الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في هذه الآيات:
1-
تقرير حقيقة في أخلاق البشر بوجه عام. وهي أن كثيرا منهم يتجاوزون الحدّ كبرا وبغيا حينما يشعرون في أنفسهم بالقوة ويخيل إليهم أنهم في غنى عن غيرهم بكثرة مالهم وقوة أنصارهم وعصبيتهم وشخصيتهم وأسلوب الآية التي وردت فيها أسلوب تنديدي بهذا الخلق.
2-
تذكير وإنذار بأن الناس راجعون إلى الله ومعروضون عليه.
3-
تنديد بالذي يتعرض لعبد من عباد الله فينهاه عن الصلاة له مع أنه يسير على طريق الحق والهدى. ويدعو إلى تقوى الله ويذكّر به. وتنديد كذلك بالذي يكذّب دعوة الله ويعرض عنها، وتذكير له في معرض الإنذار وبأسلوب الاستفهام الإنكاري عما إذا لم يكن يعلم أن الله يراقبه ويحصي عليه آثامه ومواقفه.
4-
تهديد وتحدّ وإنذار لهذا المكذّب المتعرض المعرض بأسلوب قارع قاصم. فإذا لم ينته عن موقفه الباغي فلسوف يسفعه الله بناصيته الكاذبة الخاطئة.
وإذا دعا ناديه لنصرته فسوف يدعو الله الزبانية الموكلين بالعذاب ليتولوا أمرهم.
5-
تثبيت للنبي عليه السلام في دعوته. فلا محلّ للخوف من هذا المتعرض والاستجابة لما يقول والاهتمام به. وعليه أن يسجد لله ويتقرب إليه.
والآيات الثلاث الأولى تمهيد لما بعدها على ما هو المتبادر مما هو مستفيض في الأسلوب القرآني. والآيات التالية لها تتضمن مشهدا من مشاهد الدعوة النبوية في الخطوات الأولى حيث تفيد أن زعيما طاغية تعرّض للنبي عليه السلام حينما رآه يصلي صلاة جديدة، ويدعو إلى الله وتقواه، فضلا عن تكذيبه للدعوة وإعراضه عنها.
ولقد رويت بعض الأحاديث الصحيحة في مناسبة نزول هذه الآيات. منها حديث رواه الشيخان والترمذي عن ابن عباس قال: «قال أبو جهل لئن رأيت محمدا يصلّي عند الكعبة لأطأنّ على عنقه فبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: لو فعل
لأخذته الملائكة عيانا» «1» . ومنها حديث رواه مسلم عن ابن عباس أيضا قال: «قال أبو جهل: هل يعفّر محمّد وجهه بين أظهركم- يريد على ما يظهر هل يصلّي ويسجد- قيل: نعم، فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنّ على رقبته. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلّي فما فجئهم منه إلّا وهو ينكص على عقبيه ويتّقي بيديه فقيل له: ما لك، فقال: إنّ بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو دنا منّي لاختطفته الملائكة عضوا عضوا فأنزل الله: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (6) إلى آخر السورة» «2» .
ومنها حديث رواه الترمذي عن ابن عباس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلّي فجاء أبو جهل فقال: ألم أنهك عن هذا ألم أنهك عن هذا؟ فزبره النبي، فقال أبو جهل: إنّك لتعلم ما بها ناد أكثر منّي فأنزل الله: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (18) . قال ابن عباس: (فو الله لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله) «3» .
والحديث الأخير قد يفيد أن الآيات نزلت على دفعات. غير أن الذي نرجّحه على ضوء الحديث الثاني أنها نزلت دفعة واحدة. ولا يمنع هذا أن يكون ما روي عن لسان أبي جهل مما ذكره الحديث الأخير صحيحا من جملة ما قاله وفعله وحاول أن يفعله فكان كل هذا مناسبة لنزول الآيات جميعها.
وتسمية (أبي جهل) تسمية إسلامية، واسم هذا الرجل هو عمرو بن هشام المخزومي وكنيته أبو الحكم. ولقد روى ابن هشام أن أبا سفيان وأبا جهل والأخنس بن شريق خرجوا ليلة ليستمعوا لرسول الله وهو يصلي في بيته فأخذ كل رجل منهم مجلسا يستمع فيه وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاوموا وقالوا لبعضهم: لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا. ثم انصرفوا غير أنهم عادوا ليلة ثانية
(1)«التاج» ، ج 4 ص 262.
(2)
انظر المصدر نفسه.
(3)
انظر المصدر نفسه.
الجزء الأول من التفسير الحديث 21