المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ملخصلأعمال الندوة الفقهية السابعة - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد التاسع

- ‌بحث فيالذهب في بعض خصائصه وأحكامهإعداد الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌تجارة الذهبفي أهم صورها وأحكامهاإعدادد. صالح بن زابن المرزوقي

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعدادد. الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعدادد. محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌السلم وتطبيقاته المعاصرةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعداد الشيخ حسن الجواهري

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعداد نزيه كمال حماد

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. سامي حسن حمود

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. حسين كامل فهمي

- ‌الحسابات والودائع المصرفيةإعدادد. محمد علي القري

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. حمد عبيد الكبيسي

- ‌الودائع المصرفية(تكييفها الفقهي وأحكامها)إعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌أحكام الودائع المصرفيةتأليفالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌الحسابات الجاريةوأثرها في تنشيط الحركة الاقتصاديةإعدادد. مسعود بن مسعد الثبيتي

- ‌الاستثمار في الأسهموالوحدات والصناديق الاستثماريةإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌ موضوع الاستثمار في الأسهم

- ‌الاستثمار في الأسهمإعدادد. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثماريةإعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌مناقصات العقود الإداريةعقود التوريد ومقاولات الأشغال العامةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌المناقصات(عقد الاحتياط ودفع التهمة)إعدادالشيخ حسن الجواهري

- ‌انخفاض قيمة العملة الورقية بسبب التضخمالنقدي وأثره بالنسبة للديون السابقةوفي أي حد يعتبر الانخفاض ملحقاً بالكسادإعدادالدكتور مصطفى أحمد الزرقا

- ‌التضخم والكسادفي ميزان الفقه الإسلاميإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌حكم ربط الحقوق والالتزاماتبمستوى الأسعارإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌أثر التضخم والكسادفي الحقوق والالتزامات الآجلةوموقف الفقه الإسلامي منهإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌مفهوم كساد النقود الورقيةوأثره في تعيين الحقوق والالتزامات الآجلةحدود التضخمالتي يمكن أن تعتبر معه النقود الورقية نقودًا كاسدةإعدادالدكتور ناجي بن محمد شفيق عجم

- ‌كساد النقود الورقية وانقطاعها وغلاؤها ورخصهاوأثر ذلك في تعيين الحقوق والالتزاماتإعدادالدكتور محمد علي القري بن عيد

- ‌كساد النقود وانقطاعهابين الفقه والاقتصادإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ خليل محي الدين الميس

- ‌سد الذرائعإعدادأ. د وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ محمد الشيباني بن محمد بن أحمد

- ‌سد الذرائععند الأصوليين والفقهاءإعدادالأستاذ الدكتور خليفة بابكر الحسن

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ مجاهد الإسلام القاسمي

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور علي داود جفال

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌مقارنة بين الذرائع والحيلومدى الوفاق والخلاف بينهماإعدادحمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ الدكتور الطيب سلامة

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور أحمد محمد المقري

- ‌مبدأ التحكيمفي الفقه الإسلاميإعدادالمستشار محمد بدر يوسف المنياوي

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميمبدؤه وفلسفتهإعدادالدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري

- ‌التحكيمإعدادالأستاذ الدكتور عبد العزيز الخياط

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعداد الأستاذ محمود شمام

- ‌نقص المناعة المكتسبة(الإيدز)أحكامه وعلاقة المريض الأسرية والاجتماعيةإعدادالدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌الأسرة ومرض الإيدزإعدادالدكتور جاسم علي سالم

- ‌إجراءات الوقاية الزوجية في الفقه الإسلاميمن مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)إعدادالشيخ أحمد موسى الموسى

- ‌ملخصلأعمال الندوة الفقهية السابعة

- ‌الإيدز ومشاكله الاجتماعية والفقهيةوثيقة مقدمة منالدكتور محمد علي البار

الفصل: ‌ملخصلأعمال الندوة الفقهية السابعة

رؤية إسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الإيدز

‌ملخص

لأعمال الندوة الفقهية السابعة

للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت

إعداد

الدكتور أحمد رجائي الجندي

الأمين العام المساعد للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت

بسم الله الرحمن الرحيم

يعتبر مرض الإيدز من أخطر الأمراض التي أصابت البشرية منذ خلق الله الأرض ومن عليها، وقد ثار جدل كثير حول كيفية ظهور المرض وتشخيصه لأول مرة، وقد أثبتت الأبحاث والدراسات أنه رغم أن أول حالة مكتشفة لمرض الإيدز كانت عام 1981 إلا أنه ثبت أيضًا بتحليل عينات الدم التي كانت محفوظة لمدة في المعامل المركزية بالولايات المتحدة لأشخاص توفوا دون معرفة سبب الوفاة أن هذا المرض كان موجودًا منذ عام 1965 من بين تلك العينات المحفوظة

وليس هذا مهمًا إلا أن المهم أن فيروس هذا المرض ضعيف جدًا ولا يقاوم درجة الجفاف أو ارتفاع الحرارة إلا أنه إذا دخل دم الإنسان فإنه لايترك صاحبه إلا معه في القبر.

وحتى الآن لم يتم التوصل إلى علاج المرض، وليس ثمة أمل في العشر سنوات القادمة للوصول إلى علاج حاسم للمرض أو لقاح واق نتيجة التطور السريع للفيروس وعدم ثباتة على شكل أو صورة معينة مما يسبب الكثير من المتاعب للعلماء لكي يتوصلوا إلى معرفة دواء لهذا الوباء.

وأهم ما توصل إليه العلماء حتى الآن بعد حصر طرق عدواه هي:

1-

طريق الجماع الجنسي سواء أكان ذلك بين رجل وامرأة أو رجل ورجل أو امرأة وامرأة.

2-

الدخول إلى الدم إما عن طريق نقل الدم أو عن طريق الحقن أو الجروح النافذة.

3-

من الأم المصابة لجنينها إما أثناء الحمل أو أثناء الولادة.

ص: 2058

والطريقان الأخيران أمكن السيطرة إلى حد كبير عليهما خاصة بعد اكتشاف طرق الكشف عن الفيروس بالطرق السريعة والحديثة ورغم هذا فهناك الكثير من المآسي التي نسمع بها من وقت لآخر سواء في فرنسا أو المانية أو بلاد أخرى، إلا أن هذه الصور في طريقها إلى الاختفاء إن شاء الله.

والطريق الأول في نقل العدوى وهو الجنس والذي يمثل أخطر الطرق وأكثرها شيوعًا وتصل نسبة الإصابة عن هذا الطريق إلى 80 % والباقي بواسطة الطرق الأخرى، ويمكن السيطرة عليه لو أننا مسلمون أو غير مسلمين اتبعنا الأوامر الربانية التي تنهى عن الزنا وتعتبره حرامًا واجتناب الطرق المؤدية إليه حتى لا يقع الإنسان أمام ضعفه البشري مصداقًا لقوله تعالى:{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32] .

فالشهوة إحدى الصفات الحيوانية كما وصفها الرسول الكريم في حديثه: ((رَكَّبَ الله الحيوان من شهوة بلا عقل وركَّب الملائكة من عقل بلا شهوة وركَّب الإنسان من كليهما فمن طغت شهوته على عقله كان عند الله أشر من البهائم ومن طغى عقله على شهوته كان عند الله أخير من الملائكة)) ولم يدرك الغرب فداحة الأمر وبدلًا من الدعوة إلى الفضيلة والحث عليها خرجوا بمصطلحات ما أنزل الله بها من سلطان مثل الجنس الآمن باستعمال العازل الذكري أو الأنثوي والذي ثبت فشله في الوقاية في كثير من الأحوال إذ نجاحه يحتاج استخدامه منذ بداية العملية إلى نهايتها والحرص الشديد ألا يخرج منيٌّ خارجه ولا يصل السائل المهبلي على الذكر وبرغم كل هذه الاحتياطات الشديدة فقد ثبت أن نسبة الأمان لا تصل إلى مائة بالمائة حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية. وقد أظهر كثير من الاستطلاعات مع من أصيبوا بالفيروس بأن العازل الذكري كان في متناول أيديهم لكنهم ساعة العملية نسوا الله فأنساهم أنفسهم وتلك كانت العاقبة.

وكذلك فإن تفشي الإصابة بهذا المرض أصبحت علامة مميزة لتلك الدول التي ظهر فيها ما يسمى بصناعة أو سياحة الجنس فهناك قرى كاملة أبيدت عن آخرها بسبب هذا المرض أو أبيد فيها شبابها وتركوا من ورائهم ذرية ضعافًا أو كهولًا لا يقدرون على إنتاج شيء.

ص: 2059

ومن حسن الحظ أن العدوى بفيروس هذا المرض قد وصلت إلى الدول الإسلامية متأخرة وبعد التعرف على بعض من خصائص الفيروس وطرق عدواه فتنبهت هذه الدول وأصدرت الكثير من التحذيرات والتعليمات إلى أبنائها لكي يتجنبوا الإصابة بهذا المرض الخطير، وتظهر الإحصائيات العالمية أن الدول الإسلامية والجاليات الإسلامية التي تعيش في المهجر ما زالت نسبة الإصابة فيها أقل من مثيلاتها في الدول غير الإسلامية وليس هناك من سبب يميز دولنا الإسلامية عن غيرها، إلا الوازع الديني في بلاد المسلمين الذي أولى جريمة الزنا خصوصية كبيرة وشدد عقوبتها لعلها الجريمة الوحيدة في الإسلام المنصوص عليها بالتفصيل الكامل وهي عقوبة زاجرة.

إلا أن الحقائق المتوفرة الآن حول المرض تدل على أن جميع دول العالم بها إصابات ولا يوجد شعب محصن ضد هذا المرض، بل الأخطر من ذلك بأن بداية المرض كانت الإصابات فيه إصابات خارجية أي أتت من خارج ديار المسلمين، أما الجديد الآن فإن كثيرًا من الإصابات أصبحت إصابات داخلية أي من بين أفراد البلد الواحد وهذا مؤشر خطير يجب أخذه بعين الاعتبار نحو التوعية من المرض وطرق الإصابة والتوعية بطرق الوقاية.

إضافة إلى ذلك فإن أعداد المصابين بالمرض في زيادة مستمرة عامًا بعد آخر، وأن معظم الحالات بين الذكور وتصل إلى حوالي 75 % من الحالات وعمر المصابين يتراوح بين 15 – 49 عامًا، أي عمر الإنتاج والعمل والشباب والفتوة، وهذا يمثل 90 % من الحالات والمتوقع أن يصل عدد المصابين في عام 2000 إلى حوالي 40 مليون ما بين طفل ورجل وامرأة، وسيصل عدد الأيتام إلى حوالي 10 ملايين طفل يتيم، ولقد تبين من الإحصائيات العالمية أن المرض أكثر انتشارا في إفريقيا وجنوب شرق آسيا والهند حيث يكثر الفقر وتتحول الدعارة والجنس إلى مصدر للرزق أو صناعة يتولاها ويمولها تجار الموت كما في المخدرات، كما بدأت تظهر علامات خطيرة كمضاعفات للإصابة بمرض الإيدز في تفشي كثير من الأمراض التي تسمى أمراضًا انتهازية والتي كان العالم على وشك إعلان التخلص منها فحالات السل الرئوي في ازدياد خطير ولعل أخطر المناطق في إفريقيا حيث يصل عدد الإصابات بفيروس الإيدز فيها إلى حوالي 9 مليون إصابة وقد توفي منهم حوالي مليونين وتحول نظام الرعاية الصحية في هذه الدول إلى رعاية لمرضى الإيدز والذين يحتلون حوالي 75 % من الأسرة في جميع المستشفيات التي لا يتوافر فيها الحد الأدنى من العلاج لارتفاع تكاليفه.

ص: 2060

يأتي بعد إفريقيا جنوب آسيا إذ يقدر عدد الإصابات الآن بحوالي مليوني مواطن في الفترة الأخيرة وهي أربعة أضعاف ما كانت عليه الحالة في عام 1991 وتقدر السلطات المسؤولة في تايلاند بأنه بحلول عام 2000 سوف تكون قيمة خسائرها حوالي 9 مليار دولار بسبب مرض الإيدز وبذلك نجد أن المرض كان مشكلة الدول المتقدمة إلا أنه الآن أصبح الخطر الداهم والمشكلة الكبرى للدول النامية والفقيرة لسببين:

أ- إذ أن سن الإصابة هي سن الإنتاج والسعي والإعالة وعند الوفاة تفقد الأسرة مواردها وعائلها وتفقد الدولة عنصرًا من عناصر الإنتاج.

ب- التكلفة المالية لمريض الإيدز عالية جدًا وتمثل عبئًا خطيرًا على موارد الدولة حيث تحولت الخدمات الصحية الأولية الضرورية والتي من المفروض تقديمها لأبناء هذه الدول إلى خدمات لمرضى الإيدز مما يشكل نكسة في الخدمات الصحية.

هذا عن مرض الإيدز وما يمثله من مخاطر على المجتمعات الإنسانية جميعًا سواء أكانت الإصابة به عن طريق الجنس أو الدم أو الأم.

ونتيجة لتراكمات لاثني عشر عامًا منذ ظهور أول حالة مرضية حتى الآن ظهرت مشاكل اجتماعية كثيرة اجتهدت فيها الدول الغربية وعقدت الكثير من اللقاءات والاجتماعات لوضع الأطر التي تحدد حقوق وواجبات المصابين والمرضى بمرض الإيدز وغاب الرأي الإسلامي إلا من اجتهادات فردية جاءت غير ملبية للمتطلبات العامة فبادرت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية لعقد ندوتها الفقهية الطبية السابعة بمشاركة وزارة الصحة بالكويت ومجمع الفقه الإسلامي بجدة والمكتب الإقليمي بالإسكندرية لمنظمة الصحة العالمية.

والمشاكل الاجتماعية التي ناقشتها الندوة هي:

حكم عزل مريض الإيدز – حكم تعمد نقل العدوى – حقوق الزوج المصاب وواجباته – حكم زواج حاملي فيروس الإيدز – حق المعاشرة بالنسبة للمصابين – حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة – حق طلب التفريق أو الطلاق للزوج السليم – حكم إجهاض الحامل في ظل مرض الإيدز – حكم حضانة الأم المصابة لوليدها السليم وإرضاعه – حكم اعتبار مرض الإيدز مرض الموت.

ص: 2061

ومرفق مع هذا ملخص عن الجوانب الطبية والرأي الفقهي في المشاكل الاجتماعية التي نوقشت أثناء الندوة والتوصيات التي أوصى بها المؤتمرون، إضافة إلى ذلك كتبنا في بداية الملخص كيف يمكن معالجة الإصابة بالمرض باتباع التعاليم الإسلامية، ولعلي هنا أقول بأن العالم غير الإسلامي يرفع شعار الجنس الآمن باستخدام العوازل الذكرية والأنثوية لتقليل فرص الإصابة.

بينما المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية والمكتب الإقليمي بالأسكندرية لمنظمة الصحة العالمية برفع شعار (الجنس الحلال) عن طريق اتباع ما أحله الله لنا والعفة والفضيلة والابتعاد عما نهانا عنه هو الضمان بعدم الإصابة نهائيًا لا تقليلها والحد من عدد الإصابات الحالية.

وقد تصادف بعد عقد ندوتنا أن عقدت الكويت مؤتمرها العالمي الرابع عن مرض الإيدز وشارك فيه نخبة من العلماء العاملين في هذا المرض وقد تبين الآتي:

1-

أن المرض ليس قاصرًا على قطر بعينه دون آخر فجميع دول العالم ظهرت فيها الإصابة كما أن الفيروس يصيب جميع الأعمار ولا يختص عمرًا معينًا.

2-

أن عوامل انتشار المرض هي إشاعة الفاحشة والجري وراء الغرائر.

كالحيوانات أو أشد سوءًا أو الوقوع في براثن إدمان المخدرات والمسكرات.

3-

أن عوامل الانتشار هذه تكثر حيث يقل الوازع الديني ويكثر الفقر والفاقة وهما من العوامل المساعدة لانتشار الإصابة بالمرض.

4-

أن الإصابة بالفيروس كانت قليلة خاصة في أفريقيا وجنوب شرق آسيا إلا أنها انفجرت وأصبحت كالنار في الهشيم، ويمكن حدوث ذلك في أي منطقة من مناطق العالم لأن الفيروس لم يعد كامنًا ولا مختصًا بالجماعات التي تمارس الشذوذ الجنسي وعلى الجميع أن يعوا الدروس المستفادة من تلك المناطق حتى لا تقع في بلادهم واتباع أسلوب وقائي فعال خاصة أن الدول الإسلامية لديها تراثها وتقاليدها التي يمكن أن تلعب دورًا هامًا في حماية مواطنيها من الإصابة.

5-

توعية الشباب بأن الطرق الخاصة (بالجنس الآمن) غير مضمونة فهي تعتمد على عوامل كثيرة لكن الحلال هو الطريق الوحيد المضمون مائة بالمائة.

6-

عمل برامج توعية ومخاطبة الناس باللغة التي يفهمونها وحسب تقاليدهم بأخطار المرض فقد ثبت أن الإنسان يهتم حيثما كان بالاستماع والتعلم إذا كان الأمر يتعلق بحياته أو حياة أسرته.

ص: 2062

7-

الاهتمام بالشباب خاصة في الدول ذات الوفرة المالية والتي يستطيع أبناؤها السفر خاصة إلى المناطق الموبوءة فيجب الحض على الفضيلة والعفة والسلوك السوي ويجب أن تكون التوعية بالصورة الحقيقية عن المرض دون إفراط أو تفريط.

8-

يجب أن يشارك في انحصار المرض كل أفراد المجتمع والجهات المسؤولة من الإعلام والتربية والتعليم والعمل والشئون الاجتماعية.

9-

يجب العناية بمن أصيبوا بالفيروس وأن يقدم لهم كل الرعاية الصحية الممكنة وألا يتعرضوا للأذى النفسي أو الاجتماعي بسبب الإصابة.

السياسة الشرعية في مواجهة مرض الأيدز

نطلق اسم الأمراض المعدية على طائفة من الأمراض تسببها كائنات دقيقة تدعى المكروبات أو الجراثيم.

والعادة أن يكون لكل جرثوم مستقر ومستودع. أما مستقره الذي يهمنا فهو الإنسان. وأما مستودعه فهو المنبع الذي يضمن استمرار العدوى.

ونعني بالعدوى نزول الجرثوم بساحة البدن، أي دخوله إليه وتكاثره فيه.

ولا تعني العدوى حتمًا حدوث المرض، لأن الله سبحانه قد زود الإنسان بجهاز مناعي يتولى مسؤولية الدفاع عن البدن ضد هذه العداوى ويقوم الجهاز المناعي بهذا العمل بواسطة أصناف متعددة من الخلايا، منها ما يهاجم الجرثوم بذاته فيلتهمه أو يقتله، ومنها ما يهاجم الجرثوم بمفرزاته (التي نسميها الأجسام المضادة أو الأضداد) ، ومنها ما يساعد الأصناف الأخرى من الخلايا في الهجوم فيقوم بدور المؤازر والمساعف.

من أجل ذلك إذا حدثت العدوى، فيمكن أن تتطور الأمور في أحد اتجاهات أربعة.

ص: 2063

أولها- أن تتغلب وسائل المقاومة أو المناعة في البدن على الجرثوم، وتقضي عليه قبل أن يتمكن من الجسم، وبذلك لا تظهر أعراض المرض.

وثانيها- أن يتغلب الجرثوم ابتداء على وسائل دفاع البدن، فيحدث مرض عدوائي (أي ناجم عن العدوى) ، قد تكون مدته قصيرة وقد تطول، وفي النهاية إما أن يتغلب الجسم فيحدث الشفاء، أو يتغلب الجرثوم فتحدث الوفاة.

وثالثها- أن تقوم وسائل المناعة بتطويق الجرثوم المعتدي، وتضيق عليه الخناق وتحاصره بسور تحيطه به، فيخنس مؤقتا، ولكنه يبقى حيًا متربصًا ينتهز فرصة للانقضاض.

ورابعها- أن تصل الحرب بين وسائل دفاع البدن وبين الجرثوم إلى مرحلة هدنة مسلحة، لا يقضي فيها الجسم على الجرثوم، كما أن الجرثوم لا يقوم بإيذاء البدن، ولكن الشخص يمكن أن ينقل الجرثوم إلى جسم آخر فيسبب فيه العدوى وربما المرض، ويسمى الشخص في هذه الحالة حامل الجرثوم. على أنه في بعض أحوال هذه الهدنة المسلحة، ولا سيما تلك التي يطول أمدها، يقوم الجرثوم خلسة بمحاولاته لتدمير الجهاز المناعي وتخريب خلاياه، فإذا نجح في ذلك تحول الوضع لصالح الجرثوم.

وهكذا، فقد يكون الإنسان مصابًا بعدوى جرثوم معين، وهو يحمل هذا الجرثوم فيه ولكنه لا ينقله، وقد يكون مصابًا بالعدوى وهو قادر على نقل الجرثوم للآخرين ولو لم يظهر عليه المرض (وهو من دعوناه حامل الجرثوم) ، وقد تتطور العدوى فيه إلى مرض صريح، يعاني منه صاحبه وينقل جرثومه إلى الآخرين.

الايدز

كلمة الأيدز مؤلفة من الأحرف الأولى بالانكليزية لاسم مرض خطير يدعى (متلازمة العوز المناعي المكتسب) هو متلازمة أي مجموعة من الأعراض المرضية تتلازم وتتزامن. وهو مكتسب لأن الإنسان يكتسبه اكتسابًا بالعدوى. ولما كان الجهاز المناعي في هذا المرض يتم تدميره تدميرًا كبيرًا، فإن الإنسان يصاب بعوز مناعي، أي نقص شديد في عناصر المناعة، ينجم عنه عجز الإنسان عن مجابهة سائر أنواع الجراثيم، بما في ذلك تلك الجراثيم التي ليس من عادتها أن تحدث المرض في الإنسان، ولكنها تنتهز فرصة العوز المناعي لتحدثه، ولذلك تدعى الجراثيم الإنتهازية.

ص: 2064

ومرض الأيدز هذا سببه فيروس، وهو كائن دقيق لا يرى إلا بالمجهر الإليكتروني، يطلق عليه اسم (فيروس العوز المناعي البشري) . وهو ينتقل من الإنسان إلى الإنسان بواسطة سوائل البدن التي تحتوي عليه، وهي بالدرجة الأولى السوائل الجنسية (المني وسوائل عنق الرحم والسائل المهبلي) ، والدم. وعلى هذا يكون الانتقال إما بالاتصال الجنسي (بين شخصين من الجنس نفسه أو من جنسين مختلفين) وإما بنقل الدم نقلًا علاجيًا أو دخوله مع حقن المخدرات أو الأدوات الواخزة للجلد.

طرق انتقال العدوى بفيروس الأيدز

تم اكتشاف الفيروس كما ذكرنا في معظم سوائل الجسم، إلا أن الدراسات الوبائية التي أجريت في شتى أنحاء العالم قد أثبتت أن العدوى تنتقل بثلاثة طرق رئيسية هي:

1-

الاتصالات الجنسية: بين أفراد الجنس الواحد أو الجنسين على السواء. وهذا الطريق يمثل أكثر من 90 % من حالات العدوى ولا سيما بعد تناقص أهمية الطرق الأخرى. وهناك ممارسات جنسية معينة تزيد من خطر انتقال العدوى، مثل تعدد القرناء الجنسيين واللواط، والمخالطة الجنسية للبغايا، وكذلك وجود أمراض تناسلية أخرى.

2-

الدم ومشتقاته: سواء بنقل الدم العلاجي أو باستخدام الإبر والمحاقن الملوثة بالفيروس ولا سيما في حالة تعاطي المخدرات حقنا. وقد قلت أهمية نقل الدم العلاجي بعد اكتشاف وتطبيق وسائل التأكد من خلو الدم المنقول من الفيروس. أما الانتقال في حالة تعاطي المخدرات حقنا فلا تزال له أهمية كبيرة.

3-

انتقال العدوى من الأم للجنين: دل استعمال أحدث طريقة لكشف جزئيات الفيروس، على أن نسبة إصابة الجنين وهو في داخل الرحم بالعدوى هي نسبة ضئيلة لا تتجاوز العشرة بالمائة. وتحدث معظم حالات العدوى للجنين أثناء الولادة من جراء تلوث الجنين بالمفرزات التناسلية المعدية بمعدل ثلاثين بالمائة. ولا تنتقل العدوى من الأم إلى الجنين في ستين بالمائة من الحالات.

ص: 2065

الطرق الأخرى: لا توجد بينات على أن العدوى تنتقل عن طريق الحشرات، أو الطعام أو الشراب، أو المراحيض، أو المسابح (حمامات السباحة) أو المقاعد، أو أدوات الطعام المشتركة، أو حتى الملابس المستعملة.

وقد ذكرت حالات معدودة في العالم كله يعتقد أن العدوى فيها قد انتقلت عن طريق لبن الأم، ومن أن فيروس الإيدز يوجد في لبن الأم في نسبة قليلة جدًا من الحالات، كما هو الحال في إفرازات البدن الأخرى كاللعاب والعرق والبول، فإن العدوى لا تتم عن طريق الجهاز الهضمي، ولكن يظن ظنًا أن المص الذي يمارسه الرضيع مع ما يرافقه من ضغط شديد على الغشاء المخاطي الرقيق في فمه، قد يؤدي إلى انتقال العدوي إذا كانت حلمة الثدي متشققة دامية، ولكن الاحتمال كما ذكرنا ضئيل جدًا.

بعد أن تتم العدوى بهذا الفيروس (أي دخول الفيروس إلى البدن) ، فإنه يختفي بسرعة داخل بعض الخلايا ويندمج فيها ويأخذ في التكاثر تدريجيًا وفي تدميره هذه الخلايا. وتمر العدوى في الجسم بمراحل من أهمها مرحلة الكمون، وهي مرحلة تستغرق ما بين عدة أشهر وعدة سنوات. وخلال هذه المدة يتكاثر الفيروس، ويهاجم خلايا الجهاز المناعي مما يؤدي إلى تناقص عددها شيئًا فشيئًا حتى تصل إلى المستوى الحرج، الذي لا يستطيع معه الشخص المصاب مقاومة جراثيم الأمراض أو الخلايا الضارة مثل الخلايا السرطانية، فيحدث ما هو معروف بمرض الإيدز على وجه الخصوص. وتكون مرحلة الكمون – أي المرحلة ما بين العدوى وبين ظهور الأعراض المميزة للمرض – قصيرة نسبيًا في الأطفال (أقل من سنتين) وتتراوح في البالغين ما بين 7 – 10 سنوات. وتقصر هذه المدة بحدوث أمراض أخرى مصاحبة، أو سوء التغذية، أو الحمل في المرأة. ولذلك فإن متوسطها في إفريقيا خمس سنين لما فيها من سوء في التغذية وأمراض أخرى كالملاريا مثلًا، في حين يكون متوسطها في أمريكا عشر سنين بفضل التغذية الجيدة والعلاج المناسب للأمراض المرافقة.

ويكون الشخص معديًا طوال هذه المدة.

أما مرض الإيدز على وجه الخصوص، فهو المرحلة الأخيرة من مراحل العدوى بفيروس الإيدز، وهي مرحلة تتصف بأعراض وعلامات مرضية ظاهرة ترافقها أمراض الجراثيم الإنتهازية والأورام الخبيثة، وذلك من جراء تدمير الفيروس لخلايا الجهاز المناعي التي تفتك بالجراثيم والخلايا السرطانية. والغالب أن المريض الذي يصل إلى هذه المرحلة، يموت خلال فترة قصيرة قد تكون أشهرًا قليلة ولا تتعدى السنتين.

ص: 2066

طرق المقاومة والمكافحة

تجدر الإشارة إلى أنه لا توجد حتى الآن علاجات شافية ولا لقاحات واقية من العدوى. ولذلك فإن الابتعاد عن السلوكيات المحفوفة بالمخاطر هي السبيل الوحيد لاجتناب العدوى. ومن الممكن حاليًا الوقاية بدرجة كبيرة - تكاد تكون مؤكدة - من العدوى عن طريق الدم المنقول، والحقن والأدوات الثاقبة للجلد، وهناك بعض الأمور التي يحدث فيها جدل كثير ومنها موضوع عزل المريض، وكذلك الأمور المتعلقة بانتقال العدوى من الأم إلى الجنين، سوف نتطرق إليها فيما بعد.

خير سبيل للخروج من المآزق والحماية من المهالك في زمان تكالبت فيه الشهوات وكثرت صنوف المغريات هو تربية النفس الإنسانية على عدم الإفراط في طلب الشهوات والإغراق في المتع والملذات وتربيتها – كذلك – على إحداث توازن بين الغرائز الإنسانية يحقق الهدف من خلفها ويمنعها من التجاوز والطغيان.

فهذان أساسان تقوم عليهما السياسة الإسلامية في مواجهة أسباب هذا المرض ومكافحة الانحرافات والجرائم.

وخير عاصم هو الدين الإسلامي وتعاليمه التي توثق الصلة بالله، فالدين يهدف إلى تحقيق العبودية لله عز وجل التي تستلزم الخضوع لسلطانه، وتنمي الإحساس بدوام مراقبته، وتعلمه تحمل المسؤولية، والخوف من يوم الحساب وبذلك يكون المسلم ملتزمًا في جميع تصرفاته وفي كل ما يأخذ أو يدع، وكل ما يفعل أو يتجنب، يهتدي فيه بهدى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.

وما أكثر الآيات القرآنية التي تبين أن أساس الفلاح في الدنيا والآخرة هو الإيمان بالله واتباع هداه، وأن أساس الفساد والشقاء في الدنيا والنكال في الآخرة هو اتباع الهوى، في قوله تعالى:{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) } [طه: 123، 126] . وقوله: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) } [النازعات: 40 41] .

وما ذكرى الهوى في القرآن الكريم إلا في معرض الذم: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50]، {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد: 14] ، {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد: 16] ..

ص: 2067

وإن الإيمان يجعل الإنسان في حصن من الوقوع في الخطايا لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)) . . . . (1) .

وحتى حين يزين له الشيطان السوء تنفعل نفسه بالإيمان، أو يترك الإيمان في قلبه فيذكر الله ويستحضر جلاله ويخشى عقابه فيرجع إلى الحق والهداية لقوله سبحانه:: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201] .

وفي القرآن الكريم كثير من الأمثلة التي بلغت النفس الإنسانية فيها أعلى درجات الكفاءة في التسامي على الشهوات والتنزه عن الهفوات في رسل الله عليهم السلام ومن سار على دربهم ومن أتباعهم الكرام.

ما رسمه القرآن للوقاية من هذا المرض:

وفضلًا عما أفاض فيه القرآن من تربية النفس على الإيمان والفضائل، فقد وضَّح لنا طريق الوقاية من هذا المرض، بل ومن كل سوء.

وهذا الطريق يتركز على ثلاث شعب، الزواج، الوقاية من الوقوع في الحرام، الردع.

ويجب على من أراد أن يحمي بني البشر من الدمار أن يتبع هذا النهج.

1-

الزواج:

فالزواج هو الطريق الإيجابي لمنع الناس من الوقوع في المحرمات التي تجر إلى هذا الوباء وإلى الدمار، فالحكيم سبحانه وهو رب عباده والخبير بما يصلحهم قد أغلق باب الزنا لمضرته، وفتح في مقابل ذلك أبواب الخير على مصاريعها، فخير صارف للناس عن الحرام هو فتح أبواب الحلال، كما رغَّبنا سبحانه في الزواج على الرغم من أنه استجابة للفطرة.

(1) رواه الشيخان، ورقم الحديث بالؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان 36.

ص: 2068

ودعانا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم إلى تيسير سبيله، وأعلمنا أن تنكُّب هدي الإسلام في الزواج يؤدي إلى الفساد، ففي الحديث الشريف:((إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)) . . . . (1) .

والآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحض على الزواج وتبين أحكامه تجل عن الحصر.

2-

الوقاية من الوقوع في الحرام

وإن المشرع سبحانه لحكمته ورحمته بعباده قد أغلق الأبواب أو سد الذرائع الموصلة للحرام، وأساس هذه الوقاية هو البعد عن المثيرات وهي:

أ- تحريم النظر، فقد فطرنا الله على أن نتأثر بما نرى ونشاهد، حتى قيل: النظر بريد الزنا، ولذا علمنا الرسول عندما يثار أحد أن يلجأ إلى زوجته، ففي الحديث الشريف:(إن المرأة تقبل في صورة شيطان، فمن وجد من ذلك شيئًا فليأت أهله فإنه يذهب ما في نفسه)) . . . . (2) .. لهذا أمرنا سبحانه بغض البصر {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} . [النور: 30] .

وفي توجيه الأمر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليأمر به المؤمنين ما يشعر بأهمية الأمر وتوكيده، حيث يصبح أمرين، أمرًا من الله، وأمرًا من رسوله الذي كلفنا الله اتباعه والانصياع لأمره.

وقدمت الآية غض البصر على حفظ الفرج، لأن الثاني مترتب على الأول، ثم بينت الآية أن ذلك أطهر للنفوس وأقوم للحياة، لأنه يؤدي إلى الاستقرار والبعد عن المهالك وحفظ الفروج يقتضي سترها وحمياتها من الوقوع في الحرام.

(1) سنن الترمذي وسنن ابن ماجة – نكاح -.

(2)

سنن أبي داود – نكاح – 2 / 246، في صورة شيطان، أي يزينها الشيطان في عين الرجل ليثيره.

ص: 2069

وذيلت الآية الكريمة بما يردع النفوس، فمن يتلصص أو يحاول اختلاس النظر فإن الله خبير بفعله وسيجزيه عليه ويوضح ذلك قوله تعالى:{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19] ، أي يعلم ما يحدث من عبده من نظرة خائنة وما يترتب على ذلك حين ترتسم صورة المرئي في صدر الرائي ثم يتخيل نفسه معها في أوضاع محرمة، والنساء – كذلك – مأمورات بغض البصر {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31] .

وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن النظر في أحاديث متعددة.

ب- وجوب الحجاب، فقد أوجب الله على المرأة – من باب الاحتياط، حتى إذا وجد من لا يمتثل لأمر غض البصر فإنه لا يرى ما يثيره – أن تستر بدنها وألا تظهر زينتها، اللهم إلا ما جرت العادة بظهوره وكان في ستره حرج ومشقة كالوجه والكفين، في قوله تعالى:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] .

وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن النظر في أحاديث متعددة.

ومما يؤكد أن المرأة منهية عن فعل ما يثيره قوله تعالى في ختام الآية {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31] .

فالآية تنهي المرأة عن أن تضرب برجلها فيظهر صوت خلخالها، لأن ذلك يثير الرجال، ومثله صوت الأساور والتكسر في المشية وما إلى ذلك.

ومن المعلوم أن من شروط لباس المرأة أن يكون سادلًا فضفاضًا لا يشف عما تحته غير براق أو ملفت للنظر.

ج- تحريم الخلوة فلا يجوز شرعًا أن يخلو رجل بامرأة لا تحل له، لقوله صلى الله عليه وسلم:((لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم)) . . . . . (1) ..

والحكمة من ذلك فضلًا عن حمايتها من قالة السوء وضحها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان)) . . . . (2) .

د- تحريم الاختلاط والتبرج، فلقد حرم الله اختلاط الرجال والنساء – غير المحارم – ولو بدون خلوة، في قوله تعالى:{وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33] ، وذلك لأن الله تعالى خلق الرجال ميالين إلى النساء مفتونين بهن، مصداقًا لقوله تعالى:{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} [آل عمران: 14]، ولقوله صلى الله عليه وسلم:((ما تركت فتنة أضر على الرجال من النساء)) . . . . (3) .

(1) البخاري ومسلم، ورقم الحديث باللؤلؤ والمرجان 850.

(2)

أخرجه الترمذي وأحمد في مسنده: 3 /339

(3)

البخاري ومسلم، ورقم الحديث باللؤلؤ والمرجان: 774

ص: 2070

ومما قاله المفسرون في تفسير التبرج: أن النساء كن يتمشين مع الرجال، وكانت المرأة تستر بدنها وشعرها، ولكنها كانت لا تلوي الخمار على عنقها فترى فتحة قميصها، والجاهلية الأولى: المغرقة في الجهالة.

هـ – وجوب الاستئذان عند الدخول في كل وقت للبالغين، لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور: 27] .

ووجوب استئذان غير البالغين والخدم في ثلاث أوقات هي مظنة عدم اكتمال الستر، في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58] .

والحكمة من ذلك حفظ الحرمات واستقرار البيوت ومنع الإثارة وحماية الصغار من تفتح أذهانهم على العورات وإثارة غرائزهم ليتربوا على الحياء والفضيلة.

و تحريم المثيرات من الأغاني واللهو والمسلسلات والأفلام التي لا هم لها إلا تهييج الغرائز وإثارة الشهوات، في قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان: 6] فقد فسر الصحابة ذلك بأنه الغناء، ولن يضل المرء غيره إلا إذا أصبح إمامًا في الضلال، والشراء مستعار لأن ترك ما يجب فعله، واتباع هذه المنكرات شراء لها.

وهذا كله من فعل الشيطان، لقوله تعالى:{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء: 64] ، أي استزل، أوقعه في الزلل والمعصية، واستخفه وأقطعه عن الحق (القرآن والعلم) إلى الباطل (الغناء والمزامير واللهو) ..

وحذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من الأغاني واللهو في قوله: ((من ذهب إلى قينة (مغنية) صب في أذنه الآنك (الرصاص المذاب) يوم القيامة))

ز- تحريم المسكرات، كما حرم سبحانه ما يذهب العقل الذي هو صمام الأمن لدى الإنسان كي يبقى المرء على إنسانيته وثباته فلا يقع في الضار والمحرم، لأن الذي يفقد عقله يقع في أكبر الفواحش، فقد قال صلى الله عليه وسلم:((الخمر أم الفواحش وأكبر الكبائر ومن شرب الخمر ترك الصلاة ووقع على أمه وخالته)) . . . . (1) .

(1) رواه الطبراني في الكبيرعن ابن عمر.

ص: 2071

ورب العزة سبحانه قد نفرنا من الخمر حيث قرنها بنوعين من الشرك بالله، في العبادة:(الأصنام) وفي علم الغيب: (الأزلام) وبين لنا أن الشيطان فيما يزينه لنا من شربها يوقع بيننا العداوة والغضاء ويصرفنا عن ذكر الله فلا نأبه بالوقوع في محرم ولا نؤدي الصلاة وغيرها من الواجبات، يقول عز من قائل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) } [المائدة: 90 – 91] .

3-

العقوبة الزاجرة:

فإذا لم يجد التربية، ولا فتح باب الحلال ولا سد أبواب الإثارة، ووقع المرء في السوء فلابد من عقوبة رادعة.

والحكمة من مشروعية العقوبة هي مساعدة المرء على الكف عن المعصية وعدم الوقوع فيها، وذلك لأن النفس إذا دعتها الشهوة إلى ارتكاب المعصية وتذكرت العقوبة المترتبة على ذلك فإن ألم العقوبة سيرجح على لذة المعصية فيقل عن الوقوع في السوء.

وقد قرر الله عز وجل للزنا عقوبة رادعة هي الجلد مائة جلدة لغير المحصن، لقوله تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] ..

وقد نهت الآية الكريمة عن الرأفة بالجاني لمصلحته هو أولًا، لأنه إذا أيقن بالعقاب إن وقع في السوء كف عن السوء واتجه إلى الحلال ولمصلحة المجتمع لحمايته من الدمار.

وأما المحصن وهو من سبق له زواج شرعي، حتى ولو طلق أو ترمل، مسلمًا كان أو ذميمًا فإن حده الرجم حتى الموت، لقوله صلى الله عليه وسلم:((خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلًا، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)) . . . . (1) .

(1) رواه مسلم – حدود – والحكمة من النفي أو التغريب هو ابتعاد المذنب عن موطن الجريمة وانقطاعه عن الأسباب التي أدت إليها ووحشته وضعفه بانقطاعه عن أهله.

ص: 2072

وقد أمر صلى الله عليه وسلم برجم من جاءه من المحصنين معترفًا بجريمة الزنا، كماعز والغامدية، والرجم شرعة قديمة نزلت به التوراة، فعن البراء بن عازب قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محممًا (دهن وجهه بالقار) مجلودًا، فدعاهم، فقال. ((أهكذا تجدون حد الزنا في كتابكم؟)) قالوا: نعم فدعا رجلًا من علمائهم فقال: ((أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزنا في كتابكم)) ؟ فقال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك بحد الرجم، ولكن كثر في أشرافنا، وكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقالوا تعالوا لنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم، فقال صلوات الله وسلامه عليه (1) . ((اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه، وأمر به فرجم))

ورجم الزاني المحصن هو الجزاء العادل، فما أشبهه بالعضو الفاسد الذي يجب بتره لسلامة الجسم، فمن يعرف طريق الحلال ثم ينصرف عنه إلى الحرام ويأبى إلى الإفساد والاعتداء على الأعراض، والعمل على تدمير الناس وإهلاكهم فلابد من تطهير المجتمع منه.

عقوبة اللواط:

لقد شدد الله النكير على من وقعوا في هذه الجريمة النكراء التي ليس لها نظير عند غير بني الإنسان (2) ، حيث جعل عالي قريتهم سافلها وأمطرهم حجارة من نار أعدت لمن يتجاوز الحد ويخرج عن الطريق المستقيم، بقوله سبحانه:{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) } [هود: 82 –83] . (3)

وإنما أباد الله قوم لوط – لإصرارهم على هذه الجريمة -، لأنهم أشد على النسل من الوباء الفتاك، فلو فشا فعلهم هذا فلسوف يؤدي إلى فناء البرية بانعدام الذرية.

(1) صحيح مسلم – حدود -27، مسند الإمام أحمد: 4 / 286.

(2)

لقوله تعالى: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 165] فإن من معانيها من دون العالمين

(3)

نضدت في نزولها حيث جاء بعضها في إثر بعض

ص: 2073

وتذييل الآية الثانية يفيد أن ذلك العذاب ليس ببعيد على من يفعل فعلهم فيكون ممن ظلموا أنفسهم بكفرهم وعصيانهم وظلموا أهلهم بهذا العدوان.

والذي يقع في هذه الجريمة النكراء يرى قلة من العلماء أن يقاس حده على الزنا، فيرجم المحصن ويجلد من عداه مائة جلدة.

ولكن جمهور العلماء يرون أنه يقتل مطلقًا، لا فرق بين بكر وثيب، ولا بين كون المفعول به كبيرًا أو صغيرًا، ذكرًا أو امرأة أجنبية (1) ، لأن القياس لا يصح مع وجود النص، فقد قال صلى الله عليه وسلم:((من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)) (2) .

ويجب إقامة حد السكر على متعاطي المخدرات، وأما مروجوها فيقام عليهم حد الحرابة، لأنهم ساعون في الأرض بالفساد.

وقد رفع المنتدون توصية إلى الحكومات والهيئات بوجوب تطبيق حدود الله على المخالفين والعمل على تيسير سبيل الزواج، لأن الوقاية خير من العلاج.

(1) راجع المغنى لابن قدامة: 9 / 61

(2)

سنن أبي داود – حدود -: 28 وسنن ابن ماجة – حدود

ص: 2074

حكم عزل مريض الإيدز

1-

الرأي الطبي:

يعتبر عزل المريض بالمفهوم الصحيح لذلك، أحد الأساسيات في مكافحة الأمراض المعدية بشكل عام، ولكن ما نعنيه بالعزل إنما هو (منع المريض من أن يكون مصدر عدوى للآخرين) . وهذا – كما هو واضح – يختلف باختلاف وسيلة انتقال العدوى، ففي مرض الملاريا مثلًا، يكون العزل بإبعاد المريض عن احتمالات لدغ البعوض له بجعله ينام تحت ناموسية. وفي الأمراض التي تنتقل عن طريق الطعام والشراب كالحمى التيفية (التيفود) والهيضة (الكوليرا) ، يكون العزل بإبعاد مفرزات المريض ولا سيما البراز عن أن تكون مصدرًا لتلوث الأطعمة والأشربة، وذلك بجعل المريض يتبرز في مرحاض خاص، وبتطهير البراز وغسل اليدين بعد التبرز، وفي الأمراض التي تنتقل عدواها عن طريق الجهاز التنفسي كالحمى المخية الشوكي (التهاب السحايا) والتدرن (السل) ، يكون العزل بالحيلولة دون وصول المفرزات التنفسية من المريض إلى السليم، فينام المريض في غرفة وحده، ويتحاشى السعال والعطاس في وجه الآخرين.

إن السلطات الصحية في معظم دول العالم لم تعد تلجأ إلى العزل في معازل خاصة إلا في حالات استثنائية جدًا، عندما لا تتوافر أساسيات الصحة الشخصية في المنزل، وإلا فإن المنزل، بل حتى الغرفة التي يقيم فيها المريض، تفي بأغراض العزل.

وكثيرًا ما يكون العزل لمصلحة المريض، حماية له من أن يعديه الآخرون بأمراض وهو في حالته المنهكة، أو لتقديم رعاية مركزة له.

ص: 2075

فما هو مكان العزل في مرض الإيدز؟

إن مرض الإيدز ينتقل أساسًا عن طريق العلاقة الجنسية، فغاية العزل أن يتم عزل إفرازات الجهاز التناسلي في المرأة والمني في الرجل، عن الوصول إلى الغشاء المخاطي التناسلي لشخص غير مصاب بالعدوى. وقد دلت التجارب على أن استعمال الرفال أو العازل الذكري بالصورة المناسبة، يقلل من احتمالات العدوى إلى درجة كبيرة، فالعزل في الإيدز إذن هو عزل العضو التناسلي عن الإفرازات المحتوية على الفيروس بواسطة العازل الذكري.

ولنذكر أن درجة الإعداء أو احتمالات العدوى من جماع واحد لا تتعدى نصفًا بالمائة (أي مرة من كل مائتي مرة) ، إلا إذا كان أحد الطرفين مصابًا بمرض تناسلي آخر، نسبة احتمال العدوى إلى اثنين بالمائة، فإذا كان هنالك مريض بالإيدز متزوج، استخدم العازل الذكري استخدامًا صحيحًا، أي من أول عملية الاتصال الجنسي إلى آخرها، ولم يكن لديه أمراض تناسلية أخرى، فاحتمال انتقال العدوى إلى الزوجة يكاد يكون معدومًا.

أما مدة العزل، فهي طول الحقبة التي يكون فيها المرء معديًا، وهي محدودة في معظم الأمراض، أما في الإيدز فهي العمر كله.

2-

الرأي الفقهي:

بناء على قواعد الشرع العامة من الحرص على عدم انتشار المرض بين الأفراد من حديثه صلى الله عليه وسلم: ((لا يوردن ممرض على مصح)) (1) . وحديثه ((إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها)) . . . . (2) . وحديثه للمجذوم من وفد ثقيف الذي أقبل لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنا قد بايعناك فارجع)) . . . . (3) . وما حدث من عمر – رضي الله عنه وقد خرج إلى الشام فسمع بالطاعون بها فاستشار الصحابة وقرر الرجوع وعدم الدخول على الوباء فقال له أبو عبيدة – رضي الله عنه –: أفرارًا من قدر الله؟ فقال عمر: نعم، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله (4) . والمعنى نفر من المرض إلى العافية وكلاهما من قدر الله.

(1) البخاري – طب، باب: لا هامة، ومسلم – طيرة، ورقم الحديث باللؤلؤ والمرجان: 1436، وهذا الحديث أقوى الدلائل على الحجر الصحي حتى بين الماشية والأنعام

(2)

مسلم – الطاعون – مع اختلاف يسير في الألفاظ

(3)

مسلم – اجتناب المجذوم – بشرح النووي: 14 / 228 حتى لا يدخل على الناس ويخالطهم.

(4)

صحيح مسلم – كتاب الطاعون – درر: 14 / 210

ص: 2076

وبناء على ما قرره الأطباء من أن العدوى بمرض الإيدز لا تنقل بالممارسات العادية كلمس المريض ومخالطته وتقبيله أو الاستعمال المشترك لأدوات الطعام والشراب أو حمامات السباحة ودورات المياه، أو الاجتماع معه في المدارس والمساجد والملاعب.

وبناء على ما أوصى به الشرع وأكدته المنظمات الدولية من وجوب حسن رعاية المريض والسماح بمزاولة أعماله في صورة اعتيادية فإن عزل المصابين بمرض الإيدز من التلاميذ أو العمال أو غيرهم عن زملائهم الأصحاء ليس له ما يسوغه وكل ما هو مطلوب في هذه الحال هو تجنب ما يؤدي إلى العدوى من الأمور التي ثبت انتقال العدوى بها كالمعاشرة الجنسية، واختلاف الدم ونقله من المريض إلى الصحيح وعدم الاستعمال المشترك للمحاقن والإبر ولا الأشياء الملوثة بدم المصاب وفي حالة الزوجين المصاب أحدهما يستعمل الرفال (الواقي الذكري) عند المعاشرة مع النصيحة بالتداوي والصون والعفاف منعًا لتفاقم المشكلة، وقد يكون من الواجب على المنظمة إصدار نداء للمعتمرين والحجاج بأن يكتفى في التحلل من الإحرام بالتقصير ومن أراد الحلق فليستخدم آلة خاصة به حيث إن الاستخدام المشترك للآلات الحادة مثل الأمواس ربما ينتج عنه التلوث بالدم بين الأفراد.

حكم تعمد نقل العدوى بالإيدز

1-

الرأي الطبي:

ليس في التشريعات الوضعية العالمية عقوبة لمن يثبت أنه يتعمد إعداء الآخرين بعد أن ثبتت إصابته بالعدوى أو المرض، اللهم إلا في روسيا الاتحادية حيث يتعرض متعمد الإعداء إلى العقوبة والسجن، ويبدو أن ذلك التشريع قد وضع للبغايا بصورة خاصة.

على أنه من المأمول أن تحذو القوانين الوضعية حذو الشريعة الإسلامية التي تحرم ذلك اتباعًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا ضرر ولا ضرار)) . . . . مع القاعدة الشرعية الأصولية (الضرر يزال) .

ص: 2077

2-

الرأي الفقهي:

ثبت طبيًا أن أكثر طرق انتقال عدوى الإيدز انتشارًا هي المعاشرة الجنسية إذ تتسبب في ما يربو على 90 % من حالات العدوى، وأنه ينقل كذلك عن طريق الحقن ونقل الدم أو عن طريق الدم من طمث أو جرح يلوث بدم المصاب، كما يحتمل أيضًا أن يحدث عن طريق حدوث خدوش أو جروح تتلوث بإفرازات المصاب بالعدوى، والتي تحتوي على المسببات، وقد يكون نقل العدوى عمدًا لفرد أو جماعات، وقد يكون خطأ أو بدون قصد، ومن الثابت طبيًا – كذلك – أن الإصابة بهذا المرض تؤدي إلى الوفاة طال الزمن أو قصر لعدم اكتشاف علاج شاف حتى الآن.

وعلى ذلك فإن نقل العدوى كوضع السم في الطعام، وهو آلة للقتل، وقد اقتص صلى الله عليه وسلم من اليهودية التي سممت الشاة، وقدمتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بقتلها لما توفي من أكل معه من الشاة، وهو بشر بن البراء بن معرور. (1) .

فالقتل بالأسباب الخفية يوجب القصاص كالقتل بالأسباب الظاهرة حتى لا يتخذها الأشرار وسيلة للوصول إلى مآربهم.

وإن نقل العدوى بالإيدز لمن أشنع صور الحرابة والإفساد في الأرض.

وبناء على ما تقدم فإن تعمد نقل العدوى بهذا المرض إلى السليم منه بأية صورة من صور التعمد، عمل محرم شرعًا، ويعد من الموبقات التي أمر الشرع باجتنابها في قوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الإسراء: 33] وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ((اجتنبوا السبع الموبقات)) . . . . قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)) (2) .

ويستوجب هذا العمل العقوبة الدنيوية فضلًا عن العقوبة الأخروية إن لم يتب.

وتتفاوت العقوبة الدنيوية بقدر جسامة الفعل وأثره على الأفراد وتأثيره على المجتمع، فإن كان قصد المعتد إشاعة هذا المرض الخبيث في المجتمع، فعمله هذا يعد نوعًا من الحرابة والإفساد في الأرض، وقد شدد الله النكير على من يفعل ذلك حيث يقول:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] .

(1) سنن أبي داود: 4 /175

(2)

رواه الشيخان ورقمه باللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان 56

ص: 2078

وقد رأى جماعة من السلف والمالكية أن الإمام مخير في قاطع الطريق بين هذه العقوبات (1) .

ويرى الأحناف أن الآية على التخيير في من قتل وأخذ المال فقط، فالإمام مخير فيه بين قطع اليد والرجل ثم القتل أو قطعهما والصلب أو الصلب فقط (2) .

ورأي فريق ثالث أنها على التنويع (3) لتفاوت الجنايات، والعقل يقتضي أن يكون الجزاء مناسبًا للجناية ويشهد لهذا الرأي ما روي عن أنس رضي الله عنه، من ((أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل جبريل عليه السلام عن القصاص فيمن حارب، فقال: من سرق مالًا وأخاف السبيل فاقطع يده لسرقته ورجله بإخافته، ومن قتل فاقتله، ومن قتل وأخاف السبيل واستحل الفرج والحرام فأصلبه)) (4) .

ومما يؤكد اعتباره كالمحارب ما قاله الإمام مالك (5) . من أن المتستر في ذلك والمعلن بحرابته سواء، والمحتال كالمحارب، وهو الذي يحتال في قتل أو أخذ مال أو هتك عرض وإن لم يشهر السلاح، وقد يكون من المناسب له أن يقتل ويصلب ليتحقق الزجر والردع.

وإن كان قصده إعداء شخص بعينه، وكانت طريقة الإعداء تصيب بهذا المرض غالبًا، وانتقلت العدوى وأدت إلى قتل المنقول إليه يعاقب بالقتل قصاصًا.

وإن تمت العدوى ولم يمت المنقول إليه، عوقب المتعمد بعقوبة تعزيزية مناسبة، وعند حدوث الوفاة يكون من حق الورثة الدية.

وأما إذا كان قصده (من تعمد نقل العدوى) إعداء شخص بعينه ولكن لم تنتقل إليه العدوى، فإنه يعاقب عقوبة تعزيرية.

وإذا تم نقل العدوى عن طريق الخطأ أو لقلة الاحتياط ومات المنقول إليه فإن ذلك قتل خطأ يستوجب الدية، وإن لم يمت المنقول إليه يعزر المتسبب في العدوى تعزيرًا مناسبًا.

(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 6 / 152

(2)

أحكام القرآن للجصاص 418؛ والصلب لا يكون إلا مع القتل.

(3)

الأم للإمام الشافعي: 6 / 139.

(4)

تفسير الطبري: 6 / 216؛ وتفسير ابن كثير:2 / 51

(5)

أحكام القرآن لابن العربي: 2 / 596.

ص: 2079

وتجب عليه كذلك كفارة لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 92] . فهي واجبة لغير المحارب حتى ولو كان غير مسلم وإن عجز عن الصيام أطعم ستين مسكينًا قياسًا على كفارة الظهار والفطر العمد في رمضان.

وغني عن البيان أن ذلك لا يسقط عنه حد الجريمة التي ارتكبها في سبيل العدوى إذا كانت زنا أو لواطًا.

ففي حالة الجلد يتم جلده قبل تنفيذ حد نقل العدوى، وفي حالتي الرجم أو الإلقاء من شاهق يتحمل دية من مات بسبب نقل العدوى، وتجب على العاقلة وهم عصبة الجاني وذلك من باب التآزر، ولكي يأخذوا على الجاني فلا يقع في مثل هذا الخطأ.

حقوق الزوج المصاب وواجباته

أ- أثر الزواج في الحماية من هذا المرض.

ب- حكم الزواج من المصاب.

ج- حق المعاشرة بالنسبة للمصابين بهذا المرض.

د- حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة.

أ- أثر الزواج في الحماية من هذا المرض:

لقد أثبتت الإحصاءات أن الممارسات الجنسية غير المشروعة بين أفراد الجنس الواحد أو الجنسين معًا لها الدور الأكبر في انتقال العدوى بفيروس الإيدز خاصة ممارسة الجنس في بيوت الدعارة حيث تكثر العدوى بالأمراض التناسلية الأخرى مما يزيد من خطورة نقل العدوى.

ص: 2080

ولهذا يدرك العقلاء حكمة الله تعالى في تحريم الإباحية وقصر قضاء الشهوة على طريق مأمون العواقب، وهو الزواج، واعتبار ذلك طريق المؤمنين الفالحين، والخروج عنه جريمة وتعديًا، حيث يقول سبحانه:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 5 – 7]

وقد شدد الله النكير على من يقع في جريمة الزنا حيث جعل حده مائة جلدة إن كان غير محصن كما بينت الآية الكريمة: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2]

وإن كان محصنًا، وهو من سبق له زواج شرعي فحده الرجم حتى الموت لقوله صلى الله عليه وسلم عقب نزوله الآية السابقة:((خذوا عني، فقد جعل الله لهن سبيلًا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)) . . . . (1) .

وشدد النكير كذلك على جريمة اللواط حيث جعل حدها القتل (بالحجارة أو الرمي من شاهق) في قوله صلى الله عليه وسلم: ((من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)) . . . . (2) .

ويدركون الحكمة كذلك في تسمية الزواج إحصانًا والمتزوج محصنًا في قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء: 24] وقوله: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء: 25] .

ولذا رغبنا الشرع في الزواج لأنه الطريق الوحيد لإرواء الغرائز وابتغاء النسل وتحقيق كرامة الإنسان، حيث بين لنا الله أن ذلك من سنن المرسلين في قوله تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38] . وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: ((أربع من سنن المرسلين: الحياء، والتعطر والسواك والنكاح)) (3) .

(1) صحيح مسلم – حدود – ورقم الحديث بالمختصر: 1036

(2)

سنن أبي داود – حدود -: 28، وسنن ابن ماجة حدود

(3)

سنن الإمام أحمد: 5 / 421

ص: 2081

وعَدَّ الرسول صلى الله عليه وسلم الزوجة الصالحة خير متاع الدنيا حيث يقول: ((الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة)) (1)

ويعتبره صلوات الله وسلامه عليه عبادة يستكمل بها المرء نصف دينه، حيث يقول:((من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي)) . . . . (2) . وذلك لأن الزواج يعف المرء عن الزنا فيغلق بابًا من بابي الذنوب، وهو باب الفرج، لقوله صلى الله عليه وسلم:((من وقاه الله شر اثنتين له الجنة، ما بين لحييه (فكيه) وما بين رجليه)) (3) .

وعلى ذلك، فالزواج نعمة من الله تستوجب الشكر، ولذا امتن الله علينا في قوله:{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] .

ومدح من يسأله من عباده الزوجة والذرية، حيث يقول:{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74] .

وقد كلَّف الله الأمة أن تزوج من لا زوج له في قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور: 32] .

وشرع الله عز وجل – على مر العصور – تعدد الزوجات ليكون صمام أمن من الوقوع في المحارم، حيث يقول سبحانه:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] ، فقد قال العلماء في العلاقة بين فعل الشرط وجوابه في الآية الكريمة يا من تحذرون ظلم اليتامى احذروا الزنا وأمامكم الحلال الطيب من واحدة إلى أربع.

(1) مختصر صحيح مسلم، حديث رقم 897

(2)

رواه الطبراني والحاكم

(3)

مسند الإمام أحمد: 5 / 362

ص: 2082

رعاية المعاشرة الزوجية:

وقد رعى الإسلام المعاشرة الزوجية في أخص خصوصياتها وهو الجماع، حيث بيَّن القرآن الكريم وقته وهو طهر الزوجة من الحيض والنفاس في قوله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] .

وبيَّن – كذلك – موضعه، وهو مكان الإنجاب، في قوله تعالى:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] . وقوله: {مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222] أي في الموضع الذي أمركم الله باجتنابه وقت نزول الدم وهو الفرج.

ولعل حكمه الله في نهيه الرجل عن إتيان زوجته وهي حائض أو نفساء، وعن إتيانها في الدبر تتجلى الآن في ضوء ما عرف من أثر الدم الطمث واللواط في انتشار عدوى الإيدز.

كما اعتبر الشرع إحصان الزوج لزوجته عبادة يتقرب بها إلى ربه، حيث جاء في الحديث ((وفي بُضْع أحدكم صدقة)) قالوا يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ فقال:((أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه فيها وزر؟)) قالوا: نعم. قال ((فكذلك إذا وضعها في الحلال يكون له الأجر)) (1) .

وهذا حق للزوجة لا يجوز أن يشغل عنه المرء بكثرة الصيام والقيام، فقد قال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص:((يا عبد الله، ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل)) . . . . فقلت: بلى يا رسول الله، قال:((فلا تفعل، صم وافطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقًا، وإن لعينك عليك حقًا وإن لزوجك عليك حقًا)) . . . . (2) .

حكم زواج حاملي فيروس الإيدز:

إذا كان الزواج أعظم وسيلة للوقاية من انتشار العدوى بمرض الإيدز فيجب ألا يكون سببًا في نقله وانتشاره.

ولا يجوز أبدًا لمن يعلم أنه مصاب بمرض الإيدز أن يقدم على الزواج من إنسان سليم بدون إعلامه بذلك لأن في ذلك إضرارًا به وقد نهانا صلى الله عليه وسلم عن إضرار الآخرين حيث يقول: ((لا ضرر ولا ضرار)) . . . . (3) . ولأن في إخفاء ذلك تدليسًا وغشًا، وقد نفر صلى الله عليه وسلم من الغش لأنه يخرج عن حوزة الإسلام ففي الحديث الشريف:((من غش فليس مني)) (4) .

وإذا أخفى المريض بالإيدز على زوجه ذلك وتم الزواج وانتقلت العدوى فهو متعمد العدوى.

(1) مسند الإمام أحمد: 5 / 167

(2)

رواه الشيخان، ورقم الحديث باللؤلؤ والمرجان: 715

(3)

أخرجه أحمد وابن ماجة عن ابن عباس

(4)

صحيح مسلم – بيوع – ورقم الحديث بالمختصر 947

ص: 2083

وجوب الفحص على الزوجين:

وقد يكون من الواجب في ظل هذا الخطر الداهم أن يفرض على كلا الزوجين إجراء فحص للتأكد من خلوهما من مرض الإيدز، ولكل منهما طلبه من الطرف الآخر.

وللحكومة أن تعتبره من مسوغات إبرام العقد من باب حماية أفرادها، لأننا نحكم بالتفريق لوجوده بأحد الزوجين بعد العقد.

وهل يجوز للمصابين الزواج؟:

يجوز زواجهما سواء امتنعًا عن الإنجاب عن طريق العزل أو الرفال، أو لم يمتنعا.

أما في حالة إصابة المرأة فإن انتقال العدوى إلى الجنين يحدث في نسبة ليست قليلة ويجب لهذا الاحتراز من الحمل.

حق المعاشرة بالنسبة للمصابين بهذا المرض:

من المعلوم شرعًا أن الجماع من مقومات الحياة الزوجية، وأنه حق لكلا الزوجين على سواء، وأن انعدامه بدون عذر مخالفة شرعية قد وضع الإسلام لها حدا، ففي حالة امتناع الزوجة من تمكين زوجها من وطئها – بدون عذر شرعي – تعتبر ناشزًا، وعلى الزوج أن يحاول إصلاحها بواسطة حكمين فإن لم يجد ذلك سقطت نفقتها، وحق له أن يطلق أو يرفع الأمر إلى القاضي ليحكم بالتفريق، وفي كلتا الحالتين تحرم الزوجة من حقوق المطلقة من المتعة والنفقة هذا فضلًا عما ينالها من عقاب الله لامتناعها عن تمكين الزوج من حق من حقوقه الشرعية، فقد قال صلى الله عليه وسلم:((ولا تؤدي المرأة حق الله عز وجل عليها كله حتى تؤدي حق زوجها عليها كله، حتى لو سألها نفسها وهي على ظهر قتب لأعطته إياه)) (1) .

(1) مسند الإمام أحمد: 4 / 381؛ والقتب الرحل الصغير على قدر سنام البعير

ص: 2084

وفي حالة امتناع الزوج عن وطء زوجته – بدون عذر شرعي – فإنه يعد موليًا (1) ، وقد وضع الله عز وجل حدًا لذلك بأن نمهل هذا الزوج مدة أربعة أشهر فإن فاء أي رجع إلى الصواب وجامع زوجته على أن لن يعود لمثلها فإن الله يغفر له ما كان منه من تقصير، وإن أصر على امتناعه إلى أن انقضت الأربعة أشهر طلقت منه زوجته – إن أصرت على شكواها – وأخذت جميع حقوقها من مؤخر صداق ومتعة (2)،يقول سبحانه:{لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 226 – 227) .

وفي حالة امتناع الوطء لوجود عيب في أحد الزوجين، فإن القاضي يفرق بينهما أو يحكم بالتطليق إذا كان العيب مستحكمًا لا برء منه، أو يمهلهما فترة ابتغاء صلاح الحال إذا كان العيب غير مستحكم، وفي حالة عدم تحقق الصلاح يحكم بالتفريق أو التطليق (3) .

وبناء على ذلك، فإذا كان أحد الزوجين مصابًا بالإيدز، فإن لغير المصاب منهما أن يمتنع عن المعاشرة الجنسية لما ثبت طبيًا من أن الاتصال الجنسي هو الطريق الرئيسي لنقل العدوى.

أما إذا رضي الزوج بالمعاشرة الجنسية، فإن الاحتياط يستوجب استعمال العازل الذكري الذي يقلل من احتمالات العدوى والحمل إذا أحسن استعماله.

بالنسبة للزوجين المصابين يمكن أن يجامع كل منهما الآخر ويستحسن أن يكون ذلك باستخدام العوازل الذكرية أو الأنثوية لمنع تكرار نقل العدوى بينهما خاصة وأن الفيروس قد تتغير نوعيته داخل جسم المصاب بالعدوى كما أن تكرار العدوى تسبب سرعة تطور العدوى إلى المرض.

حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة

1-

الرأي الطبي:

إن احتمالات انتقال العدوى من الزوج المريض إلى الزوج السليم واردة، ولا سيما إذا كان المريض يرفض استعمال العازل الذكري، واحتمالات انتقال المرض من الذكر إلى الأنثى أكبر بكثير من احتمالات انتقاله من الأنثى إلى الذكر، لأن المني يحتوي على كمية كبيرة من الفيروس، ويستقر مدة طويلة على الغشاء المخاطي للمرأة، فاحتمالات عدوى الزوجة السليمة من زوج مصاب احتمالات كبيرة، مع احتمال أن يولد أطفال مصابون أيضًا.

(1) المولي: هو الحالف ألا يقرب زوجه، وقد أطلق العلماء ذلك أيضًا على من يمتنع عن جماع زوجته ولو بدون يمين

(2)

المتعة قدر من المال يدفع للمطلقة تطييبًا لخاطرها، لقوله تعالى:. {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة:241]

(3)

التفريق إذا كان العيب من جهة الزوجة ولا تأخذ حينئذ حقوق المطلقة، بل ربما طالبها الزوج بما دفعه إذا كانت قد دلست عليه، والتطليق إذا كان العيب من جهته وتأخذ حقوقها كاملة

ص: 2085

يضاف إلى ذلك أمران اثنان: أولهما: أن من شروط استمرار الزواج قدرة الزوج على الجماع، وهذه قدرة منقوصة في حال إصابته بالإيدز، نظرًا لضرورة استعمال الرفال في كل مرة منذ بداية العملية الجنسية إلى نهايتها، وإذا كان العزل عن المرأة جائزًا إذا أذنت، فإن عدم إذنها قد يؤلف مدخلًا لتسويغ طلب الطلاق.

والأمر الثاني: أن الإنجاب مقصد أساسي من مقاصد الزواج، وواضح أن العزل عن الزوجة بالشروط المطلوبة للوقاية من الإيدز يجعل احتمال الإنجاب أقرب إلى العدم، وقد يكون ذلك مدخلًا آخر لتسويغ طلب الطلاق.

لقد وضع ابن القيم (1) . رحمه الله – ضابطًا للعيوب التي يجوز الفسخ بها، فقال: والقياس أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب الخيار أي في العقد قياسًا على البيع بل هو أولى.

وقد عزا إلى ابن شهاب الزهري، وذكر عنه أنه قال:(يرد النكاح من كل داء عضال) وعزا كذلك إلى القاضي شريح الذي قال عن عقد الزواج: إن كان دلس لك بعيب لم يجز.

وذكر ابن القيم كذلك أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر رجلًا عقيمًا تزوج امرأة من غير أن يخبرها، أن يخبرها بعقمه ثم يخيرها.

وحكمه رضي الله عنه على الزوج بإخبار زوجته وتخييرها، لأن الغرض الأسمى للزواج هو الإنجاب، وهو مطلب لكلًا الزوجين على سواء، وعدم الإنجاب مناف للسكن والرحمة والمودة وعلى ذلك سارت قوانين الأحوال الشخصية في كثير من البلدان الإسلامية.

ويستوي في ذلك أن يكون العيب موجودًا قبل العقد أو وجد بعده ولم يرض به الطرف الآخر.

وهذا ينطبق اليوم على مرض الإيدز، بل إن مرض الإيدز أشد لما يؤدي إليه من هلاك بسبب العدوى، وتشير جميع التقارير الدولية والعالمية على خطورة الإيدز وما يمكن أن ينتج عنه من آثار مدمرة على حياة الإنسان وبقائه على سطح هذه البسيطة.

(1) زاد المعاد: 4 / 30، 31

ص: 2086

حق طلب التفريق أو الطلاق للزوج السليم

وبناء على ما تقدم، فإنه يحق لكلا الزوجين طلب الفرقة من الزوج المصاب بمرض الإيدز باعتبار أنه مرض معد تنتقل عدواه بصورة رئيسية بالاتصال الجنسي، ويستوي في ذلك أن يكون موجودًا قبل العقد أم جدَّ بعده.

ويكون تفريقًا إذا كانت الزوجة هي المصابة فلن يكون لها حقوق المطلقة، بل له أن يرجع عليها أو على وليها بالمطالبة بما دفع – إن لم يكن قد دخل بها -، وبعوض المهر إن كان قد دخل.

ويكون طلاقًا إذا كان الزوج هو المصاب فتأخذ الزوجة مؤخر الصداق ومتعة المطلقة.

ويضاف إلى ذلك أن المدلس منهما الذي كان يعلم بالمرض ولم يخبر الطرف الآخر يدخل تحت طائلة عقوبة ناقل العدوى التي سبق الحديث عنها.

حكم إجهاض الحامل في ظل مرض الإيدز

1-

الرأي الطبي:

لم يتمكن العلماء حتى الآن من معرفة إصابة الجنين وهو داخل الرحم سواء في الأشهر الأربعة الأولى أو في ما بعدها، وقد ذكرنا أن نسبة انتقال العدوى إلى الجنين في أثناء الحمل نسبة ضئيلة لا تتجاوز عشرة بالمائة، ويعتقد أن هذه النسبة لا تحدث إلا في الأشهر الأخيرة من الحمل، لكن إذا توصل العلم إلى تشخيص إصابة الجنين مبكرًا، فقد يكون هناك مسوغ لإجهاض الجنين في الفترة التي يسمح فيها الشرع بالإجهاض، وذلك في ضوء ما نعلمه من أنه لا يوجد علاج لهذا المرض حتى الآن، على أن هذا الحكم لا بد من أن يتغير إذا ظهر علاج للإيدز.

على أنه قد ينصح بالإجهاض لمصلحة الأم، فقد ذكرنا أن الحمل هو من جملة العوامل التي تقصر مرحلة كمون المرض وتسرع ظهوره. فالمرأة تسوء حالتها وتتدهور صحتها أثناء الحمل، ولعل في هذا مسوغًا أكبر لإجراء الإجهاض حرصًا على الأصل.

ص: 2087

2-

الرأي الفقهي:

قيمة الأولاد:

إن للأولاد قيمة عظمى في نفوس الناس، فهم شطر زينة الحياة الدنيا، مصداقًا لقوله تعالى:{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46] .

ولذا يمن سبحانه وتعالى علينا بهذه النعمة في قوله: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [النحل: 72] .

وقد حضنا الشرع على الإنجاب، وأمرنا باحترام الجنين، لأنه أصل الإنسان، ومن أمارات هذا الاحترام.

فطر الحامل في رمضان إن خافت على جنينها، وتأخير تنفيذ الحد أو القصاص من أجله، وحرمة العدوان عليه حتى ولو كان جنين سفاح.

وعقاب من يعتدي على الجنين فيسقطه أن يدفع ديته إن نزل حيًا، عن مدة يعيش مثله فيها ثم مات متأثرًا بالجناية.

ووجوب الغرة وهي قيمة عشر دية أمة – ثم الكفارة – التي هي بمثابة اعتذار للمجتمع لوقوع الجناية على أفراده، وتعويض لأهل الجنين عن تلكم الخسارة وهي عتق رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا، فقد روي (1) . عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه استشار الناس في إملاص المرأة، فقال المغيرة بن شعبة: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة: عبد أو أمة. قال: لتأتين بمن يشهد معك، فشهد له محمد بن مسلمة – رضي الله عنهما.

ولقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 92](2) .

(1) المغني لابن قدامة: 8 / 408، والإملاص: ضرب المرأة في بطنها فتلقي جنينها.

(2)

وقيست حالة العجز عن الصيام بحالة كفارة الفطر العمد في رمضان، وكفارة الظهار

ص: 2088

أقوال الفقهاء في إسقاط الجنين

مجمل أقوال الفقهاء في هذا الأمر ما يلي:

1-

عندما تتعرض الأم للخطر بسبب الحمل نسقط الجنين مهما مضى عليه من وقت الحمل.

2-

وفي حالة عدم تعرض الأم للخطر، فهم مجمعون على حرمة العدوان عليه إذا مضى على بدء الحمل مائة وعشرون يومًا، لتمام خلقه ونفخ الروح فيه، لقوله صلى الله عليه وسلم:((إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا – نطفة – ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكن مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقة وأجله وعمله، وشقي أم سعيد ....)) (1) وهي الأطوار التي تشير إليها هذه الآيات الكريمة: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِّنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 12 –14] .

3 –يرى الحنابلة خطر العدوان على الجنين عندما يبدأ في التخلق، وقد علم أن الحد الزمني لذلك هو بعد أربعين يومًا، فإذا تجاوز الحمل أربعين يومًا حرم الإسقاط (2) .

4-

حرمة إسقاطه بمجرد العلوق، والقائلون بذلك:

أ- الإمام الغزالي:

حيث قال (3) . في الفرق بين العزل وبين الإجهاض أو الوأد أنهما جناية على موجود حاصل، لأن الوجود له مراتب، أولها أن تقع النطفة في الرحم وتستعد لقبول الحياة، فإفساد ذلك جناية، فإذا صارت مضغة وعلقة كانت الجناية أفحش، وإن نفخ فيه الروح ازدادت الجناية تفاحشًا.

ثم يؤكد كلامه بالتفريق بين العزل وبين الإجهاض، بأن العزل شبيه بنقض العقد قبل الإيجاب، لأن ماء المرأة ركن في الانعقاد، فيجري الماءان مجرى الإيجاب والقبول في العقود، فمن أوجب ثم رجع قبل القبول لا يكون جانيًا على العقد بالنقض والفسخ، ولكن الرجوع بعد القبول يعد نقضًا للعقد وفسخًا له.

(1) رواه الشيخان، ورقم الحديث باللؤلؤ والمرجان 1295

(2)

رواه الشيخان، ورقم الحديث باللؤلؤ والمرجان 76، نقلًا عن إحياء علوم الدين

(3)

تحديد النسل للسيوطي نقلًا عن القوانين الفقهية لابن جزي 235

ص: 2089

ب- بعض الأحناف:

ففي حاشية ابن عابدين (1) . أنه قد جاء في كراهة الخانية: ولا أقول بحل الإسقاط قبل التخلق، لأن المحرم لو كسر بيض الصيد ضمنه، لأنه أصل الصيد، وكذلك النطفة بعد العلوق أصل الإنسان، لأن الماء بعد وقوعه في الرحم مآله الحياة كما في بيض صيد الحرم، ويقول ابن وهبان من فقهاء الأحناف: إباحة الإسقاط قبل التخلق المروي عن بعض الأحناف محمولة على حالة العذر أو أنها لا تؤثم إثم القتل.

ج- المالكية:

حيث قالوا: لا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يومًا (2) .

وجاء في القوانين الفقهية لابن جزي: وإذا قبض الرحم المني لم يجز التعرض له، وأشد من ذلك إذا تخلق، وأشد من ذلك إذا نفخ فيه الروح، فإنه قتل للنفس إجماعًا (3) .

فعلماء الشريعة – إذا – يرون ما يراه الأطباء من أن مادة التلقيح فيها حيوية يقدرها الفقهاء ويعتدون بها، وذلك حين حكموا بالضمان على كاسر بيض الصيد في الحرم، لأنه أصل الصيد، وقد قاسوا على ذلك الحيوان المنوي بعد تلقيحه ببويضة الزوجة واستقرارهما في الرحم.

ويطلق البعض على هذه الحياة؛ الحياة الحيوانية، أما الحياة التي تكون بعد تمام أربعة أشهر على بدء الحمل، فهي الحياة الإنسانية، التي عبر عنها الله بالخلق الآخر، وعبر عنها الرسول بنفخ الروح.

(1) 3 / 176 والخانية اسم كتاب للأحناف، يعني في باب الكراهة من هذا الكتاب

(2)

تحديد النسل 83، نقلًا عن حاشية الدسوقي: 2 /237

(3)

تحديد النسل، 83 نقلًا عن القوانين الفقهية 235.

ص: 2090

وهناك سؤالان مطروحان:

السؤال الأول: هل يجوز إسقاط الجنين المصاب بالإيدز؟

بعد الاستنارة برأي أهل الاختصاص الذين يقولون: إن احتمالات انتقال العدوى من الأم المصابة إلى الجنين واردة وأن أغلبها حدث حول وقت الولادة، وحيث إنه حتى الآن لم يتمكن العلماء من معرفة إصابة الجنين وهو في الرحم قبل تمام مائة وعشرين يومًا على بدء حمله أو بعدها فما الحكم في ضوء عدم وجود علاج لمريض الإيدز حتى الآن؟

والجواب: إن إسقاطه قبل 120 يومًا من بدء حمله حرام على الرأي الأحوط، لأن النطفة حية ترزق، وهي أصل الإنسان فالعدوان عليها عدوان عليه كما هو الحال في العدوان على بيض الصيد في الحرم أو للمحرم، وفي رأي آخر يكره كراهة تحريمية.

وفي حالة التأكد من إصابته بعد تمام مائة وعشرين يومًا على بدء حمله، فلا يجوز إسقاطه، شأنه في ذلك شأن الجنين المشوه الذي لا يجوز إسقاطه، وشأن مريض الإيدز الذي لا يجوز أن نمتنع عن علاجه، فضلًا عن أن نميته.

السؤال الثاني: هل يجوز إسقاط الجنين من أجل المصابة بالإيدز؟

والجواب: إذا كان وجوده سيعرض الأم للهلاك فإننا نضحي به لأن حياته مظنونة وحياة أمه متيقنة والتضحية بالمظنون من أجل المتيقن أمر واجب.

وأما إذا لم تتعرض الأم للخطر، ولكن الحمل سيقصر فترة كمون المرض فلا يجوز التعرض له لسببين:

الأول: أنه يمكن التغلب على ذلك بحسن الرعاية الصحية للأم.

الثاني: أن ظهور المرض مبكرًا لا دخل له في قصر الأجل، لأنه محدد عند الله لعموم قوله تعالى:{إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس: 49] .

ص: 2091

حكم حضانة الأم المصابة لوليدها السليم وإرضاعه

1-

الرأي الطبي:

ذكرنا أن انتقال فيروس الإيدز بلبن الأم لم يذكر إلا في حالات محدودة جدًا في العالم كله حتى الآن.

ومع ذلك فإن الرأي السائد في المجتمعات التي يمكن أن يوجد فيها للرضيع ظئر، أو يتوافر له من بدائل لبن الأم ما يحقق له معظم المزايا الغذائية التي يزوده بها لبن الأم، عدم إرضاع الطفل من الأم المصابة بالعدوى، أما في غير هذه الظروف فإن من مصلحة الطفل إرضاعه من أمه، حيث إن الضرر المحتمل من ذلك أقل كثيرًا من احتمال تعرضه للعدوى بالأمراض المختلفة نتيجة عدم توافر بدائل للبن الأم.

أما إذا ثبت أن الطفل مصاب بالإيدز كذلك، فلا حرج من إرضاعه من أمه ابتداء.

ولم يثبت انتقال العدوى في العائلات، حتى ولو لم تتخذ احتياطات إضافية، إلا بين الزوج والزوجة، فإذا راعت الأم الأساسيات البسيطة لنقل العدوى، فلن تكون مصدر خطر على طفلها، ومن هذه الأساسيات أن لا تلامس أغشيته المخاطية إذا أصيبت بجرح أو تلوثت بدم حيضها.

وإلا فإن حضانة الأم للطفل لها مميزات عديدة من حيث التطور النفسي والنشأة الطبيعية للطفل، وهي مميزات لا يجوز أن يضحى بها من أجل احتمال عدوى يكاد يكون معدومًا.

2-

الرأي الفقهي:

إن مما اشترطه الفقهاء في الحاضن سلامتها من الأمراض المعدية التي تنتقل عن طريق التنفس أو اللمس أو المخالطة واستخدام الحاجيات.

ولقد قال أهل الاختصاص: إن العدوى بالإيدز لا تنتقل عن طريق مثل هذه الممارسات وإنه لم يثبت انتقال العدوى في العائلات – حتى ولو لم تتخذ احتياطات إضافية – إلا بالمعاشرة الجنسية.

فإذا راعت الأم الأساسيات البسيطة لعدم نقل العدوى فلن تكون مصدر خطر على محضونها.

ص: 2092

ومن هذه الأساسيات، ألا تلامس أغشيته المخاطية إذا أصيبت بجرح أو تلوثت يدها بدم حيضها.

وبناء على ذلك فلا يجوز أن تحرم الحاضنة من حقها، ونحرم المحضون من رعاية من هي أفضل له من غيرها.

وأما إرضاع الأم المصابة بهذا المرض وليدها السليم، فقد ذكر أهل الاختصاص بأن هناك حالات معدودة في العالم كله يعتقد أن العدوى فيها قد انتقلت عن طريق لبن المرضع، وحيث إن فيروس الإيدز يوجد بلبن الأم في نسبة ضئيلة من الحالات كما هو الحال في إفرازات البدن الأخرى من اللعاب والعرق والبول، ولكن يظن أن حدوث تشققات في حلمة الثدي مما يتسبب عنه خروج دم مع اللبن واحتمال عدوى الرضيع.

وبناء على ذلك، فلا يجوز حرمان الرضيع والمرضع من حقهما وتفويت المؤكد من مصلحتهما البدنية والنفسية لمجرد احتمال ضئيل لضرر يمكن الاحتراز من وقوعه إذا حرصت المرضع على تنفيذ وصاية الأطباء بأن تتجنب الإرضاع المباشر عند وجود تشققات بحلمة الثدي مع ملاحظة ما سبق بالنسبة للحضانة.

ويضاف إلى ذلك العمل بوصاية الشرع بأن نعامل مريض الإيدز معاملة عادية كي نهون عليه مصابه وبذلك أيضًا أوصت المنظمات الدولية.

حكم اعتبار مرض الإيدز مرض الموت

1-

الرأي الطبي:

إن حياة المريض بالإيدز قد تطول عشر سنوات أو أكثر. صحيح إن نهايته – بحسب معارف اليوم – محتومة وهي الموت، إلا أنه كالمصاب بالسرطان يمكن أن يعيش سنين عددًا.

ومن أجل ذلك لا ينبغي- في نظرنا – الحكم على تصرفاته على أنها تصرفات مريض مرض الموت، اللهم إلا في مراحله النهائية.

على أن مريض الإيدز قد يصاب في بعض مراحل المرض ببعض الاضطرابات العصبية، وأكثرها شيوعًا هو الاعتلال الدماغي المصاحب للإيدز الذي يتصف بتغيرات سلوكية مترقية مصحوبة بالخرف. ويحدث (خرف الإيدز) هذا عادة فيما يقرب من ثلث مرضى الإيدز في مراحل متأخرة من المرض، وحكمه إذا حصل حكم الخرف.

ص: 2093

2-

الرأي الفقهي:

يعرف جمهور الفقهاء مرض الموت بأنه المرض المخوف الذي يتصل بالموت، ولو لم يكن الموت بسببه (1)، فهم يشترطون لتحققه أمرين:

أحدهما: أن يكون مخوفًا، أي غلب الهلاك منه عادة أو يكثر.

فقد جاء بالفتاوى الهندية: وحد مرض الموت تكلموا فيه، والمختار للفتوى أنه إن كان يغلب منه الموت كان مرض موت، سواء أكان صاحب فراش أم لا (2) .

وقال النووي: المرض المخوف هو الذي يخاف منه الموت لكثرة من يموت به (3) .

ومن الضروري في زماننا هذا مع تقدم علم الطب أن يرجع إلى الأطباء والخبراء في طبيعة الأمراض لمعرفة كون المرض مخوفًا أو غير مخوف، على أن يكونوا عدولًا، لأن قولهم فيه من قبيل الشهادة على أموال المسلمين وحقوقهم.

وإنما اشترط الفقهاء اجتماع هذين الوضعين لتحقق مرض الموت، لأن وجود هاتين العلاقتين يدل على أن المريض في حالة نفسية يستشعر دنو أجله، مما قد يبعثه على إبرام تصرفات قد تضر بحقوق دائنيه وورثته.

وهذا هو السبب في تقييد الشارع لتصرفاته التي تمس حقوقهما، وجعله أحكامًا خاصة لتلك التصرفات بحسب نوعها، وما ينتج عنه من آثار.

التكييف الفقهي لمرض الموت:

يرى الأحناف في تكييف هذا المرض أنه أحد العوارض التي تطرأ على الأهلية، فتسبب تقييد تصرفات المريض بما لا يضر بحقوق الآخرين مع بقاء أهليته بالنسبة لحقوق الله أو حقوق العباد.

ونظرًا لكون مرض الموت سببًا لتعلق حق الوارث والغريم بالمال، كان من أسباب حجر المريض عن التبرعات بالقدر الذي يحفظ حق الوارث والغريم.

وبناء على ما تقدم، وعلى ما عرف طبيًا عن مرض الإيدز بأن العدوى به في الجسم تمر بمراحل، من أهمها مرحلة الكمون، وهي من فترة دخول الفيروس في الجسم إلى أن تظهر أعراض المرض المميزة له، وتستغرق هذه المرحلة فترة قد تمتد إلى عدة سنوات يكون فيها المصاب بالعدوى عاديًا في تصرفاته، وفي المراحل المتأخرة من العدوى يحدث في ما يقرب من ثلث المرض تغيرات سلوكية مصحوبة بالخرف.

ولهذا فإن مرض الإيدز لا يعد مرض موت شرعًا إلا إذا اكتملت أعراضه وأدى بالمريض إلى الخرف أو أقعده عن ممارسة الحياة اليومية واتصل بالموت.

(1) الأم للشافعي: 4 / 35؛ مغني المحتاج: 3 / 50

(2)

40 / 176

(3)

تحرير ألفاظ التنبيه 241

ص: 2094

بسم الله الرحمن الرحيم

توصيات

الندوة الفقهية الطبية السادسة

رؤية إسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الإيدز

المنعقدة في الكويت

خلال الفترة من 23 – 25 جمادى الآخرة 1414 هـ

الموافق 6- 8 ديسمبر 1993

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وأشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

إن المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية لتحمد الله جلت قدرته على فضله ونعمته أن استأنفت نشاطها في مجالاتها المختلفة، وآداء الرسالة الملقاة على عاتقها، والنهوض بما يستوجبه نظامها الأساسي، وذلك إثر توقف قهري بسبب الاحتلال العراقي وما لحق مقر المنظمة من تخريب وتدمير وإتلاف على يد قوات الاحتلال العراقي الغادر.

وإن المنظمة ما كانت لتواصل مسيرتها لولا عون من الله ثم الدعم المستمر والتأييد المتصل الذي تلقاه من لدن حضرة صاحب السمو أمير دولة الكويت وسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء والحكومة الرشيدة بدولة الكويت ووزارة الصحة ممثلة بوزيرها والمسؤولين فيها.

وبحمد الله وحسن توفيقه بدأت المنظمة أولى خطواتها بعد تحرير دولة الكويت حيث تم انعقاد (الندوة الفقهية الطبية السادسة) وموضوعها:

رؤية إسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الإيدز

بالتعاون مع وزارة الصحة بدولة الكويت – مجمع الفقه الإسلامي بجدة – والمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بالإسكندرية في الفترة من 23 – 25 جمادى الآخرة 1414 من الهجرة التي توافقها 6 – 8 ديسمبر 1993 للميلاد، وذلك تحت رعاية صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت.

ص: 2095

وقد شارك في أعمال الندوة ما يربو على 130 شخصًا من الفقهاء والأطباء والعلماء الذين قدموا من أكثر من ثلاث وعشرين دولة.

عقد حفل الافتتاح بقاعة الاجتماعات الكبرى بمقر المنظمة بمركز المرزوق للطب الإسلامي شهده عدد كبير من المسؤولين في الدولة والسفراء وجمع غفير من المهتمين بالأمور الفقهية والشئون الطبية، وقد استهل الحفل بتلاوة من القرآن الكريم أعقبها كلمة مندوب صاحب السمو أمير البلاد راعي الحفل والتي ألقاها سعادة وزير الصحة بدولة الكويت الدكتور عبد الوهاب سليمان الفوزان ثم كلمة للأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي بجدة فضيلة الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة تلتها كلمة منظمة الصحة العالمية ألقاها الدكتور محمد هيثم الخياط، وكان ختام الحفل كلمة رئيس المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية سعادة الدكتور عبد الرحمن عبد الله العوضي.

وقد تشرف أعضاء مجلس أمناء المنظمة وعدد من المشاركين في الندوة بمقابلة حضرة صاحب السمو أمير البلاد ومقابلة سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، وقد ألقى عدد من المشاركين كلمات أمام حضرة صاحب السمو واشادوا بإنجازات المنطقة في السنوات السابقة وأشادوا بدعم سموه وسمو ولي العهد وتعاون وزارة الصحة في تعزيز أعمالها ثم استمعوا إلى توجيهات وإرشادات سمو الأمير وسمو ولي العهد.

ثم بعد ذلك واصلت الندوة أعمالها في فندق ميريديان، وكانت ذات شقين:

أولًا: الجوانب الطبية لمرض الإيدز من حيث أسبابه وطرق انتقاله وخطورته.

ص: 2096

ثانيًا – الجوانب الفقهية وتشتمل على:

1-

حكم عزل مريض الإيدز.

2-

حكم تعمد نقل العدوى.

3-

حقوق الزوج المصاب وواجباته.

أ- حكم إجهاض الأم المصابة بعدوى الإيدز

ب- جواز حضانة الأم المصابة بالإيدز لوليدها السليم وإرضاعه.

ج- حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة من الزوج المصاب بعدوى الإيدز.

د – حق المعاشرة الزوجية.

4-

اعتبار مرض الإيدز مرض الموت.

وعلى مدى ثلاثة أيام استغرقتها الندوة في الأبحاث والمناقشات انتهت في جلستها الختامية التي عقدت في مركز الطب الإسلامي إلى الآراء والتوصيات التالية:

أولًا – عزل المريض:

تؤكد المعلومات الطبية المتوافرة حاليًا أن العدوى بفيروس العوز المناعي البشري (الإيدز) لا تحدث عن طريق المعايشة أو الملامسة أو التنفس أو الحشرات أو الاشتراك في الأكل أو الشراب أوالمراحيض أو حمامات السباحة أو المقاعد أو أدوات الطعام أو غير ذلك من أوجه المعايشة في الحياة اليومية العادية، وإنما تنتقل العدوى بصورة رئيسية بإحدى الطرق التالية:

1-

الاتصال الجنسي بأي شكل كان.

2-

نقل الدم الملوث أو مشتقاته.

3-

استعمال المحاقن الملوثة، ولا سيما بين متعاطي المخدرات.

4-

الانتقال من الأم المصابة إلى طفلها.

بناء على ما تقدم فإن عزل المصابين من التلاميذ أو العاملين أوغيرهم عن زملائهم الأصحاء ليس له ما يسوغه.

ص: 2097

ثانيًا - تعمد نقل العدوى:

تعمد نقل العدوى بمرض الإيدز إلى السليم منه بأية صورة من صور التعمد عمل محرم ويعد من كبائر الذنوب والآثام، كما أنه يستوجب العقوبة الدنيوية وتتفاوت هذه العقوبة بقدر جسامة الفعل وأثره على الأفراد وتأثيره على المجتمع.

فإن كان قصد المتعمد إشاعة هذا المرض الخبيث في المجتمع فعمله هذا يعد نوعًا من الحرابة والإفساد في الأرض ويستوجب إحدى العقوبات المنصوص عليها في آية الحرابة. {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33]

وإن كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه وكانت طريقة الإعداء تصيب به غالبًا انتقلت العدوى وأدت إلى قتل المنقول إليه يعاقب بالقتل قصاصًا.

وإن كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه وتمت العدوى ولم يمت المنقول إليه بعد، عوقب المتعمد بالعقوبة التعزيرية المناسبة وعند حدوث الوفاة يكون من حق الورثة الدية.

وأما إذا كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه ولكن لم تنتقل إليه العدوى فإنه يعاقب عقوبة تعزيرية.

ثالثًا: إجهاض الأم المصابة بعدوى الإيدز:

كانت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية قد عقدت ندوة حول الإنجاب في ضوء الإسلام، وتوصلت في موضوع حكم الإجهاض إلى ما يلي:

- أن الجنين حي من بداية الحمل، وأن حياته محترمة في كافة أدوارها، خاصة بعد نفخ الروح، وأنه لا يجوز العدوان عليها بالإسقاط إلا للضرورة الطبية القصوى، وخالف بعض المشاركين فرأى جوازه قبل تمام الأربعين يومًا وخاصة عند وجود الأعذار.

وترى الندوة أن هذا الحكم ينطبق على الأم الحامل المصابة بعدوى الإيدز.

ص: 2098

رابعًا – حضانة الأم المصابة بالإيدز لوليدها السليم وإرضاعه:

أ- لما كانت المعطيات الطبية الحاضرة تدل على أنه ليس هناك خطر مؤكد من حضانة الأم المصابة بعدوى الإيدز لوليدها السليم، شأنها في ذلك شأن المخالطة والمعايشة العادية فترى الندوة أنه لا مانع شرعًا من أن تقوم الأم بحضانته.

ب- لما كان احتمال عدوى الطفل السليم من أمه المصابة بعدوى الإيدز أثناء الرضاعة نادرًا جدًا، وإن كان ذلك واردًا بسبب ما يحتويه لبن الأم من فيروس أو ما يتسرب إلى فم الرضيع من دم الأم بسبب تشقق الحلمة، فللأم أن ترضع طفلها لما في الإرضاع من المزايا العديدة، وعليها أن تتخذ من الوسائل ما يخفف احتمال عدوى رضيعها، ويجوز لها أن تمتنع من إرضاعه إذا أمكن أن توجد للرضيع مرضعة ترضعه، أو أن تتوافر له من بدائل لبن الأم تغذية كافية.

خامسًا – حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة من الزوج المصاب بعدوى الإيدز:

ترى الندوة أن لكل من الزوجين طلب الفرقة من الزوج المصاب بعدوى الإيدز باعتبار أن الإيدز مرض معد تنتقل عدواه بصورة رئيسية بالاتصال الجنسي.

سادسًا – حق المعاشرة الزوجية:

إذا كان أحد الزوجين مصابًا بالإيدز، فإن لغير المصاب منهما أن يمتنع عن المعاشرة الجنسية، لما سبق ذكره من أن الاتصال الجنسي هو الطريق الرئيسي لنقل العدوى.

أما إذا رضي الزوج السليم بالمعاشرة الجنسية، فإن الاحتياط يستوجب استعمال العازل الذكري الذي يقلل من احتمالات العدوى والحمل إذا أحسن استعماله.

سابعًا – اعتبار مرض الإيدز مرض موت:

لا يعد الإيدز مرض موت شرعًا إلا إذا اكتملت أعراضه وأقعد المريض عن ممارسة الحياة العادية، واتصل بالموت.

ص: 2099

ثامنًا: توصيات عامة:

1-

على الجهات الرسمية والشعبية العمل على توعية أفراد المجتمع بخطورة مرض الإيدز، وكيفية انتقال عدواه، وسبل الوقاية منه، ولا سيما التمسك بالعفة، والحث على الفضيلة.

2-

ينبغي إدخال التربية الإسلامية في المناهج المدرسية لجميع المستويات التعليمية، بحيث تتكامل مع المناهج الدراسية الأخرى في سبيل بناء شخصية الفرد بما يحقق مصلحة الأفراد والمجتمع ويضمن الوقاية من هذا الوباء.

3-

من أجل حماية الشباب من الانحراف الجنسي، ينبغي تشجيع الزاج المبكر، وإزالة العقبات التي تسبب تأخير سن الزواج.

4-

من حق المصاب بعدوى الإيدز أن يحصل على العلاج والرعاية الصحية اللذين تتطلبهما حالته الصحية، مهما كانت طريقة إصابته بالعدوى، وعليه أن يعلم طبيبه بإصابته حرصًا عليه وعلى مراجعيه من احتمال انتقال العدوى إليهم، وعلى الطبيب أن يلتزم بعلاجه متخذًا من الاحتياطات ما يقي به نفسه وغيره.

ويجب توعية المصاب بعدوى الإيدز بكيفية الحفاظ على حالته من مزيد من التدهور، وكف العدوى عن الآخرين، ولا يجوز أن يظلم أو يخذل أو يلمز بسبب مرضه.

5-

تدعو الندوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية التي هي عصمة للأمة الإسلامية من مثل هذه الأمراض والآفات التي تفتك بالجماعات والأفراد.

6-

لوسائل الإعلام دور هام في توعية الناس بمخاطر الإيدز وسبل الوقاية منه، ولا سيما في الحض على العفة، ولذا عليها أن تتجنب عرض كل ما من شأنه إثارة الغرائز أو الإغراء بالرذيلة.

7-

على الجهات الرسمية توفير الكواشف الضرورية لتشخيص الإصابة بعدوى الإيدز على أوسع نطاق، لما للكشف المبكر من أثر فعال في الوقاية من انتشار المرض.

8-

تناشد الندوة جميع المتدينين والعقلاء في كل أنحاء العالم أن يضموا صفوفهم وجهودهم إلى المسلمين في دعوتهم إلى العفة ومحاربة جميع صور الاتصال الجنسي خارج إطار الزواج الشرعي.

9-

أناب المشاركون سعادة الدكتور عبد الرحمن عبد الله العوضي بإرسال برقيتي شكر لصاحب السمو أمير دولة الكويت الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح حفظه الله وسمو ولي عهده الأمين على دعم المنظمة واستقبال سموهما لمجلس الأمناء وبعض المشاركين في الندوة.

ص: 2100

أسماء السادة المشاركين

في ندوة (رؤية إسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الإيدز)

1-

د. إبراهيم الصياد

2-

د. إبراهيم المهلهل

3-

د. إبراهيم جميل بدران

4-

د. أحمد إمام

5-

د. أحمد أبو الفضل

6-

د. أحمد الشطي

7-

د. أحمد الغساني

8-

د. أحمد القاضي

9-

د. أحمدالهاشمي

10-

د. أحمد رجائي الندي

11-

د. أحمد عيسى

12-

د. أحمد كامل شنبو

13-

د. أحمد مسلم

14-

د. أحمد حجي الكردي

15-

د. إحسان دوغراماجي

16-

المستشار أسامة أحمد

17-

د. أسامة الطيب

18-

د. أسامة رسلان

ص: 2101

19-

د. المهدي بن عبود

20-

د. توفيق يوسف الواعي

21-

د. جمال العشيري

22-

د. جمال ماضي

23-

د. جواد بهبهاني

24-

د. حامد جامع

25-

د. حامد محمود شتلة

26-

د. حسان حتحوت

27-

د. حسين المؤمن

28-

د. حسنين محمود حسنين

29-

د. حمد العباد

30-

د. حمداتي شبيهنا ماء العينين

31-

د. خالد المذكور

32-

الأستاذ خالد المرزوق

33-

الشيخ خليل الميس

34-

السيد خليل العنزي

35-

د. رضا علي

36-

د. سالوناز حتحوت

37-

المستشار سري صيام

38-

د. سعود بن مسعد الثبيتي

39-

د. سهير سعيد شعير

40-

د. صلاح العتيقي

41-

د. صلاح عيد

42-

د. صديقة العوضي

43-

د. صديقة عبد العظيم أبو الحسن

44-

الشيخ طه الصابونجي

45-

د. عبد الرحمن آل محمود

46-

د. عبد الرحمن عبد الله العوضي

47-

د. عبد الله بن سليمان المنيع

48-

د. عبد الله باسلامة

ص: 2102

49-

المستشار عبد الله العيسى

50-

د. عبد الله محمد عبد الله

51-

د. عبد الله الغنيم

52-

د. عبد الحليم أحمدي

53-

الشيخ عبد الحميد جاسم البلالي

54-

د. عبد الرزاق خليفة الشايجي

55-

د. عبد الستار أبو غدة

56-

د. عبد الستار الشلاح

57-

د. عبد العزيز العنزي

58-

السيد عبد العزيز البشير

59-

د. عبد اللطيف السنان

60-

د. عبد المنعم أبو الفتوح

61-

د. عبد الفتاح الشيخ

62-

د. عبد الفتاح شوقي

63-

د. عبد السلام صبحي حامد

64-

د. عبد الكريم شحاتة

65-

د. عبد الوهاب الفوزان

66-

د. عجيل النشمي

67-

د. عصام الشربيني

68-

د. عصام العريان

69-

د. علي السيف

70-

د. علي عبد الفتاح

71-

د. عمر الجيدي

72-

د. عمر سليمان الأشقر

73-

د. عيسى الشيخة

ص: 2103

74-

د. عيسى زكي شقرا

75-

عبده معلم موسى

76-

د. محمد السيد طنطاوي

77-

الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة

78-

الشيخ محمد المختار السلامي

79-

د. محمد الهواري

80-

السيد محمد بلال

81-

د. محمد حلمي وهدان

82-

د. محمد خليل حداد

83-

د. محمد رضا الجندي

84-

حكيم / محمد سعيد

85-

د. محمد سعيد البوطي

86-

محمد سليمان الأشقر

87-

د. محمد صعيب الشامي

88-

د. محمد علي البار

89-

د. محمد عدنان صقال

90-

د. محمد عبد السلام محمد

91-

د. محمد عبد الغفار الشريف

92-

د. محمد فوزي فيض الله

93-

د. محمد نعيم ياسين

94-

د. محمد هيثم الخياط

95-

د. محمود محمد حسن

96-

د. مدحت عاصم

97-

د. نزيه حماد

98-

الشيخ نظام محمد صالح يعقوب

99-

د. وليد البصيري

100-

د. وليد مساعد الطبطبائي

101-

د. وهبة الزحيلي

102-

السيد يحيى أبو الفتوح

103-

د. يوسف القرضاوي

ص: 2104