الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باتباعك» كما روى بعضهم أنهم قالوا له: «ليصبح عند رأس كل رجل منا كتاب منشور من الله أنك رسوله نؤمر فيه باتباعك» «1» . ولقد حكت إحدى آيات سورة الإسراء ذلك عنهم فعلا في مناسبة أخرى كما ترى فيها: أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا (93) .
والآية الثانية احتوت تقريرا لواقع الحال من أمرهم وسبب عدم استجابتهم بأسلوب الزجر والاستدراك وهو عدم خوفهم من الآخرة وجحودهم بها. وتلهم أنها بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم.
والآيتان الثالثة والرابعة احتوتا ردا على تحدّيهم وشدة عنادهم في صورة تقرير لمهمة النبي صلى الله عليه وسلم التي هي تذكير وتبليغ للناس ثم تركهم لاختيارهم ومشيئتهم في الاستجابة إليها.
أما الآية الخامسة فإنها احتوت تقريرا بأن مشيئة الناس في التذكر والاستجابة منوطة بمشيئة الله الذي هو الجدير بالاتقاء والخشية والذي هو القادر على العفو والمغفرة.
ولقد روى الترمذي في سياق الآية الأخيرة حديثا عن أنس بن مالك قال:
حيث ينطوي في الحديث توضيح فيه تبشير وترغيب للمتقين.
تعليق على تعبير وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ
ولقد يبدو فيما جاء في الآية الخامسة من إناطة تذكر الناس بمشيئة الله نقض
(1) انظر تفسير الآيات في الخازن.
(2)
التاج ج 4 ص 248.
أو تحديد لما جاء في الآية [37] من تقرير المشيئة للناس إطلاقا. ولقد قال بعض العلماء والمفسرين إن هذه الآية وما في بابها مثل آية سورة الإنسان هذه: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ بسبيل تقرير أن الناس إنما يشاءون بقوة المشيئة التي خلقها الله فيهم. وقال آخرون إن إناطة مشيئة الناس بمشيئة الله تعالى السابقة على مشيئتهم تعني مفهومها الظاهر إطلاقا فلا يشاءون إلّا ما شاء الله «1» . وقد كانت هذه الآية وما يماثلها مدار جدل بين علماء المذاهب الكلامية بسبب ما يبدو من التعارض بينها وبين الآيات الأخرى التي تقرر قابلية الاختيار والمشيئة في الناس إطلاقا.
ونقول أولا إن النظم القرآني جرى أحيانا على نسبة كل شيء من أفعال العباد الواقعة أو المتوقعة إلى الله تعالى وعلى جعل كل شيء منها منوطا بمشيئته مع قيام قرائن في الآيات نفسها أو في غيرها على أنها من كسب العباد ومشيئتهم المباشرة فيما يترافق معها أو يترتب عليها من تثريب وتنديد ووعيد لما يكون ضلالات وانحرافات وتنويه ووعد جميل لما يكون استقامة وحقا وهدى. غير أنه جرى أيضا وفي الأعم الأغلب على نسبة الأفعال والمشيئة إلى العباد مما هو مثبوت في مختلف السور بكثرة تغني عن التمثيل بحيث يسوغ القول إن الأسلوب الأول ينبغي أن يؤول على ضوء ما فيه وما في القرآن من قرائن ولا يصح أن يوقف عند كل عبارة لحدتها لأن في ذلك تعريضا للقرآن للتعارض والاختلاف مما يجب تنزيهه عن ذلك ولا سيما إن في القرآن حلا لما يبدو من توهم في ذلك على ما شرحناه في سياق جملة كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ [31] وإن القول إن الناس يشاؤون بقوة المشيئة التي أودعها الله فيهم هو المتسق مع تقرير المشيئة للعباد وتقرير قابلية الاختيار والكسب فيهم مما انطوى في الآيات السابقة وآيات كثيرة أخرى وهو المتسق مع روح الآية نفسها التي جاءت بعد الآية التي تقرر المشيئة للناس مباشرة. ثم هو المتسق مع حكمة إرسال الرسل ويوم الجزاء الذي يوفى فيه
(1) انظر تفسيرها في تفسير أبي السعود والنيسابوري.