الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعض الكلمات حيث جاءت مخالفة للقواعد اللغوية القرآنية. وقد رأينا فيما اطلعنا عليه من المصاحف المخطوطة أخطاء عديدة وقع فيها النساخ ومنهم خطاطون بارعون لا يتهمون بقصور في الإملاء منها ما ترك على حاله، ومنها ما شطب عليه وكتب صحيحه فوقه أو بعده أو على الهامش ومن هذه الأخطاء ما هو أكثر من كلمة أو جزء من كلمة. وكثيرا ما وقع هذا معنا مع أننا كنّا نحرص أن نكتب عن المصحف دون حافظتنا. ولم نطلع على إنكار لحديث عائشة سواء في سنده أو في متنه مثل ما كان بالنسبة لحديث عثمان، بل رأينا في «الإتقان» تعليقا يؤيد صحته ويحاول تعليل ما جاء فيه محاولة غير شافية. ونحن لا نرى في الحديث شيئا شاذا وغير متسق مع طبيعة الأمور على ما نبهنا عليه آنفا.
-
16- القراءات:
تاسعا: القراءات المشهورة:
إن القراءات المشهورة سبع تنسب إلى سبعة أئمة من القراء هم نافع بن أبي رويم في المدينة وعبد الله بن كثير في مكة وأبو عمرو بن العلاء في البصرة وعبد الله بن عامر في الشام وعاصم بن أبي النجود وحمزة بن حبيب الزيات وعلي الكسائي في الكوفة ويضم إليهم أحيانا أبو جعفر بن يزيد في المدينة ويعقوب الحضرمي في البصرة وخلف البزاز في الكوفة فيبلغون عشرة وتبلغ القراءات عشرا.
وأربعة منهم تابعون يروى أنهم تلقوا قراءاتهم عن قراء من الصحابة والباقون تابعو تابعين تلقوا قراءاتهم على ما يروى عن تابعين تلقوا عن قراء من الصحابة. وكل منهم يروي قراءته عن قارئ صحابي معروف كما أن لكل منهم رواة ولكل من رواتهم رواة إلى أن وصل الدور إلى عهد التدوين فدونت القراءات وخلافياتها في تعاريف عامة من جهة وفي كل سورة لحدتها من جهة أخرى.
وتدور هذه الخلافيات على الأغلب في النطاق التالي: (1) مخارج الحروف
كالترقيق والتفخيم والميل إلى المخارج المجاورة كنطق الصراط بإمالة الصاد إلى الزاي (2) والأداء كالمد والقصر والوقف والوصل والتسكين والإمالة والإشمام (3) والرسم كالتشديد والتخفيف مثل «يغشى يغشّى» و «فتحت وفتّحت» والإدغام والإظهار مثل «تذكرون وتتذكرون» والهمز ومدّ الألف مثل «ملك ومالك» و «مسجد ومساجد» لتحمل الرسم النطقين (4) والتنقيط والحركات النحوية مثل «يفعلون وتفعلون» و «أرجلكم وأرجلكم» مثلا.
وقد وضع علماء القراء شروطا أربعة لصحة القراءة الخلافية وهي (1) التواتر بحيث لا تصح قراءة غير القراءة المتواترة والمشهورة (2) وموافقة العربية بوجه ما بحيث لا تصح قراءة خلافية لا تتفق مع قواعد اللغة (3) ورسم المصحف العثماني بحيث لا تصح قراءة خلافية مغايرة للرسم المذكور (4) وصحة سند القراءة بحيث لا تصح قراءة خلافية لا تستند إلى سند وثيق يتصل بأحد قراء الصحابة. واجتماع الشروط الأربعة شرط لازم بحيث لا تصح قراءة خلافية لا تجتمع فيها.
على أن هناك ما يمكن ملاحظته في صدد خلافيات القراءات المذكورة فالمقول والمشروط أن أئمة القراءة قد أخذوا قراءاتهم سماعا عن قراء من الصحابة، وأن قراء الصحابة قد أخذوا قراءاتهم سماعا عن النبي. ومعقول أن يكون قراء الصحابة مختلفين في القراءة الناشئة عن النطق بالحروف وأدائها من ترقيق وتفخيم ومدّ وقصر وإمالة وإشمام ووقف ووصل وتسكين وتنوين حتى ولو قرأوا قراءاتهم على النبي عليه السلام وأجازها لهم على اختلافها في ذلك، وأن يكون سمعها منهم غيرهم من الصحابة والتابعين. ولكن مما يدعو إلى التوقف والنظر أن يكونوا مختلفين في القراءة الناشئة عن الرسم والتنقيط من تشديد وتخفيف وإظهار وإدغام وقراءة المضارع بالغائب أو المخاطب وقراءة بعض الكلمات منصوبة حينا ومجرورة حينا مثل «أرجلكم وأرجلكم» ومفردة حينا وجمعا حينا مثل «مسجد ومساجد» واسم فاعل حينا واسم عادي حينا مثل «ملك ومالك»
ونحو ذلك إلا مع فرض أنهم كانوا يقرأون من المصاحف ولم يسمعوها من النبي، وإن هذا كان شأن أئمة القراءة التابعين وتابعي التابعين فالنبي لم يكن يتلو من مصحف وكان ما يبلغه وحيا، وإذا كان يجنح إلى التيسير كما يدل عليه أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف مما سوف نبحث فيه في مناسبة أخرى «1» فإن هذا منه إنما كان على ما نعتقد بقصد التسهيل على الناس في مخارج الحروف والأداء لأن هذا متصل بتكوين آلة النطق البشرية ومتصل كذلك بعادة إخراج الحروف وأدائها تبعا لاختلاف اللهجات أو المنازل العالية والواطئة والحارة والباردة والتي لا معدى من التسهيل فيها وحكمتها واضحة قائمة وليس في هذا التسهيل تبديل وتغيير في كلمات القرآن وحروفه ونحوه وصرفه. إذ أنه ليس مما يحتمل أن يكون النبي قرأ مرة «يفعلون» وأخرى «تفعلون» ومرة «تغفر» وأخرى «يغفر» ومرة «فتبينوا» وأخرى «فتثبتوا» «2» ومرة «ييأس» وأخرى «يتبين» «3» فضلا عن عدم احتمال تبديله الكلمات بغيرها ولو في معناها مما يروى في غير نطاق رسم المصحف العثماني ولا سيما أن الخلافيات في هذه هي أكثر الخلافيات حتى لقد رأينا الزمخشري في كشافه يروي أمثلة كثيرة جدا منها. ولعله يستقيم أن يفرض أيضا أن القراء التابعين كانوا يقرأون على قراء الصحابة من المصحف قراءات مختلفة ناشئة عن تلك الأسباب والعلل الطبيعية وإن قراء الصحابة كانوا يحبذونها استئناسا بما كان من تساهل النبي وأمره بالتيسير في قراءة القرآن.
أما والحالة على ما ذكرنا فإن مما يخطر للبال سؤال عما إذا كان هناك ضرورة دينية لهذه القراءات المتعددة المختلفة بل والمتباينة حينا في قطر واحد.
والذي نراه أنه ليس هناك من ضرورة دينية لذلك، وخاصة بالنسبة لجمهور المسلمين، وأنه يكفيهم أن يقرأوا القرآن بقراءة واحدة من القراءات المأثورة من
(1) أوردنا هذه الأحاديث وعلقنا عليها في الفصل الرابع من الكتاب «البحث السادس» .
(2)
سورة الرعد، الآية:[31] .
(3)
سورة النساء، الآية [94] .
مصحف كتب بالرسم الدارج بينهم، فيه بعض العلامات الضرورية للوقف والوصل والمد والسكوت ونحو ذلك مما تقتضيه هذه القراءة المأثورة بحيث يكون من الميسور للمسلمين وغيرهم- والمصاحف في متناول الجميع- أن يقرأوا القرآن صحيحا بسهولة ويسر، فلا تكون قراءتهم متوقفة دائما على التلقي، لأن ذلك غير ميسور دائما، ونعتقد أنه إذا لم ييسر هذا على هذا الوجه وقع الحرج من سوء التلاوة وسوء الأداء وتحريف الألفاظ والمعاني.
وليس من بأس إلى هذا بل لعله مستحب أن يكون هناك فئة من الهواة بل فئة تنفق عليها الحكومات الإسلامية أو المؤسسات الدينية لتظل تتدارس القراءات ويتداولها القراء جيلا بعد جيل فإن فائدة ذلك بمثابة الفائدة المستحبة للتي نوهنا بها في الاحتفاظ برسم المصحف العثماني مطبوعا ومخطوطا ومصورا فيستمر ذاك كما يستمر هذا قائما أبدا بين جماعة المسلمين في كل قطر من أقطارهم، مع ملاحظة نراها هامة وهي وجوب عدم الغلو في أداء هذه القراءات وخاصة الغنّ والمط والترديد مما يخرج القرآن عن قدسيته ويضعف نفوذه الروحي ومما يكاد يبدو من القراء أنه بسبيل التعالم والانتفاخ أكثر منه بسبيل الرواية قراءات غير القراءة الدارجة العامة في قطرهم.
ولقد قال الإمام الطحاوي والقاضي الباقلاني وأبو عمر بن عبد البر وغيرهم من أئمة الكلام «1» إن القراءات جميعها كانت رخصة في أول الأمر لتعسر القراءة بلغة قريش على كثير من الناس ثم نسخت بزوال العذر وتيسر الحفظ وكثرة الضبط وتعلم الكتابة. وفي هذا من الوجاهة ما فيه. ولابن قتيبة كلام يمتّ إلى هذا المعنى وفيه من الوجاهة ما فيه حيث قال كان من تيسير الله أن أمر نبيه أن يقرىء كل قوم بلغتهم- يعني بأدائهم الطبيعي في النطق- فالهذيلي يقرأ الحاء عينا والأسدي يقرأ تعلمون بكسر أوله، والتميمي يهمز والقرشي لا يهمز. وللطبري كلام وجيه آخر في تقريره معنى كتابة المصاحف العثمانية حيث قال إن أمير المؤمنين عثمان بن
(1)«الفرقان» لابن الخطيب ص 167.
عفان لما رأى اختلاف الناس في القراءة وخاف من تفرق كلمتهم جمعهم على حرف واحد وهو هذا المصحف الإمام، واستوثقت له الأمة على ذلك بل أطاعت ورأت فيما فعله الرشد والهداية.
ومع أن المدى الذي انطوت عليه هذه المقتبسات يختلف عن المدى الذي قررناه في هذا المبحث فإن فيها فيما نرى ما يمكن الاستئناس به على صواب ما قررناه.