المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأسرة ومرض الإيدزإعدادالدكتور جاسم علي سالم - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد التاسع

- ‌بحث فيالذهب في بعض خصائصه وأحكامهإعداد الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌تجارة الذهبفي أهم صورها وأحكامهاإعدادد. صالح بن زابن المرزوقي

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعدادد. الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعدادد. محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌السلم وتطبيقاته المعاصرةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعداد الشيخ حسن الجواهري

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعداد نزيه كمال حماد

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. سامي حسن حمود

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. حسين كامل فهمي

- ‌الحسابات والودائع المصرفيةإعدادد. محمد علي القري

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. حمد عبيد الكبيسي

- ‌الودائع المصرفية(تكييفها الفقهي وأحكامها)إعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌أحكام الودائع المصرفيةتأليفالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌الحسابات الجاريةوأثرها في تنشيط الحركة الاقتصاديةإعدادد. مسعود بن مسعد الثبيتي

- ‌الاستثمار في الأسهموالوحدات والصناديق الاستثماريةإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌ موضوع الاستثمار في الأسهم

- ‌الاستثمار في الأسهمإعدادد. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثماريةإعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌مناقصات العقود الإداريةعقود التوريد ومقاولات الأشغال العامةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌المناقصات(عقد الاحتياط ودفع التهمة)إعدادالشيخ حسن الجواهري

- ‌انخفاض قيمة العملة الورقية بسبب التضخمالنقدي وأثره بالنسبة للديون السابقةوفي أي حد يعتبر الانخفاض ملحقاً بالكسادإعدادالدكتور مصطفى أحمد الزرقا

- ‌التضخم والكسادفي ميزان الفقه الإسلاميإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌حكم ربط الحقوق والالتزاماتبمستوى الأسعارإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌أثر التضخم والكسادفي الحقوق والالتزامات الآجلةوموقف الفقه الإسلامي منهإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌مفهوم كساد النقود الورقيةوأثره في تعيين الحقوق والالتزامات الآجلةحدود التضخمالتي يمكن أن تعتبر معه النقود الورقية نقودًا كاسدةإعدادالدكتور ناجي بن محمد شفيق عجم

- ‌كساد النقود الورقية وانقطاعها وغلاؤها ورخصهاوأثر ذلك في تعيين الحقوق والالتزاماتإعدادالدكتور محمد علي القري بن عيد

- ‌كساد النقود وانقطاعهابين الفقه والاقتصادإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ خليل محي الدين الميس

- ‌سد الذرائعإعدادأ. د وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ محمد الشيباني بن محمد بن أحمد

- ‌سد الذرائععند الأصوليين والفقهاءإعدادالأستاذ الدكتور خليفة بابكر الحسن

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ مجاهد الإسلام القاسمي

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور علي داود جفال

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌مقارنة بين الذرائع والحيلومدى الوفاق والخلاف بينهماإعدادحمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ الدكتور الطيب سلامة

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور أحمد محمد المقري

- ‌مبدأ التحكيمفي الفقه الإسلاميإعدادالمستشار محمد بدر يوسف المنياوي

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميمبدؤه وفلسفتهإعدادالدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري

- ‌التحكيمإعدادالأستاذ الدكتور عبد العزيز الخياط

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعداد الأستاذ محمود شمام

- ‌نقص المناعة المكتسبة(الإيدز)أحكامه وعلاقة المريض الأسرية والاجتماعيةإعدادالدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌الأسرة ومرض الإيدزإعدادالدكتور جاسم علي سالم

- ‌إجراءات الوقاية الزوجية في الفقه الإسلاميمن مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)إعدادالشيخ أحمد موسى الموسى

- ‌ملخصلأعمال الندوة الفقهية السابعة

- ‌الإيدز ومشاكله الاجتماعية والفقهيةوثيقة مقدمة منالدكتور محمد علي البار

الفصل: ‌الأسرة ومرض الإيدزإعدادالدكتور جاسم علي سالم

‌الأسرة ومرض الإيدز

إعداد

الدكتور جاسم علي سالم

مدرس قانون المعاملات المدنية

بكلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات العربية المتحدة

بسم الله الرحمن الرحيم

الأسرة ومرض الإيدز

مقدمة:

إن الأمراض الوبائية غير محددة، وتختلف في مدى خطورتها على الإنسان وحياته، بل المرض الواحد منها قد تختلف درجة خطورته من إنسان إلى آخر حسب الصحة الجسمانية للمصاب بالمرض.

ونرى أن خطورة المرض تأتي من كونه ينتقل بالعدوى، ذلك لأنه سيخلق الرعب والخوف من احتمال انتقاله، وإن كان لم ينتقل حقيقة.

ويخفف من ذلك إمكانية الحد منه بمعرفة طرق انتقاله والسيطرة عليه.

والإيدز الذي يسمى طاعون العصر يعرف بأنه مجموعة أعراض متزامنة للنقص المكتسب في المناعة (1) ، إنه مجموعة أعراض وليس مرضًا محددًا واحدًا، ولا يتأتى عن جرثومة ولا عن مورثة، إنما هو مجموعة متعددة العوامل من الأعراض لها تعريفها الخاص (2) .

والإيدز لم يعد كما كان متصورا في السابق أن طريق انتقاله من المصاب إلى السليم عن طريق الاتصال الجنسي، فنقل الدم والحمل والرضاع والصلة الحميمة بين الأم والطفل، قد تسبب هذا المرض (3) .

وقد ينتقل عن طريق المخدرات والإبرة المستعملة وغير ذلك من الأجهزة الملوثة، والإيدز لم يصبح مشكلة صحية يعاني منها المصابون به أو المتصلون به فقط، بل الإيدز الآن مشكلة اقتصادية واجتماعية.

فهو مشكلة اقتصادية من حيث تطلبه للميزانيات العالية التي يجب أن تخصص لمرض الإيدز. والمصيبة الأكبر إذا كان أكثر المصابين به هم الشباب والذين يعتبرون عماد الدولة ومركز نمائها، حيث ذكر في بعض الإحصائيات أن 92 % من المصابين به في أمريكا هم الأفراد ما بين سنة 17 – 49 (4) .

والإيدز كذلك مشكلة اجتماعية مرعبة، إذ هذا المرض لا يؤثر فقط في المصاب بل في المجتمع برمته فهو مرض اجتماعي نفسي أيضًا، ووجود هذا المرض كشف زيف الحريات الشخصية والتي يستظل بها الشاذون والداعرون والمدمنون، ومن هنا بدأت المجتمعات تحاول أن تبني الجانب الأخلاقي المفقود، وتنفق في سبيل ذلك الأموال الطائلة، وتجدد التعاليم الدينية والأخلاقية المفقودة، وتحاول إعطاء المدرسة والجامعة دورًا رئيسيًا في هذا البناء المجتمعي.

(1) ومرض الإيدز نقص المناعة المكتسبة ترجمته Acquired Immune Dificiency وكلمة إيدز مأخوذة من الحروف الأولى من هذه الكلمات باللغة الإنجليزية، انظر د. عبد الهادي مصباح المهدي، الإيدز بين الرعب والاهتمام والحقيقة ص:14.

(2)

عالم بدون إيدز، ليون شايتو وسيمون مارتن مؤسسة الأبحاث اللغوية ص: 7

(3)

د. محمد علي البار، الأمراض الجنسية أسبابها وعلاجها ص 143 – 145

(4)

انظر د. عبد الهادي مصباح المهدي، د. محمد علي البار، الأمراض الجنسية أسبابها وعلاجها ص 20

ص: 2015

على كلٍ فهو مرض يجدر أن تبحث آثاره الاجتماعية، وكذلك الشرعية والقانونية وما ينتج عنه من مسؤوليات جنائية أو مدنية أو شرعية، وستكون دراستنا هنا الإيدز وأحكام الأسرة نتناول فيها موضوعات عديدة وهي كالآتي:

1-

مدى جواز إلزام الزوجين بالفحص الطبي قبل الزواج.

2-

وجوب إعلام الزوج المصاب زوجته بمرضه.

3-

هل للولي أن يمنع عقد زواج موليته من مصاب الإيدز؟

4-

طلب الزوج السليم الفرقة إذا أصيب الآخر بالإيدز.

5-

هل أسباب الفرقة للعيوب محصورة فيما ذكره الفقهاء من عيوب أم تتعدى لغيرها لذات العلة؟

6-

تواجد فيروس الإيدز في لبن المرضع.

7-

مدى جواز حضانة المصابة بالإيدز للطفل السليم.

أولًا: مدى جواز إلزام الزوجين بالفحص الطبي قبل الزواج

إن الله سبحانه وتعالى قد مَيَّزَ الإنسان عن غيره من المخلوقات بميزات كثيرة أهمها العقل المفكر الذي هو مناط الأحكام، إذ غير العاقل في الأصل لا يؤاخذ على تصرفاته، لذلك يجب إعمال العقل في تحقيق مصلحة الإنسان، والمصلحة تستوجب أن يكون هو إلزام الشارعين في الزواج بإجراء الفحص الطبي للتأكد من الخلو من الأمراض الخطيرة والخبيثة، والفحص هنا لن يتوقف على مرض الإيدز بل سيشمل أمراضًا كثيرة لا بد من التأكد منها خاصة أنها أصبحت ظاهرة، مثل الإنيميا المنغلية والتي إذا تواجدت في الزوجين جاء الأبناء ضعافًا مرضى، مهددين بالموت أو العيش غير أصحاء، ونرى أن كثيرًا من الأمراض التي قيل عنها إنها انقرضت قد صحت مرة أخرى، فما دام العلم يستطيع أن يكشف لنا ذلك على وجه الدقة في كثير من الأحيان فلا موازنة في أعمال الكشف الطبي قبل عقد الزواج (1) .

والكشف الطبي للتأكد من خلو الزوجين من الموانع المرضية يقع تحت قاعدة: (لا ضرر ولا ضرار) . . . . (2) .

(1) انظر كتاب الدكتور عبد الرحمن الصابوني في أحكام الزواج في الشريعة الإسلامية وما عليه العمل في دولة الإمارات العربية المتحدة – مكتبة الفلاح ص 272 – 273. وقد أوضح بأن قانون الأحوال الشخصية السوري وضع شروطًا تسبق العقد (وسميت الشروط القانونية لعقد الزواج) ومنها شهادة من طبيب يختاره الطرفان بخلوهما من الأمراض السارية ومن الموانع الصحية للزواج. وللقاضي التثبت من ذلك بمعرفة طبيب يختاره، ويقول الأستاذ الصابوني: إن تقريرًا من طبيب لا يؤخر زواجًا ولكنه يعطي صوره واضحة لكل من راغبي الزواج عن شريك حياته المقبل، والشريعة الإسلامية تتقبل كل ما هو نافع ومفيد للفرد والأسرة في هذا المضمار ولو لم ينص عليه الفقهاء.

(2)

وهو بلفظ حديث أخرجه أحمد في مسنده وابن ماجة عن ابن عباس وأخرجه ابن ماجة أيضًا عن عبادة، وأخرجه ابن أبي شيبة والحاكم والدارقطني. وحسنه عدد من العلماء وقال العلائي: للحديث شواهد تنتهي مجموعها إلى درجة الصحة أو الحسن المحتج به، نقلًا عن شرح القواعد الفقهية للشيخ أحمد الزرقا ص 417.

ص: 2016

وقد سيق ذلك بأسلوب نفي الجنس ليكون أبلغ في النهي (1) .

وكذلك على أساس قاعدة (دفع الضرر المتوقع مستقبلًا) وهو الضرر الذي لم يقع بعد، ولكن ظروف الحال تنبئ بوقوعه، فإذا كان الضرر سيقع لا محالة فإن دفعه يكون حقًا (2) .

وكذلك قاعدة (الضرر يزال) . . . . أي يجب إزالته باعتبار أن الأخبار في كلام الفقهاء للوجوب (3) .

وإذا ظن البعض أن هذا الأمر فيه تكلف ومشقة على الراغبين في الزواج، فإن التأكد من السلامة أمر أكثر أهمية حتى لا يقع ما يندم عليه، وكل ذلك يخضع تحت قاعدة الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف ويقال: إذا تعارض مفسدتان روعي عظمهما بارتكاب أخفهما (4) .

وهذا الأمر إذا كان لم ينص عليه الشرع أو لم يذكره الفقهاء السابقون إلا أنه بتحقيقه المصلحة العامة للمجتمع يقع تحت مضمون القاعدة التي تقول: التصرف على الرغبة منوط بالمصلحة (مادة 58 من مجلة الأحكام العدلية) .

ونضيف في ختام هذه المسألة ما جاء في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة تحت مسائل في الفقه كالآتي: حكم الشرط القاضي بتحليل دم الزوج للتأكد من سلامته من مرض نقص المناعة.

ومفاد هذه المسألة أن شابًا تقدم إلى أب يطلب يد ابنته للزاج، فسأل هذا أن يحضر شهادة عن تحليل دمه موثقة من مستشفى أو مختبر معترف بهما تثبت أنه سليم من مرض نقص المناعة، فاعترض الشاب على ذلك بحجة عدم لزوم هذا الشرط من الناحية الشرعية – فما هو الحكم في ذلك؟.

الجواب على ذلك جواز هذا الشرط.

فمن حيث العموم يحق للعاقد عند عقده اشتراط ما يراه في مصلحته أو مصلحة من ينوب عنه، على ألا يكون في هذا الشرط ما ينافي الأحكام الشرعية استدلالًا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:((المسلمون على شروطهم إلا شرطًا حرم حلالًا أو أحل حرامًا)) . . . . (5) .

(1) وهو بلفظ حديث أخرجه أحمد في مسنده وابن ماجة عن ابن عباس وأخرجه ابن ماجة أيضًا عن عبادة، وأخرجه ابن أبي شيبة والحاكم والدارقطني. وحسنه عدد من العلماء وقال العلائي: للحديث شواهد تنتهي مجموعها إلى درجة الصحة أو الحسن المحتج به، نقلًا عن شرح القواعد الفقهية للشيخ أحمد الزرقا ص113.

(2)

د. محمد شتا أبو سعد، لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ص 6

(3)

نقلًا عن أحمد الزرقا، د. محمد شتا أبو سعد، لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ص 125

(4)

نقلًا عن أحمد الزرقا، د. محمد شتا أبو سعد، لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ص 147

(5)

فتح الباري بشرح صحيح البخاري ج 4، ص258

ص: 2017

ومن حيث الخصوص يحق لأب المرأة أو وليها اشتراط ما يراه لمنفعتها عند عقد زواجها ما لم يكن في ذلك أيضًا مخالفة للأحكام الشرعية استدلالًا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عقبة بن عامر أنه قال: ((أحق الشروط أن تفوا بها ما استحللتم به الفروج)) . . . . (1) .

ثم ذكر أن الشروط لمنفعة الزوجة على ثلاثة أوجه، وذكر في الوجه الثالث: أن يتشرط الأب عليه (أي على المتقدم للزواج) ما فيه دفع ضرر محتمل عنها مثل معرفة قدرته على انجاب الولد أو سلامته من الأمراض مثل الجذام أو نقص المناعة محل السؤال أو أي مرض آخر ينتقل إليها منه فيعرض حياتها للخطر، ذلك أن الأصل دفع الضرر متى كان من الممكن دفعه، فالأب ومن في حكمه أمين على موليته، فإذا خشي عليها من احتمال انتقال العدوى إليها من الزوج وجب عليه الاحتراز من ذلك ابتداء بالتثبت من سلامة الزوج، ولما كانت بعض الأمراض – كما هو الحال في مرض نقص المناعة – من الأمراض المعدية ولا تظهر آثاره إلا بعد مدة من الزمن، ولما كان وجوده من عدمه يتطلب فحص الدم وتحليله حق للأب ومن في حكمه أن يشترط على من يريد الزواج من ابنته سلامته منه، بل الواجب على طالب الزواج أن يكشف ما قد يكون لديه من الأمراض أو العيوب، فقد روي أن عمر رضي الله عنه بعث رجلًا على بعض السقاية فتزوج من امرأة وهو عقيم فقال له عمر: هل أعلمتها أنك عقيم؟ قال: لا، قال: فأعلمها ثم خيرها (2) .

وقال أبو محمد صاحب الإمام أبي حنيفة ينبغي خلو الزوج من كل عيب لا يمكن الزوجة المقام معه إلا بضرر كالجنون والجذام، وجعل الشرط لها في ذلك أوجب من شرط الزوج له، ذلك أن هذا يمكنه دفع الضرر عن نفسه بالطلاق لأنه بيده والمرأة لا يمكنها ذلك لأنها لا تملك الطلاق (3) .

ويرى الإمام ابن تيمية أن الأصل في الشروط الصحة واللزوم ما لم يدل الدليل على خلافه، وذكر ما قيل بأن الأصل في الشروط عدم الصحة إلا ما دل الدليل على خلافه، ورأى أن القول الأول هو الصحيح إذا لم يكن المشروط مخالفًا لكتاب الله (4) .

(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ج 5 ص 380

(2)

مصنف عبد الرزاق ج 6 ص 162

(3)

بدائع الصنائع ج 2 ص 326 – 327؛ وكذلك نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ج 6 ص 256 – 308 – 312

(4)

مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع عبد الرحمن بن قاسم ج 29 ص 346 – 347؛ كذلك زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم ج 4، ص 4- 5

ص: 2018

وخلاصة المسألة أن شرط الأب ومن في حكمه على طالب الزواج من ابنته إثبات سلامته من مرض نقص المناعة شرط صحيح، وإذا ثبت بعد الزواج أن الزوج مصاب بهذا المرض – أو أي مرض معد آخر– حق للزوجة فسخ عقد النكاح، أما إذا كان المرض عضالًا غير معد فلها الخيار وللزوج كذلك عندما تكون هي المريضة.

فإن قيل فما الحكم إذا طلب راغب الزواج إثبات سلامة الزوجة من هذا المرض خاصة إذا كانت مطلقة؟ فالجواب يجوز له ذلك، إذا فالحكم في كلتا الحالتين واحد؛ طالما أن المقصود هو التحرز من مرض عضال ينتقل بالعدوى ويؤدي للضرر بأحد الزوجين (1)

ثانيا: وجوب إعلام الزوج المصاب زوجه

وهذه نقطة تترتب على سابقتها، فلو أن أحد الزوجين أصيب بمرض الإيدز وعلم به بعد الفحص فهل من حقه كتم هذا المرض عن أسرته وخاصة زوجه مع العلم أنه قد تنتقل آثار هذا المرض إلى السليم عن طريق المعاشرة الجنسية مثلًا؟ فالجواب هو الوجوب بالإفضاء وعدم إخفائه وذلك للأدلة الشرعية والعقلية التالية:

1-

روي أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من بين غفار، فلما دخل ووضع ثوبه وقعد على الفراش أبصر بكشحها بياضًا (أي البرص) فانحاز عن الفراش ثم قال:((خذي عليك ثيابك ولم يأخذ مما أتاها شيئًا)) . . . . (2) .

وفي رواية ((الحقي بأهلك)) وزاد البيهقي: (فلما أدخلت رأى بكشحها وضحًا فردها إلى أهلها وقال: ((دلستم علي)) ) (3) .

(1) مجلة البحوث الفقهية المعاصرة تصدرها المملكة العربية السعودية العدد 11 السنة 3 -أكتوبر – نوفمبر – ديسمبر 1991 مسائل في الفقه ص 177 – 179

(2)

الشوكاني نيل الأوطار ج 6 ص 176 – 177

(3)

البيهقي السنن الكبرى ج 7 ص 214

ص: 2019

والتدليس هو الغش بحيث يخفى العيب المعلوم عند التعاقد من قبل الطرف الآخر لكونه مؤثرًا في محل العقد، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من غشنا فليس منا)) . . . . (1) .

2-

وعن أنس بن مالك أن عمر بعث رجلًا على بعض السقاية فتزوج امرأة وكان عقيمًا فقال له عمر: أعلمتها أنك عقيم؟ قال: لا، قال فانطلق فأعلمها ثم خيرها (2) .

وكذلك ما ورد عن سليمان بن يسار أن ابن سندر تزوج امرأة وهو خصي فقال له عمر أعلمتها؟ قال: لا، قال: أعلمها ثم خيرها (3)

وعن سعيد بن المسيب أنه قال: أيما رجل تزوج امرأة، وبه جنون، أو ضرر، فإنها تخير فإن شاءت رضيت، وإن شاءت فارقت (4) .

ومن الممكن الاستفادة هنا أن أمير المؤمنين ارتأى عدم جواز إخفاء العقم عن الزوجة، وهو أمر قد يكون ضرره مقصورًا على النفس، فكيف لمرض يؤثر على البدن والنفس تأثيرًا خطيرًا قد ينتج عنه الموت وفقًا للمسلمات الطبية؟!

3-

وقد روي كذلك عن عمر: إذا تزوج الرجل المرأة وبها جنون أو جذام أو مرض أو قرن، فإن كان دخل بها فلها الصداق بمسه إياها، وهو له على الولي (5) .

كأنه هنا أوجب على الولي أن يخبر الخاطب قبل الدخول، ولكن إن لم يخبره ودخل بها كان على الولي دفع المهر الذي قدمه للزوجة، وطبعًا هذا إذا كان الزوج لم يكن عالمًا بالمرض قبل الدخول بها وإلا سقط بها حقه برضائه الضمني وهو الدخول بها بعد علمه.

(1) وقد أخرج مسلم هذا الحديث بقصته في الصحيح: حيث ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بلللًا، فقال:(ما هذا يا صاحب الطعام؟) قال: أصابته السماء يا رسول الله؛ قال: (أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غشني فليس مني) . . . . ج 2 ص 109 بشرح النووي – نيل الأوطار ج 5 ص 239

(2)

مصنف عبد الرزاق ج 6 ص 162 و 253، المحلى ج 10 ص 61، كذلك موسوعة فقه عمر عصره وحياته للدكتور محمد رواس قلعة جي ص 630

(3)

المغني ج6 ص 652

(4)

موطأ مالك رواية يحيى بن يحيى الليثي ص 384 / 1188

(5)

سنن البيهقي ج 7 / 215 و 135؛ والمغني ج 6 ص 656؛ وعبد الرزاق ج 6 ص 244

ص: 2020

4-

وكذلك فإن حديث ((لا ضرر ولا ضرار)) . . . . (1) . والمقصود بلا ضرر: أنه لا يجوز الإضرار ابتداء بمعنى أنه لا يجوز للإنسان أن يضر شخصًا آخر في نفسه وماله لأن الضرر ظلم والظلم ممنوع في كل دين (2)، وأما قوله ولا ضرار: فإنه لا يجوز مقابلة الضرر بمثله هوهو الضرار، كما لو أضر شخص آخر في نفسه وماله لا يجوز للشخص المتضرر أن يقابل ذلك الشخص بضرر، بل يراجع الحاكم ويطلب إزالة الضرر (3) .

ونقل مرض الإيدز ضرر وأي ضرر، فيمتنع على الإنسان نقله إلى الآخرين وعليه إعلامهم به في الحالة التي لا يجوز السكوت عنها كتجنيبه المخالطة معه.

وعدم الإفضاء يعد تدليسًا، فيذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه إذا دلس أحد الزوجين على الآخر، بأن كتم عيبًا فيه، يثبت الخيار، لم يعلمه المدلس عليه وقت العقد ولا قبله وهو خيار فسخ النكاح (4) .

وقد جاء في المادة 186 من قانون المعاملات المدنية الإماراتي (يعتبر السكوت عمدًا عن واقعة أو ملابسة تغريرًا إذا ثبت أن من غرر به ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة (. . . . وهنا تتحقق الوسيلة التغريرية المطلوبة بمجرد كتابة أمر يجب الإفصاح عنه عمدًا (5) .

وهذا الالتزام قد يجد مصدره في طبيعة عقد النكاح الذي يتطلب درجة عالية من الثقة بين طرفيه مما يفرض على كل منهما الإفضاء للآخر بالمعلومات المؤثرة في العقد.

ولنا أن نتساءل: هل عدم الإفضاء يرتب المسؤولية المدنية الشرعية؟

أما المسؤولية المدنية: والجنائية، فإننا نقول نعم وفقًا لأحكام الديات والأروش وحكومة العدل، ونعلم أن من مقاصد الشرع رفع الظلم وجبر الضرر، ونحن هنا لن نبحث هذه الموضوعات باعتبار أن موضوعنا هو في أحكام الزواج، أما مسألة الميراث، فإذا كان المتسبب في إصابة الآخر بالإيدز هو الزوج مثلًا بحيث أصاب زوجته وماتت بهذا المرض قبله فهل يرثها؟ وإذا كان قد ترتب عليه دفع الدية، فهل يرث من الدية؟

(1) أخرجه مالك في الموطأ ج 2 ص 745 من حديث يحيى المازني مرسلًا، ولكن له شواهد موصولة يتقوى بها وقد أصبح قاعدة عامة.

(2)

على حيدر درر الحكام بشرح مجلة الأحكام، الكتاب الأول قاعدة 19 ص 32

(3)

علي حيدر درر الحكام بشرح مجلة الأحكام، الكتاب الأول قاعدة 19 ص 33.

(4)

روضة الطالبين ج 7 ص 176 – 183؛ مغني المحتاج ج 6 ص 202 – 208؛ قليوبي عميرة ج 3 ص 261؛ مطالب أولي النهي ج 5 ص 141 – 150؛ شرح الزرقاني لموطأ مالك ج 3 ص 235 – 243؛ المغني ج 6 ص 650

(5)

الأستاذ الدكتور مصطفى الجمال أحكام المعاملات المدنية في إطار الفقهين الإسلامي والغربي وقانون المعاملات المدنية الإماراتي مصادر الالتزام ص 237، انظر الالتزام قبل التعاقد للدكتور نزيه صادق المهدي ص 274

ص: 2021

يجب علينا هنا أن نوضح بأن الزوجة التي ماتت بسبب الإيدز الذي نقله إليها زوجها وهو يعلم بإصابته، أو كان يفترض علمه باعتبار مخالطته للمومسات في بلد أو منطقة اشتهر إصابة النساء العاهرات بالإيدز.. فلا يعد هذا قتل خطأ، فهو قتل عمد على اعتبار تجريح موت الشخص نتيجة لإصابته بهذا المرض (1) .

فإذا قلنا بذلك فإن الأحناف قد بينوا بأن القتل الذي يمنع الميراث هو القتل العمد العدوان، والقتل الذي يشبه العمد، والقتل الخطأ، والقتل الذي يشبه الخطأ، أو ما جرى مجرى الخطأ (2) .

ويذهب المالكية والحنابلة إلى أن القاتل عمدًا مباشرًا أو متسببًا يمنع من الميراث من المال والدية (3) ، ويذهب الشافعية إلى أن القاتل لا يرث من مقتولة مطلقًا سواء أكان مباشرة أم تسببًا، ودليلهم عموم خبر الترمذي وغيره ((ليس للقاتل شيء)) أي من الميراث. (4) ولذا نرى أن عقوبة المنع من الميراث تطال الزوج عند جميع الفقهاء على اعتبار أن قتلها عدوان.

ثالثًا: هل للولي أن يمنع عقد زواج موليته من مصاب بالإيدز؟

القياس هنا يكون على المصاب بالجذام والبرص، فقد ورد في المذهب الحنبلي أنه يجوز للولي أن يمنع موليته من الزواج لاعتبارات الضرر، وأنه عار عليها وعلى أهلها وضرر بالولد من هذا النكاح، فقد ذكر ابن قدامة في جواز منع الولي لموليته من الزواج من الأبرص والمجذوم وجهين في الفقه الحنبلي (أحدهما) لا يملك منعها لأن الحق لها والضرر عليها فأشبه المجبوب والعنين (والثاني) له منعها لأن عليه ضررًا فإنه يتعير به ويخشى تعديه إلى الولد فأشبه التزويج لمن لا يكافئها وهذا مذهب الشافعي، والأولى أن له منعها في جميع الصور لأن عليها فيه ضررًا دائمًا وعارًا عليها وعلى أهلها، فملك منعها منه كالتزويج بغير كفء، أما إذا اتفقا على ذلك ورضي به جاز وصح النكاح لأن الحق لهما ولا يخرج عنهما، ويكره لهما ذلك لما ذكره الإمام أبو عبد الله من أنها وإن رضيت الآن تكره فيما تكره بعد، ويحتمل أن يملك سائر الأولياء الاعتراض عليهما ومنعهما من هذا التزويج لأن العار يلحق بهم وينالهم الضرر فأشبه ما لو زوجها بغير كفء (5) . وكذلك ذكر البهوتي: وإن اختارت مكلفة أن تتزوج مجنونًا أو مجذومًا أو أبرص فلوليها العاقد منعها منه لأن فيه عارًا عليها وعلى أهلها وضررًا يخشى تعديه إلى الولد، كمنعها من تزويجها بغير كفء (6) .

(1) ولا يمكن أن يدعي أنه قد احتاط لنفسه عند المعاشرة باستعمال المطاط الواقي حيث ثبت أنه في كثير من الأحيان لا يحقق النتيجة وهي عدم الإصابة، انظر كتاب عالم بدون إيدز ليون شايتو وسيمون مارتن ترجمة مؤسسة الأبحاث اللغوية – قبرص ص 40 – 41

(2)

السراجية ج 18، الشرح الكبير ج 4 ص 469 – 671؛ الهداية ج 4 ص 118 أحمد إبراهيم كتاب المعاملات الشرعية والمالية 1937 ص 671؛ د. صديق الضرير الميراث ص 27 – 28؛ د. محمد يوسف موسى التركة والميراث في الإسلام ص 165 وما بعدها.

(3)

حاشية الدسوقي ج 4 ص 486 الكبير ج 4 ص 450؛ د. وهبة الزحيلي الفقه الإسلامي وأدلته ج 8 ص 262 – 263؛ د. صبحي المحمصاني المبادئ الشرعية والقانونية في الحجر والعقاب والميراث أو الوصية ص 298

(4)

المغني ج6 ص 320 كذالك د. وهبة الزحيلي الفقه الإسلامي وأدلته ج8 ص322؛ د. صديق الضرير،الميراث ص32

(5)

المغني ويليه الشرح الكبير ج 7 ص 590

(6)

شرح منتهى الإرادات ج 3 ص 54

ص: 2022

ونحن نؤيد هذا الاتجاه بالقول بأن لولي المرأة المصاب زوجها التفريق خاصة لما يثيره هذا المرض من المخاطر والمخاوف والأهل يعيرون بهذا المرض الخطير، والذي يعادل الآن الخوف من الإصابة منه الإصابة ذاتها على النفس، ويمكن أن يكيف العقد هنا على اعتبار عدم اللزوم للكفاءة بين الزوجين لإصابة أحدهما بمرض الإيدز الخطير، خاصة إذا تحللنا من النظرة الضيقة لمعنى الكفاءة بحيث تكون صورها تتحدد وفق الأعراف والعادات والتي قد تطرأ عليها ظروف اجتماعية تفيد الانسجام والاستقرار المطلوب بين الزوجين ونستشهد بقول الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الصابوني في إعطائه لعناصر الكفاءة منظورًا واسعًا متغيرًا فيقول: وليست عناصر الكفاءة كما حددها الفقهاء من نسب ومال وحرفة، بل هي كل ما كان يؤدي وجوده بين الزوجين إلى عدم الانسجام من فوراق في أمور اجتماعية تحول غالبًا دون التوافق والانسجام والاستقرار، ولهذا فأمر هذه العناصر متروك للعرف غير محدد، والفقهاء حين ذكروا هذه العناصر ذكروها لأنها كانت في عصرهم معيارًا للتكافؤ، ولهذا فإننا نرى لا لزومًا إطلاقًا لحصر عناصر الكفاءة بالأمور التي ذكرها الفقهاء، وفق تلك المقاييس التي وضعوها لملائمة عصرهم والتي لم تعد تتلائم بعد قرون وقرون من غير تلك العصور (1)

رابعًا: طلب الزوج السليم الفرقة إذا أصيب الآخر بالإيدز

نفترض هنا أن الزوج أو الزوجة أصيب أحدهما بهذا المرض الخطير هل يحق للسليم أن يطلب فك رابطة الزواج أم لا؟

بالرجوع إلى أقوال الفقهاء نراهم في بحثهم حول العيوب أو الأمراض التي يتم على أثرها الفرقة بين الزوجين قد ميزوا بين أنواع مختلفة من العيوب التي تصيب الزوجين، ومن ثم اختلفت المذاهب فيما إذا كان الحق في فك عقدة الزواج يعد حقًا للزوج والزوجة أم غير ذلك؟ وهل فك عقدة الزواج هو فسخ له أم طلاق؟

وبما أننا نبحث في مرض له نتائج خطيرة على المصاب ومعد ويصيب الإنسان في صحته البدنية كما هو الأمر في نفسه، وكما أوضحنا سابقًا يقاس على ما ذكره العلماء في مرض البرص والجذام والأمراض التناسيلة، أكثر من غيرها من الأمراض، فلذا سيكون حديثنا في القياس على الفقهاء على هذين الداءين دن غيرهما من العيوب.

(1) د. عبد الرحمن الصابوني: أحكام الزواج في الشريعة الإسلامية وما عليه العمل في دولة الإمارات العربية المتحدة ص 265.

ص: 2023

أ- فأما الظاهرية فمذهبهم لا يجوز رد النكاح بأي عيب وجده أحد الزوجين بالآخر مهما كان العيب والمرض. وحجتهم في ذلك أنه لم يثبت دليل صحيح في هذا الأمر سوى من كتاب الله أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو صحابته، فالأصل إذن بقاء النكاح ولا يزول إلا بدليل هنا على إزالته (1) .

إلا أن ابن حزم قال في هذا الأمر أنه إذا شرط أحد الزوجين على الآخر السلامة من العيوب، فالشرط يلزم الطرف الآخر ويكون لصاحبه إبطال العقد، فقد جاء في المحلى: فإن اشترط السلامة في عقد النكاح، فوجد عيبًا - أي عيب كان - فهو نكاح مفسوخ مردود لا خيار له في إجازته ولا صداق فيه ولا ميراث ولا نفقة، دخل أو لم يدخل، لأن التي أدخلت عليه غير التي تزوج، لأن السالمة غير المعيب فإذا لم يتزوجها فلا زوجية بينهما (2) .

ب- مذهب الحنفية: قصر أبو حنيفة وأبو يوسف التفريق على الأمراض التناسلية كالجب، والعنة، والخصاء دون الأمراض المنفرة والمضرة (3) ، أما محمد بن الحسن فقد أثبت خيار الفسخ للمرأة دون الرجل في حالة كون الزوج مصابًا بعيب لا يمكنها المقام معه بضرر كالجنون والجذام والبرص، ونقيس عليها الإيدز لأن العلة هنا أوضح (4) .

إلا أن إثبات الفرقة هنا مقتصر على الزوجة دون الرجل باعتبار أن الرجل يملك حق الطلاق (5) .

ج- مذهب الجمهور: ويذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الحق للزوجين في طلب التفريق لهذه الأمراض، وقد قسم المالكية الأمراض والعيوب إلى ثلاثة أقسام فيفرق بالعيوب عندهم كالتالي:

- عيوب توجد في الرجال وهي الجب والخصاء والعنة والاعتراض.

(1) ابن حزم، المحلى ج 10 ص 63 – 67

(2)

ابن حزم، المحلى ج 10 ص 63 – 67

(3)

فتح القدير للكمال ابن الهمام ج 3 ص267؛ بدائع الصنائع للكاساني ج 2 ص 327؛ مختصر الطحاوي ص 182 ابن عابدين؛ حاشية رد المحتار ج 3 ص 501؛ العناية للبابرتي ج 3 ص 297

(4)

الكاساني بدائع الصنائع ج 2 ص 327؛ الزيلعي تبيين الحقائق ج 3 ص 35

(5)

السرخسي المبسوط ج 5 ص 97 بدائع الصنائع ج 2 ص 327؛ وانظر د. يوسف قاسم حقوق الاسرة في الفقه الإسلامي ص 318 وما بعدها؛ الشيخ محمد أبو زهرة الأحوال الشخصية ص 356 وما بعدها.

ص: 2024

- وعيوب النساء هي الرتق والقرن والعفل والإفضاء والبخر.

- والعيوب المشتركة هي الجنون والجذام والبرص والعذيطة والحنانة المشكلة (1)

وعند الشافعية يفرق بالعيوب التالية:

- عيوب الرجال وهي العنة والجب.

- عيوب النساء هي الرتق والقرن.

- أما العيوب المشتركة فهي الجنون والجذام والبرص (2) .

عند الحنابلة يفرق بالعيوب التالية:

- عيوب الرجال وهي العنة والجب.

- وعيوب خاصة بالنساء هي الفتق والقرن والعفل.

- وعيوب مشتركة، هي الجنون والبرص والجذام (3) .

دليل الجمهور في حق كل من الزوجين طلب التفريق للأمراض:

1-

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من بني غفار فلما دخلت عليه أبصر بكشحها وضحًا فردهًا إلى أهلها وقال: ((دلستم علي)) (4) .

2-

ما رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فر من المجذوم فرارك من الأسد)) . . . . والفسخ طريقة الفرار (5) .

3-

وقد روي عن عمر أنه قال: أنه إذا تزوج الرجل المرأة وبها جنون أو جذام أو مرض أو قرن فإن كان دخل بها فلها الصداق بمسه إياها وهو له على الولي (6)

4-

ما رواه الشعبي عن علي بن أبي طالب: أيما امرأة نكحت وبها برص أو جنون أو جذام أو قرن فزوجها بالخيار ما لم يمسها؛ إن شاء أمسك، وإن شاء طلق (7) .

(1) شرح الخرشي ج 2 ص 730؛ وحاشية الدسوقي ج 3 ص 277

(2)

النووي، روضة الطالبين ج 7 ص 177؛ الأم للشافعي ج 5 ص 76

(3)

المغني ويليه الشرح الكبير ج 7 ص 580؛ ابن تيمية مجموع الفتاوى 32 كتاب النكاح ص 171 – 172؛ البهوتي كشاف القناع ج 5 ص 11

(4)

البيهقي السنن الكبرى ج 7 ص 214؛ سبل السلام ج 3 ص 180

(5)

نقلًا عن أ. د. عبد الرحمن الصابوني أحكام الطلاق في الفقه الإسلامي وما عليه في دولة الإمارات العربية المتحدة ص 102

(6)

سنن البيهقي ج 7 ص 215 و 135؛ مجموع فتاوى ابن تيمية ج 32 ص 172؛ والمغنى ويليه الشرح الكبير ج 7 ص 579 وقد جاء فيه إن خيار الفسخ يثبت لكل واحد من الزوجين لعيب يجده في صاحبه في الجملة وله وعن عمر بن الخطاب وابنه وابن عباس وبه قال جابر والشافعي وإسحاق

(7)

زاد المعاد ج 4 ص 31

ص: 2025

وهل يشترط أن يكون العيب المراد الرد به قديمًا؟

يتفق الفقه على أن العيب السابق على العقد وكذلك المقارن له أي الحادث أثناء العقد يجوز به الرد. أما إذا كان العيب طارئًا بعد العقد فقد ذهب المالكية على أنه إذا كان العيب الطارئ على العقد في الزوجة لم يكن للزوج خيار الرد مطلقًا، وهو مصيبة حلت به وله حق الطلاق.

وأما العيب الطارئ على الزوج بعد العقد فلهم تفصيل في ذلك حيث قالوا: للزوجة فقط الرد بالجذام البين ضد الخفي وإن قل، والبرص المضر أي الفاحش الحادثين بعد العقد سواء بعد العقد وقبل الدخول أو بعد الدخول (1) .

وذهب المالكية إلى العيوب التي يرجى البرء منها يجب التأجيل فيها كالجنون والبرص والجذام والرتق والقرن والعفل والبخر فإذا كان البرء منها مرجوًا يؤجله القاضي بحسب ما يراه مناسبًا، شهرًا أو شهرين ولم يحدوا لذلك حدًا (2) .

ويرى الشافعية في العيب القديم: يخير به الزوج مطلقًا، أما العيب الحادث بعد العقد: فإذا كان العيب الحادث في الزوج تخيرت قبل الدخول جزمًا وبعد الدخول على الأصح. وإن كان العيب حادثًا بالزوجة بعد العقد، في القديم عند الشافعي لا يخير الزوج لتمكنه من الطلاق بخلافها، وفي القول الجديد أنه يخير كالزوجة لتضرره بالعيب القديم، ولا معنى لإمكان تخلصه منها بالطلاق دونها لأنه سيغرم نصف الصداق لها قبل الدخول دون الفسخ بالعيب (3) .

وعند الحنابلة ذكر ابن قدامة عن الخرقي من الحنابلة يثبت الخيار في العيب القديم والعيب الحادث بعد العقد.

وذهب أبو بكر وابن حامد من الحنابلة إلى أن العقد يفسخ بالعيب القديم والمقارن للعقد لا الطارئ عليه لأن العقد أصبح لازمًا، فلا يفسخ (4) .

وظاهر كلام الخرقي أن خيار العيب ثابت على التراخي لا يسقط ما لم يوجد منه ما يدل على الرضا به من القول والاستمتاع للزوج والتمكن من الزوجة وذكر القاضي أنه على الفور (5) .

خامسًا: هل أسباب الفرقة للعيوب محصور فيما ذكره

الفقهاء من عيوب أم تتعدى لغيرها لذات العلة؟

ظاهر نصوص الفقهاء توحي بحصر أسباب الفرقة للعيوب في هذه الأمراض.

فقد جاء في بداية المجتهد وفي حكم الرد، فاتفق مالك والشافعي على أن الرد يكون من أربعة عيوب: الجنون والجذام والبرص وداء الفرج الذي يمنع الوطء (6) . وجاء في مغني المحتاج قوله: واختصار المصنف على ما ذكره من العيوب يقتضي أنه لا خيار فيما عداها، قال في الروضة: وهو الصحيح الذي قطع به الجمهور (7) . وكذلك ما أورده ابن قدامة ثلاثة يشترك فيها الزوجان وهي الجنون والجذام والبرص

(8) .

مع ذلك إننا نجد نصوصًا للفقهاء تدل على عدم حصر التفريق على العيوب التي ذكروها، وإن ما ذكر إنما على سبيل المثال لا الحصر لديهم، فقد يكون باعتبار شهرة هذه الأمراض ومسمياتها عندهم دون الأخرى، أو عدم معرفة أسماء الأخرى، وإن كان الجامع بينها هو الضرر والنفور والخوف من العدوى، منها ما ذكره الكاساني من قول محمد بن الحسن: خلوه من كل عيب لا يمكنها المقام معه إلا بضرر، كالجنون والجذام والبرص شرط للزوم النكاح حتى يفسخ النكاح وهي قد جاءت بصيغة التمثيل (9) .

وكذلك ما جاء في بداية المجتهد حيث يقول ابن رشد: واختلف أصحاب مالك في العلة التي من أجلها قصر الرد على هذه العيوب الأربعة، فقيل لأن ذلك شرع غير معلل، وقيل لأن ذلك مما لا يخفى، ومحمل سائر العيوب على أنها مما لا تخفى وقيل لأنها يخاف سريانها إلى الأبناء، وعلى هذا التعليل يرد القرع، وعلى الأول يرد بكل عيب إذا علم أنه مما خفي على الزوج (10) .

ومن ذلك ما قاله ابن تيمية في الاختيارات العلمية: وترد المرأة بكل عيب ينفر من كمال الاستمتاع (11) . وكذلك ما ذكره ابن قيم الجوزية: وأما الاقتصار على عيبين وستة أو سبعة أو ثمانية دون ما هو أولى منها ، مساو لها بلا وجه له.

فالعمى والخرس والطرش وكونها مقطوعة اليدين والرجلين أو أحدهما، أو كون الرجل كذلك من أعظم المنفرات. وقوله: والقياس أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب الخيار (12) .

(1) الخرشي ج 3 ص 237؛ الدسوقي ج 5 ص 278 – 280

(2)

وإن ذكر الخرشي بالنسبة للبرص والجذام سنة وفي برص وجذام رجي برؤهما سنة (ش) في بعض النسخ بإثبات الواو، أي وأجلا في الجنون وفي الجذام والبرص حيث رجي برء من ذكر سنه ولا فرق بين ما كان من هذه قبل العقد وما حدث بعده

(3)

مغني المحتاج ج 3 ص 203 – 204؛ منهاج الطالبين للنووي ص 100

(4)

المغني ويليه الشرح الكبير ج 7 ص 583 – 584

(5)

الشرح الكبير ج 7 ص 583 – 584

(6)

ابن رشد بداية المجتهد ونهاية المقصد ج 2 ص 62

(7)

مغني المحتاج ج 3 ص 202

(8)

المغنى ويليه الشرح الكبير ج 7 ص 580

(9)

انظر بدائع الصنائع ج 2 ص 327

(10)

بداية المجتهد ج 2 ص 62؛ وكذلك الخرشي ج 3 ص 237 – 238

(11)

نقلا عن الموسوعة الفقهية الكويتية ج 29 تحت لفظ طلاق ص 69

(12)

زاد المعاد ج 4 ص 30 – 31، كذلك ابن قدامة المغني ويليه الشرح الكبير ج 7 ص 581

ص: 2026

ونرى أن هذا الاتجاه مقبول واقرب إلى التطبيق من الاتجاه الأول في حصر الأمراض التي يجوز بها الفرقة، ذلك لأن حصر الفرقة في تلك الأمراض قد يكون من الممتنع حيث إن بعض تلك الأمراض قد وجد لها العلاج في هذا الزمان، فلابد أن يتغير حكمها تطبيقًا لقاعدة لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان، وكذلك هنا من الأمراض ما هو أشد منها خطرًا وفتكًا بالناس ولم يوجد لها علاج حتى يومنا هذا فلابد من إعطاء الحق للسليم في طلب الفرقة من غير السليم وهو المصاب بها.

وما ذكر في الموطأ بسندنا حيث قال عن سعيد بن المسيب أنه قال: أيما رجل تزوج امرأة وبه جنون، أو ضرر فإنها تخير، فإن شاءت قرت، وإن شاءت فارقت (1) .

لذلك نرى القياس اعتبار مرض الإيدز من الأمراض التي يحق بها التفريق من باب أولى لكون العلة ليست مساوية فحسب بل أظهر فيه من غيره.

نوع الفرقة الثابتة بالعيب وطريق وقوعها:

يرى الحنفية والمالكية أن الفرقة للعيب طلاق بائن، أما الشافعية والحنابلة فهم على أنها فسخ وليس طلاقًا.

ويرى الحنفية أن الفرقة للعيب لا تقع بغير الرفع إلى القاضي ثم القاضي يكلف الزوج بالطلاق، فإن طلق فيها وإلا طلقها عليه، وروي عنهم أن الفرقة تقع باختيار الزوجة نفسها بانتهاء المدة المضروبة في العنة بدون قضاء، وهو ظاهر الرواية (2) .

ويذهب المالكية إلى ما ذهب إليه الحنفية إلا أنهم اشترطوا إذن القاضي لها بالتطليق إذا كان بقولها وأن يحكم به القاضي بعد ذلك رفعًا للخلاف، والحكم هنا إنما هو للإشهاد والتوثيق، لا لوقوع الطلاق، لأنه وقع بقولها (3) .

وللشافعية قولان أحدهما: أنها تستقل بالفسخ بعد ثبوت حقها فيه لدى القاضي بيمينها أو إقراراه. وثانيهما: لابد من فسخ القاضي رفعًا للخلاف (4) . .

(1) موطأ مالك برواية يحيى بن يحيى الليثي رقم 1188

والقول (وضرر) . . . . كل ضرر دون التقيد بمرض فاحش دون غيره من الأمراض الفاحشة المستعصية. وقد ذكر عبد الرحمن الصابوني في كتابه الطلاق المرجع السابق ردًا على من حصر العيوب فيما ذكره الفقهاء السابقون كالتالي: (....على أن جمهور الفقهاء الذين أعطوا لكل من الزوجين الحق بطلب التفريق للعيوب والأمراض، لم يطلقوا قولهم في كل عيب بل حصروا العيوب وحددوها مع اختلاف فيما بينهم في ذلك، ولذا قالوا: لا يجوز بغير هذه العيوب طلب التفريق، وكأنهم علموا الأمراض المستعصية في عصرهم أو المنفرة، فحددوها، ولكن نجد الآن عدم جدوى هذا التحديد لتغير الزمان ووجود علاج لتلك الأمراض التي وجدت في عصرهم، كما وجدت أمراض حديثة لم تكن معروف لديهم، فمن الجمود في الفقه أن نجيز التفريق لمرض وجد دواؤه ولا نجيز التفريق لمرض لا شفاء منه لا لشيء بل لأن ذلك المرض ذكره الفقهاء حين عرفوه بعصرهم، وهذا لم يعرفوه لأنه اكتشف حديثًا) ص 103.

(2)

البحر الرائق ج 4 ص 125؛ الدرر المختار ج 3 ص 495 وما بعدها.

(3)

الشرح الكبير ج 2 ص 282 – 283 كذلك الخرشي على مختصر خليل ج 3 ص 241

(4)

مغني المحتاج، ج3 ص207

ص: 2027

أما الحنابلة فإن الفسخ لا يتم إلا بحكم القاضي (1) وقد نص مشروع قانون الأحوال الشخصية بدولة الإمارات العربية في المادة 134 على التالي: لكل من الزوجين أن يطلب التفريق إذا وجد بالآخر عيبًا مستحكمًا لا يمكن البرء منه أو يمكن بعد زمن طويل ولا يمكن المقام معه إلا بضرر كالجنون والجذام والبرص سواء أكان ذلك العيب قائمًا قبل العقد ولم يعلم به الطالب أم حدث بعد العقد ولم يرض به. فإن تم الزواج وهو عالم بالعيب أو حدث العيب بعد العقد ورضي به صراحة أو دلالة بعد العلم فلا يجوز له أن يطلب التفريق

والمستخلص من النص المذكور الآتي:

1-

أعطى النص لكل من الزوجين الحق في التفريق موافقًا بذلك مذهب الجمهور المالكية والحنابلة والشافعية.

2-

ساق النص الأمراض التي ذكرها على سبيل التمثيل لا الحصر، وإن ذكر بعض الأمراض للقياس عليها بكونها معدية خطيرة يخشى انتقالها للغير.

3-

وجواز التفريق للأمراض المخيفة سواء أكان هذا المرض قائمًا قبل العقد ولم يعلم به طالب الفرقة أو حدث بعد العقد ولم يرض به.

أما إذا كان عالمًا بالعيب قبل العقد ورغم ذلك تم العقد فإن حقه يسقط في طلب الفرقة.

ولكن ما الحكم إذا تطور المرض بعد العقد ورغم العلم السابق به؟ فهل يعطي ذلك للطرف الآخر الحق في الفسخ؟ يجيبنا على ذلك الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الصابوني على أنه لابد من الإشارة أن سكوته على مرض معين إذا بقي المرض في حدوده التي أطلع عليها، أما إذا تطور المرض إلى حالة أشد أو أخطر فإن حق السليم متجدد بالمطالبة بالتفريق (2) .

(1) ورد عن ابن قدامة ويحتاج الفسخ إلى حاكم لأنه مجتهد فيه كفسخ العنة والفسخ للإعسار بالنفقة، ج 7 ص 585؛ وكذلك مجموع فتاوى ابن تيمية 32 ص 172 – 173

(2)

أحكام الطلاق، ورد عن ابن قدامة: ويحتاج الفسخ إلى حاكم لأنه مجتهد فيه كفسخ العنة والفسخ للإعسار بالنفقة، ج 7 ص 585؛ وكذلك مجموع فتاوى ابن تيمية 32 ص105

ص: 2028

سادسًا: مدى جواز إجهاض جنين الأم المصابة بالإيدز

يوضح علماء الطب المتخصصون بأن مرض الإيدز المصاب به الأم الممكن أن ينتقل إلى الجنين في حالات مختلفة منها:

1-

قد تحدث الإصابة للجنين عن طريق الحيوان المنوي الذي يلقح البويضة بسبب إصابة القيحة أو النطفة الأمشاج، وهذا يؤدي إلى إصابة الأجنة في مرحلة مبكرة (1) .

2-

قد يصاب الجنين بالعدوى من الأم المصابة بعدوى الفيروس وتعد الإصابة بالعدوى أثناء وجود الجنين بالرحم، هي أهم وسائل انتقال العدوى من الأم إلى المولود حيث تكون هناك مدة طويلة أثناء فترة الحمل يمكن للفيروس خلالها أن ينتقل إلى الدورة الدموية للجنين من خلال مشيمة الأم التي تحمل الفيروس في دمها (2) .

3-

يصاب الطفل أثناء عملية الولادة ونزوله من الرحم والمهبل المصاب.

4-

قد تحدث الإصابة بعد الولادة نتيجة الالتصاق والصلة الحميمة بينه وبين الأم أو الأب والمصاب.

5-

احتمال حدوث ذلك أثناء التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب (3) .

بناء على استعراضنا لطرق انتقال مرض الإيدز للطفل سواء عن طريق الأب أو عن طريق الأم مما يعني جواز الاحتياط عند الاتصال الجنسي وقد نجد فيما كان يفعله بعض الصحابة من العزل ولم يمنعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم دليلًا، فقد جاء في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه قال:((كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل وجاء في صحيح مسلم أنه قال: فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا)) .

ومما جاء في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق وأحببنا العزل وسألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((ما عليكم أن لا تفعلوا فإن الله عز وجل كتب ما هو خالق إلى يوم القيامة)) . . . . (4) .

(1) د. محمد علي البار وأ. د. محمد أيمن صافي الإيدز وباء العصر ص 72.

(2)

د. عبد الهادي مصباح المهدي الإيدز بين الرعب والاهتمام والحقيقة ص 214؛ د. محمد علي البار الأمراض الجنسية أسبابها وعلاجها ص 143.

(3)

د. محمد علي البار ود. محمد أيمن صافي الإيدز وباء العصر ص 72 – 73؛ كذلك د. محمد علي البار الأمراض الجنسية ص 142 – 143. د. عبد الفتاح عطا الله مرض الإيدز طاعون العصر ص 64 – 65

(4)

نقلًا عن الأستاذ محمد سلام مدكور الجنين والأحكام المتعلقة به في الفقه الإسلامي سنة 1969 ص 316.

ص: 2029

ويقول الإمام أبو حامد الغزالي: (ليس العزل كالإجهاض والوأد لأن ذلك جناية على موجود حاصل، وقال: إن من البواعث على العزل استبقاء جمال المرأة وسمنها لدوام الاستمتاع بها، واستبقاء حياتها خوفًا من خطر الطلق، والخوف من كثرة الحرج بسبب كثرة الولد، وقال: ليس شيء من هذه الأشياء منهيًا عنه، وإنما المنهي عنه منع الحمل خوفًا من إنجاب أنثى مسايرة لبعض الطبائع الفاسدة) . . . . (1) .

ويذهب الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى جواز إباحة العزل في الأصل (2) . وهناك الآن أنواع كثيرة من طرق العزل التي تمنع تلقيح البويضات في الرحم كما نعلمها.

ولكن ما هو الحل في حالة أن الجنين قد بدأ تكونه في الرحم هل يجوز إجهاضه أم لا؟.

يتفق الفقه على تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح إلا لعذر والتقدير للمدة التي يتضح منها الرجوع أربعة أشهر أو مائة وعشرون يومًا حسب رأي الفقهاء ولا يجوز الإجهاض إلا لعذر كأن يكون بقاء الحمل فيه خطرا مؤكدًا على حياة الأم (3) .

فقد نص فقهاء الحنفية على أنه يباح للمرأة إسقاط الولد قبل أربعة أشهر ولو بلا إذن الزوج. وقد نقل ابن عابدين في حاشيته عن النهر ما يفيد ذلك وهو أنه يباح الإسقاط بعد الحمل ما لم يتخلق من الولد شيء ولا يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يومًا، فإذا كان قد تخلق منه شيء وجبت الغرة على المتسبب في الإجهاض.

كما نقل ابن عابدين عن صاحب الخانية أنه لا يجوز ويأثم فاعل الإجهاض سواء أكان الأب أم الأم أم غيرهما، واستدل صاحب الخانية على أن المحرم لو كسر بيض الصيد ضمنه لأنه أصل الصيد. وعلى هذا فإن الطرح الذي لم يتبين بعض خلقه هو مبتدأ الخلقة إذا لو ترك لكان نفسًا كاملة. نعم إذا كان هناك عذر يؤيد الإسقاط كانقطاع لبن الأم بعد ظهور الحمل. وكشعورها بالضعف عند تحمل أعباء الحمل وكون الوضع يتم بالنسبة لها من غير طريقه الطبيعي أي بالعملية القيصرية.

(1) أبي حامد الغزالي إحياء علوم الدين ج 2 ص 51 – 53.

(2)

فتح القدير ج 2 ص 494؛ البدائع ج 2 ص 433؛ حاشية ابن عابدين ج 2 ص 411؛ حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج 2 ص 466؛ البحر الزخار ج 3 ص 80؛ منتهى الإرادات ج 2 ص 227

(3)

فقد قرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الثانية عشرة المنعقدة بمكة المكرمة من يوم السبت 17 فبراير 1990 النظر في موضوع إسقاط الجنين (أي إجهاضه) المشوه خلقيًا وأقر بالأغلبية ما يلي: إذا كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يومًا لا يجوز إسقاطه ولو كان التشخيص الطبي يفيد أنه مشوه الخلقة إلا إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من الأطباء الثقات المختصين أن بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة الأم فعندئذ يجوز إسقاطه سواء أكان مشوهًا أم لا وذلك دفعًا لأعظم الضررين. أما قبل مرور مائة وعشرين يومًا على الحمل إذا ثبت وتأكد بتقرير لجنة طبية من الأطباء المختصين الثقات، وبناء على الفحوص الفنية بالأجهزة والوسائل المختبرية، أن الجنين مشوه تشويهًا خطيرًا غير قابل للعلاج وأنه إذا بقي وولد في موعده ستكون حياته سيئة وآلامًا عليه وعلى أهله، فعندئذ يجوز إسقاطه بناء على طلب الوالدين، والمجلس إذ يقرر ويوصي الأطباء والوالدين بتقوى الله والتثبت في هذا الأمر .... منشور في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة العدد الثامن السنة الثانية يناير وفبراير ومارس 1991.

ص: 2030

وما نقل ابن وهبان من أن وجود العذر يبيح الإجهاض قبل الأربعة أشهر كأن ينقطع لبنها بعد ظهور الحامل، وليس لأبي الصبي ما يستأجر به الظئر ويخاف هلاكه، وما نقل عن الذخيرة من أن المرأة لو أرادت إلقاء ما في بطنها قبل نفخ الروح فإن الفقهاء يختلفون في إباحة ذلك.

وينقل عن الفقيه على بن موسى القول بكراهة ذلك لأن الماء بعدما دفع في الرحم مآله الحياة، فيكون له حكم الحياة، ومثله في الظهيرية، وعلق ابن وهبان على ذلك بأن إباحة الإسقاط محمولة على حالة العذر أو أنها لا تأثم إثم القتل (1) .

أما المالكية فيفهم من كلامهم أنهم يمنعون الإجهاض ولو قبل الأربعين يومًا فقد جاء في شرح الدردير لا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يومًا، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعًا وقال الدسوقي في حاشيته: إنه المعتمد (2) . فالنص على أنه لا يجوز ولو قبل الأربعين يومًا كأنهم لا يجيزون إسقاط ما استقر بالرحم حتى ولو كان نطفة في طورها الأول.

فكل ما طرحته المرأة من مضغة أو علقة مما يعلم أنه ولد فهو جنين وفيه غرة، بل رتب بعض المالكية المسؤولية في الدم الخارج مما لا يقبل الذوبان إذا صب عليه ماء حار (3) .

وأما الشافعية فقد جاء في نهاية المحتاج أنه اختلف في النطفة قبل تمام الأربعين يومًا على قولين: قيل لا يثبت لها حكم السقط والوأد وقيل لها حرمة ولا يباح إفسادها (4) ، وجاء في إحياء علوم الدين أن أول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة وتستعد لقبول الحياة وإفساد ذلك جناية (5) .

وقال الشيرازي: وإن ضربت بطن امرأة فألقت مضغة فيها صورة لآدمي فشهد أربعة نسوة أن فيها صورة الآدمي وجبت فيه الغرة (6) .

(1) نقلًا عن الأستاذ محمد سلام مدكور رحمه الله، وكذلك عن حاشية ابن عابدين رد المحتار ج 6 ص 591؛ وشرح فتح القدير لابن الهمام ج 2 ص 539؛ البغدادي مجمع الضمانات ص 50؛ كذلك مجلة البحوث الفقهية المعاصرة العدد 15 السنة 4 - أكتوبر ونوفمبر وديسمبر 1992 تحت مسائل فقهية ص 261؛ وانظر كذلك د. محمد نعيم ياسين أحكام الإجهاض بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت السنة 6 عدد 13 إبريل 1989.

(2)

الشرح الكبير ج 2 ص 266

(3)

انظر شرح الزرقاني ج 4 ص 23 وما بعدها؛ بداية المجتهد ج 2 ص 348؛ الشرح الكبير ج 2 ص 266؛ حاشية الدسوقي ج 4 ص 268؛ شرح الخرشي ج 8 ص 38؛ انظر كذلك د. عوض أحمد إدريس الدية بين العقوبة والتعويض في الفقه الإسلامي المقارن ص 247 وما بعدها

(4)

نهاية المحتاج ج 8 ص 416

(5)

إحياء علوم الدين ج 2 ص 49 – 50

(6)

المهذب ج 2ص 197

ص: 2031

أما في الفقه الحنبلي فقد ذكر عن ابن قدامة أنه إذا أسقطت المرأة ما ليس فيه صورة آدمي فلا شيء فيه ولو شهد ثقات من القوابل أن في الطرح مبدأ خلق آدمي، لو بقي تصور، فأصح الوجهين أنه لا شيء فيه لأن الأصل براءة الذمة فلا تشغل بالشك (1) ، وقد ذكر ابن رجب أنه يجب الغرة بقتله إذا ألقته أمه ميتًا من الضرب، وهو ثابت بالسنة الصحيحة، وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من اعترض على ذلك

فإن الجنين إما أن يكون صادفه الضرب وفيه حياة ويكون ذلك قبل وجود الحياة فيه ولا يجوز أن يكون قد فارقته الحياة لأنه لو مات لم يستقر في البطن، وحينئذ فالجاني إما أن يكون قتله أو منع انعقاد حياته فضمنه بالغرة لتفويت إبقاء حياته (2) .

والخلاصة من هذه الآراء التي سقناها أنه إذا كان الإجهاض بعذر كوجود ضرر يلحق بالأم مع بقاء الجنين، فإنه يجوز الإجهاض سواء قبل المائة والعشرين يومًا أو بعدها، أما غير ذلك فلا يجوز بعد المائة والعشرين يومًا أو قبلها حتى ولو خيف على أن يخرج الجنين مشوهًا، ذلك لأنه إذا قيل بانعقاد حياته بعد المائة والعشرين يومًا فنقول إنه بطرحه قبل هذه المدة قد فوت انعقاد حياته وهو اعتراض على إرادة الخالق وحكمته، ولذا فنحن نؤيد عدم جواز إجهاض الجنين من أم أو أب مصابين بالإيدز. والآن التقنية العلمية توضح مدى حالة الطفل وهو في بطن أمه، بل هو يعالج وتجرى له العمليات وأمه حامل به، فيكون الأمر خاضعًا للقرارات العلمية الطبية أفضل من التقدير الفقهي إذ يكون بعيدًا عن التقديرات أو التأكيدات الطبية.

موقف القانون في دولة الإمارات العربية المتحدة:

ولا يبعد عن قولنا الذي نجد أساسه في الفقه المالكي، وكذلك عند ابن رجب من الحنابلة فيما سبق سياقه، ما أورده قانون المعاملات المدنية الإماراتي، فقد نص القانون في المادة 71 منه على الآتي:

1 – تبدأ شخصية الإنسان بتمام ولادته حيًا وتنتهي بموته.

2-

ويعين القانون حقوق الحمل المستكن.

(1) المغني ويليه الشرح الكبير ج 8 ص 539

(2)

قواعد ابن رجب الحنبلي القاعدة رقم 84 ص 184

ص: 2032

رغم أن القانون أوضح أن الشخصية القانونية للإنسان منذ لحظة ولادته حيًا حتى تنتهي حياته بالممات، إلا أنه باعتبار استقراره في بطن أمه وأن حياته أصلا انعقدت في بطن أمه منذ يوم كونه مضغة في الرحم، فهو هنا باعتبار استقراره في بطن أمه كان احتمال ولادته حيًا أغلب، وبالتالي يزداد احتمال اكتساب هذا الجنين بعد ولادته الشخصية القانونية، ولهذا كان لابد من إثبات الحقوق الشخصية القانونية ولكن مع وجود الاحتمالية غير المؤكدة تمامًا لذلك، فإن الشخصية القانونية هنا بالنسبة له مجازية أو كما يقول بعض الفقه القانوني، شخصية قانونية باعتباره إنسانًا ممكنًا أو محتملًا وليست نهائية، حيث تبقى معلقة على شرط فاسخ وهو تمام ولادته حيًا (1) .

ولهذا السبب فقد أثبت القانون بعض الحقوق للجنين ومنها حقه في عدم الاعتداء عليه ورعايته حتى يولد سليمًا، وبما أن قانون المعاملات المدنية الإماراتي أحال على القانون في بيان حقوق الحمل، ولم يصدر حتى الآن القانون أو القوانين المنظمة لذلك، فإننا نرجع لتطبيق المادة الأولى من قانون المعاملات المدنية الإماراتي، فإنه تسري هنا أحكام الشريعة الإسلامية على أن يراعى تخير أنسب الحلول من مذهبي الإمام مالك والإمام أحمد بن حنبل، فإذا لم يوجد فمن مذهبي الإمام الشافعي والإمام أبي حنيفة، وكما رأينا فإن المذهب المالكي قد تشدد في جواز إسقاط الجنين ورتب الغرة والإثم على ذلك، وكذلك ما رأيناه في قواعد ابن رجب الحنبلي (2) .

(1) د. محمد المرسي زهرة، بحث في الطبيعة القانونية للجنين: مجلة المحامي الكويتية، أعداد إبريل ومايو ويونية 1990 ص 240

(2)

انظر د. محمد نعيم ياسين: أحكام الإجهاض: بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية السنة 6 عدد 13 إبريل 1989 ص 275 وما بعدها

ص: 2033

سابعا: تواجد فيروس الإيدز في لبن المرضع

تؤكد تقارير الأطباء من تواجد فيروس الإيدز في لبن الأم المصابة بمرض الإيدز، فقد ذكر الدكتور عبد الهادي مصباح المهدي في هذا الموضوع الآتي: والوقت الذي يصاب فيه الجنين إذا أصيب أثناء وجوده في رحم الأم بالعدوى غير محدد أو معروف، والإصابة بالعدوى يمكن أن تحدث أثناء الحمل، أو أثناء الولادة، أو بعد الولادة، عن طريق لبن الأم، أو الوسائل الأخرى الملوثة التي يمكن أن تصل إلى الطفل من خلال الأم (1) .

وقد جاء في كتاب (الإيدز وباء العصر) عند عرض كيفية الفيروس للأجنة الإشارة إلى انتقال الفيروس عبر الثدي أيضًا أثناء الرضاعة، وقد ذكر صاحب الكتاب أنه قد تأكد وجود الفيروس في لبن الأم وأن ذلك ويؤكد احتمال الإصابة عن طريق الرضاعة من الأم (2) .

ووفقًا لهذه المعطيات فهل يسمح للأم المصابة بإرضاع طفلها؟

للإجابة على هذا السؤال نرى أنه إذا كان الطفل مصابًا فلا يمنع من إرضاعه فالمصيبة قد حلت، أما إذا كان لم يصب فإن احتمال إصابته عن طريق لبن الأم متوافرة ومقررة من أهل العلم فيجب أن تمنع الأم من إرضاع طفلها، ونجد في كتب القه الإسلامي معينًا لهذا الرأي فقد ذكر البهوتي الآتي: وإذا كان بالأم برص أو جذام سقط حقها من الحضانة كما أفتي به المجد بن تيمية، وصرح بذلك العلائي الشافعي في قواعده، وقال: لأنه يخشى على الولد من لبنها ومخالطتها (3) .

وكذلك تطبيقًا لقاعدة الضرر يدفع بقدر الإمكان وكذلك (لا ضرر ولا ضرار) . . . . وكذلك (دفع الضرر المتوقع مآلًا) . . . . (4) ، فيكون الضرر متوقعًا إذا لم يقع بعد، ولكن كافة الظروف المحيطة تشير إلى أنه سيقع حتمًا، فإذا كان الضرر سيقع لا محالة فإن دفعه واجب وفقًا لقاعدة الضرر يزال. ويتفرع على هذه المسألة حضانة الأم المصابة بالإيدز لطفلها.

(1) كتابه الإيدز بين الرعب والاهتمام والحقيقية ص 214 وهو يحمل دكتوراه في الميكروبيولوجي وتحاليل المناعة من الولايات المتحدة

(2)

د. محمد علي البار والدكتور محمد أيمن صافي ص 73، وقد أشار إلى التأكيد على انتقاله من لبن الأم بالإشارة إلى كتاب Aids the story of adiscease

(3)

كشاف القناع عن متن الإقناع لمنصور بن يونس بن إدريس البهوتي ج 5 ص 499.

(4)

انظر الدكتور محمد شتا أبو سعد، لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ص 6- 7

ص: 2034

ثامنًا: مدى جواز حضانة المصابة بالإيدز للطفل السليم

كما تعرض علماء الطب لأمر حضانة الأم المصابة بالإيدز لطفلها السليم، فقد أجابو على هذا التساؤل بالآتي حيث جاء في (كتاب الإيدز وباء العصر) : تحدث الإصابة بعد الولادة نتيجة الالتصاق والصلة الحميمة بينه وبين الأم أو الأب المصاب قبل ظهور الأعراض غالبًا (1) .

ولقد جاء في كشاف القناع: إذا كان بالأم برص أو جذام سقط حقها من الحضانة كما أفتى به المجد بن تيمية وصرح بذلك العلائي الشافعي في قواعده. وقال: لأنه يخشى على الولد من لبنها ومخالطتها انتهى. قال في الإنصاف: وقال غير واحد وهو واضح في كل عيب متعد ضرره إلى غيره، وإلا فخلاف لنا (ويأتي في التقرير أن الجذامى ممنوعون من مخالطة الأصحاء) فمنعهم من حضانتهم أولى (2) .

ومع هذه النصوص فإننا نعرف أن الإيدز له طرق ينتقل بها إلى الطفل أو الجنين كنقل الدم والحمل والرضاع، إنما مسألة الحضانة فأمر فيه نظر، حتى إن كتبًا كثيرة في علم الطب قد تطرقت للعناصر المختلفة في انتقال المرض، ولم تتعرض لانتقاله عن طريق الحضانة إذا ما تم اتخاذ الرعاية ووسائل الوقاية، فلذا لا يجوز إسقاط حضانة الأم فقط لأنها مصابة بالإيدز إذا لم تكن الحضانة تؤدي للإصابة بالإيدز (3) .

ومع ذلك فإذا كان مرض الإيدز يؤثر على الحواس بحيث تصبح الأم في حالة جنون أو عته إذا ما كان المرض في ازدياد فإن الحضانة هنا تسقط عنها بناء على آراء الفقهاء (4) .

الخاتمة

وفي ختام هذا البحث أرى بأننا لن نجد أقوى من تقوية الوازع الديني لدى أفراد المجتمع والتمسك بمبادئ الدين الحنيف والبعد عن الرذائل وما قرب إليهما من عمل.

- وكما ذكرنا فإنه لا بد في عصرنا هذا – وقد زادت الأمراض والأوبئة وانتشرت بين الناس – من أن يتقرر الزواج بعد إجراء الكشف الطبي على الطرفين، وذلك حماية لهما وصيانة من كل داء قد يصل لهما، وهذا مدعاة لخلق أسرة مسلمة قوية متماسكة، وهذا أفضل من اكتشاف المرض بعد الزواج مما يعكره أو ينقصه.

وهنا لا بد أن نذكر بأنه إذا كان الناس لم يألفوا ذلك، فإن زماننا هذا يتطلب ذلك، وتغير الأحكام بتغير الأزمان لا ينكر، فعلى العلماء والقائمين على الأمر تنبيه الناس سواء من فوق منابر المساجد أو الوسائل الإعلامية المختلفة.

وبعد ذلك لا بد من أن يكون لولاة الأمر شأن في دعوة الناس لذلك وحثهم عليه.

- أن يعتاد الناس على المراجعة الوقائية عن طريق المراكز الطبية وأن تقوم الدول الإسلامية بتهيئة هذه المراكز وتسهيلها.

- ورغم ما ذكرنا من أقوال العلماء والشراح في أحكام الفقه الإسلامي فإنه من الضروري أن يرتبط ذلك بعلماء الطب المتخصصين ويا حبذا وجود الطبيب العالم والمتفقه.

-وكذلك يجب على العالم الإسلامي أن لا ينتظر الحلول تأتيه من الغرب، فلا بد من أن يكون إيجابيًا ويقوم بدوره بإجراء التجارب والاختبارات للوصول إلى حلول للأمراض والأوبئة المنتشرة والتي من المحتمل وصولها إلينا.

- وفي النهاية لا بد من أن نحث الشباب على الزواج بناء على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من استطاع منكم الباءة فليتزوج

)) . . . . كما يجب علينا توفير الاستطاعة للشباب، وفي كافة المجتمعات كما هو الآن – والله الحمد – في دولة الإمارات حيث تدخلت السلطة بقيادة رئيس الدولة – حفظه الله – في تخفيف أعباء الزواج حتى تنحل عقدة التعنس وكذلك حل مشكلة الشباب غير القادرين على الزواج للأسباب الاقتصادية.

وما توفيقي إلا بالله رب العالمين.

الدكتور جاسم علي سالم

(1) د. محمد علي البار ود. محمد أيمن صافي انظر الدكتور محمد شتا أبو سعد، لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ص 69 وكذلك الدكتور محمد علي البار الأمراض الجنسية ص 143 – 144

(2)

البهوتي ج 5 ص 499؛ انظر كذلك في عدم جواز حضانة الأم المجنونة المعتوهة، مواهب الجليل ج 4 ص 215؛ نهاية المحتاج ج 6 ص 273؛ الأم ج 5 ص 74؛ والدسوقي على الشرح الكبير ج 2 ص 480؛ وفي ذلك يقول الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الصابوني (فالقدرة على رعاية الطفل وصيانته: فيجب أن تكون الحضانة قادرة على القيام بشؤون الطفل فإن كانت مريضة مرضًا معديًا فهي غير أهل للحضانة لأنها تؤذي الطفل وينتقل المرض إليه، ولهذا نصت بعض القوانين صراحة على وجوب خلو الحضانة من الأمراض المعدية كما في قوانين السودان والمغرب، وجاء في المنشور السوداني، رقم 38 لعام 1927: أن مرض الحضانة مرضًا معديًا يسقط حضانتها للمحضون وكذلك سكناها مع مريض مرضًا معديًا

د. عبد الرحمن الصابوني أحكام الطلاق في الفقه الإسلامي وما عليه العمل في دولة الإمارات العربية المتحدة ص 262.

(3)

انظر على سبيل المثال د. عبد الهادي مصباح المهدي (الإيدز بين الرعب والاهتمام والحقيقة) كذلك كتاب عالم بدون إيدز الطريقة الصحية المثيرة للمعالجة الشاملة ليمون شايتو وسيمون مارتن ترجمة اللغة العربية مؤسسة الإيمان اللغوية، وكتاب (مرض الإيدز عدوان من البشر أم عقاب من القدر) . . . . ترجمة طارق مصطفى عبارة، كذلك كتاب (نقص المناعة المكتسب) للدكتور حرب عطا الهرفي العلوي.

(4)

انظر كشاف القناع ج 3 ص 327؛ الأم ج 5 ص 74؛ مواهب الجليل ج 4 ص 215؛ نهاية المحتاج ج 6 ص 273

ص: 2035