الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
8-[تابع إلى تعليقات على الروايات والأقوال]
وثانيا: إن في القرآن المكي ملهمات عديدة لترتيب الآيات في السور وتأليف السور في حياة النبي عليه السلام:
1-
فقد تكرر فيه كلمة «سورة» وخاصة في معرض تحدي المشركين وجاءت مرة بتحديهم بالإتيان بسورة ومرة بعشر سور كما ترى في يونس وهود هاتين:
1-
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ (38) .
2-
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ (13) .
وعبارة الآيات لا تدع مجالا للشك في أن مدلول السورة هو مجموعة مستقلة من الآيات أو الفصول القرآنية، ولا تدع مجالا للشك كذلك في أن مجموعات القرآن حينما نزلت هذه الآيات- وترتيب السورتين يلهم أنهما مما نزل في أواسط العهد المكي- كانت سورا مستقلة تامة حتى يصح التحدي والتمثيل.
وطبيعي أن هذا الأسلوب قد ظل العمل به مستمرا.
2-
إن السور المكية المسجعة أو الموزونة أو المقفاة «1» خمس وستون سورة بما فيها الرحمن والإنسان والزلزلة التي نرجح مكيتها والتي ذكرت مكيتها روايات عديدة في حين أن بعض الروايات قال إنها مدنية منها أربع وخمسون قصيرة هي الفاتحة والناس والفلق والإخلاص وأبي لهب والكافرون والكوثر والماعون وقريش والفيل والهمزة والعصر والتكاثر والقارعة والزلزلة والعاديات والقدر والعلق والتين والانشراح والضحى والليل والشمس والبلد والفجر والغاشية والأعلى والطارق
(1) الفرق فيما نعتقد هو أن الأصل في المسجوع وحدة القافية دون التزام التوازن وأن الأصل في الموزون هو التوازن دون التزام وحدة القافية. ومن الممكن أن يكون المسجوع موزونا أيضا. وفي القرآن نماذج لكل ذلك. وهناك سور احتوت فصولا متنوعة في الوزن والقافية أيضا. وفي كتابنا عصر النبي وبيئته قبل البعثة عرض وبحث في هذا الباب في فصل اللغة القرآنية.
والبروج والانشقاق والمطففون والانفطار والتكوير وعبس والنازعات والنبأ والمرسلات والإنسان والقيامة والمدثر والمزمل والجن ونوح والمعارج والحاقة والقلم والملك والواقعة والرحمن والقمر والنجم والطور والذاريات وق، ووحدة الموضوع في هذه السور بارزة بروزا تاما. فالغرض الصحيح الذي نعتقد أنه لا يصحّ غيره هو أنه نزل كل منها دفعة واحدة وكسبت شخصيتها كسور مستقلة.
وإذا كان من الممكن أن يكون استثناء فهو قليل بالنسبة إلى هذا العدد الكبير من جهة، وهو في الوقت نفسه ليس استثناء ينقض هذا الغرض في جوهره من جهة أخرى. وقد احتطنا بهذا الاستدراك من أجل ما روي من أن آيات العلق الأولى هي أول ما نزل وأنها نزلت منفردة مما يبرره مضمون آيات السورة، ومن أجل ما روي من مثل ذلك بالنسبة إلى آيات سور المزمل والمدثر والقلم الأولى مما يبرره كذلك مضمون آيات السور «1» ثم من أجل ما روي من أن الآية الأخيرة من سورة المزمل مدنية وليست مكية مما يبرره مضمونها أيضا.
3-
إن التدقيق في فصول بقية السور المسجعة أو الموزونة المتوسطة إلى سور ص والصافات ويس وفاطر والشعراء والفرقان وطه ومريم والكهف والإسراء والحجر يظهر تلاحق فصولها وانسجامها بالإضافة إلى تسجيعها وتوازنها. وهذا وذاك يلهمان أو يحملان على الترجيح بأنها هي الأخرى نزلت دفعة واحدة أو فصولا متتابعة بدون اعتراض بفصول من سور أخرى إلى أن تمّ كل منها واكتسب شخصيته كسور مستقلة.
4-
إن السور المكية غير المسجعة وغير الموزونة ست وعشرون، وهي الأحقاف والجاثية والدخان والزخرف والشورى وفصلت وغافر والزمر وسبأ والسجدة ولقمان والروم والعنكبوت والقصص والنمل والمؤمنون والحج «2» والأنبياء والنحل وإبراهيم والرعد «3» ويوسف وهود ويونس والأعراف والأنعام.
(1) في مبحث أوليات الوحي في الجزء الأول من كتابنا «سيرة الرسول» بيان واف لذلك.
(2)
أدخلنا الحج لترجيحنا أن جلّ آياتها مكي وبعض الروايات تذكرها في عداد السور المدنية.
(3)
بعض الروايات تذكر سورة الرعد في عداد المدنيات وبعضها تذكرها في عداد المكيات وأسلوبها ومضمونها يحملان على ترجيح مكيتها.
ووصفنا إياها بغير المسجوعة وغير الموزونة هو من وجه عام، وقد احتوى بعضها فصولا مسجوعة أو موزونة أيضا. ومن هذه السور تسع ضاربة إلى القصر أكثر منها إلى التوسط وهي الأحقاف والجاثية والدخان والزخرف والشورى وفصلت وسبأ والسجدة ولقمان وباقيها متوسط وقريب من الطويل وطويل. ومع أنها غير مسجعة وغير موزونة الآيات كما قلنا فإن خواتم آياتها مركزة. والذي يمعن فيها يجد تلاحقا في السياق وترابطا في الفصول، ويجد أكثرها ذا وحدة موضوعية أيضا.
وكل هذا يلهم أن الضاربات إلى القصر منها قد نزلت دفعة واحدة وأن ما يحتمل أن لا يكون نزل دفعة واحدة من باقي السور قد نزل فصولا متتابعة من دون اعتراض بفصول من سور أخرى. إلى أن تمّ كل منها واكتسب شخصيته المستقلة.
وما جاء في الرقمين 3 و 4 يمكن توثيقه بمميزات القرآن المكي والعهد المكي. فإن هذا العهد كان عهد دعوة، وأحداثه متشابهة من حيث كونها مواقف دعوة وحض وإنذار وتبشير وتنديد وتذكير ووعظ من جانب النبي، ومواقف إنكار وعناد ومكابرة وجدل وتحدّ وأذى من جانب الكفار. والقرآن المكي قد دار جميعه على هذه المواقف المتشابهة فطبيعة هذا العهد لا تقتضي كما يبدو مستقيما نزول فصل من سورة ثم تعقيبه بفصل من سورة أخرى وقبل أن تتم فصول السورة السابقة. وتلاحق فصول السور المكية المتوسطة والطويلة وانسجامها بل ووحدة الموضوع فيها بوجه الإجمال مما يقوم دليلا قويا على ذلك.
5-
إن سبعا وعشرين سورة من السور المكية المتنوعة تبتدئ بحروف متقطعة وهي القلم وق والأحقاف والجاثية والدخان والزخرف والشورى وفصلت وغافر وص ويس والسجدة ولقمان والروم والعنكبوت والقصص والنمل والشعراء وطه ومريم والحجر وإبراهيم والرعد ويوسف وهود ويونس والأعراف. وسبع عشرة منها وجلّها من القصار تبتدئ بالإقسام وهي العصر والعاديات والتين والضحى والليل والشمس والفجر والبلد والطارق والبروج والنازعات والمرسلات والقيامة