الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة المسد
فيها دعاء على أبي لهب وإنذار له ولامرأته بالنار. ورواية سبب نزولها لا تتسق مع رواية تبكير نزولها. ورواية تبكير نزولها أكثر اتساقا مع مضمونها. ولعلها تلهم أن يكون موقف أبي لهب وامرأته من أبكر وأول مواقف الصدّ والمناوأة التي واجهها النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان لهذا الموقف أشد الأثر في نفس النبي وسير الدعوة.
بسم الله الرحمن الرحيم
[سورة المسد (111) : الآيات 1 الى 5]
بسم الله الرحمن الرحيم
تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (2) سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)
فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)
. (1) تبت: خسرت أو هلكت، والمصدر تبّ وتباب، والكلمة دعاء بالخسران أو الهلاك.
(2)
الجيد: العنق.
(3)
مسد: ليف أو حديد أو نار على اختلاف الأقوال. ومما قيل إن المسد نبات ذو ألياف تجدل منه حبال متينة.
في آيات السورة دعاء على أبي لهب بالهلاك والخسران، وتقرير بأنه لن يغني عنه ماله وما كسبه شيئا، وأنه سيصلى نارا عظيمة هو وامرأته حمالة الحطب التي سوف يكون في جيدها حبل من مسد، تقاد به.
والروايات مجمعة على أن أبا لهب هذا هو عم النبي صلى الله عليه وسلم وأن اسمه عبد العزى وأن امرأته هي أم جميل أخت أبي سفيان «1» والمرجح أن كنية «أبي لهب» هي كنية قرآنية على سبيل الهجو فصارت له علما.
ولقد روى الشيخان والترمذي عن ابن عباس قال: «لمّا نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء/ 214] خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى صعد الصفا فهتف يا صباحاه فاجتمعوا إليه فقال أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلا تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقيّ؟ قالوا: ما جرّبنا عليك كذبا. قال: فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد. قال أبو لهب تبا لك ما جمعتنا إلّا لهذا، ثم قام فنزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد/ 1] » «2» .
وإلى هذا الحديث الذي أورده أيضا الطبري والمفسرون الآخرون «3» رووا روايات أخرى كسبب نزول السورة منها «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [214] جمع أقاربه فدعاهم إلى الإسلام فقال له أبو لهب تبا لك سائر اليوم ألهذا دعوتنا؟» ومنها: «أن أبا لهب قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ماذا أعطى يا محمد إن آمنت بك؟ قال: كما يعطى المسلمون. فقال: ما لي عليهم فضل. قال: وأيّ فضل تبتغي؟ قال: تبا لهذا من دين أن أكون أنا وهؤلاء سواء فأنزل الله سورة تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [1] » .
ونلحظ في صدد الرواية الأولى والثانية أنهما تقتضيان أن تكون سورة المسد نزلت بعد سورة الشعراء التي منها آية: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ مع أن الروايات مجمعة تقريبا على وضع سورة المسد كسادس سورة أو خامس سورة في ترتيب النزول بينما تأتي سورة الشعراء كرابعة وأربعين أو خامسة وأربعين في هذا
(1) انظر تفسير السورة في تفسير ابن كثير والبغوي وغيرهما.
(2)
التاج ج 4 ص 268.
(3)
انظر تفسير النيسابوري والطبرسي وابن كثير والبغوي والخازن أيضا.
الترتيب «1» أي أنها نزلت بعد سورة المسد بثلاث سنين على الأقل. وروح آية وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ تلهم أنها لم تنزل مبكرة «2» . لذلك فنحن نتوقف في الروايات، وإشراك امرأة أبي لهب مما يقوي صواب توقفنا إن شاء الله.
ولقد ذكرت الروايات «3» أن إحدى بنات النبي كانت مخطوبة أو زوجة لعتبة بن أبي لهب وأن بيت النبي صلى الله عليه وسلم كان مجاورا لبيت أبي لهب. فمما يمكن أن يرد على البال بقوة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اتصل بعمه عقب نزول الوحي عليه في أول من اتصل بهم ودعاه في أول من دعا. فالرجل عمه وجار بيته وصهره، ولعله كان يكثر التردد على بيته. ومن المعقول أن يفاتحه قبل الناس وأن يفضي إليه بأمره وأن يطلب منه التصديق والتعضيد ولعله كان واثقا كل الثقة بأنه سيقابل بالحسنى والإجابة، وبأنه واجد في عمه العضد القوي والسند الأمين. فلم يلبث أن خاب أمله فقوبل أسوأ مقابلة، وكان من عمه وزوجته أشد موقف في الأذى والعناد والتعطيل، والقطيعة حتى لقد روي «4» أن أبا لهب كان يسير وراء النبي صلى الله عليه وسلم فكلما رآه يكلم أحدا جاء إليه وقال له: أنا عمه فلا تصدقه فإنه ذاهب العقل، وأن زوجته كانت تضع الأقذار أمام بيته وتشيع عنه الإشاعات السيئة. وأن الزوجين حملا ابنهما على تطليق بنت النبي صلى الله عليه وسلم. وعمومة أبي لهب للنبي صلى الله عليه وسلم مما يزيد في شدة موقفه في نفس النبي صلى الله عليه وسلم وفي الغرباء كما هو بدهي. ونعت امرأة أبي لهب بحمالة الحطب يلهم أنها كانت ذات تأثير قوي في الموقف فيزداد شدة ولعلها كانت تقوي زوجها وتنفخ في روحه كلما أنست فيه جنوحا إلى الفتور والتروي، بسبب ما كان
(1) انظر تراتيب النزول المروية في كتابنا سيرة الرسول ج 1 ص 134- 135 والإتقان في علوم القرآن ج 1، ص 26.
(2)
يذكر الطبري في تاريخه ج 2 ص 61.
(3)
انظر مجمع الزوائد، مكتبة القدسي ج 9 ص 213- 214.
(4)
انظر سيرة ابن هشام ج 2 ص 32 مطبعة حجازي وتفسير السورة في تفسير ابن كثير والبغوي والطبري والنيسابوري وابن عباس، والجزء والصحف المذكورة آنفا من مجمع الزوائد. [.....]
الجزء الأول من التفسير الحديث 32
يربطه بالنبي صلى الله عليه وسلم من روابط العصبية التي كانت تقاليدها شديدة الرسوخ في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم، فكان تأثيرها عاملا قويا في شذوذ هذا العم عن سائر أعمامه وسائر أفراد عشيرته الذين كانوا يحمون النبي صلى الله عليه وسلم وينصرونه بقوة العصبية برغم أن أكثرهم ظلوا في العهد المكي نائين عن اعتناق الإسلام.
وإذا صحت رواية كون أم جميل هي أخت أبي سفيان- وليس هناك ما ينفيها- فلا يبعد أن يكون موقفها متأثرا بموقف أخيها الذي كان من أبرز الزعماء وذوي الشأن في قريش والذي كانت لأسرته المكانة البارزة في مكة، والذي ظل هو وأسرته يناوئون النبي صلى الله عليه وسلم نحو عشرين سنة أي إلى فتح مكة في العام الثامن من الهجرة مناوأة عنيفة، وقد قاد زعيمهم أبو سفيان الجيوش التي غزت المدينة دار هجرة النبي صلى الله عليه وسلم مرتين. ولا يبعد أن تكون فكرة النضال الأسروي بين الأسرة الأموية صاحبة الشأن والبروز في مكة والأسرة الهاشمية التي ترشحت للبروز والخلود بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم وحركته حافزا أو مقويا لموقف أبي سفيان المناوىء من النبي صلى الله عليه وسلم وموقف أخته زوجة أبي لهب منه أيضا.
وأبو لهب وامرأته هما الشخصان الوحيدان اللذان اختصهما القرآن بالذكر وسوء الدعاء وبصراحة، وسجل عليهما اللعنة الخالدة على مرّ الدهور. ولا شك في أن هذا يدل على أن موقفهما كان شديد الأثر في نفس النبي صلى الله عليه وسلم وسير دعوته وخاصة في أول أمرها فاستحقا من أجله هذا التخصيص.
وإننا لنرجو أن تكون هذه البيانات والتوجيهات هي المتسقة مع حقيقة الموقف لأنها هي المتسقة مع روح الآيات ومضمونها وإشراك زوجة أبي لهب ثم مع رواية تبكير نزول السورة.