبرنا أن الحساب الجاري هو بمثابة القرض، وكما قلت: إن الحساب الجاري ليس شيئا مجهولا، هو ورقة مكتوبة ومعروفة، فإذا لم يقرأها فهو كأنه علم بهذه الشروط والضوابط التي تضعها البنوك الإسلامية بخصوص الحساب الجاري. ومن هنا فبمجرد ما أودعت المبالغ في الحساب الجاري كأنك أقرضت وأصبح البنك ضامنا لهذا المبلغ وفي مقابل هذا الضمان يتصرف البنك حيث ما يشاء من باب قاعدة (الغرم بالغنم) وكذلك (الخراج بالضمان) . وهذا إذا اعتبرنا هذه المسألة وهذا التكييف الذي ذكره أكثر من باحث تكييفا مخالفا لما يسير عليه الجمهور من أن الحساب الجاري قرض مضمون أساسا.
مسألة الودائع. بعض الباحثين –حسبما قرأت في البحوث- قالوا بعدم التصرف فيها أبدا باعتبار أن الودائع لا بد أن تبقى، بينما الفقهاء –رحمهم الله فرقوا بين ما هو دين وما هو عين، فقالوا: ما هو عين من الودائع لا يجوز التصرف فيها؛ لأنها تتعلق
…
يعني لا بد أن يحافظوا على العين لكن الدين يدخل في الذمة. والدين ولا سيما فقهاء الحنفية، والدين طبعا هو النقود تعتبر دينا، فإذا كانت هذه النقود دينا فبمجرد ما تسلم الإنسان وأودعها أو تركها في بيته فتعتبر هذه المبالغ دينا وتدخل في ذمة الإنسان. مع – طبعا - قضية الضمان وعدم الضمان تلاحظ فيها.
ما طرحه الدكتور سامي مسألة المضارب المشترك، في الحقيقة أنا أيضا أؤيد رأي فضيلة الشيخ العثماني وفضيلة الدكتور الضرير حول هذه المسألة، وأنا حققت النقل، أن نقل ابن رشد لا يدل على ما أراده الدكتور.
بعض الباحثين من خلال بحوثهم فرقوا بين مرحلتين، مرحلة الإيداع ثم مرحلة التصرف. ففي مرحلة الإيداع مثل الدكتور الكبيسي قال: له الحق في السحب بينما في المرحلة الثانية –بعد التصرف- ليس له الحق في السحب.
وحقيقة هذه التفرقة أيضا تفرقة غير مقبولة وقد أشار إليها الدكتور سامي. ومن المعلوم أن عقود المضاربة والمشاركة والقرض والودائع الاستثمارية أو الحسابات الجارية لا تخرج، إما أن تكون قرضا أو تكون مشاركة. هذه العقود من العقود الجائزة خاصة بالنسبة للمضاربة والمشاركة، ولكن الإلزام يأتي من الاشتراط وتحديد المدة، فإذا حددت المدة فيكون الإنسان ملزما بإكمال هذه المدة، وكذلك إذا ترتب على المضاربة أو فسخ المضاربة ضرر فيكون ذلك يأتي من باب آخر وليس هناك فرق بين هاتين المرحلتين ولم أر من السابقين من فرق بين هاتين المرحلتين.
اعتبارات الحسابات رهنا. حقيقة مسألة الرهن، حتى الذين قالوا برهن الديون، يعني تكييف اعتبار الحسابات رهنا تكييف يحتاج إلى نظر واجتهاد جديد، لكن لماذا لا تعتبر هذه الحسابات من باب الضمانات؟ وباب الضمان أوسع حتى الضمان بالمجهول يجوز، فلماذا نحن نتقيد بمسألة الرهن في هذه المسألة ونجعل الضمان ويكون هناك ضمان في هذا الباب؟ أيضا مسألة أخرى أشار إليها الشيخ التسخيري في بحثه وحديثة بأنه يمنع الخدمات، يمنع أن يجر القرض الخدمات، ولكنه مع ذلك يجيز الجوائز، فأنا في اعتقادي فيه شيء يحتاج إلى إعادة النظر في هذه المسألة وأن الجوائز كما أشار إلى ذلك فضيلة الشيخ العثماني هي أيضا فوائد مادية تمنح لهؤلاء المقرضين في مجموعهم، وكل واحد يطمع في ذلك، ففيها نوع من المقامرة وفيها أيضا الفائدة المرجوة لبعضهم. كنا نحن منعنا أي شيء وأبقينا القاعدة العامة التي تلقتها الأمة بالقبول فكيف نجيز هذه الجوائز وهي تقرب مما يسمى الآن بالجوائز فئة (ج) التي تصدر في بعض البنوك الربوية بجانب فئة (أ) وفئة (ب) ، وفئة (ج) تعتبر من أصحاب الجوائز؟ هذا ما أردت أن أقوله وشكرا.
الدكتور محمد سيد طنطاوي:
بسم الله الرحمن الرحيم
شكرا يا سيادة الرئيس، وأنا شخصيا سيكون كلامي محددا وسيكون في الكليات وليس في الجزئيات. وأبني كلامي على حكم تعلمتها، ومنها أن كل عالم في فن هو تلميذ على غيره في فن آخر ، وأن الإنسان يتحدث على حسب تخصصه وعلى حسب علمه امتثالا لقول الله عز وجل:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] . وأنا شخصيا خلال قراءاتي للمعاملات في الإسلام وخلال عملي وجدت أن المعاملات في الإسلام تمتاز بالوضوح والصراحة والمكاشفة، كما أن الناس في كل زمان ومكان لا يستغنون عن التعامل فيما بينهم والأمر كما قال الشاعر:
الناس بالناس من بدو وحاضرة
بعض لبعض وإن لم يشعروا خدمُ
الحقيقة الثانية: أن شريعة الإسلام لم تقصر المعاملات على واحدة أو على اثنتين أو على ثلاث معاملات وإنما أنا بقراءاتي وباطلاعي وجدت أكثر من عشرين معاملة، منها: البيع، والشراء، والوكالة، والمضاربة، والمرابحة، والمشاركة، والمزارعة، والمساقاة، والسلم، والجعالة، والإقالة، والصلح، والرهن. وتمتاز شريعة الإسلام بأن لكل معاملة خصائصها، وشروطها، ولا تختلط معاملة مع معاملة، وإنما كل معاملة لها خصائصها ولها شروطها التي تميزها عن غيرها. هذه حقيقة لا أظن أن عاقلا يجادل فيها. وأن المعاملات في الإسلام لا تفرق بين مسلم وغير مسلم، وإنما الغش حرام مع المسلم ومع غير المسلم، الظلم حرام مع المسلم ومع غير المسلم، وهكذا.
حقيقة ثالثة: وهي أن من المتفق عليه عند العقلاء أن فهم الأمور فهما سليما يؤدي إلى الحكم الصحيح عليها، وتحرير محل النزاع –كما يقول العلماء- يؤدي إلى حسن الاقتناع، وذلك لأن الألفاظ متى حددت معانيها والقضايا متى وضحت معالمها سهل الوصول إلى الاتفاق بين المختلفين. لذا، فأنا يعجبني قول بعض العلماء: لم يكن اختلاف الناس في الرأي واختلافهم في تطبيقه إلا وليد الاختلاف في تحديد مفاهيم الأشياء.
بناء على ذلك أتطرق إلى الحقيقة الرابعة وهي أن القروض لغة وشرعا لها معنى محدد. والودائع لغة وشرعا لها معنى واحد. الاستثمار من حيث اللغة ومن حيث الشرع له معنى محدد. والخلط بين الألفاظ هو الذي يؤدي إلى البلبلة وإلى الاضطراب. لفظ القروض ورد في القرآن الكريم وورد في آيات متعددة، قال تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة:] والمعروف أن المقصود بالقرض الحسن: أن يعطي الغني للفقير شيئا من ماله القرض بمعناه العام إذا لم يطلق عليه قرضا حسنا ففي هذه الحالة معروف بالآتي: أن يأخذ الإنسان من غيره مبلغا ثم يرده إليه عندما ييسر الخالق –عز وجل له.
هذا هو المعنى الواضح لمعنى كلمة (القرض) ، هذا هو المعنى الواضح الذي ورد في القرآن الكريم، وورد أيضا في السنة المطهرة، ودعا إليه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:((من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة)) .
وبلغ من حرص سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن ييسر الميسور على المعسر أنه عليه الصلاة والسلام قال ((كل قرض صدقة)) ، أي كل قرض يقرضه الإنسان لغيره له ثواب مثل ثواب الصدقة. والديون لها هذا المعنى تقريبا وإن كان لفظ الدين أعم من لفظ القرض؛ لأن الدين كل ما ثبت في الذمة. فمثلا، الصداق المتأخر في ذمتي لزوجتي دينا ولا يسمى قرضا. لكن على أية حال الفرق سهل، لكن السؤال: متى يجوز للإنسان أن يستدين أو يقترض؟ هذه هي المسألة. الذي أعلمه من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يجوز للإنسان أن يمد يده بالسؤال لغيره إلا من أجل ضرورات الحياة. إذا لم يأخذ هذا المال تتعرض حياته للخطر، هنا يجوز له أن يسأل غيره أو أن يقترض من غيره، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ذلك بقوله وعمله، واستعاذ من الديون واستعاذ من القروض، وبلغ من حرصه عليه الصلاة والسلام أنه عندما سأله سائل: يا رسول الله أأقترض للحج؟ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرض بذلك، وقال له:((لا)) إذن لا يجوز للإنسان أن يقترض من غيره، سواء أكان هذا الغير إنسان أو بنكا أو مؤسسة إلا من أجل ضرورات الحياة. فإذا أنا مددت يدي بالسؤال إلى غيري وقلت له: من فضلك أعطني عشرة ريالات وفي جيبي العشرة ريالات أكون كذابا ولا أكون مسلما كامل الإسلام، والرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح –عندما سأله سيدنا قبيصة- وأمامي الحديث وهو في صحيح مسلم قال له:((يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة، رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة ورجل أصابته جائحة ورجل أصابته فاقة)) . إذن، نريد أن نضبط الألفاظ، قبل أن تسألني، أنا عندما أقترض أو أنت، فأنت تقترض لماذا؟ لماذا تمد يدك بالسؤال إلى غيرك؟ لماذا تقترض؟ إن كنت تقترض من أجل ضرورات الحياة تنطبق عليك قول الله –عز وجل {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] إن كنت تأخذ مالا من غيرك من أجل أن تستثمره وتربح وهذا الغير قال لك: أعطني جزءا من ربحك نظير أنك أنت انتفعت بمالي، يقال في هذه الحالة: أعطه جزءا من هذا الربح، وإن وجدت أن ما يطلبه منك أكثر من ربحك المتوقع ابتعد وقل: اللهم أبعدني عن ذلك وينتهي الإشكال. إذن لا يجوز للإنسان أن يقرض أو يستدين إلا من أجل ضرورات الحياة، وكل معاملة تتم عن طريق القروض أو الديون لا يصح –بأي حال من الأحوال وبأي وسيلة من الوسائل- لصاحب المال أن يأخذ أكثر من حقه بأية صورة من الصور هذا ما أفهمه فيما يتعلق بالقروض والديون.
تأتي بعد ذلك الودائع، الذي أعرفه من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كلمة الوديعة هي أمانة، ومعنى أمانة أنا إذا أعطيت مبلغا من المال لإنسان، وقلت له: خذ هذا المال ليكون أمانة عندك، في هذه الحالة سواء أكان بنكا أم إنسان أم مؤسسة من حق الذي أودعت عنده أن يقول لك: أعطني مبلغا كذا لأنني أنا ضامن لهذا المال. يبقى الواضح في هذه الحالة لا يجوز لمن أودع ماله عند مصرف أو بنك أو كذا أو كذا وقصده أن يحفظه له البنك لا يجوز له أن يأخذ شيئا بل عليه هو أن يدفع للمودع عنده؛ لأن المودع عنده قد ضمن ذلك.
هذه هي القواعد العامة.
يأتي بعد ذلك الاستثمار، فرق بين القرض وبين الدين وبين الوديعة وبين الاستثمار.
الاستثمار هو أن آتي إلى إنسان فأقول له أنا مفت شرعي وقبل أن أكون مفتيا شرعا عملت في الجامعة لمدة عشرين سنة ومعي مبلغ من المال، ولكني لا أحسن التجارة وليس عندي الوقت، فخذ هذا المال واستثمره لي وأنت وكيل عني وكالة مطلقة، أتحبسني في المضاربة وفي المضاربة لماذا؟ أنا أمامي عشرون معاملة. أنا أتعامل بالوكالة المطلقة خذ هذا المال وأنت وكيل عني وكالة مطلقة في أن تستثمره لي فيما أحل الله، وما تعطيه لي من أرباح فأنا راض بها. والمسألة في غاية الوضوح. إذن في هذه الحالة فرق كبير بين القرض وبين الوديعة وبين الاستثمار، والأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى.
من نوى القرض ففي هذه الحالة لا يأخذ سوى رأس ماله، ومن نوى الوديعة في هذه الحالة يدفع للمودع عنده أجرة الحراسة، ومن نوى الاستثمار في هذه الحالة له أن يتخذ طرق الاستثمار التي أحلها الله، سواء أكانت عن طريق البيع، أو عن طريق الشراء، وعن طريق الوكالة، أو عن طريق المشاركة، أو المرابحة، أو الإجارة، عن أي طريق من الطرق التي أحلها الله ولا تحبسني في معاملات معينة. وإنما أنا أقول: كل معاملة خلت من الغش وخلت من الربا. نحن نقول، الذي أفتي به في مصر، الذي أفتي به، هو ماذا؟ كل من يستحل التعامل بالربا فهو مرتد عن الإسلام وإذا كان متزوجا تطلق منه زوجته ولا يدفن في مقابر المسلمين. هذا هو الحكم الشرعي في الربا، ولا يدفن في مقابر المسلمين. المشكلة لا بد أن تحدد المسائل، ففيما يتعلق بالقروض والودائع والودائع والاستثمار فلكل لفظ معناه الخاص به والذي يجب أن نفرق بينه وبين غيره.
كذلك أنا شخصيا وهذه نقطة يمكن
…
أنا شخصيا في دولة دينها الرسمي الإسلام في مصر، وأنا مفت شرعي، وأقول: يجب ثم يجب ثم يجب –وهذا ما قلته في الصحف وغيرها- أن تكون المادة الأولى- في معاملات البنوك وغيرها جميع معاملات البنوك خاضعة لأحكام الشريعة الإسلامية. وكل دولة دينها الرسمي الإسلام ثم تبيح غير ذلك فهي لا تستحق الاحترام، أنا مفت شرعي. ما دامت الدولة رضيت بأن يكون هناك بنوك إسلامية، أنا أحضرت –بصفتي مفتيا شرعيا ومن سلطاتي- رئيس بنك مصر وقلت له تعال أنت كاتب هنا: بنك مصر فرع المعاملات الإسلامية، وفي المركز الذي أنت فيه لست كاتبا ذلك، هل تستطيع أن تقول لي الفرق بينهما ما هو؟ فسكت ولم يستطيع أن يأتي بجواب. وفي هذه الحالة قلت له: أنت في هذه الحالة كذاب.
الرئيس واحد والخزينة واحدة قل لي: لِمَ الفرق؟ ثم بعد ذلك أية دولة تستحق الاحترام لا تكون المادة الأولى في معاملات البنوك، يجب ثم يجب أن يكون جميع معاملات البنوك خاضعة لأحكام الشريعة الإسلامية بذلك لا يبقى هنا داع أننا نحن نفرق، لا، كل المعاملات يجب أن تكون خاضعة لأحكام الشريعة الإسلامية والمفتي الشرعي تأتيه مائة مسألة يدرسها ويقول هذه حلال وهذه مكروهة وهذه حرام، وهكذا، لكن عدم الوضوح هذا الذي يؤدي إلى البلبلة ويؤدي إلى عدم الاقتناع بما نقول؛ لأن الدولة التي تحترم نفسها يجب عليها ألا تكون متناقضة مع نفسها طالما أن دينها الرسمي الإسلام. ما معنى بنوك إسلامية وبنوك غير إسلامية؟ الكل بنوك إسلامية. يجب أن يكون الكل بنوك إسلامية، وأنا أحيي كل دولة دينها الرسمي الإسلام ولا تجعل هذا المعنى، وإنما كل معاملاتها خاضعة لأحكام الشريعة الإسلامية التي لا تفرق بين مسلم وغير مسلم، وإنما تقوم على العدالة. بعد ذلك تأتي الصور الفرعية.
معاملات البنوك هذه هي متاهات لا أول لها ولا آخر. تأتيني كل مسألة على حدة، مائة مسألة يتعامل عن طريقها البنك، يأتيني بكل مسألة ويقول لي: يا فضيلة المفتي، هذه المعاملة حلال أم ليست حلالا؟ أنا ملزم أن أكون أن هذه المسألة حلال، وهذه المسألة ليست حلال وأصحح الخطأ وبهذا تنتظم الأمور فالكليات شيء والفرعيات شيء آخر. الكليات كلنا متفقون على أن كل من يستحل الربا يكون مرتدا عن الإسلام وتطلق منه زوجته إن كان متزوجا ولا يدفن في مقابر المسلمين. الفرعيات، ائتني بالمسائل على حده، مثل ما أتى أمس الدكتور نزيه بست مسائل قابلة للمناقشة، هذه المسألة فيها شبهة، هذه المسألة فيها حرمة، هذه المسألة لو وضعت في قالب كذا تكون حلالا، وبهذا تتضح الأمور وتستقل الأحوال.
وبالله التوفيق.
الدكتور عبد السلام العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم
عطفا على طلبك الكريم بالإيجاز وملاحظة لانتهاء جلستي أمس مع وجود عدد من المتحدثين لم تتح لهم فرصة الحديث وبعضهم - لا تمييزا إنما احتراما للوائح المجمع- أعضاء في هذا المجمع أن يستفسروا ويناقشوا ويحاولوا جهدهم استيضاح الصور فيما سيبدون فيه الرأي من السادة الخبراء -حفظهم الله ورعاهم – وواضح أن هذا الأمر كل بحسب تخصصه ومعرفته وليس في ذلك غض من قيمة أحد إنما الأصل سؤال أهل الذكر في كل فن بحسبه، والاستفادة من علمه وفضله لإنارة المجمع وصدور القرار على بينة ووعي ووضوح. فاسمح لي سيدي الرئيس أن أتكلم قليلا في النهج حتى لا يتكرر ما جرى في الجلستين، أمس وهذه الجلسة. إن توزيع الوقت أمر في غاية الضرورة ، فلا يصح لعضو ولا لخبير أن يصادر حق بقية الأعضاء في الحديث في إطالة وتوسع، وفي كثير من الأحوال في خروج عن الموضوع جملة وتفصيلا، حتى أثيرت قضايا ليست مفارقة، في البحوث أصلا وليس مطلوبا فيها مثلا الإيداع في البنوك التقليدية ، هذا ليس موضوع بحث. نعم، موضوع جليل ويمكن الكتابة فيه والبحث فيه وإصدار قرار فيه. تقييم مسيرة البنوك الإسلامية بصفة عامة، موضوع الجوائز، مع احترامي للآراء التي أبديت، كل هذه القضايا خارج الموضوع المطروح للبحث، فنذهب بعيدا في الاستطرادات وفي المسائل الجانبية ولا نتصدى للقضايا الأساسية، وكثيرا ما يحدث هذا وفي البحوث نفسها. فلذلك – سيدي الكريم- إن الحزم في ضبط مسار الجلسة في إطارها الحقيقي وفيما تصدت له من موضوعات جليلة أمر نرجو أن نعين الرئاسة عليه ونرجو أيضا أن تمارس الرئاسة أصلا صلاحيتها فيه بكل حزم وقوة حتى نصل في موضوعاتنا هذه لأمر هدفنا إليه جميعا، تركنا أشغالنا وارتباطاتنا وهمومنا وقضايانا وجئنا نلتقي هنا لنصل إلى قرارات محددة في موضوعات مهمة، وحقيقة إن انفضاض جمعنا في بعض الموضوعات على التأجيل إذا كنا نستطيع أن نبت في الموضوع باستثمار الوقت استثمارا جيدا أمر منتقد وأنتم تعلمون حتى أنه في ميزان الله -جل وعلا- قد نقع في الإثم. إن تحديد المصطلحات وضبط محل البحث أمر في غاية الأهمية، وإن ضبط الجلسات –أيضا- أمر في غاية الأهمية. اسمح لي أن أقول في الموضوع المطروح هذا اليوم كلاما موجزا التزاما بأمر الرئاسة الجليلة بعد أن قلت هذا الكلام البسيط في موضوع المنهج. حقيقة أنا أستغرب مسارنا في هذا اللقاء.
نحن كمجمع ناقشنا مجموعة كبيرة من أعمال البنوك الإسلامية وأفتينا فتاوى واضحة محددة في إجازة كثيرة من هذه الأعمال وتكييفها، وإذا بنا في هذا اللقاء نرجع إلى الخلف ونناقش موضوع وجود البنوك الإسلامية وهو أمر من الناحية العلمية مستغرب!! أنا في ظني عندما طرح هذا الموضوع للبحث لم يكن المقصود تكييف الحسابات البنكية في البنوك الإسلامية ، هل هي قرض أم مضاربة؟ هذه قضايا جاوزناها، نحن نتكلم عن عشرات البنوك الإسلامية وبعد مسيرة جاوزت الخمسة عشر أو العشرين سنة في بعض الأحوال. إذن نحن نريد أن ندخل في تفاصيل العمل البنكي الإسلامي لنحزم الأمر فقها في كثير من القضايا التي تصدى لها مصرفيون لا يعرفون تفاصيل الفقه وأحكامه فارتجلوا القول في كثير من التفاصيل بما يصادر أصل الفكرة. ولذلك ما ظننت أن البحث -كما كان بالأمس في موضوع السلم – يريد أن يناقش بديهيات الموضوع وأصوله الأولى، يريد أن ينطلق انطلاقا إلى الأمام للوصول إلى مواقف محددة في قضايا مطروحة.
أنا أقول بالنسبة لهذا الموضوع كان يجب أن ينصب البحث –مثلا- على أسس الاختلاف بين الحسابات سواء كانت جارية أو استثمارية، وخاصة في الحسابات الاستثمارية. في الحسابات الجارية يجب أن يكون منحانا –كما أشار بعض الإخوة- إلى البحث عن العدالة أو عن مزيد من العدالة، مثل أن نتحدث عن موضوع التوسع في القروض الحسنة ما دام أن البنك كيفنا أن العملية الإيداعية عملية قرض، إذن يجب أن نتوسع في القروض الحسنة، ويلزم البنوك الإسلامية أن تلجأ إليها ويجب أن نحافظ على هذا ويجب أن تكون هيئات المودعين لهذه البنوك من الأمور التي تركز عليها هذا الأمر.
الاقتراض الذي اقترحه أستاذنا الشيخ الصديق، الاقتراض لحساب المضاربة من الودائع، هذا أمر في الواقع يجب أن نكيفه ونخرج بصورة محددة تنفع البنوك الإسلامية في التطبيق؛ لأن هذه الأموال التي تستخدمها هذه البنوك والتي تصل في بعض الحالات إلى ستة عشر ضعفا من رأس مالها، حقيقة ما تجنيه من أرباح من هذا الأمر تحت عبارة (الوديعة) حتى أن هنالك عملية تغرير في استخدام الموضوع. وقد اقترحت على أخي الدكتور سامي عند مناقشتنا في لجنة الفتوى لقانون البنك الإسلامي حتى ألا نستخدم هذه العبارة؛ لأن هذه العبارة مضللة، وتوهم بأن العملية عملية وديعة وهي حقيقة ليست إلا قرضا.
كثيرا من الآراء طرحت وتحتاج إلى تأمل ونظر ومناقشات وحوار، تمر هكذا بشكل عابر!! لا يجوز. يعني قضية حساب الأمانة الذي اقترحه أخي الدكتور سامي أيضا محل نقاش. الأمر الذي أعود وأكرره قضية الضمان في المضاربة المشتركة، أنا أذكر أنني التقيت في ندوات حول هذا الموضوع في خلال السنوات أكثر من ست أو سبع ندوات وانتهينا من هذا الموضوع، نعود مرة أخرى ونثيره ونتكلم حوله!!.
من الموضوعات التي يجب أن نوليها البحث ونصل فيها إلى قرار: معايير توزيع الأرباح. القضية كنت أتمنى أن يشير إليها الدكتور سامي في بحثه.
ما ألجأ إليه من توزيع اقترحه في حسابات الاستثمار في البنك الإسلامي الأردني حيث أعطى الحق للمودع في حساب استثماري أن يستثمر 90 % من ماله المودع لغرض الاستثمار فيما أسماه (الحساب لأجل) وأعطى لحساب التوفير 70 %، وتحت الإشعار 50 %. طيب، كيف استحل البنك الحسابات الجارية واعتبرناها له قرضا وقلنا له أرباحها لك؟ كيف يعود وحتى على الحسابات الاستثمارية ويأخذ نسبا منها معينة يخصصها للاستثمار وأخرى لا يخصصها للاستثمار تحت حجة أن المتعاقد أو المودع وقع على عقد والتزم بذلك؟ يعني لا بد من حس العدالة أن يقيم هذه العملية. ثم موضوع أسس حساب الأرباح. حقيقة حساب النمر ليس المقصود به عملية محاسبية في إطار البنك. حساب النمر –حقيقة- المراد به عدالة توزيع الأرباح أكثر من الصيغة التي اقترحت في بعض البنوك. هذا الأمر –في الواقع- إذا أوليناه نحن في مجمعنا عناية خاصة وخصصناه بالبحث في غاية الأهمية لأننا نقدم معالجة لمشكلات تعاني منها البنوك الإسلامية، وهذا يقود –كما نعلم جميعا- إلى موضوع التنضيض والخلاف بين الحقيقي والحكمي، وما أشار إليه أخونا الدكتور منذر، الوهمي، أيضا.
يعني وصلنا إلى درجة أن هنالك تنضيضا وهميا.
على أية حال لا أريد أن أطيل أكثر من ذلك لكن أحب في الواقع أن نسوق الجلسات إلى محاورها الرئيسية وأن يتوجه إليها وأن يتاح لنا في المجلس الحوار والمناقشة. القضية ليست أن أضع كل ما عندي ثم انتهى. القضية قضية نريد أن نبلور مواقف فقهية في غاية التحرير والدقة ولا يكون الأمر مؤجلا جميعه إلى الجلسة الختامية كيف سنستطيع في الجلسة الختامية أن نناقش كل شيء؟ وشكرا.
الرئيس:
في الواقع أن ما ذكره الشيخ عبد السلام كله صحيح ومسلم به وقد اتخذنا في دورات مضت قرارا بأن يلتزم أصحاب الفضيلة الذين يطلبون الكلمات بالموضوع ذاته.
هذا شيء. الشيء الثاني، على أن الذين يتفضلون في عرض البحوث أن يعرضوا البحث مختصرا ومعتصرا من جميع البحوث الموجودة، إما أن يأتي ببحث أو بتلخيص مضاعف وخارج عن الموضوع وحسب تصورات أو بدخول في غير اختصاصه، وهذه أشياء أظن أن من المؤكد أنها غير مقبولة في مجال البحث العلمي وفي مجال المناقشات وفي مجال المداولات. وفي الواقع أن الإنسان في مثل هذا الموقع يكون في حرج كبير؛ لأن أي متكلم ينفق مما يملك، فالتحكم في الناس إلى درجة فيها تقص فيها شيء من الصعوبة ولكن ينبغي أن تكون الجهود متضافرة ومتساعدة وأن تكون الكلمات في حدود الموضوع.
هناك نقطة مهمة لم يشر إليها الشيخ عبد السلام ولكن سبق الإشارة إليها في دورة مضت ولعلها في الدورة الرابعة أو الثالثة وكان قد أثارها الشيخ مصطفي الزرقا وهو تكثير الموضوعات في الدورة. تكثير الموضوعات في الدورة هو الذي يعطيها ضغطا في حجب عدد من الكلمات المطلوبة وفي عدم هضم عدد من القضايا التي تعرض. فمثلا في تجارة الذهب عرض اثنا عشر فرعا وكلها مهمة وتمس الحياة العملية وليس من المعقول أنها تناقش في جلسة واحدة.
صحيح أنها نالت حقها من البحث من أصحاب الفضيلة ونال عدد من قضاياها التمحيص والمناقشة، لكن بقي البعض يحتاج إلى مزيد من البحث فيقع تحت طائلة التأجيل؛ نظرا لأن الوقت انتهى والموضوع يأتي بعده. يعني لا تنتهي الأمور على هذا الشكل، فلو أن مثل هذه الموضوعات إذا كان متعدد الجوانب تكون له جلستان –صباحية ومسائية- ولا ضير أن المجمع ينصرف عن أربعة قرارات أو خمسة قرارات. المجمع الفقهي بمكة في دورة واحدة لم يصدر منه إلا قرارا واحدا. هيئة كبار العلماء في المملكة أذكر أنها في إحدى الدورات لم يصدر منها إلا قرارا واحدا، وفي بعض الدورات يصدر منها خمسة أو ستة أو ثمانية أو أربعة قرارات حسب استهلاك الوقت للقضية المعروضة والمطروحة. فعلى كل –إن شاء الله تعالى- هذه نواح تنظيمية ولا شك أنها مهمة وتؤخذ في الاعتبار.
الدكتور رفيق المصري:
بسم الله الرحمن الرحيم
عندي نقاط أرجو ألا أتعدى فيها دقائق معدودات وأرجو ألا أثقل عليكم ولا أملكم، لكني أقول: يا أيها العلماء ويا أيها الذين آمنوا لا تجعلوا الكلام دولة بين الأقوياء والأثرياء وذوي النفوذ فإن الإسلام يحمي الضعفاء ولا يقوي الأقوياء، حسبهم قوتهم. هذه هي النقطة الأولى.
النقطة الثانية: فضيلة سماحة مفتي مصر إنما تكلم به في هذه الجلسة مع تقديري الكبير له ولشخصه ولوظيفته ولبلده ولكنني أقول إنه قد نشره في عدة مرات في الصحف والمجلات وفي الكتب وكله عرفناه، فما أدري ما الذي يتوقع من إعادة الكلام في هذا الموضوع؟ كنت أتمنى من سماحته أن يأتينا بجديد.
النقطة الثالثة: في ورقة أخي الشيخ تقي العثماني التي عنيت بأحكام الودائع المصرفية وفي عرضه الذي قدمه اليوم استخدم مصطلحا إنجليزيا أو أمريكيا وهو products Daily ونحن مهامنا في هذا المجمع أن نعنى بالمصطلحات وأن نعنى بحسن ترجمتها، وقد سمعت الترجمة فقال: حساب الإنتاج اليومي، فارتكب –حفظه الله مع تقديري الكبير له- خطأين. أولا كلمة الإنتاج تقابلها كلمة production بالإنجليزية production بالفرنسية. أما الكلمة الصحيحة هنا هي (الناتج) product أو produit بالفرنسية. هذا هو الخطأ الأول. الخطأ الثاني كلمة product في اللغة الإنجليزية والأمريكية –وفي المجمع من هو أقوى مني في هذا لكنه لم ينبه إليه- كلمة prodway أو product لفظ مشترك يعني أحد معنيين:(الناتج بالمعنى الاقتصادي المعروف) و (الجداء) يعني حاصل الضرب.
والمقصود هنا ليس الناتج ولا الإنتاج، المقصود حاصل الضرب. والمعنى المقصود هو (جداء المبالغ بالأيام) فلو ترجمها بالجداء لكان أفضل.
النقطة الرابعة: يحسن التذكير –هذا اقتراح مني لإدارة الجلسة - في مطلع كل موضوع بالمسائل المطروحة من المجمع التي بلغت إلينا منذ شهور بل منذ سنة قبل البدء بعرض الأوراق حتى يتم التركيز عليها، كما يحسن أن تنشر في مجلة المجمع قبل نشر البحوث المتعلقة بها؛ لأن هذا جهد من المجمع، ولأن هذا يفيد أيضا في معرفة المسائل التي طلبها المجمع لكي تجري المقارنة بينها وبين الأوراق المقدمة.
النقطة الخامسة: طلب المداخلة والتعليق، هل يبدأ بعد الفراغ من العرض للأوراق؟ أرجو أن يكون نظام طلب المداخلة نظاما معلنا وواضحا.
النقطة السادسة: التعليق على الأوراق. هل هو تعليق على الورقة أم تعليق على مسائل مطروحة أم تعليق على مسائل خلافية لا يخرج التعليق عن الآراء المعروفة للفقهاء؟ أنا لا أدري، هل هناك ضوابط؟ أرجو أن تهتم إدارة الجلسة بهذا، ونرجو بيان هذه الأولويات للسادة الحضور بيانا واضحا صريحا.
النقطة السابعة: لم أفهم النقد الذي وجهه الدكتور سامي حمود لورقة الأستاذ الكبيسي لقد كان عرضه موجزا غير مفهوم مع أنه يدخل في اختصاصه واهتمامه.
النقطة الثامنة: حبذا لو حدد وقت أقصى لكل تعليق تعطى فيها الحرية للمعلق، وأن يراعى في التعليق ما له علاقة بالمسائل المطروحة وما يثير اهتمام جمهور الحضور؛ لأن الغرض أن الناس الذين حضروا هم متقاربون وعند التقارب والتنافس يحسن أن يكون هناك عدالة في توزيع الوقت.
النقطة التاسعة: القرض –وهذا تعليق على ما أبداه فضيلة الشيخ ابن منيع- الأصل فيه أنه صدقة وتبرع لا كما قال. ثم ورد هناك مصطلح آخر قد أثنى عليه الدكتور منذر القحف، وورد في ورقة الشيخ التسخيري – وأنا لم أطلع عليه- قال: حوض مضاربة، وأنا أقترح أن يكون وعاء مضاربة. وعاء أفضل من كلمة حوض، والله أعلم. تعليق أيضا على ما ذكره الشيخ التسخيري حول جوائز المودعين، وهذه المسألة كثيرا ما أقلقتني عندما كنت أقرأ التجربة الإيرانية هذه الجوائز قمار ولا ينفع فيها أن نقول: إن الأصل في الأشياء الإباحة أو الأصل في المعاملات الإباحة، بل الأصل هنا هو المنع؛ لأن الأمر متعلق بالجوائز ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل)) . العبارة (لا، إلا) .
فالأصل في السبق والسبق كما تعلمون المقصود فيه والراجح عند العلماء أن المقصود هنا السبق بعوض (السبتي بفتح الباء) . فالأصل في الجوائز المنع فعلى من أجازها أن يبين لنا الدليل المقنع ويرد على الشبهات.
النقطة العاشرة: ورد في تعليق الشيخ العثماني –حفظه الله- مع تقديري له عندما كان يعرف المطلوبات وهذه مسألة محاسبية قال عبارة: يتيقن الحصول عليها.
ليس هناك تيقن يا أيها الإخوان، المعاملات التجارية مبنية على غلبة الظن بل على الظن. فكلمة (تيقن) كلمة غير مناسبة أنا لا أكره متيقنا من الحصول على الديون والمطلوبات.
النقطة الحادية عشرة: حساب النمر. هذه ترجمة لكلمة numbers بالإنجليزية أو Daily product التي تقدمت. أنا لا أعلم حتى الآن وهذا يدخل في اختصاص علم الرياضيات المالية وهذه طريقة مقتبسة عن الغربيين في هذا العلم الذي طوروه هم، هي طريقة تقريبية عادلة ولكنهم يستخدمونها في حساب الفوائد ونحن نستخدمها في حساب الأرباح، ولا توجد طريقة حتى الآن –مع التقدير الكبير لما سمعته من الدكتور الضرير –أفضل منها، فأراها جائزة وعلى من أراد أن يلغيها أن يبين لنا طريقة أفضل منها.
النقطة الثانية عشرة: سحب الوديعة قبل المدة. سحب الوديعة قبل المدة –كما أشار إليه الدكتور الضرير- هذه قد تتخذ حيلة، فإذا ما شعر صاحب الوديعة أو اشتم أن هناك خسارة فإنه سيبادر إلى سحب وديعته وتكون وديعة مضمونة من ذلك الحساب الاحتياطي. وهذا الأمر فيه خطورة ويحتاج إلى بحث ولا يمكن التسليم به بكل سهولة.
الودائع التي اقترحها أن تكون في كل يوم في المصرف، أن تبدأ الوديعة في اليوم وأن تسحب بعد ستة أشهر في يوم معين هذا لا يلبي كل الأذواق وكل المعاملات التي نحتاج إليها. فلا بد من أن يكون هناك حسابات جارية والودائع في المصارف تدخل وتخرج في كل يوم، ومن الصعب الأخذ بهذه الاقتراحات.
النقطة الثالثة عشرة: أيضا كما ذكر الدكتور الضرير نظام الوحدات. قال: نظام الوحدات قد يغنينا عن حساب النمر ولكن لم يبين لنا ما هو مضمون هذا الحساب لعله أيضا على النمر. أنا لا أدري.
النقطة الرابعة عشرة: ضمان مال رب المال إذا كان من غير عامل المضاربة أي من طرف ثالث، هل يجوز؟ هذا سؤال موجه للدكتور الضرير وسائر العلماء الحضور المهتمين بهذا الموضوع.
النقطة الخامسة عشرة: الحساب الجاري أو الوديعة إذا جمدت، لماذا لا تأخذ حكم الرهن، فإنها مال محبوس يمنع صاحبه من السحب منه؟ أرجو النظر في هذه القضية.
وشكرا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور سامي حسن حمود:
بسم الله الرحمن الرحيم
شكرا يا سيادة الرئيس وأعانكم الله، إن تسامحتم لاموا وإن حزمتم ساموا.
وأحتفظ بدقائقي العشرة التي أعطيت متمثلا.
رئيس كريم وما يعطه
كريم المقام فإني رضيت
أبدأ في أخي الدكتور منذر وأشار إلى نقطتين هامتين هما:
النقطة الأولى: العدالة بالنسبة للحسابات الجارية. وهذه النقطة نقطة تنظيمية وليست نقطة فقهية لدى البنوك الإسلامية من إدخال حسابات التوفير، حسابات جارية استثمارية للشيكات وحسابات جارية ليست للشيكات ولكن للاستثمار ويكون فيها حق السحب، وكما تخفضت النسبة في التوفير إلى 50 % فتعطى الحسابات الجارية من غير الشيكات 30 % أو 20 % بقدر ما يقدر ونتمنى على الله أن تصل البنوك المركزية للدول الإسلامية وهي في اجتماع قادم سأشارك فيه –إن شاء الله- إلى طريقة تنظيم؛ لأنه لا يجوز أن تبقى البنوك الإسلامية خارج نطاق التنظيم تختار لنفسها ما تشاء وإنما تنظم أمورها وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
النقطة الثانية: مسألة التنضيض. قيل تنضيض حكمي وتنضيض وهمي، والحقيقة التي نسير عليها، يعني الذي يقول: إنه يشتري المضاربة الطارئة الجديدة بحقوق المضاربة السابقة هذا هو التنضيض الوهمي. التنضيض الذي نتكلم فيه من واقع معرفتي كمحاسب قبل ثلاث وثلاثين سنة رئيس قسم محاسبة في المركز الرئيسي في البنك
…
أريد أن يعرف الأعضاء أنني لو غششت الدنيا ما غششتكم، أن قضية المحاسبة –التي يسير عليها البنك الذي وضع نظامه بمعرفة لجنة الفتوى- هي مبنية على التحقيق في الأرباح، ليس هناك تنضيض حكمي في البنك الإسلامي الأردني وإن شاء الله هيئة المعايير تعلم هذه وتأخذ بها، كل عملية بعمليتها، ما يتم المحاسبة إليه في هذا العام من عمليات المضاربة والمشاركة والمرابحة تدخل، وما لم تتم تصفيته لا يفترض فيه ربح؛ لأن الربح المفترض من فهمي لقواعد الفقه الإسلامي التي أعتز بها أنه غير مقبول.
أخي الدكتور علي السالوس أكتفي بشكره، وأخي الشيخ عبد الله بن منيع أشكره وأعلق. الحديث الذي تحدث فيه أكثر من شخص الذي قال إنه (كل قرض جر منفعة فهو ربا) الصحيح أني أرجو أن أعتذر من الذين قالوا: إنه لا يجوز لأحد أن يقلل من شأن القول الذي تلقته الأمة بالقبول. أقول: نعم، وأنا لا أقول بالتقليل ولكن أقول بالتبجيل، فإن مثل هذا القول الذي ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أخذناه بالمفهوم، ورب مبلغ أوعى من سامع، هو الذي يقول، فأنا من المبلغين، هذا الذي يقول:(كل قرض جر منفعة فهو ربا)، أقول: أي نفع؟ هل هو النفع المادي أو النفع المعنوي؟ إذا أقرضت شخصا وشكرني هو نفع. فالمقصود في الحديث –الذي يقال إنه حديث- النفع المادي، والنفع لمن؟ للمقرض، والنفع المادي المشروط؛ لأنه يجوز لي أن أوفي الدين بأخير منه (وخياركم أحسنكم قضاء) ، فكل هذه الإضافات لا تستقيم حسب فهمي المتواضع، لو قارنا ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم :((إنما الأعمال بالنيات)) . أضف كلمة واحدة: لا تستطيع، أوتي الكلم الطيب وأوتي أحسن الكلام فعندما وجدت هذه الإضافات التي يحتاجها القول دخلت في كتب الرواية وتعلمت فوجدت من يقول إن فيه ضعفا وإن
…
الرئيس:
يا أستاذ سامي اترك الحديث هو معروف بحثه ومستقر عند أهل الاختصاص في هذا المجمع فاترك الأمر. ليس بيننا خلاف فيه.
الدكتور سامي حسن حمود:
طيب. القاضي العثماني ذكر عن نقطة ضمان الحسابات الجارية وتحميل ذلك على المساهمين والمودعين معا؛ لأن الغرم بالغنم. أيضا قضية تتصل بالمحاسبة. عندما نقول: إن الحسابات الجارية مضمونة على البنك فإن الربح الذي يدخله الجزء يخص هذه الحسابات الجارية هو للبنك، وعندما يتم التوزيع يتم التوزيع كالتالي: مجموع خلاصة حسابات الاستثمار في البنك يأخذ منها البنك أولا نصيبه كمضارب 20 %، بقيت 80 % الثمانون هي حق المال الذي دخل في الاستثمار فنأتي إلى هذا المالي من له في المال حق من المودعين المستثمرين؟ لهم نسبة 50 % وللبنك 20 % ورأس المال 30 % من الأموال التي أخذها من الحسابات الجارية بالضمان فإذن له خمسون، فيأخذ بحصته أصلا في ملك وحصته تبعا في ضمان ويشارك بالمال، ومراعاة للعدالة قلنا: إن الأولوية تعطى للذين قدموا للاستثمار، فتعطى الأولوية في مراعاة حسابات الاستثمار للمستثمرين، وهذا هو الذي يزيح الإشكال. أما مسألة الظفر وتطبيقها على حسابات البنوك فليست القضية قضية تربص. البنك يحترم كلمته ويحترم عقوده، ولكن كونوا حذرين فكل فتح حساب يوقع عليه البنك والمدير يبتسم، هناك شروط تعطى للبنك بأن يقيد على حسابه المفتوح لديه كل ما يستحق للبنك على هذا الحساب. فإذا استحقت كمبيالة في موعدها أو جاءت عليه بوليصة –يكون تاجرا- فيقيدها البنك على الحساب ليس تربصا وظفرا ولكن بموجب الاتفاق المبتدأ. إذا كان الناس لا يقرؤون فالقانون لا يحمي المغفلين، ولكن هذه الشروط موجودة وتطبقها البنوك، وإذا لم يكن هذا النص قائما وموجودا فالبنك لا يملك أبدا أن يقيد على حسابي أي شيء وأورده بحكم القضاء.
وشكرا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،،
الرئيس: شكرا.
لعلكم ترون أن نكتفي بهذا.
بسم الله الرحمن الرحيم
في الواقع حرصت على أن تتألف اللجنة من الوجهات المتقابلة في البحوث والمناقشة، فتكون اللجنة كالآتي من أصحاب الفضيلة: العارض، المقرر، الشيخ الصديق، الشيخ علي السالوس، الشيخ تقي العثماني، الشيخ سعود الثبيتي، الدكتور القري ابن عيد.
وبهذا ترفع الجلسة، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه
قرار رقم: 90 / 3 / د 9
بشأن (الودائع المصرفية حسابات المصارف)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1 إلى 6 ذي القعدة 1415 هـ، الموافق 1-6 أبريل 1995 م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: (الودائع المصرفية (حسابات المصارف)
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،
قرر ما يلي
أولا: الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) سواء أكانت لدى البنوك الإسلامية أو البنوك الربوية هي قروض بالمنظور الفقهي، حيث إن المصرف المتسلم لهذه الودائع يده يد ضمان لها هو ملزم شرعا بالرد عند الطلب.
ولا يؤثر على حكم القرض كون البنك (المقترض) ، مليئا.
ثانيا: إن الودائع المصرفية تنقسم إلى نوعين بحسب واقع التعامل المصرفي:
أ - الودائع التي تدفع لها فوائد، كما هو الحال في البنوك الربوية، هي قروض ربوية محرمة سواء أكانت من نوع الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) ، أم الودائع لأجل، أم الودائع بإشعار، أم حسابات التوفير.
ب - الودائع التي تسلم للبنوك الملتزمة فعليا بأحكام الشريعة الإسلامية بعقد استثمار على حصة من الربح هي رأس مال مضاربة، وتنطبق عليها أحكام المضاربة (القراض) في الفقه الإسلامي التي منها عدم جواز ضمان المضارب (البنك) لرأس مال المضاربة.
ثالثا: إن الضمان في الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) هو على المقترضين لها (المساهمين في البنوك) ما داموا ينفردون بالأرباح المتولدة من استثمارها، ولا يشترك في ضمان تلك الحسابات الجارية المودعون في حسابات الاستثمار؛ لأنهم لم يشاركوا في اقتراضها ولا استحقاق أرباحها.
رابعا: إن رهن الودائع جائز، سواء أكانت من الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) أم الودائع الاستثمارية، ولا يتم الرهن على مبالغها إلا بإجراء يمنع صاحب الحساب من التصرف فيه طيلة مدة الرهن. وإذا كان البنك الذي لديه الحساب الجاري هو المرتهن لزم نقل المبالغ إلى حساب استثماري؟ بحيث ينتفي الضمان للتحول من القرض إلى القراض (المضاربة) ويستحق أرباح الحساب صاحبه تجنبا لانتفاع المرتهن (الدائن) بنماء الرهن.
خامسا: يجوز الحجز من الحسابات إذا كان متفقا عليه بين البنك والعميل.
سادسا: الأصل في مشروعية التعامل الأمانة والصدق بالإفصاح عن البيانات بصورة تدفع اللبس أو الإيهام وتطابق الواقع وتنسجم مع المنظور الشرعي، ويتأكد ذلك بالنسبة للبنوك تجاه ما لديها من حسابات لاتصال عملها بالأمانة المفترضة ودفعا للتغرير بذوي العلاقة.