الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الروايات محل نظر، فالآيات الأولى من سورة القلم احتوت آية إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) والآيات الأولى من سورة المزمل احتوت آية وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) والآيات الأولى من سورة المدثر احتوت آية إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) والآيات التي أعقبت الآيات الخمس الأولى من سورة العلق احتوت آيات فيها وصفا لموقف بعض الطغاة من دعوة النبي وصلاته، بالإضافة إلى حكاية السور الثلاث الأولى مواقف بعض الكافرين والمكذبين وجدلهم ومكابرتهم وإلى حملات عليهم فيها بسبب ذلك. فهذا كله يلهم بقوة أنه ينبغي أن يكون قد نزل قبل هذه السور وبعد آيات سورة العلق الخمس الأولى على الأقل قرآن يصح أن يرتل، وأن يقال عنه أساطير الأولين، وقول البشر، وفيه دعوة وإنذار عامان وقد تلي على الناس ودعوا إلى الله به فوقف الكفار منه موقف الجاحد المعاند فنزلت بقية سورة العلق والسور الثلاث الأخرى تحكي مواقفهم وترد عليهم. ومن أجل هذا خمّنّا أن تكون سور الفاتحة والأعلى والشمس والعصر والليل وأمثالها مما لا يحتوي إلا الدعوة والإنذار والأهداف بصورة عامة هي السابقة بالنزول بعد آيات العلق الخمس الأولى إن لم يكن هناك قرآن نزل ثم رفع يحتوي ذلك، ويمكن إيراد أمثلة متعددة أخرى كثيرة أيضا.
تميز الأسلوب المكي والأسلوب المدني:
ونستطرد فنقول إن أسلوب القرآن يساعد بنطاق غير ضيق على التمييز بين السور المكية والسور المدنية بل الآيات المكية والآيات المدنية أيضا فالسور المكية أولا تنحو في الأغلب نحو التسجيع والتوازن، وثانيا تتكثف فيها الدعوة إلى الله وإثبات استحقاقه وحده للخضوع والعبادة ومحاربة الشرك وكل ما يتصل به وتعنيف الكفار وتقريعهم بسببه، وثالثا إن أسلوبها المتصل بالدعوة إلى المكارم الاجتماعية والروحية والإنسانية وبالتحذير من الآثام والفواحش أسلوب دعوة وحض وتشويق وتنديد وتنويه. ورابعا إن القصص ومشاهد الآخرة والحديث عن الملائكة والجن وحكاية أقوال الكفار وجدلهم وافتراءاتهم ونسبهم المختلفة للنبي قد كثرت
وتكررت، وخامسا إن وحدة الموضوع في السور الطويلة والمتوسطة فضلا عن القصيرة ملموحة في كل سورة منها تقريبا، وسادسا إن تلاحق الفصول والسياق جدلا وحكاية وإنذارا وتبشيرا ووعدا ووعيدا وتدعيما وتمثيلا وتذكيرا وقصصا وتطمينا وتوجيها وتلقينا وبرهنة ملموح كذلك في كل سورة منها تقريبا وفي السور المكية تبرز مبادئ الدعوة القرآنية قوية واضحة، وتبرز خصوصيات القرآن ومميزاته الأسلوبية والموضوعية بالنسبة إلى الكتب السماوية الأخرى قوية واضحة كذلك ومن مميزات الأسلوب المكي اللهجة الخطابية القوية النافذة إلى الأعماق والقارعة للأسماع والقلوب واللهجة التي يذكر بها اليهود خاصة حيث خلت من التقريع والتعنيف والجدل والأخذ والرد، وتلك الصور الجحودية والإزعاجية والتشكيكية والدسية الواردة عنهم في القرآن المدني واللهجة المحببة الاستشهادية التي يذكر بها الكتابيون وأولو العلم كأنما هم حزب المسلمين والدعوة النبوية والأسلوب المكي يغلب فيه وصايا الصبر والتطمين والتسكين وعدم المبالاة بمواقف الكفار كما أنه خلا من الحض على الجهاد ووقائع الجهاد وخلا كذلك من ذكر المنافقين ومواقفهم ودسائسهم والحملات القاصمة عليهم. وواضح أن هذا كله متصل بظروف العهد المكي من السيرة النبوية مما نبهنا عليه في سياق التفسير.
أما القرآن المدني فالسجع فيه قليل بل نادر، وطول نفس الآيات غالب، ونقل فيه فصول القصص ووصف مشاهد الآخرة والجن والملائكة والجدل ووصف مشاهد الكون أو تقصر ويكتفى من ذلك بالتذكير والإشارات الخاطفة، وتصطبغ فيه المبادئ والتكاليف التعبدية والأخلاقية والاجتماعية والقضائية والسلوكية بصبغة التقنين والتقعيد، وفيه تشريع الجهاد ووقائعه وظروفها، وفيه إبطال عادات وتقاليد قديمة، وإقرار عادات وتقاليد قديمة أخرى مع الإصلاح والتهذيب، وإنشاء عادات وتقاليد جديدة في سبيل الإصلاح الأخلاقي والاجتماعي، وفيه صور النفاق والمنافقين ومواقفهم، ولهجته عن اليهود لهجة شديدة في الدعوة والتعنيف والتنديد وفيه صورة عن مواقفهم وأحوالهم، وفيه الاستفتاءات والأسئلة القضائية والاجتماعية والأخلاقية والأسروية وأجوبتها التشريعية، وواضح أن هذا كله متسق