الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الودائع المصرفية
حسابات المصارف
إعداد
د. سامي حسن حمود
المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب
البنك الإسلامي للتنمية بجدة
بسم الله الرحمن الرحيم
1-
تقدمة الموضوع:
تعتبر الوديعة المصرفية تطويرا جديدا لمفهوم الوديعة سواء بالنسبة للفقه الإسلامي أم للقانون الوضعي.
فالأصل في الوديعة أنها أمانة تحفظ وترد ولكنها انصبت في العمل المصرفي على النقود ليس بقصد حفظها وردها بذاتها وإنما يهدف استعمالها إما على سبيل الافتراض أو سبيل الإذن بالاستعمال لغاية معينة.
وقد سبقت الممارسة العملية عند المسلمين التكييف الفقهي بالنسبة لمفهوم الوديعة المأذونة بالاستعمال.
فقد أورد ابن سعد في الطبقات الكبرى أن الزبير بن العوام –رضي الله عنه-فيما يرويه ابنه عبد الله أن الرجل كان يأتيه بالمال ليستودعه إياه، فيقول الزبير:(لا ولكن هو سلف، إني أخشى عليه الضيعة) . (1)
وجاء الفقه الإسلامي بتكييف واضح للعلاقات التعاقدية في مختلف حالات الإيداع التي يسمح فيها بالاستعمال انطلاقا من القاعدة الفقهية الواضحة: أن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني.
(1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، الجزء الثالث (بيروت: دار بيروت للطباعة والنشر، 1957) ص 109.
2-
الوديعة النقدية في الفقه والقانون
الوديعة النقدية هي الصورة التي يكون الشيء المودع فيها نقودا متداولة أو قابلة للصرف بنقود متداولة. وبذلك يخرج الإيداع للنقود الأثرية مثلا والسبائك من الفضة والذهب والمسكوكات التي لم تعد تستعمل نقودا حيث يبقى لها الوصف القديم وهو الاستنابة في الحفظ.
فالوديعة المصرفية تتعلق إذن بفرع من الإيداع الذي يكون فيه الشيء المودع نقودا قابلة للتصرف ومأذونا فيها بذلك التصرف صراحة أو دلالة.
وكان النظر الفقهي واضحا من بداية الطريق حيث اعتبر الفقهاء أن الوديعة توكيل أو استنابة في حفظ المال.
فقد عرف الزيلعي الإيداع بأنه تسليط الغير على حفظ ماله، كما عرفه الحطاب بأنه توكيل بحفظ مال:(1)
كما بين الفقهاء أنه إذا كان الشيء المودع نقودا أو مالا مثليا مما يهلك باستعماله فإن الإذن بالاستعمال يجعله قرضا.
فقد جاء في كشاف القناع: أن الوديعة مع الإذن بالاستعمال عارية مضمونة. (2)
وقال صاحب تحفة الفقهاء: إن كل ما لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاكه فهو قرض حقيقة ولكن يسمى عارية مجازا. (3)
وأوضح الكاساني الذي شرح تحفة أستاذه السمرقندي هذه المسألة بقوله: (وعلى هذا تخرج إعارة الدراهم والدنانير أنها تكون قرضا لا إعارة) . (4)
(1) فخر الدين الزيلعي، تبيين الحقائق،5/76؛ الحطاب؟، مواهب الجليل، 5/250.
(2)
البهوتي، كشاف القناع، 4/1414.
(3)
السمرقندي، تحفة الفقهاء، 3/284.
(4)
الكاساني، بدائع الصنائع، 8/3899.
وبذلك يتبين بكل وضوح دقة النظر الفقهي فيما أعطاه للوديعة النقدية مع الإذن بالاستعمال من تكييف.
أما بالنسبة للنظر القانوني فقد اضطرب الفهم عندما حاول القانونيون إكساء الوديعة المصرفية ثوب الوديعة بالمنظار القانوني المدني.
وما لبث القانونيون أن تميزوا الفارق الدقيق إلى أن استقر التقنين إلى اعتبار الوديعة المصرفية قرضا. وهكذا نجد نص المادة رقم 726 من القانون المدني المصري صريحة الدلالة على المعنى المراد حيث نص على أنه:
(إذا كانت الوديعة مبلغا من النقود أو أي شيء آخر مما يهلك بالاستعمال وكان المودع عنده مأذونا له في استعماله، اعتبر العقد قرضا) .
وبذلك أصبح الفهم القانوني الحديث متلاقيا مع التأصيل الفقهي بالنسبة لمفهوم الوديعة المصرفية وكل ما يماثلها من حالات.
وحيث إن الوديعة المصرفية هي صورة من صور الإيداع الحسابي فإننا نقترح تسمية الوديعة من هذا النوع بالوديعة الحسابية حيث يتساوى في الحكم عندما يكون الشيء المودع نقودا أن يكون المودع لديه مصرفا أو صديقا أو تاجرا طالما أن المقصود هو تسجيل حق للمودع لتتم المحاسبة عليه بالرد المماثل.
فالوديعة الحسابية إذن هي كل ما يودع من النقود المتداولة من طرف لدى طرف آخر على أساس الإذن بالاستعمال والرد بعد المحاسبة.
وهي تتم –شأنها شأن سائر العقود-بالإيجاب والقبول من عاقدين عاقلين بالغين ويكون محلها في هذا النوع من الإيداع المصرفي محصورا في النقود المتداولة حسب العرف المصرفي السائد.
3-
أنواع الوديعة الحسابية:
حصر القانونيون مفهوم الإذن بالاستعمال في الوديعة المصرفية بالقرض فقط وذلك بغرض تسهيل الاقتراض على البنوك. ولم يكن يهم هذه البنوك أن يكون الاقتراض عن طريق الإيداع بصورة مجانية أم بمقابل وذلك لأن دفع الفائدة المصرفية يعتبر أمرا قانونيا بالنسبة لمن لا يراعون موازين الشرع في المعاملات والأحكام.
لذلك كانت الوديعة المصرفية صالحة للقرض سواء كانت قرضا بلا فوائد أم كانت قرضا بفائدة.
أما مفهوم الإذن بالاستعمال في الفقه الإسلامي فهو أوسع شمولا لكل الحالات التي يتم فيها.
فإذا كان الإذن بالاستعمال لصالح الطرف المأذون له بذلك فإن ذلك الإذن يكون بمثابة العارية المضمونة، وبناء عليه فإن الوديعة الحسابية لدى المصرف الإسلامي في صورة الحساب الجاري تكون قرضا مضمونا على المصرف وكذلك الحال في كل النقود المودعة مع الإذن بالاستعمال لصالح من أودعت لديه.
أما إذا كان الإذن باستعمال الوديعة الحسابية يحمل نوعا من المصلحة للمودع فإن الحكم يختلف باختلاف الحال وذلك لدرجة أن صاحب كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ذهب إلى أنه لو دفع رجل مالا إلى آخر على أن نصفه وديعة في يد المضارب ونصفه مضاربة بأن ذلك جائز ويكون المال في يد المضارب على ما سميا. (1)
وهذا يعني أن النصف الأول هو وديعة مأذونة بالاستعمال فهي قرض مضمون والنصف الثاني هو رأس مال مضاربة فله حكم المضاربة من حيث كون الربح على الشرط بحصة شائعة معلومة وإن الخسارة على المال.
فالوديعة الحسابية يمكن أن تكون على عدة وجوه هي:
1-
الوديعة الحسابية بالقرض: وذلك حين يكون الإذن الصادر باستعمال النقود على سبيل الإقراض.
2-
الوديعة الحسابية بالاستثمار: وذلك حين يكون الإذن الصادر باستعمال النقود في المضاربة والمشاركة وسائر وجوه الاستثمار الحلال.
3-
الوديعة الحسابية بالأمانة: وذلك حين لا يكون هناك إذن بالاستعمال قرضا أو استثمارا وإنما الإذن بالتصرف محصور بالحفظ ولكن ليس على أساس رد ذات النقود وإنما بدلها أو مثلها ومثال الحالة الأخيرة يكون ما لو تلقى مصرف وديعة باسم من لا يملك أهلية التصرف ولم يأذن وليه للمودع بالاستعمال قرضا ولا استثمارا فإنها تبقى بصورة حسابية على أساس الأمانة، فهي وديعة حسابية في الذمة ويرد مثلها عند الطلب.
(1) الكاساني، مرجع سابق، 8/3598.
موقع الودائع المصرفية في ميزانية البنك:
تعتبر الودائع التي يتسلمها المصرف بصورة حسابات جارية أو حسابات استثمارية التزاما عليه تتطلب الرد عند الطلب في حالة الحساب الجاري أو الرد على أساس المحاسبة أو التخارج في حالة الحساب الاستثماري.
فأين يقع هذا الالتزام في ميزانية المصرف؟
لتوضيح هذا التساؤل الذي هو محل اختلاف في مجال العمل المصرفي الإسلامي تجدر الإشارة إلى أن الميزانية بالنسبة للشركات عموما هي عبارة عن جرد موقف مالي في تاريخ محدد يكون غالبا في آخر السنة المالية لبيان صافي الموجودات والمطلوبات وبالتالي استخراج الأرباح والخسائر.
وتعتبر التزامات الإيداع بالنسبة للمصرف تجاه عملائه أنها خصوم تحسب من جملة المطلوبات.
ولمعالجة هذه الخصوم محاسبيا هناك طريقتان.
الأولى: هي اعتبارها خصوما في ذمة المصرف وهي تقابل الموجودات التي تم استعمال الجزء الغالب من هذه الأموال في إنشائها، وهنا تتساوى الحسابات جميعها.
والثانية: هي اعتبار يد المصرف أنها يد وكيل مأذون بإدارة الاستثمار حيث يتطلب ذلك التمييز بين الودائع الحسابية للإقراض باعتبارها ملكا للمصرف قابلة للرد وبين الودائع الحسابية للاستثمار باعتبارها رأس مال مسلم للاستثمار تحت المحاسبة.
وتثور المشكلة هنا بالنسبة للموجودات حيث يكاد يتعذر الفصل في جانب الموجودات بمعنى الفصل القانوني للموجودات التي تمثل الحقوق التي تقابل الودائع الحسابية للاستثمار. فالسيارات والسفن والطائرات والمصانع والمساهمات كلها مسجلة باسم المصرف رغم أن المال المدفوع هو من أموال أصحاب الودائع الاستثمارية.
وما لم يكن هناك إفراز قانوني للحقوق فإن البيان الحسابي الظاهر لا يغني شيئا، فلو ألقت جهة قضائية الحجز مثلا على سفينة مملوكة للمصرف بحسب التسجيل القانوني وبسبب يخص المصرف وحده ولا علاقة له بالمودعين المستثمرين الأبرياء فإن المصرف لا يستطيع الادعاء بأن السفينة هي تحت يده بالأمانة وأنه المدير لعمليات الاستثمار بالمضاربة.
لذلك فإن تعذر فصل الموجودات يتطلب إدخال الودائع المصرفية في جملة خصوم المصرف ليكون هناك توازن في الموجودات والمطلوبات.
5-
رهن الوديعة:
الأصل في الرهن أن تتحقق به للراهن اليد أو المكنة التي يستطيع عن طريقها منع التصرف بالمرهون حتى يستوفي حقه منه.
وقد تكون المكنة إما بالقبض الحيازي أو إثبات إشارة الرهن كما هو الحال في الرهونات الحديثة في سجلات الملكية. وتختلف الحال بالنسبة للوديعة الحسابية لدى رهنها لصالح المصرف المودع لديه.
فإذا كانت الوديعة حسابا جاريا فإنها تسجل في الحسابات الجارية ويصدر بها كشف حساب –ولما كان المقصود من الرهن هو منع التصرف فإن مقتضى الرهن هو أن تنقل الوديعة من الحساب الجاري إلى حساب الأمانات وذلك لمنع وقوع التغرير ولإثبات اليد.
أما إذا كانت الوديعة حسابا استثماريا فإن الرهن يكون إما بإثبات الإشارة بعبارات الرهن الصريح أو بالنقل إلى حساب الأمانات مع إبقاء حق الراهن في منافع المرهون المتحصلة من أرباح الاستثمار وهذه القواعد معمول بها غالبا لدى المصارف.
وسبب التفريق بين الحسابات الجارية والحسابات الاستثمارية هو أن الحساب الجاري قد يعطي حقا للغير عن طريق سحب الشيكات بينما يبقى التصرف بالحساب الاستثماري محصورا بين صاحب الحساب والمصرف الذي يتعامل معه.
6-
حركة السحب والإيداع في الودائع المصرفية:
تتعرض الودائع المصرفية الحسابية للسحب والإيداع حسب حاجة صاحب الحساب ويختلف الحكم باختلاف نوع الحساب.
ففي حالة الودائع الحسابية للاقتراض أو الأمانة ليس هناك أي إشكال في السحب أو الإيداع طالما كان متفقا على ذلك من البداية أن يكون التصرف فوريا عند الطلب.
أما بالنسبة لحالة الودائع الحسابية للاستثمار فإن هناك شروطا تحد من حرية الحركة في السحب والإيداع.
- فهناك أولا الحد الأدنى الذي يكون المصرف قد قرره للحساب الاستثماري مثل عشرة آلاف ريال سعودي أو ألف دينار كويتي بحيث إن نقصان الرصيد الاستثماري عن هذا الحد يعتبر خروجا من دائرة الاستثمار ويصبح الرصيد المتبقي بمثابة الحساب الجاري.
- وهناك ثانيا الإشعار الذي يفترض في صاحب الحساب أن يقدمه للمصرف عند السحب خصوصا ولا سيما في الحسابات ذات المبالغ الكبيرة حيث قد سبب السحب الطارئ إرباكا للمصرف.
والأصل في الشروط الصحيحة أن تكون ملزمة باعتبارها جزءا من التعاقد الذي جرى على أساسه فتح الحساب وبدء التعامل بين المصرف والعميل.
والسند في ذلك ما ورد في الحديث النبوي ((: والمسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا)) . (سنن الترمذي، كتاب الأحكام، طبعة استانبول، ص 634،635) .
أما مسألة التفاوت الزمني في الاستثمار بسبب تغير الأرصدة صعودا وهبوطا فإن هذه المسألة محلولة حسابيا حيث ترد الأموال جميعا إلى قاعدة استثمار الدينار الواحد لليوم الواحد ويستخرج المعدل السنوي بقسمة الحاصل على عدد أيام السنة. وهذه الطريقة هي المعروفة بطريقة الأعداد أو النمر وهي نوع من القياس الاصطلاحي.
7-
مسالة ضمان الودائع:
ليس هناك اختلاف في أن الودائع المصرفية الحسابية لأغراض الإقراض أنها مضمونة طالما أن القرض أساسا مضمون في ذمة المقترض. ويلحق بذلك الحفظ بالأمانة إذا لم تبق النقود على حالها.
ويلاحظ من تمييز آراء الفقهاء أن مدار الكلام في عقد الوديعة وأنه من عقود الأمانة مبني على مفهوم حفظ الشيء بذاتيه بحيث أنه لو هلكت الوديعة دون تعد ولا تقصير فإنها تهلك على مالكها.
ولكن الحال يختلف عندما تذوب الوديعة وتصبح التزاما في الذمة نتيجة الإذن بالاستعمال والتصرف.
أما نقطة الخلاف الكبرى فإنها تدور حول ضمان المصرف للودائع الاستثمارية.
فقد نظر الأكثر من أهل البحث الفقهي المعاصر إلى أن الوديعة الحسابية المصرفية هي رأس مال مضاربة وأن المصرف عامل في هذا المال وأنه ليس على العامل ضمان.
وذهب الرأي المقابل إلى أن ما ينطبق على المضاربة الخاصة التي بحثها الفقه الإسلامي قديما لا يشمل المضاربة المشتركة التي هي عقد جديد تشبه حالة الأجير المشترك.
وكما أن الأجير المشترك له أحكام تتعلق بعمله ومسؤوليته في الضمان بصورة مختلفة عن أحكام الأجير الفرد وذلك حسبما قرر الفقهاء منذ القديم ولا سيما بالنسبة للقول بضمان الأجير المشترك ووجه المصلحة فيما اتفقوا عليه، كذلك فإن رعاية أموال الناس ومصالحهم تتطلب النظر في تضمين المضارب المشترك وذلك على أساس أننا أمام تعاقد جديد بظروف وشروط تختلف عن ظروف وشروط المضاربة الفردية وذلك من النواحي التالية:
1-
أن رب المال في المضاربة الفردية يختار العامل ويحدد له نوع النشاط ويضع الشروط التي يراها ملائمة لحفظ ماله من الضياع، بينما لا يملك رب المال في المضاربة المشتركة سوى اختيار المصرف الإسلامي الذي يتعامل معه، أما الشروط فلا تتحملها طبيعة المضاربة المشتركة وكذلك أشخاص العاملين في المال حيث يختار المصرف موظفيه وفق قواعده الخاصة بالتوظيف.
وكان مقتضى توازن العقود أن يكون في مقابل الحرمان من حق الاشتراط نوع من الضمان عن الخطأ المفترض في أعمال الموظفين الذين تقع رقابتهم على عاتق المصرف الذي يريد أموال المضاربة المشتركة.
2-
أن عمل المضاربة المشتركة ذو طبيعة مستمرة لا تتوقف وذلك لأن العمليات التي يقوم بها المصرف متتابعة ومتداخلة وليس ممكنا الحكم بتاريخ معين على حدوث خسارة محددة إلا إذا صفيت جميع عمليات المصرف، وهذا يعني تصفية المصرف نفسه حيث يحتمل أن تكون عمليات رابحة لو صفيت لكانت أرباحها أكبر من الخسارة الظاهرة.
ولما كانت هذه التصفية متعذرة فإن الحل الوحيد للسماح بسحب الودائع الحسابية الاستثمارية ودخول مودعين جدد هو تقرير مبدأ سحب رأس المال وذلك نحو ما تفعل المصارف الإسلامية دون أن تصرح بالضمان.
وقد حدث في أحد المصارف الإسلامية التي لا تأخذ بأصل مبدأ الضمان خسارة كبيرة حيث لم تجد هيئة الرقابة الشرعية مناصا من تضمين المصرف للخسارة الواقعة على أساس الخطأ المفترض.
بينما استحدث في البنك الإسلامي الأردني منذ تأسيسه صندوق خاص لتغطية مخاطر الاستثمار حيث تقتطع نسبة 10 % سنويا من الأرباح لحساب هذا الصندوق أخذ بوجهة النظر المالكية وذلك بالنسبة لجواز تخصيص جزء من ربح المضاربة لجهة ثالثة غير العامل ورب المال. (انظر المادة 21 من قانون البنك الإسلامي الأردني رقم 13 لسنة 1978 والقانون المعدل لسنة 1981م) .
3-
الأساس الفقهي الذي فرقت فيه بعض الآراء بين عمل العامل في مال القراض بنفسه وبين عمله عن طريق دفعه إلى من يعمل فيه.
فقد عرض الفقيه المالكي ابن رشد الحفيد لهذه المسألة عند البحث في طوارئ المضاربة بأنه لم يختلف المشاهير من فقهاء الأمصار أنه (إن دفع العامل رأس مال القراض إلى مقارض آخر أنه ضامن إن كان خسر وإن كان ربح فذلك على شرطه ثم يكون للذي عمل شرطه على الذي دفع إليه فيوفيه حقه مما بقي من المال) . (1)
والمضاربة تشبه الإجارة من حيث إنها استحقاق الربح بالعمل أو بالضمان، وكما أن الأجير الوسيط يستحق الربح ولو لم يعمل في حالة دفع العمل لغيره ولا سبب لذلك إلا الضمان. كذلك فإن المضارب الوسيط حيث لم يقدم عملا ولا مالا إنما يستحق الربح بسبب الضمان. لذلك لم يتردد الفقيه الكاساني في ضرب المثل مأخوذا من واقع ربح المضاربة بمثال من الإجارة.
(1) ابن رشد (الحفيد) ، بداية المجتهد، 2/238) .
فقد عرض الكاساني لمسألة ربح المضارب الأول عندما يدفع المال إلى المضارب الثاني حيث قال بأن المضارب الأول يستحق الربح (السدس مثلا) بعد أن يعطي المضارب الثاني نصيبه وهو الثلث، ويعطي لرب المال نصيبه وهو النصف، حيث يعلل ذلك بقوله:(لأن عمل المضارب الثاني وقع له فكأنه عمل بنفسه كما لو استأجر إنسانا على خياطة ثوب بدرهم فاستأجر الأجير من خاطه بنصف درهم طاب له الفضل؛ لأن عمل أجيره وقع له فكأنه عمل بنفسه) . (1)
والواقع أن سبب استحقاق الأجير الوسيط للربح هو ضمان بدليل أنه لو تلف الثوب بفعل الأجير الأخير فإن المسؤل هو الأجير الوسيط.
كما يستشف من استقراء الآراء في شرح مختصر خليل في شرح عبارة المختصر (ككل آخذ مال للتنمية) أن هناك فرقا في التعدي باستثمار المال بين الوكيل والمضارب. فقد جاء في شرح الخرشي على مختصر خليل (6 /214) في معرض شرحه لعبارة المختصر قوله: (والمعنى أن كل من أخذ مالا لينميه لربه فتعدى في ذلك المال كالوكيل على بيع شيء والمبضع معه واتجر فحصل به ربح أو تلف فيكون عليه وإن حصل ربح فهو لرب المال وحده نظرا لما دخلا عليه ابتداء بخلاف عامل القراض إذا شارك في المال أو باع بدين أو نحو ذلك بغير إذن ربه فخسارته عليه وحده، والربح له ولرب المال على ما دخلا عليه ابتداء. وكل من أخذ مالا لا على سبيل التنمية كالمودع والغاصب والوصي إذا حركوا إلى أن نما بالتعدي فإن الربح لهم بتعديهم والخسارة عليهم)(2)
وهذا يدل أن هناك فرقا في نتيجة التعدي بين الوكيل والمضارب، فإن قال قائل: إن الشرط هنا مرتبط بعدم الإذن قلنا: إن الإذن في المضاربة المشتركة كالعدم لأن المضارب لا يملك أصلا حق المنع والإعطاء، فالمصرف الإسلامي يقارض من يرى ويشارك من يرى دون أن يطلب إذنا وأنه إذا أعطي الإذن فلا معنى له لأنه إذن بما هو غير محدود.
(1) الكساني، مرجع سابق، 7/3545.
(2)
الخرشي، شرح مختص خليل،6\214.
ومهما يكن من أمر فإن مسألة الضمان وإن لم يصرح بها فإنها قائمة بالفعل؛ لأن المصرف الإسلامي الذي يسمح لصاحب الوديعة بسحب أمواله المودعة كليا أو جزئيا يقر ضمنا أنه قبل مبدأ سلامة رأس المال لأصحابه وإلا كان مقتضى الأمر ألا يسمح المصرف أبدا بسحب أي قدر من الوديعة الاستثمارية ما لم يجر الجرد الكامل لموقف الأرباح والخسائر حتى يقرر ما إذا كانت الوديعة الاستثمارية ترد سليمة لصاحبها أم تنقص عن رأس المال أو تزيد.
فإذا علم أن المصرف يرد يوميا مئات الودائع الاستثمارية ويتسلم مئات غيرها علمنا أن هذا الافتراض النظري مستحيل وأنه لا مناص من افتراض الضمان صراحة أو ضمنا.
أم بالنسبة للجهة التي تتحمل عبء الضمان فإنها تتحدد بالمساهمين إذ هم الذين يملكون الإدارة وهم الذين يتحملون تبعة أخطاء موظفيهم.
8-
الخاتمة:
وبعد ، فهذه ملاحظات على موضوع الودائع المصرفية الحسابية يرجى أن تجد لها مكانا في المناقشة الفقهية بما يسهل الوصول إلى ما هو أقرب تحقيق مقاصد الشرع.
والأفكار المعروضة هي رأي يستظل بظلال القواعد الفقهية وقد تختلف الأفهام ولكن الاتجاه نحو الحق موحد الولاء ، وكما يتجه المسلمون شطر المسجد الحرام من كل صوب وحدب كذلك تتجه الأفكار نحو منابع الشرع من كل مكان.
وإن الله هو الهادي إلى سواء السبيل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د. سامي حسن حمود.