الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تذكر أنه اسم الله بالإضافة إلى قولين مما ورد في الأحاديث وهما أنه لوح من نور أو أنه الدواة. ومع ما قلناه من أن هذه الأحاديث والأقوال لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة فإن المتبادر أنه لا يعقل أن يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم أو ابن عباس أقوال متعددة فيها تباين وتضارب وغرابة. وكل ما يعقل أن يكون صدر قول واحد في تفسير الكلمة. وأن تكون الأقوال الأخرى على الأقل منحولة نحلا. ومثل هذا كثير على ما سوف ننبه عليه في مناسباته. وليس هذا خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس فإن المفسرين يروون أقوالا عديدة فيها تضارب وتباين وتباعد وغرابة عن شخص واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم. وقد أردنا بهذا تنبيه القارئ إلى ضرورة التدبر في هذا الأمر والتوقف فيما لا يكون وثيق السند ويكون فيه في الوقت نفسه تعدد وتضارب وتباين وغرابة سواء أنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى أصحابه أو تابعيهم، والله تعالى أعلم.
تعليق على الحروف المتقطعة في أوائل السور
وعلى تقدير أن حرف (ن) من الحروف المتقطعة المماثلة للحروف التي بدئت بها سور عديدة أخرى نقول إن هذه السور [29] وهي سورة البقرة وآل عمران والأعراف ويونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر ومريم وطه والشعراء والنمل والقصص والعنكبوت والروم ولقمان والسجدة ويس وص وغافر وفصلت والشورى والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف وق ون. وهناك من يخرج (طه) و (يس) ويقول إنهما اسمان للنبي صلى الله عليه وسلم و (ق) ويقول إنه اسم جبل بالإضافة إلى (ن) التي قال بعضهم إنه الحوت أو الدواة كما ذكرنا آنفا. وهناك من يجعل هذه الأربعة كسائر الحروف.
وليس هناك أثر نبوي وثيق في مدى ومغزى هذه الحروف التي جرى التواتر غير المنقطع على قراءتها بأسمائها (الف. لام. ميم إلخ) وقد تعددت روايات
وأقوال المفسرين في هذا المدى والمغزى «1» . منها أنها رموز إلى أسماء الله تعالى أو صفاته. أو أقسام أقسم الله تعالى بها، أو أسماء للسور، أو أريد بها تحدي الكفار بالقول إن القرآن إنما هو حروف وكلمات من جنس ما يعرفونه فليأتوا بمثله أو بشيء منه. وهناك من فضل عدم التخمين ووكل علمها وحكمتها إلى الله تعالى. وهناك من خمن أنها أو أن بعضها احتوى أسرارا أو ألغازا دنيوية مغيبة. وهناك من روى أنها لحساب المدة الباقية من الدنيا بحساب الأرقام التي ترمز إليها الحروف في حساب الأبجدية التي ترتيبها (أب ج د هـ وز ح ط)(ي ك ل م ن س ع ف ص)(ق ر ش ت ث خ ذ ض ظ غ) حيث تحسب الحروف التسعة الأولى أرقام آحاد من الواحد إلى التسعة والحروف التسعة التالية أرقام عشرات إلى التسعين والحروف العشرة التالية أرقام المئات إلى الألف ويبلغ مجموع أرقام جميع الحروف على هذا الحساب (3295) وهذا الترتيب والحساب هو ترتيب الأبجدية العبرانية وحساب اليهود لها باستثناء الحروف الستة الأخيرة التي ليس لها نظير في هذه الأبجدية.
وقد طلع باحث عربي مؤخرا برأي يقول فيه إنها ترمز إلى عدد آيات السور التي جاءت في مطلعها على أساس ذلك الحساب «2» .
(1) انظر تفسير أول سورة البقرة خاصة وتفسير أوائل السور التي تبتدئ بهذه الحروف بصورة عامة في مختلف كتب التفسير القديمة كالطبري والبغوي والقرطبي والنيسابوري والنسفي والخازن والزمخشري والطبرسي وابن كثير
…
إلخ إلخ. [.....]
(2)
نشر السيد نصوح الطاهر في رمضان 1373 هـ- 1954 م رسالة عنوانها «أوائل السور في القرآن» ذهب فيها هذا المذهب. ومن ينعم النظر فيها ير تجوزا بارزا في الحساب وتسليما بروايات مدنية الآيات في السور المكية ومكية الآيات في السور المدنية بدون سند وثيق وعدم تسليم ببعضها بدون سند وثيق للحساب والتطبيق. مع أن هناك روايات مضادة ومع أن روح الآيات وسياقها يلهمان بقوة عدم صحة معظم روايات مدنية ومكية الآيات في السور المكية والمدنية.
ومما يقوله السيد الطاهر أن الحروف في بعض السور بل في معظمها كانت ترمز إلى عدد آيات السور في مرحلة من المراحل وقبل ترتيب آياتها نهائيا. ثم أضيف بعد هذه المرحلة إليها آيات وفصول أو أنقص منها آيات وفصول. ومن السور المكية ما أضيف إليه آيات مدنية ومن السور المدنية ما أضيف إليه آيات مكية. وإن من السور ما كان متداخلا بعضه في بعض فلما رتبت آيات السور وفصل بعض ما كان داخلا في سور أخرى عن بعضها ووضع في سور أخرى أو جعل بعضها سورا مستقلة اختل العدد الذي ترمز إليه الحروف في الحساب الأبجدي. وهنا سلاسل من هذه السور متشابهة في حروفها المتقطعة. فذهب في بعضها إلى أن أحدها كان يرمز إلى عدد جميع آيات السور وذهب في بعضها إلى أن حروف إحداها هي التي كانت ترمز إلى عدد آياتها جميعا دون تعليل مقنع لتكرر الحروف المتشابهة في هذه السلاسل. وهذا الرأي يعني أن إضافة آيات أو فصول في سورة ما مرموز فيها إلى عدد آياتها في مرحلة من المراحل أو إنقاص آيات وفصول قد أخل في هذه الرمزية إذا كانت الحروف وحيا قرآنيا كما نعتقد ونزلت لترمز لذلك حسب رأي السيد الطاهر الذي نعتقد أنه هو الآخر لا ينكر كونها وحيا. وبالتالي قد أفقدتها حكمتها التي علمها الله. فإذا فرضنا أن ترتيب السور في صورتها النهائية قد تم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأمره وهو ما نعتقده استنادا إلى دلائل وقرائن كثيرة قرآنية وغير قرآنية فيكون النبي قد أخل بحكمة الرمزية الربانية وحاشاه أن يفعل. وإذا كان الترتيب قد تم بعد وفاته على ما يقول به بعض العلماء فيرد حينئذ سؤال عما إذا كان النبي قد أخبر أصحابه بمفهوم الرمز. فإذا لم يكن قد أخبر به فيكون قد خالف أمر الله فلم يبين بعض ما أنزله الله عليه وحاشاه أن يفعل.
وإذا كان قد أخبرهم به فيكونون قد خالفوه وأخلّوا بحكمة الرمزية الربانية معا وحاشاهم أن يفعلوا. ويبقى هناك فرض وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرف مفهوم ورمزية الحروف. وظل هذا خفيا عليه وعلى جميع الناس من بعده إلى أن كشف عنه للسيد الطاهر ولا نظن هذا السيد يدعي ذلك.
وهناك قول معزو إلى ابن عباس رضي الله عنه بأنها للتنبيه واسترعاء الأسماع أي من نوع هلا، ألا. ولقد روى الترمذي حديثا في سياق أوائل سورة الروم جاء فيه «إنّها لمّا نزلت خرج أبو بكر يصيح في نواحي مكة:«الم، غلبت الروم» «1» الآيات ونحن نرجح هذا القول. واتباع الحروف في معظم السور بالتنويه بالقرآن وبجمل قسمية به مما يقوي في نظرنا هذا الترجيح. وهو ما أخذنا به مع القول إن تنوع الحروف التي أريد بها الاسترعاء والتنبيه متصل بحكمة التنزيل. ولا بأس بالقول إنها أقسام ربانية وردّ حكمة ذلك وعلمه إلى الله عز وجل أيضا قول عليم
(1) انظر «التاج الجامع» ج 4 ص 178- 179.