الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد روي «1» أن هذه الآيات نزلت في حق الوليد بن المغيرة.
ومما روي «2» أن هذا قال: إذا كان محمد صادقا فيما يصف فإن الجنة لم تخلق إلّا لي ولأمثالي فنزلت الآيات مقرعة مكذبة لأمله في زيادة نعم الله عليه وإدامتها في الآخرة.
وهذه الآيات تؤيد ما نبهنا عليه من الدلالات في سياق السور السابقة من أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ يلقى منذ بدء البعثة صدّا وعنادا من زعماء قريش وأثريائهم، وأن التشاد أخذ يستمر بينه وبينهم منذ عهد مبكر ثم استمر، مما فيه دلالة على استمرار النبي صلى الله عليه وسلم في اتصاله بمختلف طبقات قريش وزعمائهم بسبيل مهمته، وعلى عدم قطعه الصلة بالمرة بينه وبينهم على ما رجحناه في مناسبة سابقة أيضا.
وفي الآيات تلقين مستمر المدى: فالإنسان الذي يسبغ الله عليه نعمه الكثيرة فيقويه ويغنيه ويعلي جاهه وشأنه حري بأن يكون أولى الناس بالاعتراف بفضله والقيام بما يأمره به من واجبات نحوه ونحو خلقه.
[سورة المدثر (74) : الآيات 18 الى 25]
إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22)
ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقالَ إِنْ هذا إِلَاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هذا إِلَاّ قَوْلُ الْبَشَرِ (25)
. (1) إنه فكر وقدر: بمعنى استنتج وحسب بعد التفكير.
(2)
قتل: دعاء بمعنى قاتله الله.
(3)
بسر: تجهم.
(4)
سحر: أصل معنى الكلمة إزالة الشيء أو صرفه عن موضعه. ومن
(1) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والآلوسي.
(2)
انظر تفسير الآيات في تفسير الكشاف للزمخشري.
الجزء الأول من التفسير الحديث 29
التعريفات التي عرف بها أنه كل ما دقّ مأخذه وخفي سببه من آثار نفسية وحسية.
أو كل ما ظهر على غير حقيقته. أو كل ما يحدث في النفس والحث من آثار غير اعتيادية.
(5)
يؤثر: معروف مأثور.
وهذه الآيات تصف موقف ذلك الكافر العنيد الذي أشير إليه في الآيات السابقة، فقد فكر في نفسه حينما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن واستنتج وحسب أنه عرف الحقيقة قاتله الله ثم قاتله، فلم يلبث أن عبس في وجه النبي صلى الله عليه وسلم وتجهم ثم أدبر عنه مستكبرا مستخفا قائلا إن هذا هو من أعمال السحرة وأقوالهم المعروفة، وإنه ليس إلّا من كلام البشر.
والآيات متصلة بالسياق السابق واستمرار له كما هو واضح. وأسلوبها تنديدي وتقريعي ووصفي معا. والوصف قوي يكاد القارئ يرى منه موقف الكافر العنيد ماثلا بارزا.
وقد روى المفسرون أن هذا الموقف الذي وصفته الآيات هو كذلك موقف الوليد بن المغيرة الذي روي عنه القول السابق في سياق الآيات السابقة. فقد روى الطبري في سياق هذه الآيات أن الوليد قال لزعماء قريش: سأختبر لكم الليلة هذا الرجل. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فوجده قائما يصلي ويقرأ القرآن فعاد فسألوه فقال: سمعت قولا حلوا أخضر مثمرا يأخذ بالقلوب، فقالوا: هو شعر؟ فقال: لا والله ما هو بالشعر وليس أحد أعلم بالشعر مني. قالوا: فهو كاهن؟ فقال: لا والله ما هو بكاهن فقد عرضت الكهانة عليّ. قالوا: فهو سحر الأولين اكتتبه؟ فقال: لا أدري إن كان شيئا فهو إذا سحر يؤثر. وقد روى ابن كثير في سياق تفسير هذه الآيات رواية أخرى فيها بعض المباينة ولكنها متفقة في جوهرها مع الرواية السابقة.
ومهما يكن من أمر ففي الآيات صورة أخرى تكررت كثيرا فيما بعد، مما وجه للنبي صلى الله عليه وسلم مباشرة من ردود على دعوى نبوته وصلته بوحي الله. ففي سورة