المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السلم وتطبيقاته المعاصرةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد التاسع

- ‌بحث فيالذهب في بعض خصائصه وأحكامهإعداد الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌تجارة الذهبفي أهم صورها وأحكامهاإعدادد. صالح بن زابن المرزوقي

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعدادد. الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعدادد. محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌السلم وتطبيقاته المعاصرةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعداد الشيخ حسن الجواهري

- ‌السلموتطبيقاته المعاصرةإعداد نزيه كمال حماد

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. سامي حسن حمود

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. حسين كامل فهمي

- ‌الحسابات والودائع المصرفيةإعدادد. محمد علي القري

- ‌الودائع المصرفيةحسابات المصارفإعدادد. حمد عبيد الكبيسي

- ‌الودائع المصرفية(تكييفها الفقهي وأحكامها)إعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌أحكام الودائع المصرفيةتأليفالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌الحسابات الجاريةوأثرها في تنشيط الحركة الاقتصاديةإعدادد. مسعود بن مسعد الثبيتي

- ‌الاستثمار في الأسهموالوحدات والصناديق الاستثماريةإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌ موضوع الاستثمار في الأسهم

- ‌الاستثمار في الأسهمإعدادد. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثماريةإعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌مناقصات العقود الإداريةعقود التوريد ومقاولات الأشغال العامةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌المناقصات(عقد الاحتياط ودفع التهمة)إعدادالشيخ حسن الجواهري

- ‌انخفاض قيمة العملة الورقية بسبب التضخمالنقدي وأثره بالنسبة للديون السابقةوفي أي حد يعتبر الانخفاض ملحقاً بالكسادإعدادالدكتور مصطفى أحمد الزرقا

- ‌التضخم والكسادفي ميزان الفقه الإسلاميإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌حكم ربط الحقوق والالتزاماتبمستوى الأسعارإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌أثر التضخم والكسادفي الحقوق والالتزامات الآجلةوموقف الفقه الإسلامي منهإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌مفهوم كساد النقود الورقيةوأثره في تعيين الحقوق والالتزامات الآجلةحدود التضخمالتي يمكن أن تعتبر معه النقود الورقية نقودًا كاسدةإعدادالدكتور ناجي بن محمد شفيق عجم

- ‌كساد النقود الورقية وانقطاعها وغلاؤها ورخصهاوأثر ذلك في تعيين الحقوق والالتزاماتإعدادالدكتور محمد علي القري بن عيد

- ‌كساد النقود وانقطاعهابين الفقه والاقتصادإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ خليل محي الدين الميس

- ‌سد الذرائعإعدادأ. د وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ محمد الشيباني بن محمد بن أحمد

- ‌سد الذرائععند الأصوليين والفقهاءإعدادالأستاذ الدكتور خليفة بابكر الحسن

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ مجاهد الإسلام القاسمي

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور علي داود جفال

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌مقارنة بين الذرائع والحيلومدى الوفاق والخلاف بينهماإعدادحمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌سد الذرائعإعدادالشيخ الدكتور الطيب سلامة

- ‌سد الذرائعإعدادالدكتور أحمد محمد المقري

- ‌مبدأ التحكيمفي الفقه الإسلاميإعدادالمستشار محمد بدر يوسف المنياوي

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميمبدؤه وفلسفتهإعدادالدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري

- ‌التحكيمإعدادالأستاذ الدكتور عبد العزيز الخياط

- ‌التحكيم في الفقه الإسلاميإعداد الأستاذ محمود شمام

- ‌نقص المناعة المكتسبة(الإيدز)أحكامه وعلاقة المريض الأسرية والاجتماعيةإعدادالدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌الأسرة ومرض الإيدزإعدادالدكتور جاسم علي سالم

- ‌إجراءات الوقاية الزوجية في الفقه الإسلاميمن مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)إعدادالشيخ أحمد موسى الموسى

- ‌ملخصلأعمال الندوة الفقهية السابعة

- ‌الإيدز ومشاكله الاجتماعية والفقهيةوثيقة مقدمة منالدكتور محمد علي البار

الفصل: ‌السلم وتطبيقاته المعاصرةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

‌السلم وتطبيقاته المعاصرة

إعداد

الشيخ محمد علي التسخيري

والشيخ علي نظري منفرد

بسم الله الرحمن الرحيم

السلم وتطبيقاته المعاصرة:

1-

تعريف بيع السلم وبيان مشروعيته وكونها أصلية أو على خلاف القياس، وشروط صحته وحكمته (بإجمال) .

2-

بيان أنواع المعاملات التي يجوز فيها السلم، وبيان أنواع السلع التي يجري فيها.

3-

مفهوم صفة (التعيين) في السلع التي يمتنع معها السلم.

4-

هل تعد السلعة الواحدة ذات العلامات التجارية (الماركات) المتعددة صنفا واحدا أم أصنافا متعددة؟ أثر اختلاف العلامات التجارية (الماركات المسجلة) في تعدد أصناف السلع المسلم فيها.

5-

اشتراط قبض بضاعة السلم قبل بيعها والحكمة في ذلك، وهل يغني عن القبض التحقق من قدرة المسلم على توفير السلعة عند حلول الأجل، أو التأمين على السلعة المسلم فيها، أو وجودها في مخازن عمومية منظمة؟

6-

استخدام صفقتي سلم متوافقتين دون ربط بينهما (السلم الموازي) .

7-

عجز البائع عن تسليم البضاعة عند حلول الأجل في السلم ومشروعية الشرط الجزائي عن تأخير تسليم البضاعة.

8-

إصدار سندات سلم قابلة للتداول وضوابط ذلك في حال الجواز.

ص: 314

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

أما بعد فالموضوع السادس من الموضوعات المقترح طرحها على الدورة التاسعة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي هو السلم وتطبيقاته المعاصرة، فالبحث عن السلم وتطبيقاته المعاصرة يستدعي البحث في مطالب:

المطلب الأول

في تعريف السلم وبيان مشروعيته

وكونها أصلية أو على خلاف القياس وشروط صحته وحكمته (بإجمال) ففي هذا المطلب أمور أربعة:

الأمر الأول – في تعريف بيع السلم:

وقبل التعريف لا بد أن توضح الكلمة التي أضيف إليها لفظ البيع وهي كلمة (السلم) .

والسلم بفتح السين واللام مرادف للفظ السلف ومعناه: إثبات مال في الذمة بمبذول في الحال، وهذا شامل للقرض أيضا لأنه إثبات مال في ذمة المقترض بمبذول من المقرض في الحال كما هو شامل لبيع السلم، وفي المنجد: السلف القرض الذي لا منفعة فيه للمقرض وعلى المقترض رده كما أخذه (1) . قال بعض الأعلام: وهو (أي السلف) في المعاملات على وجهين: أحدهما القرض الذي لا منفعة فيه للمقرض غير الأجر والشكر وعلى المقترض رده كما أخذه، والعرب تسمى القرض سلفا، والثاني هو أن يعطي مالا في سلعة إلى أجل معلوم، بزيادة في السعر الموجود عند السلف، وذلك منفعة للمسلف ويقال له (سلم) دون الأول، وهو يقابل (النسيئة)(2) والمقصود بالبيان هنا هو السلم في البيع.

قال ابن منظور: يقال أسلم وسلّم إذا أسلف وهو أن تعطي ذهبا وفضة في سلعة معلومة إلى أمد معلوم فكأنك قد أسلمت الثمن إلى صاحب السلعة وسلمته إليه. (3) .

وقال الفيومي: السلم في البيع مثل السلف وزنا ومعنى (4) .

ومعناه الاصطلاحي قريب من معناه اللغوي وهو عبارة عن ابتياع مال مضمون إلى أجل معلوم بمال حاضر أو في حكمه (5) .

(1) المنجد: مادة سلف

(2)

مجمع البحرين 5/72 مادة سلف

(3)

لسان العرب 12/295

(4)

المصباح المنير: 286

(5)

شرائع الإسلام

ص: 315

وعرفه بعض بأن السلم أو السلف عبارة عن بيع شيء موصوف في الذمة بشيء حاضر أو ما في حكمه والمراد مما في حكم الحاضر ما يقابل الموصوف المضمون إلى أجل في الذمة ولم يكن حال العقد حاضرا بل في حكم الحاضر، غاية الأمر لا بد من إقباضه قبل التفرق (1) .

وعن بعضٍ: السلم بفتح السين واللام: اسم مصدر لأسلم، ومصدره الحقيقي الإسلام، ومعناه في اللغة: استعجال رأس المال وتقديمه ويقال للسلم سلف لغة إلا أن السلم لغة أهل الحجاز والسلف لغة أهل العراق (2) .

وأما ما قيل في تعريفه: السلم هو شراء آجل بعاجل. (3) ففيه ما لا يخفى؛ لأن هذا التعريف ناظر إلى ما يعمل المسلم ويشتريه لا إلى بيان إلى حقيقة السلم الذي هو عبارة عن العقد ولذا عبروا عنه بالبيع. قال في التذكرة: (السلم والسلف عبارتان لمعنى واحد وهو بيع شيء موصوف في الذمة بشيء حاضر)(4) .

وعرفه بعض بالعقد كما في الجواهر نقلا عن الدروس. (5) .

فعلى ضوء هذه التعاريف عن بيع السلم إنه عبارة عن:

بيع كلي موصوف مؤجل بثمن حال عكس النسيئة.

ويقال للمشتري: المسلم (بكسر اللام) وللبايع: المسلم إليه، وللمبيع: المسلم فيه وللثمن: المسلم بفتح اللام.

(1) جامع المدارك 3/316

(2)

الفقه على المذاهب الأربعة 2/302

(3)

الفقه على المذاهب الأربعة 2/302

(4)

مجمع الفائدة للأرديبلي 8/303

(5)

جواهر الكلام 24/267

ص: 316

الأمر الثاني – في بيان مشروعية بيع السلم:

قد ذكر في الأمر الأول في تعريفه أنه بيع فنذكر هنا مشروعية بيع السلم والدليل على مشروعيته من الكتاب العزيز العمومات الواردة فيه مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] .

وتقريبه أن بيع السلم قسم من أقسام البيوع والمعاملات المتداولة والعقود المتعارفة بين الناس فتشمله العمومات والإطلاقات الواردة في الكتاب الدالة بعمومها أو إطلاقها على مشروعية هذا القسم من العقد والبيع الذي كان الثمن فيه حالا والمثمن مؤجلا مضافا إلى ما نقل عن ابن عباس أنه قال: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في كتابه، أي في قوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] . ولعله لعموم اللفظ. (1) .

هذا بالنسبة إلى ما ورد في الكتاب من الآيات التي دلت بعمومها أو إطلاقها على مشروعية بيع السلم وأما السنة فهي الأحاديث المأثورة في مشروعية بيع السلم وهي كثيرة بل يقال: إن السنة قد تواترتفيه (2) فنذكر جملة منها ما نقل الشيخ الطوسي عن:

1-

علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مرار عن يونس عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا بأس بالسلف في المتاع إذا سميت الطول والعرض)) (3) .

2-

علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل باع بيعا ليس عنده إلى أجل وضمن البيع قال: لا بأس به (4) .

(1) جواهر الكلام 24/268

(2)

جواهر الكلام 24/268

(3)

التهذيب 7/27

(4)

التهذيب 7/28

ص: 317

3-

وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد عن علي بن النعمان عن ابن مسكان عن سليمان بن خالد في حديث أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يسلم في غير نخل ولا زرع قال: يسمي شيئا مسمى إلى أجل مسمى. (1) .

4-

وعن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بالسلم في المتاع إذا وصفت الطول والعرض. (2) .

5-

محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه قال: حدثنا صدقة أخبرنا ابن عيينة أخبرنا ابن أبي نجيح عن عبد الله بن كثير عن أبي المنهال عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون بالتمر السنتين والثلاث فقال: من أسلف في شيء ففي كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم (3) .

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في مشروعية بيع السلم كما لا يخفى على من أمعن النظر فيها ولاحظها.

وأما الإجماع فقد ذكر صاحب الجواهر إجماع المسلمين على جوازه حيث قال: وكيف كان فقد أجمع المسلمون على جوازه، كما أن السنة قد تواترت فيه (4) .

وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم جائز (5) .

وذكر بعض: قد أجمع أئمة المسلمين على جوازه (6) .

وعن العلامة: وقد أجمع المسلمون على جوازه (7) .

هذا تمام الكلام في مشروعية بيع السلم من الكتاب والسنة والإجماع.

(1) وسائل الشيعة 13/55

(2)

وسائل الشيعة 13/54

(3)

صحيح البخاري 3/111

(4)

جواهر الكلام 24/268

(5)

الفقه على المذاهب الأربعة 4/598

(6)

الفقه على المذاهب الأربعة 2/304

(7)

مجمع الفائدة للأردبيلي نقلا عن التذكرة 8/346

ص: 318

الأمر الثالث – كونها أصلية أو على خلاف القياس:

فقد ذهب جماعة إلى أن هذا البيع على خلاف القياس.

قال الزيلعي من الحنفية: وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخص في السلم، والقياس يأبى جوازه لأن المسلم فيه مبيع وهو معدوم وبيع موجود غير مملوك أو مملوك غير مقدور التسليم لا يجوز فبيع المعدوم أولى أن لا يجوز ولكن تركناه بما ذكرناه (1) .

وذكر صاحب التاج: المذهب أن السلم باب من أبواب البيع ولكنه مخالف للقياس إذ هو بيع معدوم، وحكى صاحب الروض النضير إجماع المسلمين على جواز السلم إلا ما روي عن ابن المسيب من النهي عنه لحديث:((لا تبع ما ليس عندك)) وأجيب بأنه يحتمل أن يكون معناه: لا تبع ما ليس لك وأن يكون المعنى ما يكون غائبا عنك مما ليس بسلم وتكون أدلة الجواز خاصة وهي صريحة في معناها والسلم نوع من أنواع البيع إلا أنه لما خالف البيع في أحكامه وشرائطه خالفه في الاسم (2) .

قال ابن المنذر: وقد استثني عقد السلم من قاعدة عدم جواز بيع المعدوم (3) .

(1) موسوعة الفقه الإسلامي 9/164

(2)

موسوعة الفقه الإسلامي 9/166

(3)

الفقه الإسلامي وأدلته 4/598

ص: 319

هذه كلماتهم وهي صريحة في أن بيع السلم مخالف للقياس ووجه مخالفته للقياس منافاة هذا البيع لمضمون الحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تبع ما ليس عندك)) كما هو المصرح في عباراتهم، ولكن يمكن أن يقال: إن مخالفة بيع السلم للقياس منوط بأن الحديث مفاده ومضمونه النهي عن بيع السلم ولو بعمومه حتى يكون بيع السلم مخالفا للقياس أي مخالفا للحديث النبوي المذكور، ولكن الحديث فيه احتمالات يمكن أن يكون أحد المحتملات النهي عن بيع السلم بعمومه ومفاده النهي عن بيع شيء معدوم كما تقدم في كلماتهم من معنى الحديث وفي معنى الحديث احتمالات ثلاثة كما احتمل بعضها صاحب الروض:

1-

لا تبع ما ليس عندك أي ما ليس لك.

2-

لا تبع ما ليس عندك أي ما يكون غائبا عنك وإن كانت مالكا له.

3-

لا تبع ما ليس عندك أي ما لا تكون قادرا على تسليمه ولو في الأجل المسمى.

وهذا الاحتمال الثالث هو مختار بعض.

قال الشيخ العلامة الأنصاري في كتاب البيع: منها ما اشتهر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: ((لا تبع ما ليس عندك)) بناء على أن كونه عنده لا يراد به الحضور لجواز بيع الغائب والسلف إجماعا فهي كناية لا عن مجرد الملك؛ لأن المناسب حينئذ ذكر لفظة اللام ولا عن مجرد السلطنة عليه والقدرة على تسليمه لمنافاته لتمسك العلماء من الخاصة والعامة بها على عدم جواز بيع العين الشخصية المملوكة للغير ثم شرائها من مالكها خصوصا إذا كان وكيلا عنه في بيعه ولو من نفسه فإن السلطنة والقدرة على التسليم حاصلة هنا مع أنه مورد الرواية عند الفقهاء فتعين أن يكون كناية عن السلطنة التامة الفعلية التي تتوقف على الملك مع كونه تحت اليد حتى كأنه عنده وإن كان غائبا (1) .

والحاصل مع وجود هذه الاحتمالات في معنى الحديث كما هو الظاهر من كلماتهم فالحكم بكون بيع السلم مخالفا للقياس محل تأمل كما لا يخفى.

(1) المتاجر للشيخ الأنصاري: 186

ص: 320

الأمر الرابع: في شروط صحته:

قد ذكروا لصحة بيع السلم شروطا ولكن بعضهم اكتفى بذكر خمسة من هذه الشروط (1) وذكر البعض أن شروط السلم ستة (2) وذكر البعض أكثر من ذلك، ونحن نذكر الشروط المتفق عليها ونشير إلى ما هو المختلف فيه من شروط السلم.

الأول والثاني:

ذكر الجنس والوصف، والمراد من ذكر الجنس أي: ذكر الحقيقة النوعية. ومن ذكر الوصف: الوصف المائز بين أصناف ذلك النوع.

قال المحقق الكركي: المراد بالوصف كل وصف تختلف به القيمة اختلافا ظاهرا لا يتغابن الناس بمثله في السلم؛ لأنه قد يقع التغابن في السلم بما لا يتغابن في غيره. (3) .

والضابط فيه أن كلما يختلف لأجله الثمن اختلافا لا يتسامح بمثله في السلم فذكره لازم (4) ولا يجوز الاستقصاء في ذكر الأوصاف المخرج إلى عزة الوجود وعسر التحصيل وإلا يبطل السلم.

والدليل على اعتبار هذا الشرط مضافا إلى أن البيع يصير بدون ذكرهما غرريا والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر ما ورد في روايات بيع السلم من لزوم ذكر الأوصاف.

منها ما عن محمد بن يعقوب عن علي ابن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مرار عن يونس عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا بأس بالسلم في المتاع إن سميت الطول والعرض)) (5) .

ومنها ما تقدم من رواية جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بالسلم في المتاع إذا وصفت الطول والعرض (6) .

ومنها ما عن محمد بن الحسن، عن فضالة عن جميل بن دراج عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بالسلم في الحيوان والمتاع إذا وصفت الطول والعرض وفي الحيوان إذا وصفت أسنانها (7) إلى غير ذلك من الروايات الواردة الدالة بمضمونها على اعتبار هذا الشرط في صحة السلم.

ثم إنه لا بد مع ذلك أن تكون العبارة الدالة على الوصف معلومة بين المتعاقدين ظاهرة في العرف واللغة حتى يمكن استعلامها عند اختلافهما، وإذا كان الشيء مما لا ينضبط بالوصف على وجه ترتفع جهالته لم يصح السلم فيه.

(1) المختصر النافع

(2)

شرايع الإسلام

(3)

جامع المقاصد 4/209

(4)

جواهر الكلام 24/275

(5)

الكافي 5/199

(6)

الكافي 5/199

(7)

وسائل الشيعة 13/56 ح10

ص: 321

الشرط الثالث:

قبض رأس المال قبل التفرق شرط في صحة العقد فلو افترقا قبله بطل، والدليل على اعتبار هذا الشرط في صحة العقد الإجماع كما نقل عن الغنية والمسالك وفي بطلان العقد بعد التفرق بدون القبض قال في التذكرة: عند علمائنا أجمع كما في الجواهر.

ولكن يمكن أن يقال مضافا إلى ما ادعي من الإجماع على اعتبار القبض قبل التفرق في صحة العقد أن تسليم الثمن دخيل في حقيقة السلم وأنه بدونه منتف؛ لأن هذا العقد يسمى سلما وسلفا لغة وشرعا والسلم ينبئ عن التسليم والسلف ينبئ عن التقدم فيقتضي لزوم تسليم رأس المال وقد تقدم في تعريفه أن معناه لغة عبارة عن إعطاء الثمن في سلعة معلومة إلى أمد معلوم واصطلاحا ابتياع مال مضمون إلى أجل معلوم بمال حاضر أو في حكمه.

فعلى ضوء هذا التفسير يكون قبض رأس المال من مقومات السلم بحيث لو لم يقبض ثمن السلعة معجلا وفي مجلس العقد لا يكون سلما.

وبالجملة الدليل لهذا الشرط إما أن يكون هو الإجماع كما نقلناه آنفا عن جملة من الأعلام مثل (الغنية) و (المسالك) و (التذكرة) وهو الحجة بعد شهادة التتبع، وإما أن يكون قبض رأس المال قبل التفرق مما به قوام بيع السلم فلا يصدق السلم إذا لم يقبض رأس المال في مجلس العقد؛ فعلى هذا فلو تفرقا ولم يقبض إلا بعض ثمن السلعة صح في المقبوض وبطل في الباقي.

وفي (جامع المقاصد) قال: الشرط الرابع قبض الثمن في المجلس فلو تفرقا قبله بطل ولو تفرقا بعد قبض البعض صح فيه خاصة وللبائع الامتناع من قبض البعض للعيب بخلاف الدين، نعم صرح غير واحد بأن للبائع الخيار في الفسخ إذا لم يكن بتقصيره للتبعيض إلا أن الظاهر عدم الفرق في ذلك بين البائع والمشتري ولعل اقتصارهم على الأول هنا لأن الغالب كون التقصير في عدم القبض من المشتري فيسقط خياره، أما لو فرض عدمه مع حصول التبعيض فلا ريب في تسلطه على الخيار لذلك كما هو واضح. (1) .

(1) جواهر الكلام 24/29

ص: 322

الشرط الرابع:

من الشرائط تقدير المسلم فيه بالكيل والوزن العامين فلو عولا على صخرة مجهولة أو مكيال مجهول لم يصح. وهذا الشرط لا يختص بالسلم بل التقدير بالوزن فيما يوزن وبالكيل فيما يكال من جملة شروط البيع، والدليل على لزومه في البيع دليل على لزومه في السلم لأن السلم من أقسام البيع، ولا بأس بالإشارة إلى ما قيل أو يمكن أن يقال من الدليل على اعتبار هذا الشرط في البيع.

وهو أن عدم التقدير فيما يوزن بالوزن المعتبر وفيما يكال بالكيل المعتبر موجب للجهالة بمقدار المبيع. والعلم بمقدار المثمن إن كان مكيلا أو موزونا معتبر شرعا وعرفا لعدم صحة المعاملة جزافا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر (1) ومع عدم تعيين مقدار المثمن كيلا ووزنا يصير البيع غرريا مضافا إلى عدم وجود مخالف ظاهرا في اعتبار ذلك. قال في الجواهر: بلا خلاف أجده إذا كان من المكيل والموزون بل ولا إشكال، ضرورة توقف المعلومية فيهما عليهما في المشاهد فضلا عن الغائب (2) .

ومع أن الروايات الواردة في السلم تدل على تقدير المكيل بالكيل والموزون بالوزن نذكر بعضا منها:

1-

محمد بن يعقوب عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن ابن مسكان عن محمد الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن السلم في الطعام بكيل معلوم إلى أجل معلوم قال: لا بأس به (3) .

(1) الوسائل 12/330 من أبواب آداب التجارة ح3

(2)

جواهر الكلام 24/296

(3)

وسائل الشيعة 13/62 ح1و2و3

ص: 323

2-

وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعن محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن محبوب، عن حماد، عن الحلبي قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل أسلم دراهم في خمس مخاتيم من حنطة أو شعير إلى أجل مسمى (إلى أن قال) فقال: لا بأس. والزعفران يسلم فيه الرجل دراهم في عشرين مثقال أو أقل أو أكثر من ذلك، قال: لا بأس – الحديث (1) .

3-

وبإسناده عن صفوان بن يحيى عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يسلم في غير زرع ولا نخل، فقال: تسمى كيلا معلوما إلى أجل معلوم – الحديث (2) .

ثم إن الإسلاف في المعدود عددا هل يكون مثل الإسلاف في الكيل والوزن في الجواز أم الإسلاف منحصر بالكيل والوزن ولا يجوز في غيرهما؟ ففيه خلاف؛ قال بعض فيه بعدم الجواز واستدلوا عليه بأن الغرر لا يرتفع به لكثرة اختلاف المعدود في الكبر والصغر وغيرهما والاكتفاء به في المشاهدة لارتفاع الغرر بها لا به. ولكن يمكن أن يقال: إن كان التفاوت فيه بحيث يتسامح فيه بالعادة ولا يكثر فيه التفاوت فالوجه الجواز لعدم الغرر حينئذ وفاقا لجماعة من الأعلام. وهل يجوز الإسلاف في الثوب؟ الوجه فيه الصحة بشرط أن يكون الثوب معلوما من جهة الذرع وغيره من الأوصاف التي ترتفع معها الجهالة كما تقدم في المكيل والموزون.

(1) وسائل الشيعة 13/62 ح1و2و3

(2)

وسائل الشيعة 13/62 ح1و2و3

ص: 324

الشرط الخامس:

من الشروط تعيين الأجل بحيث يكون وقت تسليم السلعة معلوما عند المتعاقدين، فلو ذكر أجلا مجهولا مثل أن يقول: متى أردت. أو ذكر أجلا يحتمل فيه الزيادة والنقصان مثل: وقت الحصاد أو الدياس أو قدوم الحاج ونحوهما مما يؤدي إلى الجهالة كان باطلا.

والدليل على لزوم التعيين في السلم أمور:

منها أن عدم ذكر الأجل سبب لكون المعاملة غررية إن كان الأجل مما له مدخلية في حقيقة السلف كما يظهر من كلمات عدة من الأعلام وقد تقدم فعلى هذا لا بد من تعيين الأجل دفعا للغرر. ومنها النصوص الكثيرة الدالة على تعيين الأجل نذكر جملة منها:

1-

محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن صفوان بن يحيى عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يسلم في غير زرع ولا نخل قال: يسمى كيلا معلوما إلى أجل معلوم – الحديث (1) .

2-

وعن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن عثمان بن عيسى عن سماعة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن السلم وهو السلف في الحرير والمتاع الذي يصنع في البلد الذي أنت به؟ قال: نعم، إذا كان إلى أجل معلوم (2) .

3-

وعنه عن أحمد بن محمد عن محمد بن يحيى عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا بأس بالسلم كيلا معلوما إلى أجل معلوم ولا تسلمه إلى دياس ولا إلى حصاد (3) . إلى غير ذلك من الروايات الواردة في المقام الدالة على لزوم تعيين الأجل المعلوم وعدم جواز ذكر الأجل الذي يحتمل فيه الزيادة والنقصان كما هو المستفاد من الرواية الثالثة.

ثم إذا جعل الأجل شهرا مثلا قمريا أو شمسيا فإن كان وقوع المعاملة في أول الشهر فالمراد تمام ذلك الشهر وإن كان في أثناء الشهر فالمراد من الشهر مجموع ما بقي منه مع إضافة مقدار من الشهر الثاني يساوي الماضي من الشهر الأول وهكذا إذا جعل الأجل شهرين أو شهورا وإذا جعل الأجل جمادى أو ربيعا ولم يعين حمل على أولهما من تلك السنة وحل بأول جزء من ليلة الهلال وإذا جعله الجمعة أو الخميس وغيرهما من أيام الأسبوع حمل على الأول من الأسبوع الآتي وحل بأول جزء من نهار اليوم المذكور.

(1) وسائل الشيعة 13/57 ح1 من أبواب السلف

(2)

وسائل الشيعة 13/58 ح4 من أبواب السلف

(3)

وسائل الشيعة 13/58 ح5 من أبواب السلف

ص: 325

الشرط السادس:

من شروط السلم أن يكون وجود السلعة غالبا بحسب العادة وقت حلول الأجل ولو كان معدوما وقت العقد ويستفاد من هذا الشرط في الحقيقة أمران: الأول وجود المسلم فيه وقت حلول الأجل، الثاني عدم لزوم وجود السلعة وقت المعاملة.

أما الأمر الأول وهو وجود السلعة وقت حلول الأجل بحسب العادة لأن القدرة على تسليم السلعة شرط عند حلول الأجل فإذا لم تكن السلعة موجودة بحسب العادة عند حلول الأجل لم يقدر على التسليم؛ لأن القدرة على التسليم فرع وجود السلعة عند حلول الأجل ولكن ليس هذا الشرط من شروط بيع السلم خاصة بل القدرة على تسليم المبيع شرط في جميع أقسام البيع.

وفي الجواهر: وهذا الشرط ليس من خواص السلم بل القدرة على تسليم المبيع شرط في كل بيع (1) .

وذكروا في كتاب البيع أن من شروط العوضين القدرة على التسليم كما في المتاجر للعلامة الشيخ الأنصاري عليه السلام (2) وكيف كان، فالقدرة على التسليم شرط في العوضين سواء في السلم وغيره والدليل على لزوم هذا الشرط في العوضين دليل على لزومه في السلم لأنه قسم من أقسام البيع.

أما الأمر الثاني وهو عدم لزوم وجود السلعة حين المعاملة لأنه يصدق القدرة على التسليم ولو كان معدوما عند العقد إذ الأمور المعدومة المعتادة التحقق في أزمنة خاصة بمنزلة الأمور الموجودة فلا تقدح المعدومية وقت العقد (3) . وفي (الروضة) : كما لا يشترط وجوده حال العقد حيث يكون مؤجلا ولا فيما بينهما. (4) وقال بعض: يشترط أن يكون جنس المسلم فيه (المبيع) موجودا في الأسواق بنوعه وصفته من وقت العقد إلى وقت حلول أجل التسليم ولا يتوهم انقطاعه عن أيدي الناس (5) وفيه أن المعتبر هو القدرة على التسليم والمفروض أن المسلم إليه قادر على التسليم عند حلول الأجل ولا يعتبر زيادة على ذلك لعدم الدليل بل الدليل على عدم اعتباره.

(1) جواهر الكلام 24/304

(2)

المكاسب

(3)

جواهر الكلام 24/304

(4)

الروضة البهية 3/416

(5)

الفقه الإسلامي وأدلته

ص: 326

لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال: ((من أسلف فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم)) ، ولم يشترط وجود المسلم فيه حال عقد السلم ولو كان شرطا لذكره ولنهاهم عن السلم سنتين لأنه يلزم منه انقطاع المسلم فيه أوسط السنة. (1) مضافا إلى أن المذكور في بعض النصوص لزوم وجود المسلم فيه وقت حلول الأجل، منها محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن إسحاق بن عمار، وعبد الرحمن بن الحجاج جميعا قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده فيشتري منه حالا، قال: ليس به بأس، قلت: إنهم يفسدونه عندنا، قال: وأي شيء يقولون في السلم؟ قلت: لا يرون به بأس يقولون: هذا إلى أجل، فإذا كان إلى غير أجل وليس عند صاحبه فلا يصلح، فقال: فإذا لم يكن إلى أجل كان أجود (أحق به) ثم قال: لا بأس بأن يشتري الطعام وليس هو عند صاحبه حالا وإلى أجل فقال: لا يسمي له أجلا إلا أن يكون بيعا لا يوجد مثل العنب والبطيخ وشبهه في غير زمانه فلا ينبغي شراء ذلك حالا (2) .ونحوها رواية أخري.

ومما ذكر ظهر صحة السلم ولو كان المسلم فيه معدوما وقت المعاملة.

ثم لو طرأ الانقطاع بعد انعقاد السلم كما لو أسلم فيما يعم وجوده وانقطع لجائحة أو وجد وقت الحلول عاما ثم أخر التسليم لعارض ثم طالب بعد انقطاعه تخير المشتري بين الفسخ والصبر (3) .

(1) الفقه الإسلامي وأدلته 4/609

(2)

وسائل الشيعة 13/373 ح1 من أبواب أحكام العقود

(3)

جامع المقاصد 4/236

ص: 327

الشرط السابع – تعيين موضع التسليم:

ووجه لزومه اختلاف الأغراض باختلافه الموجب لاختلاف الثمن وعلى هذا يجب تعيين موضع التسليم، قال الشيخ في (الخلاف) : إذا كان السلم مؤجلا فلا بد من ذكر موضع التسليم فإن كان في حمله مؤنة فلا بد من ذكره أيضا، وللشافعي في ذلك قولان أحدهما: يجب شرطه وإليه ذهب أبو إسحق في الشرح قال: فإذا أخل به بطل السلم. والثاني: لا يجب ذكره وإليه ذهب القاضي أبو حامد في (جامعه)(1) .

قال الشهيد في (الروضة) : ولو شرط موضع التسليم لزم لوجوب الوفاء بالشرط السائغ وألا يشترط اقتضى الاطلاق التسليم في موضع العقد كنظائره من البيع المؤجل (2) .

أقول: إن اشترط موضع التسليم في ضمن العقد فلا ريب في وجوب الوفاء به لأجل قوله: (المؤمنون عند شروطهم) ولا كلام في ذلك كما صرح به الشهيد في كلامه المتقدم، وإنما الكلام في أنهما أو أحدهما إذا لم يعينا في العقد موضع التسليم هل يكون عقد السلم باطلا ويكون تعيين موضع التسليم دخيلا في صحة العقد؟ ما هو الظاهر من كلام الشافعي في أحد قوليه حيث قال:(فإذا أخل به بطل السلم) أو يكون العقد صحيحا وإن لم يعين موضع التسليم بل ولو كان في حمله مؤنة كما ذهب إليه المحقق حيث قال: ولا يشترط ذكر موضع التسليم على الأشبه ولو كان في حمله مؤنة، واختاره صاحب الجواهر في شرحه حيث قال: وكيف كان فقد ظهر لك ضعف القول باشتراطه مطلقا (3) وقال ابن إدريس: لم يذهب إلى هذا أحد من أصحابنا ولا ورد به خبر عن أئمتنا عليهم السلام وإنما هذا أحد قولي الشافعي (4) والتحقيق أن يقال: إن إطلاق الأدلة الواردة في معرض البيان يقتضي عدم لزوم تعيين موضع التسليم كما في الحديث النبوي المتقدم ((من أسلف فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم)) فذكر فيه الأجل المعلوم ولم يتعرض لموضع التسليم، ولو كان شرطا في صحة العقد فلا بد من التعرض له، وكذلك سائر النصوص الواردة في مشروعية السلم.

وأما ما ذكر من تفاوت الأغراض بذلك تفاوتا يختلف فيه الثمن في الجميع أو في بعض الأحوال فلا يقتضي الاشتراط إذا لم يكن عدمه مؤديا إلى جهالة في الثمن والمثمن فعلى هذا لا يكون تعيين موضع التسليم دخيلا في صحة العقد مثل ذكر الأجل المعلوم؛ نعم يجوز للمتعاقدين تعيين موضع التسليم إذا تعلق غرضهما بمكان خاص فيجب الوفاء به إذا شرط ولذلك إذا كان هناك عرف يقتضي الانصراف إلى مكان مخصص فيتبع حينئذ إذ هو حينئذ كالمشروط؛ وفي المسألة خمسة أقوال: الأول: عدم لزوم اشتراط موضع التسليم مطلقا. والثاني: وجوب اشتراط موضع التسليم مطلقا. والثالث: وجوب الاشتراط فيما إذا كان في النقل مؤنة. الرابع: لزوم الاشتراط إذا وقع العقد في مكان يقصدان مفارقة ذلك المكان. والقول الخامس: لزوم الاشتراط إن كان في النقل مؤنة وكان من قصدهما افتراق مكان العقد.

(1) الخلاف للشيخ الطوسي 1/539

(2)

الروضة البهية 3/418

(3)

جواهر الكلام 24/318

(4)

السرائر 2/317

ص: 328

الأمر الرابع – في حكمته:

وأما الحكمة في تشريعة من الشارع فهي تسهيل الأمر على المسلمين والوصول إلى مقاصدهم وأغراضهم العقلانية التي هي السبب في الإقدام على المعاملة سلفا.

فالزارع يبيع الحنطة سلفا لحاجته إلى النقود وصرفها إلى ما لا بد منه من المؤنة في الزراعة والمشتري يشتري الحنطة سلفا لغرض وهو أن اشتراء الحنطة سلفا يكون بثمن هو أقل بالنسبة إلى ثمن الحنطة نقدا وهذا التفاوت هو الباعث على اشتراء الحنطة سلما.

وقال بعض في حكمة بيع السلم: لأن بالناس حاجة إليه لأن أرباب الزروع والثمار والتجارات يحتاجون إلى النفقة على أنفسهم وعليها لتكمل وقد تعوزهم النفقة فجوز لهم السلم ليرتفقوا ويرتفق المسلم بالاسترخاص (1) .

وعن بعض آخر: وقد أجيز حكمه بطريق الرخصة دفعا لحاجة الناس ولكن بالشرائط المخصوصة التي ذكرناها والتي هي غير مشروطة في عقد البيع (2) .

(1) المغني لابن قدامة 4/312

(2)

الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي 4/619

ص: 329

المطلب الثاني

بيان أنواع المعاملات التي يجوز فيها السلم،

وبيان أنواع السلع التي يجري فيها

فالبحث في هذا المطلب يكون في ضمن أمرين:

الأمر الأول: بيان أنواع المعاملات التي يجوز فيها السلم، والأمر الثاني بيان أنواع السلع التي يجري فيها.

أما الأمر الأول: وهو بيان أنواع المعاملات التي يجوز فيها السلم فنقول: التحقيق أن السلم لا يجري في غير البيع من العقود والمعاملات والسر في ذلك أن السلم كما تقدم معناه لغة هو عبارة عن إعطاء مال في سلعة معلومة إلى أمد معلوم كما نقلناه عن لسان العرب وغيره من كتب اللغة وهذا المعنى وإن كان يشمل القرض بضرب من التأويل كما فسر بعض اللغويين السلف بالقرض كما تقدم نقله (1) وفسره بعض بالقرض والبيع كما ذكرناه أيضا (2) .

إلا أن السلم الذي هو معنون في كتب الفقه وعليه اصطلاح الفقهاء عبارة عن السلم في البيع حتى أنهم جعلوه قسما ونوعا من أنواع البيع فإليك نص عباراتهم:

قال فخر المحققين في شرح قول والده العلامة عليه السلام: المطلب الثاني في السلف والأقرب انعقاد البيع بلفظ السلم، وجه القرب أنه نوع من البيع اعتبره الشارع في نقل الملك فجاز استعماله في الجنس مجازا تابعا للقصد. (3) .

وقال الشهيد في (الروضة) : إن السلم بعض جزئيات البيع وقد استعمل لفظه في نقل الملك على الوجه المخصوص فجاز استعماله في الجنس لدلالته عليه حيث يصرح بإرادة المعنى العام (4) .

(1) المنجد مادة سلف

(2)

مجمع البحرين 5/72 سلف

(3)

إيضاح الفوائد 1/457

(4)

الروضة البهية في شرح اللمعة 3: 412

ص: 330

وقال في (المسالك) : إن لفظ السلم موضوع حقيقة للنوع الخاص من البيع (1) .

وقال في (الجواهر) عند قول المحقق: (وهل ينعقد البيع بلفظ السلم

إلخ) : قلت: تفصيل القول في ذلك أن النزاع إن كان في قيام صيغة أسلمت مقام بعت كالعكس فمحله في صيغة البيع ولعل التحقيق عدم الجواز، لأنه مجاز بخلاف العكس، فإنه حقيقة مع عدم قصد الخصوصية، إذ السلم نوع من البيع، فاستعمال صيغة البيع فيه استعمال للفظ فيما وضع له (2) .

وفي (جامع المدارك) قال الفقهاء: هو قسم من البيع فلا بد فيه من الإيجاب والقبول (3) .

وفي (الفقه على المذاهب الأربعة) السلم قسم من أقسام البيع (4) .

وفي بعض كتب اللغة: السلف بفتحتين نوع من البيوع يعجل فيه الثمن وتضبط السلعة بالوصف إلى أجل معلوم (5) .

الأمر الثاني: في بيان أنواع السلع التي يجري فيها: فنقول: المستفاد من الأدلة أن الضابط لذلك هو أن السلعة إن كانت من السلع التي يمكن تعينها بالوصف وينتفي معه الغرر فيجري السلم فيها، وكل ما لا يمكن ضبطه بالوصف ولا يمكن تحديده يمتنع السلم فيه، ولعل ذكر المصاديق في الأحاديث الواردة في ذلك إرشاد إلى هذا حيث إن المذكور في الروايات بعض المصاديق التي يجوز فيها السلم مثل قوله عليه السلام في السلم في الحيوان:((لا بأس بالسلم في الحيوان إذا وصفت أسنانها)) (6) .

وبعض المصاديق التي لا يجوز فيها السلم مثل قوله عليه السلام في السلف في اللحم قال: ((لا تقربنّه فإنه يعطيك مرة السمين ومرة الذاوي ومرة المهزول)) الحديث (7) .

هذا جملة القول في السلع التي يجري السلم فيها وما لا يجري، وأما تفصيل القول في أنواع السلع فنذكر كلمات الفقهاء وعباراتهم بعينها حتى يتبين أن المستفاد من كلماتهم هي القاعدة المذكورة بعينها.

قال الشيخ: ولا يجوز السلف فيما لا يتحدد بالوصف مثل الخبز واللحم وروايا الماء؛ لأن ذلك تحديده لا يمكن بوصف لا يختلط به سواه (8) .

وقال ابن حمزة: ولا يجوز السلف فيما لا يتحدد بالوصف ولا في الأشياء المختلطة ولا الأمتعة المتخذة من جنسين فصاعدا ولا في المنسوب إلى شيء مخصوص (9) .

(1) المسالك 3/405

(2)

جواهر الكلام 24/270

(3)

جامع المدارك في شرح المختصر 4/316

(4)

الفقه على المذاهب الأربعة

(5)

مختار الصحاح مادة سلف

(6)

وسائل الشيعة 13/55 ح3

(7)

وسائل الشيعة 13/57 ح1

(8)

النهاية للشيخ الطوسي 396

(9)

الوسيلة لابن حمزة 242

ص: 331

قال ابن إدريس: وكل شيء لا يتحدد بالوصف ولا يمكن ذلك فيه لا يصح السلف فيه إلى أن قال: وإنما منع أصحابنا من السلف في الخبز واللحم وروايا الماء؛ لاختلافها في الكبر والصغر؛ فأنها لا تضبط بالتحديد فإن حددها براوية معلومة لا يصح ذلك؛ لأن السلف في الذمة، وربما هلكت تلك الراوية فيبطل السلف إلى أن قال: ولا بأس بالسلم في الحيوان كله إذا ذكر الجنس والأوصاف والأسنان من الإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير والرقيق وغير ذلك من أجناس الحيوان وبالسلف في الفواكه كلها إذا ذكر جنسها ولم ينسب إلى شجرة بعينها. (1) .

قال المحقق: فلا يصح فيما لا يضبطه الوصف كاللحم والخبز والجلود ويجوز في الأمتعة والحيوان والحبوب وكل ما يمكن ضبطه. (2) .

قال الشهيد عند قول المحقق (ولا يجوز الإسلاف في القصب أطنانا) : الوجه في ذلك كله اختلاف مقدار المذكورات الموجب للغرر في عقد السلف بخلاف ما لو بيع مشاهدا فإن المشاهدة ترفع الغرر عنه والضابط للصحة الانضباط الرافع لاختلاف الثمن (3) .

(1) السرائر 2/308 و314

(2)

جامع المدارك في شرح المختصر النافع 3/316

(3)

المسالك 3/413

ص: 332

وقال المحدث البحراني: وأما الجواهر واللآلئ فظاهر جملة من الأصحاب عدم الفرق بين الكبار والصغار لاشتراك الجميع في علة المنع وهو تعذر ضبطها على وجه يرتفع بسببه اختلاف الثمن، وفرق آخرون: فخصوا المنع بالكبار لما ذكر من تفاوتها باعتبارات لا تحصل بدون المشاهدة أما الصغار التي تستعمل في الأدوية والكحل ونحوها فهي لا تشتمل على أوصاف كثيرة بحيث تختلف القيمة باختلافها فيجوز السلم فيها وما ذكرنا من التفصيل مثل المعاجين خيرة الشهيدين رحمهما الله وهو جيد (1) .

وقال صاحب الجواهر عند قول الماتن: (وهل يجوز الإسلاف في المعدود؟ الوجه: لا؛ لعدم ارتفاع الغرر به لكثرة اختلاف المعدود في الكبر والصغر وغيرهما والاكتفاء به في المشاهدة لارتفاع الغرر بها لا به، قال: قلت: التحقيق الجواز فيما لا يكثر فيه التفاوت بل كان التفاوت فيه يتسامح فيه بالعادة وفاقا للفاضل في جملة من كتبه والشهيدين وغيرهما لعدم الغرر فتشمله الإطلاقات (2) .

هذه كلماتهم كما ترى يظهر منها تصريحا أو تلميحا أن الضابط في السلع التي يجوز السلف فيها والتي لا يجوز هو إمكان ضبطها بالوصف وتحديدها فيجوز الإسلاف فيها لانتفاء الغرر، وأما إذا لم يكن ضبطها فلا يجوز الإسلاف فيها للغرر.

(1) الحدائق النضرة 20/14

(2)

جواهر الكلام 24/298

ص: 333

المطلب الثالث

مفهوم صفة (التعيين) في السلع التي يمتنع معها السلم

التعيين ليس له حقيقة شرعية بمعنى أن الشارع وضعه لمعنى جديد تأسيسي غير معناه اللغوي بل هذه الكلمة بمعناها اللغوي عبارة عن التخصيص، قال الطريحي: تعيين الشخص: تخصيصه من الجملة (1) وفي (المنجد) عين تعيينا الشيء: خصصه من الجملة وأفرده (2) .

فإذا كان شيء من الأشياء أو أمر من الأمور مبهما أو عاما كليا فتعيينه قد يكون بالإشارة الخارجية مثل هذا الشيء وهذا الأمر مشيرا إلى شيء خاص وأمر معين وقد يكون بالتوصيف والتحديد بحيث يخرج بهذا الوصف جملة من الأفراد لكن الوصف لا يخرج الموصوف عن الكلية والفرض في السلم أن المسلم فيه أمر كلي لا يمكن الإشارة إليه وإلا خرج عن الكلية بالإشارة الخارجية فيكون التعيين في السلم بالتحديد والتوصيف بحيث يجعل المسلم فيه مميزا ومخصصا من بين الأفراد ولكن هذا التحديد والتوصيف لا يخرج المسلم فيه عن الكلية بل التخصيص في الحقيقة تضييق وإخراج لجملة من الأفراد عن المعنى الكلي بحيث يصير المعنى العام بالتحديد والتوصيف معلوما ومميزا عند المسلم والمسلم إليه وذلك منوط بكون الشيء مما يمكن أن ينضبط بالوصف على وجه ترتفع جهالته ولا يؤدي إلى عزة وجوده، فإذا كانت السلعة من الأمور التي لا يمكن ضبطها بالوصف على الوجه المذكور لم يصح السلم فيها.

والحاصل أن الشيء إما أن يكون من الأشياء التي تنضبط بالوصف بحيث ترتفع الجهالة معه ويكون معلوما عند المتعاقدين ولذا لا بد أن تكون العبارة الدالة على الوصف معلومة ظاهرة في العرف واللغة حتى يمكن استعلامها عند اختلافهما، ففي هذه الأشياء التي تنضبط بالوصف مع الحيثية المذكورة يجوز السلم فيها قطعا وأما أن يكون الشيء مما لا ينضبط بالوصف والتحديد كما قيل في بعض الأشياء فهذا مما يمتنع السلم فيه لأجل عدم إمكان التعيين الذي هو عبارة عن انضباط الشيء بالوصف مثل الجواهر واللآلي الكبار لتعذر ضبطها فلا يجوز السلم فيها، نعم قد تلون بعض الأشياء مما يشك في كونها من الأمور التي يمكن ضبطها أو لا يمكن ضبطها كما مثلوا له بالجلود بل وكذا اللحم والخبز قال المحقق: وفي الجلود تردد. (3) وفي (الجواهر) نعم: قد يشك في بعض أفراده كاللحم نِيئه ومشويه والخبز (4) نعم يمكن أن يقال: بجواز السلم فيها لأجل الإطلاقات (5) .

(1) مجمع البحرين 6/287

(2)

المنجد: 542

(3)

جواهر الكلام 24/281

(4)

جواهر الكلام 24/280

(5)

جواهر الكلام 24/281

ص: 334

المطلب الرابع

هل تعد السلعة الواحدة ذات العلامات التجارية (الماركات)

المتعددة صنفا واحدا أم أصنافا متعددة؟

أثر اختلاف العلامات التجارية (الماركات المسجلة) في تعدد أصناف السلع المسلم فيها.

فهنا أمران: الأمر الأول في أن العلامات التجارية المتعددة موجبة لأن تصير السلعة الواحدة أصنافا متعددة أم لا.

فنقول: ليست العبرة في كون السلعة واحدة من حيث الصنف أو متعددة بمجرد أن السلعة لها ماركات متعددة مع وحدة الجنس بحيث لا تفاوت بين السلعتين إلا من جهة الماركة والعلامة التجارية مثلا إذا كانت السلعة لها ماركة مخصوصة تغاير سلعة أخرى التي لها علامة تجارية فهاتان السلعتان إذا فرضنا أن جميع أجزائهما وخصوصياتهما كانت واحدة لا تفاوت بينهما من حيث الكمية والكيفية إلا من جهة العلامة التجارية ففي هذه الصورة تعد السلعتان صنفا واحدا في الحقيقة؛ لأن المناط في الوحدة والتعدد من حيث الصنف ليس بمجرد الماركات المختلفة والعلامات التجارية من دون تفاوت بين الجنس كما وكيفا، نعم قد تكون السلعتان المشتركتان من جهة الأجزاء والخصوصيات المتساويتان من جهة الكمية والكيفية متفاوتتين من حيث القيمة، وهذا التفاوت في القيمة ليس من جهة الاختلاف في الجنس والوصف وسائر الخصوصيات بل لأجل اختلاف العلامات التجارية والماركات المختلفة، ولكن هذا الاختلاف في الواقع من جهة القيمة ليس بمجرد اختلاف العلامات، وإن كان العرف يرى أن اختلاف القيمة لأجل اختلاف العلامات بل قد يكون من جهة اشتهار بعض العلامات التجارية شهرة حدثت من كثرة الإعلان لهذه العلامة التجارية أو لأن بعض السلع للمؤسسات ولها سابقة أكثر من غيرها أو لأجل أمور أخرى، فهنا سلعتان مشتركتان من حيث الخصوصيات الموجودة فيهما كمية وكيفية، ومختلفان من حيث القيمة من جهة أمور ذكرناها وحيث تكون السلعتان مختلفتين من جهة القيمة فلا بد من ذكر العلامات التجارية والماركات المختلفة لدى انعقاد المعاملة، لا سيما إذا كان اختلاف القيمة بين السلعتين فاحشا لأجل لزوم الغرر المنهي كما في الحديث النبوي المتقدم ذكره. (1) .

(1) الوسائل 12/320 من أبواب آداب التجارة ح3

ص: 335

وأما أثر اختلاف العلامات التجارية (الماركات المسجلة) في تعدد أصناف السلع المسلم فيها فنقول: بعد ما تقدم أنه لا بد من ذكر العلامات التجارية عند المعاملة لا سيما إذا كان اختلاف القيمة فاحشا بين السلعتين، وقد أشرنا إلى أن الماركات المسجلة صارت في السلع عند العرف بمنزلة الأوصاف فلا بد من ذكرها لما تقدم من أن عدم ذكرها موجب للغرر فأثر اختلاف العلامات التجارية يكون في أمور نذكر جملة منها، وهي التي لها ربط بمعاملة السلف:

منها – أنه لا بد من ذكر العلامات التجارية عند المعاملة لأنها بمنزلة الأوصاف عند العرف.

منها – أنه لا يجوز للمسلم إليه تبديل السلعة بعلامة تجارية مذكورة حين المعاملة بسلعة أخرى بعلامة غيرها.

منها – أنه لا يجب على المسلم قبول السلعة التي ليست بتلك العلامة التي ذكرت عند المعاملة، وفي (الجواهر) : لا خلاف في أنه إذا دفع المسلم إليه المسلم فيه دون الصفة أو المقدار المشترطين فيه لا يجب على المسلم قبوله وإن كان أجود من وجه آخر؛ لأنه ليس نفس حقه مع تضرره به. (1) .

منها – أنه يجوز التراضي إذا لم تكن السلعة بتلك العلامة بعد ذلك، وقال أيضا: ولو رضي المسلم به صح وبرئ المسلم إليه كانت ذمته مشغولة به (2) .

وقد روى محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد وعن علي بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن ابن أبي عمير عن أبي المغرا عن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يسلم في وصف (وصفا - يب) أسنان معلومة ولون معلوم ثم يعطي دون شرطه أو فوقه فقال: إذا كان عن طيبة نفس منك ومنه فلا بأس (3) .

(1) جواهر الكلام 24/326

(2)

جواهر الكلام 24/326

(3)

وسائل الشيعة 13: الباب 9 من أبواب السلف ح1

ص: 336

المطلب الخامس

اشتراط قبض بضاعة السلم قبل بيعها والحكمة في ذلك

أما اشتراط قبض بضاعة السلم قبل بيعها ففيه ثلاث صور:

الصورة الأولى: بيعها قبل حلول الأجل وقبل قبض البضاعة.

الصورة الثانية: بيعها بعد حلول الأجل وقبل قبض البضاعة.

الصورة الثالثة: بيعها بعد حلول الأجل وبعد قبضها.

أما الصورة الأولى: وهي بيعها قبل حلول الأجل وقبل قبضها فالذي عليه الأكثر هو عدم الجواز واستدل عليه بأن المسلم الذي هو بائع البضاعة غير قادر على تسليمها في الحال، والقدرة على تسليم المبيع شرط في صحة البيع فلا يصح البيع قبل حلول الأجل وقبل القبض.

ولكن يمكن أن يقال: إن المعتبر من القدرة على تسليم المبيع عند الأجل والفرض أن المسلم باعها مؤجلا وهو قادر على التسليم عند الأجل وهو كاف في صحة المعاملة.

وبأن من جملة الشرائط أن يكون البائع مالكا للبضاعة ولا يكون المسلم مالكا للبضاعة قبل حلول الأجل والوجه في ذلك أن المسلم فيه كلي والكلي غير موجود في الخارج والملكية لا تتعلق بأمر لا يكون في الخارج موجودا.

ولكن فيه أنه لا مدخلية للأجل في الملكية إذ العقد هو السبب في الملك والأجل إنما هو لمطالبة السلعة.

ويمكن الاستدلال عليه بقوله: لا تبع ما ليس عندك وتقريره أن المستفاد من الحديث أن البيع قبل قبض السلعة منهي عنه فلا يجوز بيع المسلم فيه قبل حلول الأجل وقبل القبض، ولكن يمكن أن يكون معنى الحديث عدم جواز بيع الشيء قبل أن يصير ملكا للبايع، والمفروض في المقام أن السلعة ملك للمسلم فلا يمكن الاستدلال بالحديث على عدم الجواز، والعمدة في المنع وعدم الجواز في هذه الصورة الإجماع المحكي في كلمات الأعلام (1) .

وفي الجواهر: للإجماع المحكي في التنقيح وظاهر الغنية وجامع المقاصد وغيرها وعن كشف الرموز إن لم يكن محصلا بل لعله كذلك (2) .

الصورة الثانية: وهي بيع البضاعة بعد حلول الأجل وقبل قبضها فالأقوى الجواز كما في الجواهر (3) . وفي (جامع المدارك) : فلا إشكال بعد حلول الأجل وإن لم يقبضه (4) .

فلا يكون في المقام ما يدل على المنع عدا ما عسى يظهر من الحديث النبوي المتقدم: ((لا تبع ما ليس عندك)) .

(1) جامع المدارك 3/321

(2)

جواهر الكلام 24/320

(3)

جواهر الكلام 24/320

(4)

جامع المدارك 3/321

ص: 337

لكن تقدم الكلام في عدم دلالته على المدعى وهو عدم جواز بيع شيء قبل قبضه بل يحتمل أن يكون المراد منه النهي عن بيع شيء لا يكون ملكا للبائع ويمكن أن تكون هذه العبارة كناية عن القدرة على التسليم أي: لا تبع ما لا تكون قادرا على تسليمه فعلى هذا لا يمكن الاستدلال بالحديث على عدم الجواز في هذه الصورة أيضا مضافا إلى إطلاق الأدلة وعمومها (1) الدالة على الجواز مع الروايات الواردة في خصوص المقام؛ منها مارواه الكليني عن سهل بن زياد عن معاوية بن حكيم عن الحسن بن علي بن فضال قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام: الرجل يسلفني في الطعام فيجيء الوقت وليس عندي طعام أعطيه بقيمته دراهم؟ قال: نعم (2) ومنها ما عن الكليني عن أحمد بن محمد عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله في الرجل يسلم الدراهم في الطعام إلى أجل فيحل الطعام فيقول: ليس عندي طعام ولكن انظر ما قيمته فخذ فمني ثمنه فقال: لا بأس بذلك (3) وغيرهما من الأخبار. هذا في غير المكيل والموزون، وأما فيهما فقد قال بعض بعدم الجواز، والمعروف الكراهة جميعا بين الأخبار. (4) .

الصورة الثالثة: بيع السلم بعد حلول الأجل وبعد القبض فهو جائز وفي الجواهر فلا خلاف فيه ولا إشكال (5) .

وأما الحكمة في ذلك، فيمكن أن تكون في قبض بضاعة السلم قبل البيع على القول باشتراطه في بيع البضاعة هو أن المسلم قبل القبض ربما يكون مترددا حين إنشاء البيع؛ لأنه لا يدري أن بضاعته تصل إليه ويقبضها أم لا وهل يكون قادرا على الإقباض والإعطاء لمبتاعها أم لا وهذا بخلاف ما إذا قبضها. ويمكن أن تكون الحكمة أمورا أخرى مثل النهي عن البيع قبل القبض كما في الروايات، وأما كفاية قدرة المسلم على توفير السلعة عن القبض أو التأمين على السلعة أو وجودها في المخازن فبعدما ذكرنا الصور الثلاث في المسألة وبينا الحكم في كل واحد منها، وقلنا: إن الحكم في الصورة الأولى هو عدم جواز البيع قبل حلول الأجل وفي الصورتين الأخيرتين فالحكم فيهما جواز البيع تبين حكم الأسئلة المذكورة في المتن نعم فصل بعض في الصورة الثانية بين ما كان المسلم فيه الطعام وغيره، وبعض آخر بين ما كان مكيلا وموزونا وغيرهما فقالوا بالتحريم في الطعام والمكيل والموزون والمعروف الكراهة كما تقدم ذكره.

(1) جواهر الكلام 24:320

(2)

وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب السلف ج13 ح8

(3)

وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب السلف ج13 ح5

(4)

جامع المدارك 3/323

(5)

جواهر الكلام 24/320

ص: 338

المطلب السادس

عجز البائع عن تسليم البضاعة عند حلول الأجل في السلم

فنقول: إذا حل الأجل فأما أن يتمكن البائع من دفع المسلم فيه إلى المشتري فيجب عليه تسليم البضاعة وإقباضها ويجب على المشتري القبول إذا دفعها البائع على الصفة والقدر، وأما إذا لم يتمكن من دفع المسلم فيه أو كان المسلم فيه دون الصفة أو أقل من المقدار لم يجب على المشتري القبول وحينئذ تخير المشتري بين الفسخ والرجوع بلا زيادة ولا نقيصة وبين أن ينتظر إلى أن يتمكن البائع من دفع المبيع إليه في وقت آخر ويدل على ذلك ما رواه الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان بن يحيى ومحمد بن خالد عن عبد الله بن بكير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أسلف في شيء يسلف الناس فيه من الثمار فذهب زمانها (ثمارها) ولم يستوف سلفه. قال: فليأخذ رأس ماله أو لينظره (1) .

ثم لو تمكن البائع من دفع بعضه وعجز عن الباقي كان للمشتري الخيار في الباقي بين الفسخ فيه واسترداد ما يخصه من الثمن وبين الصبر إلى وجوده كتعذر الكل والذي يدل عليه ما رواه الشيخ محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان، عن سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يسلم في الزرع فيأخذ بعض طعامه ويبقى بعض لا يجد وفاءه فيعرض عليه صاحبه رأس ماله قال: يأخذه فإنه حلال الحديث (2) .

وعنه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ((سئل عن الرجل يسلم في الغنم ثنيان وجذعان وغير ذلك إلى أجل مسمى، قال: لا بأس إن لم يقدر الذي عليه الغنم على جميع ما عليه أن يأخذ صاحب الغنم نصفها أو ثلثها أو ثلثيها ويأخذ رأس مال ما بقي من الغنم دراهم ويأخذ دون شرطهم ولا يأخذون فوق شرطهم

)) الحديث (3) .

(1) وسائل الشيعة 13/72 ح14 نقلا عن الشيخ في التهذيب

(2)

وسائل الشيعة 13/ 69 ح3

(3)

وسائل الشيعة 13/68 ح1

ص: 339

ويجوز للمشتري حينئذ الفسخ أيضا في الجميع لتبعض الصفقة عليه، وفي (الجواهر) : بلا خلاف أجده في شيء من ذلك (1) .

ثم إذا اختار المشتري الفسخ في البعض فقد صرح بعض بأن للبائع الخيار لتبعض الصفقة عليه أيضا وقواه جماعة وهو كذلك إذا لم يكن ذلك بتفريط منه وتقصير.

وأما مشروعية الشرط الجزائي عن تأخير تسليم البضاعة:

فلا خلاف ولا إشكال في قبول عقد البيع وغيره من العقود اللازمة، الشرائط في الجملة والنصوص مستفيضة فيه أو متواترة؛ منها ما عن محمد بن يعقوب، عن عدة أصحابنا، عن سهل بن زيادة وأحمد بن محمد جميعا عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله فلا يجوز له، ولا يجوز على الذي اشترط عليه والمسلمون عند شروطهم مما وافق كتاب الله عز وجل. (2) .

وبإسناده عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد، عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:((المسلمون عند شروطهم إلا كل شرط خالف كتاب الله عز وجل فلا يجوز)) (3) .

وبإسناده عن الصفار عن الحسن بن موسى الخشاب عن غياث بن كلوب عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليه السلام أن علي بن أبي طالب عليه السلام كان يقول: من شرط لامرأته شرطا فليف لها به؛ فإن المسلمين عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما (4) .

وغيرها من النصوص والأخبار الواردة في الشرط الدالة على مشروعية الشرط ولزوم الوفاء به؛ بل يمكن الاستدلال على مشروعية الشرط بإطلاق الأمر بالوفاء بالعقود والتجارة عن تراض كما في الجواهر (5) .

(1) جواهر الكلام 24/341

(2)

وسائل الشيعة 13/353

(3)

وسائل الشيعة 13/353

(4)

وسائل الشيعة 13/253

(5)

جواهر الكلام 23/199

ص: 340

إلا أن من الشروط ما ليس بسائغ ومنها ما هو سائغ ولذا يشترط في وجوب الوفاء بالشرط أمور:

منها: أن لا يكون مخالفا للكتاب والسنة ويتحقق هذا في موردين:

الأول: أن يكون العمل بالشرط غير مشروع في نفسه مثل أن يبيع شيئا ويشترط عليه أن يرتكب محرما من المحرمات الإلهية.

الثاني: أن يكون الشرط بنفسه مخالفا لحكم شرعي كما إذا باع شيئا بشرط أن لا يرثه منه ورثته أو بعضهم وأمثال ذلك، فإن الشرط في جميع هذه الموارد باطل.

ومنها: أن لا يكون منافيا لمقتضى العقد كما إذا باعه بشرط أن لا يكون له ثمن أو آجره الدار بشرط أن لا تكون لها أجرة.

ومنها: أن يكون مذكورا في ضمن العقد صريحا أو ضمنا كما إذا قامت القرينة على كون العقد مبنيا عليه ومقيدا به إما لذكره قبل العقد أو لأجل التفاهم العرفي مثل اشتراط التسليم حال استحقاق التسليم فلو ذكر قبل العقد ولم يكن العقد مبنيا عليه عمدا أو سهوا لم يجب الوفاء به.

ومنها: أن يكون مقدورا عليه بل لو علم عدم القدرة لم يمكن إنشاء الالتزام به.

فقد قال بعض: إن ضابطه ما لم يكن مؤديا إلى جهالة المبيع أو الثمن ولا مخالفا للكتاب والسنة والحاصل أن الشرط مع رعاية الأمور التي ذكرناها مشروع ويجب على المشروط عليه الوفاء به. وعقد السلم كما قلنا فيما تقدم قسم من أقسام البيع والشرط فيه مشروع مع رعاية الأمور المتقدمة فيجوز فيه الشرط الجزائي عند تأخير تسليم البضاعة.

ص: 341

المطلب السابع

إصدار سندات سلم قابلة للتداول

فنقول: لا بد أولا من البحث عن الأوراق والأسناد التجارية بشكل عام وأن الاعتبار هل هو قائم بنفس تلك الأوراق أو بما أن الأوراق حاكية عن مالية عرفية ثم البحث عن قابليتها للتداول وهل بينها وبين الأوراق النقدية فرق أم لا؟

فنقول: إن أوراق النقود وما يشابهها مثل بعض الأوراق التي تعتبرها البنوك وتتعهد بإعطاء مبلغها على أنه مثل أوراق النقود كانت معتبرة عند العرف والسوق ولكن كان الاعتبار بنفس تلك الأوراق لا بما أنها حاكية عن شيء معتبر بنفسه مثل الذهب والفضة ونظائرهما بل يرى العرف والعقلاء أن المالية قائمة بنفس تلك الأوراق أي: أوراق النقود وهذا بخلاف الأوراق والأسناد التجارية فإن تلك الأوراق والأسناد لا يرى العرف أن المالية قائمة بنفس تلك الأوراق على الظاهر، بل الاعتبار لها بما أن تلك والأسناد حاكية عن أمر آخر له مالية واعتبار، فالمالية لتلك الأوراق ليست لنفسها بل من جهة ما تحكي تلك الأوراق عنها، وهي الأشياء الخارجية التي لها الاعتبار، والمالية عند العرف والسوق بحسب الظاهر.

فعلى هذه المالية والاعتبار قائمة بأوراق النقود نفسها وفي الأوراق التجارية ليست قائمة بنفس تلك الأوراق بل أوراق حاكية عن أمور خارجية والمالية قائمة بتلك الأمور فبهذا الفرق بين أوراق النقود والأوراق التجارية تختلف أحكامها أيضا فبعد بيان الفرق بينهم نشرع في بيان جواز التداول والصرف في أوراق النقود والأوراق التجارية، فأما أوراق النقود فهي قابلة للصرف والتداول بنفسها حيث إن لها الاعتبار والمالية بنفسها عند العرف والسوق، ولذا كانت المعاملات الكثيرة بأوراق النقود وما شابهها من غير فرق بين كون الثمن من أوراق النقود والمثمن شيء آخر من الأجناس أو الثمن والمثمن كليهما من أوراق النقود، ومن أتلف تلك الأوراق أي أوراق النقود وكانت للغير فهو لها ضامن بمثل تلك الأوراق التي أتلفها وهذا بخلاف الأوراق والأسناد التجارية، فإذا جاوزنا الصرف والتداول فيها فليس من جهة اعتبار تلك الأوراق وماليتها بنفسها بل من جهة أن هذه الأوراق حاكية لأمور وأشياء أخرى لها المالية والاعتبار، فالحقيقة أن التداول من جهة أمر كون تلك الأوراق حاكية عن المالية فالمعاملات الواقعة بها لم تقع عليها بنفسها بل وقعت على الأمور التي عبرت عنها تلك الأوراق، فعلى هذا يجوز التداول في تلك الأوراق بهذا الاعتبار.

ص: 342

والأسناد والأوراق الصادرة في معاملة السلم ليست من قبيل أوراق النقود التي كانت المالية لها بنفسها، بل من قبيل الثاني، وهي الأوراق التجارية التي كانت المالية قائمة بأمور أخرى وتلك الأوراق حاكية عنها.

وحيث قد تقدم أن بضاعة السلم لا يجوز بيعها قبل حلول الأجل اتفاقا وبعد حلول الأجل وقبل القبض كما عند بعض، فلا يجوز بيع تلك الأوراق قبل حلول الأجل وبعد حلول الأجل وقبل القبض، كما هو مختار جماعة؛ لأن اعتبار تلك الأوراق وماليتها باعتبار أمور كانت تلك الأوراق معبرة عنها.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد علي التسخيري

والشيخ علي نظري منفرد

ص: 343