الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجنة وهي الدّرمك فلمّا جاؤوا قالوا يا أبا القاسم كم عدد خزنة جهنّم قال هكذا وهكذا في مرّة عشرة وفي مرة تسعا قالوا نعم فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ما تربة الجنة فسكتوا هنيهة ثم قالوا أخبرنا يا أبا القاسم فقال الخبز من الدّرمك» «1» .
وراوي الحديث صحابي مدني، وفحواه يدل على أن السؤال أورد على المسلمين في المدينة. ولذلك نراه عجيبا لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يعرفون العدد بصيغة صريحة منذ العهد المكي من الآية [30] .
وروح الآيات تلهم أن الكفار ومرضى القلوب قابلوا ذكر عدد الذين يتولون النار من الملائكة بالاستخفاف والاستهزاء، فردت عليهم بأن ذلك إنما هو من قبيل الامتحان الرباني للفرق الأربعة التي كان يتألف منها أهل بيئة النبي صلى الله عليه وسلم. وهي المؤمنون والكتابيون والكافرون ومرضى القلوب. فأما الكتابيون فإنهم مفروض فيهم أن يعرفوا أن لله ملائكة يقومون بالمهام التي يكلفهم بها، وأنه ليس مما هو خارج عن حدود قدرة الله أن يكون مثل هذا العدد منهم كافيا لتولي أمر النار فيستيقنوا من صحة الرسالة المحمدية التي تأتي بما يتسق مع ما عندهم. وأما المؤمنون فقد آمنوا في الأصل بالنبي صلى الله عليه وسلم وصلته بالله فيتلقون الخبر بالتصديق والتسليم وبذلك يزدادون إيمانا ويقينا. ولا يقف موقف الشك والاستخفاف إلّا الكفار ومرضى القلوب الذين يكون موقفهم هذا هو الأضعف لأنه غير صادر عن علم ونية وعقيدة وإيمان بينما يكون موقف الفريقين الأولين هو الأقوى لأنه صادر عن مثل ذلك.
تعليق على موضوع زيادة الإيمان ونقصه
وجملة وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً في الآية [31] قد تكررت بأسلوب مقارب في سور عديدة مدنية منها آية سورة الأنفال هذه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ
(1) انظر التاج ج 4 ص 247- 248.
اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)، وآية سورة آل عمران هذه: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)، وآية سورة الأحزاب هذه: وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً (22)، وآية سورة التوبة هذه: وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) .
ولقد كان ما احتوته هذه الآيات من المسائل التي دار الكلام والبحث حولها بين علماء الكلام وأئمة التأويل من ناحية ما إذا كان الإيمان يزيد وينقص «1» .
ومنهم من استدل بها على أنه يزيد وينقص أو على تفاضل الإيمان في القلوب وهناك أحاديث تساق في سبيل الاستدلال على ذلك أيضا منها حديث رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري جاء فيه: «من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» «2» . ومنها حديث رواه الخمسة جاء فيه: «الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان» «3» .
والذي يتبادر لنا أن الإيمان في حدّ ذاته لا يصح عليه زيادة ولا نقص مع احتفاظه بصفته. لأن الزيادة تعني نقصا سابقا والنقص يعني تراجعا وشكا.
وكلاهما ينقض صفة الإيمان لذاته. وكل ما يمكن أن يصح فيما يتبادر لنا أن هناك يقينا أو إيمانا غيبيا يمكن أن يصير يقينا أو إيمانا عينيا من قبل طمأنينة القلب بالبرهان والمشاهدة مع الإيمان قبل ذلك إيمانا غيبيا ومن قبيل ما حكي في آية البقرة هذه عن إبراهيم وجواب الله على سؤاله: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ
(1) انظر تفسير هذه الآيات في كتب تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والزمخشري والخازن والطبرسي والمنار والقاسمي.
(2)
التاج ج 1، ص 24.
(3)
المصدر نفسه، ص 23.
تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [260] . والجملة التي نحن في صددها تتسق مع هذا الشرح من حيث إنها تصف الذين آمنوا بالرسالة المحمدية بالذين آمنوا وتقرر أنهم بتلقيهم الخبر الذي يبلغهم إياه النبي صلى الله عليه وسلم عن الله بالتصديق والتسليم تبعا لإيمانهم بالله ورسوله فيكون ذلك مظهرا جديدا من مظاهر قوة يقينهم وإيمانهم عبر عنه بالزيادة. وهذا ملموح بقوة في آيات آل عمران والأنفال والتوبة والأحزاب التي أوردناها آنفا، ويزداد لمحها قوة من السياق الذي وردت فيه إذا ما أمعن النظر فيه أيضا. والذي يتمعن في الأحاديث النبوية لا يجد فيها على ما يتبادر لنا أية دلالة على ما أريد الاستدلال بها عليه من احتمال الزيادة والنقص في الإيمان لذاته.
وفي سورة الحجرات آيات فيها تدعيم لما يتبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله وهي: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)[14- 15] . فقد علم الله تعالى أن الأعراب كانوا مشككين مرتابين وهذا يتناقض مع الإيمان فأمر نبيه بإجابتهم بأنهم لم يؤمنوا وكل ما في الأمر أنهم يمكن أن يقولوا أسلمنا لأنهم أذعنوا وخضعوا فقبل منهم ذلك تسامحا دون أن يستحقوا صفة الإيمان. ثم وصف المؤمنين الصادقين بأنهم الذين لم يرتابوا بعد أن آمنوا
…
والله تعالى أعلم.
هذا من ناحية الموضوع في ذاته. وأما من ناحية الجملة في مقامها وفي المقامات الأخرى التي وردت فيها فالذي يتبادر من روح الآيات والسياق أنها تورد في صدد التنبيه والتنويه والعظة في الأمر الذي جاءت له الجملة. وليست لأجل تقرير الموضوع من الناحية الكلامية والعقائدية. وأن الأولى أخذ الأمر على هذا الوجه والوقوف عنده. وهذا يقال بالنسبة لكثير من الآيات والجمل القرآنية التي يتشاد علماء المذاهب الكلامية حولها ويحاولون استنباط مذاهبهم منها أو الاستناد إليها.