الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذ جعل النبي أمير المؤمنين مثل نفسه وجب ألا يدانيه أحد في الفضل والإيثار به، ومتى قيل إنه أدخل في المباهلة الحسن والحسين مع كونهما غير بالغين وغير مستحقين للثواب، وإن كانا مستحقين للثواب لم يكونا أفضل الصحابة قال لهم أصحابنا إن الحسن والحسين كانا بالغين مكلفين لأن البلوغ وكمال العقل لا يفتقران إلى شرط مخصوص، وقد تكلم عيسى في المهد بما دلّ على كونه مكلفا عاقلا، وقد ذكر الشيخ في سياق آية الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:
3] ، أنه روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله أن الآية نزلت بعد أن نصب النبي عليا علما للأمة يوم غدير خم منصرفه من حجة الوداع، كما ذكر في سياق آية يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ [المائدة:
67] ، أنه روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله أن الله لما أوحى إلى النبي أن يستخلف عليا كان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه فأنزل الله هذه الآية تشجيعا له
…
والهوى الحزبي ظاهر البروز في ذلك كله.
-
6- الولع بأسرار القرآن ورموزه ومنطوياته:
سادسا: إن بعض المفسرين والمشتغلين بالقرآن قد ولعوا بتخمين انطواء القرآن على أسرار ورموز، واستغرقوا في استقراء الحروف والكلمات والتراكيب القرآنية بقصد الكشف عن تلك الأسرار والرموز واتسع مجال التفريع والتكلف والإغراب في هذا المجال كثيرا.
ولعل أصل هذا الولع يرجع إلى بعض روايات في الحروف المتقطعة المنفردة التي جاءت في مطالع نحو ربع السور القرآنية مكية ومدنية. فمع أن القسم الأكبر من هذه المطالع قد أعقبه ذكر القرآن والكتاب وتنزيله وإحكامه وحكمته قسما أو بيانا أو تنويها أو تنبيها «1» ، ومع أن روحها تلهم أنها جاءت بسبيل التوكيد
(1) هي سورة القلم وق وص والأعراف ويس وطه والشعراء والنمل والقصص ويونس وهود ويوسف والحجر ولقمان وغافر وفصلت والشورى والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف وإبراهيم والسجدة والبقرة وآل عمران والرعد. أما السور التي مطلعها حروف متقطعة منفردة ولم تعقب بالإشارة إلى القرآن فهي سورة مريم والروم والعنكبوت.
والتنبيه واسترعاء الأسماع إلى القرآن وآياته وعبره وحكمته وإحكامه مما قرره غير واحد من أعلام علماء القرآن من ابن عباس فما بعد ومما تطمئن إليه النفوس ويتسق مع مهمة الذي أنزل عليه القرآن وخطاب القرآن لجميع الفئات وتوكيده أنه واضح مبين لا عوج فيه ولا أمت ولا تعقيد ولا اختلاف فقد روى في سياق البحث في الحروف المذكورة رواية مفادها أن اليهود جاؤوا إلى النبي فسألوه عما أوتيه من عمر الدنيا فقال لهم «ال م» فحسبوها فجاءت (71) في الحساب المعروف بالحساب الجمل والذي هو حساب يهودي يقوم على ترتيب الأحرف الهجائية العبرانية (اب ج د هـ وز إلى آخره) فقالوا ثم ماذا فقال لهم (ال م) ثانية ثم (ال م ص) إلى آخر السور فحسبوا حساب الحروف جميعها فبلغ سبعمئة وكسورا من السنين «1» فأقروا بالأمر تسليما بأن النبي قد بعث بين يدي الساعة. ومع أن هذه الرواية ليست موثقة ولا يثبت مضمونها ومداها على نقد وتمحيص من وجوه عديدة فقد تنوقلت واستفاضت في جملة ما تنوقل واستفاض في مختلف كتب التفسير والقرآن.
ومثل هذه الرواية أقوال مروية أخرى معزوة إلى بعض الصحابة والتابعين ومستفيضة في كتب التفسير وليست هي الأخرى موثقة أو من شأنها أن تثبت على نقد وتمحيص ذكر فيها أن هذه الحروف ترمز إلى بعض أسماء الله وأسماء النبي، وأنها تحتوي أسرار القرآن وسرّ اسم الله الأعظم. ومن هذه الروايات روايتان أوردهما الرازي في سياق تفسير أول البقرة إحداهما معزوة إلى أبي بكر جاء فيها أن لكل كتاب سرا وسرّ القرآن في أوائل سوره، وثانيتهما معزوة إلى علي بن أبي طالب جاء فيها أن لكل كتاب صفوة وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي.
وهناك روايات وأقوال شيعية المصدر جاء في بعضها أن الحروف تحتوي رموزا للنبي وعلي والحسن والحسين، وفي بعضها أن كل مطلع من المطالع المتقطعة
(1) حساب الحروف جميعها يتجاوز الثلاثة آلاف والمائتين!.
يشير إلى دور من أدوار التاريخ المتصلة بالأئمة العلويين، ومن ذلك أن مطلع سورة آل عمران يشير إلى حادث الحسين ومطلع سورة الأعراف يشير إلى دور العباسيين. وقد نقل عن تفسير الطبري أن مطلع سورة الشورى يشير إلى أحداث تاريخية عظيمة في مدينتين من مدن المشرق وملكين من ملوكها، وقد ذكر السيوطي في «الإتقان» أن لمحمد بن حمزة الكرماني كتابا في مجلدين سماه «العجائب والغرائب» وضمنه أقوالا ذكرت في الحروف المتقطعة مثل (ح م ع س ق) مطلع سورة الشورى حيث ترمز الحاء إلى حرب علي ومعاوية والميم إلى الدولة المروانية والعين إلى الدولة العباسية والسين إلى الدولة السفيانية والقاف إلى الدولة المهدوية اللتين تظهران في آخر الزمان.
ثم اتسع القول في مدى هذه الحروف ودلالاتها الفنية والنظمية فتراءى للزمخشري مثلا بعض أسرارها، فهي نصف حروف المعجم، وعدد السور التي تبتدئ بها على قدر حروف المعجم، وهي تحتوي نصف الحروف المهموسة ونصف الحروف المجهورة، وتحتوي كذلك نصف الحروف المستعلية ونصف الحروف المنخفضة ونصف الحروف القلقة. وتراءى لصاحب كتاب البرهان على ما ذكره السيوطي في الإتقان أن كل سورة بدأت بحرف منها فإن أكثر كلماتها وحروفها مماثل له، وحق لكل سورة منها أن لا يناسبها إلا الحروف الواردة فيها، وذكر على سبيل المثال سورة ق حيث كان ذلك لأن حرف القاف قد تكرر كثيرا في كلمات السورة، وسورة ص حيث كان ذلك لأنها احتوت خصومات عديدة خصومة النبي مع الكفار وخصومة الخصمين أمام داود وخصومة أهل النار وخصومة إبليس، وسورة يونس حيث بدأت بحروف الألف واللام والراء بسبب تكرر هذه الحروف وخاصة الراء فيها إلى آخره، والتكلف شديد البروز وفي هذه الأقوال عند إمعان النظر كما أنها غير مطردة عند التطبيق حيث فيها النقص والزيادة والخلاف «1» .
(1) نقول من قبيل الاستطراد إننا اطلعنا على بحث وجيز للأستاذ نصوح الطاهر تضمن تقرير كون الحروف المتقطعة تشير إلى عدد آيات السور. ولم نجد فيما جاء في مقاله الموجز شفاء يساعد على القطع برأي حاسم في صحة النظرية وبطلانها، ثم في صواب شمول الأمثلة لجميع السور ذات الحروف المتقطعة على ما يقول به صاحب النظرية. وقد تراءى لنا من الأمثلة الواردة أن هناك تجوزا وتحكما في حساب الآيات ودمج بعض السور في بعض وترجيحا بغير مرجح لروايات الآيات المدنية في السور المكية والآيات المكية في السور المدنية، ولروايات أخرى في صدد عدد وحجم بعض السور وإسقاط بعض سور مشابهة في مطلعها لسور أخرى كإسقاط سورة الحجر مع أنها تبدأ بجملة «الر» وإسقاط سورة الأحقاف مع أنها تبدأ بجملة «حم» وكل ذلك رغبة في التوفيق والتطبيق بسبب صدفة في حساب آيات أو وحدات وانطباق على حساب الروايات. وقد وعد الأستاذ بنشر البحث تاما شاملا لجميع السور «المبدوءة بالحروف المتقطعة والتي يقول إن نظريته وحسابه قد صح فيها جميعها فلننتظر وفاءه بما وعد حتى نتمكن من القطع في النظرية. وقد كتبنا هذا من قبيل الاستطراد وليس من شأنه أن يؤثر في البحث الذي بحثناه حول ما دار في صدد أسرار القرآن أو ألغازه أو رموزه وآثارها كما هو واضح.
الجزء الأول من التفسير الحديث 16
ثم اتسع القول فقال قائل إنه ما من شيء إلا يمكن استخراجه من القرآن، وإنه لو ضاع عقال بعير لوجدته في كتاب الله، واستنبط بعضهم عمر النبي ثلاثا وستين سنة من سورة المنافقون لأنها الثالثة والستون من السور وفق ترتيب المصحف وقد جاء فيها آية وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها [11] وقال قائل إن نصوص القرآن ليست على ظاهرها، وإن لها معاني باطنة محجوبة عن غير الواصلين والمعلمين، وقال قائل إن علوم القرآن خمسون علما وأربعمائة علم وسبعة آلاف علم أو سبعون ألف علم على عدد كلم القرآن مضروبة في أربعة إذ لكل كلمة ظهر وبطن وحدّ ومطلع وقال قائل إنه ما من كائن ويكون من أحداث الدنيا منذ بدئها إلى منتهاها إلا احتوت حروف القرآن وكلماته علمها وغيبها، وأنه احتوى جميع علوم الأولين والآخرين، وقال قائل إن لكل آية ستين ألف فهم وروى راو عن علي بن أبي طالب أنه لو أراد أن يوفر حمل سبعين بعيرا من تفسير أم القرآن- يعني الفاتحة- لفعل، وفصل بعضهم وفود العلوم المستنبطة من القرآن استنادا إلى ما ورد من بعض كلمات لها صلة ما لغة أو معنى بعلم أو فن أو صناعة ما من العلوم والفنون والصناعات المعروفة فقال إن في القرآن أصل علم الهندسة
مستنبطا من جملة ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ [المرسلات: 30] ، وأصل علم الجبر والمقابلة مستنبطا من أوائل السور التي فيها ذكر مدد أمم سالفة وأعوامها وأيامها وتواريخها وتاريخ ومدة أيام الدنيا وما مضى وما بقي بعضها ببعض، وأصل علم الطب مستنبطا من ثلاث آيات وهي آية الفرقان وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (67) وآية الإسراء وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [82] وآية النحل يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ [69] . وأصل علم الهيئة مستنبطا مما ورد من ذكر ملكوت السماوات والأرضين وما بثّ في العالم العلوي والسفلي من المخلوقات، وأصل علم المواقيت مستنبطا من آيات الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم والبروج والمنازل، وأصل علم التنجيم مستنبطا من جملة أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ [الأحقاف:
4] ، وأصل علم تعبير الرؤيا مستنبطا من قصة يوسف، وأصل علم الحساب مستنبط مما فيه من ضروب الجمع والقسمة والضرب والأعداد والموافقة والتأليف والمناسبة والتنصيف والمضافة، وأصل كل من علوم النحو والصرف والبيان والبديع والجدل والمنطق والتاريخ والقصص والقضاء والتشريع والفقه والفرائض مستنبطا مما فيه من قواعد صرفية ونحوية ونظم بياني وبديعي وجدلي ومنطقي وقصصي وتاريخ وأحكام وحدود وأنكحة ومواريث إلخ، وأصل صناعات التجارة والحدادة والزجاجة والقصارة والبناء والخياطة والصباغة والفلاحة والنحت والفخارة والكيالة والرمي والصيد والصياغة والملاحة مستنبطا من كلمات وآيات وردت فيها إشارات إلى هذه الصناعات أو ما يتصل بها «1» .
ورأى مفسرو الشيعة وباحثوهم في كثير من آيات القرآن وعباراته إشارات ورموزا إلى علي وفاطمة والحسن والحسين مثل جملة مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ [الرحمن: 19] ، حيث ترمز إلى علي وفاطمة وجملة يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (22) نفس السورة، حيث ترمز إلى الحسن والحسين. وجملة
(1) جميع هذه الأقوال واردة في «الإتقان» للسيوطي.
أَلْفِ شَهْرٍ (3) في سورة القدر، حيث ترمز إلى مدة الدولة الأموية. وجملة هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ [الحج: 19] ، حيث ترمز إلى علي وخصومته لدى ربّه مما وقع عليه من حيف في الخلافة، وجملة يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة: 3] ، حيث ترمز إلى المهدي المنتظر، وجملة وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات: 107] ، حيث ترمز إلى الحسين، وجملة أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ [النمل: 82] ، حيث ترمز إلى علي يوم رجعته، وجملة وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ [الرعد: 43] ، حيث ترمز إلى علي، وجملة أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ [الشعراء: 205] ، حيث ترمز إلى الأمويين. وجملة سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي [الحجر: 87] ، حيث ترمز إلى الأئمة السبعة. وجملة حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً [الأحقاف: 15] ، حيث ترمز إلى الحسين وفاطمة. وجملة وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ [الزخرف: 61] ، حيث ترمز إلى المهدي. وجمل رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ [الإسراء: 6] ، وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا [النمل:
83] ، إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ [غافر:
51] ، رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ [الحجر: 2] . ووَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ [القصص:
5] ، حيث ترمز إلى الرجعة والدور الذي يكون فيه الأئمة الفاطميون أصحاب السلطان ويتمكنون فيه من الانتقام من خصومهم وسالبي حقوقهم. حتى إن الناظر في ما كتبه بعضهم ليجد أن كثيرا من محتويات القرآن مصروف إلى الأئمة وذرية فاطمة، ومحمول على تأييد أقوالهم ومذاهبهم وأئمتهم ورجعتهم وخصومهم وفيه من الغرائب والمفارقات العجيبة ما لا يتسع له أي حوصلة.
ولعل مما يتصل بهذا الباب ما أدير من الأقوال حول أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف فقد ورد عدة أحاديث في ذلك منها أن عثمان بن عفان وقف على المنبر فقال أذكر الله رجلا سمع النبي قال إن القرآن أنزل على سبعة أحرف كلها شاف وكاف إلّا قام فقاموا حتى لم يحصوا فشهدوا فقال وأنا أشهد معهم، ومنها
عن ابن عباس أن النبي قال أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف. ومنها حديث نبوي رواه النسائي أن جبريل وميكائيل أتياني فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري فقال جبريل اقرأ القرآن على حرف فقال ميكائيل استزده حتى بلغ سبعة أحرف، وفي حديث مروي عن أبي بكرة زيادة مفادها أنه لما بلغ سبعة أحرف نظرت إلى ميكائيل فسكت فعلمت أنه قد انتهت العدة. ومنها عن أبيّ عن النبي قال أرسل إليّ ربي أن أقرأ القرآن على حرف فرددت عليه أن هوّن على أمتي فأرسل إليّ أن أقرأه على حرفين فرددت عليه أن هوّن على أمتي فأرسل إليّ أن أقرأه على سبعة أحرف. ومنها حديث آخر عن أبيّ قال لقي رسول الله جبريل فقال يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط قال يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ومنها حديث ابن مسعود أن النبي قال كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف زجر وأمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه واعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا آمنا كل من عند ربنا.
ومنها حديث جاء في «الموطأ» قال عمر سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأها وكان رسول الله أقرأنيها فكدت أن أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف يعني أتم صلاته ثم لبسته بردائه فجئت به رسول الله فقلت يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها، فقال رسول الله أرسله ثم قال اقرأ فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله هكذا أنزلت، ثم قال لي اقرأ فقرأت فقال هكذا أنزلت ثم قال إن القرآن نزل على سبعة أحرف فاقرأوا منه ما تيسّر.
فمع أن هذه الأحاديث المروية ومداها وظروفها بوجه الإجمال باستثناء حديث ابن مسعود الذي يتحمل نصّه التوقف والنظر أكثر من غيره لأنه لا يتسق مع سائر الأحاديث الواردة وفيه تقسيم وتصنيف علميين يشبهان تقسيم العلماء
المتأخرين عن عهد النبي كثيرا تلهم أنها في صدد التيسير والتسهيل في قراءة القرآن نطقا وأداء وعدم الإحراج والإعنات في ذلك وهذا مما قرره غير واحد من العلماء.
فإن البحث حولها اتسع حتى خرج عن هذا النطاق ودخل في نطاق آخر يتصل بما ذكرناه من التخمينات حول أسرار القرآن ومكنوناته وشموله. ولقد عدّ صاحب «الإتقان» خمسة وثلاثين قولا في هذه الأحاديث أقلها متصل بتسهيل القراءة وأكثرها من قبل تلك التخمينات كما ترى في هذه السلسلة:
1-
سبعة أوجه للقراءة.
2-
سبعة أوجه يقع فيها تغاير في فتح ورفع وكسر وتقديم وتأخير وتخفيف وتشديد وإدغام.
3-
سبعة أنواع من الآيات: آية في صفات الله وآية تفسيرها في آية أخرى وآية بيانها في السنة الصحيحة وآية في قصة الأنبياء والرسل وآية في خلق الأشياء وآية في وصف الجنة وآية في وصف النار.
4-
سبع جهات من صفات الله.
5-
سبعة أنواع أخرى من الآيات آية في وصف الصانع وآية في إثبات الوحدانية له وآية في إثبات صفاته وآية في إثبات رسله وآية في إثبات كتبه وآية في إثبات الإسلام وآية في إثبات الكفر.
6-
سبع قراءات لسبعة من الصحابة وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عباس وأبيّ بن كعب.
7-
ظهر وبطن وفرض وندب وخصوص وعموم وأمثال.
8-
تصريف ومصادر وعروض وغريب وسجع ولغات مختلفة كلها في واحد.
9-
سبعة ألفاظ عام أريد به الخاص وخاص أريد به العام، وعام أريد به العام وخاص أريد به الخاص ولفظ يستغني تنزيله عن تأويله ولفظ لا يعلم تأويله إلا الراسخون ولفظ لا يعلم تأويله إلا الله.
10-
المطلق والمقيد والعام والخاص والنصّ والمؤول والناسخ والمنسوخ والمجمل والمفسر والاستثناء وهذا قول الفقهاء.
11-
الحذف والصلة، والتقديم والتأخير، والاستعارة والتكرار، والكناية والحقيقة والمجاز، والمجمل والمفسر، والظاهر والغريب وهذا قول علماء اللغة.
12-
التذكير والتأنيث، والشرط والجزاء، والتصريف والإعراب والإقسام وجوابها، والجمع والإفراد والتصغير والتعظيم، واختلاف الأدوات وهو قول علماء النحو.
13-
الزهد والقناعة مع اليقين والجزم والخدمة مع الحياء، والكرم والفتوة مع الفقر، والمجاهدة والمراقبة مع الخوف، والرجاء والتضرع والاستغفار مع الرضى، والشكر والصبر مع المحاسبة والمحبة والشوق مع المشاهدة وهذا قول الصوفية.
14-
أمر ونهي وبشارة وإنذار وأخبار وأمثال.
15-
علم الإنشاء، وعلم الإيجاد، وعلم التوحيد والتنزيه، وعلم صفات الذات، وعلم صفات الفعل، وعلم صفات العفو والعذاب، وعلم الحشر والحساب، وعلم النبوات.
16-
المحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ والخصوص والعموم والقصص.
17-
سبع لغات لغة قريش ولغة اليمن ولغة جرهم ولغة هوازن ولغة قضاعة ولغة تميم ولغة طي.
18-
سبعة أوجه إعراب للكلمة الواحدة حتى يكون المعنى واحدا وإن اختلف لفظا.
19-
سبعة أحرف هي أمهات الهجاء وهي الألف والباء والجيم والدال والزاي والسين والعين.
20-
إن جبريل كان يكرر كل كلمة سبع مرات على سبعة أوجه.
21-
تقرير كون القرآن نزل بمعان متسق مفهومها مختلف مسموعها حيث يجوز التغاير إذا لم تبدل كلمة عذاب بكلمة رحمة. وروى القائلون في معرض
تدليلهم على قولهم إن ابن مسعود كان يقرأ (امهلونا) مكان انْظُرُونا في سورة الحديد [13] ، وأن أبيّا كان يقرأ (سعوا) بدل مَشَوْا في سورة البقرة [20] ، وأن ابن مسعود أجاز للقارىء أن يقرأ (طعام الفاجر) بدل طَعامُ الْأَثِيمِ (44) في سورة الدخان لأنه لم يكن يحسن النطق بكلمة الأثيم.
23-
التسهيل في التقديم والتأخير مثل جاءت سكرة الحق بالموت بدلا من وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ في سورة ق [19] .
وواضح أن في كل ما ذكرناه في هذا المبحث ثغرات عديدة من شأنها التشويش على القرآن ومداه وعلى الناظر فيه والراغب في تفهمه، وصرف القلب عن روحانيته وأهدافه الوعظية والإرشادية والتذكيرية والتوجيهية، والاستغراق في هذه الناحية حتى تنقلب جمل القرآن وكلماته وحروفه إلى معادلات جبرية ورياضية وكيمياوية وتنجيمية ومنطقية وكلامية وجدلية إلى آخره مما يخرجه عن قدسيته ولا يتسق مع طبيعة توجيهه إلى مختلف طبقات الناس، وما تقتضيه هذه الطبيعة من عدم انطوائه على أسرار ورموز وغوامض غيبت عن فئة دون فئة، واختصت بها فئة دون فئة، كما لا يتسق مع نصوص القرآن الصريحة بأنه أنزل ليكون موعظة وهدى ورحمة للناس كافة، وبأن الناس جميعهم مدعوون إلى تفهمه وتدبره والتزام حدوده الإيجابية والسلبية، وهذا فضلا عن ما في الأقوال أو كثير منها من التكلف والتزيد والتجوز والتحكم، وعن ما يبدو في بعضها من آثار الخلافات الحزبية والسياسية والنحلية والمذهبية من جهة وعما يبدو في بعضها من جهة ثانية من مقاصد الدسّ على القرآن والإسلام من بعض النحل والفرق التي حرصت أن تبثّ في الأذهان أن التكليفات الشرعية معاني وأهدافا مكنونة تخالف ظاهرها، وأن تثير في النفوس نحو القرآن الشكوك والريب، وفضلا عن ما يبدو من جهة ثالثة من مقاصد التجزئة على التبديل والتغيير في نظم القرآن وكلماته من ناحية ما هناك من روايات الخلافات اللفظية والنظمية، ونكاد نجزم أن كثيرا من هذه الروايات الكثيرة جدا والواردة في مختلف كتب التفسير والقراءات والمعزوة إلى الصحابة، والتي