الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة القلم
في السورة تثبيت وتطمين للنبي صلى الله عليه وسلم وثناء عليه وحملة على المكذبين وإنذار لهم، وصور لمواقفهم من الدعوة. وفيها قصة جاءت في معرض التذكير والإنذار كما فيها إشارة إلى قصة يونس في معرض تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم.
ومضمون الآيات الأربع الأولى منها والتالية لها يحتمل أن تكون الآيات الأربع نزلت لحدة، وأن تكون بقية الآيات نزلت بعد مدة ما، كما يحتمل أن تكون جميعها نزلت دفعة واحدة. وترتيبها كثانية السور نزولا هو بناء على احتمال نزول الآيات الأربع لحدتها. وعقب آيات سورة العلق الخمس الأولى. فإذا لم يكن هذا الاحتمال صحيحا وكانت الآيات الأربع وما بعدها قد نزلت معا، فلا يكون ترتيبها هذا صحيحا والحالة هذه، ويقتضي أن تكون نزلت متأخرة بعض الشيء. وقد ذكر المصحف الذي اعتمدناه أن الآيات [17- 33] و [48- 50] مدنيات. وأسلوبها ومضمونها يلهمان عدم صحة ذلك.
وآيات السور منسجمة في موضوعها وتسلسلها وسبكها. وهذا يسوغ القول إنها من السور التي نزلت دفعة واحدة أو فصولا متلاحقة، مع ملاحظة ما ذكرناه في صدد آياتها الأربع الأولى.
بسم الله الرحمن الرحيم
[سورة القلم (68) : الآيات 1 الى 4]
بسم الله الرحمن الرحيم
ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (1) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)
الجزء الأول من التفسير الحديث 23
(1)
يسطرون: من سطر بمعنى كتب.
(2)
المنّ: يأتي في القرآن واللغة في معان عديدة. منها القطع، ومنها الإنعام والتفضل. ومنها تعداد النعم في مقام التذكير بالجميل. وجملة غير ممنون هنا بمعنى غير مقطوع على ما عليه الجمهور.
الخطاب في الآيات موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها:
قسم بالقلم وما يكتب الناس به على سبيل التوكيد بأن عناية الله ونعمته شاملتان له، وأنه ليس مجنونا، وأن له أجرا دائما من الله على قيامه بمهمته العظمى وما يتحمله في سبيلها، وأنه على خلق عظيم أهّله لاصطفاء الله وعنايته.
وفي كتب التفسير أقوال عديدة في مدلول حرف (ن) . في بعضها إغراب وخيال. فمن ذلك ما ورد في تفسير ابن عباس الذي يرويه الكلبي عن أبي صالح أنه السمكة التي تحمل الأرضين على ظهرها وهي في الماء وتحتها الثور وتحت الثور الصخرة وتحت الصخرة الثرى ولا يعلم ما تحت الثرى إلّا الله وأن اسم السمكة ليواشي أو ليوتي واسم الثور يهبموت أو يلهوي. وقد ورد في التفسير نفسه إلى هذا إنه اسم من أسماء الله أو إنه الدواة. وهذه الأقوال الثلاثة مروية في كتب تفسير أخرى مثل كتب الطبري والبغوي وابن كثير والخازن وغيرهم عن ابن عباس أو (الرواة) أو كعب الأحبار. وفي الرواية الأولى في تفسير البغوي زيادات أكثر غرابة وخيالا معزوة إلى (الرواة) نرويها كنموذج مستغرب أكثر المفسرون السابقون من إيراد أمثاله على هوامش الألفاظ والأعلام والقصص والمشاهد القرآنية عزوا إلى الأخباريين من أصحاب وتابعين الذين تذكر أسماؤهم أحيانا وتغفل أحيانا حيث جاء فيها: «لما خلق الله الأرض وفتقها بعث من تحت العرش ملكا فهبط إلى الأرض حتى دخل تحت الأرضين السبع فوضعها على عاتق إحدى يديه بالمشرق والأخرى بالمغرب باسطتين قابضتين على الأرضين السبع حتى خبطها فلم يكن
لقدميه موضع قرار فأهبط الله عليه من الفردوس ثورا له أربعون ألف قرن وأربعون ألف قائمة وجعل قرار قدمي الملك على سنامه فلم تستقر قدماه فأخذ الله ياقوتة خضراء من أعلى درجة من الفردوس غلظها مسيرة خمسمائة ألف عام فوضعها بين سنام الثور إلى أذنه فاستقرت عليها قدماه. وقرون ذلك الثور خارجة من أقطار الأرض ومنخراه في البحر فهو يتنفس كل يوم نفسا فإذا تنفس مدّ البحر وأزبد. وإذا ردّ نفسه جزر فلم يكن لقوائم الثور موضع قرار فخلق الله تعالى صخرة كغلظ سبع سموات وسبع أرضين فاستقرت قوائم الثور عليها وهي الصخرة التي قال لقمان لابنه فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ [لقمان/ 16] ولم يكن للصخرة مستقر فخلق الله نونا وهو الحوت العظيم فوضع الصخرة على ظهره وسائر جسمه خال والحوت على البحر والبحر على متن الريح والريح على القدرة يقل الدنيا كلها بما عليها حرفان من كتاب قال لها الجبار كوني فكانت.
ويستمر البغوي في سياقه فيقول: وقال كعب الأحبار إن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهره الأرض فوسوس له فقال له أتدري ما على ظهرك يا لوثيا من الأمم والدواب والشجر والجبال لو تنفثهم ألقيتهم عن ظهرك. فهم لوثيا أن يفعل ذلك فبعث الله دابة فدخلت منخره فوصلت إلى دماغه فعج الحوت إلى الله منها فأذن لها فخرجت. قال كعب: فو الذي نفسي بيده إنه لينظر إليها وتنظر إليه، إن هم بشيء من ذلك عادت إلى ذلك كما كانت
…
وفي كتب التفسير بالإضافة إلى هذه الروايات والأقوال أحاديث معزوة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. سنورد نصوصها بعد قليل في واحد منها أن النون هو الحوت. وفي واحد منها أنه الدواة. وفي واحد منها أنه لوح من نور. وفي الآيات الأخيرة من السورة إشارة إلى يونس عليه السلام بوصفه صاحب الحوت على ما سوف نشرحه بعد. وفي سورة الأنبياء آية فيها إشارة أخرى إلى يونس عليه السلام بوصفه ذي النون: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ [87] ، حيث يمكن أن يكون كون (النون) اسما للحوت الذي ذكر صاحبه