المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحسابات والودائع المصرفيةإعدادد. محمد علي القري - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد التاسع

- ‌بحث فيالذهب في بعض خصائصه وأحكامهإعداد الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌تجارة الذهبفي أهم صورها وأحكامهاإعدادد. صالح بن زابن المرزوقي

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعدادد. الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعدادد. محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌السلم وتطبيقاته المعاصرةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعداد الشيخ حسن الجواهري

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعداد نزيه كمال حماد

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. سامي حسن حمود

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. حسين كامل فهمي

- ‌الحسابات والودائع المصرفيةإعدادد. محمد علي القري

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. حمد عبيد الكبيسي

- ‌الودائع المصرفية(تكييفها الفقهي وأحكامها)إعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌أحكام الودائع المصرفيةتأليفالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌الحسابات الجاريةوأثرها في تنشيط الحركة الاقتصاديةإعدادد. مسعود بن مسعد الثبيتي

- ‌الاستثمار في الأسهموالوحدات والصناديق الاستثماريةإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌ موضوع الاستثمار في الأسهم

- ‌الاستثمار في الأسهمإعدادد. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثماريةإعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌مناقصات العقود الإداريةعقود التوريد ومقاولات الأشغال العامةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌المناقصات(عقد الاحتياط ودفع التهمة)إعدادالشيخ حسن الجواهري

- ‌انخفاض قيمة العملة الورقية بسبب التضخمالنقدي وأثره بالنسبة للديون السابقةوفي أي حد يعتبر الانخفاض ملحقاً بالكسادإعدادالدكتور مصطفى أحمد الزرقا

- ‌التضخم والكسادفي ميزان الفقه الإسلاميإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌حكم ربط الحقوق والالتزاماتبمستوى الأسعارإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌أثر التضخم والكسادفي الحقوق والالتزامات الآجلةوموقف الفقه الإسلامي منهإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌مفهوم كساد النقود الورقيةوأثره في تعيين الحقوق والالتزامات الآجلةحدود التضخمالتي يمكن أن تعتبر معه النقود الورقية نقودًا كاسدةإعدادالدكتور ناجي بن محمد شفيق عجم

- ‌كساد النقود الورقية وانقطاعها وغلاؤها ورخصهاوأثر ذلك في تعيين الحقوق والالتزاماتإعدادالدكتور محمد علي القري بن عيد

- ‌كساد النقود وانقطاعهابين الفقه والاقتصادإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ خليل محي الدين الميس

- ‌سد الذرائعإعدادأ. د وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ محمد الشيباني بن محمد بن أحمد

- ‌سد الذرائععند الأصوليين والفقهاءإعدادالأستاذ الدكتور خليفة بابكر الحسن

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ مجاهد الإسلام القاسمي

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور علي داود جفال

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌مقارنة بين الذرائع والحيلومدى الوفاق والخلاف بينهماإعدادحمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ الدكتور الطيب سلامة

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور أحمد محمد المقري

- ‌مبدأ التحكيمفي الفقه الإسلاميإعدادالمستشار محمد بدر يوسف المنياوي

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميمبدؤه وفلسفتهإعدادالدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري

- ‌التحكيمإعدادالأستاذ الدكتور عبد العزيز الخياط

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعداد الأستاذ محمود شمام

- ‌نقص المناعة المكتسبة(الإيدز)أحكامه وعلاقة المريض الأسرية والاجتماعيةإعدادالدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌الأسرة ومرض الإيدزإعدادالدكتور جاسم علي سالم

- ‌إجراءات الوقاية الزوجية في الفقه الإسلاميمن مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)إعدادالشيخ أحمد موسى الموسى

- ‌ملخصلأعمال الندوة الفقهية السابعة

- ‌الإيدز ومشاكله الاجتماعية والفقهيةوثيقة مقدمة منالدكتور محمد علي البار

الفصل: ‌الحسابات والودائع المصرفيةإعدادد. محمد علي القري

‌الحسابات والودائع المصرفية

إعداد

د. محمد علي القري

الأستاذ المشارك بمركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي

جامعة الملك عبد العزيز بجدة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته واهتدي بهداه إلى يوم الدين.

أولا: الحسابات الجارية (تحت الطلب)

الحساب الجاري (تحت الطلب) : هو سجل في دفاتر البنك يخصصه لأحد عملائه، يتمكن خلاله من إيداع الأموال في أي وقت، ضمن ساعات الدوام الرسمي للبنك، واسترداد تلك الأموال بالسحب عند طلبه أو الحوالة عليه. وقد سمي جاريا لأنه يزيد وينخفض بدون قيود عن طريق استخدام الشيكات. ويمكن لهذا العميل أن يودع أي مبلغ يشاء، إذ لا حدود عليا لذلك، ويمكنه أن يسحب أي مبلغ في أي وقت وبأي وسيلة ممكنة له ضمن حدود رصيده الدائن (دائن للبنك) في ذلك الحساب. والحساب الجاري هو مفتاح التعامل مع أي بنك، إذ تشترط البنوك على عملائها فتح حساب من هذا النوع في كل معاملة يجريها معهم، مثل القروض بالنسبة للبنوك التقليدية، والمرابحات وسواها من صيغ التمويل بالنسبة للبنوك الإسلامية.

1-

أهمية الحسابات الجارية للبنوك:

تعد عملية تلقي الأموال على صفة الودائع في حسابات البنك أهم ما يميز المصرف عن سائر المؤسسات المالية الأخرى. وتمثل الحسابات الجارية وأنواع الحسابات الآجلة والادخارية أهم موارد البنك. وتمثل في مجملها ما يزيد في غالب الأحوال عن 90 % من مجمل الموارد. وتختلف نسبة الحسابات الجارية إلى مجمل الموارد من بنك إلى آخر، وإن كان اختلافها الأوضح هو من بلد إلى بلد لأنها تتأثر كثيرا بمستوى الوعي المصرفي وعادات القوم في المعاملات المالية، والنمو الاقتصادي في البلاد، ونوعية الفرص الأوعية الاستثمارية المنافسة المتوفرة في القطاع المصرفي، وكفاءة الخدمات المصرفية. وقد تصل نسبتها أحيانا إلى 50 % ونادرا ما تقل عن 20 %.

ص: 533

2-

نموذج التوقيع وإجراءات فتح الحساب الجاري:

عندما يتقدم أحد الأفراد إلى البنك بطلب فتح حساب جار يقوم الطرفان (البنك والعميل) بإنشاء اتفاقية يوقع عليها العميل وتحفظ في ملفات البنك وتتضمن الشروط الخاصة التي يتفق عليها بين الطرفين، إضافة إلى الجوانب الأخرى التي تنظمها القوانين والأعراف. ومنها نموذج التوقيع الخاص بصاحب الحساب.ولا يجوز للبنك أن يسحب من ذلك الحساب لمصلحة ذلك العميل أو لأمر ثالث إلا بذلك التوقيع. ويعد البنك مسئولا عن أي مبلغ يدفعه بدون مطابقة التوقيع على النموذج المحفوظ عنده. وتتبنى البنوك إجراءات دقيقة فيما يتعلق بفتح الحسابات ولا سيما الجارية منها. بالإضافة إلى ما سبق ذكره في مسألة التوقيع، طلب التوجيه من طرف ثالث للعميل قبل حصول الأخير على دفتر للشيكات، أو شهادات من جهة العمل، أو إثباتا للجنسية..إلخ.

3-

الرسوم التي تفرضها البنوك على أصحاب الحسابات الجارية:

الغالب أن لا يفرض البنك الرسوم على العملاء المستفيدين من هذا النوع من الحسابات لأنها مورد مهم ومجاني من الأموال للبنك، ولذلك هي تسعى إلى التشجيع عليه. ولكن يعتمد ذلك في النهاية على معدل التنافس بين البنوك فإن كان عاليا استفاد منه الناس بانخفاض هذه الرسوم أو إلغائها.

وهيكل الملكية في القطاع المصرفي فإذا كانت البنوك مملوكة للحكومة كما هي في عدد من البلدان النامية انتشر العمل فيها بأنواع الرسوم حتى على هذا النوع من الحسابات. فقد تقترن هذه الحسابات برسم فتح الحساب ورسم لإغلاقه ورسم مقابل دفتر الشيكات ورسم يقتطع مقابل كل عملية تجري في الحساب (أي مقابل كل شيك) . وقد يعمل بهذه الرسوم مجتمعة أو متفرقة.

ص: 534

ولكن أكثر الرسوم والذي تعمل به أكثر البنوك حتى في الدول المتقدمة هو الرسم المفروض على العميل إذا انخفض رصيده في الحساب عن مبلغ معين. ذلك أن الإبقاء على سجل للعميل في دفاتر البنك يتضمن بالضرورة تكاليف إدارية ورقابية ومحاسبية كثيرة، لا تكاد تختلف بين حساب يودع مبلغا كبيرا وآخر يقتصر ما فيه على مبلغ صغير. ولذلك اتجهت البنوك في كثير من البلدان إلى فرض رسوم على الحسابات التي يقل رصيدها عن مبلغ محدد، واشتراط هذا المبلغ أو أكثر منه لفتح الحسابات الجارية. فإذا لم يتحقق الشرط فرضت عليه رسما يمثل مبلغا شهريا يقتطع من الحساب أو رسما يفرض على شيك يصدره صاحب الحساب

إلخ.

4-

حسابات جارية للأفراد بين البنوك:

إن الجزء الأعظم من الحسابات الجارية في دفاتر أي بنك هي للأفراد والمؤسسات الخاصة والحكومية. إلا أن جزءا لا يستهان به (نحو 10 % أو أقل أو أكثر من مجموع الخصوم) هو للبنوك الأخرى. وتقضي طبيعة العلاقات بين البنوك وجود مثل هذه الحسابات، من ذلك:

1-

استخدامها في عمليات المقاصة في الشيكات المحررة من قبل عملاء البنوك الأخرى حيث يقوم البنك بدفع مبلغ من الشيك من الحساب الموجود لديه للبنك الآخر.

2-

استخدامها في عملية الحوالات التي يقوم بها العملاء من البنوك الأخرى لا سيما في التحويلات من بلد إلى آخر.

3-

أغراض أخرى مثل الاشتراك في التمويل المجمع أو القروض المشتركة.. إلخ.

ص: 535

5-

حسابات فردية وأخرى مشتركة:

تكون أكثر الحسابات الجارية مخصصة لفرد بعينه سواء كان شخصية معنوية أو طبيعية. لكن بعض الحالات ربما اقتضت اشتراك أكثر من طرف في حساب واحد يكون لهم أن يودعوا فيه ويسحبوا منه ويحيلوا عليه. وتكون مسئوليتهم عندئذ تضامنية والأموال فيها مملوكة ملكية مشتركة بينهم. وتحدد اتفاقية فتح الحسابات المخولين بالتوقيع في ذلك الحساب، وما إذا كان يكتفي بتوقيع واحد أو أكثر.. إلخ.

6-

الحساب الجاري المدين:

الحساب الجاري المدين هو حساب يسمح بانكشافه بصفة ذاتية (انظر الفقرة 1/9/ز) ، أي أن لصاحبه أن يقترض من البنك بتحرير الشيكات حتى لو لم يكن مودعا في حسابه ما يكفي من النقود فينكشف حسابه إلى الحد الذي اتفق عليه معه عند فتح الحساب، وتحسب الفوائد المصرفية على المبلغ المدين. ويحتاج إلى هذا النوع من الحسابات رجال الأعمال والمؤسسات التي يكون لها إيرادات ومنصرفات يومية يصعب عليها تحقيق التوازن بينها في كل يوم، لذلك إذا فتحت مثل هذا الحساب أودعت إيراداتها ودفعت مصروفاتها مطمئنة، إلا أنه إن حدث بينهما فرق فلن يتأخر البنك عن الدفع مع انكشاف الحساب. ولا تحسب الفوائد للعميل في حال كون الحساب دائنا. ويكون معدل الفوائد على مثل هذا النوع من الحسابات مرتفعا نسبيا لكي لا تشجع العملاء على استخدامه بديلا عن القروض المصرفية لأن من سماته أن يكون قصير الأجل.

ص: 536

7-

الحسابات الجارية ذات العائد:

لقد بلغ من حدة التنافس بين البنوك في بعض البلدان أن اتجهت، لغرض اجتذاب العملاء، إلى دفع الفوائد على الحسابات الجارية مع تمتع عملائها بكافة ميزات ذلك الحساب بما فيها دفتر الشيكات. والمعتاد أن الفوائد المصرفية إنما تدفع على الحسابات الآجلة أو حسابات التوفير لأن العميل فيها لا يتمتع بميزة استخدام دفتر الشيكات، كما أن أمواله قد تكون مؤجلة الدفع يستخدمها البنك في توليد الفوائد التي يقتسمها مع أرباب تلك الأموال.

ومع ذلك فقد قامت بعض البنوك، لا سيما في الدول المتقدمة بالإبقاء على كافة ميزات الحسابات الجارية ثم فوق ذلك كله دفع الفوائد الدورية –التي تكون متدنية في العادة-على أرصدة الحسابات الجارية. وفي هذه الحالة ينتقل تصنيف هذه الحسابات من الناحية الشرعية من كونها قروضا حسنة إلى انقلابها إلى قروض ربوية؛ لأن الزيادة فيه مشروطة فهي من الربا. ولا يؤثر في ذلك كونها معلومة القدر عند التعاقد أو غير معلوم (حيث تتبنى بعض البنوك الفوائد المتغيرة) لأن ضمان رأس المال لصاحبه يجعل كل زيادة مشروطة عليه من الربا المحرم.

8-

استخدامات البنوك للأموال المجتمعة لديها في الحسابات الجارية:

من المعروف أن النقود مثلية فهي لا تختلف في طبيعتها من حيث المصدر. ومن ثم فإن الأموال في الحسابات الجارية تختلط مع أموال البنك الأخرى وتستخدم كما تستخدم موارده من أنواع الحسابات ورأس ماله. على أن من المفيد الإشارة إلى بعض الخصوصيات لأموال الودائع الجارية. فهي أولا: موارد مجانية (Free Money) لأن موارده الأخرى مثل الودائع الآجلة لها ثمن هو الفائدة المدفوعة عليها بصفة دورية، ورأس ماله له ثمن هو الربح الذي يجب أن يدفعه في نهاية العام. أما الحسابات الجارية فهو يستخدمها دون حاجة إلى دفع ثمن عليها. ثم ثانيا: إنها أعلى أنواع الحسابات من حيث الاحتياطيات. فمن المعلوم أن الأنظمة المصرفية تلزم البنوك باحتياطيات نظامية لحساباتها، يتطلب منها الاحتفاظ بجزء من هذه الحسابات على شكل سيولة كاملة. وتختلف القوانين في ذلك، إذ قد تصل إلى 50 % في بعض الدول وربما لا تزيد عن 4 % في دول أخرى منها ما يحتفظ به البنك لديه ومنها ما يودع في حسابات المصرف المركزي كما سبق تفصيله. وتتبنى أكثر البنوك احتياطيات إضافية لضمان قدر أكبر من السيولة. ومع ذلك تبقى هذه الحسابات تحقق أعلى معدلات العائد للبنوك.

ص: 537

9-

المنافع المتحققة لصاحب الحساب الجاري:

أهم المنافع المتحققة لصاحب الحساب الجاري في البنك هي:

أ- دفتر الشيكات:

تسمى مجموعة الشيكات التي يمنحها البنك إلى عميله عند فتح الحساب الجاري دفتر الشيكات. ويشبه الشيك السند لأمر (الكمبيالة) في أنه مسحوب على مدين ومستحق الدفع على الفور لأمر شخص طبيعي أو معنوي ولكنه يختلف في أنه غير عرضة للقبول أو الرفض وأنه مسحوب على بنك. ولا يلزم أن يكون الشيك ذا شكل محدد أو على ورقة معينة بل يمكن أن يكتب على أية ورقة ما دام أنه يحمل العبارات الصحيحة. وربما حددت مدة صلاحيته وقابليته للدفع ولكن مثل هذا التحديد يخرجه في أكثر القوانين من تعريف الشيك. ولا يحتاج استلام المبلغ المدون على الشيك إلى سند استلام لأنه هو وثيقة تثبت الاستلام. والشيك غير قابل للتداول وإن كان قابلا للتجيير. ويكتب مبلغ الشيك بالأرقام والحروف وترجح الحروف في حال الاختلاف. وللبنك إرجاع الشيك إذا كان الموجود في حساب المسحوب عليه يقل عن مبلغ الشيك. والشيك غير قابل للتجزئة فلا يعرف منه بقدر ما وجد في الحساب. ويجب تسجيل تاريخ على الشيك ولكن هذا التاريخ غير ذي تأثير في أكثر القوانين:

ويتحقق لحامل دفتر الشيكات منافع متعددة منها:

أ-الأمان، لأن ضياع الشيك أو سرقته أو تزييفه لا يعرض صاحب الأموال لخطر ضياع أمواله في مضمونه على البنك.

ب-أنه يقدم طريقة اقتصادية لدفع الالتزامات تغني عن حمل النقود لا سيما في المبالغ الكبيرة.

ج-أنه إثبات لاستلام القابض للنقود يغني عن السندات. والمعتاد أن تحتفظ البنوك بالشيكات بعد دفع مبالغها، ولكن بعض البنوك تقوم بتسليمها إلى صاحب الحساب للاحتفاظ بها.

وقد يصرف للعميل مع دفتر الشيكات بطاقة تضمن له دائما دفع البنك لأي شيك يحرره لصالح مستفيد آخر بمبلغ لا يزيد عن مستوى محدد وذلك لتشجيع الآخرين على قبول شيكاته.

وقضايا الغش في الشيكات كثيرة ولذلك ربما اشترط بعض المستفيدين حصولهم على شيك مصدق وهو الذي يختم البنك في ظهره أن المبلغ محجوز في الحساب أو شيك مصرفي وهو الذي يصدره البنك نيابة عن العميل لصالح ذلك المستفيد.

ص: 538

ب- حفظ أمواله من السرقة والضياع:

ذلك أن احتفاظ الفرد بأمواله في منزله أو متجره يجعلها عرضة للسرقة والضياع بينما أن ذلك لا يحدث في أمواله إذا أودعت في البنك لأنها تكون عندئذ مضمونة من قبل المصرف، فيسلم هو من الخطر. وقد تطورت الخدمات المصرفية بحيث صار المودع في البنك يتصرف في أمواله كما لو كانت محفوظة عنده مباشرة. ذلك أن انتشار العمل بمكائن الصرف والإيداع الآلي على مدار الساعة، وارتباط البنوك جميعا بشبكة الكترونية مكن من تحقيق كفاءة عالية في استعمال الشيكات بحيث أصبح مالك النقود المودعة لدى البنك قادرا على التصرف بها مع الآخرين وكأنها لا تزال في حوزته وتحت تصرفه فلا يعوقه وجودها في البنك عن إجراء العقود وإتمام صفقات الشراء وتسديد الفواتير

إلخ.

ج- تنظيم حساباته وضبطها:

إذا قام المودع في الحساب الجاري بإتمام كافة مدفوعاته من شراء لسلع أو تسديد لديون أو فواتير أو دفع الرواتب

الخ بواسطة الشيك المسحوب على ذلك الحساب فإنه سيحصل في نهاية كل شهر (أو أقل من ذلك أو أكثر) على كشف مفصل يتضمن جميع هذه المدفوعات وتواريخها ومبالغها والمدفوعة إليهم. وكذلك الحال في الأموال التي يتلقاها من الآخرين مثل أثمان السلع التي يبيع أو موارده من الإيجارات والأرباح

إلخ. ومن ثم يحصل على خدمة متميزة تغنيه عن الاستعانة بالمتخصصين في أعمال المحاسبة لضبط حساباته ومتابعتها. فإذا قام بفتح حسابات متعددة خصص لكل منها لغرض محدد مثل أن يكون أحدهما لإيرادات المبيعات وآخر للمشتريات وثالث للراتب

الخ، استفاد كثيرا من هذه الميزة في معاملاته مع الآخرين.

ص: 539

د- الأسعار المميزة للخدمات الأخرى:

ومن أهم المنافع التي يحصل عليها صاحب الحساب الجاري الأسعار المميزة للخدمات الأخرى التي يقدمها البنك، إذ تقدم البنوك لأصحاب هذه الحسابات خدمات مجانية وأخرى ذات أسعار متدنية مقارنة بآخرين ممن ليس لهم حسابات مع المصرف وكل ذلك يعتمد على أهمية العميل للبنك من حيث عدد سنوات تعامله مع البنك ومتوسط الرصيد في حسابه

إلخ.

وتتعلق هذه الميزات في الغالب بالحوالات والصرف الأجنبي ورسوم فتح الاعتمادات وبطاقات الائتمان وخطابات الضمان، وقد تتعدى ذلك إلى سعر الفائدة على القروض

إلخ.

هـ - شهادة البنك بملاءة العميل:

يحتاج الناس، لا سيما التجار منهم ورجال الأعمال والمتعاملين مع المصارف، إلى شهادة تثبت ملاءتهم يقدمونها إلى الجهات الحكومية أو الخاصة يتمكنون فيها من الدخول في المناقصات والمزايدات أو عقود المقاولة والتوريد أو الحصول على التمويل بالدين بين المؤسسات المالية الأخرى إلى غير ذلك من الحاجات. والبنوك هي الجهات المعتمدة –في غالب الأحوال-كمصدر لمثل هذه المعلومات. وتعتمد البنوك في إصدارها هذه الشهادة وأمثالها على سجل العميل في حسابه الجاري (وحساباته الأخرى) . ولذلك يحرص أمثال هؤلاء العملاء على التأكد من أن جميع أموالهم تودع في بنكهم الذي يتعاملون معه حتى يتكون لدى القائمين عليه فكرة واضحة عن ملاءتهم يستفاد منها في إصدار تلك الشهادة.

و استخدام الأموال في الحساب الجاري كرهن:

يمكن للعميل أن يتفق مع مصرفه على حجز مبلغ من المال في حسابه الجاري لا يسمح له أن يسحبه أو يحرر الشيكات مقابله، ويكون هذا المبلغ المحجوز رهنا لضمان وفائه بالتزاماته الواجبة أو التي تؤول إلى الوجوب للبنك أو لمؤسسة أخرى، مثل حالات فتحه الاعتماد المستندي للاستيراد، أو إصدار البطاقات الائتمانية أو كفالة جهة أخرى من قبل ذلك العميل. ونتطرق فيما بعد إلى بعض الجوانب الشرعية لهذه المسألة.

ص: 540

ز- انكشاف الحساب (القروض الذاتية) :

يقصد بانكشاف الحساب في ما تعارف عليه المصرفيون سحب العميل من حسابه مبالغ تزيد عما أودع فيه. والأصل أن هذا ممنوع إذ لا يجوز لصاحب الحساب الجاري أن يصدر شيكات تزيد مبالغها عن رصيد حسابه، إلا إذا جرى ترتيب ذلك مع البنك. وفي هذه الحالة يسمح للعميل بما ذكر. ويسمى حسابه عندئذ (جار مدين) لأن دفاتر البنك ستظهر أنه مدين بالمبالغ التي تزيد عن رصيده الدائن.

وتعد هذه الخدمة المصرفية من أهم الخدمات التي يحتاج إليها التجار ورجال الأعمال والشركات. ذلك أن هذا النوع من عملاء البنوك – لا سيما إن كان ذا نشاط تجاري واسع –يصدر عشرات بل ربما مئات الشيكات يوميا وربما أكثر من ذلك. في نفس الوقت هو يتلقى من عملائه مبالغ يومية بشيكات وبأنواع الحوالات الداخلية والدولية. وهو لا يستطيع بحال أن يتأكد دائما أنه في كل مرة يصدر فيها شيكا يكون في حسابه رصيد يفي بمبلغه لا سيما وأن عملية تحصيل الشيكات الواردة والمودعة في الحساب قد تستغرق مدة غير معروفة بالدقة، وكذلك الحال في الشيكات التي يصدرها لصالح الآخرين. فهو عندئذ سيتفق مع مصرفه أن يدفع البنك كل شيك يحرره بصرف النظر عما إذا كان في حسابه من الرصيد المالي ما يكفي أم لا. وعندما يدفع البنك الشيك دون أن يكون في رصيد الحساب ما يكفي يسمى حساب ذلك العميل عندئذ حسابا مكشوفا. وفي هذه الحالة سوف يسجل البنك على ذلك العميل فوائد مصرفية (ربوية) بمقدار ذلك الانكشاف. وتحسب هذه الفوائد على أساس يومي بحيث تسجل على الرصيد المدين أي على مقدار الأموال التي دفعت وهي تزيد عن الرصيد.

ويستفيد التجار كثيرا من هذه الخدمة، بل إن جل التمويل الذي يحصل عليه رجال الأعمال والشركات (نحو 70 % أو أكثر) هو بهذه الصفة.

ولا يقتصر العمل في هذا الترتيب في الشيكات فحسب بل يتعدى ذلك إلى كافة حاجات العميل التي تقتضي كشف الحساب مثل مدفوعات الاعتمادات المستندية وخطابات الضمان

إلخ. وللحساب الجاري على ذلك أنواع متعددة منها المخصص مثل ذلك المرتبط بعملية فتح الاعتماد أو خطاب الضمان، ومنها غير المخصص لغرض محدد. أما عمليات انكشاف الحساب فهي تنقسم إلى نوعين، عادية وهي التي تتم بترتيب مسبق بين البنك وصاحب الحساب وتسمى عندئذ حساب جار مدين، ومنها المؤقتة وهي التي لا تكون جزءا من ترتيب مسبق لكن البنك لمكانة عميله أو ثقته فيه يقبل دفع شيك محرر من قبله يزيد في مبلغه عما هو موجود في حسابه. وربما يفعل ذلك في حالات محددة.

ص: 541

ثانيا: مؤسسة التأمين على الودائع:

ذكرنا فيما سبق أن الودائع المصرفية هي في حقيقتها قروض على المصرف، ولذلك فإن يد البنك فيها يد ضمان. وقد تبنت القوانين والأعراف المصرفية أنواعا من الإجراءات التي تسعى إلى التحقق من قدرة البنك –دائما-على الوفاء بالتزاماته تجاه أصحاب تلك الأموال. ومع ذلك فإن التجارب المصرفية تشير إلى أن أوضاعا معينة تؤدي إلى انهيار المصرف وعجزه عن ذلك نتيجة الانقضاض الفجائي للناس عليه نتيجة اهتزاز الثقة به لسحب إيداعاتهم في وقت لا يمكنه تنضيض ما لديه من أصول بخسائر كبيرة. ومن المعلوم أن البنوك الأخرى والمصرف المركزي تتعاون في مساعدة المصرف الذي يتعرض لمثل ذلك. إلا أن هناك حدودا لما يمكن عمله من خلال هذا البرنامج، لا سيما في حالات كون البنك المتعرض لمثل تلك المصاعب كبيرة الحجم، أو سريان روح عدم الثقة في النظام المصرفي برمته.

لذلك فقد اتجهت بعض الدول –مثل الولايات المتحدة -إلى إجراء إضافي يسعى إلى طمأنة جمهور المودعين في البنك من أصحاب الودائع المتوسطة والصغيرة وهو إلزام البنوك في الاشتراك فيما يسمى بمؤسسة التأمين على الودائع (وتسمى في الولايات المتحدة Fedral Deposit-Insurance Com) . ويقوم عمل هذه المؤسسات على دفع البنوك رسما يساوي نسبة متفق عليها من مجمل الودائع في الحسابات الجارية تقوم مقابلها هذه المؤسسة بضمان الأموال في تلك الحسابات التي لا تزيد عن 50.000 دولار (أو أكثر أو أقل) .وهي صيغة شبيهة بصيغ التأمين التجاري المعروفة. وتتبنى بعض البلدان الأخرى ترتيبات مشابهة (مثل ضمان الودائع في بريطانيا) وإن لم تكن على صفة مؤسسة مستقلة تنهض بهذه المهمة بل تكون جزءا من وظائف البنك المركزي.

ص: 542

ثالثا: طبيعة العلاقة التعاقدية بين البنك وصاحب الحساب الجاري:

يترتب على فتح الحساب الجاري لدى البنك علاقة تعاقدية بين الطرفين.

وقد ظن كثير من الناس أن تسمية هذا الحساب بالودائع هو تعبير صحيح عن طبيعة هذه العلاقة التعاقدية. ولكن شيوع هذه التسمية لم تخف حقيقة أن هذه الحسابات هي في الواقع قروض لا ودائع والعبرة في العقود بالحقائق والمعاني لا بالألفاظ والمباني. وإن نظرة فاحصة لهذه العلاقة إنما هي مطابقة للقرض وليس للوديعة، ومن ثم وجب أن تأخذ حكمها، فمن ذلك مثلا:

أ- الوديعة كما عرفتها المجلة (مادة763) : (هي المال الذي يوضع عند إنسان لأجل الحفظ) فهي أمانة يحفظها الوديع في صرة أو نحو ذلك، كما يحفظ أمواله وليس له أن يستخدمها ثم يرد عينها إلى صاحبها. أما القرض فهو مال مثلي يرد مثله لا عينه ويستخدمه المقترض لأغراضه ويخلطه بأمواله. ويختلف عن الوديعة من حيث حق تصرف المدين بالقرض ومن حيث وجوب الأداء عند الطلب. وجلي أن الحسابات الجارية ينطبق عليها الوصف الثاني لا الأول.

ب-ومن حيث الضمان في الذمة المالية فالوديعة غير مضمونة إلا أن يفرط الوديع بحفظها، أما القرض فهو مضمون الرد على المدين (إذا لم يكن معسرا) إن سرق أو ضاع أو تلف. وجلي أن الوصف الثاني هو الذي ينطبق على الحسابات الجارية في المصارف وليس الأول.

وقد اتجهت جميع القوانين الوضعية إلى اعتبار الحسابات الجارية قروضا يقدمها أصحابها إلى المصارف، وتسري عليها القوانين المنظمة للديون. ويعد أصحاب هذه الحسابات في زمرة الدائنين للبنك في حال إفلاسه (منها القانون المدني المصري في المادة 726، والمدني السوري في المادة 402، والمدني الأردني في المادة 889، والمدني العراقي في المادة 971) .

يمكن القول إذن أن الحسابات المصرفية الجارية هي قروض حسنة (أي بلا فوائد) حالة غير ذات أجل، المقرض فيها العميل والمقترض البنك. (1)

(1) وقد شك البعض في اعتبار الوديعة المصرفية قرضا فاحتج أن إرادة المودع والبنك لم تنصرف إلى إنشاء عقد قرض، وإنما انصرفت إلى إنشاء عقد وديعة بدلالة الألفاظ المستعملة فوجب –في رأيهم-تكييف المعاملة وفق مقصود المتعاقدين. وأضافوا أن البنوك تتقاضى الأجرة أحيانا على الودائع ولا يتصور ذلك في القرض. انظر حسن عبد الله الأمين، الودائع المصرفية ص228.

ص: 543

رابعا: بعض الضوابط القانونية التي تلتزم بها البنوك في الحسابات الجارية:

يلزم القانون بتبني أنواع من الاحتياطات لكي تتوفر عليها القدرة على الوفاء بالتزاماتها، ومنها:

1-

الاحتفاظ بجزء من تلك الأموال، لا سيما التي يكون مصدرها الحسابات الجارية، في شكل سيولة تامة (نقدية) في صناديق البنك. منها جزء تحدد نسبته القوانين المصرفية وآخر يحدده كل مصرف بحسب خبرته وطبيعة تعامله في السوق.

2-

الاحتفاظ بحسابات جارية للمصرف لدى البنك المركزي تمثل نسبة من تلك الودائع.

3-

تعاون المصارف التجارية مع بعضها البعض على توفير السيولة –بطريق الإقراض -بصفة يومية لكي يتحقق لها التقيد بالضوابط القانونية المتعلقة بالسيولة.

4-

التزام البنك المركزي بإقراض المصارف المرخصة إذا احتاجت إلى السيولة بصفة عاجلة.

5-

توزيع أصول البنك (حقوقه لدى الآخرين مثل القروض) على استخدامات ذات مدد وآجال متنوعة واستخدامات مختلفة تجعل من الممكن تحويل نسبة كبيرة منها إلى سيولة في وقت قصير وبدون خسارة كبيرة.

ص: 544

خامسا: مسائل شرعية في الحسابات المصرفية الجارية:

في ضوء ما انتهينا إليه من أن طبيعة العلاقة التعاقدية بين البنك وصاحب الحساب الجاري هي علاقة المقرض بالمقترض، فإن هناك بعض المسائل الشرعية التي تحتاج إلى نظر منها:

أ- هل البنك فقير حتى نقرضه؟

معلوم أن القرض في الإسلام هو لغرض الإرفاق والقربة، يقدمه الغني إلى الفقير المحتاج. والمسألة التي نحن بصددها هي قرض يقدمه الفرد، الذي ربما يكون ثريا ذا يسار أو فقرا قليل المال، إلى المصرف. فهل البنك فقير نقرضه لغرض الإرفاق به؟ الجواب بالنفي القطعي. فهل يعني ذلك أنه قد خرج من تعريف القرض وصار إلى علاقة مختلفة لأن البنك دائما أغنى من المودعين فيه. يرد على ذلك بأن القرض لا يلزم أن يكون من غني إلى فقير. انظر ما رواه البخاري في دين الزبير بن العوام رضي الله عنه. قال:(إنما كان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه فيقول الزبير: لا ولكنه سلف فإني أخشى الضيعة)(1) فهذه قروض إلى غني وهو الزبير رضي الله عنه. لم يخرجها من تعريف القرض وسريان أحكامه، أنها جاءت من فقير إلى غني أو من غني إلى من هو أغنى منه. وكذلك الحال في ودائع المصرف الجارية فإنها قروض ولا حاجة للسؤال هل المصرف فقير حتى نقرضه.

ب- الحسابات الجارية تعاون الإثم والعدوان:

يقول المولي عز وجل في كتابه الحكيم: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2]

لما كان الربا من الكبائر، ولما علم أن الفوائد المصرفية التي هي أساس عمل البنوك هي من الربا المحرم، وأن البنوك إنما توجه الأموال المتجمعة لديها في الحسابات الجارية إلى التمويل بالإقراض المتضمن للفوائد الربوية، دل ذلك على أن كل حساب مصرفي جار إنما يؤدي إلى زيادة في نشاط المصرف المذكور وتوسع في قدرته على الإقراض بالربا.

والقاعدة أن ما أدى إلى حرام فهو حرام والأمور بمآلاتها، ولذلك فقد رأى البعض أن هذه الحسابات في البنوك الربوية، على رغم أنها بذاتها لا تتضمن التعامل بالفائدة، إلا أن فيها مخالفة لأصل من أصول الشريعة وهو عدم جواز التعاون علي الإثم والعدوان، لا سيما في الحالات التي يتوفر على المجتمع فيها بنوك أخرى ومؤسسات مصرفية تنهض بنفس الوظائف والأغراض دون التعامل بالفائدة كالبنوك الإسلامية.

(1) رواه البخاري في صحيحه، كتاب فرض الخمس، باب بركة الغازي في ماله حيا وميتا مع النبي صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر

ص: 545

ج- الحسابات الجارية من أنواع القروض التي تجر نفعا:

القاعدة أن كل قرض جر نفعا فهو ربا. والمقصود هنا النفع الذي يجره القرض للدائن، أما المدين فإنه إنما اقترض لينتفع بالقرض. ولابد لإعمال القاعدة أن يكون هذا النفع مشروطا، قال ابن المنذر:(أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا) . والقاعدة (أن المعروف عرفا كالمشروط شرطا) والمدين هو البنك، والدائن في الحسابات المصرفية هو العميل المودع للنقود في حساباته لدى البنك وهو يتلقى أنواعا متعددة من الخدمات، بل وتتسابق البنوك في تقديم الخدمات الخاصة لأصحاب هذه الحسابات. وقد أشرنا أعلاه إلى طرف منها مثل تخفيض أسعار الخدمات الأخرى أو إعفائه من تكاليفها

الخ، وأهم تلك جميعا هو بلا ريب دفتر الشيكات. فهل يعني هذا أن الحساب الجاري على رغم أنه لا يتضمن الفائدة إلا أن فيه شبهة الربا من هذا الجانب لأنه قرض جر نفعا واضحا معروفا للمقرض؟ يرد على ذلك أن القروض التي أشرنا إليها أعلاه عند الحديث عن الزبير بن العوام رضي الله عنه إنما كان الباعث عليها انتفاع الدائن (المقرض) بحفظ أمواله من الضياع والسرقة بدليل ما جاء في الأثر، ولذلك فإن الزبير لعلمه بغرضهم فقد كان رضي الله عنه يقول:(بل هي سلف إني أخاف الضيعة) ولم يقل أحد إنها من الربا. ثم ما أجازت الشريعة من طرق حفظ مال اليتيم عندما يسافر وليه هل يؤدى إلى مؤتمن؟ قال الفقهاء: الأولى أن يقرضها لمليء. وجلي أن اشتراطهم الملاءة دليل على أن الغرض ليس الإرفاق بل انتفاع المقرض بحفظ مال اليتيم فهو قرض جر نفعا. وما ذكره العلماء عن السفتجة، معروف ومعلوم يلخصه كلام ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين (1/391) : (

وإن كان المقرض قد ينتفع أيضا بالقرض كما في مسألة السفتجة ولهذا كرهها من كرهها، والصحيح أنها لا تكره لأن المنفعة لا تخص المقرض بل ينتفعان بها جميعا) . وتلك قاعدة ذهبية ليس أدل على ملاءمتها لما نحن بصدده من حقيقة أن بعض البنوك تفرض الرسوم على الحسابات الجارية وهي قروض، فكأن الدائن يقرض المدين ويزيده، وذلك لأن المنفعة كما في حال السفتجة مشترك بينهما.

ص: 546

سادسا: مسألة رهن النقود المودعة في الحسابات المصرفية:

ذكرنا آنفا أن البنوك اعتادت في معاملاتها أن تستخدم النقود لديها في الحسابات الجارية أو الحسابات الآجلة أو صناديق الاستثمار أو الحسابات الاستثمارية في البنوك الإسلامية رهنا مقابل الوفاء بما يتعلق بذمة ذلك العميل من ديون أو التزامات ناشئة أن البيوع أو القروض أو أنواع التمويلات الأخرى.

والحسابات الجارية وأنواع الحسابات الأخرى لا تخلو من أن تكون في التصور الشرعي نقودا وديونا. وتثير مسألة رهن النقود ورهن الديون إشكالات شرعية كثيرة منها:

أ-أن شرط الرهن أن يكون عينا يصح بيعها فخرج من ذلك الديون إلا عند المالكية لأنهم يجيزون بيعها. (1)

ب-واشترط من أجاز رهن الدين توافق الآجال أو أن يكون أجل الدين المرهون به أطول من أجل الدين فإذا اختلفت الآجال فربما أدى إلى إقراض نظير إقراض إذا كانت قرضا أو إلى بيع وسلف إذا كان الدين ناتجا عن بيع المرابحة. (2) والحسابات الجارية حالة غير ذات أجل كما أن توافق الآجال في الحسابات الأخرى مسألة عسيرة يصعب أخذها بالاعتبار. وربما عولجت هذه المسألة بحجز البنك الوديعة الجارية في حساب العميل فتصبح ذات أجل إذ لا يسمح له بالسحب منها إلا بعد حلول ذلك الأجل وهو تاريخ تسديد الدين.

لكن النظرة الكلية لهذه المسألة تظهر جوانب أخرى مهمة. ذلك أن الغرض من الرهن توثيق الحق والاطمئنان إلى استيفائه وأن هذه الأحكام المتعلقة بالرهن إنما هي ضوابط الهدف منها تحقيق العدل في المعاملات والثقة به الدائن والمدين. وجلي أن هذه الطريقة تحقق الغرض ولا تلحق الضرر بالمدين. واستيفاء حقه من المبلغ المرهون إنما يكون بالإذن المسبق من العميل، فلم يحتج إلى حكم قضائي، وبما أنه نقود.

ج-أن لا تكون نقودا لأن النقود لا تتعين بالتعيين عند أكثر الفقهاء.

وأجاز البعض رهن الدرهم والدينار إذا طبع عليها. (3) ومعلوم أن هذا متعذر في الحسابات المصرفية.

(1) بداية المجتهد لابن رشد 2/269.

(2)

الزحيلي، وهبة 5/222.

(3)

القوانين الفقهية لابن جزي 212.

ص: 547

سابعا: الودائع الآجلة أو الحسابات لأجل

بينما أن الغرض الأساس للفرد المودع في حساب جار هو الملاءمة والراحة، فإن غرض الودائع الآجلة هو الاستثمار والعائد. وتعد الودائع الآجلة أهم صيغ الاستثمار في البنوك فهي توفر للعملاء وسيلة مأمونة لتثمير أموالهم وتحقيق النمو لها. والعائد على هذه الحسابات هو الفائدة المصرفية، ولذلك فإن الربا في أعمال المصارف هو أوضح ما يكون في هذا النوع من الحسابات (وفي قروض المصرف) .

والودائع الآجلة هي قروض يقدمها العملاء المودعون إلى البنك فهي مضمونة الرد كسائر الديون. وقد سميت هذه الحسابات آجلة لأن البنك –بالاتفاق مع العميل-يحدد للقروض بها أجلا، ولا يجوز لصاحب الوديعة الآجلة سحب أمواله قبل حلول هذا الأجل، فإذا احتاج إلى المال قبل حلول ذلك الأجل فالطريق هو الاقتراض من البنك بضمان تلك الوديعة. ولا يحمل العميل دفتر شيكات، لعدم جواز السحب من أمواله قبل أجلها. فإذا حان الأجل ورغب سحبها حولت إلى حسابه الجاري. وتشترط البنوك حدا أدنى لا يسمح بفتح الحساب لمبلغ يقل عنه. ويكون هذا المبلغ كبيرا في المعتاد، والغالب أن يكون الأجل في هذه الحسابات شهرا واحدا على الأقل، أو لا يحدد ولكن يشترط أن يتقدم العميل بطلب سحب نقوده قبل شهر على الأقل من التاريخ المرغوب. والحسابات الآجلة أنواع متعددة سيأتي تفصيل أهمها لاحقا.

ص: 548

1-

أهمية هذا النوع من الحسابات بالنسبة إلى البنوك:

تعد الودائع الآجلة بأنواعها المختلفة العمود الفقري لمصادر الأموال في البنك (وربما تصل نسبتها إلى 70 % من مجمل الخصوم) ، وتمثل أعلى نسبة من مجمل الودائع (في غالب الأحوال) مع أنها تحقق للمصرف أدنى معدل من الربح؛ لأنها أكثر مصادر الأموال تكلفة. ومرد ذلك إلى أن البنوك تدفع الفوائد على هذه الحسابات ومن ثم فإن ربح البنك هو الفرق بين الفائدة الدائنة والمدينة. ولكنها تتميز بأنها أكثر أنواع الودائع استقرارا لأنها مربوطة بمدة زمنية محددة ومن ثم تكون متوفرة للبنك خلال تلك الفترة.

2-

الفائدة هلي الودائع الآجلة:

مع وجود الاختلاف بين أنواع الحسابات الآجلة، فالذي عليه العمل في البنوك هو تحديد سعر الفائدة على هذه الودائع في اليوم الأول، ويكون ذلك هو السعر السائد عند الإيداع، وعندما تكون الفوائد ثابتة غير متغيرة –وهو الحالة الغالبة-يستمر العمل بذلك المعدل من الفائدة بصرف النظر عن التغيرات التي تحدث في ذلك المعدل فيما بعد. وتستحق الفائدة في نهاية المدة وتدفع عندئذ. فإذا كان سعر الفائدة في يوم الإيداع 6 % وكانت الوديعة لمدة ستة أشهر ثم انخفض السعر في السوق إلى 4 % لم يتأثر العميل بذلك واستحق من البنك 6 %. وعكس ذلك صحيح. أما إذا كانت فائدة متغيرة (معومة) فإن ما يستحق العميل هو الفائدة الجارية (أو معدل فائدة معتمد على الفائدة الجارية) محسوب على أساس يومي لمدة ستة أشهر.

ويحدد البنك المركزي في كثير من البلدان سعر الفائدة على الودائع الآجلة. إلا أن الاتجاه عالميا هو نحو التحرر من القيود وترك الأسعار تتحدد بتفاعل قوى العرض والطلب.

ص: 549

3-

المنافع المتحققة لصاحب الحساب الآجل:

يتمتع صاحب الحساب الآجل بجل المنافع المتحققة لأصحاب الحسابات الجارية التي سبقت الإشارة إليها فيما عدا تلك المتعلقة بالسحب من الحساب، إذ لا يسمح له بذلك ومن ثم لا يمنح دفتر شيكات ولا يستفيد من وديعته الآجلة في دفع المستحقات للآخرين وتنظيم حساباته

الخ، على أن هذا النوع من الحسابات له ميزات لا تتوفر في الحساب الجاري منها:

أ- النماء:

المتمثل في الفائدة. والفوائد على هذا النوع من الحسابات تعد من أعلي أنواع المعدلات في عمل المصارف.

ب- إمكانية استخدام الوديعة كضمان:

وذلك للحصول على القروض من هذا المصرف أو المصارف الأخرى، أو بطاقات الائتمان أو غير ذلك من أنواع العمليات المصرفية وذلك لأن مبلغ الوديعة الآجلة محجوز لدى البنك لا يجوز لصاحبه السحب منه. ولا يتحقق هذا في الحسابات الجارية إلا في حالات الحجز عليها بالاتفاق مع العميل.

4-

طبيعة العلاقة التعاقدية بين البنك وصاحب الآجل:

لا خلاف في أن المودع في الحساب الآجل هو مقرض للبنك يسري عليه ما سبق ذكره عند الحديث عن العلاقة التعاقدية في الحسابات الجارية، فهي قرض لا وديعة. ويضاف إلى أسباب خروج الودائع الآجلة عن تعريف الوديعة أن قصد التعاقدين ليس الحفظ وإنما النماء والتثمير وتحصيل الربح، وأن البنك يقترض من هذا العميل بالفائدة، وأن الربا بينهما ظاهر جلي ويتمثل في الزيادة المشروطة لذلك العميل المقابلة للأجل في القرض. ولا تختلف القوانين الوضعية عن الأحكام الشرعية في تصور هذه العلاقة.

5-

أنواع أخرى من الحسابات الآجلة:

ظهرت في السنوات الأخيرة أنواع متعددة من الحسابات التي وإن دخلت في المفهوم العام للحسابات الآجلة إلا أنها تتضمن مميزات جديدة أضيفت إليها لتناسب رغبات شرائح معينة من المستثمرين. ومنها شهادات الإيداع، حيث يصدر البنك لصاحب الوديعة الآجلة شهادة تكون في الغالب نمطية (أي بوحدات مثل 1000، 5000، 10.000 دولار

الخ) ومدد محددة مثل، (شهر ستة أشهر، سنة

الخ) . ويكون بعضها قابلا للتداول بحيث يمكن لحامل الشهادة بيعها عن طريق البنك إلى جهة أخرى إذا رغب في الحصول على النقد.

ص: 550

ثامنا: حسابات التوفير:

تعد حسابات التوفير مرحلة وسطى بين الحسابات الجارية والحسابات الآجلة. وهي مخصصة بصفة أساسية لذوي الدخول المتدنية الذين يرغبون في تثمير ما فاض من الأموال عن حاجتهم الآنية، لكن ثروتهم هي من الصغر بحيث إنهم ربما يحتاجون في أي وقت إلى هذه الأموال على قلتها.

والودائع في الحسابات الجارية، شأنها شأن الحسابات الأخرى، قروض البنك فيها مدين والمودع دائن. ومع ذلك فإن بينها وبين الحسابات الجارية والحسابات لأجل اختلاف لعل أهم أوجهه هي:

1-

تختلف عن الحسابات الجارية في أن المودع في حسابات التوفير لا يحصل على دفتر شيكات ومن ثم لا يمكنه إحالة الأطراف الأخرى على البنك، كما يختلف في أن البنك يدفع على الأرصدة في حساب التوفير.

2-

ويختلف عن الحسابات الآجلة في أن المودع في حسابات التوفير يحمل ما يسمى بالدفتر وهو سجل موثق من البنك برصيد حسابه. ويستطيع أن يسحب من حسابه بإبراز ذلك الدفتر لأي فرع من فروع البنك. (1) فهي قروض حالة مدفوع عليها الزيادة بخلاف الحسابات الآجلة إذ لا يسمح لصاحبها بسحب نقوده قبل حلول الأجل.

(1) وقد لوحظ في بعض بلدان المسلمين أن هذه الخاصية هي قوة الجذب الرئيسية إلى هذا النوع من الحسابات الجارية؛ لأنها لا تتوفر في الحسابات الجارية، فهم يودعون في فرع ويسحبون حيثما احتاجوا من فروع البنك الأخرى، ولذلك لوحظ أن بعضهم يتنازل عن الفائدة لأنها ليست غاية، قد تغير هذا بانتشار شبكات الكمبيوتر

ص: 551

تاسعا: الحسابات في البنوك الإسلامية

سعت البنوك الإسلامية منذ ظهورها إلى تقديم البدائل المناسبة لصيغ الاستثمار وأنواع الخدمات المصرفية التي اعتادت البنوك التقليدية تقديمها، مع الحرص على أن تكون تلك الصيغ والخدمات مقبولة من الناحية الشرعية.

ولذلك نجد هذه البنوك تقدم الحسابات الجارية لعملائها، ويقدم بعضها أشباه الحسابات الآجلة معتمدا في ذلك على صيغة المضاربة لا القرض

إلخ.

1-

الحسابات الجارية:

لا تختلف الحسابات الجارية في البنوك الإسلامية –من حيث مصادر الأموال-عنها في البنوك التقليدية، فهي قروض، المدين فيها البنك والدائن العميل. وهي قروض حسنة (بدون فوائد) حالة (غير آجلة) ، ويمكن لصاحبها أن يسحبها مستخدما دفتر الشيكات أو يحيل عليها بأي وسيلة أخرى. ولا يحصل صاحب الأموال في الحساب الجاري على الربح لأن طبيعة علاقته مع المصرف معتمدة على صيغة القرض فأمواله مضمونة على المصرف وكل زيادة عليها هي من الربا.

ويصح على هذا النوع من الحسابات الجارية ما سبق ذكره من ناحية كونها قروضا تجر نفعا يتمثل في الخدمات الملحقة بالحسابات الجارية وقد سبق تفصيل ذلك آنفا.

وهذه الأموال وإن اشتبهت من حيث مصادرها في مثليها في البنوك التقليدية فإنها تختلف من حيث استخداماتها. ذلك أن هذه الأموال إنما يستخدمها البنك الإسلامي في أنواع التمويل المباحة التي لا تتضمن الفائدة.

ولأنها مضمونة عليه، صار له أن يستأثر بما يحقق عنها من الأرباح إذ الخراج بالضمان.

2-

تبادل الودائع:

لا غنى لأي مصرف عن الاعتماد في كثير من نشاطاته على المصارف الأخرى ولذلك يكون له عند المصارف الموجودة في منطقة نشاطه وبعض الموجودة في البلدان الأخرى حسابات مصرفية. وتستخدم هذه الحسابات بشكل أساسي (كما فصلنا ذلك آنفا في الفقرة 1/4) ، في الحوالات بين البنوك وما شابه ذلك. وفي البنوك التقليدية تكون هذه الحسابات على صيغة الحساب الجاري المدين فهي إذا انخفض رصيدها فأصبح دون المطلوبات سد البنك الفرق وحمل ذلك الحساب بالفوائد.

وحاجة البنوك ماسة إلى الحسابات المتبادلة، فلا غنى للبنوك الإسلامية عن ذلك سواء فيما بينها أو مع البنوك التقليدية، إلا أنها غير ممكنة بطريق الفائدة، ولذلك تبنت بعض البنوك الإسلامية صيغة الودائع المتبادلة، فهي تفتح حسابا في أحد البنوك وتودع فيه مبلغا من المال ثم تحيل عليه بأنواع الحوالات لمدة حتى ينضب ما فيه، عندئذ يقوم البنك (المفتوح عنده الحساب) بكشف الحساب (بجعله مدين) بمبلغ مساو لما كان مودعا فيه ولنفس المدة. (1) وقد أجازت ندوة البركة الرمضانية في عام 1413 صيغة الودائع المتبادلة. وغني عن الذكر أنه إذا اشترط فيها اختلاف المدد أو المبالغ وقعت في الربا، على أننا نشك بإمكان تطبيقها مصرفيا دون مثل تلك الشروط.

(1) انظر البحث المنشور في مجلة بحوث الاقتصاد الإسلامي، العدد الثاني المجلد الثاني، بعنوان (نظام المصارف صيغة مقترحة لتنظيم قطاع مصرفي إسلامي) ص 67-94، للمؤلف وآخرين.

ص: 552

3-

الحسابات الاستثمارية:

تشبه الحسابات الاستثمارية في البنوك الإسلامية أنواع الحسابات الأخرى من حيث إنها قيود في دفاتر البنك، إلا أنها تختلف عنها في أنها معتمدة على صيغة المضاربة لا القرض. فالحسابات الاستثمارية في المصارف الإسلامية هي البديل للحسابات الآجلة في المصارف التقليدية، فالغرض منها إيجاد فرصة النماء لأموال العميل عن طريق استثمارها وتحقيق الأرباح بدلا عن الفوائد. وربما كانت المضاربة مخصصة (حساب الاستثمار المخصص) فيستخدم البنك الأموال فيما اتفق عليه مع العميل وربما تكون مطلقة (حساب الاستثمار العام) هي أشبه ما تكون بصيغة (اعمل فيه برأيك) فيكون مفوضا في استثمار الأموال في النشاطات التي يراها مناسبة وتبين استمارة فتح الحساب الاستثماري كل هذه الأمور؛ لأنها صيغة التعاقد بين البنك والعميل. والواجب أن يذكر فيها مسألة إذن العميل (رب المال) للبنك (المضارب) بخلط ماله بمال المضاربة، وتقديم مال المضاربة لمستثمر آخر على أساس المضاربة أو المشاركة، أو العمل بالمرابحة

إلخ. لكن ذلك قليلا ما يحدث، إذ المعتاد أن لا تنص هذه الاستمارة على مثل هذا التفصيل.

اختلفت البنوك الإسلامية في هذه المسألة إلى ثلاث فرق: الأولي: تقتصر على تكوين صناديق الاستثمار (التي سيأتي الحديث عنها لاحقا) والثانية: تقدم حسابات استثمارية تشبه في إجراءاتها ما اعتاد عليه الناس في البنوك التقليدية، والثالثة تجمع بين الأمرين. وسنعرض أدناه لأنواع الحسابات الاستثمارية في هذه البنوك.

ص: 553

4-

طبيعة العلاقة التعاقدية بين البنك والمودعين في الحسابات الاستثمارية:

لا تظهر الطبيعة الخاصة والصبغة الإسلامية لعمل البنك كمثل ظهورها في الحسابات الاستثمارية. ذلك أنها معتمدة على صيغة المضاربة المتوازية أو (المضارب يضارب) . ذلك أن المودع في هذه الحسابات هو رب مال في عقد مضاربة يكون البنك فيه العامل، فيقوم الأخير باستثمار الأموال واقتسام ما يقسم الله من ربح من رب المال على ما اتفقا عليه في العقد. ونظرا إلى أن الوظيفة الأساسية للبنك هي الواسطة المالية وليست مباشرة التجارة والصناعة ومزاحمة رجال الأعمال والمنظمين في تجارتهم ونشاطهم وإنما هي مساعدتهم بتوفير التمويل لمشاريعهم، لذلك فإن البنك يقدم هذه الأموال إلى المستثمرين بصيغة المضاربة أيضا، فيكون هو (أي البنك) رب مال والمستفيد من رجال الصناعة والتجارة هو العامل، ويقتسمان الربح على ما اتفقا عليه. فيكون عمل البنك عندئذ مضارب يضارب. ويد المصرف في هذه الأموال يد أمانة لا ضمان، ولذلك كان على العميل أن يتحمل ما يحدث في المال من خسارة إذا كانت بغير تعد أو تقصير من المضارب.

وتقوم البنوك بخلط أموال المستثمرين مع جزء من الودائع الجارية. ذلك أن الودائع الجارية هي قروض حسنة ولذلك فهي مضمونة على البنك ومن ثم له أن يستثمرها لنفسه. وعندما يفعل ذلك تكون الصيغة التي يعمل بها البنك هي المضاربة مع خلط الأموال، أي أن المضارب (البنك) يعمل بأموال أرباب المال (المودعين) ويخلطها بأمواله الخاصة. فيحصل على الربح من مصدرين، الأول باعتباره مضارب، والثاني باعتباره شريكا في هذه الأموال.

ص: 554

5-

التنضيض الحكمي:

اقتضت طبيعة عمل المصرف كوسيط مالي ضرورة أن تكون فرص الاستثمار وتنمية أموال المودعين التي يوفرها لعملائه ذات درجة عالية من السيولة بالمعنى أن أصحابها يمكن لهم تحويلها إلى نقود في وقت قصير وبتكاليف متدنية. ومعلوم أن الاستثمار في المشاريع الصناعية والزراعية والإنشائية الذي توجه إليه أموال أولئك العملاء لا يتضمن لهذه الصفة بل يستغرق وقتا طويلا ولا تتحقق الأرباح إلا بعد تخطي المشاريع لمراحل التأسيس التي ربما استمرت سنوات. وحتى في الأحوال العادية فإن الأرباح في المشاريع القائمة لا توزع إلا في نهاية العام عند إصدار الميزانيات السنوية. وفي الجهة المقابلة فإن العملاء الذين يودعون أموالهم في الحسابات الاستثمارية لدى البنك لا تجتذب أموالهم لمثل ذلك إلا إذا توفرت لهم السيولة وعند اطمئنانهم إلى أن بإمكانهم سحب تلك الودائع في مدة معقولة. إذن فإن البنوك تواجه هدفين متناقضين فهي من جانب الأصول (بمعناها المحاسبي) لا بد أن تكون استثماراتها ذات نظرة طويلة الأجل، ومن حيث الخصوم (بالمعنى المحاسبي) لا بد أن تكون استثماراتها ذات نظرة قصيرة الأجل. ولا ريب أن هذا الوضع يولد مصاعب كثيرة حتى ضمن صيغة العمل المصرفي التقليدي، إلا أنها في النظام المصرفي الإسلامي تولد مصاعب إضافية. ذلك أن عمل المصرف الإسلامي يقوم على صيغة المضاربة فالمودعون في الحسابات الاستثمارية هم أرباب مال في عقد مضاربة يكون المصرف فيه عاملا. والربح كما هو معلوم لا يتحقق في المضاربة إلا بالتنضيض وسلامة رأس المال والقسمة. عندئذ فحسبما يظهر تحقق الربح (أو عدمه) ويجري التوزيع بين العامل ورب المال بحسب ما اتفقا عليه. وهذا أمر غير ممكن في ظل عمل المصرف للأسباب التالية:

1-

ما ذكرنا آنفا من أن عملاء البنوك يهتمون بمسألة السيولة وتناقض ذلك مع حقيقة أن المشاريع تحتاج إلى وقت لتحقيق الربح.

ص: 555

2-

أن المصرف، وإن كان في أصله مضاربا، فإن نشاطه مستمر، فهو يقف مستعدا لقبول ودائع العملاء في أي وقت يقدمونها. وهو وإن حدد أوقاتا معينة لقبول تلك الودائع، فإن طبيعة عمله تقتضي أن تكون تلك الأوقات متقاربة، مثل أن تكون اليوم الأول من كل أسبوع، أو مرة في كل أسبوعين أو نحو ذلك. ثم إن أرباب الأموال الجدد إنما يضيف المصرف أموالهم إلى من سبقهم، الأمر الذي يحتاج معه إلى التحقيق من سلامة رأس المال القديم وما إذا كان الربح قد تحقق أم لا.

ولما كان من المحال أن يعمد المصرف في كل أسبوع أو شهر أو نحو ذلك إلى التنضيض الشرعي وهو صيرورة المال نقدا في المضاربة بعد إن كان متاعا أي سلعا وبضائع. (1) فكان المخرج من كل هذا هو التنضيض الحكمي. ويمكن تعريف التنضيض الحكمي بأنه تقويم أحوال المضاربة في نهاية الفترة المتفق عليها (كسنة أو شهر أو أقل من ذلك أو أكثر) واعتماد ذلك التقويم أساسا لتوزيع الأرباح ورد رأس مال من يرغب من أرباب المال بدون تصفية فعلية للمضاربة. وربما تكون تلك الأصول استثمارات في مشروعات مختلفة أو سلعا أو منشآت عقارية أو ديونا.

ويكثر استخدام هذه الطريقة في البنوك الإسلامية في الودائع الاستثمارية وفي صناديق الاستثمار التي تديرها البنوك وذلك لتحقيق الاستمرارية في نشاط المصرف ومعالجة مشكلة عدم التوافق في مدد الأصول والخصوم. وقد تعرض قرار المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي رقم (5) في دورته الرابعة في سنة 1408هـ الموافق 1988م إلى مسألة التقويم لمعرفة الربح فأجاز ذلك في صيغة سندات المقارضة وهي شبيهة بما نحن بصدده.

وتعتمد فكرة التنضيض الحكمي إلى إجراء تصفية محاسبية لكل المشاريع التي تستثمر الأموال فيها والتعرف –بطريق الحساب-على مسألة سلامة رأس المال والربح. ويمكن أن يقوم المصرف بهذه العملية متى شاء (مرة كل أسبوع أو أكثر أو أقل) . وعندها يتبين له ما ذكر، يقوم عندئذ برد أموال من رغب في سحب أمواله من المودعين ويقوم بتوزيع الربح على عملائه، كما يقبل عندئذ – وقد تبين له الموقف- أموال المودعين الجدد فيبدءون دورة جديدة مع من استمر من المودعين القدامى. وتتحقق القسمة لن البنك وهو المضارب يقوم بحسم نصيبه من الربح بناء على التنضيض الحكمي. وتعتبر نتائج عملية التنضيض الحكمي –نهائية-فلا يعودون إلى مستثمر سحب نقوده مع ربح إذا تحققت الخسارة فيما بعد ولا عكس ذلك.

د. محمد علي القري

(1) نزيه حماد، معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء، المعهد العالمي للفكر الإسلامي واشنطن 1414هـ

ص: 556