الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي القرآن آيات أخرى تفيد أيضا صحة ما كان يدور في أذهان العرب عن السحر حيث ورد في سورة الأعراف في سياق قصة موسى وفرعون آية فيها حكاية لقول موسى عليه السلام للسحرة وهي هذه: قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116)، وحيث ورد في سورة طه في سياق مماثل هذه الآية: قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (66) .
والمتبادر أن العرب بناء على هذه المفهومات كانوا يظنون ويزعمون أحيانا أن النبي صلى الله عليه وسلم ساحر وأحيانا أنه مسحور وأن القرآن سحر لأنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما لم يعتادوه ويخبر بما لم يكن لهم به عهد وبما لا يمكن مشاهدته وإدراكه في العادة وبما ظنوه مستحيلا. ولأنهم سمعوا من القرآن بلاغة مؤثرة تذهب بلبّ السامع وتؤثر على روحه. ولعل نعتهم إياه بالمسحور كان يعني زعمهم أنه تحت تأثير السحر فيما يقوله ويخبر به ويدعيه ويتلوه.
والآيات التي أوردناها هي بسبيل حكاية الواقع سواء أفي ما ذكرته من أقوال العرب وأشارت إليه من مفهوماتهم أم فيما ذكرته في سياق قصة موسى عليه السلام وسحرة فرعون أكثر منها بسبيل تقرير حقيقة السحر.
وفي سورة البقرة آية في السحر استطرد المفسرون في سياقها إلى موضوع حقيقة السحر وأثره وحكمه وأوردوا بعض الأحاديث والمذاهب في ذلك رأينا أن نؤجلها إلى مناسبتها التي هي أكثر ملاءمة مكتفين الآن بما تقدم.
[سورة المدثر (74) : الآيات 26 الى 31]
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (27) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (30)
وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَاّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَاّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَاّ هُوَ وَما هِيَ إِلَاّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ (31)
(1)
سقر: النار الشديدة الحرارة.
(2)
لا تبقي ولا تذر: تحرق كل أجسادهم ولا تبقي منها شيئا «1» .
(3)
لواحة: حارقة.
(4)
: البشر: في الآية [29] بمعنى بشرات الأجسام وجلودهم وفي الآية [31] بمعنى الناس.
(5)
فتنة: اختبار وابتلاء وامتحان.
الآيات تتمة للآيات السابقة وقد تضمنت:
1-
إنذارا ربانيا لذلك الكافر العنيد بأنه سيصليه النار الشديدة التي لا تبقي ولا تذر الحارقة للجلود.
2-
وإخبارا بأن القائمين عليها تسعة عشر من ملائكة الله.
3-
وتعليلا لحصر العدد حيث ذكر ليكون فتنة ومثار حيرة للكافرين ووسيلة لاستيقان الكتابيين من صحة الدعوة النبوية وصدقها، وسببا لازدياد إيمان المؤمنين.
وفي أسلوب وصف النار من قوة ما يحدث الفزع في النفوس ويحفز إلى الارعواء. وهو مما قصد إليه هنا وفي الآيات الكثيرة الأخرى من جملة ما قصد بالإضافة إلى قصد الإنذار الشديد للكافر العنيد.
ولقد روى الترمذي عن جابر «أن بعض اليهود قالوا لأناس من الصحابة هل يعلم نبيّكم عدد خزنة جهنّم قالوا لا ندري حتّى نسأل نبينا فجاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد غلب أصحابك اليوم قال وبم غلبوا؟ قال: سألهم اليهود فقالوا لا ندري حتّى نسأل نبيّنا قال أيغلب قوم سئلوا عمّا لا يعلمون فقالوا حتى نسأل نبيّنا لكنّهم قد سألوا نبيّهم فقالوا أرنا الله جهرة. عليّ بأعداء الله إنّي سائلهم عن تربة
(1) انظر تفسيرها في الطبري. [.....]