الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قبض يتيما من بين مسلمين إلى طعامه وشرابه أدخله الله الجنة البتة إلا أن يعمل ذنبا لا يغفر له» «1» .
وهناك حديث أورده ابن كثير في سياق الآية [10] من سورة النساء أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري قال: «قلنا يا رسول الله ما رأيت ليلة أسري بك؟ قال: انطلق بي إلى خلق من خلق الله كثير، رجال كلّ رجل منهم له مشفران كمشفري البعير. وهو موكّل بهم رجال يفكون لحاء أحدهم ثم يجاء بصخرة من نار فتقذف في أحدهم حتى تخرج من أسفله. ولهم جؤار وصراخ. قلت يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنّما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا» . وحديث آخر أورده المفسر نفسه في صحيح ابن حبان عن أبي حرزة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث يوم القيامة قوم من قبورهم تأجّج أفواههم نارا. قيل يا رسول الله من هم قال ألم تر إلى أنّ الله قال: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً النساء [10] . حيث يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني في هذا الأمر الخطير كما هو في كل أمر آخر.
وفي الآيات تنديد بمن لا يحض على طعام المسكين. ولقد سبق مثل هذا في آية سورة المدثر وعلقنا عليه بما يغني عن التكرار.
[سورة الفجر (89) : الآيات 21 الى 30]
كَلَاّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (23) يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (25)
وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (26) يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)
. (1) دكا دكا: القصد من ذلك وصف شدة الانهيار والتدمير الذي يحلّ في
(1) المصدر السابق نفسه.
الأرض يوم تقوم القيامة، أو وصف هول هذا اليوم وأثره في الأرض.
(2)
جهنّم: الوادي أو البئر العميق الموحش. ويقال بئر جهنام أيضا بنفس المعنى. ثم صارت علما قرآنيا على الحفرة الهائلة النارية التي يلقى فيها الكفار والمجرمون يوم القيامة. وتعبير وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ تعبير أسلوبي بمعنى هيئت.
(3)
لا يعذب عذابه أحد: يحتمل أن تكون الجملة بمعنى لا يعذب مكانه أحد غيره، كما يحتمل أن تكون بمعنى لا يعذب مثل عذابه أحد بسبيل وصف شدة عذابه «1» . والأول أوجه فيما نرى، لأن العذاب لكل إنسان استحقه.
(4)
لا يوثق وثاقه أحد: الوثاق هو الغل والحبل الذي يقيد به الشيء.
والجملة تحتمل الاحتمالين المذكورين آنفا. والأول أوجه فيما نرى للسبب نفسه.
وقد ذكرت آيات عديدة أن المستحقين للعذاب يوم القيامة يقيدون بالأغلال.
في الآيات تنبيه زجري وردعي لما سوف يكون في يوم القيامة، حيث تندك الأرض اندكاكا شديدا، ويقف الله لمحاسبة الناس والملائكة من حوله صفوفا، وتهيأ جهنم لمستحقيها. وحينذاك يتذكر الإنسان الذي اقترف الأفعال السيئة الباغية ويتمنى أن لو قدم بين يديه الخير والعمل الصالح. ولكن الذكرى لن تنفعه لأنه أضاع وقتها والتمني لن يغني عنه شيئا. وحينذاك يصير إلى العذاب ولن يكون له مفلت منه، ولن يكون له فيه بديل، ويوثق بالأغلال ولن يوثق محله بديل عنه.
أما المؤمنون الصالحون ذوو النفوس الطيبة المطمئنة بما قدمت فيهتف بهم بأن لهم من ربهم الرضاء التام، وبأن مكانهم هو بين عباده الصالحين الأبرار وبأن منزلهم هو الجنة.
والصلة بين هذه الآيات وسابقاتها ملموحة حيث يتبادر أنها تعقيب عليها بقصد بيان ما يكون من مصير الذين يقترفون الأفعال السيئة التي ذكرت في الآيات السابقة بعض نماذجها، وأسلوب الآيات عام مطلق أيضا مثل سابقاتها.
(1) انظر تفسيرها في تفسير الطبري والنيسابوري والآلوسي.
ولقد تكررت في القرآن كثيرا حكاية ما سوف يصدر من الكفار ومقترفي الآثام من ندم وحسرة على ما فعلوه حينما يرون مصيرهم الرهيب يوم القيامة، وقد مرّ مثل هذا في سورة المدثر بأسلوب آخر، كما تكرر الإنذار بأنه لن يغني في الآخرة أحد عن أحد. والمتبادر أن هذا الأسلوب مع ما ينطوي عليه من حقيقة إيمانية مغيبة قد استهدف فيما استهدفه إثارة الندم والخوف في هذه الفئة وحملها على الارعواء قبل فوات الفرصة والندم حيث لا ينفع الندم.
ولقد تكرر في القرآن ذكر وقوف الناس بين يدي الله يوم القيامة أو مجيئه لذلك واصطفاف الملائكة حوله في مشهد الحساب والجزاء يوم القيامة بأساليب متنوعة. والمتبادر أن هذا مع وجوب الإيمان به وكونه في النص من قدرة الله ومع وجوب تنزيه الله عز وجل من مفهوم المجيء والرواح والوقوف والجلوس وغير ذلك من أفعال الخلق وصفاتهم قد استهدف التأثير بالسامعين لأنهم بخطورة المشهد القضائي الأخروي العظيم، قد اعتادوا في الدنيا عقد مجالس قضائية لمحاكمة المجرمين وعقوباتهم. وقد يكون الشأن في هذا هو مثل وصف الجنة والنار بأوصاف اعتادها الناس في الدنيا للتقريب والتمثيل والتأثير في السامعين على ما شرحناه قبل.
ولهذا لا نرى طائلا من التزيد الذي يتزيده بعض المفسرين في صدد هذه المشاهد، ونرى وجوب البقاء في حدود ما جاء عنها في القرآن والسنة الثابتة، مع ملاحظة ذلك الهدف الذي ذكرناه والذي جاء وصف المشاهد الأخروية بأوصاف الدنيا من أجله.
ولقد أولنا جملة وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ بما أولناها به لأن هذا هو الأكثر ورودا من معناها.
والمتبادر أن الآيات الثلاث الأخيرة قد رمت إلى ذكر مصير الصالحين في الآخرة للمقابلة بمصير الآثمين الباغين مما جرى عليه الأسلوب القرآني كثيرا.
وهي قوية رائعة بهتافها وتلقينها وروحها، حيث تنطوي على الإشارة بطمأنينة الجزء الأول من التفسير الحديث 35