الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بدعوة الناس وإنذارهم. بل إن التساوق بين مطلعي السورتين الأوليين أيضا ملحوظ إذا ما أنعم القارئ النظر، وكل هذا يؤيد تبكير نزول هذه المطالع.
[سورة المدثر (74) : الآيات 8 الى 10]
فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)
. (1) الناقور: الأداة التي يدق عليها أو ينفخ فيها لإحداث صوت خاص بدعوة الناس وتنبيههم أو هو الصور أو القرن «1» .
في الآيات إشارة إلى الموقف العصيب العسير الذي سوف يواجهه الكافرون حينما يبعث الناس إلى يوم القيامة والحياة الأخرى.
والمتبادر أنها بسبيل الإنذار والوعيد، والفاء التي بدئت بها الآيات تعقيبة، فكأنما جاءت الآيات معقبة على أمر الله للنبي صلى الله عليه وسلم بالصبر الذي كان في معرض التثبيت والتطمين، ومؤكدة له. فعليه الصبر لأمر ربه رغما عن موقف الجاحدين لرسالته الذين سوف يكون حسابهم عسيرا يوم الجزاء الأخروي. وقد يلهم هذا صحة التوجيه الذي وجهناه من أن آيات السورة متصلة ببعضها نظما وموضوعا ونزولا.
تعليق على النقر في الناقور ومرادفه النفخ في الصور
وما ورد في ذلك من أحاديث:
والنقر في الناقور هو إيذان للبعث والقيامة الأخروية على ما تفيده العبارة والآيات. وقد فسره المفسرون وعلماء اللغة بالصور أو القرن الذي ينفخ فيه لتجميع الناس. وكلمة الناقور لم ترد إلّا هذه المرة. غير أن كلمة الصور التي ترادفها في المعنى وردت مرات عديدة منها ما ورد بدون آثار مثل آية سورة ق
(1) انظر تفسيرها في تفسير الطبري.
هذه: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20)، وآية سورة طه هذه: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (102) . ومنها ما ورد مع ذكر آثار النفخ في البشر مثل آية سورة النمل هذه: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ
…
[87]، وآية سورة الزمر هذه: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ (68) . وهناك أحاديث عديدة متنوعة الرتب في الصور، منها ما رواه أصحاب الكتب الخمسة، من ذلك حديث رواه الترمذي وأبو داود عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر، أن ينفخ فينفخ، قال المسلمون فكيف نقول يا رسول الله؟
قال: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل، وعلى الله توكّلنا» «1» . وحديث ثان روياه أيضا جاء فيه:«سئل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الصّور فقال قرن ينفخ فيه» «2» . وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا جاء فيه: «ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم الدجّال إلى أن قال ثم ينفخ في الصّور فلا يسمعه أحد إلّا أصغى لتيا ورفع لتيا وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله فيصعق ويصعق الناس ثم يرسل أو قال ثم ينزل الله مطرا كأنه الطلّ أو الظلّ فتنبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون. ثم يقال يا أيها الناس هلمّ إلى ربّكم وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ثم يقال أخرجوا بعث النار فيقال من كم فيقال من كلّ ألف تسعمائة وتسعة وتسعين قال فذاك يوم يجعل الولدان شيبا وذلك يوم يكشف عن ساق» «3» . وروى الشيخان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما بين النفختين أربعون، قالوا يا أبا هريرة أربعون يوما قال أييت.
قالوا أربعون شهرا قال أييت، قالوا أربعون سنة قال أييت ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل وليس من الإنسان شيء إلّا يبلى إلّا عظما واحدا وهو
(1) التاج ج 4 ص 201.
(2)
المصدر نفسه.
(3)
المصدر نفسه ج 5 ص 328- 329 وفسّر الشارح كلمه لتيا بمعنى ناحية من عنقه وكلمة (أييت) بمعنى لا أدري.
عجب الذنب ومنه يركّب الخلق يوم القيامة» «1» .
ومنها أحاديث أوردها المفسرون في سياق السور التي ذكر فيها الصور رواها أئمة حديث آخرون وهي إجمالا من باب الأحاديث السابقة وصحتها محتملة. منها حديث رواه الطبري في سياق تفسير جملة إن هي: إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ [ص/ 15]، عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّ الله لمّا فرغ من خلق السموات والأرض خلق الصور فأعطاه إسرافيل فهو واضعه على فيه شاخص ببصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر قال أبو هريرة يا رسول الله وما الصور؟ قال:
قرن. قال: كيف هو؟ قال: قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات نفخة الفزع الأولى والثانية نفخة الصعق والثالثة نفخة القيام لربّ العالمين. يأمر الله اسرافيل بالنفخة الأولى فيقول انفخ نفخة الفزع فيفزع أهل السموات والأرض إلّا من شاء الله ويأمره الله فيديمها ويطوّلها فلا يفتر وهي التي يقول الله: وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ [ص/ 15]«2» .
وما دام النفخ في الصور والنقر في الناقور قد ذكر في القرآن مع شيء من البيان في أحاديث نبوية صحيحة فمن واجب المسلم الإيمان بذلك مثل سائر المشاهد الأخروية التي ورد خبرها في القرآن والحديث الصحيح. وهذا لا يمنع القول إن حكمة التنزيل كما اقتضت أن تكون المشاهد الأخروية الأخرى من حساب ونعيم وعذاب مما هو مألوف في الدنيا من صور وبعبارات من بابها على ما ذكرناه في تعليقنا على الحياة الأخروية والجنة والنار في سور الفاتحة والقلم والمزمل اقتضت أن تكون دعوة الناس حين بعثهم من قبورهم وحشرهم يوم القيامة حينما تقترن مشيئة الله بذلك بأدوات وأساليب مألوفة في الدنيا من حيث أن الناس اعتادوا الضرب على الطبول والنفخ بالأبواق والقرون والنقر على الأدوات المصوتة
(1) المصدر السابق نفسه.
(2)
هناك أحاديث أخرى رواها المفسرون في صدد الاستثناء الوارد في آيتي سورتي النحل والزمر سنوردها في مناسباتهما.