الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطاب في الآيات موجه للنبي صلى الله عليه وسلم وقد تضمنت:
1-
أمره بتقديس اسم ربّه الأعلى الذي يستحق كل تقديس وتنزيه. فهو الذي خلق كل شيء وسوّاه على أتم وجه. وهو الذي رتب وحسب في الخلق كل أمر.
وأودع في خلقه قابلية الهدى. وهو الذي أنبت النبات ثم جعله جافا متكسرا أسود اللون بالناموس الذي أودعه في الكون بعد ما كان أخضر لينا.
2-
وتنبيها له بأنه سيوحى إليه بالقرآن ويعلمه إياه، فلا ينسى منه شيئا إلّا ما شاء الله فهو العليم بكل شيء ظاهر وخفي وبمقتضيات كل حال، وبأنه سييسره في أسهل السبل وأيسرها، وبأن عليه أن يدعو الناس إليها ويذكرهم لعل الذكرى تنفعهم وهذه مهمته.
3-
وتقريرا بأن الناس إزاء الذكرى فريقان: تقي صالح وشقي آثم. فالأول هو الذي يخشى العاقبة فيتقبل الدعوة وينتفع بالذكرى، والثاني هو الذي لا يخشى العاقبة فيعرض عن الدعوة والذكرى، فيكون جزاؤه النار الهائلة التي لا يموت فيها فيستريح، ولا يأمل الخلاص منها والحياة الآمنة المطمئنة.
وليس في الآيات إشارة إلى موقف خاص لمكذبين ومناوئين، وإنما هي بسبيل عرض عام للدعوة ومهمة النبي صلى الله عليه وسلم بأسلوب رصين وهادىء معا.
تنبيه على ما أسبغه القرآن والسنّة النبوية على التسبيح من حفاوة
وبمناسبة الأمر بتسبيح الله تعالى في مفتتح السورة نقول إن الأوامر القرآنية للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بتسبيح الله تعالى قد تكررت كثيرا. منها ما فيه أمر بالتسبيح في أوقات معينة، ومنها ما فيه أمر بالتسبيح مطلقا أو في كل وقت. ومنها ما فيه أمر بالتسبيح باسم الله أو التسبيح بحمد الله. ومن السنن النبوية الصحيحة المعمول بها بدون انقطاع صيغة (سبحان الله العظيم) في كل ركوع من كل صلاة وصيغة (سبحان ربي الأعلى) في كل سجود من كل صلاة. حيث تتساوق السنة النبوية مع الأوامر القرآنية.
والتسبيح هو تقديس وتنزيه وذكر لله عز وجل وثناء عليه بما هو أهله. بحيث يسوغ القول إن الأوامر القرآنية والنبوية بمواصلة تسبيح الله تعالى قد هدفت إلى جعل المسلم يديم ذكر الله في كل وقت مقدسا منزها مثنيا حامدا مستعيذا. ولا شك في أن المسلم الذي يداوم على ذلك بصدق وقلب وإيمان يظل مستشعرا بالله عز وجل مراقبا جانبه في كل ما يفعل أو يريد أن يفعل فيجعله ذلك حريصا على تنفيذ أوامره واجتناب نواهيه. ويكون له بذلك وسيلة عظمى من وسائل التربية الروحية والأخلاقية والاجتماعية.
ولقد أثرت أحاديث نبوية عديدة فيها صيغ التسبيح بسبيل تعليم المسلمين وبيان لما في التسبيح من ثواب وقربى عند الله عز وجل. فمن ذلك ما رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهمّ ربّنا وبحمدك اللهمّ اغفر لي» «1» وما رواه مسلم وأبو داود والنسائي عنها أيضا: «أنه كان يقول في ركوعه وسجوده سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والروح» «2» . وما رواه الترمذي وأبو داود عن عبد الله قال: «قال النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا ركع أحدكم فقال في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاث مرات فقد تمّ ركوعه وذلك أدناه وإذا سجد فقال في سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات فقد تمّ سجوده وذلك أدناه» «3» وما رواه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي عن جويرية: «أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلّى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال ما زلت على الحال التي فارقتك عليها قالت نعم قال لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهنّ: سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته» «4» .
وما رواه مسلم والترمذي والنسائي وأبو داود عن أبي هريرة قال: «قال
(1) انظر التاج الجامع، ج 1 ص 169.
(2)
المصدر نفسه.
(3)
المصدر نفسه.
(4)
التاج ج 5 ص 92 و 96.
الجزء الأول من التفسير الحديث 33