الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بدون هوادة، وفريق لم يكن في هذه الشدة، وإنما كان مترددا متشككا يقنع نفسه بالأعذار الواهية أو يخجل من الناس أو الزعماء أو يخشى شرهم، بينما كان في قرارة نفسه يعترف بصدق ما كان يخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وبما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من أخلاق عظيمة وعقل راجح، مما ينطوي في آية الأنعام هذه: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (109)، وفي آية القصص هذه: وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (57) وغيرهما مما سوف ننبه إليه في المناسبات الآتية «1» فالمتبادر أن الفريق الأول هو الذي نعتته الآية بالكافر وأن الفريق الثاني هو الذي نعتته بمريض القلب. وفي ذلك صورة من صور العهد المكي.
تعليق على موضوع الملائكة
وبمناسبة ورود ذكر الملائكة لأول مرة نقول: إن ذكرهم قد تكرر في القرآن كثيرا وفي مواضع ومناسبات متنوعة. وأكثر المفسرين على أن الاسم مشتق من الألوكة بمعنى الرسالة وأن الكلمة تعني الرسل «2» وفي سورة فاطر آية يمكن أن يستأنس بها على صحة هذا القول بقوة وهي: الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ [1]، وهناك آيات أخرى مؤيدة لذلك مثل آية سورة النحل هذه: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ [2] . وبعض الباحثين يرجعون الكلمة إلى أصل عبراني ويقولون إنها دخيلة بلفظها ومعناها على اللغة العربية، ويمكن أن يورد على هذا أن العبرانية والعربية من أصل واحد والتشارك بين اللغتين في الأسماء والأفعال
(1) انظر كتابنا «سيرة الرسول عليه السلام» ج 1 ص 190 وما بعدها.
(2)
انظر تفسير آية وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ [30] من سورة البقرة في تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي وغيرهم.
والمصادر واسع جدا، وليس من الضروري أن تكون الكلمة عبرانية ودخيلة إلّا إذا فقد من العربية ما يمكن أن يكون أصلا لها. والحال في هذه الكلمة ليست كذلك ما دام يوجد في العربية جذر «ألك» بمعنى أرسل «1» . ولا سيما أن من الممكن أن يكون هذا الجذر- أو أي جذر آخر يحتمل أن ترجع إليه الكلمة- مشتركا بين اللغتين. وهذا يقال بالنسبة لكلمات كثيرة يحلو لبعض الباحثين رجعها إلى العبرانية، والزعم بأنها دخيلة على العربية. وننبه إلى أننا لا نريد أن ننفي وجود كلمات كثيرة في اللغة العربية القرآنية معرّبة عن لغات أخرى. غير أن هذا قد كان قبل نزول القرآن وصار ما في اللغة العربية من ذلك جزءا من هذه اللغة بالصقل والاستعمال. وعلى كل حال فإن مما لا يحتمل شكا أن كلمة الملائكة ومفردها مما كان مستعملا في اللسان العربي قبل نزول القرآن ومما كان يعد من هذا اللسان، ومما كان مفهوم الدلالة عند العرب. ودليل هذا الحاسم هو في اتخاذ العرب الملائكة آلهة وشفعاء قبل الإسلام، واعتقادهم أنهم بنات الله على ما حكته عنهم آيات عديدة مثل آيات سورة الصافات هذه: فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ (150)، وآيات سورة الزخرف هذه: وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (19) وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) وقد حكى القرآن في آيات كثيرة أقوال الكفار عن الملائكة أيضا منها هذه الآية في سورة الأنعام: وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ [8]، ومنها هذه الآيات في سورة الحجر: وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) .
(1) انظر «أساس البلاغة» للزمخشري.
الجزء الأول من التفسير الحديث 30
ولقد أيّد القرآن ذلك حيث يفيد ما ورد فيه عن الملائكة أنهم ذوو صلة بالله وأنهم يقومون بخدم متنوعة له من تبليغ الأنبياء والرسل أوامر الله ومن تولي أمر الجنة والنار واستقبال المؤمنين والكافرين حسب ما يستحق كل منهم فيهما، ومن إنزال العذاب الرباني بمستحقيه في الدنيا ومن تأييد الأنبياء والمؤمنين، ومن إحصاء أعمال الناس، ومن حمل عرش الله والتسبيح بحمده، ومن استعدادهم للقيام بكل مهمة يأمرهم بها الله دون أن يعصوا له أمرا، وليس في القرآن شيء عن ماهيتهم. وكل ما فيه في صفتهم أنهم أو أن منهم ذوي أجنحة مثنى وثلاث ورباع على ما جاء في آيات سورة فاطر التي أوردناها قبل. وهناك حديث رواه مسلم والإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها جاء فيه: «قال النبي صلى الله عليه وسلم خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم في قوله تعالى:
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12)[المؤمنون/ 12] » «1» . وقد يتبادر من الحديث أن الملائكة ليسوا من مادة جامدة. ومع ذلك ففي القرآن ما يفيد أنهم يتراءون للأنبياء وغيرهم بأشكال مادية كما ترى في آيات سورة هود هذه: وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (70)، وفيه ما يفيد أنهم يمكن إذا شاء الله أن يتشكلوا على شكل الرجال وينزلوا راكبين الخيل المسومة لتأييد المؤمنين كما ترى في هذه الآيات:
1-
وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (9) الأنعام [8- 9] .
2-
بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ [آل عمران/ 125]«2» .
(1) التاج الجامع ج 5، ص 269. [.....]
(2)
في القرآن آيات عديدة أخرى يمكن أن تورد في هذا الصدد فاكتفينا بما أوردناه للتمثيل.
وهناك أحاديث صحيحة تفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى ملك الله أو جبريل عليه السلام حينما ينزل عليه ويكلمه بين الناس وإن لم يكن يراه غيره. من ذلك الحديث الذي أوردناه في مطلع السورة والذي ذكر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الملك على عرش بين السماء والأرض، ومن ذلك حديث رواه البخاري ومسلم والترمذي عن عائشة رضي الله عنها جاء فيه:«إن الحارث بن هشام سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم كيف يأتيك الوحي فقال أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشدّه عليّ فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال وأحيانا يتمثّل لي الملك رجلا فيكلّمني فأعي ما يقول» «1» .
وحديث عن عائشة أيضا رواه الشيخان والترمذي جاء فيه: «قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة هذا جبريل يقرئك السلام قلت وعليه السلام ورحمة الله. ترى يا رسول الله ما لا أرى» . وحديث طويل رواه الخمسة عن عمر بن الخطاب مفاده أن جبريل طلع على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في صورة رجل وقد جاء فيه: «بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منّا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفّيه على فخذيه وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال صدقت قال فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأن تؤمن بالقدر خيره وشرّه قال صدقت قال فأخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك. قال فأخبرني عن الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل قال فأخبرني عن أماراتها قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان. قال ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال لي يا عمر أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال فإنه جبريل أتاكم يعلّمكم دينكم» «2» .
(1) التاج ج 1 ص 20- 21.
(2)
المصدر نفسه.
ومهما يكن من أمر فإن وجود الملائكة واختصاصهم بخدمة الله ثابت بصراحة القرآن والإيمان بذلك واجب بنص القرآن على ما جاء في آيات كثيرة، منها آية البقرة هذه: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ [177] وليس وجودهم مما هو خارج عن نطاق قدرة الله تعالى بطبيعة الحال ولو لم تدركه عقولنا التي يعييها إدراك كثير من قوى الكون ونواميسه.
ومن الواجب أن يوقف في أمر ماهيتهم وخدماتهم لله عز وجل واتصالهم بالأنبياء وغيرهم عند ما وقف عنده القرآن أو السنة الثابتة بدون تزيد ولا تخمين وأن يسلم به تبعا لواجب التسليم والإيمان بما جاء في القرآن والسنة الثابتة.
ولعل حكمة ما احتواه القرآن من صور عن الملائكة متصلة من ناحية ما بما كان في أذهان العرب عنهم وما كان لهم فيهم من عقائد تأليه واستشفاع وبنوة لله وحظوة لديه مما أشارت إليه آيات قرآنية عديدة أوردنا بعضها آنفا، بحيث أريد فيما أريد تقرير كونهم ليسوا إلّا عبيدا لله وخدما ينفذون أوامره ويسبحون بحمده، وأن الله هو وحده المستحق للعبادة والخضوع، وهو وحده النافع والضار، وأن من يحيد عن ذلك ويعبد عبيده وخدمه ويرجو منهم النفع والضرر يكون في أشد الضلال والانحراف عما يقضي به العقل والمنطق. وفي آيات سورة الأنبياء هذه:
وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)، وآيات سورة سبأ هذه: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (40) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) وآيات سورة الفرقان هذه: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)
قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ
[18]
، وآية سورة النساء هذه: نْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
[172]
قرائن قوية على ذلك. وفي هذا كما هو المتبادر تدعيم للدعوة القرآنية والرسالة النبوية.
وعلى كل حال إن القرآن وهو يخبر عن الملائكة ويتحدث عنهم في شتى المواضع والمناسبات يخبر ويتحدث عن قوى ومخلوقات يعترف السامعون بوجودها وصفاتها بما يقارب ما يقرره القرآن عنها بقطع النظر عن عقائدهم الدينية فيها.
وهذه نقطة مهمة في أسلوب القرآن من حيث مخاطبته للناس بما يعرفونه ويسلمون به مستهدفا العظة والعبرة والتدعيم أيضا، إذ لا يكون الخطاب عن الأمور والوقائع ذا أثر إلّا حينما يكون مستمدا من معارف السامعين ومتسقا معها «1» .
ولقد أورد المفسرون كثيرا من البيانات المعزوة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعيهم عن مختلف أحوال الملائكة وخدماتهم وخلقتهم وحركاتهم في السموات والأرضين وحول العرش على هامش ما ورد عنهم من ذلك في القرآن جلها أو كلها غير موثق بأسناد صحيحة وفيها إغراب غير قليل وخوض في ماهيات وتفصيلات غيبية من الأحوط الوقوف منها موقف التحفظ. وفيها مع ذلك دلالة على أن الحديث عنهم من شتى النواحي كان مستفيضا في بنية النبي صلى الله عليه وسلم مما يتسق مع ما قلناه ويؤيده.
هذا، وننبه على أن أسفار العهد القديم والأناجيل قد ذكرت الملائكة في مواضع عديدة بصفتهم رسل الله إلى أنبيائه ومنفذي أوامره. غير أن الأسلوب الذي ذكروا به في القرآن يختلف اختلافا كبيرا عنه في هذه الكتب، سواء أكان ذلك في التنويه بما لهم لدى الله من مكانة أم فيما يقومون به من مهام عظمى في الدنيا والآخرة. وهذا من خصوصيات القرآن ولعله متصل من ناحية ما بأحوال بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وعصره.
(1) انظر كتابنا القرآن المجيد في مقدمة هذا التفسير.