المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ موضوع الاستثمار في الأسهم - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد التاسع

- ‌بحث فيالذهب في بعض خصائصه وأحكامهإعداد الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌تجارة الذهبفي أهم صورها وأحكامهاإعدادد. صالح بن زابن المرزوقي

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعدادد. الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعدادد. محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌السلم وتطبيقاته المعاصرةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعداد الشيخ حسن الجواهري

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعداد نزيه كمال حماد

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. سامي حسن حمود

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. حسين كامل فهمي

- ‌الحسابات والودائع المصرفيةإعدادد. محمد علي القري

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. حمد عبيد الكبيسي

- ‌الودائع المصرفية(تكييفها الفقهي وأحكامها)إعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌أحكام الودائع المصرفيةتأليفالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌الحسابات الجاريةوأثرها في تنشيط الحركة الاقتصاديةإعدادد. مسعود بن مسعد الثبيتي

- ‌الاستثمار في الأسهموالوحدات والصناديق الاستثماريةإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌ موضوع الاستثمار في الأسهم

- ‌الاستثمار في الأسهمإعدادد. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثماريةإعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌مناقصات العقود الإداريةعقود التوريد ومقاولات الأشغال العامةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌المناقصات(عقد الاحتياط ودفع التهمة)إعدادالشيخ حسن الجواهري

- ‌انخفاض قيمة العملة الورقية بسبب التضخمالنقدي وأثره بالنسبة للديون السابقةوفي أي حد يعتبر الانخفاض ملحقاً بالكسادإعدادالدكتور مصطفى أحمد الزرقا

- ‌التضخم والكسادفي ميزان الفقه الإسلاميإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌حكم ربط الحقوق والالتزاماتبمستوى الأسعارإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌أثر التضخم والكسادفي الحقوق والالتزامات الآجلةوموقف الفقه الإسلامي منهإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌مفهوم كساد النقود الورقيةوأثره في تعيين الحقوق والالتزامات الآجلةحدود التضخمالتي يمكن أن تعتبر معه النقود الورقية نقودًا كاسدةإعدادالدكتور ناجي بن محمد شفيق عجم

- ‌كساد النقود الورقية وانقطاعها وغلاؤها ورخصهاوأثر ذلك في تعيين الحقوق والالتزاماتإعدادالدكتور محمد علي القري بن عيد

- ‌كساد النقود وانقطاعهابين الفقه والاقتصادإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ خليل محي الدين الميس

- ‌سد الذرائعإعدادأ. د وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ محمد الشيباني بن محمد بن أحمد

- ‌سد الذرائععند الأصوليين والفقهاءإعدادالأستاذ الدكتور خليفة بابكر الحسن

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ مجاهد الإسلام القاسمي

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور علي داود جفال

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌مقارنة بين الذرائع والحيلومدى الوفاق والخلاف بينهماإعدادحمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ الدكتور الطيب سلامة

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور أحمد محمد المقري

- ‌مبدأ التحكيمفي الفقه الإسلاميإعدادالمستشار محمد بدر يوسف المنياوي

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميمبدؤه وفلسفتهإعدادالدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري

- ‌التحكيمإعدادالأستاذ الدكتور عبد العزيز الخياط

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعداد الأستاذ محمود شمام

- ‌نقص المناعة المكتسبة(الإيدز)أحكامه وعلاقة المريض الأسرية والاجتماعيةإعدادالدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌الأسرة ومرض الإيدزإعدادالدكتور جاسم علي سالم

- ‌إجراءات الوقاية الزوجية في الفقه الإسلاميمن مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)إعدادالشيخ أحمد موسى الموسى

- ‌ملخصلأعمال الندوة الفقهية السابعة

- ‌الإيدز ومشاكله الاجتماعية والفقهيةوثيقة مقدمة منالدكتور محمد علي البار

الفصل: ‌ موضوع الاستثمار في الأسهم

‌الاستثمار في الأسهم

والوحدات والصناديق الاستثمارية

إعداد

الدكتور منذر قحف

المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب

البنك الإسلامي للتنمية

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة:

يهدف هذا البحث إلى عرض‌

‌ موضوع الاستثمار في الأسهم

والوحدات والصناديق الاستثمارية من الناحية التطبيقية الواقعية بحيث يمكن للمتخصصين في الشريعة تحقيق جوانبه ونواحيه؛ ليتمكنوا من تأسيس استنباط الحكم الشرعي المتعلق بها. وهو لا يهدف إلى اقتراح أية فتوى شرعية بل إلى طرح الأسئلة وعرض المسائل التي تحتاج إلى ذلك.

ويتألف البحث من ثلاثة أقسام يبحث القسم الأول التعريفات التي توطئ للموضوع فيعرف الاستثمار والادخار ويستعرض بسرعة المنهج الإسلامي للاستثمار وآثاره الجانبية وعلاقته بتحقيق المصالح والمنافع.

أما القسم الثاني فيدرس الاستثمار في الأسواق المالية.

فيستعرض أنواع الأوراق والحقوق التي يتاجر بها في هذه الأسواق، سواء أكانت تمثل حصصا ملكية، أم تمثل حقوقا مالية محددة، أم تمثل مديونية محضة، ثم يستعرض كيفية الاستثمار في الأوراق المالية وفي الوحدات والصناديق الاستثمارية ويشرح تفاصيل هذه العملية.

أما القسم الثالث فيستعرض الفتاوى الشرعية التي صدرت عن المجامع الفقهية الإسلامية وبخاصة مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، ثم يطرح مجموعة من المسائل يعتقد الباحث أنها تحتاج إلى تفصيل نظر وبيان للحكم الشرعي فيها.

والله الموفق وهو الهادي إلى السبيل.

ص: 703

القسم الأول

مدخل وتعريف

معنى الاستثمار:

إذا كان المعنى اللغوي للاستثمار واضحا من اشتقاقه اللفظي – وهو طلب الثمر وللمال طلب زيادته- فإن كلمة استثمار يستعملها الناس بمعان متعددة.

فعند الاقتصاديين، الاستثمار هو أصلا الزيادة في الموجودات العينية أو السلع التي تستعمل في إنتاج سلع وخدمات أخرى. وهذه الموجودات والسلع التي تستعمل في إنتاج سلع وخدمات أخرى هي ما يعرف عند الاقتصاديين برأس المال. فالاستثمار هو إذن الزيادة في رأس المال وهو يشمل الزيادة في المباني، والآلات، والتجهيزات، والمخزون من المواد الأولية التي تستخدمها الوحدة الإنتاجية، كالمصنع مثلاً. ويميز الاقتصاديون بين الاستثمار الإجمالي والاستثمار الصافي، بحيث يكون الفرق بينهما هو المقدار التعويضي الذي يمثل ما يقابل ما هلك من رأس المال. فالاستثمار الصافي إذن هو زيادة الكمية الصافية في رأس المال بعد تعويض ما هلك منه، ويلاحظ من تعريف الاستثمار هذا ضرورة ربطه بفترة زمنية معينة؛ لأنه زيادة فتحسب عادة على أساس سنوي. والاستثمار قد يقوم به القطاع الحكومي أو الخاص، أو الخيري، فيقال: استثمار عام، وخاص، وخيري.

أما الماليون، فإنهم يتفقون مع الاقتصاديين على معنى الاستثمار، ولكنهم يضيفون إلى ذلك نوعاً جديداً من استعمال الأموال نشأ مع ظهور وتطور الشركات المساهمة والأسواق المنظمة لها. وهذا النوع هو الاستثمار في الأوراق المالية والتجارية.

فالاستثمار في الأوراق المالية والتجارية هو استعمال للمال في شراء صكوك، تمثل ديناً أو ملكية عين، وتدر دخلاً، قد يكون ثابتاً ومعروفاً مسبقاً، وقد يكون غير ثابت، أو غير معروف عند العقد.

وقد أضافت الصحافة المالية والاقتصادية توسعة أخرى لمعنى الاستثمار فاعتبرت استثماراً كل استعمال للمال بقصد الاستزادة منه. مما جعل كلمة استثمار تشمل –في عرف الصحافة- استعمال المال على سبيل الضمان عند الدخول في عقود الأسواق المنظمة للسلع، والعملات، وما يتبعها من مؤشرات Indexes وكذلك على سبيل ثمن الاختيارات Options على شراء أو بيع الأسهم والسلع والعملات، والإيداعات في المصارف الربوية، والمضاربات البحتة على أسعار الأراضي، وأقساط عقود التأمين على الحياة سواء أكان فيها شرط دفع مبلغ معين بعد عدد معين من السنوات إذا لم تحصل الوفاة، أم لا، وغير ذلك من استعمالات المال النقدي بقصد الاستزادة.

ص: 704

أما مجمع اللغة العربية في مصر فقد اختار لكلمة استثمار "استخدام الأموال في الإنتاج، إما مباشرة بشراء الآلات والمواد الأولية، وإما بطريق غير مباشر كشراء الأسهم والسندات "(المعجم الوسيط، مادة ثمر) .

ولنلاحظ أن المعنى غير المباشر للاستثمار الذي أشار إليه مجمع اللغة العربية في مصر –وهو المعنى المالي للاستثمار- لا يؤدي بالضرورة إلى المعنى المباشر- أو الاقتصادي؛ لأن ذلك يعتمد على ما تمثله تلك الأسهم والسندات من موجودات وديون. وهناك حالة واحدة فقط من حالات كل من الأسهم والسندات تكون فيها الأسهم والسندات ممثلة "لشراء آلات ومواد أولية"، وهي عندما تكون الأسهم لإصدارات جديدة يقصد منها إنشاء وحدة إنتاجية جديدة أو توسيع وحدة قائمة، أو عندما تكون حصيلة بيع السندات معدة لإنشاء وحدة إنتاجية جديدة أو توسيع أخرى قائمة.

معنى الادخار:

وفي معرض الحديث عن الاستثمار لا بد من ذكر الادخار. فالادخار –عند الاقتصاديين والماليين على السواء- هو عزل جزء من الدخل عن الاستهلاك، أو هو امتناع عن الاستهلاك. ويلحظ ضمناً أن الجزء الذي لا يستهلك من الدخل يكون معداً ومهيأ للدخول في دورة النشاط الاقتصادي على شكل استثمار؛ لأن أهل الاقتصاد يفرقون عادة بين الادخار والاكتناز، ويعتبرون الاكتناز سحباً للمدخرات من النشاط الاقتصادي كأن تكون مخبأة عند صاحبها في بيته أو في صندوق خاص للأمانات لدى مصرف قريب.

وتتنافس البنوك والمؤسسات المالية وسائر الوسطاء الماليون على مدخرات الأفراد. فتسعى لاجتذاب أكبر كمية منها من خلال ما تعرضه من إغراءات مالية آنية، هي الفوائد، أو مستقبلية هي الأرباح المتوقعة ومنافع عقود –أو بوالص- التأمين: وهي تتبع في سياستها الإعلانية والدعائية الاستعمال الصحفي لكلمة الاستثمار فتطلق تعبير " شهادات الاستثمار " أو "شهادات الادخار" على سندات القرض التي تجمع من خلالها مدخرات أصحاب الدخول في المجتمع.

ص: 705

المنهج الإسلامي في الاستثمار:

يتحدث الاقتصاديون المسلمون عن الاستثمار بمعنييه الاقتصادي والمالي. وقد نجد أحدهم ينتقل أحياناً من معنى إلى آخر دون أن يلاحظ أنه يفعل ذلك.

فالاستثمار هو زيادة في الطاقة الإنتاجية –للفرد وللمجتمع معاً- يمكن معها زيادة الإنتاج. ومثاله فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع ذلك السائل، صاحب الحلس والقعب حيث أمره بشراء أداة استثمارية، هي القدوم، وبالعمل عليها في الاحتطاب. وكذلك فعله عليه الصلاة والسلام مع الزبير بن العوام بإعطائه أرضاً لم تكن مزروعة، ليجري فيها الماء، ويزرعها. فشراء الآلة واستصلاح الأرض للزراعة أو زرعها عمليات استثمارية تزيد الطاقة الإنتاجية.

والإسلام إذ يشجع على الاستثمار، ويحث عليه، ويؤكد على التربية الروحية والنفسية والأخلاقية، التي تزيد في كفاءة الإنسان، وقدراته الإنتاجية، فلا يكون كلًّا، عاجزاً، لا يقدر على شيء، يضع أيضاً الضوابط القسط للاستثمار.

فيمنع أولاً الاستثمار فيما يؤدي إلى الحرام، فيحرم الاستثمار في إنتاج الخبائث من السلع والخدمات الضارة، كالخمر والمخدرات، والزنا وما يروجه. ويمنع ثانياً أن يترافق الاستثمار بأساليب محرمة كالرشوة، والكذب، والغش، والخداع، ويحذر ثالثاً من الإسراف والإتلاف وإضاعة الموارد.

ومن جهة أخرى، فإن الإسلام يشجع الاستثمار في إنتاج الطيبات، ويدعو الأفراد إلى المراعاة العامة لأولويات الأمة ومصالحها؛ لأن الاهتمام بأمور المسلمين واجب على المسلم في كل أموره، وأحواله.

والإسلام إنما يشجع الاستثمار؛ لأنه نشاط إنساني مفيد، يؤدي إلى زيادة الطيبات والخيرات، كما يؤدي إلى زيادة إعمار الأرض، وتحسينها وتجميلها.

وثمة مسألتان ينبغي إثارتهما هنا، تتعلقان بعملية زيادة الطاقة الإنتاجية، أو الاستثمار، وهما مسألة العبث، ومسألة الآثار الجانبية للاستثمار.

علاقة العبث بالاستثمار:

إن المنهج الإسلامي في الاستثمار يهدف إلى الاستزادة من الطيبات، وإعمار الأرض، والانتفاع بمواردها. ولكن هل يقبل الشرع الحنيف العمل الذي لا يهدف إلى مصلحة أو نفع؟ وهل يمكن أن تسخر لمثل هذا العمل العابث الموارد وتجند من أجله الطاقات؟ ولنأخذ على ذلك مثالاً، حفر حفرة ثم ملؤها بما أخرج منها من تراب، دون أن يكون لهذا العمل أي هدف من مصلحة أو نفع أو إحسان.

ص: 706

فهل تسمح شريعتنا بهذا النوع من الاستثمار؟ وقد استنكر القرآن الكريم العبث في آيتين: إحداهما تتعلق بفعل العباد في استعمال الموارد الاقتصادية {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ} [الشعراء:] والأخرى تتعلق بتنزيه فعل الخالق تبارك وتعالى {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] .

وقد ذكر الطبري في جامع البيان أن العبث هنا هو اللعب والباطل ووصفه محمد جمال الدين القاسمي في محاسن التأويل بأنه "ما كان بغير حكمة وما بني لا للحاجة إليه، بل لمجرد اللعب واللهو". ولا يخرج عن ذلك المعنى الفخر الرازي في تفسيره لهاتين الآيتين، بل إنه أضاف في رواية أن عاداً كانوا يهتدون بالنجوم فاتخذوا في طريقهم أعلاماً، عبثاً؛ لأنهم كانوا مستغنين عنها بالنجوم.

فالعبث لا يصلح أساساً للمعاملات الشرعية. ولا يكون قاعدة يصح أن يتركز إليها الاسترباح. فليس لنا أن نعد كل عملية استرباح استثماراً سواء أكانت تحقق مصلحة أو منفعة، أم تمثل عبثاً محضاً. ولنضرب مثالاً متفقاً عليه حتى نوضح هذه القضية. فقد أفتى مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بحرمة بيع وشراء المؤشرات، وذلك بدورته السابعة عام 1412 هـ/ 1992م؛ لأن المؤشر " شيء خيالي لا يمكن وجوده ". فالاسترباح بالمتاجرة بالمؤشر هو استرباح بالعبث وهو لذلك نوع من المقامرة، ولا يمكن أن نعتبر هذا الاسترباح عملية استثمارية على الرغم من أنه تستعمل فيها الأموال، وينتج عنها ربح لطرف وخسارة لآخر.

وإن المنهج الإسلامي للاستثمار يقوم على استعمال الأموال فيما يحقق مصالح الناس ويزيد من تمتعهم بالطيبات كمًّا ونوعاً، ولا يقوم على مجرد الاسترباح مهما كان هدفه وأيًّا كان موضوعه.

الآثار الجانبية للاستثمار:

إن كل عملية إنتاجية تتضمن نوعاً من أنواع التحويل من حالة المادة الأولية إلى حالة المنتوج النهائي. وإذا كان الاستثمار هو زيادة أدوات الإنتاج وآلاته وموارده، فإنه لا بد من التعرض للآثار الجانبية للإنتاج باعتبارها من آثار العملية الاستثمارية.

ص: 707

والآثار الجانبية لكل عملية إنتاجية يمكن تقسيمها إلى نوعين:

1-

الآثار التي يمكن لنظام السوق –في ظل إطار قانوني معين- أن يجعل المنتج يتحمل ثمنها. مثال ذلك المواد الأولية والمساعدة التي تستهلكها العملية الإنتاجية، فإن في استهلاكها إنقاصاً للموجود منها في السوق، ولكن هذا مما يدفع المنتج ثمنه، فيعمد إلى إدخال ذلك ضمن تكلفة الإنتاج، وبالتالي ضمن السعر الذي يراه لمبيعاته. ويتضمن هذا النوع من الآثار الجانبية أيضاً كل ما يستطيع المجتمع تحميله للمنتج من خلال إعادة تنظيم العلاقات القانونية لعملية الإنتاج. كأن يحمل المنتج تكاليف تنقية التلوث الذي يحدثه بعمله في الماء والهواء، بأن يفرض عليه استعمال أجهزة التنقية والتنظيف اللازمة قبل إخراج الماء والأبخرة والغازات من مسار العملية الإنتاجية.

2-

أما النوع الثاني من الآثار الجانبية فهو تلك الآثار التي لا يمكن تحميلها للمنتج، إما لعدم العلم بها عند الإنتاج نحو ما يكتشف بعد زمن طويل من آثار صحية أو بيئية، كما حصل بشأن مادة الإسبزتوس، وإما لعدم القدرة على تقدير ثمن تلك الآثار بسبب طبيعتها بحيث لا يمكن موضوعيًّا تقدير ثمنها. وهذا النوع من الآثار الجانبية يحتاج إلى قرار اجتماعي يتعلق بالأولويات الإنسانية لتحديد من الذي يتحمل عبء هذا النوع من الآثار، وبأية وسيلة.

مثال ذلك مصلحة الأجيال المستقبلية من المجتمع عندما تنصب عملية الإنتاج على مورد طبيعي قابل للنضوب، كالمعادن الدفينة في الأرض. وقد يكون سبب عدم تقدير ثمن هذه الآثار الجانبية عجز القرار الاجتماعي نفسه عن تحميل المنتج ثمن تلك الآثار، كما حصل في مسألة دفن النفايات النووية في بعض البلدان الفقيرة.

إن النوع الثاني من الآثار الجانبية للاستثمار يشمل كثيراً من التغييرات في البيئة الطبيعية والأخلاقية والاجتماعية والنفسية مما يحتاج إلى التنبه له وأخذه في الحسبان عند دراسة المنهج الإسلامي في الاستثمار وتحديد ما يطيب منه وما لا يطيب.

ص: 708

القسم الثاني

الاستثمار من خلال الأسواق المالية

يستزاد المال في الأسواق المالية، سواء أكانت منظمة أم غير منظمة، من خلال شراء وبيع أوراق وحقوق مالية، سنأتي على تفصيلها. ويكون العائد فيها ناشئاً إما عن ارتفاع سعر الورقة أو الحق في السوق، وإما عما يترتب على تملكها من إيرادات. أما الخسارة فتتأتى بسبب هبوط سعر الحق أو الورقة في السوق أو عن خسارة الشركة التي يمثل السهم ملكيتها في حالة الأسهم. وسنستعرض في هذا القسم: أ- أنواع الأوراق التي تتداول في الأسواق المالية. ب: آلية أو كيفية الاستثمار في هذه الأوراق.

أ- الأوراق والحقوق المتداولة في الأسواق المالية:

الأوراق والحقوق التي تتداول –عادة- في الأسواق على أنواع عديدة، يمكن حصرها في ثلاث مجموعات عامة هي:

1-

مجموعة تمثل حصة مشاعة في ملكية شركات تتألف موجوداتها –عادة- من أعيان وحقوق ونقود وديون.

2-

مجموعة تمثل ملكية حقوق مالية محددة.

3-

مجموعة تمثل ديوناً محضة.

أولاً: الأوراق المالية والحقوق التي تمثل حصص ملكية.

تمثل هذه الأوراق والحقوق حصص ملكية مشاعة في شركات مساهمة أو في صناديق استثمارية. وهي على أنواع نذكرها فيما يلي:

1 -

السهم:

وهو وثيقة تصدرها شركة مساهمة، تمثل حق ملكية حصة مشاعة في رأس مال الشركة وما يتبعه من حقوق، مما هو منصب على الموجودات الصافية للشركة وعلى إدارتها والرقابة عليها.

وقد نشأ السهم نتيجة عملية تحويل إلى أوراق مالية يطلق عليها باللغة الإنجليزية كلمة Securitization. وهي عبارة عن تمثيل الموجودات العينية والنقدية والحقوق المالية بأصول مالية ليست أكثر من أوراق أو وثائق مكتوب عليها أنها تمثل ملكية حصة مشاعة من رأس المال في شركة مساهمة. ومع مرور الزمن صار ينظر إلى هذه الوثائق، أو الأوراق، أو الأسهم نظرة مستقلة عما هي منصبة عليه من موجودات.

ص: 709

فمع التطور القانوني الذي أوجد الشخصية المعنوية صار ينظر إلى نوعين من الملكية في الشركة المساهمة. فالشركة المساهمة، كشخصية اعتبارية، هي التي تملك جميع موجوداتها وحقوقها وتتصرف بها. يضاف إلى ذلك أن المساهمين يملكون –بمجموعهم- الشركة المساهمة نفسها. وكل واحد منهم يستطيع أن يتصرف فقط بما يملكه من وثائق (أو أسهم) ، وليس له أن يملك شيئاً من موجودات الشركة نفسها، أو يتصرف به تصرف المالك بملكه، ولا حتى حصة شائعة من هذه الموجودات.

وتتساوى الأسهم بالقيمة المكتوبة عليها التي يطلق عليها اسم القيمة الاسمية. وتكون ملكية صاحب السهم في الشركة مساوية لحصة تعادل نسبة القيمة الاسمية إلى مجموعة رأس المالي إذا كان مدفوعاً كله، وإلا فينظر إلى نسبة المدفوع من القيمة الاسمية للسهم إلى مجموع رأس المال المدفوع.

والأسهم نوعان عادي وممتاز. حيث تتساوى الأسهم العادية في جميع حقوقها وعلاقاتها مع الشركة، من حيث مشاركتها في الجمعية العمومية، والتصويت، والأرباح، وحقوقها عند تصفية الشركة، إلخ.

أما الأسهم الممتازة أسهم مفضلة عن الأسهم العادية في واحد أو أكثر مما هو من حقوق السهم. فقد يضمن لها حد أدنى من العائد، أو يضمن رأس مال السهم عند التصفية، أو تباع بأقل من قيمتها الاسمية عند الإصدار، أو تكون لها مزايا في التصويت والإدارة، أو تعطى أولوية على الأسهم العادية عند تصفية الشركة، وغير ذلك من المزايا والأسهم، بنوعيها، قابلة للبيع والشراء والانتقال من يد إلى أخرى بسائر أنواع المعاملات الناقلة للملكية أو الحيازة.

2 -

صكوك المضاربة:

وهي تمثل –بشكلها الذي أقره مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي - حصصاً شائعة في رأس مال مضاربة. وبما أن الفارق الأساسي بين حقوق أصحاب رأس المال في المضاربة وحقوق المساهمين في الشركة المساهمة هو ما يتعلق بالإدارة والتصويت في الجمعية العمومية، فإنه يمكن إطلاق تعبير "أسهم لا تشارك في الإدارة" على صكوك المضاربة هذه.

ص: 710

وهي قليلة في التطبيق العملي. فقد استعملها مصرف إسلامي واحد من بين عدد يتجاوز الستين من المصارف الإسلامية. وهذا النوع من الأسهم التي ليس لها حق المشاركة في الإدارة معروف في الأنظمة الغربية. وقد نقلته كثير من القوانين العربية تحت اسم "شركات التوصية بالأسهم" حيث لا يحق لأصحاب الأسهم أن يشاركوا في الإدارة، بل تنحصر كلها بيد الشريك أو الشركاء المتضامنين.

وصكوك (أو أسهم) المضاربة قابلة للتداول أيضاً مثل غيرها من الأسهم.

3 -

أسهم الصناديق المغلقة للاستثمار في الأسهم والسندات:

وهي نوع من أنواع الأسهم، تختلف عن الأسهم في طبيعة عمل الشركة المساهمة فقط. لذلك أفردناها في عنوان خاص بها.

فالسهم يكون، في العادة لشركة تعمل في إنتاج السلع والخدمات، نحو شركات السيارات، وشركات الكهرباء، وشركات النقل، وشركات التأمين، وشركات المصارف، والشركات العقارية وغيرها.

أما صناديق الاستثمار المغلقة (1) فهي نوع من الشركات المساهمة تكون أعمالها تملك الأوراق المالية –باختلاف أنواعها- واسترباح من فروق أسعار بيعها عن أسعار شرائها ومن عوائدها التي توزع دورياً فهي تتضمن، إذن، مرحلتين من التحويل إلى أوراق مالية Securitization. حيث إن الأسهم والسندات وغيرها من الأوراق المالية، التي تتعامل بها صناديق الاستثمار، تمثل حصصاً في رأس مال شركات أخرى مالية وغير مالية أو ديوناً على أشخاص طبيعيين ومعنويين، في القطاعين العام أو الخاص. وذلك في حين تمثل أسهم الشركات العادية مرحلة واحدة من مراحل التحويل إلى أوراق مالية Securitization.

وهذه الأسهم هي أيضاً قابلة للتداول، بيعاً، وشراء، وغير ذلك.

(1) ولها باللغة الإنجليزية أسماء متعددة تتشابه بطبيعتها سواء بالنسبة للمغلق منها أم المفتوح. من هذه الأسماء Closed Investment Funds و Closed Mutual Funds و Closed Investment Units وغيرها ومنها ما يتضمن تنظيمه وجوداً أمينًا Trustee، فتسمى عندئذ Trust Funds أو Investment Unit Trusts

ص: 711

4 -

حصص الصناديق المفتوحة للاستثمار في الأسهم والسندات:

صناديق الاستثمار المفتوحة هي مثل صناديق الاستثمار المغلقة من حيث طبيعة أعمالها وما تتعامل به من أوراق مالية. وهي تختلف عن الصناديق المغلقة في أن رأس مال الصندوق المفتوح غير محدد مسبقاً. لذلك يستطيع صندوق الاستثمار المفتوح أن يقبل دخول وخروج المساهمين في أي وقت، فيتغير رأس مال الصندوق تبعاً لذلك. وينظم الصندوق على طريقة الحصص أو الوحدات Units فيكون سعر كل وحدة في الصندوق عند إنشائه مائة دولار مثلاً.

ثم تستثمر المبالغ المتجمعة في الصندوق في أوراق مالية متنوعة.

كما يستثمر ما يحصل من إيرادات ناشئة عن أرباح التداول أو عوائد الأوراق المالية. وتسعر موجودات الصندوق بصورة دورية، كل يوم أو كل أسبوع مثلاً، ويكون دخول وخروج المساهمين بسعر الوحدة عند الدخول أو الخروج. حيث يدفع المساهم الجديد ثمن عدد الوحدات التي يرغب بشرائها. أما المساهم المنسحب فتدفع له قيمة الوحدات التي يملكها من الصندوق نفسه.

5 -

حصص صناديق الاستثمار المتخصصة:

مع نمو الأسواق المالية تنوعت أشكال تعبئة المدخرات وتوجيهها نحو الاستعمالات المتعددة، مما أدى إلى ظهور عدد كبير من الصناديق المتخصصة للاستثمار. وهي تقوم بتجميع المدخرات من عدد كبير من الناس واستعمالها في أنواع محددة من العمليات بقصد تحقيق عائد للمدخرين.

فمن الصناديق ما يتخصص بالتنمية العقارية، فيقوم الصندوق بشراء مساحات من الأراضي، ثم تخطيطها، وتنظيمها توزيعها، وإيصال الخدمات العامة إليها، ثم بيعها، أو بنائها قبل بيعها. ومن صناديق التنمية العقارية ما يتخصص بتمويل المقاولات للمباني والإنشاءات، أو مشتري البيوت مباشرة، على طريقة الإقراض الربوي فقط.

ص: 712

ومن الصناديق ما يتخصص بالمتاجرة بالعملات الأجنبية بيعاً وشراء ومنها ما يتخصص بتمويل عمليات شراء وبيع السلع.

كما أن من الصناديق ما يقتصر في عملياته على التمويل بالمرابحة حسب الطريقة الشرعية، ومنها ما يلتزم بعدم التعامل بالسندات المبنية على الفوائد، أو الربا.

وكذلك فإن من صناديق الاستثمار المتخصصة ما يكون مغلقاً بمعنى أن رأس ماله محدد عند إنشاء الصندوق ولا يقبل الزيادة فيه ولا الإنقاص منه طيلة مدة عمر الصندوق. ولكن كثيراً من الصناديق المغلقة تقبل حلول مالك جديد محل مالك قديم فيما يملكه من حصص. ويكون هذا التبادل عادة بالعسر المعلن دوريًّا للحصص أو الوحدات. ويوجد كذلك صناديق استثمار متخصصة مفتوحة تقبل دخول وخروج المساهمين في مواعيد دورية حسب أسعار الحصص أو الوحدات في هذه المواعيد.

وجميع أنواع الصناديق المشار إليها في الأرقام 3 و4 و5 يكون تنظيمها على واحد من شكلين قانونيين هما شكل المضاربة وشكل الوكالة بأجر.

فإذا كان تنظيم الصندوق على طريقة المضاربة، تجد فيه للمدير –سواء أكان شخصاً طبيعيًّا أم شخصاً معنويًّا – حصة من الربح الذي يحققه الصندوق.

ومثال هذا النوع صندوق وحدات الاستثمار Investment Unit Trust الذي أسسه البنك الإسلامي للتنمية. وقد يعمد المضارب إلى اشتراط حق خلط ماله بمال المضاربة في هذا الصندوق. كما أنه قد يتعهد بقبول شراء ما يرغب الأعضاء في الصندوق ببيعه من حصصهم حسب أسعارها عند البيع.

أما شكل الوكالة بأجر –أو الإجارة - فيكون فيه للمدير أجر ثابت محسوب على أساس نسبة معينة من قيمة الصندوق في غرة كل شهر أو ثلاثة شهور مثلاً. وقلما يخلط المدير الأجير ماله بمال الصندوق.

ص: 713

6 -

صكوك العقارات المؤجرة:

يمكن أن يمتلك العقار المؤجر من قبل شخص أو عدة أشخاص. فإذا ملكه أشخاص عديدون على سبيل الحصة المشاعة فيه، فإنه يمكن إصدار صكوك تمثل حصصاً مشاعة متساوية في ملكية العقار المؤجر. ولنسم هذه الوثائق " صكوك العقارات المؤجرة " أو " سندات الإجارة ".

فصكوك الإجارة إذن هي وثائق تثمل ملكية حصص مشاعة متساوية في عقار مؤجر. وهي تعطي صاحبها حق التملك، والحصول على الأجرة، والتصرف بملكه بما لا يضر بحقوق المستأجر، أي أنها قابلة للبيع والتداول لأنها تمثل ملكية كما يتحمل صاحب الصك ما يترتب على المالك من تبعات تتعلق بالعقار، فيتحمل هلاكه وصيانته مما لا يصح شرعاً الاتفاق على تحميله للمستأجر.

وصكوك الإجارة غير مستعملة الآن، ولكنها مطروحة كأحد الأوراق المالية الإسلامية التي يمكن قيامها على ضوء مبادئ الاقتصاد الإسلامي، لتمويل المشاريع الإنشائية في كل من القطاع الخاص والقطاع الحكومي.

ثانياً- الأوراق التي تمثل حقوقاً مالية محددة:

هناك عدد من الأوراق المالية الموجودة في الأسواق المالية، والتي تمثل حقوقاً مالية محدد، أي أنها لا تنصب على موجودات عينية.

وأهم هذه الأوراق المالية:

1-

شهادة حق شراء سهم Warrant

وهي شهادة تصدرها الشركة المساهمة، إما لحملة الأسهم فيها، أو لأشخاص قدموا للشركة خدمات تستحق المكافأة، وهي تتضمن حق مالك الشهادة بشراء سهم (أو أكثر) من أسهم الشركة بسعر محدد، مبين في الشهادة نفسها، خلال فترة زمنية محددة. وغالباً ما تصدر هذه الشهادة عند زيادة رأس المال، وقد تصدر في الأيام الأولى من وجود الشركة المساهمة، وهي تصدر على كل حال في وقت يكون فيه سعر السهم في السوق أعلى من السعر المذكور فيها. وهذه الشهادة قابلة للبيع، بحيث يستطيع مالكها أن يمارس حقه في شراء السهم بالسعر المذكور ضمن المدة المضروبة.

ص: 714

2-

الاختيارات Options

الاختيار وثيقة تمثل حقاً بشراء (أو بيع) سلعة معينة أو سهم معين خلال فترة معينة، أو في زمن معين. ويدفع الثمن مقابل هذا الالتزام. فلو كان الالتزام بالبيع دفع المشتري ثمن الاختيار، ولو كان الالتزام بالشراء دفع البائع الثمن.

وهذه الوثيقة قابلة للتداول أيضاً بحيث تباع وتشترى في الأسواق المنظمة، ويكون هنالك اختيارات بقدر ما يوجد من أسهم أو سلع في السوق المنظمة.

3-

أسهم التمتع:

أسهم التمتع هي أوراق مالية قابلة للتداول بيعًا وشراءً وغير ذلك من أشكال التداول. وهي تعطي صاحبها الحق في إيراد دوري مماثل لإيراد السهم العادي، ولكنها تختلف عن السهم العادي بأنه ليس لصاحبها أي حصة عند تصفية الشركة. ويمكن لأصحاب أسهم التمتع أن يحضروا الجمعية العمومية ويكون لهم فيها حق التصويت. وتمنح أسهم التمتع عادة من قبل الشركات التي تؤول موجوداتها للخروج عن ملكها بعقد امتياز من الدولة محدد بزمن معين، أو بنفاد معدن تستثمره، وتمنح على إثر إطفاء السهم العادي برد قيمته الاسمية لمالكه مع استمرار بقاء حقه في إيرادات الشركة الصافية. وهذه الأسهم قابلة للتداول أيضاً شأنها شأن الأسهم العادية.

ثالثاً- أوراق تمثل مديونية محضة:

وهي أوراق تنشأ نتيجة لقرض أو بيع (آجل أو سلم) . ويتعهد فيها المقترض أو المشتري بدفع مبلغ معين بتاريخ مضروب. وهي وثائق خطية تعبر عن المديونية. ويوجد منها في الأسواق المالية أنواع متعددة نذكر أصنافها فيما يلي:

1-

سندات الحكومة:

وهي وثائق تصدر مقابل قروض تحصل عليها الحكومة وهي تمثل مديونية الحكومة للمقرض أو صاحب السند، ولها أنواع. فمنها ما هو قصير الأجل ومنها ما هو طويل الأجل. ومنها ما يوزع فوائد دورية، ومنها ما لا يوزع فوائد وإنما يباع عند الإصدار بخصم يعادل الفوائد، كما أن منها ما تصدره الخزانة العامة، ومنها ما تصدره جهات حكومية أخرى كالبلديات أو الحكومات المحلية أو البنك المركزي.

وهي في العادة قابلة للتداول بالبيع. وأهم ما يؤثر على سعرها في السوق عاملان هما: مقدار الفائدة التي تلتزم الحكومة بدفعها في السند، وسعر الفائدة السائد في السوق، إضافة إلى القيمة الاسمية للسند وتاريخ استحقاقه.

ص: 715

وتتخذ هذه السندات أسماء متعددة. فمنها ما يسمى سندات الحكومة، ومنها ما يسمى أذونات الخزينة، أو سندات الاستثمار، أو شهادات الادخار أو شهادات الاستثمار. ومنها ما يسمى بسندات البلديات أو سندات الحكومات المحلية حسب الجهة المصدرة لها.

وتستعمل الحكومة –أو الجهة الحكومية المقترضة - حصيلة السندات لأغراض متعددة. قد تذكر على السند وقد لا تذكر. كما قد تصدر السندات لأغراض عامة مثل تمويل عجز الميزانية أو لأغراض خاصة مثل تمويل مجموع المشاريع التنموية أو تمويل مشروع محدد بعينه. وكثيرا ما تعتمد الحكومة إلى إنشاء مؤسسة عامة مملوكة للدولة تتخصص في إصدار أنواع من سندات وشهادات القرض بأسماء متعددة

وشروط متفاوتة بقصد تلبية الرغبات المتنوعة للناس باستجلاب أكبر قدر من القروض وقد تخصص مؤسسة حكومية معينة لاستجلاب قروض تستعمل حصيلتها في المشاريع التنموية للحكومة فقط.

2-

سندات الشركة:

تسمح القوانين عادة للشركات بإصدار سندات مقابل قروض تحصل عليها من الناس. ولها أنواع عديدة أيضاً حسب طريقة دفع الفوائد وأجل القرض وغير ذلك. وهي جميعها تتسم بأنها وثائق تمثل مديونية الشركة تجاه صاحب السند، وتعبر عن التزام الشركة المدينة بدفع القيمة الاسمية للسند عند استحقاقه والفوائد المترتبة عليه في مواعيدها. وكثيراً ما يدعم القرض برهن أو ضمان. ويتم تداولها بالبيع مثل سندات الحكومة.

3-

الأوراق التجارية:

وهي وثائق تمثل مديونية نشأت عن بيع أو التزام تجاري آخر نحو الضمان. ولها نوعان رئيسان: أحدهما يحرره المدين للدائن والآخر يطلب فيه الدائن من المدين دفع مبلغ الدين لطرف ثالث هو المستفيد (ويكون عادة دائناً للدائن) الذي يمكن أن يكون الدائن نفسه.

ويتم تداول هذه الأوراق بالبيع بسعر يقل عن قيمتها الاسمية بمقدار الفوائد المحسوبة عن الفترة التي تفصل بين تاريخ البيع وتاريخ الاستحقاق. وعندما تباع الورقة التجارية لمصرف يسمى ذلك عادة خصماً أو حسماً لها، كما يمكن لمشتريها أن يعيد بيعها، أو يعيد حسمها.

ص: 716

4-

سندات السلم:

وهي سندات تمثل ديناً عينيًّا بمقدار محدد من سلعة موصوفة بدقة كالبترول مثلاً. وقد اقترحها بعض الكتاب لتمويل الحكومة.

وبما أن أسعار البترول خاضعة للتغيرات السوقية فإن القيمة النقدية للسند تتغير تبعاً لذلك. أما قابلية السند للتداول فتعتمد على جواز بيع دين السلم قبل قبضه، وهي مسألة خلافية معروفة.

5-

سندات الخدمات:

وهي سندات اقترحها بعض الكتاب لتمويل قطاع الخدمات نحو الهاتف والنقل والتعليم. وهي تستند إلى الإجارة الموصوفة بالذمة. فيمثل السند ديناً بخدمة محددة معلقة على المستقبل نحو نقل شخص مسافة معينة في زمن لاحق، أو عدد من دقائق الخدمة الهاتفية الداخلية، أو الخارجية المحددة، أو التعليم الجامعي لمادة دراسية محددة، أو غير ذلك من الخدمات.

وتصدر الجهات المقدمة لهذه الخدمات سندات خدمات تتعهد بموجبها بتقديم الخدمة الموصوفة في زمن معين في المستقبل وتقوم ببيع السندات بأسعار تستجلب إقبال الناس على شرائها.

وهذه السندات قابلة للتداول. أما أسعارها في السوق فتحدد حسب قوى العرض والطلب، وأهم ما يؤثر عليها الأسعار الجارية للخدمات المماثلة التي تقدم في وقت البيع، والتوقعات المتعلقة بأسعار هذه الخدمات في المستقبل.

ب- آلية الاستثمار في الأوراق المالية والوحدات الاستثمارية

يتم الاسترباح بالأسهم والسندات وغيرها من الأوراق والحقوق المالية والصناديق والوحدات الاستثمارية بشرائها من خلال الأسواق المنظمة أو غير المنظمة، ثم التربص انتظاراً للحصول على عوائدها، وارتفاع أسعارها لبيعها بالسعر الأعلى. وتشترى هذه الأسهم والأوراق إما مباشرة من أصحابها، وإما بواسطة وسطاء يحصلون على أجور لقاء وساطتهم.

1-

ففي سندات الحكومة وسندات الشركات يحصل مالك السند على الفوائد المحددة التي التزم المقترض بدفعها دوريًّا. ويرجع ارتفاع سعر السند (أو انخفاضه) إلى انخفاض (أو ارتفاع) معدل الفائدة السائد والمتوقع في السوق، فيجني المالك –عند البيع - الزيادة في السعر إذا ارتفع، أو يتحمل نقصانه إذا انخفض.

2-

وفي الأوراق التجارية والسندات التي لا توزع فوائد (Zero Coupon Bonds) يحصل مالك الورقة أو السند –عند البيع- على ثمنها في السوق المالية. ويختلف هذا الثمن عما دفعه المالك عند حصوله على الورقة أو السند بتأثير عاملين رئيسيين اثنين هما ما مضى من الزمن بين الشراء والبيع والفرق في معدل الفائدة بين وقت الشراء ووقت البيع، يضاف إليهما ما يتعلق بالتوقعات حول التغيرات المستقبلية في معدل الفائدة والفرص البديلة والظروف العامة للسوق المالية.

ص: 717

3-

وفي الأسهم، يميز عادة بين الأسهم التي تقتنى لإيراداتها وبين تلك التي تقتنى من أجل بيعها بسعر أعلى. وتوزع الشركات المساهمة أرباحاً على المساهمين مستخلصة من الواقع الفعلي لنتائج أعمالها، مع تعديلات يراها مجلس الإدارة عادة بزيادة نسبة التوزيع أو إنقاصه، مستعملاً في ذلك إما بعض أنواع الاحتياطيات المجمعة لدى الشركة أو حساب الأرباح المحتجزة، وهي كلها من حقوق المساهمين على كل حال وكثيراً ما يتم توزيع دفعات ثابتة كل ثلاثة أشهر تعتبر بمثابة سلف على الأرباح يتم تسويتها عند ظهور النتائج السنوية لأعمال الشركة والمصادقة عليها.

أما سعر السهم في السوق فيتأثر بعوامل كثيرة جدًّا تتجلى في التغيرات بالعرض والطلب على السهم. ومن هذه العوامل ما هو حقيقي يتعلق بنشاط الشركة وإنجازاتها وأرباحها الفعلية ومشروعاتها الإنمائية.

ومنها ما يتعلق بتقويم الخبراء لأعمال الشركة ومستقبلها حيث توجد في كثير من الدول مؤسسات تقويم تنشر تقارير عن الشركات وإنجازاتها.

ومنها كذلك ما يعود إلى ما ينشر من الأصدقاء أو الأعداء وغيرهم من ذوي المصالح من إشاعات حول الشركة وإدارتها ومستقبل أعمالها. ومن هذه العوامل أيضاً ما يتعلق بالفرص البديلة المتوافرة في السوق، ومنها كذلك ما يتعلق بالظروف الاقتصادية والسياسية العامة المحلية والإقليمية والعالمية. كما يتأثر العرض والطلب بعوامل نفسية وثقافية وبيئية كثيرة منها الطقس، والغيوم والجفاف، والتصحر، والمكتشفات والمخترعات العلمية وغير ذلك.

ويكون الاسترباح بالأسهم بالحصول على إيراداتها في مواعيد توزيعها وبتحصيل الزيادة في أسعارها عند بيعها بأسعار أعلى من أسعار شرائها. ومن مالكي الأسهم من يقتنيها لوقت طويل نسبيًّا فيكون اهتمامه بأرباحها السنوية أكثر من اهتمامه بتغير أسعارها في السوق، ومنهم من يلهث وراء التغيرات في السوق فينصب جل اهتمامه على الاسترباح بفروق الأسعار، مما يجعل سوق الأسهم كثير التغير حتى إنه ليوصف بالتطاير (Volatility) .

4-

وفي أسهم الصناديق التبادلية والصناديق الاستثمارية المغلقة التي يتم تداولها في الأسواق، يكون الاسترباح بارتفاع سعر السهم فقط لأن هذه الصناديق لا توزع أرباحاً، وإنما ترتفع قيمة السهم بارتفاع قيمة محفظتها المالية وتنخفض بانخفاضها.

5-

ومثل أسهم الصناديق المغلقة الحصص والوحدات في صناديق الاستثمار المفتوحة المختلفة الأنواع. إذ لا تقوم هذه الصناديق بتوزيع أرباح –في العادة- وإنما ترتفع قيمة الحصة أو الوحدة (أو تنخفض) بارتفاع (أو هبوط) قيمة محفظتها المالية. ويستربح مالك الحصة أو الوحدة باسترداد قيمة حصته أو وحدته عندما يراها مرتفعة. أما الصناديق المغلقة غير ذات الأسهم فإنها تتطلب التربص حتى تاريخ انتهاء الصندوق نفسه حيث توزع على أصحاب الحصص أو الوحدات حصيلة تصفية المحفظة المالية للصندوق فيتحقق الربح (أو تحصل الخسارة) عندئذ.

ص: 718

القسم الثالث

القضايا الشرعية التي يثيرها الاستثمار

في الأسهم والوحدات الاستثمارية

سأستعرض في جزء من هذا القسم الفتاوى الصادرة حول موضوع البحث ثم أذكر القضايا التي أعتقد أنها تحتاج إلى بيان موقف الشريعة منها من خلال الجهود المجمعية للفقهاء المعاصرين.

أ- الفتاوى المعاصرة حول الأسهم والوحدات الاستثمارية

1 -

فتاوى مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي:

- الزيادة أو الفائدة، مقابل تأجيل دين حل، أو على القرض منذ بداية العقد، ربا محرم شرعاً (قرار رقم –10- دورة المؤتمر الثاني، عام 1406، وقرار رقم –1- دورة المؤتمر الثالث، عام 1407هـ) .

- تجب الزكاة في الأسهم على أصحابها، وتخرج الشركة الزكاة نيابة عنهم كما يخرج الشخص الطبيعي زكاة أمواله من حيث نوع المال الذي يجب فيه الزكاة، ومن حيث النصاب، ومن حيث المقدار الذي يؤخذ، وغير ذلك مما يراعى في زكاة الشخص الطبيعي فإذا لم تخرجها الشركة وأخرج الزكاة أصحابها، فإن الأسهم المقصودة لريعها لا تجب فيها الزكاة بل في الريع بشروطه. أما الأسهم المقصودة للتجارة فتزكى زكاة عروض التجارة (القرار رقم –3- دورة المؤتمر الرابع، عام 1408 هـ) .

- أسهم المقارضة جائزة بشروطها الشرعية التي ذكرها قرار المجمع (القرار رقم –5-، دورة المؤتمر الرابع، عام 1408 هـ) .

- يجوز تداول أسهم المقارضة إذا غلبت الأعيان والمنافع على مال القراض فإن غلبت النقود أو الديون كان التداول حسب الأحكام الشرعية التي تراعي الشروط الشرعية لتداول النقود أو الديون (القار رقم –5- دورة المؤتمر الرابع، عام 1408 هـ) .

- لا يجوز ضمان المضارب لرأس مال المضاربة أو ربحه (القرار رقم –5- دورة المؤتمر الرابع، عام 1408 هـ) .

ص: 719

- السندات التي تمثل التزامات بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول؛ لأنها قروض ربوية، سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة ترتبط بالدولة.

ولا أثر لتسميتها شهادات أو صكوكاً استثمارية، أو ادخارية، أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحاً أو ريعاً أو عمولة أو عائداً (القرار رقم 62/11/6 دورة المؤتمر السادس، عام 1410 هـ) .

- تحرم السندات ذات الكوبون الصفري Zero Coupon Bonds باعتبارها قروضاً يجري بيعها بأقل من قيمتها الاسمية (القرار رقم 62/11/6 دورة المؤتمر السادس، عام 1410 هـ) .

- تحرم السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضاً اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين، أو لبعضهم، لا على التعيين، فضلاً عن شبهة القمار (القرار رقم 62/11/6 دورة المؤتمر السادس، عام 1410 هـ) .

- تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مشروعة وذات مسؤولية محددة أمر جائز، ويحرم الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرم، والأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحياناً بالمحرمات، كالربا، بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة (القرار رقم 65/1/7، دورة المؤتمر السابع، عام 1412 هـ) .

- لا مانع شرعا من إصدار أسهم للحامل وتداولها (القرار رقم 65/1/7، دورة المؤتمر السابع، عام 1412 هـ) .

- لا يجوز إصدار أسهم ممتازة لها خصائص مالية تؤدي إلى ضمان رأس المال، أو ضمان قدر من الربح، أو تقديمها عند التصفية، أو عند توزيع الأرباح. ويجوز إعطاء بعض الأسهم خصائص تتعلق بالأمور الإجرائية أو الإدارية (القرار رقم 65/1/7، دورة المؤتمر السابع، عام 1412 هـ) .

ص: 720

- يجوز بيع السهم أو رهنه بشروطه (القرار رقم 65/1/7، دورة المؤتمر السابع، عام 1412 هـ) .

- عقود الاختيارات غير جائزة لأن المعقود عليه ليس مالاً، ولا منفعة، ولا حقًّا ماليًّا يجوز الاعتياض عنه (القرار رقم 65/1/7، دورة المؤتمر السابع، عام 1412 هـ) .

- إن حسم (خصم) الأوراق التجارية غير جائز شرعاً؛ لأنه يؤول إلى ربا النسيئة المحرم (القرار رقم 66/2/7، دورة المؤتمر السابع، عام 1412 هـ) و (ندوة البركة الأولى، الفتوى رقم 12) .

2 -

فتاوى ندوات البركة:

- الأصل جواز بيع حصة في عين تخول المشتري الحق في الأرباح النقدية المتحققة، أو الأرباح المحققة نتيجة لارتفاع قيمة العين (ندوة البركة الأولى، الفتوى رقم 11) .

- يجوز للبنك الإسلامي الذي يملك نسبة عالية من رأس مال شركة أن يعرض إيجاباً عامًّا بشراء حصص فيها أو أسهمها (ندوة البركة الثانية – الفتوى رقم 6) .

3 -

فتاوى أخرى:

- أذون الخزانة وسندات التنمية التي تصدرها الدولة بمعدل فائدة ثابت من باب القرض بفائدة، وقد حرمت الشريعة القروض ذات الفائدة المحددة أيًّا كان المقرض أو المقترض؛ لأنها من باب الربا المحرم شرعاً (الفتاوى الإسلامية) –دار الإفتاء- مجلد 9، فتوى 1248 ص 3311، فبراير 1979 م، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وزارة الأوقاف – القاهرة) .

- لما كان الوصف القانوني الصحيح لشهادات الاستثمار أنها قرض بفائدة.. فإن فوائد تلك الشهادات تدخل في نطاق ربا الزيادة ولا يحل للمسلم الانتفاع به (الفتاوى الإسلامية، المجلد التاسع، فتوى رقم 1252 ص 3335، ديسمبر 1979 م) .

ص: 721

ب- تساؤلات ومشكلات يثيرها الاستثمار في الأسهم والوحدات والصناديق الاستثمارية.

بما أن مسألة إصدار السندات وشرائها والحصول على فوائدها وكذلك خصم الأوراق التجارية هي من المسائل التي حسم بها مجمع الفقه الإسلامي الموقر – لما فيها من ربا صريح- فإن الاستثمار بهذه الطرق أصبح فيه موقف الشريعة الغراء واضحاً والحمد لله. لذلك لا نرى طائلاً من تكرار هذه المسائل، غير أنه لا تزال هنالك مسائل عددية تحتاج إلى نظر وتمحيص من أهمها ما يلي:

1 -

نتائج التعبير عن الأصول والأعيان بصيغة أوراق مالية وهو ما يسمى باللغة الإنجليزية Securitization.

إن عملية التعبير عن الأصول والأعيان بشكل أوراق مالية ينشأ عنها ضرورة التمييز بين نوعين من الملكية. ملكية الأوراق المالية ملكية الأصول والأعيان. فالسهم يملك على وجه الاستقلال عن ملكية الأصول والأعيان التي تملكها الشركة. ولقد لاحظت كثير من القوانين ذلك الاستقلال. ففرضت الدول ضريبة الدخل أو ضريبة الأرباح على الشركات بشكل منفصل عن ضريبة الدخل على الأفراد. فالشركة تدفع ضريبة على مجموع أرباحها سواء أوزعتها أم لا، والمساهم يدفع ضريبة أيضاً عما حصل عليه من أرباح موزعة Dividends دون أن تعتبر في ذلك إزدواجاً ضريبيًّا؛ لأن للشركة شخصية قانونية وذمة مالية مستقلين عما للمساهمين أفراداً ومجتمعين.

ويتكرر هذا التملك بتكرار عملية التحويل إلى أوراق مالية. ففي صناديق الاستثمار المغلقة ذات الأسهم، يمتلك صاحب سهم صندوق الاستثمار سهمه في الصندوق ويتصرف به. ويمتلك الصندوق، كشخصية معنوية، الأسهم التي اشتراها، وتمتلك الشركات التي تخصها هذه الأسهم الموجودات والأعيان. وقد تزداد السلسلة حلقة أخرى أيضاً إذا امتلكت أية شخصية معنوية أسهماً من أسهم صناديق الاستثمار.

ص: 722

وإن تراكم وتعدد عمليات تحويل الموجودات إلى أوراق مالية أمر أصبح جزءاً من الحياة المالية والاقتصادية المعاصرة، وهو يحدث في كل مرة تمتلك فيها شخصية معنوية أسهماً في شخصية معنوية أخرى، ومن أبرز أمثلته الشركات القابضة Holding Companies، والشركات الأمهات Mother Companies التي تملك شركات تابعة Subsidiaries.

والسؤال الذي لا بد أن يطرح نفسه يتعلق أولاً بمدى مشروعية تعدد التحويل إلى أوراق مالية مرة فوق مرة، وثانياً بما يترتب على ذلك من أحكام شرعية، سواء ما يتعلق منها بتأثير نوع نشاط كل شركة تملك أسهمها من قبل شركة ثانية على أصحاب أسهم الشركة المالكة، أو ما يتعلق بالزكاة الواجبة وكيفية حسابها.

2 -

المجازفات في الأسهم

الأصل في الاستثمار في المنهج الإسلامي أنه زيادة في كمية وسائل الإنتاج في المجتمع، الأمر الذي يزيد القدرة على إنتاج الطيبات والمنافع. فإذا اشترى المرء وسائل إنتاج موجود قائمة بعملها، وإن لم يقم بزيادة كمية وسائل الإنتاج في المجتمع، فإنه يكون قد امتلك آلات وأدوات قادرة –من خلال تنظيم فني وإداري معين- على إنتاج الطيبات والمنافع، ويكون بدفعه قيمتها للمالك السابق قد مكنه من اتخاذ قرار اقتصادي جديد، سواء أجعله استثماريًّا أم استهلاكيًّا. فيلحق من أجل كل ذلك شراء الآلات والأدوات الموجودة بالاستثمار توسعاً للمعنى، وتجاوزاً لقيوده الدقيقة.

فشراء حصة –أو سهم- في رأس مال شركة مساهمة هو استثمار إذن في حدود هذا المعنى. أي طالما أنه يؤول إلى وجود أصول ثابتة وغير ثابتة تنتج الطيبات والمنافع. وبطبيعة الحال، فإن الأصول والموجودات التي تستعمل في إنتاج الطيبات والمنافع إنما تقصد من أجل إنتاجها، فإنها بذاتها لا تشبع رغبة إنسانية، ولا تسد حاجة بشرية. وبالتالي فإن الأسهم في الشركات المساهمة إنما تقتنى؛ لأنها تمثل حصة في رأس مال شركة تنتج الطيبات والمنافع (ومن هنا حرم اقتناء أسهم في شركة تنتج الخبائث) .

ص: 723

فالأصل إذن في الاستثمار في الأسهم ضمن المنهج الإسلامي أن يكون شراء للأسهم بقصد الاسترباح من إنتاج الطيبات والمنافع. أي أن الاسترباح يكون أساساً من العملية الإنتاجية التي هي الهدف الأول والأساسي للاستثمار.

ومن جهة أخرى، فإن القيمة السوقية لرأس مال الشركة المساهمة تتأثر بعوامل عديدة، لعل من أهمها:

أ- التوقعات المتعلقة بمستقبل نشاط الشركة من رواج أو كساد. هذه التوقعات تتأثر بدورها بالإنجاز الفعلي للشركة في ماضيها، وكفاءة إدارتها، وغير ذلك.

ب- تراكم حقوق مالية للمساهمين في الشركة فوق رأس المال المدفوع، لأسباب قانونية، كالاحتياطي الإلزامي، أو طوعية تقوم بها إدارة الشركة، كالاحتياطي الاختياري، والأرباح المحتجزة.

ج- زيادة القيمة السوقية لموجودات الشركة دون أن تتمكن من توزيع تلك الزيادة على شكل أرباح من خلال إعادة تقويم موجوداتها في سجلاتها نظراً للصعوبات القانونية التي تعترض ذلك عادة.

د- الحالة العامة للسوق المالية وأسواق السلع والخدمات، وحالة الكساد أو الرواج فيها ومعدلات التضخم السائدة والمتوقعة، وبخاصة ما يتعلق بالسلع البديلة والمنافسة، وسعر الفائدة السائد والمتوقع، وما شابه ذلك من عوامل أخرى.

ومن البدهي أن يتأثر سعر السهم بجميع هذه العوامل التي تؤثر على القيمة السوقية لرأس مال الشركة. ومن البدهي أيضاً أن تلحظ جميع تلك العوامل عند الاستثمار في الأسهم.

فالاستثمار في الأسهم يقصد إذن إلى هدفين بآن واحد هما: العوائد الدورية الناتجة عن نشاط الشركة وأرباحها، والارتفاع في القيمة السوقية لرأس مال الشركة.

ص: 724

وهذا غير أنه مع انتشار الشركات المساهمة، وبعد صاحب السهم عن مركز نشاط الشركة وإدارتها، ومع توسع الأسواق المالية ورواج الأسهم وانتشارها، كان من الطبيعي أن تتأثر الأسعار السوقية للأسهم بعوامل أخرى ليست من نوع تلك العوامل التي ذكرناها سابقاً: فالإشاعة صار لها دور كبير في أسعار الأسهم، وكذلك ما ينشر –أو لا ينشر- من معلومات عن الشركة والسوق بشكل عام، وتهافت الناس على الشراء أو على البيع، والأحوال السياسية الإقليمية والعالمية، وما ينشر وما يتوقع عن الأوضاع الاقتصادية العالمية والإقليمية، وبخاصة في البلدان السبع الكبرى اقتصاديًّا، وأحوال السلم والحرب وتوقعاتهما، وكذلك تتأثر أسعار الأسهم باقتراب عطلة نهاية الأسبوع والعطل الرسمية الأخرى في البلدان الكبرى وبأحوال العلوم والاختراعات، وغير ذلك.

ومع النمو الكبير للأسواق المالية واستيعابها لأموال طائلة كبير تبذل في شراء الأسهم –وغيرها من الأوراق المالية - بهدف المجازفة Speculation على أسعارها، لا بقصد تملكها استدرار أرباح الشركات التي تمثل الأسهم رأساميلها، ومع تطور وسائل الإعلام واستخدام الحاسوب في الأسواق المالية وانتشار البرامج الآلية في الشراء والبيع، وكثرة الوسطاء والخبراء ووكلاء الاستثمار، طغت المتاجرة بالأسهم مجازفة على أسعارها، وبعدت أسعار سوق الأسهم عما يحصل في عالم الواقع من تغيرات مادية في الأوضاع الفعلية للشركات، وصار الوهم هو العامل الرئيسي في تغيرات أسعار الأسهم حيث تربح –أو تخسر- آلاف الملايين في ساعات قلائل.

كما صارت الكميات التي يتم بيعها –وشراؤها- في سوق الأسهم يوميًّا تفوق في أحيان كثيرة أعداد الأسهم التي تشكل رساميل الشركات المسجلة في البورصة. كل ذلك يدل على أن هذا النوع من الاستثمار قد تجاوز الحدود التي رسمها الإسلام نهجاً لاستثمار المال وصار استخدام السهم كأداة للمجازفة على السعر وليس مقصوداً لذاته من أجل أرباح الشركات وارتفاع قيمة رساميلها. فهذا النوع من استخدام المال مجازفة على أسعار الأسهم لا ينتج طيبات ولا يزيد منافع، فهل هو يتجاوز معنى العبث الذي أشرنا إليه في القسم الأول من هذه الورقة؟

ص: 725

والسؤال الذي ينبغي الإجابة عليه هو: هل تتفق المجازفة على أسعار الأسهم مع المنهج الإسلامي في الاستثمار؟ وهل يقبل الشرع الحنيف الاسترباح بهذا النوع من العمل غير المنتج؟ وهل ينبغي التمييز بين الاستثمار الصحيح في الأسهم وبين استعمال المال عبثاً في المجازفة على أسعارها؟ وبالتالي هل ينبغي وضع قيود على أسواق الأسهم بحيث تقتصر المبايعات على أولئك الذين يرغبون في الاستثمار بالمعنى الذي يؤدي إلى إنتاج الطيبات والمنافع؟ علماً بأنه يمكن تحقيق مثل هذه الأهداف عن طريق فرض قيود على البيع، مثل اشتراط التسجيل ونحوه، وتقليل حجم الائتمان الذي ينصرف لتمويل شراء الأسهم، وعدم السماح بإعطاء أسعار للأسهم في السوق إلا بصورة دورية عقب نشر البيانات المالية الدورية عن الشركة، وغير ذلك من الإجراءات التي تهدف إلى اقتصار التعامل على الراغبين بالدخول في ذلك الميدان من ميادين إنتاج الطيبات والمنافع، أو الخروج منه.

3 -

تأثير نشاط الشركة على تملك أسهمها:

إن فتوى مجمع الفقه الإسلامي صريحة واضحة فيما يتعلق بحرمة المساهمة في شركات نشاطها محرم، نحو إنتاج وبيع المحرمات كالخمر. وكذلك فإن المجمع قد أصدر فتوى تتعلق بالمساهمة في شركات نشاطها الأساسي يدخل في ضمن المباحات، ولكنها تتعامل أحياناً بالربا أخذاً وعطاء. فنص على أن الأصل في ذلك الحرمة. ثم استأنف مناقشة المسألة في دورة مؤتمره الثامن، وأوصى بمتابعة هذه المناقشة في المستقبل، لاستكمال جميع جوانبه، وتغطية كل تفصيلاته.

ص: 726

وهناك عدد من النقاط تثار حول هذه الموضوع ألخصها فيما يلي:

- هل لشخص المستثمر تأثير في الحكم الشرعي؟ فهناك المستثمر المسلم الفرد، وهناك المؤسسة المالية الإسلامية. فالمؤسسة المالية الإسلامية، كالبنوك وشركات التكافل الإسلامية، صارت في أيامنا شعاراً من شعارات النشاط الاقتصادي الإسلامي، ومناراً من مناراته، ينظر إليها ويقتدى بها ويضرب فيها المثل. فهل يؤثر ذلك على الحكم الشرعي؟ بما يشبه مسألة الأذان الذي يعتبر شعيرة من شعائر الإسلام، فلو تركه أهل بلد قوتلوا عليه، ولو تركه فرد، فهو تارك لسنة أو واجب.

- هل لنية المستثمر من تأثير في الحكم الشرعي؟ وهنا يمكن تمييز عدد من الحالات منها:

أ- أن يشتري أسهماً في شركة تتعامل بالربا بنية تحويلها إلى مؤسسة إسلامية لا تتعامل بالحرام مطلقاً، مع القدرة على ذلك عند المساهمة، أو مع توقع القدرة على ذلك بعد مرور وقت معين، أو بدون توقع القدرة على التحويل مع بقاء نيته.

ب- أن يساهم في شركة نشاطها الأساسي من المباحات، ولكن يختلط بالحرام لأسباب اجتماعية، أو اقتصادية، أو قانونية أحياناً نحو إنشاء مسابح، أو دور للرياضة في بلد لا يسمح بفصل النساء عن الرجال، أو أن الفصل يؤدي إلى فشل المشروع من الناحية الاقتصادية. وذلك بقصد التعرف على هذا الفن ومعرفة هذه الصناعة من أجل إقامة مثيل لها يخلو من الحرام. ونحو ذلك أن ينتج أفلاماً سينمائية فيها بعض المناظر والأفكار المحرمة، بقصد تعلم هذه المهنة ومعرفة خباياها من أجل إنتاج أفلام سينمائية ليس فيها من المحرمات شيء.

ج- أن يساهم في شركة نشاطها الأساسي مباح ولكنه يختلط بالحرام من أجل مخاطبة جمهور من المستهلكين بقصد دعوتهم إلى الإسلام. مثل الإذاعة التي تذيع بعض البرامج الفاسدة بقصد إسماع من يتعشقون هذه البرامج شيئاً من النصح والموعظة الحسنة، للتدرج بهم على طريق الخير.

- هل لظروف الاستثمار من تأثير في الحكم الشرعي؟ وهنا أيضاً يمكن تمييز عدد من الحالات:

أ- استثمار الأموال السائلة لدى الفرد المسلم أو المؤسسة الإسلامية لفترة قصيرة من الزمن، دون قصد المساهمة في الشركة أو إدارتها لوقت طويل. فالمسلم لا يستطيع استعمال الأموال السائلة المتوافرة لديه في جميع أنواع السندات لحرمة الربا. وعند الاختيار بين الأسهم يحتاج إلى اختيار أسهم الشركات القوية الكبيرة للاستثمار القصير الأجل. وهو لا يريد الإبقاء على هذا الاستثمار إلا لوقت قصير ريثما تتاح الفرص الاستثمارية التي يرغبها.

ص: 727

ب- في عدد من البلدان الإسلامية يسيطر الأجانب وغيرهم من غير المسلمين على معظم الأنشطة الاقتصادي، وإذا ابتعد المسلمون عن المساهمة في الشركات التي تتعامل أحياناً بالربا ستزداد هذه السيطرة، وسيصعب كسر هذه الحلقة حول الاقتصادي الوطني. وإن مساهمة المسلمين في الشركات القائمة هي خطوة مهمة جدًّا في سبيل استعادتهم لملكية وإدارة الاقتصاد وعدم تركه في أيدي غير المسلمين، أو على الأقل في سبيل تحقيق حصة لهم في الاقتصاد الوطني تتناسب مع نسبتهم في مجموع السكان كأكثرية إسلامية.

ج- المسلمون، والمؤسسات الإسلامية، الموجودون في البلدان غير الإسلامية، وبخاصة البلدان الغربية، لا يجدون في بيئاتهم سوى الشركات التي تتعامل أحياناً بالربا للاستثمار في أسهمها. فلا تكاد توجد في تلك المجتمعات شركات لا تتعامل بالربا، وإن وجدت فيستحيل على جميع المسلمين الراغبين في الاستثمار التعرف عليها والاستثمار فيها. فهل يمكن في هذه الظروف للمسلمين الذين يعشون في البلدان غير الإسلامية أن يستثمروا في شركات نشاطها الأساسي مباح ولكنها تتعامل أحياناً بالربا؟

- هل لسلوك الشركة غير المتعلق بنشاطها الرئيسي تأثير على الحكم الشرعي؟ كأن يكون النشاط الرئيس للشركة مباحاً ولكنها تقدم تبرعات لأعداء المسلمين، أو أنها تبيع منتجاتها، كالسلاح ونحوه، لحكومات أو فئات تحارب به المسلمين وبلدانهم.

4 -

أحكام الاستثمار في الصناديق والوحدات الاستثمارية

إن العديد من الصناديق والوحدات الاستثمارية تتعامل مباشرة بالسلع، نحو الصناديق المتخصصة بالعقارات، وبالمتاجرة بالسلع، وتلك التي تعمل في ميادين المرابحات والسلم والإجارة ونحوها. ولكن أكثر الصناديق والوحدات تتعامل بالأسهم والسندات والأوراق التجارية والعملات. وثمة عدد من المسائل ينبغي مناقشتها والوصول إلى الحكم الشرعي فيها لعل من أهمها ما يلي:

أ- كثير من الصناديق والوحدات تنوع في استثماراتها بين أنواع من الأسهم والسندات وغيرها. فما حكم الاشتراك في هذه الصناديق والوحدات في الحالات التالية:

- إذا اقتصرت على الأسهم وكان منها أسهم شركات تتعامل أحياناً بالمحرمات، مع العلم أن الصندوق أو الوحدة الاستثمارية قد يملك أسهماً إيرادية فيكون تركيزه على إيراداتها والاحتفاظ بها لفترات أطول، وقد يملك أسهماً تربصاً لارتفاع أسعارها، على طريقة المجازفة على الأسعار فقط، وقد يملك خليطاً من هذا وذاك، وهو الأغلب.

ص: 728

- إذا تضمنت محفظة الصندوق أو الوحدة سندات أو أوراقاً تجارية، سواء أغلبت الأسهم أم لم تغلب، وسواء أمكن فصل الإيرادات الناشئة عن التعامل بالسندات والأوراق التجارية أم لم يمكن.

ج- إذا اقتصر نشاط الصندوق أو الوحدة على التعامل بالعملات تعاملاً حالاً فقط بيعاً وشراء. ولكنه نشاط يقوم على المجازفة Speculation على أسعار العملات، وليس على اتخاذ الصرافة مهنة تهدف إلى توفير العملات لمن يحتاجها. وواقع الحال أن جميع الصناديق المتخصصة بالعملات إنما تقوم على المجازفة دون اتخاذ الصرافة مهنة.

د- وبشكل عام فإن معظم صناديق ووحدات الاستثمار بالأسهم نفسها إنما تقوم على فكرة المجازفة على أسعار هذه الأسهم، ولا يوجد منها من يهدف إلى اتخاذ –مجال استثماري بعينه نبراساً له (1) . وبخاصة أن صناديق ووحدات الاستثمار في الأسهم تقوم على مرحلتين من التحويل إلى حقوق وأوراق مالية Securitization، يبتعد فيها المستثمر في الصندوق أو الوحدة عن الاستثمار المادي الذي يهدف إلى زيادة الطيبات والمنافع في المجتمع، فهل يجوز أصلاً هذا النوع من الاسترباح بالمال فقط؟

هـ- قلنا: إن الصناديق تنظم عادة على أساس المضاربة، أي أن نصيب المدير يكون حصة من الربح عند تحققه، وأنها تنظم أيضاً على أساس الإجارة، بحيث يكون للمدير أجر يحسب عادة على أساس نسبة معلومة من مجموع رصيد الصندوق، كأن تكون الأجرة 0،15? (واحد ونصف بالألف) من مجموع الأموال في الصندوق في آخر كل شهر. وهذه المبالغ الموجودة آخر كل شهر لا تعرف مسبقاً، وإنما تعرف عند حساب الرصيد في آخر كل شهر.

وهي تتأثر بعاملين هما:

1-

الأموال المضافة أو المسحوبة خلال الشهر.

2-

أسعار الأوراق المالية التي يملكها الصندوق عند إقفال الشهر.

فهل من الجائز شرعاً تنظيم الصندوق بأجرة تحسب بهذه الطريقة؟ وهل تخرج هذه الطريقة على أنها نوع من الأجرة بالقطعة، أو الأجرة على العمل لا على الزمن؟

5 -

أحكام زكاة الأسهم وحصص صناديق ووحدات الاستثمار

إضافة إلى الفتاوى المهمة الصادرة عن مجمع الفقه الإسلامي الموقر في هذا الخصوص، هناك عدة نقاط تحتاج إلى بيان الرأي، أهمها ما يلي:

- إذا كانت الفتوى على أن شراء الأسهم بقصد المتاجرة بها يجعلها تعامل معاملة عروض التجارة بالنسبة لأحكام الزكاة، من حيث النصاب، والحول، ومقدار الواجب، فما هو حكم شراء أسهم أو حصص الصناديق والوحدات الاستثمارية التي تقوم بشراء الأسهم وبيعها؟ علماً بأن مشتري السهم أو الحصة قد يشتريها بقصد الإبقاء عليها بإيراداتها، وأن الصندوق نفسه ينحصر كل عمله بالمتاجرة بالأسهم، ولا يمكن معرفة نسبة الأصول الثابتة إلى غيرها من الموجودات في الشركات التي يملك الصندوق أسهمها.

- ما حكم الزكاة على أسهم وحصص الصناديق والوحدات التي يوجد ضمن موجوداتها سندات وأوراق تجارية، أو أسهم لشركات نشاطها الأساسي مباح ولكنها تتعامل أحياناً بالربا؟

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

الدكتور منذر قحف

(1) وإن كان يمكن من الناحية النظرية قيام صندوق استثماري يهدف إلى تنمية صناعة معينة أو مجال إنتاجي

ص: 729