الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة النحل
في السورة مواضيع متنوعة، غير أن طابعها المميز تعداد نعم الله ومشاهد عظمته والتذكير بما يسّر الله للناس من وسائل الرزق وسخر لهم من نواميس الكون لإثبات استحقاقه وحده للعبادة والتنديد بالكافرين والمشركين وإنذارهم والتنويه بالمؤمنين الشاكرين وتطمينهم. وفيها مبادئ أخلاقية شخصية واجتماعية رائعة.
وخطة جليلة للنبي والمسلمين عامة في صدد الدعوة إلى سبيل الله. وفيها إشارات إلى عقائد العرب باتخاذ الله بنات وكراهيتهم للبنات. وإلى هجرة المسلمين الأولى، وإلى حوادث ارتداد وعودة بعض المرتدين إلى الإسلام، وإلى قول الكفار بأن شخصا يعلّم النبي، وإلى حادث تبديل آية مكان آية في القرآن، وإلى ما حرّم الله من لحوم وذبائح، وإلى ملّة إبراهيم.
ولا يمكن أن يقال إن فصولها منقطعة عن بعضها بل إن التساوق بينها أو بين أكثرها أكثر ظهورا، وهذا يبرر القول إن فصولها نزلت متتابعة فدونت متتابعة كما نزلت إلى أن تمت.
وقد روي أن الآيات [126- 128] مدنية، وأسلوبها ومضمونها وسياقها يسوغ التوقف في ذلك ويجعل الرجحان لمكيتها.
بسم الله الرحمن الرحيم
[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 4]
بسم الله الرحمن الرحيم
أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَاّ أَنَا فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)
.
(1)
أتى: بمعنى الآتي والواقع والمحقق.
(2)
أمر الله: من المؤولين من أوّل أمر الله بالساعة والقيامة وقال إن الآية مثل اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ [القمر: 1] ومنهم من أوّلها بعذاب الله، وكلا التأويلين محتمل.
(3)
بالروح من أمره: ما اقتضت حكمة الله أن يوحى من أوامره ورسالاته وكتبه وتبليغاته.
(4)
خصيم مبين: مخاصم عنيد ومجادل قوي الجدل.
في الآيات:
1-
توكيد بأن أمر الله آت لا ريب فيه فليتأكد السامعون من ذلك ولا يستعجلوه.
2-
وتنزيه لله عن الشركاء الذين يشركهم معه المشركون.
3-
وتقرير بما جرت عليه عادة الله تعالى من إنزال الملائكة بوحيه وما شاء من رسالاته وكتبه وأحكامه وتبليغاته على من يصطفيهم من عباده لإنذار الناس ودعوتهم إلى الإيمان به وحده واتقائه بصالح الأعمال.
4-
وتنبيه على أنه هو الذي خلق السموات والأرض وأن الذي يقدر على ذلك يكون غنيا ومنزها عن الشركاء.
5-
وتبكيت للإنسان الذي خلقه الله من نطفة تافهة فلم يتورع عن الوقوف منه موقف الخصم العنيد والمجادل المكابر.
وطابع المطلع في الآيات واضح. والخطاب فيها وإن كان عاما فروحها ومضمونها يلهمان أنه موجه إلى الكفار المشركين ومتضمن لمعنى التنديد بهم
وإنذارهم فهم الذين يستعجلون وعد الله وهم الذين يجادلون في آياته ويقفون منه موقف الخصم العنيد. والمتبادر أن الآية الأولى بسبيل الردّ على ما كان يصدر من الكفار من تحدّ باستعجال أمر الله وعذابه الموعود عند ما تأتي الساعة وتقوم القيامة والاستهزاء بالوعد، فأمر الله آت لا ريب فيه.
والآية الثانية وهي تقرر ما جرت عادة الله عليه تتضمن توكيد صحة وحي الله للنبي صلى الله عليه وسلم ورسالته وتقرير كون هذا ليس بدعا يبعث الاستغراب ويسوغ المكابرة، ولا سيما أن دعوته واضحة بسيطة وهي دعوة إلى الله وحده واتقائه بصالح العمل.
ولما كانت السورة السابقة انتهت بالتنديد بالمشركين والنهي عن الإشراك بالله فقد يكون بدء مقصد السورة بتنزيه الله عن الشرك وإنذار المشركين بعذاب الله قرينة على صحة ترتيب نزول السورتين واحدة عقب الأخرى.
ولقد روى الطبري عن ابن جريج قال: لما نزلت الآية الأولى قال رجل من المنافقين إن هذا يزعم أن أمر الله أتى فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى تنظروا ما هو كائن، فلما رأوا أنه لا ينزل شيء قالوا ما نراه أنزل شيء فنزلت:
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [الأنبياء: 1] فقالوا: إن هذا يزعم مثله، فنزلت: وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ [هود: 8] . وروي عن أبي بكر بن حفص قال: لما نزلت أَتى أَمْرُ اللَّهِ رفعوا رؤوسهم فنزلت فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ وروى البغوي أن المشركين لما رأوا أن ما أنذر النبي لم ينزل ونزلت أَتى أَمْرُ اللَّهِ وثب النبي صلى الله عليه وسلم ورفع الناس رؤوسهم وظنوا أنه قد أتى حقيقة فنزلت فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ فاطمأنوا. والروايات عجيبة. وآية سورة الأنبياء نزلت بعد هذه السورة بمدة ما، وآية سورة هود نزلت قبلها بمدة ما حيث يظهر هذا أيضا تفكك الروايات ويسوغ ترجيح كون الآيات وحدة تامة احتوت المقاصد التي شرحناها والله تعالى أعلم.